الفرق بين المراجعتين لصفحة: «العقد الفريد/الجزء الثاني/6»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
ط تصنيف وقالب
 
سطر 1:
===الخضاب===
قال النبي {{صل}}: غَيِّروا هذا الشّيبَ " وجَنِّبوه السوادَ "‏‏.
وكان أبو بكر يَخْضب بالحِنَّاء والكَتَم‏والكَتَم.
وقال مالك بنُ أسماء بن خارجة لجاريته‏لجاريته: " قُومي " اخضبِي رأسي ولِحيتىِ فقالت‏فقالت: دَعْني قد عَييت بما أُرقِّعك‏أُرقِّعك.
فقال مالك بنُ أسماء‏أسماء: عَيَّرْتِني خَلَقاً أَبليتُ جِدَّته وهل رأيت جَديداً لم يَعُدْ خَلَقَا ودخلِ أبو الأسود الدُؤليّ على معاوية وقد خَضَب فقال‏فقال: لقد أصبحتَ يا أبا الأسود جميلاَ فلو عَلَّقت تميمة‏تميمة.
فأنشأ أبو الأسود يقول‏يقول: أَفْنى الشّبابَ الذي فارقتُ بهجَته مَرُّ الجديدَيْن من آتٍ ومُنْطلقِ لم يُبْقِيا ليَ في طُول اختلافهما شيئاً يُخاف عليه لَذْعةُ الحَدَق وذُكر عن الأصمعيّ قال‏قال: بَلغني عن بعض العَرب فصاحةٌ فأتيتُه فوجدتُه يَخْضب فقال‏فقال: يا بن أخي ما الذيَ أَقصدَك إليِّ قلتُ‏قلتُ: الاستئناسُ بك والاستماع من حديثك قال‏قال: يا بن أخي قَصدْتَني وأنا أخْضِب والخضاب من مُقدِّمات الضّعف ولطالما فَزّعت الوُحوش وقُدْت الجيوش وَرَوَّيْت السّيف وقَرَيت الضَّيف وحَميت الجارَ وأبيت العار وشَرِبْتُ الرَّاح وجالستُ المِلاَح وعاديت القُروم وعَلوت الخُصوم واليوم يا بن أخي الكِبَرُ وضعف البصر تركا من بعد الصَّفو الكَدَر وأنشأ يقول‏يقول: شَيْبٌ نُعَلِّله كيما نُسرّ به كهيئة الثَّوب مطويا على خِرَقِ فكنتُ كالغُصْ يَرْتاح الفؤادُ به فصرْتُ عُوداً بلا ماءٍ ولا وَرَق صَبْراً على الدَّهر إنِّ الدّهر ذو غِيَرٍ وأهْلُه منه بين الصفو والرَّنَق " ودخل مُعاويةُ على ابن جعفر يعوده فوجده مُفيقاً وعنده جاريةٌ في حِجْرها عودٌ فقال‏فقال: ما هذا يا بن جعفر فقال‏فقال: هذه جارية أروَيها رقيقَ الشعر فَتَزِيده حُسناً بحُسْن نَغْمتها‏نَغْمتها.
قال: فَلْتقل.
قال‏:‏ فَلْتقل‏.‏
فحرَّكت عُودَها وغنَّت وكان معاوية قد خَضب‏خَضب: أليس عندك شُكْرٌ للَّتي جَعلتْ ما ابيضَ من قادمات الرِّيش كالحُمَم جَدَّت منك ما قد كان أخْلَقه رَيْبُ الزمان وصَرْفُ الدهر والقِدَم فحرَّك معاويةُ رجلَه فقال له ابن جعفر‏جعفر: لم حركت رجلَك يا أميرَ المؤمنين قال‏قال: كلُّ كريم طَروب‏طَروب.
وقال محمود الورّاق في الخِضاب‏الخِضاب: للضيف أَنْ يُقرَى ويُعْرفَ حقُّه والشَّيبُ ضيفُك فاْقْرِه بِخِضَابِ وافي بأكْذَب شاهِد ولربَّما وافي المَشيبُ بشاهِدٍ كذّابِ فافسَخ شهادتَه عليك بخَضبِه تَنْفي الظُّنون به عن المُرْتاب فإذا دنا وَقْتُ المَشيب فخلِّه والشَّيبَ يذهبُ فيه كلِّ ذَهاب وقال آخر‏آخر: وقائلةٍ تقولُ وقد رَأتنْي أًرَقِّع عارضَيّ من القَتِيرِ عليك الخِطْرَ أن تُدَنى إلى بِيضٍ ترائبُهنّ حُور فقلتُ لها المشيبُ نَذِيرُ عُمْري ولستُ مُسَوِّداً وجهَ النَّذير إنّ شَيباً صَلاحُه بخِضَاب لَعَذَابٌ مُوَكَّلٌ بِعَذَاب فوَحَقِّ الشَّباب لولا هَوَى الْبِي ض وأَنْ تَشْمَئِزّ نفسُ الكَعَاَب لأرَحْتُ الخَدًّين مِن وَضر الْخِط ر وآذنتُ بانقضاء الشَّباب وقال غيره‏غيره: َبكَرت تحسِّن لي سوادَ خِضابي لكأنّ ذاك يُعيدني لِشَبابي وإذا أدِيمُ الوَجْه أَخْلَقَه البِلَى لم يُنتَفَع فيه بحُسْن خِضاب ماذا تُرَى يجْدِي عليكِ سوادهُ وخلافُ ما يُرْضيك تحت ثِيابي ما الشَيبُ عندي والخضاب لواصِفٍ إلا كَشَمس جلَلَت بسَحاب تَخْفي قليلاً ثم تَقْشَعه الصَبا فيصيرُ ما سُتِرَت به لِذَهاب ومن قولنا هذا المعني‏المعني: أصمَّم في الغَواية أم أَنابا وشَيبُ الرَّأس قد خَلَس الشَّبَابا إذا نَصل الخِضاب بَكى عليه وَيَضحَك كلما وَصَل الخضابا كأن حمامةً بيضاءَ ظَلَّت تُقاتل في مَفارقه غُرابا قال النبي {{صل}}: مَن شَاب شَيْبة في الإسلام كانت له نُوراً يومَ القيامة‏القيامة.
وقال ابن أبي شَيبة‏شَيبة: نهى رسولُ الله {{صل}} عن نَتْف الشَّيب وقال‏وقال: هو نُور المُؤمن‏المُؤمن.
وقالوا‏وقالوا: أوَّل مَن رأى الشيب إبراهيمُ خليل الرحمن فقال‏فقال: يا ربِّ ما هذا قال له‏له: هذا الوَقار قال‏قال: ربِّ زِدني وقارًا‏وقارًا.
وقال أبو نُواس‏نُواس: يَقُولون في الشّيب الوقارُ لأهْلِه وشَيبي بحمد الله غير وقارِ وقال غيرُه‏غيرُه: يقُولون هلْ بعد الثلاثين مَلْعب فقلتُ وهل قبلَ الثلاثين مَلْعبُ لقد جَلَّ قَدْرُ الشَيب إن كان كُلّما بَدت شَيْبةٌ يَعْرَى من اللهو مَركب دخل أبو دُلَف على المأمون وعنده جارية وقد ترك أبو دُلف الخِضَابَ فغمز المأمونُ الجاريَةَ فقالت " له "‏‏: شِبْت أبا دُلف إنا لله وإنا إليه راجعون " لا " عليك‏عليك! فسكت أبو دُلف‏دُلف.
فقال له المأمون‏المأمون: أجِبْها أبا دُلف‏دُلف: فأطرق ساعةً ثم رَفع رأسه فقال‏فقال: تَهزأت أن رأت شيْبي فقلتُ لها لا تَهْزَئِي مَن يطل عُمرٌ به يَشبِ شَيْبُ الرِّجال لهم زينٌ وَمَكْرُمة وَشَيْبُكًن لَكُنّ الوَيْلُ فاكتئبي وقال محمود الوراق‏الوراق: وعائب عابني بشيبٍ لم يَعْدُ لمّا ألم وَقْتَه فقلتُ للعائبي بشيبي ياعائبَ الشَيب لا بَلغتَه " أنشدني أبو عبد الله الإسْكَنْدراني " معلَم الإخْوة‏الإخْوة: وممّا زادَ في طول اكتئابي طلائعُ شيبتين ألمتا بي فأمِّا شَيْبَةٌ فَفَزِعْتُ فيها إلى المِقراض من حُبِّ التَّصابيِ وأمّا شَيْبةٌ فَعَفَوت عنها لتَشْهد بالبَرَاء من الخِضاب " وقال محمد بن مُناذِر‏مُناذِر: لا سَلامٌ على الشَّباب ولا حَي يا الإلهُ الشبابَ من مَعْهودِ قد لَبِسْت الجديدَ من كلّ شيء فوجدتُ الشَّباب شرَّ جَديد صاحبٌ ما يزال يَدْعو إلى الغي ي وما مِن دُعاً له برَشِيد ولَنِعْم المَشيبُ والوازعُ الشَّي - ب ونِعم المًفادُ لِلْمستفيد كبر السن قيل لأعرابيّ قد أَخذته كَبْرة السِّن‏السِّن: كيف أصبحتَ فقال‏فقال: أصبحتُ تقيِّدني الشَّعرةُ وأَعثُر بالبَعْرة قد أقام الدهرُ صَعَرِي بعد أن أقمتُ صَعَره‏صَعَره.
وقال‏وقال: " آخر "‏‏: لقد كنت أنْكِر البيضاءَ فصرْت أُنْكِر السوداءَ فيا خير مَبْدول ويا شرَّ بَدَل‏بَدَل.
ودخل المُسْتَوْغِرِ بنُ ربيعة على معاويةَ بن أبي سُفيان وهو ابن ثلثمائة سنة فقال‏فقال: كيف تَجدك يا مُسْتوغر فقال‏فقال: أَجِدني يا أميرَ المؤمنين قد لان مِنِّي ما كنتُ أحبّ أن يشتدّ واشتدّ مني ما كنتُ أحبُّ أن يَلين وابيضّ مني ما كنتُ أحبُ أن يسودّ واسودّ مني ما كنتُ أحبّ أن يَبْيضَ ثم أَنشأ يقول‏يقول: سَلْني أنَبِّئك بآياتِ الكِبَرْ نوم العِشاءِ وسُعال بالسَّحَرْ " وقِلَّةَ النَّوْم إذا الليل آعْتَكر " وقِلّة الطُّعْم إذا الزَّاد حَضَر " وسُرْعة الطَّرَف وتَحْمِيج النظر " وتَرْكُك الحَسناءَ في قُبْل الطُّهُر والناسُ يَبْلَوْن كما يَبْلى الشًجَر وقال أعرابي‏أعرابي: أشْكو إليك وَجَعاً برُكْبتي وَهَدجاناً لم يَكًن في مِشْيتي كهَدَجان الرَّأل خَلْف الهَيْقَتِ وقال آخر‏آخر: وقال جرير‏جرير: تَحِنّ العِظام الرّاجفاتُ من البِلَى ولَيْس لداء الركْبتين طبيبُ وقال أعرابيّ في امرأة " عَجُوز "‏‏: يا بِكْرَ حَوَّاءَ من الأوْلاد وأقدمَ العالم في المِيلادِ عُمْركِ ممدودٌ إلى التَّنادِي فحدًثينا بحَدِيث عادِ ومُبْتدا فِرعون ذي الأوْتاد وكيف حالُ السَّيل بالأطْوادِ وقال آخر‏آخر: إذا عاش سَبْعين عاماً فقد ذَهب المَسرةُ والفَتَاءُ كان في غَطفان نَصْر بنُ دُهْمان قادَ غَطفان وسادَها حتى خرِف وعُمِّر تسعين ومائة سنةٍ حتى اسودَّ شَعرُه ونَبتت أضراسُه وعاد شاباً فلا تُعرف في العرب أعجوبة مثله‏مثله.
وقال محمد بن مناذر في رجل من المُعمَّرين‏المُعمَّرين: إنَّ مُعاذَ بنَ مُسْلم رَجلٌ قد ضَجّ من طُول عُمره الأبدُ قد شابَ رأسُ الزَّمان واكتهل الدَّه ر وأثوابُ عُمْره جدُد يا نَسْرَ لُقمان كم تعيشُ وكم تَسْحَبُ ذَيْلَ الحياةِ يا لُبَد تَسأالُ غِرْبانها إذا حجَلت كيفَ يكون الصّدَاع والرَّمد ودخل الشّعبيّ على عبد الملك بن مَرْوَان فوَجده قد كبا مُهْتَمًّا فقالت‏فقالت: ما بالُ أمير المؤمنين قال‏قال: يا شعبيِّ ذكرتُ قولَ زُهير‏زُهير: كأني وقد جاوزت سَبْعين حِجًةً خَلعتُ بها عنِّي عِذَارَ لجامي رَمَتني بناتُ الدهر من حيث لا أَرى فكيف بمن يُرْمى وليس بِرَامي فلو أنني أرْمَى بِنبْلٍ رأيتها ولكنًني أرْمَى بغير سِهام عَلَى الرَّاحَتَيْن تارةً وعلى العصا أُنُوءُ ثلاثاً بعدهنَّ قِيامي قال له الشًعبيُّ‏الشًعبيُّ: ليس كذلك يا أميرَ المؤمنين ولكن كما قال لَبِيدُ ابن ربيعة وقد بلغ سبعين سنة كأني وقد جاوزتُ سَبْعينَ حِجَّةً خلعتُ بها عن مَنْكِبَّيَّ رِدَائيَا فلما بلغ سبعاً وسبعين قال‏قال: باتت تَشكّى إلى النفسُ مُجهِشةً وقد حملتُكِ سبعاً بعد سَبْعيناً فإن تُزَادي ثلاثاً تَبْلُغي أملاً وفي الثلاثِ وفاءٌ للثّمانينَا فلما بلغ مائة سنة قال‏قال: فلما بلغ مائة سنةٍ وعشراً قال‏قال: أليسَ في مائةٍ قد عاشها رجُلٌ وفي تَكامُل عَشْرٍ بعدها عُمُرُ فلما بلغ ثلاثينَ ومائةً وقد حضرَتْه الوفاة قال‏قال: تَمَنَئ ابنتاي أن يَعيشَ أبوهما وهل أنا إلا منِ رَبيعةَ أو مُضرْ فقُوما وقُولا بالذي تَعْلمانه ولاتَخْمِشَا وجها ولا تَحْلِقَا شَعَر وقولا هو المرءُ الذي لا صَدِيقَه أضاع ولا خانَ الخليلَ ولا غَدر إلى الحَوْلِ ثم اسمُ السلام عليكما ومَن يَبْكِ حولاً كاملاً فقد اعتذَر قال الشّعبيّ‏الشّعبيّ: فلقد رأيت السرورَ في وجه عبد الملك طمعاً أن يعيشها‏يعيشها.
وقال لبيد أيضاً‏أيضاً: أليسَ ورائِي إن تراختْ مَنِيَّتي لُزُومُ العَصا تُحْنَى عليها الأصابعُ أخَبر أخبارَ القُرون التي مَضت أدِبُّ كأنّي كلما قمتُ راكِع فأصبحتُ مثل السيفِ أَخْلق جَفْنَه تَقادمُ عهدِ القَيْن والنَصْلُ قاطِع وقالوا‏وقالوا: مكتوبٌ في الزّبور‏الزّبور: مَن بَلغ السبعين أشتكي من غير علّة‏علّة.
وقال محمد ابن حسّان النِّبطي‏النِّبطي: لا تَسأل نفسك العامَ ما أعطتك في العام الماضي‏الماضي.
وقال مُعاويةُ لما أَسنَّ‏أَسنَّ: ما مَرَّ شيءٌ كنتُ أستلذّه وأنا شابّ فأجِده اليومَ كما أجده إلا اللبن والحديث الحَسَن‏الحَسَن.
عاش ضِرَارُ بن عمرو حتى وُلد له ثلاثةَ عشرَ ذكراً فقال‏فقال: مَن سَرَّه بنوه ساءته نفسُه‏نفسُه.
وقال ابن أبي فَننِ‏فَننِ: مَن عاشَ أَخْلقتِ الأيام جدَته وخانَه ثِقَتاه السَّمعُ والبَصرُ قالت عَهِدْتًك مَجنوناً فقلتُ لها إنّ الشبَابَ جُنونٌ بُرْؤُه الكِبر قال أبو عُبيدة‏عُبيدة: قيل لشَيْخ‏لشَيْخ: ما بَقَى منك قال يَسْبقني مَن بي يَديّ ويُدْركني مَن خَلْفي وأذكر القديمَ وأنْسى الحديثَ وأنْعسِ في الملا وأسْهرُ في الخَلا وإذا قمتُ قَرُبَتِ الأرض مِنِّي وإذا قَعدْتُ تباعدت عَنّي‏عَنّي.
وقال حُمَيد بن ثَوْر الهِلاليّ‏الهِلاليّ: أرى بَصرِي قد رابني بعد صِحَّةٍ وحَسْبُك داءً أن تَصِحَّ وتَسْلَمَا وِقال آخر‏آخر: كانت قَنَاتي لا تَلِينُ لغامزٍ فألانَهَا الإصباحُ والِإمْساءُ وَدَعَوْتُ رَبِّي بالسلاَمة جاهِداُ لِيُصِحًني فإذا السلامةُ داء وقال أبو العتاهية " ويروى للقُطاميّ "‏‏: " أَلستَ تَرَى أنّ الزَّمانَ طواني وبدَّل عقلي كلّه وبَرَاني " تَحَيَّفَني عُضْواً فَعُضْواً فلم يَدَع سوى اسمي صحيحاً وحدَه ولِساني ولو كانت الأسماء يَدْخُلها البِلَىِ إذاً بَليَ اسمي لامتدادِ زَمانِي وما ليَ أَبْلَى لِسَبْعِينَ حجَّةَ وَسبع أَتَتْ مِن بعدها سَنَتان إذا عَنًّ لي شيءٌ تَخيَّل دونه شَبيهُ ضَباب أو شَبيهُ دُخان وقال الغَزال‏الغَزال: أصبحتُ واللهّ مَحْسودأً على أَمدٍ مِنَ الحياة قَصيرِ غير مُمتَدِّ حتى بقيتُ بحمد الله في خَلَفٍ كأنّني بينهم من وَحْشًةٍ وَحْدي وما أُفارق يوماً مَن أفارقه إلا حَسِبْت فِراقِي آخرَ العَهد وقال آخر‏آخر: يا مَن لشيخٍ قد تَخَدَّد لحمُه أَفنَى ثلاثَ عمائمٍ أَلوانا سوداءَ حالكةً وسَحْقَ مُفوَف وأجدَّ لوناً بعد ذاك هِجَانَا قَصَرَ اللّيالي خَطْوَه فَتَدَاني وحَنَينْ قائم صُلبه فتحانىَ إنِّي وإن كان مَسنَّى كِبر على ما قد تَرَيْنَ من كِبَرِى أَعرفُ من قبل أن تُفَارِقَني موقعَ سَهْمِي والسهمُ في الوتَر " من صحب من ليس من نظرائه لخصال فيه كان حارثةُ بن بَدر الغُدَانيِّ فارسَ بني تميم وكان شاعراً أديبَا ظريفاً وكان يُعاقرا الشَّرابَ ويَصْحب زياداَ فقيل لزياد‏لزياد: إنك تَصْحب هذا الرجلَ وليس من شاكِلَتك إنهُ يُعاقر الشراب فقال‏فقال: كيف لا أَصحبه ولم أَسْأله عن شيء قطّ إلا وجدتُ عنده منه عِلماً ولا مَشىَ أمامي فاضطرَّني أن أناديه ولا مَشى خَلْفي فاضطرَّني أن أَلتفتَ إليه ولا راكَبني فمسَّتْ رُكْبتي رُكْبَتَه‏رُكْبَتَه.
فلما هلك زيادٌ قال حارثةُ بنُ بَدْر يَرْثيه‏يَرْثيه: أَبا المُغِيرَةِ والدُنيا مُغَرِّرَةٌ وإِنّ مَن غَرَّت الدُّنيا لَمَغْرورُ قد كان عِنْدك للمَعْروف مَعْرِفَةٌ وكان عندك للتَّنْكير تَنْكِير لو خلدَ الخيرُ والإسلامُ ذا قِدَمٍ إذاً لخلّدَك الإسلامُ والخِير وتمامُ هذه الأبياتِ قد وقعتْ في الكتاب الذي أَفْرَدناه للمَرَاثي‏للمَرَاثي.
وكان زياد لا يُدَاعب " أحداً " في مجلسه ولا يَضْحَك فاختصم إليه بنو راسِب وبنو الطُّفَاوَة في غُلام أثْبته هؤلاء وهؤلاء فَتَحَيَّر زيادٌ في الحًكم‏الحًكم.
فقال له حارثةُ ابن بدر‏بدر: عِنْدي أكرمَ اللهّ الأميرَ في هذا الغلام أمرٌ إن أذِن الأميرُ تكلّمت به فيه قال‏قال: وما عندك فيه قال‏قال: أرى أن يُلْقَى في دِجْلة فإن رَسَب فهو لِبَني راسِب وإن طفا فهو لبني الطُّفَاوَة فتبسَّم زياد وأَخَذَ نَعْليه ودخل ثم خَرج فقال لحارثة‏لحارثة: ما حَمَلك على الدُّعابة في مَجلسي قال‏قال: طَيِّبَةٌ حَضرَتْني أبقى الله الأمير خِفْت أن تَفُوتنِى قال‏قال: لا تَعُدْ إلى مثلها‏مثلها.
ولما وَليَ عُبيد اللهّ بن زياد بعد موت أبيه اطرحَ حارثةَ بنَ بدر وجفاه‏وجفاه.
فقال له حارثةُ‏حارثةُ: مالك لا تُنْزلني المنزلةَ التي كان يُنزِلني أبوك أتدَّعي أنّكَ أفضلُ منه أو أعقل قال له‏له: إنّ أبي كان بَرَع في الفضل بُرُوعاَ لا تَضرّه صُحْبَة مثلك وأنا حَدَث أخشى أن تَحْرِقني بنارك فإنْ شِئْتَ فاتْرُك الشراب وتكونَ أوَلَ داخل وآخِرَ خارج قال‏قال: والله ما تركتُه لله فكيف أتركه لك قال‏قال: فتخَيَّرْ بلداً أوَلِّيكه‏أوَلِّيكه.
فاختار سُرَّق من أرض العِراق فولاّه إياها‏إياها.
فكتب إليه أبو الأسود الدُؤلي وكان صديقاً له‏له: أحارَ بنَ بَدْرٍ قَدْ وَليتَ وِلايةً فكُنْ جًرَذاً فيها تَخُون وتَسْرِقُ وباهِ تَمِيَماَ بالغِنى إنّ للغنى لِساناً به المرْء الهيوبة يَنطق وما الناس إلا اثنان إما مُكَذِّبٌ يقول بما يهْوَى وإمَّا مُصدِّق يقُولون أقوالاً ولا يحْكِمُونها فإنْ قيل يوماً حققوا لم يُحَقَقُوا فدع عنك ما قالوا ولا تَكْترث بهم فحظك من مال العِرَاقين سُرّق وكان ابن الوليد البَجليّ وهو ابن أخت خالد بن عبد الله القَسْرِيّ ولي أصبهان وكان رجلاً مُتَسَمِّتاً مُتَصَلحاً فَقدِمَ عليه حمزةُ بن بيض بن عَوْف " راغباً " في صُحْبته فقيل له‏له: إنّ مثل حمزة لا يَصْحب مثلَك لأنه صاحبُ كِلاب ولهو فبعث إليه ثلاثةَ آلاف درْهم وأمره بالانصراف‏بالانصراف.
فقال فيه‏فيه: يابن الوليد المُرْتَجَى سَيْبهُ ومن يُجَلي الحدث الحالِكَا سَبِيلُ مَعْروفك مني عَلَى بالٍ فما بالِي عَلَى بالِكا حَشْوُ قميصي شاعرٌ مُفْلِقٌ والجودُ أمْسى حشو سربالِكا يلومك النَّاسُ على صُحْبتٍي والمِسْكُ قد يستصحبِ الرّامِكا إنْ كُنتَ لا تَصحَب إلا فَتى مِثْلك لن تُؤْتىَ بأمْثَالِكا إنيّ آمرُؤ جئتُ أريد الهُدَى فَعُد على جَهلي بإسْلامِكا قال له‏له: صدقتَ وقَرَّبه وحَسُنت منزلته " عنده "‏‏.
وكان عبدُ الرحمن بن الحَكم الأمير قد عَتَب على نُدمائه‏نُدمائه! فأَمرَ نَصْراً الفتى بإسقاطهم من ديوان عَطائه ولم يَسْتبدل بهم‏بهم.
فلما كان بعد أيام أستوحش لهم فقال لِنصر‏لِنصر: قد استوحشنا لأصحابنا أولئك فقال له نصر‏نصر: قد نالهم من سخْط الأمير ما فيه أدبٌ لهم فإن رأى أن يُرْسل فيهم أرْسلت قال‏قال: أرْسِلْ‏أرْسِلْ.
فأقبل القومُ وعليهم كآبة فأخذُوا مجالسهم ولم يَنشرحوا ولا خاضُوا فيما كانوا يَخُوضون فيه فقال الأميرُ لِنصر‏لِنصر: ما يَمنع هؤلاء من الانشراح قال‏قال: عليهم أَبقى الله الأمير وَجْمَةُ السُخط الذي نالهم قال‏قال: قُلْ لهم‏لهم: قد عَفَوْنا فليَنْشرحوا‏فليَنْشرحوا.
قال فقام عبد الرحمن بن الشَمر الشاعرِ المُتنجِّم فجثا بين يديه ثم أنشد شَعراً له أقذع فيه على بعض أصْحابه إلا أنه خَتمه ببيتين بديعين وهما‏وهما: فيا رَحْمَةَ الله في خَلْقه ومَن جُوده أبداً يَسْكُبُ لئن عِفْتَ صُحْبة أهل الذُّنوب لقلَّ مِن الناس من يُصْحَب وأَحسنُ ما قيل في هذا المعنى قولُ النابغة‏النابغة: ولمسْتَ بِمُسْتَبْق أخا لا تَلُمّه على شَعَثٍ أيُّ الرِّجال المُهَذَّبُ قولهم في القرآن كتب المَرِيسيّ إلى أبي يحيى مَنصور بن محمد‏محمد: اكتب إليَّ‏إليَّ: القرآنُ خالق أو مَخْلوق فكتب إليه‏إليه: عافانا الله وإياك من كلِّ فِتْنة وجَعَلنا وإِيَّاك من أهل السُّنة وممن لا يَرْغب بنفْسه عن الجماعة فإنه إن تَفْعل فأعْظِم بها مِنَّة وإن لا تَفْعل فهي الهَلَكة ونحن نقول‏نقول: إنّ الكلامَ في القرآن بِدعة يتكلّف المُجيبُ ما ليس عليه ويتعاطى السائل ما ليس له وما نعلم خالقاً إلا الله وما سِوى الله فمخلوق والقرآنُ كلام الله فانْتَه بنفسك إلى أسمائه التي سماه الله بها فتكونَ من الضالين جَعلنا الله وإياك من الذين يَخْشَوْن رَبَّهم بالغيب وهم من الساعة مُشْفِقون‏مُشْفِقون.
==كتاب الجوهرة في الأمثال==
" قال أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه "‏‏: قدْ مَضى قولُنا في العِلْم والأدب وما يتولّد منهما ويُنْسب إليهما من الحِكَم النادرة والفِطَن البارعة ونحن قائلون بعَوْن الله وتوفيقه في الأمثال التي هي وَشيُ الكلام وجوهر اللفظ وحَلْى المعاني والتي تخيَّرتْها العربُ وقَدَّمتها العجم ونُطِق بها " في " كل زمان وعلى كلِّ لسان فهي أبقى من الشعر وأشرف من الخطابة لم يَسِرْ شيءٌ مَسِيرَها ولا عَمَّ عُمومَها حتى قيل‏قيل: أسير من مثل‏مثل.
" وقال الشاعر "‏‏: ما أنتَ إلا مَثَلٌ سائرُ يَعْرفه الجاهلُ والخابرُ وقد ضرب الله عزَّ وجلَّ الأمثالَ في كتابه وضربها رسول الله {{صل}} في كلامه قال اللهّ عز وجل‏وجل: " يَا أَيُّهَا الناسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فاسْتَمِعُوا لَه "‏‏.
وقال‏وقال: " وَضَرَبَ الله مَثَلاً رَجُلَينْ "‏‏.
ومِثْلُ هذا كثير في آي القرآن‏القرآن.
فأوّلُ ما نبدأ به أمثالُ رسول اللهّ {{صل}} ثم أمثالُ العلماء‏العلماء.
ثم أمثالُ أكْثَم بن صَيْفِيّ وبُزُرْجِمهر الفارسيّ وهي التي كان يَسْتَعملها عفرُ بن يحيى في كلامه ثم أمثالًُالعرب التي رواها أبو عُبيد وما أشبهها من أمثال العامة ثم الأمثالُ التي أمثال رسول الله {{صل}} قال النبي {{صل}}: ضرب الله مثلاً صِراطاً مُستقيماً وعلى جَنْبي الصراط أبوابٌ مُفَتَحة وعلى الأبواب سُتور مَرْخِيَّة وعلى رأس الصراط داعٍ يقول‏يقول: ادخُلوا الصراطَ ولا تَعْوَجُّوا‏تَعْوَجُّوا.
فالصراطُ الإسلامِ والستورُ حدودُ الله والأبواب محارمُ الله والداعي القرِان‏القرِان.
وقال " النبي " {{صل}}: مَثلُ المُؤْمن كالخامة من الزرع يُقَلِّبها الريِحُ مرَّة كذا ومرَة كذا ومَثلُ الكافر مثل الأرزَة المُجْذِيَة على الأرض " حتى " يكون انجعافُها بِمَرّة‏بِمَرّة.
وسأله حُذَيفة‏حُذَيفة: أبعدَ هذا الخير شرّ يا رسول الله فقال‏فقال: جماعة " على " أقْذَاء وهُدْنَة على دَخَن‏دَخَن.
وقولُه حين ذَكر الدنيا وزينتَها فقال‏فقال: إنَّ مما يُنْبت الرّبيعُ ما يَقْتُل حَبَطاً أو يُلِمّ‏يُلِمّ.
وقال لأبي سُفْيان‏سُفْيان: أنت أبا سفيان كما قالوا‏قالوا: كلُّ الصيد في جَوْف الفَرَا‏الفَرَا: وقال حين ذكر الغُلوّ في العِبَادة‏العِبَادة: إنّ المنبَتّ لا أرضاً قَطع ولا ظَهْراً أبْقى‏أبْقى.
وقال {{صل}}: إياكم وخَضرَاءَ الدِّمن‏الدِّمن.
قالوا‏قالوا: وما خَضراء الدِّمن قال‏قال: المرأةُ الحَسْناء في المَنْبت السّوء‏السّوء.
وذكر الرِّبا في آخر الزمان وافْتِنَانَ الناس به فقال‏فقال: مَن لم يَأكلْه أصابه غُبارُه‏غُبارُه.
وقال‏وقال: الإيمانُ قَيَّدَ الفَتْك‏الفَتْك.
وقال {{صل}}: الولدُ لِلْفراش وللعاهر الحَجَر‏الحَجَر.
وقال في فرس‏فرس: وجدتُه بَحْراً‏بَحْراً.
وقال‏وقال: إنّ من البيان لَسِحراً‏لَسِحراً.
وقال‏وقال: لا ترْفع عصاك عن أهلك‏أهلك.
وقال {{صل}}: لا يُلْدغ المؤمن من جُحر مرَّتين‏مرَّتين.
وقال‏وقال: الحَرْب خدَعة‏خدَعة.
وله {{صل}} وعلى آله أمثالٌ كثيرة غيرُ هذه ولكنَّا لم نذهب في كل باب إلى استقصائه وإنما ذهبنا إلى أن نِكْتَفيَ بالبعض ونَسْتدلّ بالقليل على الكثير ليكونَ أسهلَ مَأخذاً للحفظ وأبرأ من المَلالة والهرب‏والهرب.
وتفسيرها‏وتفسيرها: أمِا المثل الأول فقد فَسَّره النبي {{صل}}.
وأما قوله‏قوله: المؤمن كالخامة والكافر كالأرْزة فإنَه شَبه المُؤْمن في تصرّف الأيام به وما يناله من بلائها بالخامة من الزَرْع تُقلَبها الريحُ مرة كذا ومرة كذا‏كذا.
والخامة " في قول أبي عُبيد "‏‏: الغَضّة الرَّطبة من الزَرع‏الزَرع.
والارْزة‏والارْزة: واحدة الأرز وهو شجر له ثمر يقال له الصَّنَوْبر‏الصَّنَوْبر.
والمُجْذِية‏والمُجْذِية: الثابتة وفيها لغتان‏لغتان: جَذَي يجذو وأجْذَى يجذِي‏يجذِي.
والانجعاف‏والانجعاف: الانقلاع يقال‏يقال: جَعفت الرجل إذا قلعتَه وصرعتَه وضربت به الأرض‏الأرض.
وقوله لحُذيفة‏لحُذيفة: هُدْنة على دَخَن وجَمَاعة على أقذاء أراد ما تَنطوي عليه القُلوب من الضًغائن والأحقاد فشبّه ذلك بإغضاء الجفون على الأقذاء‏الأقذاء.
والدَّخن‏والدَّخن: مأخوذ من الدُّخان جعله مثلا لما في الصُّدور من الغِلّ‏الغِلّ.
وقوله‏وقوله: إنَ مما يُنبت الرّبيع ما يَقْتُل حَبَطاً أو يُلمّ فالحَبط كما ذكر أبو عُبيد عن الأصمعيّ‏الأصمعيّ: أن تأكل الدابة حتى تَنْتفخ بطنُها وَتمْرَض منه يقال‏يقال: حَبِطَتِ الدَّابةُ تَحْبِط حَبَطاً‏حَبَطاً.
وقوله‏وقوله: أو يُلم معناه‏معناه: أو يَقْرُب من ذلك ومنه قوله إذ ذكر أهل الجنة فقال‏فقال: إنّ أحدَهم إذا نَظر إلى ما أعدَّ الله له في الجنَّة فلولا أنه شيء قَضَاه الله له لألمّ أن يَذهب بَصرُه " يَعْنى " لما يَرى فيها يقول‏يقول: لَقَرُب أن يَذهب بصرُه‏بصرُه.
وقوله لأبي سُفيان‏سُفيان: كلُّ الصَّيد في جَوْف الفَرا فمعناه أنّك في الرجال كالفَرا في الصيد وهو الحمار الوَحْشيّ وقال له ذلك يتألّفه على الإسلام‏الإسلام.
وقولُه حين ذكر الغلوَّ في العبادة‏العبادة: إن المنبَتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى‏أبقى.
يقول‏يقول: إن المُغِذَّ في السير إذا أَفرط في الإغذاذ عطبت راحلتُه من قبل أن يَبْلُغ حاجَته أو يَقْضيَ سَفَرَه فشبّه بذلك مَن أَفْرَطَ في العِبادة حتى يَبْقى حَسِيراً‏حَسِيراً.
وقوله في الرِّبا‏الرِّبا: من لم يأكله أصابه غُباره إنما هو مَثل لما ينال الناسَ من حُرْمته وليس هناك " تُراب ولا " غُبار‏غُبار.
وقولُه‏وقولُه: الإيمانُ قَيَّدَ الفَتْك أي مَنع منه كأنه قَيْدٌ له‏له.
وفي حديث آخر‏آخر: لا يَفْتك مؤمن‏مؤمن.
وقوله في فرس‏فرس: وجدتُه بَحْراً وإنّ من البيان لَسِحْراً إنما هو على التمثيل لا على التحقيق‏التحقيق.
وكذلك قوله‏قوله: الولد لِلفِراش وللعاهر الحَجَر‏الحَجَر.
معناه‏معناه: أنه لا حق له في نَسب الوِلد‏الوِلد.
وقوله {{صل}}: لا ترفَعْ عَصاك عن أهلك إنما هو الأدب بالقَول ولم يُرد ألا تَرْفع عنهم العصا‏العصا.
وقوله‏وقوله: لا يُلْدغ المُؤمن من جُحر مرّتين معناه أنّ لَدْغَ مرة يَحْفظ من أخرى‏أخرى.
وقولُه‏وقولُه: الحرب خَدعة يريد أنها بالمكر والخديعة‏والخديعة.
خَطب النعمانُ بن بَشِير على مِنْبر الكوفة فقال‏فقال: يا أهلَ الكوفة إني وجدتُ مَثَلي ومَثَلَكم كالضّبُع والثَعلب أتيا الضَب في جُحْره فقالا‏فقالا: أبا حِسْل‏حِسْل: قال‏قال: أجِبْتما " لمَ جِئْتُما " قالا‏قالا: جِئناك نَخْتصم قال‏قال: في بَيْته يؤتىَ الحَكم قالت الضَبع‏الضَبع: فتحتُ عَيْبتي قال‏قال: فِعْلَ النساء فعلتِ قالت‏قالت: فلقطتُ تمرة قال‏قال: حُلْوًا جنيتِ قالت فاختطفها ثُعالة قال‏قال: نفسه بَغَى - ثُعالة‏ثُعالة: اسم الثعلب الذكر والأنثى - قالت‏قالت.
فلطمتُه لطمةً قال حقًا قضيتِ قالت‏قالت: فلَطَمني أخرى قال‏قال: كان حُرّا فانتصر قالت‏قالت: فاحكم الآن بيننا قال‏قال: حَدِّث حديثين امرأة وإن لم تَفْهم فأَرْبعة‏فأَرْبعة.
وقال عبد الله بنً الزُّبير لأهل العِراق‏العِراق: وَدِدْتُ والله أنّ لي بكم من أهل الشام صَرْفَ الدِّينار بالدِّرهم‏بالدِّرهم.
قال له رجلٌ منهم‏منهم: أتدري يا أَميرَ المؤمنينَ ما مَثلنا ومَثلك ومَثل أهل الشام قال‏قال: وما ذاك قال‏قال: ما قاله أعشى بكر حيث يقول‏يقول: عُلِّقْتُها عَرَضاً وعُلِّقت رجلاً غيري وعُلِّق أخرى ذلك الرجلُ أَحببناك نحن وأحببتَ أنتَ أهلَ الشام وأحب أهل الشام عبد الملك " بن مروان "‏‏.
مثل في الرياء يحيى بنُ عبد العزيز قال‏قال: حدَّثني نعَيم عن إسماعيل " عن " رجلٍ من ولد أبي بكر الصدِّيق رضوانُ الله عليه عن وَهْب بن مُنَبِّه قال‏قال: نَصب رجلٌ من بني إسرائيل فَخّا فجاءت عُصفورة فنزلت عليه فقالت‏فقالت: مالي أراك مُنْحَنياً قال‏قال: لكثرة صلاتي انحنيت قالت‏قالت: فمالي أراك باديةً عِظامُك قال‏قال: لكثرة صيامي بدت عظامي قالت‏قالت: فمالي أرى هذا الصُّوفَ عليك قال‏قال: لزُهْدي في الدُّنيا لبستُ الصُوف قالت‏قالت: فما هذا العِصا عندك قال‏قال: أتوكأ عليها وأقضي " بها " حَوائجي قالت‏قالت: فما هذه الحبّة في يَدك قال‏قال: قُرْبان إِن مرّ بي مِسْكين ناولتُه إياها قالت‏قالت: فإنِّي مِسكينة قال‏قال: فخَذيها‏فخَذيها.
فَدَنت فَقَبضت على الحبّة فإذا الفخُّ في عُنقها‏عُنقها.
فجعلت تقول قَعِي قَعِي تفسيره‏تفسيره: لا غرّني ناسكٌ مُرَاءٍ بعدك أبداً‏أبداً.
داودُ بنُ أي هِنْد عن الشّعْبِيّ‏الشّعْبِيّ: أنّ رجلاً من بني إسرائيل صاد قُبَّرة فقالت‏فقالت: ما تُريد أن تَصنع بي قال‏قال: أذبحك فآكلُك قالت‏قالت: والله ما أشْفي من قَرَم ولا أغْنى من جُوع ولكنِّي أعلِّمك ثلاثَ خِصال هي خَيْر لك من أَكْلي‏أَكْلي: أما الواحدة فأعلِّمك إياها وأنا في يدك والثانيةُ إذا صرتُ على هذه الشجرة والثالثة إذا صِرْت على هذا الجَبل‏الجَبل.
فقال‏فقال: هاتِ " الأولى "‏‏.
قالت‏قالت: لا تَتَلَهَّفنَّ علٍى ما فاتك فخلَّى عنها‏عنها.
فلما صارتْ فوْقَ الشجرة قال‏قال: هاتِ الثانيةَ قالت‏قالت: لا تصِدِّقن بما لا يكون أنه يكون ثم طارت فصارت على الجبل فقالت‏فقالت: يا شَقيّ لو ذَبحتني لأخْرجت من حَوْصلتي درَّة وَزْنها عشرون مثقالا‏مثقالا.
قال‏قال: فَعَضّ علىٍ شَفَتَيْه وتلهّف ثم قال‏قال: هاتِ الثالثة قالت له‏له: أنت قد نَسِيت الاثنتين فكَيف أعلّمك الثالثة ألم أقل لك‏لك: لا تتلهفنَّ على ما فاتك فقد تلهفت عَلَيّ إذ فُتُّك وقلت لك‏لك: لا تُصَدِّقن بما لا يكون أنه يكون فصدّقت أنا وعَظْمِي وريشي لا أَزن عشرين مثقالا فكيف يكون في حوْصلتي ما يزنها‏يزنها! وفي كتاب للهند‏للهند: مثلُ الدُّنيا وآفاتها ومَخاوفها والموت والمعاد الذي إليه مَصير الإنسان‏الإنسان.
قال الحكيمُ‏الحكيمُ: وجدت مثل الدنيا والمَغرُور بالدنيا المَملوءة آفات مثلَ رجل ألجأ خوْفٌ إلى بِئر تدلى فيها وتعلَّق بغُصْنين نابتين على شَفير البئر ووقعتْ رجلاه على شيء فمدَهما فنظر فإذا بحيّات أَرْبع قد أَطْلعن رؤوسهن من جُحورهن ونظر إلى أسفل البئر فإذا بثُعبان فاغر فاهُ نحوَه فرفع بصره إلى الغُصْن الذي يتعلق به فإذا في أصله جُرَذان أبيضُ وأسود يَقْرضان الغُصن دائبيَنْ لا يَفْتُرَان فبينما هو مُغْتمّ بنفسه وابتغاء الحيلة في نجاته إذ نظر فإذا بجانب منه جُحْرُ نَحْل قد صَنَعْن شيئاً من عَسل فَتَطاعم منه فَوَجَدَ حلاوتَه فَشغلته عن الًفِكْر في أمره واْلتماس النَّجاة لنفسه ولم يَذْكُر أنّ رِجْلَيْه فوق أربع حيَّات لا يدْري متى تُسَاوره إحداهن وأنّ الجُرَذَيْنِ دائبان في قَرْض الغُصْن الذي يتعلَق به وأنهما إذا قطعاه وقع في لَهْوة التِّنّين ولم يزل لاهياً غافلاً حتى هَلَك‏هَلَك.
قال الحكيم‏الحكيم: فشبَّهت الدنيا المملوءة آفاتٍ وشروراً ومخاوفَ بالبئر وشبَّهت الأخلاط التي بُني جَسَدُ الإنسان عليها من المِرَّتين والبَلغم والدَّم بالحيّات الأربع وشَبهت الحياة بالغُصنين اللذين تعلَّق بهما وشَبَّهت الليل والنهار ودورانهما في إفْناء الأيام والأجيال‏والأجيال! بالجُرَذَين الأبيض والأسود اللذين يَقْرِضان الغُصْنَ دائبَينْ لا يَفْترَان وشبّهتُ الموت الذي لا بد منه بالتِّنين الفاغر فاه وشبَّهْتُ الذي يرى الإنسانُ ويَسمع " ويَطعم " ويَلْمس فَيُلْهيه ذلك عن عاقبة أمره وما إليه مَصِيرة بالعُسَيلة التي تطاعمها‏تطاعمها.
من ضرب به المثل من الناس قالت العربُ‏العربُ: أَسْخَى من حاتم وأَشجع من رَبيعةَ بن مُكَدَّم وأَدْهَى من قَيْس بن زُهير وأعزُّ من كُلَيب وائل وأَوْفي من السّمَوأَل وأَذْكى من إياس بن معاوية وأَسْود من قَيْس بن عاصم وأَمْنع من الحارث بن طالم وأبلغ من سَحْبان وائل وأَحْلم من الأحْنف بن قيس وأَصْدق من أبي ذرّ الغفاريّ وأكذب من مُسَيلمة الحَنَفيّ وأعيا من باقل وأَمْضى من سُليك المَقَانب وأنْعم من خُرَيم النَّاعم وأحمق من هَبنَّقة وأفْتك من البراض‏البراض.
من يضرب به المثل من النساء يقال‏يقال: أشْأم من البَسُوس وأمنع من أم قِرْفة وأحمق من دُغة وأَقْوَد من ظُلْمِة وأبصرَ من زَرْقاء اليمامة - البَسوس‏البَسوس: جارة جساس بن مُرَّة بن ذهل بن شيْبان ولها كانت الناقة التي قُتل من أجلها كُلَيب بن وائل وبها ثارت بين بَكر بن وائل وتَغْلب " الحرب " التي يُقال لها حَرْب البَسوس‏البَسوس.
وأم قِرْفة‏قِرْفة: امرأة مالك بن حُذَيفة بن بَدْر الفَزاريّ وكان يُعَلَق في بيتها خمسون سيفاً كلُّ سيف منها لذي مَحْرَم لها‏لها.
ودُغَة‏ودُغَة: امرأة من عِجْل بن لُجَيم تزوَجت في بني العَنْبر بن عمرو بن تميم‏تميم.
وزَرقاء بني نُمير‏نُمير: امرأة كانت باليمامة تُبصر الشَعَرةَ البيضاء " في اللبن وتَنْظُر الراكب على مسيرة ثلاثة أيام وكانت تُنذر قومها الجُيوش إِذا غَزَتهم فلا يَأتيهم جَيْشٌ إلا وقد استعدُّوا له حتى احتال لها بعضُ مَن غزاهم فأمر أصحابَه فقطعوا شجراً وأمْسكوه أمامهم بأيديهم ونظرت الزَرقاء فقالت‏فقالت: إنِّي أرى الشجر قد أقبل إليكم قالوا لها‏لها: قد خَرِفْت ورَقّ عقلُك وذَهَب بصرُك فكذَّبوها وَصبِّحتهم الخيلُ وأغارت عليهم وقُتلت الزَّرقاء‏الزَّرقاء.
قال‏قال: فَقوَّرُوا عَينيها فوجدوا عُروق عينيها قد غرِقت في الإثمد من كثرة ما كانت تَكْتحل به‏به.
وظُلمة‏وظُلمة: امرأة من هُذيل زَنت أربعين عاماً " وقادت أربعين عاماً فلما عَجزت عن الزِّنا والقَوْد اتَّخَذت تَيْساَ وعَنْزاً فكانت تُنْزِى التَيْس على العنز فقِيل لها‏لها: لم تَفْعلين ذلك قالت‏قالت: حتى أسمع أنْفاس الْجِماع‏الْجِماع.
ما تمثلوا به من البهائم قالوا‏قالوا: أَشجع من أسد وأَجْبن من الصَّافر وأمْضى من لَيْث عِفَرِّين وأحْذَر من غُراب وأبصر منِ عُقاب " مَلاَع " وأَزْهَى من غُرَاب وِأَذلُّ من قراد " بمَنْسِم " وأَسْمَع من فرَس وأنوَم من فَهْد وأعقُّ من ضب وأجبن من صِفْرِد " وأحقد من جَمَل " وأضرع من سِنَّوْر وأسرَق من زَبابة وأصبر من عَوْد وأَظْلم من حَيّة وأَحنُّ من ناب وأكذبُ من فاخِتة وأعزُّ من بيْض الأنُوق وأَجْوَع من كلْبة حَوْمل وأعزُّ من الأبلق العقوق 0 الصَافر‏الصَافر: ذو الصَّفير من الطّير والعَوْد‏والعَوْد: المُسِن من الجمال‏الجمال.
والزَّبابة‏والزَّبابة: الفأرة تَسرِق دود الحرير‏الحرير.
والأنُوق‏والأنُوق: طَيْر يقال إنه‏إنه: يبيض في الهواء‏الهواء.
وفاخِتة‏وفاخِتة: طير يَطير بالرًّطب في غير أيامه‏أيامه.
===ما ضرب به المثل من غير الحيوان===
قالوا‏قالوا: أَهْدَى من النجم وأجود من الدِّيم وأصْبح من الصّبح وأَسْمَح من البَحر وأنْوَر مِن النَهار وأقْوَدُ من ليل وأمْضى من السيل وأحمق من رِجْلة وأحْسن من دُمية وأَنْزَه منْ روْضة وأَوسع من الدَهناء وآنسُ من جَدْول وأضيق من قَرَار حافِر وأوْحش من مَفازة وأثقل من جَبل وأبقى من الوَحْي في صُمِّ الصِّلاب وأخفُّ من ريش الحَواصِل‏الحَواصِل.
مما ضربوا به المثل قولهم‏قولهم: قَوْس حاجِب وقرْط مارِيَة وحَجَّام سَابَاط وشَقَائِق النعمان وندَامة الكسَعِيِّ وحَدِيث خرافة وكَنْزُ النّطِف وخُفَّا حُنَيْن وعِطْر مَنْشِم‏مَنْشِم.
أمّا قوسُ حاجب فقد فَسرَّنا خبرَه في كتاب الوفود وأما قُرْط مارية فإِنها مارية بنتُ ظالم بن وَهْب بن الحارث بن مُعاوية الكِنْدِي وأختها هِنْد الهُنود امرأة حُجْر آكل المُرار وابنها الحارث الأعرج الذي ذَكره النابغة والحارثُ الأعْرج خَيْرُ الأنام وإياها يَعْنى حسانُ بن ثابت بقوله‏بقوله: أولادُ جَفْنةَ حَوْلَ قَبْر أبيهمُ قبر ابن ماريةَ الكريم المُفضِل وأما حَجام ساباط فإنه كان يَحْجُم الجيوشَ بِنَسِيئةٍ إلى انصرافهم من شدّة كَساده وكان فارسيّا وساباط هو ساباط كِسْرى‏كِسْرى.
ونُسبت شَقائق النُّعمان إليه لأنّ النُعمان بنَ المُنذر أمرَ بأن تُحْمَى وتُضْر قَبته فيها استحساناً لها فنُسبت إليه والعربُ تُسَمِّيها الشَقِر‏الشَقِر.
وأما خُرافة فإن أنس بنَ مالك يَرْوي عن النبي {{صل}} أنه قال لعائشة رضي الله عنها‏عنها: إن من أصدق الأحاديث حديث خُرافة‏خُرافة.
وكان رجلاً من بني عُذْرة سَبتَهْ الجِنّ وكان معهم فإذا استرقوا السمعَ أخبروه فيًخُبِرُ به أهلَ الأرض فَيَجدُونه كما قال‏قال.
وأما كَنْز النَّطِف فهو رجلٌ من بني يَرْبوع كان فقيراً يَحْمل الماء على ظَهْره فَيَنْطُف أي يَقْطُر وكان أغار علىِ مالٍ بَعث به باذانُ من اليمن إلى كِسْرى فأَعْطِى منه يوماً حتى غَرُبت الشمس فَضربت به العربُ المَثل " في كثْرة المال "‏‏.
وأما خُفَا حُنَين فإنه كان إِسكافاً من أهل الحيرة ساوَمَه أعرابي بخُفَّين فاختلفا حتى أَغْضبه فأَراد أن يَغِيظ الأعرابيّ فلما ارتحل أخذ أحدَ الخُفين فألقاه في طريق الأعرابيّ ثم أَلقى الآخر بموضع آخر على طَرِيقه فلما مَرَّ الأعرابيّ بالخُف الأول قال‏قال: ما أشبه هذا بِخُفِّ حُنين لو كان معه صاحبُه لأخذتُه فلمِا مَرَّ بِالآخر نَدِم على تَرْك الأوّل فأناخ راحلتَه وانصرف إلى الأوّل وقد كَمن له حُنين فوَثب على راحلته وذَهب بها وأقبل الأعرابيّ ليس معه غير خفَّي حُنَين فَذَهبت مَثَلاً‏مَثَلاً.
وأما عِطْر مَنْشِم فإِنها كانت امرأة تَبيع الحُنوط في الجاهليّة فقِيل للقوم إذا تَحاربوا‏تَحاربوا: دَقّوا عِطْر مَنْشِم يُراد بذلك طِيب المَوْتى‏المَوْتى.
وأما نَدامة الكُسَعيّ فإنه رجل رَمى فأصاب وظَنّ أنه أخطأ فكَسر قوسَه فلما علم نَدِم على كَسر قوسه فضرِب به المثل‏المثل.
 
{{العقد الفريد/الجزء الثاني}}