فتركني حتى سَكن جأشي ثم قالقال: مَهْيم فدفعتُ إليه الكتاب فقرأه مُتبسّماً فلمّا مَضى فيه ضَحك حتى بدت له سِنٌّ سوداء ثم استقصاه فانصرف إليّ فقالفقال: كيف رأيتَ إشفاقَه قالقال: فقصصتُ عليه ما رأيتُ منه فقالفقال: صلواتُ الله على الصادق الأمين " إنّ من البيان لسحراً " ثم قَذف الكتاب إليّ فقالفقال: اقرأ فقرأتُه فإذا فيهفيه: بسم الله الرحمن الرحيمالرحيم.
لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين وخليفة ربِّ العالمين المُؤيَّد بالولاية المَعصوم من خَطل القول وزَلل الفعل بكفالة الله الواجبة لذَوي أَمره من عَبدٍ اكتنفته الذِّلة ومَدَّ به الصَّغار إلى وَخيم المَرْتع ووَبيل المكْرع من جليلٍ فادح ومُعتدٍ قادحٍقادحٍ.
والسلام عليك ورحمةُ الله التي اتسعت فَوسعت وكان بها إلى أهل التَّقوى عائدا فإني أحمدُ إليك الله الذي لا إله إلا هو راجياً لعَطفك بعَطفه أما بعدبعد.
كان الله لك بالدَّعة في دار الزَوال والأمن في دار الزِّلزالالزِّلزال.
فإنه من عُنيت به فكرتُك يا أمير المؤمنين مَخْصوصاً فما هو إلا سَعيد يُوثر أو شَقيٌّ يُوتر وقد حَجَبني عن نواظر السعد لسانُ مرصِد ونافسٌ حَقِد انتهز به الشيطانُ حين الفكرة فافتتح به أبوابَ الوَساوس بما تَحْنق به الصُّدورالصُّدور.
فواغوثاه استعاذة بأمير المؤمنين من رَجيم إنما سلطانُه على الذين يتولّونه واعتِصاماً بالتَّوكّل على من خَصَّه بماَ أجزل له من قَسْم الإيمان وصادق السنةالسنة.
فقد أراد اللَعين أن يَفْتُق لأوليائه فَتْقاً نَبا عنه كيدُه وكثر عليه تحسَّرْه بَليِّة قَرع بها فكرَ أمير المؤمنين مُلبساً وكادحاً ومُؤرشاً ليُفل من عزمه الذي نَصبني له ويُصيب ثأراً لم يَزل به موتوراًموتوراً.
وذَكر قديمَ ما مُني به الأوائل وكيف لحقتُ بمثله منهم وما كُنت أبلوه من خِسَّة أقدار ومُزاولة أعمال إلى أن وصلتُ ذلك بالتشرُط لرَوح بن زِنباعزِنباع.
وقد علم أمير المؤمنين بفضل ما اختار الله له تبارك وتعالى من العلم المأثور الماضي بأنّ الذي عُيِّر به القوم من مَصانعهم من أشدِّ ما كان يُزاوله أهلُ القُدْمة الذين اجتبى الله منهم وقد اعتصموا وامتَعضوا من ذكر ما كان وارْتفعوا بما يكون وما جَهل أميرُ المؤمنين - وللبيان موقعُه غيرَ مُحتج ولا متعد - أنّ متابعةَ رَوح بن زِنباع طريقُ الوسيلة لمن أراد مَن فوقه وأنّ رَوْحاً لم يُلْبسْني العزمَ الذي به رَفعني أميرُ المؤمنين عن خَوله وقد ألصقتْني برَوْح بن زِنباع هِمَّةٌ لم تزل نواظرُها تَرْمي بي البعيدَ وتُطالع الأعلامالأعلام.
وقد أخذتُ من أمير المؤمنين نصيباً اقْتسمه الإشفاقُ من سَخطته والمُواظبة على مُوافقته فما بقي لنا في مثله بعده إلا صُبابة إرث به تَجول النفس وتَطْرِف النواظرالنواظر.
ولقد سِرْتُ بعين أمير المؤمنين سيرَ المَثبِّط لمن يَتلوه المُتطاول لمن تقدّمه غيرَ مبتٍّ مُوجِف ولا مُتثاقل مُجْحِف ففتُّ الطالبَ ولحقت الهارب حتى سادت السنة وبادت البدعة وخسئ الشيطان وحُملت الأديان إلى الجادّة العُظمىالعُظمى.
والطريقة المُثلىالمُثلى.
فهأنذ يا أميرَ المؤمنينالمؤمنين: نُصْبَ المسألة لمن رَامني وقد عقدت الحَبْوة وقَرنت الوَظِيفين لقائل مُحتَج أو لائمٍ مُلْتجّمُلْتجّ.
وأميرُ المؤمنين وليُ المظلوم ومَعْقل الخائفالخائف.
وستُظهر له المِحنةً نبأ امرى ولكُل نبأ مستقرمستقر.
وما حَفَنت يا أميرَ المؤمنين في أوعية ثَقيف حتى رَوي الظمآن وبَطِن الغَرثان وغَصَت الأوعية وانقدَت الأوكية في آل مَروان فأخذت فضلاً صار لها لولاهم للقطتْه السابلةالسابلة.
ولقد كان ما أنكره أميرُ المؤمنين من تحاملي وكان ما لو لم يكن لعظُم الخطبُ فوق ما كان وإنَّ أميرَ المؤمنين لرابعُ أربعة أحدُهم ابنة شُعيب النبيِّ {{صل}} إذ رَمت بالظن غرضَ اليقين تفرُّساً في النجيّ المُصطفى بالرسالة فحقَّ لها في الرجاء وزالت شُبهة الشكّ بالاختبار وقبلَها العزيزُ في يوسف ثم الصدِّيق في الفاروق رحمةُ الله عليهما وأميرُ المؤمنين في الحجَّاجالحجَّاج.
وما حَسد الشيطانُ يا أمير المؤمنين خاملاً ولا شَرق بغير شَجىشَجى.
فكم غيظة يا أمير المؤمنينالمؤمنين.
للرجيم أدبر منها وله عواء وقد قلّت حيلتُهحيلتُه.
ووَهن كيْدُه يوم كيْت وكيت ولا أظنّ اذكرَ لها من أمير المؤمنينالمؤمنين.
ولقد سمعتُ لأمير المؤمنين في صالحٍ صلواتُ الله عليه وفي ثَقيف مقالاً هَجم بي الرجاءُ لعدله عليه بالحُجَّة في ردّه بمُحكم التنزيل على لسان ابن عمه خاتَم النبيّين وسيد المرسلين {{صل}} فقد أخبر عن الله عز وجلّ وحكاية عن الملأ من قُريش عند الاختيار والافتخار وقد نَفخ الشيطان في مناخرهم فلم يَدَعوا خلف ما قصدوا إليه مرمىمرمى.
فقالوافقالوا: " لولا نزل هذا القُرآنُ على رجُل من القَرْيَتين عَظِيم ".
فوقع اختيارهم عند المُباهاة بنَفْخة الكُفر وكِثر الجاهلية على الوليد بن المغيرة المخزومي وأبي مَسْعود الثَّقفي فصارا فيا الإفْتخار بهما صِنْوين ما أنكر اجتماعَهما من الأمة مُنكر في خبر القرآن ومبلِّغ الوحيالوحي.
وإن كان ليُقال للوليد في الأمة يومئذ رَيْحانة قُريش وما ردّ ذلك العزيز تعالى إلا بالرَّحمة الشاملة في القَسم السابق فقال عزّ وجلّوجلّ: " أهم يَقسمون رَحْمة ربك نحن قَسَمْنا بينهم مَعيشَتَهم في الحَياة الدُّنيا ".
وما قدَّمتْني يا أميرَ المؤمنين ثقيفُ في الاحْتجاج لها وإنّ لها مقالاً رحباً ومُعاندة قديمة إلا أنّ هذا من أيسر ما يَحتجّ به العبدُ المُشفق على سيِّده المُغضب والأمر إلى أمير المؤمنين عَزل أم أقرّ وكلاهما عَدْل مُتَّبعمُتَّبع.
وصواب معتفدمعتفد.
والسلام عليك يا أميرَ المؤمنين ورحمة اللهالله.
قال نُباتةنُباتة: فأتيتُ على الكتاب بمَحضر أمير المؤمنين عبد الملك فلما استوعبتُه سارقتُه النظَر على الهيبَة منه فصادف لَحظي لَحظه فقالفقال: اقطعه ولا تُعلمنَّ بما كان أحداً فلما ماتمات.
عبدُ الملك فشا عنّي الخبر بعد موتهموته.
محمد بن المُنتشر بن الأجدع الهَمداني قالقال: دَفع إليَّ الحجاج رجلاً ذِمِّيا وأَمرني بالتَّشديد عليه والإستخراج منه فلمِا انطلقتُ به قال ليلي: يا محمد إنّ لك لشَرَفاً ودِيناً وإن لا أعطي على القَسر شيئاً فاستَأْذِني وارفُق بيبي.
فقالفقال: ففعلتُ فأدى إليّ في أسبوع خَمسمائة ألفألف.
فبلغ ذلك الحجَّاجَ فأَغضبه فانتزعه منِ يدي ودَفعه إلى الذي كان يتولّى له العذاب فدقّ يديه ورجليه ولم يُعطهم شيئاً قال محمد بن المنتشرالمنتشر: فإني لسائرٌ يوماً في السوق إذا صائح بي يا محمد فالتفتُّ فإذا أنا به مُعرّضاً على حمار مَدقوقَ اليدين والرِّجلينوالرِّجلين.
فخفت الحجاجِ إن أتيتُه وتذمَّمتُ منه فملتُ إليه فقال ليلي: إنك وَليتَ منّي ما ولي هؤلاء فرفقتَ بي وأحسنتَ إليَّ وإنهم صنعوا ما ترى ولم أعطهم شيئاً ولي خُمسمائة ألف عند فلان فخُذها مكافأة لما أحسنتَ إليّإليّ.
فقلتفقلت: ما كنْتُ لآخذ منك على معروفي أجراً ولا لأرزأك على هذه الحال شيئاًشيئاً.
قالقال: فأمّا إذا نبت فاسْمع منِّي حديثاً أحدِّثك به حدَّثنيه بعض أهل دينك عن نبيِّك صلى الله عله وسلم أنه قالقال: " إذا رضي الله عن قوم أَنزل عليهم المطر في وَقته وجعل المالَ في سُمحائهم واستْعمل عليهم خِيارهم وإذا سَخط على قوم أنزل عليهم المطر في غير وَقته وجعل المال في بُخلائهم واسْتعمل عليهم شرارهم ".
فانصرفتُ فما وضعت ثوبي حتى أتاني رسولُ الحجَّاجالحجَّاج.
فسرتُ إليه فألفيتُه جالساً على فراشه والسيفُ مُصَلت بيدهبيده.
فقال ليلي: ادْنُ فدنوْتُ شيئاًشيئاً.
ثم قال ليلي: ادن فدنوتُ شيئاًشيئاً.
ثم قال لي الثالثةالثالثة: ادْنُ لا أبَالكأبَالك! فقلتُفقلتُ: ما بي إلى الدنوَ من حاجة وفي يد الأمير ما أَرىأَرى.
فضحك وأغمد سيفَه وقالوقال: اجْلس ما كان من حديث الخبيث فقلت له أيها الأمير والله ما غششتُك منذ اسْتنْصحتَني ولا كذبتُك منذ اسْتَخبرتني ولا خُنتك منذ ائتمنتني ثم حدَثتهحدَثته.
فلما صرتُ إلى ذكر الرجل الذي المالُ عنده اعرض عنّي بوجهه وأومأ إليَّ بيده وقالوقال: لا تُسَمِّه ثم قالقال: إنَّ للخبيث نفساً وقد سمع الأحاديثالأحاديث.
ويقالويقال: إن الحجَّاج كانَ إذا اسْتَغرب ضَحِكاً والَى بين الاسْتغفار وكان إذا صَعد المِنبر تلفّع بمطْرَفه ثم تكلَم رويداً فلا يكاد يسمع ثم يتزيّد في الكلام فيُخرج يَده من مطْرَفه ثم يَزجر الزَّجرة فيَقْرع بها أقصى مَن في المسجدالمسجد.
صعد خالدُ بن عبد الله القَسريّ المِنبر في يوْم جمعة وهو إذ ذاك على مكة فذكر الحجَّاجَ فحَمِد طاعته وأثنى عليه خَيْراًخَيْراً.
فلما كان في الجمعة الثانية وَرد عليه كتابُ سليمان بن عبد الملك يأمره فيه بشَتم الحجاج ونَشرْ عُيوبه وإظهار البراءة منهمنه.
فَصَعِد المِنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قالقال: إنّ إبليس كان مَلَكاً من الملائكة وكان يظْهر منِ طاعة الله ما كانت الملائكة ترى له به فضلاً وكان الله قد عَلم من غِشّه وخُبثه ما خفِي على ملائكته فلما أراد الله فضيحتَه أَمره بالسُّجود لآدم فظهر لهم منه ما كان مُخفيه فلعنوهفلعنوه.
وإن الحجَّاج كان يُظهر من طاعة أمير المؤمنين ما كُنَّا نرى له به فَضْلاً وكأنَّ الله قد أطلعَ أميرَ المؤمنين من غِشه وخبثه على ما خفي عنَّا فلما أراد الله فضيحتَه أجرى ذلك على يد أمير المؤمنين فلعنه فالْعنوه لَعنه الله ثم نزلنزل.
ولما أُتي الحجاج بامرأة ابن الأشعث قال للحَرسيِّللحَرسيِّ: قل لهالها: يا عدوَّة الله أين مال الله الذي جعلتِه تحت ذَيلك فقال لها الحرسيُالحرسيُ: يا عدوة الله أين مال الله الذي جعلتِه تحت استك قال الحجاجالحجاج: كذبْت ما هكذا قلتقلت.
أرْسِلْها.
أرْسِلْها.
فخلي سبيلَهاسبيلَها.
أبو عَوانة عن عاصم عن أبي وائل قالقال: أرسل الحجاج إلي فقال ليلي: ما اسمك قلتقلت: ما أرسل الأميرُ إليّ حتى عَرف اسمياسمي! قال ليلي: متى هبطتَ هذه الأرض قلتقلت: حين ساكنتُ أهلهاأهلها.
قالقال: كم تقرأ من القرآن قلتُقلتُ: أقرا منه ما إن اتّبعتُه كفاني قالقال: إني أريد أن أستعين بك على بعض عَمليعَملي.
قلتقلت: إن تستعن بي بكبيرِ أخرَق ضعيف يخاف أعوان السوء وإن تَدَعْني فهو أحبُّ إليَّ وإن تُقحمني أتقحمأتقحم.
قالقال: إن لم أجد غيرَك أقْحمتك وإن وجدتُ غيرَك لم أقحمكأقحمك.
قلتقلت: وأخرى أكرم الله الأمير إني ما علمتُ الناس هابوا أميراً قط هيبَتهم لك والله إني لأتعارّ من الليل فأَذكرك فما يَأتيني النومُ حتى أصبح هذا ولستُ لك على عملعمل.
فأعجبه ذلك وقالوقال: هيه كيف قلتَ فأعدتُ عليه الحديثالحديث.
فقالفقال: إنّي والله ما أعلم اليومَ رجلاً على وجه الأرض هو أجرأ على دمٍ منّيمنّي.
قالقال: فقمتُ فعدلتُ عن الطريق عمداً كأنّي لا أبصرأبصر.
فقالفقال: اهدوا الشَيخ أرشدوا الشيخالشيخ.
أبو بكر بن أبي شَيبة قالتقالت: دخل عبدُ الرحمن بن أبي لَيلى على الحجَّاج فقال لجلسائهلجلسائه: إذا أردتم أن تنظروا إلى رجل يَسُب أميرَ المؤمنين عثمان فانْظروا إلى هذاهذا.
فقال عبدُ الرحمنالرحمن: معاذَ الله أيها الأميرُ أن أكون أسب عثمان إنه لَيحجِزُني عن ذلك آياتٌ في كتاب الله تعالىتعالى: " للفُقراء المُهاجرين الذين أخْرِجوا مِن دِيارهم وأموالهم يَبْتغون فَضلاً من الله ورِضْواناً ويَنْصرون الله ورسولَه أولئك هم الصادِقون " فكان عثمانُ منهممنهم.
ثم قالقال: " والَّذِينِ تَبوؤا الدارَ والإيمان مِن قَبْلهم يُحبُّون مَن هاجَرَ إليهم ولا يَجدُون في صُدُورهم حاجةَ مما أوتُوا ويُؤثِرون على أنفُسهم ولو كان بهم خَصَاصة " فكان أبي منهممنهم.
ثم قالقال: " والَّذِين جاءُوا مِن بَعْدِهمِ يَقولون ربنا اغْفِر لنا وَلإخْواننا الَّذين سَبَقُونا بالإيمان " فكنتُ أنا منهممنهم.
قال: صدقت.
قال: صدقت.
أبو بكر بن أبي شَيبة عن أبي مُعاوية عن الأعمش قالقال: رأيتُ عبدَ الرحمن ابن أبي ليلى ضَربه الحجَّاج ووقفه على باب المسجد فجعلوا يقولون لهله: ألعن الكاذبينالكاذبين: علي بن أبي طالب وعبدَ الله بن الزبير والمُختارَ بن أبي عُبيدعُبيد.
فقالفقال: لعَنَ الله الكاذبين ثم قالقال: فيُ علي بن أبي طالب وعبدُ الله بن الزُّبير والمُختار بن أبي عُبيد بالرفعبالرفع.
فعرفتُ حين سَكت ثم ابتدأ فرفع أنه ليس يُريدهميُريدهم.
قال الشَعبيُالشَعبيُ: أتي بي الحجاجُ مُوثَقاً فلما جئتُ باب القصر لَقِيني يزيدُ بن أبي مسلم كاتبُه فقالفقال: إنا لله يا شَعبي لما بين دَفتيك مِن العلم وليس اليومُ بيوم شفاعةشفاعة.
قلتُ لهله: فما المَخرج قالقال: بُؤ للأمير بالشرك والنفاق على نفسك وبالحَرَي أن تنجوَتنجوَ.
ثم لقيني محمدُ بن الحجّاج فقال لي مثلَ مَقالة يزيدَيزيدَ.
فلما دخلتُ على الحجاج قال ليلي: وأنعت يا شَعبيُ فيمن خَرج علينا وأكثر قلتُقلتُ: أصلحَ الله الأمير نَبا بنا المنزل وأجدب بنا الجَناب واستحلَسَنا الخوفُ واكتحلنا السَّهر وضاق المسلك وخَبَطتنا فتنةٌ لم نكنْ فيها بررة أتقياء ولا فَجرة أقوياءأقوياء.
قالقال: صدق والله ما برُّوا بخروجهم علينا ولا قووا أطلقوا عنهعنه.
فاحتاج إلي في فَريضة بعد ذلك فأرسل إليَّ فقالفقال: ما تقول في أم وأخت وجَدّ فقلتفقلت: اختلف فيها خمسة من أصحاب محمد {{صل}} عبدُ الله بن مسعود وعليّ وعثمان وزَيد وابنُ عباسِعباسِ.
قالقال: فما قال فيها ابنُ عباس إن كان لِمَنْقَباً قلتقلت: جعل الجَد أباً ولم يُعط الأخت شيئاً وأعطى الأم الثلثالثلث.
قالقال: فما قال فيها ابنُ مسعود قلتقلت: جَعلها من ستَة فأعطى الجدَّ ثلاثة وأعطى الأم اثنين وأعطى الأختَ سهماًسهماً.
قالقال: فما قال زَيد قلتقلت: جعلها من تِسعة فأعطى الأمَّ ثلاثة وأعطى الجد أربعة وأعطى الأختَ اثنين فجعل الجَدّ معها أخاًأخاً.
قالقال: فما قال فيها أميرُ المؤمنين عثمان قلتُقلتُ: جعلها ثلاثاًثلاثاً.
قالقال: فما قال فيها أبو تُراب قلتُقلتُ: جعلها من ستة فأعطى الأختَ ثلاثة وأعطى الأمّ اثنين وأعطى الجدّ سهماًسهماً.
قالقال: مُر القاضي فلْيُمضها على ما أمضاها أميرُ المؤمنينالمؤمنين.
فبينما أنا عنده إذ جاءه الحاجبُ فقال لهله: إن بالباب رُسلاًرُسلاً.
فقالفقال: إيذن لهملهم.
قالقال: فدخلوا وعمائمهم على أوساطهم وسيوفُهم على عواتقهم وكُتبهم بأيمانهم وجاء رجل من بني سُليم يقال له شَبابة بن عاصم فقال لهله: مِن أين قالقال: من الشامالشام.
قالقال: كيف تركتَ أمير المؤمنين وكيف تركتَ حَشمه فأخبرهفأخبره.
قالقال: هل وراءك من غيث قالقال: نعمنعم.
أصابتني فيما بَيني وبين الأمير ثلاث سحائبسحائب.
قالقال: فانعتْ لي كيف كان وَقْع المطر وتَباشيره قالقال: أصابتني سحابةٌ بحوارين فَوقع قَطر صغار وقَطْر كبار فكانت الصغار لحْمة للكبار ووقع نشيطاَ ومُتداركاً وهو السّيح الذي سمعتَ به فوادٍ سائل ووادٍ نازح وأرض مُقبلة وأرض مُدبرةمُدبرة.
وأصابتني سحابةٌ بَسرا ء فلَبّدت الدِّماث وأسالت العَزَاز وأدحضت التِّلاع وصَدَعت عن الكمأة أماكنهاأماكنها.
وأصابتني سحابةٌ بالقَرْيتين فقاءت الأرضُ بعد الرّيالرّي.
وامْتلأت الأخاديد وأفعمت الأودية وجِئْتك في مثل وِجار الضَبُعالضَبُع.
ثم قالقال: إيذَن فدخل رجل من بن أسدأسد.
فقالفقال: هل وراءَك من غيث قالقال: لا كثُر الإعصار وأغبرت البلاد وأيقنّا أنه عام سَنةسَنة.
قالقال: بئس المُخبر أنتأنت.
قالقال: أخبَرْتُك الذي كان ثم قالقال: إيذَنإيذَن.
فَدَخَل رجل من أهل اليمامةاليمامة.
قالقال: هل وراءك من غيث قالقال: نعم سمعت الرُّوّاد يَدْعون إلى الماء وسمعتُ قائلاً يقوليقول: هَلُمّ ظَعنَكم إلى محلّة تَطفأ فيها النيران وتشكّى فيها النساء وتنافسُ فيها المِعزىالمِعزى.
وقال الشعبيّالشعبيّ: فلم يدر الحَجّاج ما قالقال.
فقال لهله: تبا لكلك! إنما تُحدّث أهلَ الشام فأَفْهِمْهمفأَفْهِمْهم.
قالقال: أصلح الله الأمير أخصب الناسُ فكَثُر التمر والسمن والزُبد والّلبن فلا تُوقَد نار يُختبر بهابها.
وأما تشَكى النساء فإن المرأة تظلّ ترُبِق بَهمْها وتَمخَض لبنها فتَبيت ولَها أنينٌ من عَضُدهاعَضُدها.
وأما تنافس المِعزى فإنها ترى من أنواع التمر وأنواع الشجر ونَوْر النبات ما يُشبع بطونَها ولا يُشبع عيونها فتبيتً وقد امتلأت أكراشُها ولها من الكِظّة جِرة فتبقى الجرّة حتى تَستنزل الدِّرّةالدِّرّة.
ثم قالقال: إيذن فدخل رجلٌ من المَوالي كان من أشد الناس في ذلك الزمانالزمان.
فقال لهله: هل وراءك من غيث قالقال.
نعم ولكني لا احسن أن أقول ما يقول هؤلاءهؤلاء.
قالقال: فما تُحسن قالقال: أصابتني سحابة بحُلوان فلم أزل أطأ في آثارها حتى دخلتُ عليكعليك.
فقالفقال: لئن كنتَ أقصرَهم في المطر خُطبة فإنك لأطولُهم بالسيف خُطوَةخُطوَة.
إبراهيم بن مَرزوق عن سعيد بن جُويرية قالقال: لما كان عامُ الجماعة كتب عبدُ الملك بن مروان إلى الحجّاجالحجّاج: انظر ابن عمر فاقْتد به وخُذ عنه يعني في المناسكالمناسك.
قالقال: فلما كان عشيّة عرفة سار الحَجّاج بين يدي عبد الله بن عُمر وسالمٍ ابنِه فقال له سالمسالم: إن أردتَ أن تُصيب السّنة اليوم فأوْجز الخُطبة وعَجِّل الصلاةالصلاة.
قالقال: فقَطَّب ونظر إلى عبد الله بن عُمرعُمر.
فقال: صدق.
فقال: صدق.
فلما كان عند الزوال مَرَّ عبد الله بن عمر بسرادقه وقال الرّواحالرّواح: فما لَبث أنْ خَرج ورأسًه يَقْطُر كأنه قد اغتسلاغتسل.
فلما أفاض الناسُ رأيتُ الدم يتحدّر من النَّجيبة التي عليها ابنُ عمر فقالفقال: أبا عبد الرحمن عقرت النَّجيبة قالقال: أنا عُقِرْت ليس النَّجيبة وكان أصابه زُج رُمح بين إصبعين من قَدمه فلما صرْنا بمكة دخل عليه الحجّاج عائداً فقالفقال: يا أبا عبد الرحمن لو علمتُ مَن أصابك لفعلتُ وفعلتوفعلت.
قال لهله: أنت أصبتنيأصبتني.
قالقال: غفر الله لكلك.
لم تقول هذا أبو الحسن المدائني قالقال: أخبرني من دَخل المسجد والحجّاج على المِنبر وقد ملأ صوتُه المسجد بأبيات سويد بن أبي كاهل اليَشْكري حيث يقوليقول: رُبّ من أنضجتُ غيظا صدره قد تمنَّى ليَ موتاً لم يطع ساء ما ظَنُوا وقد أبليتُهم عند غايات المدَى كيف أقع كيف يَرجون سِقاطي بعدما شَمِل الرأسَ مَشيبٌ وصَلع كتب الوليدُ إلى الحجّاجالحجّاج: أن صِفْ لي سيرتَكسيرتَك.
فكتب إليهإليه: إني أيقظت رأي وأنمتُ هواي فأدنيت السيّد المطاع في قومه ووليتُ الحَرْبَ الحازمَ في أمره وقلّدت الخِراج المُوفِّر لأمانته وصرَفتُ السيفَ إلى النَطف المُسيء فخاف المُريبُ صولةَ العِقاب وتمسّك المُحسن بحظّه من الثوابالثواب.
قرأ الحجاجُالحجاجُ: في سورة هود " قال يا نُوح إنّه لَيس من أهْلك إنّه عَمَل غير صالح " فلم يَدُر كيف يقرأيقرأ: عمل بالضم والتنوين أو عمل بالفتح فبعث حَرسيّا فقالفقال: إيتني بقارئبقارئ.
فأتي به وقد ارتفع الحجّاج عن مجلسه فحبسه ونَسيه حتى عَرض الحجاجُ حبسه بعد ستة أشهر فلما انتهى إليه قال لهله: فيم حُبست قالقال: في ابن نُوح أصلح الله الأمير فأمر بإطلاقهبإطلاقه.
إبراهيم بن مرزوق قالقال: حدثني سعيد بن جُويرية قالقال: خَرجتْ خارجةٌ على الحَجّاج بن يوسف فأرسل إلى أنس بن مالك أن يَخرج معه فأبىفأبى.
فكتب إليه يَشْتمهيَشْتمه.
فكتب أنسُ بن مالك إلى عَبد الملك بن مروان يشكوه وأدرج كتابَ الحجّاج في جوف كتابهكتابه.
قال إسماعيل بن عبد الله بن أبي المُهاجرالمُهاجر: بعث إليّ عبدُ الملك بن مروان في ساعة لم يكن يبعثُ إليّ في مثلهامثلها.
فدخلتُ عليه وهو أشدُّ ما كان حَنقاً وغَيظاً فقالفقال: يا إسماعيل ما أشدَّ عليّ أن تقول الرعيّةالرعيّة: ضعُف أمير المؤمنين وضاق ذَرعه في رجل من أصحاب النبي {{صل}} لا يقبل له حَسنة ولا يتجاوز له عن سَيّئةسَيّئة! فقلتفقلت: وما ذاك يا أمير المؤمنين قالقال: أنس بن مالك خادم رسول الله {{صل}} كتب إليّ يذكر أن لحجّاج قد أ ضَرّ به وأساء جواره وقد كتبتُ في ذلك كتابينكتابين: كتاباً إلى أنس بن مالك والآخَر إلى الحجّاج فاقبضْهما ثم أخرج على البريد فإذا وردتَ العِراق فأبدأ بأنس بن مالك فادفعْ إليه كتابي وقل لهله: أشتدّ على أمير المؤمنين ما كان من الحجاج إليك ولن يأتيَ أمرٌ تكرهه إن شاء اللهالله.
ثم إيت الحِجَاجَ فادفع إليه كتابه وقُل لهله: قد اغتررتَ بأمير المؤمنين غِرّة لا أظنك يُخطئك شرُها ثم أفهم ما يتكلمُ به وما يكون منه حتى تُفْهمني إياه إذا قَدِمت عليّ إن شاء الله قال إسماعيلإسماعيل: فقبضتُ الكتابين وخرجتُ على البريد حتى قَدِمتُ العراق فبدأتً بأنس بنِ مالك في منزله فدفعتُ إليه كتاب أمير المؤمنين وأبلغتُه رسالتِه فدعا له وجزاه خيراًخيراً.
فلما فرغ من قِراءة الكتاب قلتُ لهله: أبا حمزة إن الحجاج عاملٌ ولو وُضع لك في جامعةٍ لَقَدر أن يَضرك ويَنفعك فأنا أريد أن تصالحهتصالحه.
قالقال: ذلك إليك لا أخرجُ عن رأيكرأيك.
ثم أتيتُ الحجاجَ فلما رآني رحَّب وقالوقال: والله لقد كنتً أحب أن أراك في بلدي هذاهذا.
قلتقلت: وأنا والله قد كنتُ أحب أن أراك وأَقْدَم عليك بغير الذي أرسلتُ به إليكإليك.
قالقال: وما ذاك قلتقلت: فارقتُ الخليفةَ وهو أغضبُ الناس عليكعليك.
قالقال: ولم قالقال: فدفعتُ إليه الكتابالكتاب.
فجعل يقرؤه وجبينه يَعرقيَعرق.
فيمسحه بيمينه ثم قالقال: أركبْ بنا إلى أَنس بن مالكمالك.
قلت لهله: لا تَفعل فإني سأتلطّف به حتى يكون هو الذي يأتيك وذلك للذي شرتُ عليه من مُصالحتهمُصالحته.
قالقال: فألقى إلي كتابَ أمير المؤمنين فإذا فيهفيه: بسم الله الرحمن الرحيمالرحيم.
من عبد الله عبد الملك بن مروان إلى الحجَّاج بن يوسفيوسف.
أما بعدبعد.
فإنك عبدٌ طَمَت بك الأمور فطغَيتَ وعَلوت فيها حتى جُزت قدرك وعَدوت طَوْرك ويم الله يابن المُسْتفرمة بعَجَم زبيب الطائف لأغمزنّك كبعض غَمزات اللُّيوث للثّعالب ولأرْكضْنك رَكضة تدخل منها في وَجْعاء أمكأمك.
أذكر مكاسبَ آبائك بالطائف إذ كانوا يَنْقلون الحجارة على أكتافهم ويحفرون الآبار والمَناهل بأيديهم فقد نسيتَ ما كنتَ عليه أنت وآباؤك من الدَّناءة واللُّؤم والضراعةوالضراعة.
وقد بلغ أميرَ المؤمنين استطالةٌ منك على أنس بن مالك خادِم رسول الله {{صل}} جُرْأةً منك على أمير المؤمنين وغِزة بمَعرفة غِيَره ونقَماته وسَطَواته على مَن خالف سبيلَه وعَمد إلى غير مَحبّته ونَزل عند سَخْطتهسَخْطته.
وأظنك أردتَ أن تُروزه بها لتعلم ما عنده من التَّغيير والتّنكير فيهافيها.
فإن سُوِّغتَها مضيتَ قُدُما وإن بُغَضتَها ولّيت دُبراً فعليك لعنةُ الله مِن عبد أخْفش العينين أصكّ الرجلين ممسوح الجاعرتين وايم الله لو أن أميرَ المؤمنين علم أنك اجترمت منه جُرماً وانتهكت له عرْضاً فيما كتب به إلى أمير المؤمنين لبعث إليك مَن يَسحبك ظهراً لِبطن حتىحتى.
يَنتهي بك إلى أنس بن مالك فيحكمَ فيك ما احبّاحبّ.
ولن يَخْفى على أمير المؤمنين نَبؤُك ولكل نَبأ مُستقر ولسوف تعلمونتعلمون.
قال إسماعيلإسماعيل: فانطلقتُ إلى أنس فلم أزل به حتى انطلق معي إلى الحجاجالحجاج.
فلما دخلنا عليه قالقال: يَغفر الله لك أبا حمزة عَجِلْت باللائمة وأغضبتَ علينا أميرَ المؤمنين ثم أخذ بيده فأَجلسه معه على السريرالسرير.
فقال أنسأنس: إنك كنتَ تزعم أنّا الأشرار والله سمّانا الأنصارالأنصار.
وقلتَوقلتَ: إنّا من أبخل الناس ونحن الذين قال الله فيهمفيهم: " ويُؤْثِرون على أنْفًسهمِ ولو كانَ بهم خَصَاصة ".
وزعمتَ أنا أهلُ نِفاق والله تعالى يقول فينافينا: " وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ".
فكان المَفْزع والمُشتكى في ذلك إلى الله وإلىَ أمير المؤمنين فتولّى من ذلك ما ولاهّ الله وعرف من حقِّنا ما جَهلتَ وحَفظ منّا ما ضيعتَ وسَيحكم في ذلك رب هو أرضى للمُرضي وأسخطُ للمُسخط وأقدرُ على المُغير في يوم لا يشوب الحق عنده الباطلُ ولا النورَ الظلمةُ ولا الهدى الضلالةُالضلالةُ.
والله لوِ أنّ اليهود أو النّصارى رأت مَن خدَم موسى بن عمران أو عيسى بن مريم يوماً واحداً لرأت له ما لم تَرَوا لي في خدمة رسول الله عَشرَ سنينسنين.
قال فاعتذر إليه الحجاحُ وترضاه حتى قَبل عُذره ورضي عنه وكتب برضاه عنه وقبوله عُذرَهعُذرَه.
ولم يزل الحجاحُ له مُعظماً هائباً له حتى أنسٌ رضي الله عنهعنه.
وكتب الحجاحُ إلى أمير المؤمنين عبد الملك بن مروانمروان: بسم الله الرحمن الرحيمالرحيم.
أما بعدبعد.
أصلحَ الله أميرَ المؤمنين وأبقاه وسهّل حظه وحاطه ولا أعدمنا إياه فإن إسماعيل بن أبي المُهاجر رسول أمير المؤمنين - أعزّ الله نَصره - قَدِم عليّ بكتاب أمير المُؤمنين - أطال الله بقاءه وجعلني من كل مكروه فداءَه - يذكر شتيمتي وتَوْبيخي بآبائي وتَغييري بما كان قبلَ نزول النَعمة بي من عند أمير المؤمنين أتم الله نعمَته عليه وإحسانه إليهإليه.
ويذكر أميرُ المؤمنين جعلني الله فداه استطالةً منّي علىِ أنس بن مالك خادِم رسول الله صلى الله عليه و سلم جراءةً مني على أمير المؤمنين وغِرّة بمعرفةِ غِيره ونقَماته وسَطواته على مَن خالف سبيلَه وعَمد إلى غير محبته ونزل عند سَخْطتهسَخْطته.
وأميرُ المؤمنين أصلحه الله في قَرابته من محمد رسول الله - إمام الهدى وخاتَم الأنبياء أحق من أقال عَثْرتي وعَفا عن ذَنبي فأمهلني ولم يُعجلني عند هَفوتي للذي جُبل عليه من كريم طبائعه وما قلّده الله من أمور عباده فرِأيُ أمير المؤمنين أصلحه الله في تَسْكِين رَوْعتي وإفراج كربتي فقد مُلئت رُعباً وفرقاً من سَطْوته وفُجاءةِ نقْمته وأميرُ المؤمنين - أقاله الله العثراتِ وتجاوز له عن السيآت وضاعفت له الحسنات وأعلى له الدَّرجاتالدَّرجات.
أحقّ من صَفح وعفا وتَغَمّد وأبقى ولم يُشمت بي عدوًّا مُكبّا ولا حسودا مُضبّا ولم يجرِّعني غُصصاغُصصا.
والذي وَصف أميرُ المؤمنين من صنيعه إليّ وتَنويهه بي بما أسند إليِّ من عمله وأوطأني من رِقاب رعيته فصادقٌ فيه مجزيّ بالشكر عليه والتوسّلُ مني إليه بالولاية والتقرّبُ له بالكفايةبالكفاية.
وقد عاين إسماعيلُ بن أبي المُهاجر رسولُ أمير المؤمنين وحاملُ كتابه نزولي عند مسرّة أنس بن مالك وخُضوعي لكتاب أمير المؤمنين وإقلاقَه إياي ودُخولَه علي بالمصيبة على ما سيعلمه أميرُ المؤمنين ويُنهيه إليهإليه.
فإن رأى أميرُ المؤمنين - طوّقني الله شُكره وأعانني على تأدية حقّه وبَلَّغني إلى ما فيه مُوافقة مَرْضاته ومدَ لي في أجله - أمر لي بكتاب مِن رضاه وسلامة صَدْره يُؤمِّنني به من سَفك دَمي ويَرُدّ ما شَرَد من نومي ويَطمئن به قلبي فقد وَرد عليّ أمرٌ جَليل خَطْبُه عظيم أمرُه شديد عليّ كربُهكربُه.
أسأل الله أن لا يُسخط أميرَ المُؤمنين عَلَيّ وأن يَبْتلِيَه في حَزمه وعَزمه وسياسته وفِراسته ومواليه وحَشمه وعُماله وصنائعه بما يُحمَد به حُسنُ رأيه وبُعْدُ هِمَّته إنه وليّ أمير المؤمنين والذابّ عن سلطانه والصانع له في فحدّث إسماعيلُ أنه لما قرأ أميرُ المؤمنين الكتابَ قالقال: يا كاتب أفرخ رُوع أبي محمدمحمد.
فكتب إليه بالرضا عنهعنه.
كان سليمانُ بن عبد الملك يكتب إلى الحجّاج في أيام أخيه الوليد بن عبد الملك كُتباً فلا يَنظر له فيهافيها.
فكتب إليهإليه: بسم الله الرحمن الرحيمالرحيم.
من سليمان بن عبد الملك إلى الحجاج بن يوسفيوسف: سلامٌ على أهل الطاعة من عباد اللهالله.
.
أما بعدبعد.
فإنك امرؤ مَهْتوك عنه حجابُ الحقّ مولَع بما عليك لا لك مُنصرف عن مَنافعك تاركٌ لحظّك مُستخفّ بحق الله وحق أوليائهأوليائه.
لا ما سلف إليك من خير يَعطفك ولا ما عليك لا لك يصرِفكيصرِفك.
في مُبهمة من أمرك مَغْمور مَنكوس مُعصوصر عن الحق اعصيصاراً ولا تتَنكَّب عن قَبيح ولا تَرعوي عن إساءة ولا ترجو الله وقاراً حتى دُعيت فاحشاً سبَّاباًسبَّاباً.
فقِسْ شِبرك بفَترك واحذُ زمام نَعلك بحذو مثلهمثله.
فايم الله لئن أمكنني الله منك لأدوسنّك دَوْسة تلين منها فرائصك ولأجعلنّك شر يداً في الجبال تلوذ بأطراف الشمال ولأعَلقنّ الرًّومية الحمراء بثَدْييهابثَدْييها.
علم الله ذلك منّي وقضىَ لي به عليّ فقِدْماً غرّتك العافية وانْتحيتَ أعراضَ الرّجال فإنك قَدَرْتَ فَبَذخْتَ وظَفِرت فتعدَّيتفتعدَّيت.
فرويدكَ حتى تنظر كيف يكون مصيرُك إن كانت بي وبك مُدة أتعلّق بها وإن تكن الأخرى فأرجو أن تَؤول إلى مَذلة ذَليل وخِزْية طويلة ويُجعل مصيرُك في الآخرة شرَّ مَصيرمَصير.
والسلام.
والسلام.
|