الفرق بين المراجعتين لصفحة: «العقد الفريد/الجزء الرابع/12»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
ط تصنيف وقالب
 
سطر 1:
قال سهل‏سهل: فكم أسير فكَّت ومُبْهم عنده فَتحت ومُستغلق منه فَرَّجت‏فَرَّجت.
واحتجب الرشيدُ بعد قدومه‏قدومه.
فطلبت الإذن عليه من دار الباتوقة ومَتَّت بوسائلها إليه فلم يأْذن لها ولا أَمر بشيء فيها‏فيها.
فلما طال ذلك بها خَرجت كاشفةً وجهها واضعةً لثامها مُحْتفيةً في مَشيها حتى صارت بباب قصر الرشيد‏الرشيد.
فدخل عبدُ الملك بن الفضل الحاجب فقال‏فقال: ظِئْر أمير المؤمنين بالباب في حالة تَقْلب شماتةَ الحاسد إلى شَفقة أمَّ الواحدِ‏الواحدِ.
فقال الرشيدُ‏الرشيدُ: ويحك يا عبدَ الملك أوَ ساعية قال‏قال: يا أمير المؤمنين حافية‏حافية.
قال‏قال: أدخلها يا عَبد الملك فرُب كَبد غَذتها وكُربة فَرَّجتها وعَوْرة سترتها‏سترتها.
قال سهل‏سهل: فما شككت يومئذ في النجاة بطلبتها وإسعافها بحاجتها‏بحاجتها.
فدخلت فلما نظر الرشيدُ إليها داخلةً مُحتفية قام مُحتفياً حتى تلقاها بين عَمد المجلس وأكبَّ على تَقبيل رأسها ومواضعِ ثَدْييها‏ثَدْييها.
ثم أجلسها معه‏معه.
فقالت‏فقالت: يا أمير المؤمنين أَيعدو علينا الزمان ويجفونا خوْفاً لك الأعوان ويَحردك عنا البهتان وقد ربيّتك في حِجري وأخذت برَضاعك الأمان من عدوي ودَهري فقال لها‏لها: وما ذلك يا أم الرشيد قال سهل‏سهل: فآيسنى من رأفته بتَركة كُنيتهْا أخر ما كان أطمعني من برّه بها أولاً‏أولاً.
قالت‏قالت: ظِئْرك يحيى وأبوك بعد أبيك ولا أصفه بأكثر مما عَرفه به أميرُ المؤمنين من نَصيحته وإشفاقه عليه وتعرضه للحَتف في شأن مُوسى أخيه‏أخيه.
قال لها‏لها: يا أم الرشيد أمر سبق وقَضاء حُم وغَضب من الله نَفذ‏نَفذ.
قالت‏قالت: يا أمير المؤمنين يَمحو الله ما يشاء ويُثبت وعنده أم الكتاب‏الكتاب.
قال‏قال: صدقتِ فهذا مما لم يَمْحه الله‏الله.
فقالت‏فقالت: الغيب محجوب عن النبيين فكيف عنك يا أمير المؤمنين قال سهل ابن وإذا المَنيّة أنشبت أظفارَها ألفيتَ كل تميمة لا تَنفعُ فقالت بغير روّية‏روّية: ما أنا ليحيى بتَميمة يا أميرَ المؤمنين وقد قال الأول‏الأول: وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تَجد ذخراً يكون كصالح الأعمال هذا بعد قول عزّ وجلّ‏وجلّ: " والكاظمين الغَيْظ والعافينَ عن النّاس والله يُحبُّ المُحسنين " فأَطرق هارون مليّاً ثم قال‏قال: يا أم الرشيد أقول‏أقول: إذا انصرفتْ نفسي عن الشيء لم تَكَد إليه بوَجْهٍ آخرَ الدَّهر تُقْبلُ فقالت‏فقالت: يا أمير المؤمنين وأقول‏وأقول: ستَقطع في الدّنيا إذا ما قَطعتَني يَمينك فانْظر أي كف تبدَّلُ قال هارون‏هارون: رضيتُ‏رضيتُ.
قالت‏قالت: فهَبْه لي يا أمير المؤمنين فقد قال رسول الله {{صل}}.
من ترك شيئاً لله لم يُوجده الله فَقْدَه‏فَقْدَه.
فأكبّ هارون ملياً ثم رَفع رأسه يقول‏يقول: لله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ‏بعدُ.
قالت‏قالت: يا أمير المؤمنين " وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ الله يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ "‏‏.
وأذكُر يا أمير المؤمنين أليّتك‏أليّتك: ما استشفعتُ إلا شفَعتني‏شفَعتني.
قال‏قال: واذكري يا أم الرشيد أليَّتَك أن لا شَفعت لمُقترف ذنباً‏ذنباً.
قال سهل بن هارون‏هارون: فلما رأتْه صَرَّح بمَنعها ولاذ عن مَطلبها أخرجت حُقًّا من زَبَرْجدة خَضراء فوضعتْه بين يديه فقال الرشيد‏الرشيد: ما هذا ففَتحت عنه قفلاً من ذهب فأخرجت منه قَميصه وذؤابته وثَناياه قد غَمست جميع ذلك في المسك فقالت‏فقالت: يا أمير المؤمنين أستشفع إليك وأَستعين بالله عليك وبما صار معي من كريم جَسدك وطَيَّب جوارحك ليحيى عبدِك‏عبدِك.
فأخذ هارون ذلك فلَثمه ثم أستعبرَ وبكى بُكاء شديداً وبكى أهْل المجلس‏المجلس.
ومرّ البشيرُ إلى يحيى وهو لا يَظن إلا أ نّ البكاء رحمةَ له ورجوعٌ عنه فلما أفاقَ رَمى جميع ذلك في الحق‏الحق.
وقال لها‏لها: لحسناً ما حفظتِ الوديعة‏الوديعة.
فقالت‏فقالت: وأهل للمكافأة أنتَ يا أمير المؤمنين‏المؤمنين.
فسكتَ وقَفل الحق ودَفعه إليها وقال‏وقال: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها‏أهلها"‏‏.
قالت‏قالت: والله يقول‏يقول: " وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل "‏‏.
ويقول‏ويقول: " وأَوفُوا بعَهد الله إذا عاهدتُم "‏‏.
قال‏قال: وما ذلك يا أم الرشيد قالت‏قالت: ما أقسمتَ لي به أن لا تَحجبني ولا تَجبهني‏تَجبهني.
قال‏قال: أ حب يا أم الرشيد أن تشتريه محكّمة فيه‏فيه.
قالت‏قالت: أنصفتَ يا أمير المؤمنين‏المؤمنين.
وقد فعلتُ غيرَ مُستقيلة لك ولا راجعة عنك‏عنك.
قال‏قال: بكم قالت‏قالت: برضاك عمَّن لم يُسخطك‏يُسخطك.
قال‏قال: يا أم الرشيد أما لي عليك من الحق مثلُ الذي لهم قالت‏قالت: بلى يا أمير المؤمنين أعزُّ عليّ وهم أحبُّ إليّ‏إليّ.
قال‏قال: فتحكّمي في ثمنه بغيرهم قالت‏قالت: بلى قد وَهبتكه وجعلتُك في حِلّ منه وقامت عنه‏عنه.
وبَقي مبهوتاً ما يُحير لفظة‏لفظة.
قال سهل‏سهل: وخرجتْ فلم تَعُد ولا والله ما رأيتُ ها عَبرة ولا سمعتُ لها أنه‏أنه.
قال سهل‏سهل: وكان الأمين محمدُ بن زبيدة رضيعَ يحيى بن جعفر فمتَّ إليه يحيى بنُ خالد بذلك فوعد استيهاب أمه إياهم وتكلّمها لهم ثم شَغله اللهوُ عنهم‏عنهم.
فكتب إليه يحيى ويقال إنها لسليمان الأعمى أخي مُسلم بن الوليد وكان مُنقطعاً إلى البرامكة يقول‏يقول: يا مَلاذي وعِصْمتي وَعِمَادي ومُجيري من الخُطوب الشدادِ بكَ قام الرجاءُ في كلَّ قلب زاه فيه البلاءُ كل مَزاد إنما أنت نِعمة أعْقبتها نِعَم نفعُها لكلِّ العِباد وَعْدَ مولاك أتممنه فأبهى ال در ما زين حسنه بانعقاد ما أظلت سحائب اليأس إلا كان في كَشْفها عليك اعتمادي إن تراختْ يداك عنّي فُوَاقاً أكَلَتني الأيامُ أكلَ الجَراد وبعث بها إلى الأمين محمد فبعث بها الأمينُ إلى أمه زُبيدة فأعطتها هارون وهو في موضع لَذَته وعندَ إقبال أريحيته وتهيأت للاستشفاع لهم وعبّأت جواريها ومُغنياتها وأمرتهنَ بالقيام معها إذا قامت‏قامت.
فلما فَرغ الرشيدُ من قراءتها لم يَنقض حَبوته حتى وقَّع في أسفلها‏أسفلها: عِظَم ذَنبك أمات خواطرَ العفو عنك ورَمى بها إلى زُبيدة‏زُبيدة.
فلما رأت توقيعَه علمت أنه لا يرجع عنه‏عنه.
وقال بعض الهاشميِّين‏الهاشميِّين: أخبرني إسحاق بن عليّ بن عبد الله بن العباس قال‏قال: كنتُ أساير الرشيدَ يوماً والأمينُ عن يمينه والمأمون عن شماله فأستْداني وقدَّمهما أمامه فسايرتُه فجعل يُحدَثني ثم بدأ يُشاورني في أمر البرامكة وأخبرني بما أَضمر عليه لهم وأنهم اْستوحشوه من أنفسهم وأنني عنده بالوضع الذي لا يَكْتمني شيئاً من أمرهم‏أمرهم.
فقلت‏فقلت: يا أمير المؤمنين لا تَنْقلني من السعة إلى الضيق‏الضيق.
فقال الرشيد‏الرشيد: إلا أن تقول فإني لا أتهمك في نَصيحة ولا أِّخافُك على رأي ولا مَشورة‏مَشورة.
فقلت‏فقلت: يا أميرَ المؤمنين إني أرى نفاسَتك عليهم بما صاروا إليه من النَعمة والسِّعة ولك أن تأمر وتَنهى وهم عبيدٌ لك بإنباتك إياهم فهل يَصنعون ذلك كُلَه إلا بك قال - وكنتُ أحطِب في حبال البرامكة - فقال لي‏لي: فضياعُهم ليس لولدِي مثلُها وتَطيب نفسي بذلك لهم فقلت‏فقلت: يا أمير المؤمنين إنّ الملك لا يَحسد ولا يَحْقد ولا يُنعم نِعمة ثم يُفسد نِعمته‏نِعمته.
قال‏قال: فرأيته قد كره قولي وزوى وجهه عني قال إسحاق فعلمت أنه سيوقع بهم ثم انصرفتُ فكتمت الخبرَ فلم يسمع به أحدٌ‏أحدٌ.
وتجنّبت لقاءَ يحيى والبرامكة خوفاً أن يُظن أنّي أُفضي إليهم بسرّه حتى قتلهم وكان أشدَّ ما كان إكراماً لهم‏لهم.
وكان قتلُهم بعد ست سنين من تاريخ ذلك اليوم‏اليوم.
وكان يحيى بن خالد بن برمك قد اعْتلّ قبل النازلة التي نزلت بهم فبعث إلى منكة الهِندي‏الهِندي.
فقال له ماذا ترى في هذه العِلة فقال منكة‏منكة: داءٌ كبير دواؤه يسير والصبر أيسر‏أيسر.
وكان مُتفنّناً‏مُتفنّناً.
فقال له يحيى‏يحيى: ربما ثَقُل على السّمْع خَطْرة الحق به‏به.
وإذا كان ذلك كذلك كان الهجرُ له ألزمَ من المُفاوضة فيه‏فيه.
قال منكة‏منكة: لكنني أَرى في الطالع أثراً والأمرُ فيه قريب وأنت قسيم في المَعرفة وربما كانت صورة النجم عقيمةً لا نتاج لها ولكنّ الأخذَ بالحزم أوفى لحظّ الطالبين‏الطالبين.
قال يحيى‏يحيى: الأمور مُنصرفة إلى العواقب وما حُتم فلا بدّ أن يَقع والمَنعة بمُسالمة الأيام نُهزة فاقْصِد لما دعوتُك له من هذا الأمر المَوجود بالمِزاج‏بالمِزاج.
قال منكة‏منكة: هي الصفواءُ مازجتْها مائيةُ البلغم فحدَث لذلك ما يَحدث من اللهب عند مُماسّة رطوبة الماء من الأشْتغال‏الأشْتغال.
فخُذ ماء الرمان فدُف فيه إهْلِيلَجة سوداء تُنهضك مجلساً أو مجلسين ويَسْكن ذلكَ التوقدّ إن شاء الله‏الله.
فلما كان من أمرهم ما كان تلطّف منكَة حتى دخل الحبس فوجد يحيى قاعداً على لبْد والفضلُ بين يديه يَخْدمه فاسْتعبر منكة باكياً وقال‏وقال: كنتُ ناديتُ لو أسرعتَ الإجابة‏الإجابة.
قال له يحيى‏يحيى: تراك كنتَ قد علمتَ من ذلك شيئاً جهلته قال‏قال: كلا ولكن كان الرجاء للسلامة بالبراءةَ من الذنب أغلبَ من الشّفق وكان مُزايلة القَدْر الخَطير عنَّا أقلَّ ما تُنقَض به التُّهمَة فقد كانت نِقْمة أرجو أن يكون أولها صَبراً وأخرها أجراً‏أجراً.
قال‏قال: فما تقول في هذا الداء قال منكة‏منكة: ما أرى له دواء أنفعَ من الصبر ولو كان يُفدى بملْك أو بمُفارقة عضو كان ذلك مما يَجب لك‏لك.
قال يحيى‏يحيى: قد شكرتُ لك ما ذكرت فَإِن أمكنك تَعاهُدَنا فافْعل‏فافْعل.
قال منكة‏منكة: لو أمكنني تخليفُ الرُّوح عندك ما بَخِلْتُ به إذ كانت الأيام تَحْسن بسلامتك‏بسلامتك.
وكتب يحيى بن خالد في الحبس إلى هارون الرشيد‏الرشيد: لأمير المؤمنين وخليفة المهديين وإمام المُسلمين وخليفة ربّ العالمين‏العالمين.
من عبْد أسلمتْه ذنوبُه وأوْبقته عيوبه وخَذله شقيقُه ورَفضه صديقهُ وما به الزمان ونَزل به الحِدْثان فعالج البُؤس بعد الدَّعة وأفترش السُّخط بعد الرضا وأكتحل بالسًّهاد بعد الهُجود ساعته شهر وليلته دهر قد عاين الموتَ وشارف الفَوْت جزعاً لموجدتك يا أمير المؤمنين وأسفاً على ما فات من قُربك لا على شيء من المَواهب لأن الأهل والمالَ إنما كانا لك وبك وكان في يديَّ عارية والعارية مردودة‏مردودة.
وأما ما أصبت به من ولدي فبذَنبه ولا أَخشى عليك الخطأ في أمره ولا أن تكون تجازت به فوق خدِّه‏خدِّه.
تفكر في أمري جعلني الله فداك ولْيَمل هواك بالعفو عن ذَنب إن كان فمِن مثِلي الزَّلل ومِن مثلك الإقالة وإنما اعتذر إليك بإقراري بما يجب به الإقرار حتى تَرضى فإذا رضيت رجوتُ إن شاء الله أن يتبينّ لك من أمري وبراءة ساحتي ما لا يتعاظمك بعدَه ذنبٌ أن تَفْغره‏تَفْغره.
مدَّ الله في عمرك وجعل يومي قبل يومك‏يومك.
وكتب إليه بهذه الأبيات‏الأبيات: قل للخَليفة ذي الصَّني عة والعَطايا الفاشِيَة وابنِ الخلائِف من قُري ش والمُلوك العالية إنّ البَرامكة الّذي ن رمُوا لدَيْك بداهية فكأنهم ممّا بهم أعجاز ُنَخْل خاوية عَمَّتهم لك سَخطة لم تبق منهم باقية بعد الإمارة والوزا رة والأُمور الساميه ومنازل كانت لهم فوق المَنازل عالِيه
أضحَوْا وجُلَّ مُناهم منك الرِّضا والعافيه يا من يودُّ لي الرَّدى يَكْفيك منيَ ما بيه يكفيك ما أبصرتَ من ذلِّي وذُل مَكانِيه وبُكاء فاطمةَ الكئي بة والمَدامع جاريه ومَقالها بتوجّعٍ يا سَوْأتي وشَقائيه مَن لي وقد غَضب الزما نُ على جَميع رِجاليه يا لهفَ نفسي لهفها ما للزّمانِ وماليه يا عطفة المَلك الرِّضا عُودي علينا ثانيه فلم يكن له جواب من الرشيد‏الرشيد.
وأنت على الأثر والله حَكم عَدْل وستقدم فتعلِم‏فتعلِم.
فلما ثَقُلَ قال للسجان‏للسجان: هذا عهدي توصله إلى أمير المؤمنين فإنه وليّ نعمتي وأحقُّ من نفّذ وصيّتي‏وصيّتي.
فلما مات يحيى أوصل السجانُ عهدَه إلى الرشيد‏الرشيد.
قال سهل بن هارون‏هارون: وأنا عند الرشيد إذ وصلتْ الرقعةُ إليه‏إليه.
فلما قرأها جعل يكتب في أسفلها ولا أَدري لمن الرُّقعة فقلت له‏له: يا أمير المؤمنين ألا أَكْفيك قال‏قال: كلا إني أخافُ عادةَ الرّاحة أن تُقوِّي سلطان العجز فيحكم بالغَفلة ويقضي بالبلادة ووقّع فيها‏فيها: الحَكم الذي رضيتَ به في الآخرة لك هو أعدى الخُصوم عليك وهو مَن لا يُنقض حُكمه ولا يُردّ قضاؤه‏قضاؤه.
قال‏قال: ثم رَمى بالصكّ إليّ فلما رأيتُه علمت أنه ليحي وأنّ الرشيدَ أراد أن يُؤثر الجوابَ عنه‏عنه.
وقال دِعبل يَرثي بنيِ برمك‏برمك: ولما رأيتُ السيفَ جَلَل جعفرا ونادَى مُنادٍ للخليفة في يَحيى بكيتُ على الدُّنيا وأيقنت أنما قُصارى الفتى يوماً مُفارقةُ الدنيا وقال سليمان الأعمى يرثي بني برمك‏برمك: هَدَا الخالُون عن شَجوِي ونامُوا وعَيْنيَ لا يُلائمها المنامُ وما سَهري بأنّي مستهام إذا سهر المُحِب المُستهام أصبت بسادةٍ كانوا عُيوناً بهم نُسقى إذا انقطع الغَمام فقلتُ وفي الفؤاد ضرامُ نار وللعَبرات من عَينيِ انسجام على المَعروف والدُّنيا جميعاً ودَوْلةِ آل بَرمك السلام جَزعتُ عليك يا فضل بنَ يحيى ومَن يجزع عليك فلا يُلام هَوَت بك أنجُم المَعروف فينا وعَزّ بفَقدك القومُ اللئام وما ظَلم الإله أخاك لكنْ قضاء كان سبّبه اجترام عِقابُ خليفة الرَّحمن فَخْر لمن بالسيف صَبّحه الحِمام عَجبتُ لما دها فضلَ بنَ يحيى وما عَجَبِي وقد غَضِب الإمام جَرى في اللّيل طائرُهم بنَحْس وصَبَّح جعفراً منه اصطلام ولم أرَ قبل قَتلك يابن يَحيى حُساماً قَدّه السيفُ الحُسام بُرين الحادثات له سِهامًا فغالتْه الحوادثُ والسِّهام لِيَهْن الحاسدين بأنّ يحيى أسيرٌ لا يَضيم ويستضام أبا العبَّاس إنّ لكُل هَمًّ وإنْ طال انقراض وانصرام أرى سَبب الرضا وله قَبول على الله الزيادةُ والتَّمام وقد آليتُ فيه بصَوم شهر فإن تَمّ الرِّضا وَجب الصيام وقد آليتُ مُعتزما بنَذْرٍ ولى فيما نذرتُ به اعتزامُ بأنْ لا ذُقتُ بعدكُم مُداما ومَوتي أن يُفارقني المُدام أألهو بعدكم واقرّ عَيناً عليَ اللَهوُ بعدكم حَرام وكيف يَطيب لي عيش وفَضل أسيرٌ دونه البَلد الشآم وجَعفرُ ثاوياً بالجسر أبلت محاسنَه السمائمُ والقَتام أمُرُّ به فيَغْلبني بكائي ولكنّ البُكاء له اكتتام أقول وقُمت مُنتصباً لديه إلى أن كاد يَفْضَحني القِيام أمَا والله لولا خوفُ واشٍ وعينِ للخليفة لا تنام لَثَمْنا رُكن جِذْعك واستَلمنا كما لَلناس بالحَجَر استلام ما برْمكيٌّ بعده تَقِف الظُّنون على وَفائه أنى وقَصْر البرمك يّ إلى انتكاثِ من شَقائه فلقد رفعتَ لجعفرٍ ذِكْرين قَلاَ في جَزائه فارفع ليَحيى مثلَه ما العُود إلا مِن لِحائه وأخضِب بصَدْر مُهنَّد عُثنون يَحيىِ مِن دِمائه إبراهيم بن المهديّ قال‏قال: قال لي جعفرُ بن يحي يوماً إنني استأذنتُ أميرَ المؤمنين في الحِجامة وأردتُ أن أخلو بنفسي وأفِرَّ من أشغال الناس وأتوحَّد فهل أنت مُساعدي قلتُ‏قلتُ: جعلني الله فِداك أنا أسعد بمُساعدتك وأنسُ بمُخالاتك‏بمُخالاتك: فقال‏فقال: بَكِّر إلى بكور الغُراب‏الغُراب.
قال‏قال: فأتيتُ عند الفَجر الثاني‏الثاني: فوجد تُ الشَّمعة بين يديه وهو قاعدٌ ينتظرني للمِيعاد‏للمِيعاد.
قال‏قال: فصلّينا ثم أفضنا في الحديث حتى أتى وقت الحِجامة فأتى الحجَّام فَحجمنا في ساعة واحدة‏واحدة.
ثم قُدِّم إلينا الطعام فَطعِمنا‏فَطعِمنا.
فلما غَسلنا أيدينا خُلع علينا ثياب المنادمة وضمِّخنا بالخَلوق وظَلِلنا بأسرَ يوم مَرّ بنا‏بنا.
ثم إنه تذكَّر حاجة فدعا الحاجب‏الحاجب.
فقال له‏له: إذا جاء عبدُ الملك القَهْرمان فَأذن له فنسي الحاجب وجاء عبدُ الملك ابن صالح الهاشمي على جَلالته وسنّه وقدره وأدبه فأذِن له الحاجب‏الحاجب.
فما راعنا إلا طَلعة عبدُ الملك بن صالح فتغيّر لذلك وجهُ جعفر بن يحيى وتَنغّصِ عليه ما كان فيه‏فيه.
فلما نَظر إليه عبدُ الملك على تلك الحالة دعا غلامَه فدَفع إليه سيفه وسَواده وعِمامته ثم جاء فوَقف على باب المجلس فقال‏فقال: اصنعوا بنا ما صَنعتم بأنفسكم‏بأنفسكم.
قال‏قال: فجاء الغلامُ فطَرح عليه ثيابَ المُنادمة ودعا بطَعام فطَعم ثم دعا بالشَّراب فشرب ثلاثاً ثم قال‏قال: ليخفِّف عنّي فإنه شيء ما شربتُه قطُّ‏قطُّ.
فتهلَّل وجهُ جعفر فرحاً‏فرحاً.
وقد كان الرشيد حاور عبدَ الملك على المُنادمة فأَبى ذلك وتنزه عنه‏عنه.
ثم قال له جعفر بن يحيى‏يحيى: جَعلني الله فداك قد تفضَّلت وتطوّلت وأسعدتَ فهل من حاجة تَبْلغها مقدرتي وتُحِيط بها نعمتي فأقضِيَها لك مكافأة لما صنعت قال‏قال: بلى إنَّ قلبَ أمير المؤمنين عاتب عليّ فتسأله الرِّضا عنّي‏عنّي.
قال‏قال: قد رَضي عنك أميرُ المؤمنين‏المؤمنين.
ثم قال‏قال: وعليّ أربعةُ آلاف دينار‏دينار.
قال‏قال: هي حاضرة ولكن من مال أمير المؤمنين أحبُّ إليَ من مالي‏مالي.
قال‏قال: وابني إبراهيم أحبُّ أن أ شُد ظهره بمصاهرة أمير المؤمنين‏المؤمنين.
قال‏قال: قد زَوَّجه أميرُ المؤمنين ابنَتَه عائشة الغالِية‏الغالِية.
قال‏قال: وأحبُ أن تَخْفِق الألويةُ على رأسه بولاية‏بولاية.
قال‏قال: قد ولاَه أميرُ المؤمنين مِصر‏مِصر.
قال‏قال: فانصرَف عبدُ الملك ونحن نَعجب من إقدام جعفر على الرَّشيد من غير اسْتئذان‏اسْتئذان.
فلما كان الغد وقفنا على باب أمير المؤمنين ودَخل جعفر فلم يَلبث أن دعا بأبي يوسف القاضي ومحمد ابن الحسن وإبراهيم بن عبد الملك فعقد له النِّكاح وحُملت البِدَر إلى عبد الملك وكُتب سِجلّ إبراهيم على مِصر‏مِصر.
وخرج جعفر فأشار إلينا فلما صار إلى منزله ونحن خلفَه نَزل ونزلنا بنزوله‏بنزوله.
فالتّفت إلينا فقال‏فقال: تعلَّقت قلوبُكم بأوَّل أمر عبد الملك فأحببتُم أن تعرفوا آخره وإني لما دخلتُ على أمير المُؤْمنين ومَثلت بين يديه سألني عن أمْسي فابتدأتُ أحدثه بالقِصَّة من أولها إلى آخرها فجعل يقول‏يقول: أحسنَ والله‏والله! أحسن والله ثم قال‏قال: فما أجبتُه فجَعلت أخبره وهو يقول في كل شيء‏شيء: أحسنت‏أحسنت.
وخرج إبراهيم والياً على مصر‏مصر.
من أخبار الطالبيين حدّث عبدُ العزيز بن عبد الله البَصريّ عن عثمان بن سَعيد بن سَعد المدَنيّ قال‏قال: لما وَلى الخلافةَ أبو العبَّاس السفّاح قَدِم عليه بنو الحَسن بن عليّ ابن أبي طالب فأعطاهم الأموال وقَطع لهم القطائع ثم قال لعبد الله بن الحَسن‏الحَسن: احتكمْ عليّ قال‏قال: يا أميرَ المؤمنين بألف ألف دِرْهم فإني لم أرها قَطُّ‏قَطُّ.
فاْستَقْرضها أبو العبَّاس من ابن مُقَرِّن الصَّيرفيّ وأَمر له بها - قال عبدُ العزيز‏العزيز: لم يكن يومئذ بيتُ مال - ثم إ نّ أبا العباس أتى بجَوهر مَروان فجعل يُقلِّبه وعبد الله بن الحَسن عنده فَبَكى عبدُ الله‏الله.
فقال له‏له: ما يُبكيك يا أبا محمد قال‏قال: هذا عند بنات مَروان وما رأت بناتُ عمك مثلَه قطّ‏قطّ.
قال‏قال: فحبَاه به‏به.
ثم أمر بنَ مُقرِّن الصّيرفيّ أن يَصل إليه ويَبتاعه منه‏منه.
فاشْتراه منه بثمانين ألف دينار‏دينار.
ثم حَضر خروجُ بني حسن فأرسل معهم رجلاً من ثِقاته وقال له‏له: قُم بإنزالهم ولا تَأن في إلطافهم‏إلطافهم.
وكلما خلوتَ معهم فأَظْهر الميل إليهم والتحاملَ علينا وعلى ناحيتنا وأنهم أحقُّ بالأمر منّا وأحْص لي ما يقولون وما يكون منهم في مَسيرهم ومَقْدَمهم‏ومَقْدَمهم.
ومما كان خَشَّن قلب أبي العبّاس حتى أساء بهم الظن أنه لما بَنى مدينةَ الأنبار دخلَها مع أبي جعفر أخيه وعبد الله بن الحسن وهو يسير بينهما ويُريهما بُنيانه وِما أقام فيها من المَصانع والقُصور فظهرت من عبد الله بن الحسن فَلْتة فجَعل يتمثَل بهذه الأبيات‏الأبيات: ألم ترجَوْ شناً قد صار يَبْني قصوراً نَفْعُها لبني نُفَيْلَهْ يُؤَمِّل أن يُعِمِّر عُمْر َنُوح وأَمرُ الله يَحْدث كلّ لَيله قال‏قال: فتغيَر وجهُ أبي العبَّاس‏العبَّاس.
فقال له أبو جعفر‏جعفر: أتراهما ابنيك أبا محمد والأمر إليهما صائر لا محالة قال‏قال: لا والله ما ذهبتُ هذا المذهب ولا أردتُه ولا كانت إلا كلمة جرتْ على لساني لم ألقِ لها بالاً‏بالاً.
فأوحشتْ تلك الكلمة أبا العباس‏العباس.
فلما قَدِم المدينةَ عبد الله بن حسَن اجتمع إليه الفاطميون فجعل يُفرَق فيهم الأموالَ التي بَعث بها أبو العباس فعظُم بها سرورُهم‏سرورُهم.
فقال لهم عبد الله بن الحسن‏الحسن: أفرحتم قالوا‏قالوا: وما لنا لا نَفرح بما كان مَحجوباً عنَا بأيدي بني مَروان حتى أتى الله بقَرابتنا وبني عَمِّنا فأصاروه إلينا‏إلينا.
قال لهم‏لهم: أفَرَضيتُم أن تنالوا هذا من تحت أيدي قومٍ آخرين فخرج الرجلُ الذي كان وكَّله أبو العباس بأخبارهم فأخبره بما سمع من قولهم وقولِه فأخبر أبو العبّاس أبا جعفر بذلك فزادت الأمور شرّاً‏شرّاً.
ثم مات أبو العباس وقام أبو جعفر بالأمر بعده فبعث بعطاء أهل المدينة وكتب إلى عامله‏عامله: أن أعط الناسَ في أيديهم ولا تَبعث إلى أحدٍ بعطائه وتَفقّد بني هاشم ومَن تخلَف منهم ممّن حضر وتحفّظ بمحمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن‏الحسن.
ففعل وكتب‏وكتب: إنه لم يتخلف أحدٌ عن العطاء إلا محمد وإبراهيم ابنا عبد الله بن الحسن فإنهما لم يَحضرُا‏يَحضرُا.
فكتب أبو جعفر إلى عبد الله بن الحسن وذلك مبتدأ سنة تِسْع وثلاثين ومائة يسأله عنهما ويأمره بإظهارهما ويُخبره أنه غير عاذره‏عاذره.
فكتب إليه عبدُ اللهّ‏اللهّ: إنه لا يَدري أين هما ولا أين توَجها وإن غيبَتهما غيرُ معروفة‏معروفة.
فلم يلبث أبو جعفر وكان قد أذكى العُيون ووَضع الأرصاد حتى جاءه كتابٌ من بعض ثقاته يُخبره أنّ رسولاً لعبد الله ومحمد وإبراهيم خرج بكتب إلى رجال بخُراسان يَسْتدعيهم إليهم‏إليهم.
فأمر أبو جعفر برِسولهم فأتي به وبكُتبه فردها إلى عبد الله بن الحسن بطَوابعها لم يَفتح منها كتاباً وردّ إليه رسولَه وكتب إليه‏إليه: إني أتيت برسولك والكُتب التي معه فرددتُها إليك بطوابعها كراهيةَ أن أطلع منها على ما يُغَيِّر لك قلبي فلا تَدْعُ إلى التقاطع بعد التواصل ولا إلى الفُرقة بعد الاجتماع وأظْهِر لي ابنيك فإنهما سيصيران بحيثُ تحب من الولاية والقرابة وتَعظيم الشرف‏الشرف.
فكتب إليه عبد الله بن الحسن يعتذر إليه ويتنصَّل في كتابه ويُعلمه أن ذلك من عدوّ أراد تشتيت ما بينهم بعد الْتئامه‏الْتئامه.
ثم جاءه كتابُ ثقة من ثقاته يذكر أنَ الرسول بعينه خَرج بالكُتب بأعيانها على طريق البصرة وأنه نازل على فلان المُهلبي فإن أراده أميرُ المؤمنين فَلْيضع عليه رَصَده‏رَصَده.
فوضع عليه أبو جعفر رَصده‏رَصده.
فأتي به إليه ومعه الكُتب فحَبس الرسولَ وأمضى الكُتبَ إلى خُراسان مع رسول من عنده من أهل ثقاته‏ثقاته.
فقدمتْ عليه الجواباتُ بما كره واسْتبان له الأمرُ‏الأمرُ.
فكتب إلى عبد الله بن الحسن يقول‏يقول: أريد حياتَه ويُريد قتلي عذيرَك مِن خليلك من مُرادِ أما بعد فقد قرأتُ كُتبك وكُتب ابْنيك وأنفذتُها إلى خُراسان وجاءتني جواباتُها بتَصديقها وقد استقرّ عندي أنك مُغَيبٌ لابنيك تعرف مكانَهما فاظْهِرهما إليّ فإن لك في أن أعظم صِلتهما وجوائزهما وأضعهما بحيث وضعتْهما قرابتُهما فتدارك الأمورَ قبل تفاقُمها‏تفاقُمها.
فكتب إليه عبد الله بن الحسن‏الحسن: وكيف أريد ذاك وأنت منى وزَنْدُك حين تُقْدح من زِنادِي وكيف أريد ذاك وأنت منِّي بمَنزلة النياط من الفُؤاد وكتب إليه‏إليه: إنه لا يدري أين توجها من بلاد الله ولا يَدري أين صارا وإنَّه لا يعرف الكُتب ولا يشك أنها مُفتعلة‏مُفتعلة.
فلما اخْتَلفت الأمور على أبي جعفر بَعث سَلْم بن‏بن.
قُتيبة الباهليّ وبَعث معه بماله وأمره بأمره وقال له‏له: إنّي إنما أدخلك بين جلدي وعظمي فلا توطئني عَشْواء ولا تُخْف عني أمراً تَعلمه‏تَعلمه.
فخرج سَلْم بن قُتيبة حتى قَدِم المدينةَ وكان عبد الله يُبسط له في رُخام المنبر في الروضة وكان مَجلسه فيه‏فيه.
فجَلس إليه وأظهر له المَحبة والمَيل إلى ناحيته ثمِ قال له حين أنس إليه‏إليه: إنَ نفراً من أهل خُراسان وهم فلان وفلان - وسمّى له رجالاً يعرفهم ممن كان يُكاتب ممن استقرّ عند أبي جعفر أمرُهم - قد بَعثوا إليك معي مالاً وكتبوا إليك كتاباً‏كتاباً.
فقَبل الكتاب والمال وكان المالُ عشرةَ آلاف دينار ثم أقام معه ما شاء الله حتى أزداد به أنساً وإليه استنامة ثم قال له‏له: إني قد بُعِثتُ بكتابين إلى أمير المؤمنين محمد وإلى ولي عهده إبراهيم وأمرتُ أن لا أوصل ذلك إلا في أيديهما فإن أوصلتَني إليهما وأدخلتَني عليهما أوصلتُ إليهما الكتابين والمال ورحلتُ إلى القوم بما يُثلج صدورَهم وتَقبله قلوبهم فأنا عندهم بموضع الصدق والأمانة وإنْ كان أمرهما مظلماً ولِم تكن تعرف مكانهما لم نخاطر بدينهم وأموالهم ومُهجهم‏ومُهجهم.
فلما رأى عبد الله أنّ الأمور تَفْسد عليه من حيث يرجو صلاحها إلا بإِيصاله إليهما وأظهارهما له أوْصله فدفعَ الكتابين مع أربعين ألف درهم ثم قال‏قال: هذا محمد وهذا إبراهيم‏إبراهيم.
فقال لهم‏لهم: إنَ من ورائي لم يَبعثوني ولهم ورائي غاية وليس مثلي ينصرَف إلى قوم إلا بجُملة ما يحتاجون إليه ومحمد إنما صار إلى هذه الخُطة ووجبت له هذه الدَّعوة لقرابته من رسول الله {{صل}} وها هنا من هو أقربُ من رسول الله رَحماً وأوجبُ حقّاً منه‏منه.
قال‏قال: ومن هو قال‏قال: أنت إلا أن يكون عندك ابنك محمد أثرٌ ليس عندك في نفسك‏نفسك.
قال‏قال: فكذلك الأمرُ عندي‏عندي.
قال له‏له: فإنَّ القومَ يَقتدون بك في جميع أمورهم ولا يُريدون أن يبذلوا دينَهم وأموالهم وأنفسهم إلا بحُجة يرجون بها لمن قَتل منهم الشهادة فإن أنت خلعتَ أبا جعفر وبايعتَ محمداً اقتَدَوْا بك وإنْ أبيْتَ اقتَدَوا بك أيضاً في تَركك ذلك ثقةً بك لقرابتك من رسول الله {{صل}} ومَوْضعك الذي وَضعك الله فيه‏فيه.
قال‏قال: فإنّي أفعل‏أفعل.
فبايَعَ محمداً وخلع أبا جعفر‏جعفر.
وبايعه سَلْم من بعده وأخذ كُتبَه وكتبَ إبراهيم ومحمد وخرج‏وخرج.
فقدم على أبي جعفر وقد حضر الموسمُ فأخبره حقيقة الأمر ويقينه‏ويقينه.
فلما دخل أبو جعفر المدينةَ أرسل إلى بني الحسن فجَمَعهم وقال لسَلْم‏لسَلْم: إذا رأيتَ عبد الله عندي فقُم على رأسي وأشِرْ إليَ بالسلاح ففعل‏ففعل.
فلما رآه عبد الله سُقط في يده وتغيَّر وجهه‏وجهه.
فقال له أبو جعفر‏جعفر: مالك أبا محمد أتعرفه قال‏قال: نعم يا أمير المؤمنين فاقِلْني وصلْتك رحم‏رحم.
فقال له أبو جعفر‏جعفر: هل علمتَ أنك تعرف موضع وَلَديك وأنه لا عُذر لك وقد باح السرُّ فأظهرهما لي ولك أن أصلَ رحمك ورَحمهما وأن أعظم ولايتهما وأعطيَ كلّ واحد منهما ألف ألفِ درهم‏درهم.
فتراجعٍ عبد الله حتى انكفأ على ظهره وبنو حسن اثنا عشر رجلاً فأمر بِحبسهم جميعاً‏جميعاً.
وخرج أبو جعفر فعسكر من ليلته على ثلاثة أميال من المدينة وعَبّأ على القتال ولم يَشك أنَّ أهل المدينة سيُقاتلونه في بني حَسن فعبّأ ميمنة وميسرة وقَلْباً وتهيأَ للحرب وأجلس في مسجد النبي {{صل}} عشرين مُعطياً يُعطون العطايا‏العطايا.
فلم يتحرك عليه منهم أحد ثم مَضى بهم إلى مكَة‏مكَة.
فلما انصرف أبو جعفر إلى العراق خرج محمدُ بن عبد الله بالمدينة فكتب إليه أبو جعفر‏جعفر: مِن عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله " إِنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم‏عظيم.
إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم "‏‏.
ولك علي عهدُ الله وميثاقه وذمَّة الله وذمة نبيّه إن أنتُما أتيتُما وتُبتما ورَجعتما من قبل أن أقدرَ عليكما وأن يقع بيني وبينكما سَفك الدماء أن أؤمنكما وجميعَ ولدكما‏ولدكما.
ومن شايعكما وتَابَعكما على دِمائكم وأموالكم وأوسعكم ما أصبتم من دم أو مال وأعطيكما ألفَ ألفِ درهم لكلِّ واحد منكما وما سألتما من الحوائج وأبوئكما من البلاد حيث شئتُما وأطْلِق من الحبس جميعَ ولد أبيكما ثم لا أتعقب واحداً منكما بذَنب سَلف منه أبداً‏أبداً.
فلا تُشمت بنَا وبك عدوّنا من قريش فإن أحببْتَ أن تتوثق من نفسك بما - عرضتُ عليك فوَجَّه إليَّ مَن أحببْتَ ليأخذ لك من الأمان والعهود والمواثيق ما تأمن وتطمئن إليه إن شاء الله والسلام‏والسلام.
فأجابه محمدُ بن عبد اللهّ‏اللهّ: من محمد بن عبد الله أمير المؤمنين إلى عبد الله بن محمد " طَسِم‏طَسِم.
تلك آياتُ الكِتَاب المُبِين‏المُبِين.
نَتْلو عليكَ مِن نبأ مُوسى وفِرْعوْن بالحقِّ لقوم يُؤْمنون " إلى قوله " وما كانَوا يَحْذَرون "‏‏.
وأنا أعرض عليك من الأمان ما عرضتَه فإنَّ الحقَّ معنا وإنما ادعيتم هذا الأمر بنا وخَرجتم إليه بشِيعتنا وحَظيتم بفضلنا وإن أبانا عليا رحمه الله كان الإمام فكيف ورثتم ولايةَ ولده وقد علِمتُم أنه لم يطلب هذا الأمر أحدٌ بمثل نَسَبنا ولا شرفنا وأنا لسنا من أبناء الظِّئار ولا من أبناء الطُّلقاء وأنه ليس يَمُتُّ أحدٌ بمثل ما نَمُتّ به من القرابة والسابقة والفضل وأنا بنو أم أبي رسول اللهّ {{صل}} فاطمة بنت عمرو في الجاهلية وبنو فاطمة ابنته في الإسلام دونكم وأنّ الله اختارنا واخْتار لنا فولدنا من النبيّين أفضلُهم ومن الألف أوّلهم إسلاماً علي بن أبي طالب ومن النّساء أفضلُهن خديجة بنت خُويلد وأول مَن صلّى إلى القبلة منهن ومن البنات فاطمة سيِّدة نساء أهل الجنة ولدت الحَسن والحُسين سيدَي شباب أهل الجنة صلواتُ الله عليهما وأنَ هاشماً وَلد عليا مرتين وأنَّ عبد المطلب وَلد حسناً مرتين وأنّ النبي {{صل}} ولدني مرتين وأني من أوسط بني هاشم نَسباً وأشرفهم أباً وأمّاً لم تُعْرِق فيّ العجم ولم تُنازع فيّ أمهاتُ الأولاد‏الأولاد.
فما زال الله بمنّه وفضله يختار لي الأمهات في الجاهليّة والإسلام حتى أختار لي في النار فأَنا ابنُ أرفع الناس درجةً في الجنّة وأهونهم عذاباً في النار وأبي خيرُ أهل الجنة وأبي خيرُ أهل النار فأنا ابن خير الأخيار وأبن خير الأشرار فلك الله إن دَخلتَ في طاعتي وأوجبتَ دَعْوتي أن أؤمِّنك على نَفسك ومالك ودَمك وكلِّ أمرٍ أحدثتَه إلا حداً من حُدود الله أو حقَّ امرئ مُسلم أو مُعاهد فقد علمتَ ما يلزمك من ذلك وأنا أولى بالأمر منك وأوفى بالعَهد لأنك لا تُعطي من العهد أكثرَ مما أعطيتَ رجالاً قبلي‏قبلي.
فأيَ الأمانات تُعطيني‏تُعطيني: أمانَ ابن هبيرة أو أمانَ عمك عبد الله بن عليّ أو أمانَ أبي مُسلم‏مُسلم.
والسلام.
والسلام‏.‏
فكتب إليه أبو جعفر المنصور‏المنصور: من عبد الله أمير المُؤمنين إلى محمد بن عبد الله بن حَسن أما بعد‏بعد.
فقد بلغني كتابُك وفهمتُ كلامَك فإذا جُل فخرك بقَرابة النِّساء لتضل به الغوغاء‏الغوغاء.
ولم يَجعل الله النساءَ كالعُمومة والآباء ولا كالعَصبة الأولياء لأن الله جعل العمَّ أباً وبدأ به في القرآن على الوالد الأدنى‏الأدنى.
ولو كان اختيارُ الله لهنّ علىِ قدر قَرابتهن لكانت آمنة أقربَهن رَحِماً وأعظمَهن حقًا وأولَ مَن يدخل الجنة غداً ولكنّ اختيارَ الله لخَلقه على قدر عِلْمه الماضيِ لهم‏لهم.
فأما ما ذكرتَ من فاطمة جدَّة النبيِّ {{صل}} وولادتها لك فإنَ الله لم يَرزق أحداً من وَلدها دينَ الإسلام ولو أنَّ أحداً من ولدها رُزق الإسلام بالقرابة لكان عبد الله بن عبد المطلب أولاهم بكُل خَيْر في الدُّنيا والآخر ولكنّ الأمرَ لله يَختار لدِينه مَن يشاء‏يشاء.
وقد قال جل ثناؤه‏ثناؤه: " إنكَ لا تَهْدِيِ مَن أحْبَبْتَ ولكنَّ الله يَهْدِي مَن يَشاء وهُو أعلمُ بالمُهتَدِين "‏‏.
وقد بعثَ الله محمد {{صل}} وله عُمومة أربعة فأنزل الله عليه‏عليه: " وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقرَبين "‏‏.
فَدعاهم فأنذرهم فأجابه اثنان أحدُهما أبِي وأبي عليه اثنان أحدُهما أبوك فقطع الله ولايتَهما منه ولم يَجعل بينهما إلا ولا ذمَة ولا مِيراثاً‏مِيراثاً.
وقد زعمتَ أنك ابنُ أخفِّ أهل النار عذاباً وابنُ خير الأشرار وليس في الشرِّ خِيارٌ ولا فَخرَ في النار وسترد فتَعلم " وسَيعلم الذيِ ظَلمُوا أيَّ مُنقَلَب يَنْقَلبون "‏‏.
وأما ما فَخرتَ به من فاطمةَ أمّ عليّ وأنّ هاشماً ولد عليَّا مرتين وأنِّ عبد المطلب ولد الحسن مرتين وأن النبي {{صل}} وَلدك مرَّتين فَخيرُ الأولين الآخِرين رسوِلُ الله {{صل}} لم يَدله هاشمٌ إلا مرَّة واحدة ولا عبدُ المطلب إلاَ مرة واحدة‏واحدة.
وزعمت أنّك أوسطُ بني هاشم نَسَباً وأكرمُهم أباً وأمّاً وأنك لم تَلِدْك العَجم ولمِ تُعْرِق فيك أمَّهاتُ الأولاد فقد رأيتُك فَخرتَ على بني هاشم طُرًّا فانظُر أين أنت ويحك من الله غداً‏غداً! فإنك قد تعدّيت طَوْرك وفَخرت على مَن هو خيرٌ منك نفساً وأبا وأوّلاً وآخِراً‏وآخِراً: فَخرتَ على إبراهيم ولد النبيّ {{صل}} وهل خيار ولدِ أبيك خاصة وأهلُ الفَضل منهم إلا بنو أمهات أولاد وما وُلد منكم بعد وفاة رسول الله {{صل}} أفضلُ من عليّ بن الحُسين وهو لأم ولد وهو خَيرٌ من جَدِّك حَسن بن حسن‏حسن.
وما كان فيكم بعدَه مثلُ ابنه محمد بن عليّ وجدته أم ولد وهو خيرٌ من أبيك ولا مثلُ ابنه جَعفر وهو خيرٌ منك وجدّته أم ولد‏ولد.
وأما قولُك‏قولُك: إنا بنو رسول الله {{صل}} فإن الله يقول‏يقول: " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين " ولكنكم بنو ابنتِه وهي امرأة لا تُحرز ميراثَاً ولا تَرث الوَلاء ولا يَحل لها أن تَؤُم فكيف توَرت بها إمامة ولقد ظَلمها أبوك بكُل وجه فأَخرجها نهاراً مرَّضها سِرّاً ودَفنها ليلاً‏ليلاً.
فأبي الناس إلا تقديم الشيخين وتفضيلَهما‏وتفضيلَهما.
ولقد كانت السُّنة التي لا اختلاف فيها أن الجدَّ أبا الأم والخال والخالةَ لا يرثون‏يرثون.
وأما ما فَخرتَ به من عليِّ وسابقته‏وسابقته.
فقد حضرتْ النبيَّ {{صل}} الوفاةُ فأمر غيرَه بالصلاة‏بالصلاة.
ثم أخذ الناسُ رجلاً بعد رجل فما أخذه وكان في الستّة من أصحاب الشُّورى فتركوه كُلهم‏كُلهم: رفضه عبدُ الرحمن بن عوف وقاتله طَلحة والزبير وأبى سعدٌ بيعتَه وأغلق بابَه دونه وبايع معاويةَ بعده‏بعده.
ثم طلبها بكلِّ وجه فقاتل عليها ثم حَكّم الحَكَمين ورضي بهما وأعطاهما عهدَ الله وميثاقَه فاجْتمعا على خَلْعه واخْتلفا في مُعاوية‏مُعاوية.
ثم قال جدُّكَ الحسن فباعها بِخرَق ودراهم ولحق بالحجاز وأسلم شيعتَه بيد مُعاوية ودَفع الأموالَ إلى غير أهلها وأخذَ مالاً من غير ولائه‏ولائه.
فإن كان لكم فيها حقّ فقد بِعْتموه وأَخذتُم ثمنَه‏ثمنَه.
ثم خرج عمُّك الحُسيَن على ابن مَرْجانة فكان الناس معه عليه حتى قَتلوه وأتوا برأْسِه إليه‏إليه.
ثم خرجتُم على بني أُمية فقتّلوكم وصَلّبكم على جُذوع النخل وأحرقوكم بالنِّيرانِ ونَفوكم من البُلدان حتى قُتل يحيى بن زيد بأرض خُراسان وقَتلوا رجالَكم وأسروا الصِّبْية والنِّساء وحَملوهم كالسَّبي المجلوب إلى الشام‏الشام.
حتى خرجنا عليهم فَطلبنا بثأرِكم وأدْركنا بدمائكم وأورثناكم أرضَهم وديارَهم وأَموالَهم وأردنا إشراككم في مُلكنا فأبيتم إلا الخروجَ علينا‏علينا.
وظننتَ ما رأيتَ من ذكرنا أباكَ وتَفصيلنا إياه أنّا نُقدمه على العبَّاس وحمزة وجَعفر وليس كما ظننْتَ ولكنّ هؤلاء سالمون مُسلّم منهم مُجتمع بالفضل عليهم‏عليهم.
وابتُلى بالحرب أبوكَ فكانت بنو أمية تَلعنه على المنابر كما تَلعن أهلَ الكفر في الصلاة المكتوبة فاحتججنا له وذكرنا فَضلة وعنَّفناهم وظَلِّمناهم فيما نالوا منه‏منه.
وقد علمت أنَّ المكْرمة في الجاهلية سقايةُ الحاج الأعظم وولاية بئر زمزم وكانت للعبَّاس من بين إخوته وقد نازعَنا فيها أبوك فقضى لنا بها رسولُ الله {{صل}} فلم نَزل نَليها في الجاهليّة والإسلام‏والإسلام.
فقد علمتَ أنه لم يَبْق أحد مِن بعد النبيِّ {{صل}} من بني عبد المطلب غيرَ العبَّاس وحدَه فكان وارثَه من بين إخوته‏إخوته.
ثم طلب هذا الأمرَ غيرُ واحد من بني هاشم فلم يَنله إلا ولدُه فالسقاية سقايتُنا وميراث النبيِّ {{صل}} ميراثُنا والخلافة بأيدينا فلم يبق فَضل ولا شَرف في الجاهليَّة والإسلام إلاَ والعبَّاس وارثه ومُورِّثه والسلام‏والسلام.
فلما خرج محمدُ بن عبد الله بن الحَسن بالمدينة بايعه أهلُ المدينة وأهل مكّة‏مكّة.
وخرج أخوه إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بالبصرة في شهر رمضان فاجتمع الناسُ إليه فنَهض إلى دار الإمارة وبها سفيان بن محمد بن المهلّب فسلّم إليه البَصرة بغير قتال‏قتال.
وأَرسل إبراهيمُ بن عبد الله بن الحسن إلى الأهواز جيْشاً فأخذها بعد قتال شديد وأرسلِ جيشاً إلى واسط فأَخذها‏فأَخذها.
ثم إن أبا جَعفر المَنصور جَهَّز إليهم عيسى بنَ موسى فَخرج إلى المدينة فلقيه محمدُ بن عبد الله فانهزم بأَصحابه وقُتل‏وقُتل.
ثم مضى عيسى بنُ موسى إلى البصرة فلقى إبراهيمَ بن الحسن فقتله وبَعث برأْسه إلى أبي جعفر‏جعفر.
وقال رجل من أَهل مكّة‏مكّة: كُنَّا جلوساً مع عمرو بن عُبيد بالمَسجد فأتناه رجلٌ بكتاب المَنصور على لسان مُحمد بن عبد الله بن الحَسن يَدعوه إلى بيعته فقرَأه ثم وَضعه‏وَضعه.
فقال له الرسول‏الرسول: الجواب‏الجواب.
فقال‏فقال: ليس له جواب قُل لصاحبك يَدعْنا نَجلس في الظلِّ ونَشرب من هذا الماء البارد حتى تأتيَنا آجالُنا‏آجالُنا.
مروان بن شجاع مولى بني أميَّة قال‏قال: كنتُ مع إسماعيل بن عليّ بفارس أؤدب ولَده فلما لَقِيته المُبيِّضة وظفر بهم أتى منهم بأربعمائة أسير فقال له أخوه عبدُ الصمد وكان على شُرطته‏شُرطته: أضرب أعناقهم‏أعناقهم.
فقال ما تقول يا مروان قلت‏قلت: أصلح الله الأمير إنه أوَل مَن سَنِّ قِتال أهل القِبْلة عليُ بن أبي طالب فَرأى أن لا يُقتل أسير ولا يُجهز على جريح ولا يُتبع مولى‏مولى.
قال‏قال: خُذ بيعتَهم وخلّ سبيلَهم‏سبيلَهم.
قيل لمحمد بن علي بن الحسين‏الحسين: ما أقَل ولدَ أبيك قال‏قال: إني لأعجبُ كيف وُلدُت له‏له! قيل له وكيف ذلك قال‏قال: إنه كان يُصلي في اليوم والليلة ألف ركعة فمتى كان يَتفرَّغ للنساء ولما وَجَّه المَنصورُ عيسى بنَ موسى في مُحاربة بني عبد الله بن الحسن قال‏قال: يا أبا موسى إذا صرتَ إلى المدينة فادْع محمدَ بن عبد الله بن الحسن إلى الطاعة والدُخول في الجماعة فإن أجابك فاقْبل منه وإن هَرب منك فلا تَتبعه وإن أبي إلا الحربَ فناجزْه واسْتعن بالله عليه فإذا ظفرتَ به فلا تُخيفنَّ أهلَ المدينة وعُمَهم بالعفو فإنهم الأصلُ والعشيرة وذُرَية المهاجرين والأنصار وجيران قَبر النبي {{صل}} فهذه وصيَّتي إياكَ لا كما أوصىَ به يزيدُ بن فعاوية مُسلمَ بن أبي عُقبة حين وجه إلى المدينة وأمرَه أن يَقتل مَن ظَهر له إلى ثنية الوَداع وأن يُبيحها ثلاثة أيام ففَعل‏ففَعل.
فلما بلغ يزيدَ ما فعله تمثّل بقول ابن الزَبَعْري في يوم أحد حيث قال‏قال: ليت أشياخِي ببَدرِ شَهِدُوا جَزَع الخَزْرج مِن وَقْع الأسَلْ ثم اكتُب إلى أهل مكة بالعَفو عنهم والصفح فإنهم آلُ الله وجيرانُه وسُكّان حَرمه وأمْنه ومَنبت القوم والعشيرة وعظّم البيتَ والحَرم لا تُلحِد فيه بظُلم فإنه حَرم الله الذي بَعث منه نبيّه محمداً {{صل}} وشرّف به آباءنا لتَشريف الله إيانا‏إيانا.
فهذه وصيتي لا كما أوصى به الذي وجه الحجاجَ إلى مكّة فأمره أن يَضع المَجانيق على الكَعبة وأن يُلحد في الحرم ألا لا يَجْهلنْ أحدٌ علينا فنجهَلَ فوِقَ جَهلاً لجاهلينا لنا الدُّنيا ومن أضحى عليها ونَبْطِش حين نَبْطش قادِرينا الرياشي قال‏قال: قال عيسى بنُ موسى‏موسى: لما وجهني المنصور إلى المدينة حَرْب بني عبد الله بن الحسن جعل يُوصيني ويكثر‏ويكثر.