o مسألة: الجواميس كغيرها من البقر
o فصل: اختلاف الرواية في بقر الوحش
o فصلفصل: وجوب الزكاة في المتولد بين الوحشي والأهلي
• باب صدقة الغنم
o مسألة: ليس فيما دون أربعين من الغنم سائمة صدقة
o مسألة: الخمس في الركاز
o فصل: وجوب الخمس في الجميع
o الفصل الأولالأول: الركاز
o الفصل الثاني: وجود الركاز في أرض موات
o فصل: الركاز لواجده في الدار المكتراة
o الفصل الثاني: في قدر الواجب وصفته
o الفصل الثالث: في نصاب المعادن
o الفصل الرابعالرابع: في وقت الوجوب
o فصل: زكاة المستخرج من البحر كاللؤلؤ والمرجان
o فصل: المعادن الجامدة تملك بملك الأرض التي هي فيها
o مسألة: المكاتب تلزمه زكاة فطره
o فصل: المكاتب تلزمه زكاة فطره وزكاة فطر من يمونه
o مسألةمسألة: إذا ملك جماعة عبدًا أخرج كل واحد منهم صاعًا
o فصل: العبد المشترك زكاة فطره عليه وعلى سيده
o فصل: زكاة فطر الملحوق بالقافة كزكاة العبد المشترك
كتاب الزكاة
قال أبو محمد بن قتيبةقتيبة: الزكاة من الزكاء والنماء والزيادة سميت بذلك لأنها تثمر المال وتنميه يقاليقال: زكا الزرعالزرع, إذا كثر ريعه وزكت النفقة إذا بورك فيها وهي في الشريعة حق يجب في المال فعند إطلاق لفظها في موارد الشريعة ينصرف إلى ذلك والزكاة أحد أركان الإسلام الخمسةالخمسة, وهي واجبة بكتاب الله تعالى وسنة رسوله وإجماع أمته أما الكتابالكتاب, فقول الله تعالىتعالى: {وآتواوآتوا الزكاةالزكاة} [البقرةالبقرة: 4343]. وأما السنة (فإنفإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعث معاذا إلى اليمن فقالفقال: أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهمفقرائهم) متفق عليه في أي وأخبار سوى هذين كثيرة وأجمع المسلمون في جميع الأعصار على وجوبهاوجوبها, واتفق الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ على قتال مانعيها فروى البخاري بإسناده عن أبي هريرة قالقال: لما توفي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان أبو بكربكر, وكفر من كفر من العرب فقال عمرعمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (أمرتأمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللهالله, فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله؟الله؟) فقالفقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقاتلتهم على منعها قال عمرعمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتالللقتال, فعرفت أنه الحق ورواه أبو داود وقالوقال: " لو منعوني عقالا " قال أبو عبيدعبيد: العقال صدقة العام قال الشاعرالشاعر: سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا ** فكيف لو قد سعى عمرو عقالين
وقيلوقيل: كانوا إذا أخذوا الفريضة أخذوا معها عقالها ومن رواه "عناقاعناقا " ففي روايته دليل على أخذ الصغيرة من الصغارالصغار.
فصل:
فصل:
فمن أنكر وجوبها جهلا بهبه, وكان ممن يجهل ذلك إما لحداثة عهده بالإسلام أو لأنه نشأ ببادية نائية عن الأمصار عرف وجوبهاوجوبها, ولا يحكم بكفره لأنه معذور وإن كان مسلما ناشئا ببلاد الإسلام بين أهل العلم فهو مرتد تجري عليه أحكام المرتدين ويستتاب ثلاثاثلاثا, فإن تاب وإلا قتل لأن أدلة وجوب الزكاة ظاهرة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة فلا تكاد تخفى على أحد ممن هذه حاله فإذا جحدها لا يكون إلا لتكذيبه الكتاب والسنةوالسنة, وكفره بهمابهما.
فصل:
فصل:
وإن منعها معتقدا وجوبها وقدر الإمام على أخذها منه أخذها وعزرهوعزره, ولم يأخذ زيادة عليها في قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفةحنيفة, ومالك والشافعي وأصحابهم وكذلك إن غل ماله فكتمه حتى لا يأخذ الإمام زكاتهزكاته, فظهر عليه وقال إسحاق بن راهويه وأبو بكر عبد العزيزالعزيز: يأخذها وشطر ماله لما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جدهجده, عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقوليقول: (فيفي كل سائمة الإبل في كل أربعين بنت لبون لا تفرق عن حسابهاحسابها, من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ومن أباها فإني آخذها وشطر ماله عزمة من عزمات ربناربنا, لا يحل لآل محمد منها شيءشيء) وذكر هذا الحديث لأحمد فقالفقال: ما أدري ما وجهه؟وجهه؟ وسئل عن إسناده فقالفقال: هو عندي صالح الإسناد رواه أبو داود والنسائيوالنسائي, في " سننهما " ووجه الأول قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (ليسليس في المال حق سوى الزكاةالزكاة) ولأن منع الزكاة كان في زمن أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ بموت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مع توفر الصحابة ـ رضي الله عنه ـم ـ فلم ينقل أحد عنهم زيادةزيادة, ولا قولا بذلك واختلف أهل العلم في العذر عن هذا الخبر فقيلفقيل: كان في بدء الإسلام حيث كانت العقوبات في المال ثم نسخ بالحديث الذي رويناه وحكى الخطابيالخطابي, عن إبراهيم الحربي أنه يؤخذ منه السن الواجبة عليه من خيار ماله من غير زيادة في سن ولا عدد لكن ينتقي من خير ماله ما تزيد به صدقته في القيمة بقدر شطر قيمة الواجب عليه فيكون المراد ب " ما له " ها هنا الواجب عليه من مالهماله, فيزاد عليه في القيمة بقدر شطره والله أعلم فأما إن كان مانع الزكاة خارجا عن قبضة الإمام قاتله لأن الصحابة ـ رضي الله عنه ـم ـ قاتلوا مانعيها وقال أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ــ: لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم عليه فإن ظفر به وبمالهوبماله, أخذها من غير زيادة أيضا ولم تسب ذريته لأن الجناية من غيرهم ولأن المانع لا يسبىيسبى, فذريته أولى وإن ظفر به دون ماله دعاه إلى أدائها واستتابه ثلاثاثلاثا, فإن تاب وأدى وإلا قتل ولم يحكم بكفره وعن أحمد ما يدل على أنه يكفر بقتاله عليهاعليها, فروى الميموني عنهعنه: إذا منعوا الزكاة كما منعوا أبا بكر وقاتلوا عليها لم يورثوايورثوا, ولم يصل عليهم قال عبد الله بن مسعودمسعود: ما تارك الزكاة بمسلم ووجه ذلك ما روي أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ لما قاتلهم وعضتهم الحربالحرب, قالواقالوا: نؤديها قالقال: لا أقبلها حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ولم ينقل إنكار ذلك عن أحد من الصحابة فدل على كفرهم ووجه الأول أن عمر وغيره من الصحابة امتنعوا من القتال في بدء الأمرالأمر, ولو اعتقدوا كفرهم لما توقفوا عنه ثم اتفقوا على القتال وبقي الكفر على أصل النفيالنفي, ولأن الزكاة فرع من فروع الدين فلم يكفر تاركه بمجرد تركه كالحج وإذا لم يكفر بتركهبتركه, لم يكفر بالقتال عليه كأهل البغي وأما الذين قال لهم أبو بكر هذا القول فيحتمل أنهم جحدوا وجوبها فإنه نقل عنهم أنهم قالواقالوا: إنما كنا نؤدي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لأن صلاته سكن لنالنا, وليس صلاة أبي بكر سكنا لنا فلا نؤدي إليه وهذا يدل على أنهم جحدوا وجوب الأداء إلى أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ ولأن هذه قضية في عين ولا يتحقق من الذين قال لهم أبو بكر هذا القولالقول, فيحتمل أنهم كانوا مرتدين ويحتمل أنهم جحدوا وجوب الزكاة ويحتمل غير ذلكذلك, فلا يجوز الحكم به في محل النزاع ويحتمل أن أبا بكر قال ذلك لأنهم ارتكبوا كبائر وماتوا من غير توبةتوبة, فحكم لهم بالنار ظاهرا كما حكم لقتلى المجاهدين بالجنة ظاهرا والأمر إلى الله تعالى في الجميعالجميع, ولم يحكم عليهم بالتخليد ولا يلزم من الحكم بالنار الحكم بالتخليد بعد أن أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم- أن قوما من أمته يدخلون النارالنار, ثم يخرجهم الله تعالى منها ويدخلهم الجنةالجنة.
مسألة:
مسألة:
قال أبو القاسم - رحمه الله- تعالىتعالى: ( وليس فيما دون خمس من الإبل سائمة صدقة ) بدأ الخرقي - رحمه الله- بذكر صدقة الإبل لأنها أهمأهم, فإنها أعظم النعم قيمة وأجساما وأكثر أموال العرب فالاهتمام بها أولىأولى, ووجوب زكاتها مما أجمع عليه علماء الإسلام وصحت فيه السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ومن أحسن ما روي في ذلك ما رواه البخاري في " صحيحه ", قالقال: حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري قالقال: حدثني أبي قالقال: حدثنا ثمامة بن عبد الله بن أنسأنس, أن أنسا حدثه أن أبا بكر الصديق كتب له هذا الكتابالكتاب, لما وجه إلى البحرينالبحرين: بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على المسلمين والتي أمر الله بها رسوله - صلى الله عليه وسلم- فمن سئلها على وجهها من المسلمين فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعطيعط: " في أربع وعشرين فما دونها من الإبل في كل خمس شاةشاة, فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعينوأربعين, ففيها بنت لبون أنثى فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجملالجمل, فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعينتسعين, ففيها ابنتا لبون فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحلالفحل, فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقةحقة, ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها فإذا بلغت خمسا من الإبلالإبل, ففيها شاة " وذكر تمام الحديث نذكره - إن شاء الله تعالى- في أبوابه ورواه أبو داود في " سننه ", وزادوزاد: " وإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض إلى أن تبلغ خمسا وثلاثينوثلاثين, فإن لم يكن فيها ابنة مخاض ففيها ابن لبون ذكر " وهذا كله مجمع عليه إلى أن يبلغ عشرين ومائة ذكره ابن المنذر قالقال: ولا يصح عن على ـ رضي الله عنه ـ ما روي عنه في خمس وعشرين يعني ما حكي عنه في خمس وعشرين خمس شياه وقول الصديق ـ رضي الله عنه ــ: التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يعنى قدرقدر, والتقدير يسمى فرضا ومنه فرض الحاكم للمرأة فرضا وقولهوقوله: ومن سئل فوقها فلا يعط يعني لا يعطي فوق الفرض وأجمع المسلمون على أن ما دون خمس من الإبل لا زكاة فيه وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديثالحديث: (ومنومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس عليه فيها صدقة إلا أن يشاء ربهاربها) وقالوقال: (ليسليس فيما دون خمس ذود صدقةصدقة) متفق عليه والسائمةوالسائمة: الراعيةالراعية, وقد سامت تسوم سوماسوما: إذا رعت وأسمتها إذا رعيتها وسومتهاوسومتها: إذا جعلتها سائمةسائمة, ومنه قول الله تعالىتعالى: {ومنهومنه شجر فيه تسيمونتسيمون} [النحل: 10]. أي ترعون وفي ذكر السائمة احتراز من المعلوفة والعوامل فإنه لا زكاة فيها عند أكثر أهل العلم وحكي عن مالك أن في الإبل النواضح والمعلوفة الزكاة لعموم قوله عليه السلامالسلام: (فيفي كل خمس شياهشياه) قال أحمدأحمد: ليس في العوامل زكاة وأهل المدينة يرون فيها الزكاة وليس عندهم في هذا أصل ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (فيفي كل سائمة في كل أربعين بنت لبونلبون) في حديث بهز بن حكيمحكيم, فقيده بالسائمة فدل على أنه لا زكاة في غيرها وحديثهم مطلقمطلق, فيحمل على المقيد ولأن وصف النماء معتبر في الزكاة والمعلوفة يستغرق علفها نماءهانماءها, إلا أن يعدها للتجارة فيكون فيها زكاة التجارةالتجارة.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( فإذا ملك خمسا من الإبل فأسامها أكثر السنةالسنة, ففيها شاة وفي العشر شاتان وفي الخمس عشرة ثلاث شياهشياه, وفي العشرين أربع شياه ) وهذا كله مجمع عليه وثابت بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بما رويناه وغيره إلا قولهقوله: " فأسامها أكثر السنة " فإن مذهب إمامنا ومذهب أبي حنيفة أنها إذا كانت سائمة أكثر السنة ففيها الزكاة وقال الشافعيالشافعي: إن لم تكن سائمة في جميع الحول فلا زكاة فيها لأن السوم شرط في الزكاةالزكاة, فاعتبر في جميع الحول كالملك وكمال النصاب ولأن العلف يسقط والسوم يوجبيوجب, فإذا اجتمعا غلب الإسقاط كما لو ملك نصابا بعضه سائمة وبعضه معلوفة ولنا عموم النصوص الدالة على وجوب الزكاة في نصب الماشية واسم السوم لا يزول بالعلف اليسيراليسير, فلا يمنع دخولها في الخبر ولأنه لا يمنع حقه للمؤنة فأشبهت السائمة في جميع الحولالحول, ولأن العلف اليسير لا يمكن التحرز منه فاعتباره في جميع الحول يسقط الزكاة بالكلية سيما عند من يسوغ له الفرار من الزكاة فإنه إذا أراد إسقاط الزكاة علفها يوما فأسقطهافأسقطها, ولأن هذا وصف معتبر في رفع الكلفة فاعتبر فيه الأكثر كالسقي بما لا كلفة في الزرع والثمار وقولهم " السوم شرط " يحتمل أن يمنع ونقولونقول: بل العلف إذا وجد في نصف الحول فما زاد مانع كما أن السقي بكلفة مانع من وجوب العشرالعشر, ولا يكون مانعا حتى يوجد في النصف فصاعدا كذا في مسألتنا وإن سلمنا كونه شرطا فيجوز أن يكون شرط وجوده في أكثر الحولالحول, كالسقي بما لا كلفة فيه شرط في وجوب العشر ويكتفى بوجوده في الأكثر ويفارق ما إذا كان في بعض النصاب معلوف لأن النصاب سبب للوجوبللوجوب, فلا بد من وجود الشرط في جميعه وأما الحول فإنه شرط الوجوب فجاز أن يعتبر الشرط في أكثرهأكثره.
فصل:
فصل:
ولا يجزئ في الغنم المخرجة في الزكاة إلا الجذع من الضأنالضأن, والثني من المعز وكذلك شاة الجبران وأيهما أخرج أجزأه ولا يعتبر كونها من جنس غنمهغنمه, ولا جنس غنم البلد لأن الشاة مطلقة في الخبر الذي ثبت به وجوبها وليس غنمه ولا غنم البلد سببا لوجوبها فلم يتقيد بذلكبذلك, كالشاة الواجبة في الفدية وتكون أنثى فإن أخرج ذكرا لم يجزئه لأن الغنم الواجبة في نصبها إناثإناث, ويحتمل أن يجزئه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أطلق لفظ الشاة فدخل فيه الذكر والأنثى ولأن الشاة إذا تعلقت بالذمة دون العين أجزأ فيها الذكر كالأضحيةكالأضحية, فإن لم يكن له غنم لزمه شراء شاة وقال أبو بكربكر: يخرج عشرة دراهم قياسا على شاة الجبران ولنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم- نص على الشاةالشاة, فيجب العمل بنصه ولأن هذا إخراج قيمة فلم يجز كما لو كانت الشاة واجبة في نصابهانصابها, وشاة الجبران مختصة بالبدل بعشرة دراهم بدليل أنها لا تجوز بدلا عن الشاة الواجبة في سائمة الغنمالغنم.
فصل:
فصل:
فإن أخرج عن الشاة بعيرا لم يجزئه سواء كانت قيمته أكثر من قيمة الشاة أو لم يكنيكن, وحكي ذلك عن مالك وداود وقال الشافعي وأصحاب الرأيالرأي: يجزئه البعير عن العشرين فما دونها ويتخرج لنا مثل ذلك إذا كان المخرج مما يجزئ عن خمس وعشرين لأنه يجزئ عن خمس وعشرين والعشرون داخلة فيهافيها, ولأن ما أجزأ عن الكثير أجزأ عما دونه كابنتي لبون عما دون ستة وسبعين ولنا أنه أخرج غير المنصوص عليه من غير جنسهجنسه, فلم يجزه كما لو أخرج بعيرا عن أربعين شاة ولأن النص ورد بالشاةبالشاة, فلم يجزئ البعير كالأصل أو كشاة الجبران ولأنها فريضة وجبت فيها شاة فلم يجزئ عنها البعيرالبعير, كنصاب الغنم ويفارق ابنتي لبون عن الجذعة لأنها من الجنسالجنس.
فصل:
فصل:
وتكون الشاة المخرجة كحال الإبل في الجودة والرداءة فيخرج عن الإبل السمان سمينةسمينة, وعن الهزال هزيلة وعن الكرائم كريمة وعن اللئام لئيمةلئيمة, فإن كانت مراضا أخرج شاة صحيحة على قدر المال فيقال لهله: لو كانت الإبل صحاحا كم كانت قيمتها وقيمة الشاة؟الشاة؟ فيقالفيقال: قيمة الإبل مائة وقيمة الشاة خمسة فينقص من قيمتها قدر ما نقصت الإبلالإبل, فإذا نقصت الإبل خمس قيمتها وجب شاة قيمتها أربعة وقيلوقيل: تجزئه شاة تجزئ في الأضحية من غير نظر إلى القيمة وعلى القولين لا تجزئه مريضة لأن المخرج من غير جنسها وليس كله مراضامراضا, فينزل منزلة اجتماع الصحاح والمراض لا تجزئ فيه إلا الصحيحةالصحيحة.
مسألة:
مسألة:
( قالقال: فإذا صارت خمسًا وعشرين ففيها بنت مخاضمخاض, إلى خمس وثلاثين ) فإن لم يكن فيها بنت مخاض وابن لبون ذكر فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعينوأربعين, فإذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعينوسبعين, فإذا بلغت ستا وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة وهذا كله مجمع عليه والخبر الذي رويناه متناول له وابنة المخاضالمخاض: التي لها سنة وقد دخلت في الثانيةالثانية, سميت بذلك لأن أمها قد حملت غيرها والماخض الحامل وليس كون أمها ماخضا شرطا فيهافيها, وإنما ذكر تعريفا لها بغالب حالها كتعريفه الربيبة بالحجر وكذلك بنت لبون وبنت المخاض أدنى سن يوجد في الزكاةالزكاة, ولا تجب إلا في خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين خاصة وبنت اللبوناللبون: التي تمت لها سنتان ودخلت في الثالثة سميت بذلك لأن أمها قد وضعت حملها ولها لبن والحقةوالحقة: التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة لأنها قد استحقت أن يطرقها الفحل ولهذا قالقال: طروقة الفحل واستحقت أن يحمل عليها وتركب والجذعةوالجذعة: التي لها أربع سنين ودخلت في الخامسةالخامسة, وقيل لها ذلك لأنها تجذع إذا سقطت سنها وهي أعلى سن تجب في الزكاة ولا تجب إلا في إحدى وستين إلى خمس وسبعين وإن رضي رب المال أن يخرج مكانها ثنية جازجاز, وهي التي لها خمس سنين ودخلت في السادسة وسميت ثنية لأنها قد ألقت ثنيتيها وهذا الذي ذكرناه في الأسنان ذكره أبو عبيد وحكاه عن الأصمعيالأصمعي, وأبي زيد الأنصاري وأبي زياد الكلابي وغيرهم وقول الخرقيالخرقي: " فإن لم يكن ابنة مخاض " أراد إن لم يكن في إبله ابنة مخاض أجزأه ابن لبون ولا يجزئه مع وجود ابنة مخاض لقوله عليه السلامالسلام: (فإنفإن لم يكن فيها ابنة مخاض فابن لبون ذكرذكر) في الحديث الذي رويناه شرط في إخراجه عدمها فإن اشتراها وأخرجها جازجاز, وإن أراد إخراج ابن لبون بعد شرائها لم تجز لأنه صار في إبله بنت مخاض فإن لم يكن في إبله ابن لبون وأراد الشراءالشراء, لزمه شراء بنت مخاض وهذا قول مالك وقال الشافعيالشافعي: يجزئه شراء ابن لبون لظاهر الخبر وعمومه ولنا أنهما استويا في العدم فلزمته ابنة مخاضمخاض, كما لو استويا في الوجود والحديث محمول على وجوده لأن ذلك للرفق به إغناء له عن الشراءالشراء, ومع عدمه لا يستغني عن الشراء فكان شراء الأصل أولى على أن في بعض ألفاظ الحديثالحديث: " فمن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبونلبون, فإنه يقبل منه وليس معه شيء " فشرط في قبوله وجوده وعدمها وهذا في حديث أبي بكربكر, وفي بعض الألفاظالألفاظ: " ومن بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليس عنده إلا ابن لبون " وهذا يفسد بتعين حمل المطلق عليه وإن لم يجد إلا ابنة مخاض معينةمعينة, فله الانتقال إلى ابن لبون لقوله في الخبرالخبر: " فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها " ولأن وجودها كعدمها لكونها لا يجوز إخراجهاإخراجها, فأشبه الذي لا يجد إلا ما لا يجوز الوضوء به في انتقاله إلى التيمم وإن وجد ابنة مخاض أعلى من صفة الواجب لم يجزه ابن لبون لوجود بنت مخاض على وجهها ويخير بين إخراجها وبين شراء بنت مخاض على صفة الواجبالواجب, ولا يخير بعض الذكورية بزيادة سن في غير هذا الموضع ولا يجزئه أن يخرج عن ابن لبون حقا ولا عن الحقة جذعاجذعا, لعدمهما ولا وجودهما وقال القاضي وابن عقيلعقيل: يجوز ذلك مع عدمهما لأنهما أعلى وأفضل فيثبت الحكم فيهما بطريق التنبيه ولناولنا, أنه لا نص فيهما ولا يصح قياسهما على ابن لبون مكان بنت مخاض لأن زيادة سن ابن لبون على بنت مخاض يمتنع بها من صغار السباع ويرعى الشجر بنفسهبنفسه, ويرد الماء ولا يوجد هذا في الحق مع بنت لبون لأنهما يشتركان في هذاهذا, فلم يبق إلا مجرد السن فلم يقابل إلا بتوجيه وقولهماوقولهما: إنه يدل على ثبوت الحكم فيهما بطريق التنبيه قلناقلنا: بل يدل على انتفاء الحكم فيهما بدليل خطابه فإن تخصيصه بالذكر دونهما دليل على اختصاصه بالحكم دونهمادونهما.
فصل:
فصل:
وإن أخرج عن الواجب سنا أعلى من جنسه مثل أن يخرج بنت لبون عن بنت مخاضمخاض, وحقة عن بنت لبون أو بنت مخاض أو أخرج عن الجذعة ابنتي لبون أو حقتين جاز لا نعلم فيه خلافا لأنه زاد على الواجب من جنسه ما يجزئ عنه مع غيرهغيره, فكان مجزيا عنه على انفراده كما لو كانت الزيادة في العدد وقد روى الإمام أحمد في " مسنده " وأبو داودداود, في " سننه " بإسنادهما عن أبي بن كعب قالقال: (بعثنيبعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مصدقا فمررت برجلبرجل, فلما جمع لي ماله لم أجد عليه فيه إلا بنت مخاض فقلت لهله: أد بنت مخاض فإنها صدقتك فقالفقال: ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر ولكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينةسمينة, فخذها فقلتفقلت: ما أنا بآخذ ما لم أؤمر به وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- منك قريب فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت على فافعلفافعل, فإن قبله منك قبلته وإن رده عليك رددته قالقال: فإني فاعل فخرج معي وخرج بالناقة التي عرض على حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال لهله: يا نبي اللهالله, أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي وأيم الله ما قام في مالي رسول الله ولا رسوله قط قبلهقبله, فجمعت له مالي فزعم أن ما على فيه بنت مخاض وذاك ما لا لبن فيه ولا ظهرظهر, وقد عرضت عليه ناقة فتية سمينة عظيمة ليأخذها فأبى وها هي ذه قد جئتك بها يا رسول اللهالله, خذها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : ذاك الذي وجب عليك فإن تطوعت بخير أجزل الله فيه وقبلناه منك فقالفقال: فها هي ذه يا رسول اللهالله, قد جئتك بها قالقال: فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بقبضها ودعا له في ماله بالبركةبالبركة) وهكذا الحكم إذا أخرج أعلى من الواجب في الصفة مثل أن يخرج السمينة مكان الهزيلة والصحيحة مكان المريضةالمريضة, والكريمة مكان اللئيمة والحامل عن الحوائل فإنها تقبل منه وتجزئهوتجزئه, وله أجر الزيادةالزيادة.
فصل:
فصل:
ويخرج عن ماشيته من جنسها على صفتها فيخرج عن البخاتي بختية وعن العراب عربيةعربية, وعن الكرام كريمة وعن السمان سمينة وعن اللئام والهزال لئيمة هزيلة فإن أخرج عن البخاتي عربية بقيمة البختيةالبختية, أو أخرج عن السمان هزيلة بقيمة السمينة جاز لأن القيمة مع اتحاد الجنس هي المقصود أجاز هذا أبو بكر وحكي عن القاضي وجه آخرآخر: أنه لا يجوز لأن فيه تفويت صفة مقصودة فلم يجزيجز, كما لو أخرج من جنس آخر والصحيح الأول لما ذكرنا وفارق خلاف الجنس فإن الجنس مرعي في الزكاة ولهذا لو أخرج البعير عن الشاة لم يجزيجز, ومع الجنس يجوز إخراج الجيد عن الرديء بغير خلافخلاف.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبونلبون, وفي كل خمسين حقة ) ظاهر هذا أنها إذا زادت على العشرين والمائة واحدة ففيها ثلاث بنات لبون وهو إحدى الروايتين عن أحمد ومذهب الأوزاعيالأوزاعي, والشافعي وإسحاق والرواية الثانية لا يتعدى الفرض إلى ثلاثين ومائةومائة, فيكون فيها حقة وبنتا لبون وهذا مذهب محمد بن إسحاق بن يسار وأبي عبيد ولمالك روايتان لأن الفرض لا يتغير بزيادة الواحدة بدليل سائر الفروض ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (فإذافإذا زادت على عشرين ومائةومائة, ففي كل أربعين بنت لبونلبون) والواحدة زيادة وقد جاء مصرحا به في حديث الصدقات الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وكان عند ال عمر بن الخطاب رواه أبو داود والترمذيوالترمذي, وقالوقال: هو حديث حسن وقال ابن عبد البرالبر: هو أحسن شيء روي في أحاديث الصدقات وفيهوفيه: (فإذافإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبونلبون) وفي لفظلفظ: (إلىإلى عشرين ومائة فإذا زادت واحدة ففي كل أربعين بنت لبونلبون, وفي كل خمسين حقةحقة) أخرجه الدارقطني وأخرج حديث أنس من رواية إسحاق بن راهويه عن النضر بن إسماعيلإسماعيل, عن حماد بن سلمة قالقال: أخذنا هذا الكتاب من ثمامة يحدث به عن أنس وفيهوفيه: (فإذافإذا بلغت إحدى وعشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبونلبون, وفي كل خمسين حقةحقة) ولأن سائر ما جعله النبي - صلى الله عليه وسلم- غاية للفرض إذا زاد عليه واحدة تغير الفرض كذا هذا وقولهموقولهم: إن الفرض لا يتغير بزيادة الواحدة قلناقلنا: وهذا ما تغير بالواحدة وحدهاوحدها, وإنما تغير بها مع ما قبلها فأشبهت الواحدة الزائدة عن التسعين والستين وغيرهما وقال ابن مسعود والنخعيوالنخعي, والثوري وأبو حنيفةحنيفة: إذا زادت الإبل على عشرين ومائة استؤنفت الفريضةالفريضة, في كل خمس شاة إلى خمس وأربعين ومائة فيكون فيها حقتان وبنت مخاض إلى خمسين ومائةومائة, ففيها ثلاث حقاق وتستأنف الفريضة في كل خمس شاة لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كتب لعمرو بن حزم كتابا ذكر فيه الصدقات والديات وذكر فيه مثل هذا ولناولنا, أن في حديثي الصدقات الذي كتبه أبو بكر لأنس والذي كان عند آل عمر بن الخطاب مثل مذهبنا وهما صحيحانصحيحان, وقد رواه أبو بكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم- بقولهبقوله: (هذههذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على المسلمينالمسلمين) وأما كتاب عمرو بن حزم فقد اختلف في صفته فرواه الأثرم في " سننه " مثل مذهبنا والأخذ بذلك أولىأولى, لموافقته الأحاديث الصحاح وموافقته القياس فإن المال إذا وجب فيه من جنسه لم يجب من غير جنسهجنسه, كسائر بهيمة الأنعام ولأنه مال احتمل المواساة من جنسه فلم يجب من غير جنسهجنسه, كالبقر والغنم وإنما وجب في الابتداء من غير جنسه لأنه ما احتمل المواساة من جنسه فلم يجب من غير جنسهجنسه, فعدلنا إلى غير الجنس ضرورة وقد زال ذلك بزيادة المال وكثرته ولأنه عندهم ينقل من بنت مخاض إلى حقةحقة, بزيادة خمس من الإبل وهي زيادة يسيرة لا تقتضي الانتقال إلى حقة فإنا لم ننقل في محل الوفاق من بنت مخاض إلى حقةحقة, إلا بزيادة إحدى وعشرين وإن زادت على مائة وعشرين جزءا من بعير لم يتغير الفرض عند أحد من الناس لأن في بعض الرواياتالروايات: " فإذا زادت واحدة " وهذا يقيد مطلق الزيادة في الرواية الأخرىالأخرى, ولأن سائر الفروض لا تتغير بزيادة جزء وعلى كلتا الروايتين متى بلغت الإبل مائة وثلاثين ففيها حقة وبنتا لبون وفي مائة وأربعين حقتان وبنتا لبون وفي مائة وخمسين ثلاث حقاقحقاق, وفي مائة وستين أربع بنات لبون ثم كلما زادت عشرا أبدلت مكان بنت لبون حقة ففي مائة وسبعين حقة وثلاث بنات لبون وفي مائة وثمانين حقتان وابنتا لبونلبون, وفي مائة وتسعين ثلاث حقاق وبنت لبون فإذا بلغت مائتين اجتمع الفرضان لأن فيهما خمسين أربع مرات وأربعين خمس مرات فيجب عليه أربع حقاق أو خمس بنات لبونلبون, أي الفرضين شاء أخرج وإن كان الآخر أفضل منه وقد روي عن أحمد أن عليه أربع حقاق وهذا محمول على أن عليه أربع حقاق بصيغة التخيير اللهم إلا أن يكون المخرج وليا ليتيم أو مجنونمجنون, فليس له أن يخرج من ماله إلا أدنى الفرضين وقال الشافعيالشافعي: الخيرة إلى الساعي ومقتضى قوله أن رب المال إذا أخرج لزمه إخراج أعلى الفرضين واحتج بقول الله تعالىتعالى: {ولاولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة: 267]. ولأنه وجد سبب الفرضين فكانت الخيرة إلى مستحقه أو نائبهنائبه, كقتل العمد الموجب للقصاص أو الدية ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم- في كتاب الصدقات الذي كتبهكتبه, وكان عند ال عمر بن الخطابالخطاب: (فإذافإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبونلبون, أي البنتين وجدت أخذتأخذت) وهذا نص لا يعرج معه على شيء يخالفه وقوله عليه السلام (لمعاذلمعاذ: إياك وكرائم أموالهمأموالهم) ولأنها زكاة ثبت فيها الخيار فكان ذلك لرب المالالمال, كالخيرة في الجبران بين مائتين أو عشرين درهما وبين النزول والصعود وتعيين المخرجالمخرج, ولا تتناول الآية ما نحن فيه لأنه إنما يأخذ الفرض بصفة المال فيأخذ من الكرام كرائم ومن غيرها من وسطهاوسطها, فلا يكون خبيثا لأن الأدنى ليس بخبيث وكذلك لو لم يوجد إلا سبب وجوبه وجب إخراجهإخراجه, وقياسهم يبطل بشاة الجبران وقياسنا أولى منه لأن قياس الزكاة على الزكاة أولى من قياسها على الديات إذا ثبت هذا فكان أحد الفرضين في ماله دون الآخر فهو مخير بين إخراجه أو شراء الآخرالآخر, ولا يتعين عليه سوى إخراج الموجود لأن الزكاة لا تجب في عين المال وقال القاضيالقاضي: يتعين عليه إخراج الموجود لأن الزكاة لا تجب في عين المال ولعله أراد إذا لم يقدر على شراء الآخرالآخر.
فصل:
فصل:
فإن أراد إخراج الفرض من النوعين نظرنا فإن لم يحتج إلى تشقيص كرجل عنده أربعمائة يخرج منها أربع حقاق وخمس بنات لبونلبون, جاز وإن احتاج إلى تشقيص كزكاة المائتينالمائتين, لم يجز لأنه لا يمكنه ذلك إلا بالتشقيص وقيلوقيل: يحتمل أن يجوز على قياس قول أصحابناأصحابنا: ويجوز أن يعتق نصفي عبدين في الكفارة وهذا غير صحيح فإن الشرع لم يرد بالتشقيص في زكاة السائمة إلا من حاجة ولذلك جعل لها أوقاصاأوقاصا, دفعا للتشقيص عن الواجب فيها وعدل فيها دون خمس وعشرين من الإبل عن إيجاب الإبل إلى إيجاب الغنم فلا يجوز القول بتجويزه مع إمكان العدول عنه إلى إيجاب فريضة كاملة وإن وجد أحد الفرضين كاملا والآخر ناقصاناقصا, لا يمكنه إخراجه إلا بجبران معه مثل أن يجد في المائتين خمس بنات لبون وثلاث حقاق تعين أخذ الفريضة الكاملة لأن الجبران بدل يشترط له عدم المبدل وإن كانت كل واحدة تحتاج إلى جبرانجبران, مثل أن يجد أربع بنات لبون وثلاث حقاق فهو مخير أيهما شاء أخرج مع الجبران إن شاء أخرج بنات اللبون وحقة وأخذ بالجبرانبالجبران, وإن شاء أخرج الحقاق وبنت اللبون مع جبرانها فإن قالقال: خذوا مني حقة وثلاث بنات لبون مع الجبران لم يجز لأنه يعدل عن الفرض مع وجوده إلى الجبران ويحتمل الجواز لأنه لا بد من الجبران وإن لم يوجد إلا حقة وأربع بنات لبون أداها وأخذ الجبران ولم يكن له دفع ثلاث بنات لبون مع الجبرانالجبران, في أصح الوجهين وإن كان الفرضان معدومين أو معيبين فله العدول عنهما مع الجبرانالجبران, فإن شاء أخرج أربع جذعات وأخذ ثماني شياه أو ثمانين درهما وإن شاء دفع خمس بنات مخاض ومعها عشر شياه أو مائة درهم وإن أحب أن ينقل عن الحقاق إلى بنات المخاض أو عن بنات اللبون إلى الجذاعالجذاع, لم يجز لأن الحقاق وبنات اللبون منصوص عليهن في هذا المال فلا يصعد إلى الحقاق بجبران ولا ينزل إلى بنات اللبون بجبرانبجبران.
مسألة:
مسألة:
قالقال: [ومنومن وجبت عليه حقة وليست عندهعنده, وعنده ابنة لبون أخذت منه ومعها شاتان أو عشرون درهما ومن وجبت عليه ابنة لبونلبون, وليست عنده وعنده حقة أخذت منه وأعطى الجبران شاتين أو عشرين درهمادرهما] المذهب في هذا أنه متى وجبت عليه سن وليست عندهعنده, فله أن يخرج سنا أعلى منها ويأخذ شاتين أو عشرين درهما أو سنا أنزل منها ومعها شاتين أو عشرين درهمادرهما, إلا ابنة مخاض ليس له أن يخرج أنزل منها لأنها أدنى سن تجب في الزكاة أو جذعة فلا يخرج أعلى منها إلا أن يرضى رب المال بإخراجها لا جبران معهامعها, فتقبل منه والاختيار في الصعود والنزول والشياه والدراهم إلى رب المال وبهذا قال النخعيالنخعي, والشافعي وابن المنذر واختلف فيه عن إسحاق وقال الثوريالثوري: يخرج شاتين أو عشرة دراهم لأن الشاة في الشرع متقومة بخمسة دراهم بدليل أن نصابها أربعونأربعون, ونصاب الدراهم مائتان وقال أصحاب الرأيالرأي: يدفع قيمة ما وجب عليه أو دون السن الواجبة وفضل ما بينهما دراهم ولنا قوله عليه السلامالسلام, في الحديث الذي رويناه من طريق البخاريالبخاري: (ومنومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقةحقة, فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا لهله, أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عندهعنده, وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبونلبون, فإنها تقبل منه بنت لبون ويعطى شاتين أو عشرين درهمادرهما, ومن بلغت صدقته بنت لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقةالحقة, ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عندهعنده, وعنده ابنة مخاض فإنها تقبل منه ابنة مخاض ويعطى معها عشرين درهمًا أو شاتينشاتين) وهذا نص ثابت صحيح لم يلتفت إلى ما سواه إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز العدول إلى هذا الجبران مع وجود الأصل لأنه مشروط في الخبر بعدم الأصلالأصل, وإن أراد أن يخرج في الجبران شاة وعشرة دراهم فقال القاضيالقاضي: لا يمنع هذا كما قلنا في الكفارةالكفارة, فله إخراجها من جنسين لأن الشاة مقام عشرة دراهم فإذا اختار إخراجها وعشرة جاز ويحتمل المنع لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- خير بين شاتين وعشرين درهما وهذا قسم ثالثثالث, فتجويزه يخالف الخبر والله أعلم بالصواببالصواب.
فصلفصل:
فإن عدم السن الواجبة والتي تليها كمن وجبت عليه جذعة فعدمها وعدم الحقة أو وجبت عليه حقة فعدمها وعدم الجذعة وابنة اللبوناللبون, فقال القاضيالقاضي: يجوز أن ينتقل إلى السن الثالث مع الجبران فيخرج ابنة اللبون في الصورة الأولى ويخرج معها أربع شياه وأربعين درهمادرهما, ويخرج ابنة مخاض في الثانية ويخرج معها مثل ذلك وذكر أن أحمد أومأ إليه وهذا قول الشافعي وقال أبو الخطابالخطاب: لا ينتقل إلى سن تلي الواجب فأما إن انتقل من حقة إلى بنت مخاضمخاض, أو من جذعة إلى بنت لبون لم يجز لأن النص ورد بالعدول إلى سن واحدة فيجب الاقتصار عليهاعليها, كما اقتصرنا في أخذ الشياه عن الإبل على الموضع الذي ورد به النص هذا قول ابن المنذر ووجه الأول أنه قد جوز الانتقال إلى السن الذي تليه مع الجبران وجوز العدول عن ذلك أيضا إذا عدم مع الجبران إذا كان هو الفرض وهاهنا لو كان موجودا أجزأأجزأ, فإن عدم جاز العدول إلى ما يليه مع الجبران والنص إذا عقله عدي وعمل بمعناه وعلى مقتضى هذا القول يجوز العدول عن الجذعة إلى بنت المخاض مع ست شياهشياه, أو ستين درهما ويعدل عن ابنة المخاض إلى الجذعة ويأخذ ست شياهشياه, أو ستين درهما وإن أراد أن يخرج عن الأربع شياه شاتين وعشرين درهما جاز لأنهما جبرانان فهما كالكفارتين وكذلك في الجبران الذي يخرجه عن فرض المائتين من الإبلالإبل, إذا أخرج عن خمس بنات لبون خمس بنات مخاض أو مكان أربع حقاق أربع جذعات جاز أن يخرج بعض الجبران دراهمدراهم, وبعضه شياها ومتى وجد سنا تلى الواجب لا يجوز العدول إلى سن لا تليه لأن الانتقال عن السن التي تليه إلى السن الأخرى بدل فلا يجوز مع إمكان الأصل فإن عدم الحقة وابنة اللبون ووجد الجذعة وابنة المخاضالمخاض, وكان الواجب الحقة لم يجز العدول إلى بنت المخاض وإن كان الواجب ابنة لبونلبون, لم يجز إخراج الجذعة والله أعلمأعلم.
فصلفصل:
فإن كان النصاب كله مراضا وفريضته معدومة فله أن يعدل إلى السن السفلى مع دفع الجبرانالجبران, وليس له أن يصعد مع أخذ الجبران لأن الجبران أكثر من الفضل الذي بين الفرضين وقد يكون الجبران جبرا من الأصلالأصل, فإن قيمة الصحيحتين أكثر من قيمة المريضتين فكذلك قيمة ما بينهما فإذا كان كذلك لم يجز في الصعودالصعود, وجاز في النزول لأنه متطوع بشيء من ماله ورب المال يقبل منه الفضل ولا يجوز للساعي أن يعطي الفضل من المساكين فإن كان المخرج ولي اليتيماليتيم, لم يجز له أيضا النزول لأنه لا يجوز أن يعطي الفضل من مال اليتيم فيتعين شراء الفرض من غير المالالمال.
فصلفصل:
ولا يدخل الجبران في غير الإبل لأن النص فيها ورد وليس غيرها في معناهامعناها, لأنها أكثر قيمة ولأن الغنم لا تختلف فريضتها باختلاف سنها وما بين الفريضتين في البقر يخالف ما بين الفريضتين في الإبل فامتنع القياس فمن عدم فريضة البقر أو الغنمالغنم, ووجد دونها لم يجز له إخراجها فإن وجد أعلى منهامنها, فأحب أن يدفعها متطوعا بغير جبران قبلت منه وإن لم يفعل كلف شراءها من غير مالهماله.
فصلفصل:
قال الأثرمالأثرم: قلت لأبي عبد الله - رحمه الله- : تفسير الأوقاص قالقال: الأوقاص ما بين الفريضتين قلت لهله: كأنه ما بين الثلاثين إلى الأربعين في البقر وما أشبه هذا؟هذا؟ قالقال: نعمنعم, والسبق ما دون الفريضة قلت لهله: كأنه ما دون الثلاثين من البقر وما دون الفريضة؟الفريضة؟ فقالفقال: نعم وقال الشعبيالشعبي: السبق ما بين الفريضتين أيضا قال أصحابناأصحابنا: الزكاة تتعلق بالنصاب دون الوقص ومعناهومعناه: أنه إذا كان عنده أكثر من الفريضة مثل أن يكون عنده ثلاثون من الإبلالإبل, فالزكاة تتعلق بخمسة وعشرين دون الخمسة الزائدة عليها فعلى هذا لو وجبت الزكاة فيها وتلفت الخمس الزائدة قبل التمكن من أدائهاأدائها, وقلناوقلنا: إن تلف النصاب قبل التمكن يسقط الزكاة لم يسقط ها هنا منها شيء لأن التالف لم تتعلق الزكاة به وإن تلف منها عشر سقط من الزكاة خمسها لأن الاعتبار بتلف جزء من النصابالنصاب, وإنما تلف منها من النصاب خمسة وأما من قالقال: لا تأثير لتلف النصاب في إسقاط الزكاة فلا فائدة في الخلاف عنده في هذه المسألة فيما أعلم والله تعالى أعلمأعلم.
باب صدقة البقر
وهي واجبة بالسنة والإجماع أما السنة فما روى أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قالقال: (ماما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمن تنطحه بقرونهابقرونها, وتطؤه بأخفافها كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضى بين الناسالناس) متفق عليه وروى النسائيالنسائي, والترمذي عن مسروق (أنأن النبي - صلى الله عليه وسلم- بعث معاذا إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا ومن البقر من كل ثلاثين تبيعا أو تبيعةتبيعة, ومن كل أربعين مسنةمسنة) وروى الإمام أحمد بإسناده عن يحيى بن الحكم أن معاذا قالقال: (بعثنيبعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أصدق أهل اليمناليمن, وأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا ومن كل أربعين مسنة قالقال: فعرضوا على أن آخذ ما بين الأربعين والخمسين وما بين الستين والسبعينوالسبعين, وما بين الثمانين والتسعين فأبيت ذلك وقلت لهملهم: حتى أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقدمت فأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم- فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيعاتبيعا, ومن كل أربعين مسنة ومن الستين تبيعين ومن السبعين مسنة وتبيعا ومن الثمانين مسنتينمسنتين, ومن التسعين ثلاثة أتباع ومن المائة مسنة وتبيعين ومن العشرة ومائة مسنتين وتبيعاوتبيعا, ومن العشرين ومائة ثلاث مسنات أو أربعة أتباع وأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن لا آخذ فيها بين ذلك شيئا إلا إن بلغ مسنة أو جذعا يعني تبيعًا وزعم أن الأوقاص لا فريضة فيهافيها) وأما الإجماع فلا أعلم اختلافا في وجوب الزكاة في البقر وقال أبو عبيدعبيد: لا أعلم الناس يختلفون فيه اليوم ولأنها أحد أصناف بهيمة الأنعام فوجبت الزكاة في سائمتهاسائمتها, كالإبل والغنموالغنم.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( وليس فيما دون ثلاثين من البقر سائمة صدقة ) وجملة ذلك أنه لا زكاة فيما دون الثلاثين من البقر في قول جمهور العلماء وحكي عن سعيد بن المسيب والزهري أنهما قالاقالا: في كل خمس شاة ولأنها عدلت بالإبل في الهدي والأضحية فكذلك في الزكاة ولناولنا, ما تقدم من الخبر ولأن نصب الزكاة إنما ثبتت بالنص والتوقيف وليس فيما ذكراه نص ولا توقيفتوقيف, فلا يثبت وقياسهم فاسد فإن خمسا وثلاثين من الغنم تعدل خمسا من الإبل في الهديالهدي, ولا زكاة فيها إذا ثبت هذا فإنه لا زكاة في غير السائمة من البقر في قول الجمهور وحكي عن مالك أن في العوامل والمعلوفة صدقة كقوله في الإبل وقد تقدم الكلام معه وروي عن على ـ رضي الله عنه ـ قال الراويالراوي: أحسبه عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في صدقة البقر قالقال: " وليس في العوامل شيء " رواه أبو داود وروي عن عمرو بن شعيبشعيب, عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قالقال: (ليسليس في البقر العوامل صدقةصدقة) وهذا مقيد يحمل عليه المطلق وروي عن عليعلي, ومعاذ وجابر أنهم قالواقالوا: لا صدقة في البقر العوامل ولأن صفة النماء معتبرة في الزكاةالزكاة, ولا يوجد إلا في السائمةالسائمة.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( وإذا ملك الثلاثين من البقر فأسامها أكثر السنة ففيها تبيع أو تبيعةتبيعة, إلى تسع وثلاثين فإذا بلغت أربعين ففيها مسنةمسنة, إلى تسع وخمسين فإذا بلغت ستين ففيها تبيعانتبيعان, إلى تسع وستين فإذا بلغت سبعين ففيها تبيع ومسنةومسنة, فإذا زادت ففي كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة ) التبيعالتبيع: الذي له سنةسنة, ودخل في الثانية وقيل له ذلك لأنه يتبع أمه والمسنةوالمسنة: التي لها سنتان وهي الثنية ولا فرض في البقر غيرهماغيرهما, وبما ذكر الخرقي ها هنا قال أكثر أهل العلم منهم الشعبي والنخعي والحسنوالحسن, ومالك والليث والثوريوالثوري, وابن الماجشون والشافعي وإسحاقوإسحاق, وأبو عبيد وأبو يوسف ومحمد بن الحسنالحسن, وأبو ثور وقال أبو حنيفة في بعض الروايات عنهعنه, فيما زاد على الأربعين بحسابه في كل بقرة ربع عشر مسنة فرارا من جعل الوقص تسعة عشر وهو مخالف لجميع أوقاصها فإن جميع أوقاصها عشرة عشرة ولناولنا, حديث يحيى بن الحكم الذي رويناه وهو صريح في محل النزاع وقول النبي - صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخرالآخر: (فيفي كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنةمسنة) يدل على أن الاعتبار بهذين العددينالعددين, ولأن البقر أحد بهيمة الأنعام ولا يجوز في زكاتها كسر كسائر الأنواع ولا ينقل من فرض فيها إلى فرض بغير وقصوقص, كسائر الفروض ولأن هذه زيادة لا يتم بها أحد العددين فلا يجب فيها شيءشيء, كما بين الثلاثين والأربعين وما بين الستين والسبعين ومخالفة قولهم للأصول أشد من الوجوه التي ذكرناهاذكرناها, وعلى أن أوقاص الإبل والغنم مختلفة فجاز الاختلاف ها هناهنا.
فصلفصل:
وإذا رضي رب المال بإعطاء المسنة عن التبيع والتبيعين عن المسنةالمسنة, أو أخرج أكثر منها سنا عنها جاز ولا مدخل للجبران فيهافيها, كما قدمناه في زكاة الإبلالإبل.
فصلفصل:
ولا يخرج الذكر في الزكاة أصلا إلا في البقر فإن ابن اللبون ليس بأصل إنما هو بدل عن ابنة مخاضمخاض, ولهذا لا يجزئ مع وجودها وإنما يجزئ الذكر في البقر عن الثلاثين وما تكرر منهامنها, كالستين والسبعين وما تركب من الثلاثين وغيرها كالسبعينكالسبعين, فيها تبيع ومسنة والمائة فيها مسنة وتبيعان وإن شاء أخرج مكان الذكور إناثا لأن النص ورد بهما جميعا فأما الأربعون وما تكرر منها كالثمانينكالثمانين, فلا يجزئ في فرضها إلا الإناث إلا أن يخرج عن المسنة تبيعين فيجوز وإذا بلغت البقر مائة وعشرينوعشرين, اتفق الفرضان جميعا فيخير رب المال بين إخراج ثلاث مسنات أو أربعة أتبعةأتبعة, والواجب أحدهما أيهما شاء على ما نطق به الخبر المذكور والخيرة في الإخراج إلى رب المالالمال, كما ذكرنا في زكاة الإبل وهذا التفصيل فيما إذا كان فيها إناث فإن كانت كلها ذكورا أجزأ الذكر فيها بكل حال لأن الزكاة مواساةمواساة, فلا يكلف المواساة من غير ماله ويحتمل أنه لا يجزئه إلا إناث في الأربعينيات لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نص على المسنات فيجب اتباع مورده فيكلف شراءهاشراءها, فإذا لم تكن في ماشيته كما لو لم يجد إلا دونها في السن والأول أولى لأننا أخرنا الذكر في الغنمالغنم, مع أنه لا مدخل له في زكاتها مع وجود الإناث فالبقر التي للذكر فيها مدخل أولى لأن للذكر فيها مدخلامدخلا.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( والجواميس كغيرها من البقر ) لا خلاف في هذا نعلمه وقال ابن المنذرالمنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على هذا ولأن الجواميس من أنواع البقرالبقر, كما أن البخاتي من أنواع الإبل فإذا اتفق في المال جواميس وصنف آخر من البقر أو بخاتي وعرابوعراب, أو معز وضأن كمل نصاب أحدهما بالآخر وأخذ الفرض من أحدهما على قدر المالين على ما سنذكرهسنذكره, - إن شاء الله تعالى- .
فصلفصل:
واختلفت الرواية في بقر الوحش فروي أن فيها الزكاة اختاره أبو بكر لأن اسم البقر يشملها فيدخل في مطلق الخبر وعنه لا زكاة فيها وهي أصحأصح, وهذا قول أكثر أهل العلم لأن اسم البقر عند الإطلاق لا ينصرف إليها ولا يفهم منه إذا كانت لا تسمى بقرا بدون الإضافةالإضافة, فيقالفيقال: بقر الوحش ولأن وجود نصاب منها موصوفا بصفة السوم حولا لا وجود له ولأنها حيوان لا يجزئ نوعه في الأضحية والهدي فلا تجب فيه الزكاةالزكاة, كالظباء ولأنها ليست من بهيمة الأنعام فلا تجب فيها الزكاةالزكاة, كسائر الوحوش وسر ذلك أن الزكاة إنما وجبت في بهيمة الأنعام دون غيرها لكثرة النماء فيها من درها ونسلهاونسلها, وكثرة الانتفاع بها لكثرتها وخفة مئونتها وهذا المعنى يختص بهابها, فاختصت الزكاة بها دون غيرها ولا تجب الزكاة في الظباء رواية واحدة لعدم تناول اسم الغنم لهالها.
فصلفصل:
قال أصحابناأصحابنا: تجب الزكاة في المتولد بين الوحشي والأهليوالأهلي, سواء كانت الوحشية الفحول أو الأمهات وقال مالك وأبو حنيفةحنيفة: إن كانت الأمهات أهلية وجبت الزكاة فيها وإلا فلا لأن ولد البهيمة يتبع أمه وقال الشافعيالشافعي: لا زكاة فيها لأنها متولدة من وحشيوحشي, أشبه المتولد من وحشيين واحتج أصحابنا بأنها متولدة بين ما تجب فيه الزكاة وما لا تجب فيه فوجبت فيها الزكاةالزكاة, كالمتولدة بين سائمة ومعلوفة وزعم بعضهم أن غنم مكة متولدة من الظباء والغنم وفيها الزكاة بالاتفاق فعلى هذا القول تضم إلى جنسها من الأهلي في وجوب الزكاةالزكاة, وتكمل بها نصابه وتكون كأحد أنواعه والقول بانتفاء الزكاة فيها أصح لأن الأصل انتفاء الوجوبالوجوب, وإنما ثبت بنص أو إجماع أو قياس ولا نص في هذه ولا إجماع إنما هو في بهيمة الأنعام من الأزواج الثمانيةالثمانية, وليست هذه داخلة في أجناسها ولا حكمها ولا حقيقتهاحقيقتها, ولا معناها فإن المتولد بين شيئين ينفرد باسمه وجنسه وحكمه عنهما كالبغل المتولد بين الفرس والحمار والسبع المتولد بين الذئب والضبعوالضبع, والعسبار المتولد بين الضبعان والذئبة فكذلك المتولد بين الظباء والمعز ليس بمعز ولا ظبي ولا يتناوله نصوص الشارعالشارع, ولا يمكن قياسه عليها لتباعد ما بينهما واختلاف حكمهماحكمهما, في كونه لا يجزئ في هدي ولا أضحية ولا دية ولو أسلم في الغنم لم يتناوله العقد ولو وكل وكيلا في شراء شاةشاة, لم يدخل في الوكالة ولا يحصل منه ما يحصل من الشياه من الدر وكثرة النسلالنسل, بل الظاهر أنه لا ينسل له أصلا فإن المتولد بين ثنتين لا نسل له كالبغال وما لا نسل له لا در فيهفيه, فامتنع القياس ولم يدخل في نص ولا إجماع فإيجاب الزكاة فيها تحكم بالرأي وإذا قيلقيل: تجب الزكاة احتياطا وتغليبا للإيجابللإيجاب, كما أثبتنا التحريم فيها في الحرم والإحرام احتياطا لم يصح لأن الواجبات لا تثبت احتياطا بالشك ولهذا لا تجب الطهارة على من تيقنها وشك في الحدثالحدث, ولا غيرها من الواجبات وأما السوم والعلف فالاعتبار فيه بما تجب فيه الزكاة لا بأصله الذي تولد منه بدليل أنه لو علف المتولد من السائمة لم تجب زكاتهزكاته, ولو أسام أولاد المعلوفة لوجبت زكاتها وقول من زعم أن غنم مكة متولدة من الغنم والظباء لا يصح لأنها لو كانت كذلك لحرمت في الحرم والإحرام ووجب فيها الجزاءالجزاء, كسائر المتولد بين الوحشي والأهلي ولأنها لو كانت كذلك متولدة من جنسين لما كان لها نسل كالسبع والبغالوالبغال.
باب صدقة الغنم
وهي واجبة بالسنة والإجماع أما السنة فما روى أنسأنس, في كتاب أبي بكر الذي ذكرنا أوله قالقال: (وفيوفي صدقة الغنم في سائمتهاسائمتها, إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتينمائتين, ففيها شاتان فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث شياهشياه, فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة وإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدةواحدة, فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوارعوار, ولا تيسا إلا ما شاء المصدقالمصدق) واختار سوى هذا كثير وأجمع العلماء على وجوب الزكاة فيهافيها.
مسألة:
مسألة:
قال أبو القاسمالقاسم: ( وليس فيما دون أربعين من الغنم سائمة صدقةصدقة, فإذا ملك أربعين من الغنم فأسامها أكثر السنة ففيها شاةشاة, إلى عشرين ومائة فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتينمائتين, فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه ) وهذا كله مجمع عليه قاله ابن المنذرالمنذر: إلا المعلوفة في أقل من نصف الحول على ما ذكرنا من الخلاف فيه وحكي عن معاذ ـ رضي الله عنه ـ أن الفرض لا يتغير بعد المائة وإحدى وعشرينوعشرين, حتى تبلغ مائتين واثنين وأربعين ليكون مثلي مائة وإحدى وعشرين ولا يثبت عنه وروى سعيد عن خالدخالد, بن مغيرة عن الشعبي عن معاذمعاذ, قالقال: كان إذا بلغت الشياه مائتين لم يغيرها حتى تبلغ أربعين ومائتين فيأخذ منها ثلاث شياهشياه, فإذا بلغت ثلاثمائة لم يغيرها حتى تبلغ أربعين وثلاثمائةوثلاثمائة, فيأخذ منها أربعا ولفظ الحديث الذي ذكرناه دليل عليه والإجماع على خلاف هذا القول دليل على فساده والشعبي لم يلق معاذامعاذا.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( فإذا زادت ففي كل مائة شاة شاة ) ظاهر هذا القول أن الفرض لا يتغير بعد المائتين وواحدةوواحدة, حتى يبلغ أربعمائة فيجب في كل مائة شاة ويكون الوقص ما بين المائتين وواحدة إلى أربعمائةأربعمائة, وذلك مائة وتسعة وتسعون وهذا إحدى الروايتين عن أحمد وقول أكثر الفقهاء وعن أحمد رواية أخرى أنها إذا زادت على ثلاثمائة وواحدةوواحدة, ففيها أربع شياه ثم لا يتغير الفرض حتى تبلغ خمسمائة فيكون في كل مائة شاةشاة, ويكون الوقص الكبير بين ثلاثمائة وواحدة إلى خمسمائة وهو أيضا مائة وتسعة وتسعون وهذا اختيار أبي بكر وحكي عن النخعيالنخعي, والحسن بن صالح لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- جعل الثلاثمائة حدا للوقص وغاية لهله, فيجب أن يتعقبه تغير النصاب كالمائتين ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (فإذافإذا زادتزادت, ففي كل مائة شاةشاة) وهذا يقتضي أن لا يجب في دون المائة شيء وفي كتاب الصدقات الذي كان عند ال عمر بن الخطابالخطاب: " فإذا زادت على ثلاثمائة وواحدة فليس فيها شيءشيء, حتى تبلغ أربعمائة شاة ففيها أربع شياه " وهذا نص لا يجوز خلافه إلا بمثله أو أقوى منه وتحديد النصاب لاستقرار الفريضةالفريضة, لا للغاية والله أعلمأعلم.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( ولا يؤخذ في الصدقة تيس ولا هرمةهرمة, ولا ذات عوار ) ذات العوارالعوار: المعيبة وهذه الثلاث لا تؤخذ لدناءتها فإن الله تعالى قالقال: {ولاولا تيمموا الخبيث منه تنفقونتنفقون} [البقرةالبقرة: 267267]. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : (ولاولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوارعوار, ولا تيس إلا ما شاء المصدقالمصدق) وقد قيلقيل: لا يؤخذ تيس الغنم وهو فحلها لفضيلته وكان أبو عبيد يروي الحديثالحديث: " إلا ما شاء المصدق " بفتح الدال يعني صاحب المالالمال, فعلى هذا يكون الاستثناء في الحديث راجعا إلى التيس وحده وذكر الخطابي أن جميع الرواة يخالفونه في هذا فيروونهفيروونه: " المصدق " بكسر الدال أي العامل وقالوقال: التيس لا يؤخذ لنقصهلنقصه, وفساد لحمه وكونه ذكرا وعلى هذا لا يأخذ المصدقالمصدق, وهو الساعي أحد هذه الثلاثة إلا أن يرى ذلكذلك, بأن يكون جميع النصاب من جنسه فيكون له أن يأخذ من جنس المال فيأخذ هرمة وهي الكبيرة من الهرمات وذات عوار من أمثالهاأمثالها, وتيسا من التيوس وقال مالك والشافعي إن رأى المصدق أن أخذ هذه الثلاثة خير له وأنفع للفقراء فله أخذه لظاهر الاستثناء ولا يختلف المذهب أنه ليس له أخذ الذكر في شيء من الزكاةالزكاة, إذا كان في النصاب إناث في غير أتبعة البقر وابن اللبون بدلا عن بنت مخاض إذا عدمها وقال أبو حنيفةحنيفة: يجوز إخراج الذكر من الغنم الإناث لقوله - صلى الله عليه وسلم- : (فيفي أربعين شاة شاةشاة) ولفظ الشاة يقع على الذكر والأنثىوالأنثى, ولأن الشاة إذا أمر بها مطلقا أجزأ فيها الذكر كالأضحية والهدى ولناولنا, أنه حيوان تجب الزكاة في عينه فكانت الأنوثة معتبرة في فرضه كالإبلكالإبل, والمطلق يتقيد بالقياس على سائر النصب والأضحية غير معتبرة بالمال بخلاف مسألتنا فإن قيلقيل: فما فائدة تخصيص التيس بالنهي إذا؟إذا؟ قلناقلنا: لأنه لا يؤخذ عن الذكور أيضاأيضا, فلو ملك أربعين ذكرا وفيها تيس معد للضراب لم يجز أخذه إما لفضيلته فإنه لا يعد للضراب إلا أفضل الغنم وأعظمهاوأعظمها, وإما لدناءته وفساد لحمه ويجوز أن يمنع من أخذه للمعنيين جميعا وإن كان النصاب كله ذكورا جاز إخراج الذكر في الغنم وجها واحدا وفي البقر في أصح الوجهينالوجهين, وفي الإبل وجهان والفرق بين النصب الثلاثة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- نص على الأنثى في فرائض الإبل والبقر وأطلق الشاة الواجبةالواجبة, وقال في الإبل (منمن لم يجد بنت مخاض أخرج ابن لبون ذكراذكرا) ومن حيث المعنى أن الإبل يتغير فرضها بزيادة السن فإذا جوزنا إخراج الذكر أفضى إلى التسوية بين الفريضتين لأنه يخرج ابن لبون عن خمس وعشرينوعشرين, ويخرجه عن ستة وثلاثين وهذا المعنى يختص الإبل فإن قيلقيل: فالبقر أيضا يأخذ منها تبيعا عن ثلاثين وتبيعا عن أربعين إذا كانت أتبعة كلهاكلها, وقلناوقلنا: تؤخذ الصغيرة عن الصغار قلناقلنا: هذا يلزم مثله في إخراج الأنثى فلا فرق ومن جوز إخراج الذكر في الكلالكل, قالقال: يأخذ ابن لبون من خمس وعشرين قيمته دون قيمة ابن لبون يأخذه من ستة وثلاثين ويكون بينهما في القيمة كما بينهما في العددالعدد, ويكون الفرض بصفة المال وإذا اعتبرنا القيمة لم يؤد إلى التسوية كما قلنا في الغنمالغنم.
فصل:
فصل:
ولا يجوز إخراج المعيبة عن الصحاحالصحاح, وإن كثرت قيمتها للنهي عن أخذها ولما فيه من الإضرار بالفقراء ولهذا يستحق ردها في البيع وإن كثرت قيمتها وإن كان في النصاب صحاح ومراضومراض, أخرج صحيحة قيمتها على قدر قيمة المالين فإن كان النصاب كله مراضا إلا مقدار الفرضالفرض, فهو مخير بين إخراجه وبين شراء مريضة قليلة القيمة فيخرجها ولو كانت الصحيحة غير الفريضة بعدد الفريضةالفريضة, مثل من وجب عليه ابنتا لبون وعنده حواران صحيحان كان عليه شراء صحيحتينصحيحتين, فيخرجهما وإن وجبت عليه حقتان وعنده ابنتا لبون صحيحتان خير بين إخراجهما مع الجبران وبين شراء حقتين صحيحتين على قدر قيمة المال وإن كان عنده جذعتان صحيحتانصحيحتان, فله إخراجهما مع أخذ الجبران وإن كانت عليه حقتان ونصف ماله صحيح ونصفه مريض فقال ابن عقيل له إخراج حقة صحيحة وحقة مريضة لأن النصف الذي يجب فيه إحدى الحقتين مريض كله والصحيح في المذهب خلاف هذا لأن في ماله صحيحا ومريضا فلم يملك إخراج مريضةمريضة, كما لو كان نصابا واحدا ولم يتعين النصف الذي وجبت فيه الحقة في المراض وكذلك لو كان لشريكينلشريكين, لم يتعين حق أحدهما في المراض دون الآخر وإن كان النصاب مراضا كله فالصحيح في المذهب جواز إخراج الفرض منه ويكون وسطا في القيمةالقيمة, ولا اعتبار بقلة العيب وكثرته لأن القيمة تأتي على ذلك وهو قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد وقال مالك إن كانت كلها جرباء أخرج جرباء وإن كانت كلها هتماء كلف شراء صحيحة وقال أبو بكر لا تجزئ إلا صحيحة لأن أحمد قالقال: لا يؤخذ إلا ما يجوز في الأضاحي وللنهي عن أخذ ذات العوارالعوار, فعلى هذا يكلف شراء صحيحة بقدر قيمة المريضة ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (إياكإياك وكرائم أموالهمأموالهم) وقال (إنإن الله تعالى لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشرهبشره) رواه أبو داودداود, ولأن مبنى الزكاة على المواساة وتكليف الصحيحة عن المراض إخلال بالمواساة ولهذا يأخذ من الرديء من الحبوب والثمار من جنسهجنسه, ويأخذ من اللئام والهزال من المواشي من جنسه كذا ها هنا وقد ذكرنا أن الاستثناء في الحديث يدل على جواز إخراج المعيبة في بعض الأحوال أو نحمله على ما إذا كان فيه صحيحصحيح, فإن الغالب الصحة وإن كان جميع النصاب مريضا إلا بعض الفريضة أخرج الصحيحةالصحيحة, وتمم الفريضة من المراض على قدر المال ولا فرق في هذا بين الإبل والبقر والغنم والحكم في الهرمة كالحكم في المعيبة سواءسواء.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( ولا الربىالربى, ولا الماخض ولا الأكولة ) قال أحمدأحمد: الربى التي قد وضعت وهي تربي ولدها يعنى قريبة العهد بالولادة تقول العربالعرب: في ربابها كما تقولتقول: في نفاسها قال الشاعرالشاعر:
حنين أم البو في ربابها **
قال أحمدأحمد: والماخض التي قد حان ولادها فإن كان في بطنها ولد لم يحن ولادهاولادها, فهي خلفة وهذه الثلاث لا تؤخذ لحق رب المال قال عمر لساعيهلساعيه: لا تأخذ الربى ولا الماخض ولا الأكولة ولا فحل الغنم وإن تطوع رب المال بإخراجها جاز أخذهاأخذها, وله ثواب الفضل على ما ذكرنا في حديث أبي بن كعب وإذا ثبت هذا وأنه منع من أخذ الرديء من أجل الفقراءالفقراء, ومن أخذ كرائم الأموال من أجل أربابه ثبت أن الحق في الوسط من المال قال الزهري إذا جاء المصدق قسم الشياه أثلاثاأثلاثا: ثلث خيار وثلث أوساط وثلث شرارشرار, وأخذ المصدق من الوسط وروى نحو هذا عن عمر ـ رضي الله عنه ـ وقاله إمامنا وذهب إليه والأحاديث تدل على هذاهذا, فروى أبو داود والنسائي بإسنادهما عن سعد بن دليم (قالقال: كنت في غنم ليلي, فجاءني رجلان على بعير فقالافقالا: إنا رسولا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إليك لتؤدي إلينا صدقة غنمك قلتقلت: وما على فيها؟فيها؟ قالاقالا: شاة فعمد إلى شاة قد عرف مكانها ممتلئة مخضا وشحماوشحما, فأخرجها إليهما فقالافقالا: هذه شافع وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن نأخذ شاة شافعاشافعا) والشافعوالشافع: الحامل سميت بذلك لأن ولدها قد شفعها والمخضوالمخض: اللبن (وقالوقال سويد بن غفلةغفلة: سرتسرت, أو أخبرني من سار مع مصدق رسول الله فإذا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن لا نأخذ من راضع لبن قالقال: فكان يأتي المياه حين ترد الغنم فيقولفيقول: أدوا صدقات أموالكم قالقال: فعمد رجل منهم إلى ناقة كوماء وهي العظيمة السنامالسنام, فأبى أن يقبلهايقبلها) رواه أبو داود والنسائي وروى أبو داود بإسناده عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قالقال: (ثلاثثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمانالإيمان: من عبد الله وحدهوحده, وأنه لا إله إلا هو وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه رافدة عليه كل عامعام, ولم يعط الهرمة ولا الدرنة ولا المريضةالمريضة, ولا الشرط اللئيمة ولكن من وسط أموالكم فإن الله لم يسألكم خيرهخيره, ولم يأمركم بشرهبشره) رافدةرافدة: يعني معيبة والدرنةوالدرنة: الجرباء والشرطوالشرط: رذالة المالالمال.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( وتعد عليهم السخلةالسخلة, ولا تؤخذ منهم ) السخلة بفتح السين وكسرهاوكسرها: الصغيرة من أولاد المعز وجملته أنه متى كان عنده نصاب كامل فنتجت منه سخال في أثناء الحول وجبت الزكاة في الجميع عند تمام حول الأمهاتالأمهات, في قول أكثر أهل العلم وحكى عن الحسن والنخعي لا زكاة في السخال حتى يحول عليها الحول ولقوله عليه السلام (لالا زكاة في مال حتى يحول عليه الحولالحول) ولنا ما روى عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال لساعيهلساعيه: اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي على يديهيديه, ولا تأخذها منهم وهو مذهب على ولا نعرف لهما في عصرهما مخالفا فكان إجماعاإجماعا, ولأنه نماء نصاب فيجب أن يضم إليه في الحول كأموال التجارةالتجارة, والخبر مخصوص بمال التجارة فنقيس عليه فأما إن لم يكمل النصاب إلا بالسخال احتسب الحول من حين كمل النصابالنصاب, في الصحيح من المذهب وهو قول الشافعي وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية أخرى أنه يعتبر حول الجميع من حين ملك الأمهات وهو قول مالك لأن الاعتبار بحول الأمهات دون السخال فيما إذا كانت نصابا وكذلك إذا لم تكن نصابا ولناولنا, أنه لم يحل الحول على نصاب فلم تجب الزكاة فيها كما لو كملت بغير سخالهاسخالها, أو كمال التجارة فإنه لا تختلف الرواية فيه وإن نتجت السخال بعد الحول ضمت إلى أمهاتها في الحول الثاني وحده والحكم في فصلان الإبلالإبل, وعجول البقر كالحكم في السخال إذا ثبت هذا فإن السخلة لا تؤخذ في الزكاة لما قدمنا من قول عمرعمر, ولما سنذكره في المسألة التي تلي هذه ولا نعلم فيه خلافا إلا أن يكون النصاب كله صغاراصغارا, فيجوز أخذ الصغيرة في الصحيح من المذهب وإنما يتصور ذلك بأن يبدل كبارا بصغار في أثناء الحولالحول, أو يكون عنده نصاب من الكبار فتوالد نصاب من الصغار ثم تموت الأمهاتالأمهات, ويحول الحول على الصغار وقال أبو بكر لا يؤخذ أيضا إلا كبيرة تجزئ في الأضحية وهو قول مالك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- (إنماإنما حقنا في الجذعةالجذعة) أو الثنية ولأن زيادة السن في المال لا يزيد به الواجب كذلك نقصانه لا ينقص به ولنا قول الصديق ـ رضي الله عنه ـ والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم عليها فدل على أنهم كانوا يؤدون العناقالعناق, ولأنه مال تجب فيه الزكاة من غير اعتبار قيمته فيجب أن يأخذ من عينه كسائر الأموالالأموال, والحديث محمول على ما فيه كبار وأما زيادة السن فليس تمنع الرفق بالمالك في الموضعين كما أن ما دون النصاب عفو وما فوقه عفوعفو, وظاهر قول أصحابنا أن الحكم في الفصلان والعجول كالحكم في السخال لما ذكرنا في الغنم ويكون التعديل بالقيمة مكان زيادة السنالسن, كما قلنا في إخراج الذكر من الذكور ويحتمل أن لا يجوز إخراج الفصلان والعجول وهو قول الشافعي كي لا يفضي إلى التسوية بين الفروض فإنه يفضي إلى إخراج ابنة المخاض عن خمس وعشرينوعشرين, وست وثلاثين وست وأربعين وإحدى وستينوستين, ويخرج ابنتي اللبون عن ست وسبعين وإحدى وتسعين ومائة وعشرينوعشرين, ويفضي إلى الانتقال من ابنة اللبون الواحدة من إحدى وستين إلى اثنتين في ست وسبعين مع تقارب الوقص بينهمابينهما, وبينهما في الأصل أربعون والخبر ورد في السخال فيمتنع قياس الفصلان والعجول عليهما لما بينهما من الفرقالفرق.
فصلفصل:
وإن ملك نصابا من الصغارالصغار, انعقد عليه حول الزكاة من حين ملكه وعن أحمد لا ينعقد عليه الحول حتى يبلغ سنا يجزئ مثله في الزكاة وهو قول أبي حنيفة وحكي ذلك عن الشعبي لأنه روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قالقال: (ليسليس في السخال زكاةزكاة) وقالوقال: (لالا تأخذ من راضع لبنلبن) ولأن السن معنى يتغير به الفرض فكان لنقصانه تأثير في الزكاة كالعدد ولناولنا, أن السخال تعد مع غيرها فتعد منفردة كالأمهاتكالأمهات, والخبر يرويه جابر الجعفي وهو ضعيف عن الشعبي مرسلامرسلا, ثم هو محمول على أنه لا تجب فيها قبل حول الحول والعدد تزيد الزكاة بزيادته بخلاف السنالسن, فإذا قلنا بهذه الرواية فإذا ماتت الأمهات إلا واحدة لم ينقطع الحولالحول, وإن ماتت كلها انقطع الحولالحول.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( ويؤخذ من المعز الثني ومن الضأن الجذع ) وجملته أنه لا يجزئ في صدقة الغنم إلا الجذع من الضأنالضأن, وهو ما له ستة أشهر والثني من المعز وهو ما له سنة فإن تطوع المالك بأفضل منهما في السن جازجاز, فإن كان الفرض في النصاب أخذه وإن كان كله فوق الفرض خير المالك بين دفع واحدة منه وبين شراء الفرض فيخرجه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة في إحدى الروايتين عنهعنه: لا يجزئ إلا الثنية منهما جميعا لأنهما نوعا جنسجنس, فكان الفرض منهما واحدا كأنواع الإبل والبقر وقال مالك تجزئ الجذعة منهما لذلكلذلك, ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (إنماإنما حقنا في الجذعة والثنيةوالثنية) ولنا على جواز إخراج الجذعة من الضأن مع هذا الخبر (قولقول سعد بن دليمدليم: أتاني رجلان على بعير فقالافقالا: إنا رسولا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إليك لتؤدي صدقة غنمك قلتقلت: فأي شيء تأخذان؟تأخذان؟ قالاقالا: عناق جذعة أو ثنيةثنية) أخرجه أبو داود ولنا ما روي مالك عن سويد بن غفلةغفلة, قالقال: (أتاناأتانا مصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقالوقال: أمرنا أن نأخذ الجذعة من الضأن والثنية من المعزالمعز) وهذا صريح وفيه بيان المطلق في الحديثين قبلهقبله, ولأن جذعة الضأن تجزئ في الأضحية بخلاف جذعة المعز بدليل (قولقول النبي - صلى الله عليه وسلم- لأبي بردة بن نيارنيار, في جذعة المعزالمعز: تجزئك ولا تجزئ عن أحد بعدكبعدك) قال إبراهيم الحربي إنما أجزأ الجذع من الضأن لأنه يلقحيلقح, والمعز لا يلقح إلا إذا كان ثنياثنيا.
مسألة:
مسألة:
قال ( فإن كانت عشرين ضأنا وعشرين معزا أخذ من أحدهما ما يكون قيمته نصف شاة ضأن ونصف معز ) لا نعلم خلافا بين أهل العلم في ضم أنواع الأجناس بعضها إلى بعضبعض, في إيجاب الزكاة وقال ابن المنذر أجمع من نحفظ عنه من أهل العلم على ضم الضأن إلى المعز إذا ثبت هذا فإنه يخرج الزكاة من أي الأنواع أحبأحب, سواء دعت الحاجة إلى ذلك بأن يكون الواجب واحدا أو لا يكون أحد النوعين موجبا لواحدلواحد, أو لم يدع بأن يكون كل واحد من النوعين يجب فيه فريضة كاملة وقال عكرمة ومالك وإسحاق يخرج من أكثر العددين فإن استويا أخرج من أيهما شاء وقال الشافعي القياس أن يأخذ من كل نوع ما يخصه اختاره ابن المنذر لأنها أنواع تجب فيها الزكاةالزكاة, فتجب زكاة كل نوع منه كأنواع الثمرة والحبوب ولنا أنهما نوعا جنس من الماشيةالماشية, فجاز الإخراج من أيهما شاء كما لو استوى العددان وكالسمان والمهازيلوالمهازيل, وما ذكره الشافعي يفضي إلى تشقيص الفرض وقد عدل إلى غير الجنس فيما دون خمس وعشرين من أجله فالعدول إلى النوع أولى فإذا ثبت هذا فإنه يخرج من أحد النوعين ما قيمته كقيمة المخرج من النوعينالنوعين, فإذا كان النوعان سواء وقيمة المخرج من أحدهما اثنا عشر وقيمة المخرج من الآخر خمسة عشرعشر, أخرج من أحدهما ما قيمته ثلاثة عشر ونصف وإن كان الثلث معزا والثلثان ضأناضأنا, أخرج ما قيمته أربعة عشر وإن كان الثلث ضأنا والثلثان معزامعزا, أخرج ما قيمته ثلاثة عشر وهكذا لو كان في إبله عشر بخاتي وعشر مهرية وعشر عرابيةعرابية, وقيمة ابنة المخاض البختية ثلاثون وقيمة المهرية أربعة وعشرون وقيمة العرابية اثنا عشرعشر, أخرج ابنة مخاض قيمتها ثلث قيمة ابنة مخاض بختية وهو عشرة وثلث قيمة مهرية ثمانيةثمانية, وثلث قيمة عرابية أربعة فصار الجميع اثنين وعشرين وهكذا الحكم في أنواع البقر وكذلك الحكم في السمان مع المهازيلالمهازيل, والكرام مع اللئام فأما الصحاح مع المراض والذكور مع الإناث والكبار مع الصغارالصغار, فيتعين عليه صحيحة كبيرة أنثى على قدر قيمة المالين إلا أن يتطوع رب المال بالفضلبالفضل, وقد ذكر هذاهذا.
فصلفصل:
فإن أخرج عن النصاب من غير نوعه مما ليس في ماله منه شيء ففيه وجهانوجهان: أحدهما يجزئ لأنه أخرج عنه من جنسهجنسه, فجاز كما لو كان المال نوعين فأخرج من أحدهما عنهما والثانيوالثاني, لا يجزئ لأنه أخرج من غير نوع ماله أشبه ما لو أخرج من غير الجنسالجنس, وفارق ما إذا أخرج من أحد نوعي ماله لأنه جاز فرارا من تشقيص الفرض وقد جوز الشارع الإخراج من غير الجنس في قليل الإبل وشاة الجبران لذلك بخلاف مسألتنامسألتنا.
مسألة:
مسألة:
قال ( وإن اختلط جماعة في خمس من الإبلالإبل, أو ثلاثين من البقر أو أربعين من الغنم وكان مرعاهم ومسرحهم ومبيتهم ومحلبهم وفحلهم واحداواحدا, أخذت منهم الصدقة ) وجملته أن الخلطة في السائمة تجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد في الزكاة سواء كانت خلطة أعيان وهي أن تكون الماشية مشتركة بينهمابينهما, لكل واحد منهما نصيب مشاع مثل أن يرثا نصابا أو يشترياه أو يوهب لهمالهما, فيبقياه بحاله أو خلطة أوصاف وهي أن يكون مال كل واحد منهما مميزامميزا, فخلطاه واشتركا في الأوصاف التي نذكرها وسواء تساويا في الشركةالشركة, أو اختلفا مثل أن يكون لرجل شاة ولآخر تسعة وثلاثونوثلاثون, أو يكون لأربعين رجلا أربعون شاة لكل واحد منهم شاة نص عليهما أحمد وهذا قول عطاء والأوزاعي والشافعي والليث وإسحاق وقال مالك إنما تؤثر الخلطة إذا كان لكل واحد من الشركاء نصاب وحكي ذلك عن الثوري وأبي ثور واختاره ابن المنذر وقال أبو حنيفة لا أثر لها بحال لأن ملك كل واحد دون النصابالنصاب, فلم يجب عليه زكاة كما لو لم يختلط بغيره ولأبي حنيفة فيما إذا اختلطا في نصابين أن كل واحد منهما يملك أربعين من الغنمالغنم, فوجبت عليه شاة لقوله عليه السلامالسلام: (فيفي أربعين شاة شاةشاة) ولنا ما روى البخاري في حديث أنس الذي ذكرنا أولهأوله: (لالا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمعمجتمع, خشية الصدقةالصدقة) وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية " ولا يجيء التراجع إلا على قولنا في خلطة الأوصاف وقولهوقوله: لا يجمع بين متفرق إنما يكون هذا إذا كان لجماعةلجماعة, فإن الواحد يضم ماله بعضه إلى بعض وإن كان في أماكن وهكذا لا يفرق بين مجتمع ولأن للخلطة تأثيرا في تخفيف المؤنةالمؤنة, فجاز أن تؤثر في الزكاة كالسوم والسقي وقياسهم مع مخالفة النص غير مسموع إذا ثبت هذا فإن خلطة الأوصاف يعتبر فيها اشتراكهم في خمسة أوصافأوصاف: المسرح والمبيتوالمبيت, والمحلب والمشرب والفحل قال أحمدأحمد: الخليطان أن يكون راعيهما واحداواحدا, ومراحهما واحدا وشربهما واحدا وقد ذكر أحمد في كلامه شرطا سادسا وهو الراعي قال الخرقيالخرقي: " وكان مرعاهم ومسرحهم واحدا " فيحتمل أنه أراد بالمرعى الراعيالراعي, ليكون موافقا لقول أحمد ولكون المرعى هو المسرح قال ابن حامدحامد: المرعى والمسرح شرط واحد وإنما ذكر أحمد المسرح ليكون فيه راع واحدواحد, والأصل في هذا ما روى الدارقطني في " سننه " بإسناده عن سعد بن أبى وقاصوقاص, قالقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقوليقول: (لالا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقةالصدقة,) والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والراعي " وروى " المرعى " وبنحو من هذا قال الشافعي وقال بعض أصحاب مالكمالك: لا يعتبر في الخلطة إلا شرطانشرطان: الراعي والمرعى لقوله عليه السلامالسلام: " لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق " والاجتماع يحصل بذلك ويسمى خلطةخلطة, فاكتفى به ولنا قوله - صلى الله عليه وسلم- : (والخليطانوالخليطان: ما اجتمعا في الحوض والراعي والفحلوالفحل) فإن قيلقيل: فلم اعتبرتم زيادة على هذا؟هذا؟ قلناقلنا: هذا تنبيه على بقية الشرائط وإلغاء لما ذكروهذكروه, ولأن لكل واحد من هذه الأوصاف تأثيرا فاعتبر كالمرعى إذا ثبت هذا فالمبيت معروف وهو المراح الذي تروح إليه الماشية قال الله تعالىتعالى: {حينحين تريحون وحين تسرحون} [النحل: 6]. والمسرح والمرعى واحدواحد, وهو الذي ترعى فيه الماشية يقاليقال: سرحت الغنم إذا مضت إلى المرعىالمرعى, وسرحتها أي بالتخفيف والتثقيل ومنه قوله تعالىتعالى: {وحينوحين تسرحون} والمحلبوالمحلب: الموضع الذي تحلب فيه الماشيةالماشية, يشترط أن يكون واحدا ولا يفرد كل واحد منهما لحلب ماشيته موضعا وليس المراد منه خلط اللبن في إناء واحد لأن هذا ليس بمرفقبمرفق, بل مشقة لما فيه من الحاجة إلى قسم اللبن ومعنى كون الفحل واحدا أن لا تكون فحولة أحد المالين لا تطرق غيره وكذلك الراعيالراعي, هو أن لا يكون لكل مال راع ينفرد برعايته دون الآخر ويشترط أن يكون المختلطان من أهل الزكاة فإن كان أحدهما ذميا أو مكاتبا لم يعتد بخلطتهبخلطته, ولا تشترط نية الخلطة وحكي عن القاضي أنه اشترطها ولنا قوله عليه السلامالسلام: (والخليطانوالخليطان ما اجتمعا في الحوض والراعي والفحلوالفحل) ولأن النية لا تؤثر في الخلطةالخلطة, فلا تؤثر في حكمها ولأن المقصود بالخلطة من الارتفاق يحصل بدونها فلم يتغير وجودها معهمعه, كما لا تتغير نية السوم في الإسامة ولا نية السقي في الزرع والثمار ولا نية مضي الحول فيما يشترط الحول فيهفيه.
فصلفصل:
فإن كان بعض مال الرجل مختلطامختلطا, وبعضه منفردا أو مختلطا مع مال لرجل آخر فقال أصحابناأصحابنا: يصير ماله كله كالمختلطكالمختلط, بشرط أن يكون مال الخلطة نصابا فإن كان دون النصاب لم يثبت حكمها فلو كان لرجل ستون شاةشاة, منها عشرون مختلطة مع عشرين لرجل آخر وجب عليهما شاة واحدة ربعها على صاحب العشرينالعشرين, وباقيها على صاحب الستين لأننا لما ضممنا ملك صاحب الستين صار صاحب العشرين كالمخالط لستين فيكون الجميع ثمانين عليها شاة بالحصص ولو كان لصاحب الستين ثلاثة خلطاءخلطاء, كل واحد منهم بعشرين وجب على الجميع شاة نصفها على صاحب الستينالستين, ونصفها على الخلطاء على كل واحد منهم سدس شاة ولو كان رجلان لكل واحد منهما ستون فخالط كل واحد منهما صاحبه بعشرين فقطفقط, وجب عليهما شاة واحدة بينهما نصفين فإن اختلطا في أقل من ذلك لم يثبت لهما حكم الخلطة ووجب على كل واحد منهما شاة كاملة وإن اختلطا في أربعينأربعين, لواحد منهما عشرة وللآخر ثلاثون ثبت لهما حكم الخلطة لوجودها في نصاب كاملكامل.
فصلفصل:
ويعتبر اختلاطهم في جميع الحولالحول, فإن ثبت لهم حكم الانفراد في بعضه زكوا زكاة المنفردين وبهذا قال الشافعي في الجديد وقال مالك لا يعتبر اختلاطهم في أول الحول لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (لالا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمعمجتمع) يعني في وقت أخذ الزكاة ولنا أن هذا مال ثبت له حكم الانفرادالانفراد, فكانت زكاته زكاة المنفرد كما لو انفرد في آخر الحول والحديث محمول على المجتمع في جميع الحول إذا تقرر هذا فمتى كان لرجلين ثمانون شاة بينهما نصفيننصفين, وكانا منفردين فاختلطا في أثناء الحول فعلى كل واحد منهما عند تمام حوله شاةشاة, وفيما بعد ذلك من السنين يزكيان زكاة الخلطة فإن اتفق حولاهما أخرجا شاة عند تمام كل حول على كل واحد منهما نصفها وإن اختلف حولاهما فعلى الأول منهما عند تمام حوله نصف شاةشاة, فإذا تم حول الثاني فإن كان الأول أخرجها من غير المال فعلى الثاني نصف شاة أيضاأيضا, وإن أخرجها من النصاب نظرت فإن أخرج الشاة جميعها عن ملكه فعلى الثاني أربعون جزءاجزءا, من تسعة وسبعين جزءا من شاة وإن أخرج نصف شاة فعلى الثاني أربعون جزءا من تسعة وسبعين ونصف جزء من شاةشاة.
فصلفصل:
وإن ثبت لأحدهما حكم الانفراد دون صاحبهصاحبه, ويتصور ذلك بأن يملك رجلان نصابين فيخلطاهما ثم يبيع أحدهما نصيبه أجنبيا أو يكون لأحدهما نصاب منفردمنفرد, فيشتري آخر نصابا ويخلطه به في الحال إذا قلناقلنا: اليسير معفو عنه فإنه لا بد أن تكون عقيب ملكها منفردة في جزءجزء, وإن قل أو يكون لأحدهما نصاب وللآخر دون النصاب فاختلطا في أثناء الحولالحول, فإذا تم حول الأول فعليه شاة فإذا تم حول الثاني فعليه زكاة الخلطة على التفصيل الذي ذكرناه ويزكيان فيما بعد ذلك زكاة الخلطةالخلطة, كلما تم حول أحدهما فعليه من زكاة الجميع بقدر ماله منه فإذا كان المالان جميعا ثمانين شاة فأخرج الأول منها شاةشاة, زكاة الأربعين التي يملكها فعلى الثاني أربعون جزءا من تسعة وسبعين جزءا فإن أخرج الشاة كلها من ملكهملكه, وحال الحول الثاني فعلى الأول نصف شاة زكاة خلطة فإن أخرجه وحدهوحده, فعلى الثاني تسعة وثلاثون جزءا من سبعة وسبعين جزءا ونصف جزء من شاة وإن توالدت شيئا حسب معهامعها.
فصلفصل:
وإذا كان لرجل أربعون شاةشاة, ومضى عليها بعض الحول فباع بعضها مشاعا في بعض الحول فقال أبو بكر ينقطع الحول ويستأنفان حولا من حين البيع لأن النصف المشترى قد انقطع الحول فيهفيه, فكأنه لم يجز في حول الزكاة أصلا فلزم انقطاع الحول في الآخر وقال ابن حامد لا ينقطع الحول فيما بقي للبائع لأن حدوث الخلطة لا يمنع ابتداء الحول فلا يمنع استدامتهاستدامته, ولأنه لو خالط غيره في جميع الحول وجبت الزكاة فإذا خالط في بعضه نفسهنفسه, وفي بعضه غيره كان أولى بالإيجاب وإنما بطل حول المبيعة لانتقال الملك فيهافيها, وإلا فهذه العشرون لم تزل مخالطة لمال جار في الزكاة وهكذا الحكم فيما إذا علم على بعضها وباعه مختلطا فأما إن أفرد بعضها وباعه فخلطه المشتري في الحال بغنم الأولالأول, فقال ابن حامد ينقطع الحول لثبوت حكم الانفراد في البعض وقال القاضيالقاضي: يحتمل أن يكون كما لو باعها مختلطة لأن هذا زمن يسير وهكذا الحكم فيما إذا كانت الأربعون لرجلين فباع أحدهما نصيبه أجنبيا فعلى هذا إذا تم حول الأول فعليه نصف شاةشاة, ثم إذا تم حول الثاني نظرنا في البائع فإن كان أخرج الزكاة من غير المال فلا شيء على المشتري لأن النصاب نقص في بعض الحول إلا أن يكون الفقير مخالطا لهما بالنصف الذي صار لهله, فلا ينقص النصاب إذا ويخرج الثاني نصف شاة وإن كان الأول أخرج الزكاة من غير المال وقلناوقلنا: الزكاة تتعلق بالذمة وجب على المشتري نصف شاة وإن قلنا تتعلق بالعين فقال القاضيالقاضي: يجب نصف شاة أيضا لأن تعلق الزكاة بالعينبالعين, لا بمعنى أن الفقراء ملكوا جزءا من النصاب بل بمعنى أنه تعلق حقهم به كتعلق أرش الجناية بالجانيبالجاني, فلم يمنع وجوب الزكاة وقال أبو الخطاب لا شيء على المشتري لأن تعلق الزكاة بالعين نقص النصاب وهذا الصحيح فإن فائدة قولناقولنا: الزكاة تتعلق بالعين إنما تظهر في منع الزكاة وقد ذكره القاضي في غير هذا الموضع وعلى قياس هذا لو كان لرجلين نصاب خلطةخلطة, فباع أحدهما خليطه في بعض الحول فهي عكس المسألة الأولى في الصورة ومثلها في المعنى لأنه كان في الأول خليط نفسهنفسه, ثم صار خليط أجنبي وها هنا كان خليط أجنبي ثم صار خليط نفسه ومثله لو كان رجلان متوارثانمتوارثان, لهما نصاب خلطة فمات أحدهما في بعض الحول فورثه صاحبهصاحبه, على قياس قول أبي بكر لا يجب عليه شيء حتى يتم الحول على المالين من حين ملكه لهما إلا أن يكون أحدهما بمفرده يبلغ نصابا وعلى قياس قول ابن حامد تجب الزكاة في النصف الذي كان له خاصةخاصة.
فصلفصل:
إذا استأجر أجيرا يرعي له بشاة معينة من النصابالنصاب, فحال الحول ولم يفردها فهما خليطان تجب عليهما زكاة الخلطة وإن أفردها قبل الحولالحول, فلا شيء عليهما لنقصان النصاب وإن استأجره بشاة موصوفة في الذمة صح أيضاأيضا, فإذا حال الحول وليس له ما يقتضيه غير النصاب انبنى على الدينالدين, هل يمنع الزكاة في الأموال الظاهرة؟الظاهرة؟ وسنذكره فيما بعد - إن شاء الله تعالى- .
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( وتراجعوا فيما بينهم بالحصص ) قد ذكرنا أن الخلطاء تؤخذ الصدقة من أموالهم كما تؤخذ من مال الواحد وظاهر كلام أحمد أن الساعي يأخذ الفرض من مال أي الخليطين شاءشاء, سواء دعت الحاجة إلى ذلك بأن تكون الفريضة عينا واحدة لا يمكن أخذها من المالين جميعا أو لا يجد فرضهما جميعا إلا في أحد المالينالمالين, مثل أن يكون مال أحدهما صحاحا كبارا ومال خليطه صغارا أو مراضا فإنه تجب صحيحة كبيرةكبيرة, أو لم تدع الحاجة إلى ذلك بأن يجد فرض كل واحد من المالين فيه قال أحمد إنما يجيء المصدق فيجد الماشية فيصدقهافيصدقها, ليس يجيء فيقولفيقول: أي شيء لك؟لك؟ وإنما يصدق ما يجده والخليط قد ينفع وقد يضر قال الهيثم بن خارجة لأبي عبد الله أنا رأيت مسكينا كان له في غنم شاتان فجاء المصدق فأخذ إحداهما والوجه في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم- (ماما كان من خليطينخليطين, فإنهما يتراجعان بالسويةبالسوية) وقولهوقوله: (لالا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقةالصدقة) وهما خشيتانخشيتان: خشية رب المال من زيادة الصدقةالصدقة, وخشية الساعي من نقصانها فليس لأرباب الأموال أن يجمعوا أموالهم المتفرقة التي كان الواجب في كل واحد منها شاة ليقل الواجب فيهافيها, ولا أن يفرقوا أموالهم المجتمعة التي كان فيها باجتماعها فرض ليسقط عنها بتفرقتهابتفرقتها, وليس للساعي أن يفرق بين الخلطاء لتكثر الزكاة ولا أن يجمعها إذا كانت متفرقة لتجب الزكاةالزكاة, ولأن المالين قد صارا كالمال الواحد في وجوب الزكاة فكذلك في إخراجها ومتى أخذ الساعى الفرض من مال أحدهما رجع على خليطه بقدر قيمة حصته من الفرضالفرض, فإذا كان لأحدهما ثلث المال وللآخر ثلثاه فأخذ الفرض من مال صاحب الثلثالثلث, رجع بثلثي قيمة المخرج على صاحبه وإن أخذه من الآخر رجع على صاحب الثلث بثلث قيمة المخرج والقول قول المرجوع عليه مع يمينه إذا اختلفااختلفا, وعدمت البينة لأنه غارم فكان القول قوله كالغاصب إذا اختلفا في قيمة المغصوب بعد تلفهتلفه.
فصل:
فصل:
إذا أخذ الساعي أكثر من الفرض بغير تأويلتأويل, مثل أن يأخذ شاتين مكان شاة أو يأخذ جذعة مكان حقة لم يكن للمأخوذ منه الرجوع إلا بقدر الواجب وإن كان بتأويل سائغسائغ, مثل أن يأخذ الصحيحة عن المراض والكبيرة عن الصغار فإنه يرجع بالحصة منها لأن ذلك إلى اجتهاد الإمامالإمام, فإذا أداه اجتهاده إلى أخذه وجب عليه دفعه إليه وصار بمنزلة الفرض الواجب وكذلك إذا أخذ القيمةالقيمة, رجع بما يخص شريكه منها لأنه بتأويلبتأويل.
فصلفصل:
إذا ملك رجل أربعين شاة في المحرم وأربعين في صفر وأربعين في ربيعربيع, فعليه في الأول عند تمام حوله شاة فإذا تم حول الثاني فعلى وجهين أحدهماأحدهما, لا زكاة فيه لأن الجميع ملك واحد فلم يزد فرضه على شاة واحدة كما لو اتفقت أحواله والثانيوالثاني, فيه الزكاة لأن الأول استقل بشاة فيجب الزكاة في الثاني وهي نصف شاة لاختلاطها بالأربعين الأولى من حين ملكها وإذا تم حول الثالث فعلى وجهين أحدهما لا زكاة فيه والثانيوالثاني, فيه الزكاة وهو ثلث شاة لأنه ملكه مختلطا بالثمانين المتقدمة وذكر أبو الخطاب فيه وجها ثالثا وهو أنه يجب في الثاني شاة كاملةكاملة, وفي الثالث شاة كاملة لأنه نصاب كامل وجبت الزكاة فيه بنفسه فوجبت فيه شاة كاملة كما لو انفرد وهذا ضعيف لأنه لو كان المالك للثاني والثالث أجنبيينأجنبيين, ملكاهما مختلطين لم يكن عليهما إلا زكاة خلطة فإذا كان لمالك الأول كان أولىأولى, فإن ضم بعض ماله إلى بعض أولى من ضم ملك الخليط إلى خليطه وإن ملك في الشهر الثاني ما يغير الفرض مثل أن ملك مائة شاة فعليه فيه عند تمام حوله شاة ثانيةثانية, على الوجه الأول وكذلك الثالث لأننا نجعل ملكه في الإيجاب كملكه للكل في حال واحدة فيصير كأنه ملك مائتين وأربعينوأربعين, فيجب عليه ثلاث شياه عند تمام حول كل مال شاة وعلى الوجه الثاني يجب عليه في الشهر الثاني حصته من فرض المالين معامعا, وهو شاة وثلاثة أسباع شاة لأنه لو ملك المالين دفعة واحدة كان عليه فيهما شاتان حصة المائة منها خمسة أسباعهماأسباعهما, وهو شاة وثلاثة أسباع شاة وعليه في الثالث شاة وربع لأنه لو ملك الجميع دفعة واحدة وهو مائتان وأربعون شاةشاة, لكان عليه ثلاث شياه حصة الثالث منهن ربعهن وسدسهن وهو شاة وربع ولو كان المالك للأموال الثلاثة ثلاثة أشخاصأشخاص, وملك الثاني سائمته مختلطة بسائمة الأول ثم ملك الثالث سائمته مختلطة بغنمهما لكان الواجب على الثاني والثالث كالواجب على المالك في الوجه الثانيالثاني, لا غيرغير.
فصلفصل:
فإن ملك عشرين من الإبل في المحرم وخمسًا في صفر فعليه في العشرين عند تمام حولهاحولها, أربع شياه وفي الخمس عند تمام حولها خمس بنت مخاض على الوجهين الأولين وعلى الوجه الثالث عليه شاة وإن ملك في المحرم خمسا وعشرينوعشرين, وفي صفر خمسا فعليه في الأول عند تمام حوله بنت مخاض ولا شيء عليه في الخمس في الوجه الأول وعلى الثانيالثاني: عليه سدس بنت مخاض وعلى الثالث عليه فيها شاة فإن ملك مع ذلك في ربيع شيئاشيئا, ففي الوجه الأول عليه في الأول عند تمام حوله بنت مخاض ولا شيء عليه في الخمس حتى يتم حول الستالست, فيجب فيهما ربع بنت لبون ونصف تسعها وفي الوجه الثاني عليه في الخمس سدس بنت مخاض إذا تم حولها وفي الست سدس بنت لبون عند تمام حولها وفي الوجه الثالثالثالث, عليه في الخمس الثانية شاة عند تمام حولها وفي الست شاة عند تمام حولهاحولها.
فصلفصل:
فإن كانت سائمة الرجل في بلدان شتى وبينهما مسافة لا تقصر فيها الصلاةالصلاة, أو كانت مجتمعة ضم بعضها إلى بعض وكانت زكاتها كزكاة المختلطةالمختلطة, بغير خلاف نعلمه وإن كان بين البلدان مسافة القصر فعن أحمد فيه روايتان إحداهما أن لكل مال حكم نفسهنفسه, يعتبر على حدته إن كان نصابا ففيه الزكاة وإلا فلافلا, ولا يضم إلى المال الذي في البلد الآخر نص عليه قال ابن المنذر لا أعلم هذا القول عن غير أحمد واحتج بظاهر قوله عليه السلامالسلام: (لالا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقةالصدقة) وهذا مفرق فلا يجمعيجمع, ولأنه لما أثر اجتماع مالين لرجلين في كونهما كالمال الواحد يجب أن يؤثر افتراق مال الرجل الواحدالواحد, حتى يجعله كالمالين والرواية الثانية قال في من له مائة شاة في بلدان متفرقةمتفرقة: لا يأخذ المصدق منها شيئا لأنه لا يجمع بين متفرق وصاحبها إذا ضبط ذلك وعرفه أخرج هو بنفسهبنفسه, يضعها في الفقراء روى هذا عن الميموني وحنبل وهذا يدل على أن زكاتها تجب مع اختلاف البلدان إلا أن الساعي لا يأخذها لكونه لا يجد نصابا كاملا مجتمعا ولا يعلم حقيقة الحال فيهافيها, فأما المالك العالم بملكه نصابا كاملا فعليه أداء الزكاة وهذا اختيار أبي الخطاب ومذهب سائر الفقهاء قال مالك أحسن ما سمعت في من كان له غنم على راعيين متفرقين ببلدان شتى أن ذلك يجمع على صاحبهصاحبه, فيؤدي صدقته وهذا هو الصحيح - إن شاء الله تعالى- لقوله عليه السلامالسلام: " في أربعين شاة شاة " ولأنه ملك واحد أشبه ما لو كان في بلدان متقاربة أو غير السائمة ونحمل كلام أحمدأحمد, في الرواية الأولى على أن المصدق لا يأخذها وأما رب المال فيخرج فعلى هذا يخرج الفرض في أحد البلدين شاءشاء, لأنه موضع حاجةحاجة.
فصلفصل:
ولا زكاة في غير بهيمة الأنعام من الماشية في قول أكثر أهل العلم وقال أبو حنيفة في الخيل الزكاة إذا كانت ذكورا وإناثاوإناثا, وإن كانت ذكورا مفردة أو إناثا مفردة ففيها روايتانروايتان, وزكاتها دينار عن كل فرس أو ربع عشر قيمتها والخيرة في ذلك إلى صاحبهاصاحبها, أيهما شاء أخرج لما روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قالقال: (فيفي الخيل السائمة في كل فرس ديناردينار) وروى عن عمر أنه كان يأخذ من الرأس عشرةعشرة, ومن الفرس عشرة ومن البرذون خمسة ولأنه حيوان يطلب نماؤه من جهة السوم أشبه النعم ولناولنا, أن النبي - صلى الله عليه وسلم- (قالقال: ليس على المسلم في فرسه وغلامه صدقةصدقة) متفق عليه وفي لفظلفظ: (ليسليس على الرجل في فرسه ولا في عبده صدقةصدقة) وعن على أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قالقال: (عفوتعفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيقوالرقيق) رواه الترمذي وهذا هو الصحيح وروى أبو عبيد في " الغريب ", عن النبي - صلى الله عليه وسلم- : (ليسليس في الجبهة ولا في النخة ولا في الكسعة صدقةصدقة) وفسر الجبهة بالخيلبالخيل, والنخة بالرقيق والكسعة بالحمير وقال الكسائيالكسائي: النخةالنخة: بضم النونالنون: البقر العوامل ولأن ما لا زكاة في ذكوره المفردة وإناثه المفردةالمفردة, لا زكاة فيهما إذا اجتمعا كالحمير ولأن ما لا يخرج زكاته من جنسه من السائمة لا تجب فيه كسائر الدوابالدواب, ولأن الخيل دواب فلا تجب الزكاة فيها كسائر الدوابالدواب, ولأنها ليست من بهيمة الأنعام فلم تجب زكاتها كالوحوش وحديثهم يرويه غورك السعديالسعدي, وهو ضعيف وأما عمر فإنما أخذ منهم شيئا تبرعوا به وسألوه أخذه وعوضهم عنه برزق عبيدهمعبيدهم, فروى الإمام أحمد بإسناده عن حارثة قالقال: جاء ناس من أهل الشام إلى عمر فقالوافقالوا: إنا قد أصبنا مالا وخيلا ورقيقاورقيقا, نحب أن يكون لنا فيها زكاة وطهور قالقال: ما فعله صاحباي قبلي فأفعله فاستشار أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وفيهم على فقالفقال: هو حسن إن لم يكن جزية يؤخذون بها من بعدك قال أحمدأحمد: فكان عمر يأخذ منهم ثم يرزق عبيدهمعبيدهم, فصار حديث عمر حجة عليهم من وجوه أحدها قولهقوله: ما فعله صاحباي يعني النبي - صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر ولو كان واجبا لما تركا فعله الثانيالثاني, أن عمر امتنع من أخذها ولا يجوز له أن يمتنع من الواجب الثالث قول علىعلى: هو حسن إن لم يكن جزية يؤخذون بها من بعدك فسمى جزية إن أخذوا بهابها, وجعل حسنه مشروطا بعدم أخذهم به فيدل على أن أخذهم بذلك غير جائز الرابع استشارة عمر أصحابه في أخذهأخذه, ولو كان واجبا لما احتاج إلى الاستشارة الخامس أنه لم يشر عليه بأخذه أحد سوى على بهذا الشرط الذي ذكره ولو كان واجبا لأشاروا به السادسالسادس, أن عمر عوضهم عنه رزق عبيدهم والزكاة لا يؤخذ عنها عوض ولا يصح قياسها على النعم لأنها يكمل نماؤها وينتفع بدرها ولحمهاولحمها, ويضحي بجنسها وتكون هديا وفدية عن محظورات الإحرامالإحرام, وتجب الزكاة من عينها ويعتبر كمال نصابها ولا يعتبر قيمتهاقيمتها, والخيل بخلاف ذلكذلك.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( والصدقة لا تجب إلا على أحرار المسلمين ) وفي بعض النسخالنسخ: " إلا على الأحرار المسلمين " ومعناهما واحد وهو أن الزكاة لا تجب إلا على حر مسلم تام الملك وهو قول أكثر أهل العلمالعلم, ولا نعلم فيه خلافا إلا عن عطاء وأبي ثور فإنهما قالاقالا: على العبد زكاة ماله ولنا أن العبد ليس بتام الملك فلم تلزمه زكاةزكاة, كالمكاتب فأما الكافر فلا خلاف في أنه لا زكاة عليه ومتى صار أحد هؤلاء من أهل الزكاة وهو مالك للنصابللنصاب, استقبل به حولا ثم زكاه فأما الحر المسلم إذا ملك نصابا خاليا عن دين فعليه الزكاة عند تمام حولهحوله, سواء كان كبيرا أو صغيرا أو عاقلا أو مجنونامجنونا.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( والصبي والمجنون يخرج عنهما وليهما ) وجملة ذلك أن الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون لوجود الشرائط الثلاث فيهما روي ذلك عن عمر وعلى وابن عمر وعائشة والحسن بن على وجابر ـ رضي الله عنه ـم ـ وبه قال جابر بن زيد وابن سيرين وعطاء ومجاهد وربيعة ومالك والحسن بن صالح وابن أبي ليلى والشافعي والعنبري وابن عيينة وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور ويحكى عن ابن مسعود والثوري والأوزاعي أنهم قالواقالوا: تجب الزكاةالزكاة, ولا تخرج حتى يبلغ الصبي ويفيق المعتوه قال ابن مسعود أحصى ما يجب في مال اليتيم من الزكاة فإذا بلغ أعلمهأعلمه, فإن شاء زكى وإن شاء لم يزك وروي نحو هذا عن إبراهيم وقال الحسن وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وأبو وائل والنخعي وأبو حنيفة لا تجب الزكاة في أموالهما وقال أبو حنيفة يجب العشر في زروعهما وثمرتهما وتجب صدقة الفطر عليهما واحتج في نفي الزكاة بقوله عليه السلامالسلام: (رفعرفع القلم عن ثلاثةثلاثة: عن الصبي حتى يبلغيبلغ, وعن المجنون حتى يفيقيفيق) وبأنها عبادة محضة فلا تجب عليهما كالصلاة والحج ولنا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قالقال: (منمن ولي يتيما له مال فليتجر لهله, ولا يتركه حتى تأكله الصدقةالصدقة) أخرجه الدارقطني وفي رواته المثنى بن الصباح وفيه مقال وروي موقوفا على عمرعمر: " وإنما تأكله الصدقة بإخراجها " وإنما يجوز إخراجها إذا كانت واجبة لأنه ليس له أن يتبرع بمال اليتيماليتيم, ولأن من وجب العشر في زرعه وجب ربع العشر في ورقه كالبالغ العاقل ويخالف الصلاة والصوموالصوم, فإنها مختصة بالبدن وبنية الصبي ضعيفة عنها والمجنون لا يتحقق منه نيتهانيتها, والزكاة حق يتعلق بالمال فأشبه نفقة الأقارب والزوجات وأروش الجناياتالجنايات, وقيم المتلفات والحديث أريد به رفع الإثم والعبادات البدنية بدليل وجوب العشر وصدقة الفطر والحقوق الماليةالمالية, ثم هو مخصوص بما ذكرناه والزكاة في المال في معناه فنقيسها عليه إذا تقرر هذاهذا, فإن الولي يخرجها عنهما من مالهما لأنها زكاة واجبة فوجب إخراجها كزكاة البالغ العاقلالعاقل, والولى يقوم مقامه في أداء ما عليه ولأنها حق واجب على الصبي والمجنون فكان على الولى أداؤه عنهما كنفقة أقاربهأقاربه, وتعتبر نية الولي في الإخراج كما تعتبر النية من رب المالالمال.
مسألة:
مسألة:
قالقال: [والسيدوالسيد يزكي عما في يد عبده لأنه مالكهمالكه] يعني أن السيد مالك لما في يد عبده وقد اختلفت الرواية عن أحمد - رحمه الله- في زكاة مال العبد الذي ملكه إياه فروي عنهعنه: زكاته على سيده هذا مذهب سفيان وإسحاق وأصحاب الرأي وروي عنهعنه: لا زكاة في ماله لا على العبد ولا على سيده قال ابن المنذرالمنذر: وهذا قول ابن عمر وجابر والزهري وقتادة ومالك وأبي عبيد وللشافعي قولان كالمذهبين قال أبو بكر المسألة مبنية على الروايتين في ملك العبد إذا ملكه سيده إحداهماإحداهما, لا يملك قال أبو بكر وهو اختياري وهو ظاهر كلام الخرقي ها هنا لأنه جعل السيد مالكا لمال عبده ولو كان مملوكا للعبد لم يكن مملوكا لسيده لأنه لا يتصور اجتماع ملكين كاملين في مال واحدواحد, ووجهه أن العبد مال فلا يملك المال كالبهائم فعلى هذا تكون زكاته على سيد العبدالعبد, لأنه ملك له في يد عبده فكانت زكاته عليه كالمال الذي في يد المضارب والوكيل والثانيةوالثانية, يملك لأنه آدمي يملك النكاح فملك المال كالحركالحر, وذلك لأنه بالآدمية يتمهد للملك من قبل أن الله تعالى خلق المال لبني آدم ليستعينوا به على القيام بوظائف العبادات وأعباء التكاليفالتكاليف, فإن الله تعالىتعالى: خلق لكم ما في الأرض جميعا فبالآدمية يتمهد للملك ويصلح له كما يتمهد للتكليف والعبادة فعلى هذا لا زكاة على السيد في مال العبد لأنه لا يملكهيملكه, ولا على العبد لأن ملكه ناقص والزكاة إنما تجب على تام الملكالملك.
فصلفصل:
ومن بعضه حر عليه زكاة ماله لأنه يملكه بجزئه الحر ويورث عنهعنه, وملكه كامل فيه فكانت زكاته عليه كالحر الكامل والمدبر وأم الولد كالقن لأنه لا حرية فيهمافيهما.
مسألة:
مسألة:
قالقال: [ولاولا زكاة على مكاتبمكاتب] فإن عجز استقبل سيده بما في يده من المال حولا وزكاةوزكاة, إن كان نصابا وإن أدى وبقي في يده نصاب للزكاةللزكاة, استقبل به حولا لا أعلم خلافا بين أهل العلم في أنه لا زكاة على المكاتب ولا على سيده في ماله إلا قول أبي ثور ذكر ابن المنذر نحو هذا واحتج أبو ثور بأن الحجر من السيد لا يمنع وجوب الزكاة كالحجر على الصبي والمجنون والمرهون وحكي عن أبي حنيفة أنه أوجب العشر في الخارج من أرضه بناء على أصله في أن العشر مؤنة الأرضالأرض, وليس بزكاة ولنا ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قالقال: (لالا زكاة في مال المكاتبالمكاتب) رواه الفقهاء في كتبهم ولأن الزكاة تجب على طريق المواساةالمواساة, فلم تجب في مال المكاتب كنفقة الأقارب وفارق المحجور عليهعليه, فإنه منع التصرف لنقص تصرفه لا لنقص ملكه والمرهون منع من التصرف فيه بعقدهبعقده, فلم يسقط حق الله تعالى ومتى كان منع التصرف فيه لدين لا يمكن وفاؤه من غيره فلا زكاة عليه إذا ثبت هذاهذا, فمتى عجز ورد في الرق صار ما كان في يده ملكا لسيده فإن كانا نصابانصابا, أو يبلغ بضمه إلى ما في يده نصابا استأنف له حولا من حين ملكه وزكاهوزكاه, كالمستفاد سواء ولا أعلم في هذا خلافا فإن أدى المكاتب نجوم كتابته وبقي في يده نصاب فقد صار حرا كامل الملكالملك, فيستأنف الحول من حين عتقه ويزكيه إذا تم الحول والله أعلمأعلم.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( ولا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ) وروى أبو عبد الله بن ماجهماجه, في " السنن " بإسناده عن عمرة عن عائشة قالتقالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقوليقول: (لالا زكاة في مال حتى يحول عليه الحولالحول) وهذا اللفظ غير مبق على عمومه فإن الأموال الزكاتية خمسةخمسة: السائمة من بهيمة الأنعامالأنعام, والأثمان وهي الذهب والفضة وقيم عروض التجارة وهذه الثلاثة الحول شرط في وجوب زكاتها لا نعلم فيه خلافاخلافا, سوى ما سنذكره في المستفاد والرابعوالرابع: ما يكال ويدخر من الزروع والثمار والخامسوالخامس: المعدن وهذان لا يعتبر لهما حول والفرق بين ما اعتبر له الحول وما لم يعتبر له أن ما اعتبر له الحول مرصد للنماءللنماء, فالماشية مرصدة للدر والنسل وعروض التجارة مرصدة للربح وكذا الأثمانالأثمان, فاعتبر له الحول فإنه مظنة النماء ليكون إخراج الزكاة من الربح فإنه أسهل وأيسروأيسر, ولأن الزكاة إنما وجبت مواساة ولم نعتبر حقيقة النماء لكثرة اختلافه وعدم ضبطهضبطه, ولأن ما اعتبرت مظنته لم يلتفت إلى حقيقته كالحكم مع الأسباب ولأن الزكاة تتكرر في هذه الأموالالأموال, فلا بد لها من ضابط كي لا يفضي إلى تعاقب الوجوب في الزمن الواحد مرات فينفد مال المالك أما الزروع والثماروالثمار, فهي نماء في نفسها تتكامل عند إخراج الزكاة منها فتؤخذ الزكاة منها حينئذحينئذ, ثم تعود في النقص لا في النماء فلا تجب فيها زكاة ثانية لعدم إرصادها للنماء والخارج من المعدن مستفاد خارج من الأرضالأرض, بمنزلة الزرع والثمر إلا أنه إن كان من جنس الأثمان ففيه الزكاة عند كل حولحول, لأنه مظنة للنماء من حيث إن الأثمان قيم الأموال ورأس مال التجاراتالتجارات, وبهذا تحصل المضاربة والشركة وهي مخلوقة لذلك فكانت بأصلها وخلقتهاوخلقتها, كمال التجارة المعد لهالها.
فصلفصل:
فإن استفاد مالا مما يعتبر له الحول ولا مال له سواه وكان نصابانصابا, أو كان له مال من جنسه لا يبلغ نصابا فبلغ بالمستفاد نصابا انعقد عليه حول الزكاة من حينئذحينئذ, فإذا تم حول وجبت الزكاة فيه وإن كان عنده نصاب لم يخل المستفاد من ثلاثة أقسامأقسام: أحدهاأحدها, أن يكون المستفاد من نمائه كربح مال التجارة ونتاج السائمة فهذا يجب ضمه إلى ما عنده من أصله فيعتبر حوله بحوله لا نعلم فيه خلافا لأنه تبع له من جنسهجنسه, فأشبه النماء المتصل وهو زيادة قيمة عروض التجارة ويشمل العبد والجارية الثانيالثاني, أن يكون المستفاد من غير جنس ما عنده فهذا له حكم نفسه لا يضم إلى ما عنده في حول ولا نصابنصاب, بل إن كان نصابا استقبل به حولا وزكاه وإلا فلا شيء فيه وهذا قول جمهور العلماء وروي عن ابن مسعود وابن عباس ومعاوية أن الزكاة تجب فيه حين استفاده قال أحمد عن غير واحدواحد: يزكيه حين يستفيده وروي بإسناده عن ابن مسعود قالقال: كان عبد الله يعطينا ويزكيه وعن الأوزاعي في من باع عبده أو دارهداره, أنه يزكي الثمن حين يقع في يده إلا أن يكون له شهر يعلم فيؤخره حتى يزكيه مع ماله وجمهور العلماء على خلاف هذا القول منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ـ رضي الله عنه ـم ـ قال ابن عبد البر على هذا جمهور العلماء والخلاف في ذلك شذوذشذوذ, ولم يعرج عليه أحد من العلماء ولا قال به أحد من أئمة الفتوى وقد روي عن أحمد في من باع داره بعشرة آلاف درهم إلى سنة إذا قبض المال يزكيه وإنما نرى أن أحمد قال ذلك لأنه ملك الدراهم في أول الحولالحول, وصارت دينا له على المشترى فإذا قبضه زكاه للحول الذي مر عليه في ملكه كسائر الديون وقد صرح بهذا المعنى في رواية بكر بن محمدمحمد, عن أبيه فقالفقال: إذا كرى دارا أو عبدا في سنة بألف فحصلت له الدراهم وقبضهاوقبضها, زكاها إذا حال عليها الحول من حين قبضها وإن كانت على المكتري فمن يوم وجبت له فيها الزكاة بمنزلة الدين إذا وجب له على صاحبهصاحبه, زكاة من يوم وجب له القسم الثالث أن يستفيد مالا من جنس نصاب عنده قد انعقد عليه حول الزكاة بسبب مستقلمستقل, مثل أن يكون عنده أربعون من الغنم مضى عليها بعض الحول فيشترى أو يتهب مائةمائة, فهذا لا تجب فيه الزكاة حتى يمضي عليه حول أيضا وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يضمه إلى ما عنده في الحول فيزكيهما جميعا عند تمام حول المال الذي كان عنده إلا أن يكون عوضا عن مال مزكى لأنه يضم إلى جنسه في النصابالنصاب, فوجب ضمه إليه في الحول كالنتاج ولأنه إذا ضم في النصاب وهو سبب فضمه إليه في الحول الذي هو شرط أولي وبيان ذلك أنه لو كان عنده مائتا درهمدرهم, مضى عليها نصف الحول فوهب له مائة أخرى فإن الزكاة تجب فيها إذا تم حولهاحولها, بغير خلاف ولولا المائتان ما وجب فيها شيء فإذا ضمت إلى المائتين في أصل الوجوب فكذلك في وقتهوقته, ولأن إفراده بالحول يفضي إلى تشقيص الواجب في السائمة واختلاف أوقات الواجب والحاجة إلى ضبط مواقيت التملكالتملك, ومعرفة قدر الواجب في كل جزء ملكه ووجوب القدر اليسير الذي لا يتمكن من إخراجه ثم يتكرر ذلك في كل حول ووقتووقت, وهذا حرج مدفوع بقوله تعالىتعالى: {وماوما جعل عليكم في الدين من حرجحرج} [الحجالحج: 7878]. وقد اعتبر الشرع ذلك بإيجاب غير الجنس فيما دون خمس وعشرين من الإبل وجعل الأوقاص في السائمة وضم الأرباح والنتاج إلى حول أصلها مقرونا بدفع هذه المفسدةالمفسدة, فيدل على أنه علة لذلك فيجب تعدية الحكم إلى محل النزاع وقال مالك كقوله في السائمة دفعا للتشقيص في الواجب وكقولنا في الأثمان لعدم ذلك فيها ولناولنا, حديث عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- : (لالا زكاة في مال حتى يحول عليه الحولالحول) وروى الترمذي عن ابن عمرعمر, أنه قالقال: من استفاد مالا فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول وروي مرفوعا عن النبي - صلى الله عليه وسلم- إلا أن الترمذي قالقال: الموقوف أصح وإنما رفعه عبد الرحمن بن يزيد بن أسلمأسلم, وهو ضعيف وقد روي عن أبي بكر الصديق وعلى وابن عمر وعائشة وعطاء وعمر بن عبد العزيز وسالم والنخعي أنه لا زكاة في المستفاد حتى يحول عليه الحول ولأنه مملوك أصلا فيعتبر فيه الحول شرطا كالمستفاد من غير الجنسالجنس, ولا تشبه هذه الأموال الزروع والثمار لأنها تتكامل ثمارها دفعة واحدة ولهذا لا تتكرر الزكاة فيهافيها, وهذه نماؤها بنقلها فاحتاجت إلى الحول وأما الأرباح والنتاج فإنما ضمت إلى أصلها لأنها تبع لهله, ومتولدة منه ولم يوجد ذلك في مسألتنا وإن سلمنا أن علة ضمهاضمها, ما ذكروه من الحرج فلا يوجد ذلك في مسألتنا لأن الأرباح تكثر وتتكرر في الأيام والساعات ويعسر ضبطهاضبطها, وكذلك النتاج وقد يوجد ولا يشعر به فالمشقة فيه أتمأتم, لكثرة تكرره بخلاف هذه الأسباب المستقلة فإن الميراث والاغتنام والاتهاب ونحو ذلك يندر ولا يتكرريتكرر, فلا يشق ذلك فيه وإن شق فهو دون المشقة في الأرباح والنتاج فيمتنع قياسه عليه واليسر فيما ذكرنا أكثر لأن الإنسان يتخير بين التأخير والتعجيلوالتعجيل, وما ذكروه يتعين عليه التعجيل ولا شك أن التخيير بين شيئين أيسر من تعيين أحدهما لأنه مع التخييرالتخيير, فيختار أيسرهما عليه وأحبهما إليه ومع التعيين يفوته ذلك وأما ضمه إليه في النصابالنصاب, فلأن النصاب معتبر لحصول الغنى وقد حصل الغنى بالنصاب الأول والحول معتبرمعتبر, لاستنماء المال ليحصل أداء الزكاة من الربح ولا يحصل ذلك بمرور الحول على أصله فوجب أن يعتبر الحول لهله.
فصلفصل:
ويعتبر وجود النصاب في جميع الحولالحول, فإن نقص الحول نقصا يسيرا فقال أبو بكر ثبت أن نقص الحول ساعة أو ساعتين معفو عنه وظاهر كلام القاضيالقاضي, أن النقص اليسير في أثناء الحول يمنع لأنه قال في من له أربعون شاة فماتت منها شاة ونتجت أخرىأخرى: إذا كان النتاج والموت حصلا في وقت واحد لم تسقط الزكاة لأن النصاب لم ينقص وكذلك إن تقدم النتاج الموت وإن تقدم الموت النتاج سقطت الزكاة لأن حكم الحول سقط بنقصان النصاب ويحتمل أن كلام أبي بكر أراد به النقص في طرف الحولالحول, ويحتمل أن القاضي أراد بالوقت الواحد الزمن المتقارب فلا يكون بين القولين اختلاف وحكى عن أبي حنيفة أن النصاب إذا كمل في طرفي الحول لم يضر نقصه في وسطه ولناولنا, أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (لالا زكاة في مال حتى يحول عليه الحولالحول) يقتضي مرور الحول على جميعه ولأن ما اعتبر في طرفي الحول اعتبر في وسطه كالملك والإسلاموالإسلام.
فصلفصل:
وإذا ادعى رب المال أنه ما حال الحول على المالالمال, أو لم يتم النصاب إلا منذ شهر أو أنه كان في يدي وديعة وإنما اشتريته من قريبقريب, أو قالقال: بعته في الحول ثم اشتريته أو رد على ونحو هذا مما ينفي وجوب الزكاةالزكاة, فالقول قوله من غير يمين قال أحمد في رواية صالحصالح: لا يستحلف الناس على صدقاتهم فظاهر هذا أنه لا يستحلف وجوبا ولا استحبابا وذلك لأن الزكاة عبادة فالقول قول من تجب عليه بغير يمين كالصلاة والكفاراتوالكفارات.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( ويجوز تقدمة الزكاة ) وجملته أنه متى وجد سبب وجوب الزكاةالزكاة, وهو النصاب الكامل جاز تقديم الزكاة وبهذا قال الحسن وسعيد بن جبير والزهري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وحكي عن الحسن أنه لا يجوز وبه قال ربيعة ومالك وداود لأنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ( أنه قالقال: لا تؤدى زكاة قبل حلول الحولالحول) ولأن الحول أحد شرطي الزكاةالزكاة, فلم يجز تقديم الزكاة عليه كالنصاب ولأن للزكاة وقتا فلم يجز تقديمها عليهعليه, كالصلاة ولنا ما روي على (أنأن العباس سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك وفي لفظلفظ: في تعجيل الزكاةالزكاة, فرخص له في ذلك رواه أبو داودداود) رواه أبو داود وقال يعقوب بن شيبةشيبة: هو أثبتها إسنادا وروى الترمذي عن على (عنعن النبي - صلى الله عليه وسلم- : أنه قال لعمرلعمر: إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام وفي لفظ قالقال: إنا كنا تعجلنا صدقة العباس لعامنا هذا عام أولأول) رواه سعيد عن عطاء وابن أبي مليكةمليكة, والحسن بن مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم- مرسلا ولأنه تعجيل لمال وجد سبب وجوبه قبل وجوبهوجوبه, فجاز كتعجيل قضاء الدين قبل حلول أجله وأداء كفارة اليمين بعد الحلف وقبل الحنثالحنث, وكفارة القتل بعد الجرح قبل الزهوق وقد سلم مالك تعجيل الكفارة وفارق تقديمها على النصابالنصاب, لأنه تقديم لها على سببها فأشبه تقديم الكفارة على اليمين وكفارة القتل على الجرحالجرح, ولأنه قد قدمها على الشرطين وهاهنا قدمها على أحدهما وقولهموقولهم: إن للزكاة وقتا قلناقلنا: الوقت إذا دخل في الشيء رفقا بالإنسان كان له أن يعجله ويترك الإرفاق بنفسهبنفسه, كالدين المؤجل وكمن أدى زكاة مال غائب وإن لم يكن على يقين من وجوبهاوجوبها, ومن الجائز أن يكون المال تالفا في ذلك الوقت وأما الصلاة والصيام فتعبد محض والتوقيت فيهما غير معقولمعقول, فيجب أن يقتصر عليهعليه.
فصلفصل:
وإن عجل زكاة نصاب من الماشية فتوالدت نصابا ثم ماتت الأمهات وحال الحول على النتاجالنتاج, أجزأ المعجل عنها لأنها دخلت في حول الأمهات وقامت مقامها فأجزأت زكاتها عنها فإذا كان عنده أربعون من الغنمالغنم, فعجل عنها شاة ثم توالدت أربعين سخلة وماتت الأمهاتالأمهات, وحال الحول على السخال أجزأت المعجلة عنها لأنها كانت مجزئة عنها وعن أمهاتها لو بقيتبقيت, فلأن تجزئ عن إحداهما أولى وإن كان عنده ثلاثون من البقر فعجل عنها تبيعا ثم توالدت ثلاثين عجلةعجلة, وماتت الأمهات وحال الحول على العجول احتمل أن يجزئ عنهاعنها, لأنها تابعة لها في الحول واحتمل أن لا يجزئ عنها لأنه لو عجل عنها تبيعا مع بقاء الأمهات لم يجزئ عنها فلأن لا يجزئ عنها إذا كان التعجيل عن غيرها أولى وهكذا الحكم في مائة شاة إذا عجل عنها شاة فتوالدت مائة ثم ماتت الأمهاتالأمهات, وحال الحول على السخال وإن توالد نصفها ومات نصف الأمهات وحال الحول على الصغار ونصف الكبارالكبار, فإن قلنا بالوجه الأول أجزأ المعجل عنهما جميعا وإن قلنا بالثاني فعليه في الخمسين سخلة شاة لأنها نصاب لم تؤد زكاته وليس عليه في العجول إذا كانت خمسة عشر شيءشيء, لأنها لم تبلغ نصابا وإنما وجبت الزكاة فيها بناء على أمهاتها التي عجلت زكاتها وإن ملك ثلاثين من البقر فعجل مسنة زكاة لها ولنتاجهاولنتاجها, فنتجت عشرا أجزأته عن الثلاثين دون العشر ووجب عليه في العشر ربع مسنة ويحتمل أن تجزئه المسنة المعجلة عن الجميع لأن العشر تابعة للثلاثين في الوجوب والحول فإنه لولا ملكه للثلاثين لما وجب عليه في العشر شيء فصارت الزيادة على النصاب منقسمة أربعة أقسامأقسام: أحدهاأحدها, ما لا يتبع في وجوب ولا حول وهو المستفاد من غير الجنس ولا يجزئ تعجيل زكاته قبل وجودهوجوده, وكمال نصابه بغير خلاف الثاني ما يتبع في الوجوب دون الحالالحال, وهو المستفاد من الجنس بسبب مستقل فلا يجزئ تعجيل زكاته أيضا قبل وجوده مع الخلاف في ذلك الثالثالثالث, ما يتبع في الحول دون الوجوب كالنتاج والربح إذا بلغ نصابا فإنه يتبع أصله في الحولالحول, فلا يجزئ التعجيل عنه قبل وجوده كالذي قبله الرابع ما يتبع في الوجوب والحولوالحول, وهو الربح والنتاج إذا لم يبلغ نصابا فهذا يحتمل وجهين أحدهما لا يجزئ تعجيل زكاته قبل وجودهوجوده, كالذي قبله والثانيوالثاني: يجزئ لأنه تابع له في الوجوب والحول فأشبه الموجودالموجود.
فصلفصل:
إذا عجل الزكاة لأكثر من حول ففيه روايتان إحداهماإحداهما, لا يجوز لأن النص لم يرد بتعجيلها لأكثر من حول والثانية يجوز وروي عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يخرج الرجل زكاة ماله قبل حلها لثلاث سنين لأنه تعجيل لها بعد وجود النصاب أشبه تقديمها على الحول الواحد وما لم يرد به النص يقاس على المنصوص عليه إذا كان في معناهمعناه, ولا نعلم له معنى سوى أنه تقديم للمال الذي وجد سبب وجوبه على شرط وجوبه وهذا متحقق في التقديم في الحولين كتحققه في الحول الواحد فعلى هذا إذا كان عنده أكثر من النصابالنصاب, فعجل زكاته لحولين جاز وإن كان قدر النصاب مثل من عنده أربعون شاة فعجل شاتين لحولين وكان المعجل من غيره جاز وإن أخرج شاة منه وشاة من غيره جاز عن الحول الأول ولم يجز عن الثاني لأن النصاب نقص فإن كمل بعد ذلك وصار إخراج زكاته وتعجيله لها قبل كمال نصابها وإن أخرج الشاتين جميعا من النصاب لم تجز الزكاة في الحول الأول إذا قلنا ليس له ارتجاع ما عجله لأنه كالتالف فيكون النصاب ناقصا فإن كمل بعد ذلك استؤنف الحول من حين كمل النصاب وكان ما عجله سابقا على كمال النصاب فلم يجز عنهعنه.
فصلفصل:
وإن عجل زكاة ماله فحال الحول والنصاب ناقص مقدار ما عجله أجزأت عنه ويكون حكم ما عجله حكم الموجود في ملكه يتم النصاب به فلو زاد ماله حتى بلغ النصاب أو زاد عليه وحال الحول أجزأ المعجل عن زكاته لما ذكرنا فإن نقص أكثر مما عجله فقد خرج بذلك من كونه سببا للزكاة مثل من له أربعون شاة فعجل شاة ثم تلفت أخرى فقد خرج عن كونه سببا للزكاة فإن زاد بعد ذلك إما بنتاج أو شراء ما يتم به النصاب استؤنف الحول من حين كمل النصاب ولم يجز ما عجله عنه لما ذكرنا وإن زاد بحيث يكون انضمامه إلى ما عجله يتغير به الفرضالفرض, مثل من له مائة وعشرون فعجل زكاتها شاة ثم حال الحول وقد أنتجت سخلة فإنه يلزمه إخراج شاة ثانية وبما ذكرناه قال الشافعي وقال أبو حنيفة ما عجله في حكم التالف فقال في المسألة الأولى لا تجب الزكاة ولا يكون المخرج زكاة وقال في هذه المسألة لا يجب عليه زيادة لأن ما عجله زال ملكه عنه فلم يحسب من ماله كما لو تصدق به تطوعا ولنا أن هذا نصاب تجب فيه الزكاة بحول الحول فجاز تعجيلها منه كما لو كان أكثر من أربعين ولأن ما عجله بمنزلة الموجود في إجزائه عن ماله فكان بمنزلة الموجود في تعلق الزكاة به ولأنها لو لم تعجل كان عليه شاتان فكذلك إذا عجلت لأن التعجيل إنما كان رفقا بالمساكين فلا يصير سببا لنقص حقوقهم والتبرع يخرج ما تبرع به عن حكم الموجود في ماله وهذا في حكم الموجود في الإجزاء عن الزكاة
فصلفصل:
وكل موضع قلنا لا يجزئه ما عجله عن الزكاة فإن كان دفعها إلى الفقراء مطلقا فليس له الرجوع فيها وإن كان دفعها بشرط أنها زكاة معجلة فهل له الرجوع على وجهين يأتي توجيههماتوجيههما.
فصلفصل:
فأما تعجيل العشر من الزرع والثمر فظاهر كلام القاضي أنه لا يجوز لأنه قال كل ما تتعلق الزكاة فيه بسببينبسببين: حول ونصاب جاز تعجيل زكاته فمفهوم هذا أنه لا يجوز تعجيل زكاة غيره لأن الزكاة معلقة بسبب واحد وهو ادراك الزرع والثمرة فإذا قدمها قدمها قبل وجود سببها لكن إن أداها بعد الإدراك وقبل يبس الثمرة وتصفية الحب جاز وقال أبو الخطاب يجوز إخراجها بعد وجود الطلع والحصرموالحصرم, ونبات الزرع ولا يجوز قبل ذلك لأن وجود الزرع واطلاع النخيل بمنزلة النصاب والإدراك بمنزلة حلول الحول فجاز تقديمها عليه وتعلق الزكاة بالإدراك لا يمنع جواز التعجيل بدليل أن زكاة الفطر يتعلق وجوبها بهلال شوالشوال, وهو زمن الوجوب فإذا ثبت هذا فإنه لا يجوز تقديمها قبل ذلك لأنه يكون قبل وجود سببهاسببها.
فصلفصل:
وإن عجل زكاة ماله ثم ماتمات, فأراد الوارث الاحتساب بها عن زكاة حوله لم يجز وذكر القاضي وجها في جوازه بناء على ما لو عجل زكاة عامين ولا يصح لأنه تعجيل للزكاة قبل وجود سببهاسببها, أشبه ما لو عجل زكاة نصاب لغيره ثم اشتراه وذلك لأن سبب الزكاة ملك النصابالنصاب, وملك الوارث حادث ولا يبني الوارث على حول الموروث ولأنه لم يخرج الزكاةالزكاة, وإنما أخرجها غيره عن نفسه وإخراج الغير عنه من غير ولاية ولا نيابة لا يجزئ ولو نوى فكيف إذا لم ينو وقد قال أصحابناأصحابنا: لو أخرج زكاته وقالوقال: إن كان مورثي قد مات فهذه زكاة مالهماله, فبان أنه قد مات لم يقع الموقع وهذا أبلغ ولا يشبه هذا تعجيل زكاة العامين لأنه عجل بعد وجود السببالسبب, وأخرجها بنفسه بخلاف هذا فإن قيلقيل: فإنه لما مات المورث قبل الحول كان للوارث ارتجاعهاارتجاعها, فإذا لم يرتجعها احتسب بها كالدين قلناقلنا: فلو أراد أن يحتسب الدين عن زكاته لم يصح ولو كان له عند رجل شاة من غصب أو قرض فأراد أن يحسبها عن زكاتهزكاته, لم تجزهتجزه.
مسألة:
مسألة:
قالقال: [ومنومن قدم زكاة ماله فأعطاها لمستحقها فمات المعطي قبل الحولالحول, أو بلغ الحول وهو غنى منها أو من غيرها أجزأت عنهعنه] وجملة ذلك أنه إذا دفع الزكاة المعجلة إلى مستحقهامستحقها, لم يخل من أربعة أقسامأقسام: أحدها أن لا يتغير الحال فإن المدفوع يقع موقعهموقعه, ويجزئ عن المزكي ولا يلزمه بدله ولا له استرجاعهاسترجاعه, كما لو دفعها بعد وجوبها الثانيالثاني: أن يتغير حال الآخذ لها بأن يموت قبل الحول أو يستغنييستغني, أو يرتد قبل الحول فهذا في حكم القسم الذي قبله وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يجزئ لأن ما كان شرطا للزكاة إذا عدم قبل الحول لم يجز كما لو تلف المالالمال, أو مات ربه ولنا أنه أدى الزكاة إلى مستحقها فلم يمنع الإجزاء تغير حالهحاله, كما لو استغنى بها ولأنه حق أداه إلى مستحقه فبرئ منهمنه, كالدين يعجله قبل أجله وما ذكروه منتقض بما إذا استغنى بها والحكم في الأصل ممنوعممنوع, ثم الفرق بينهما ظاهر فإن المال إذا تلف تبين عدم الوجوب فأشبه ما لو أدى إلى غريمه دراهم يظنها عليه فتبين أنها ليست عليهعليه, وكما لو أدى الضامن الدين فبان أن المضمون عنه قد قضاه وفي مسألتنا الحق واجبواجب, وقد أخذه مستحقه القسم الثالث أن يتغير حال رب المال قبل الحول بموته أو ردته أو تلف النصابالنصاب, أو نقصه أو بيعه فقال أبو بكربكر: لا يرجع بها على الفقيرالفقير, سواء أعلمه أنها زكاة معجلة أو لم يعلمه وقال القاضيالقاضي: وهو المذهب عندي لأنها وصلت إلى الفقير فلم يكن له ارتجاعها كما لو لم يعلمه ولأنها زكاة دفعت إلى مستحقهامستحقها, فلم يجز استرجاعها كما لو تغير حال الفقير وحده قال أبو عبد الله بن حامدحامد: إن كان الدافع لها الساعي استرجعها بكل حالحال, وإن كان الدافع رب المال وأعلمه أنها زكاة معجلة رجع بهابها, وإن أطلق لم يرجع بها وهذا مذهب الشافعي لأنه مال دفعه عما يستحقه القابض في الثاني فإذا طرأ ما يمنع الاستحقاق وجب رده كالأجرة إذا انهدمت الدار قبل السكنىالسكنى, أما إذا لم يعلمه فيحتمل أن يكون تطوعا ويحتمل أن يكون هبة فلم يقبل قوله في الرجوع فعلى قول ابن حامد إن كانت العين باقية لم تتغيرتتغير, أخذها وإن زادت زيادة متصلة أخذها بزيادتها لأنها تمنع في الفسوخالفسوخ, وإن كانت منفصلة أخذها دون زيادتها لأنها حدثت في ملك الفقير وإن كانت ناقصة رجع على الفقير بالنقص لأن الفقير قد ملكها بالنقص فكان نقصها عليهعليه, كالمبيع إذا نقص في يد المشترى ثم علم عيبه وإن كانت تالفة أخذ قيمتها يوم القبض لأن ما زاد بعد ذلك أو نقص فإنما هو في ملك الفقير فلم يضمنهيضمنه, كالصداق يتلف في يد المرأة القسم الرابع أن يتغير حالهما جميعا فحكمه حكم القسم الذي قبله سواءسواء.
فصلفصل:
إذا قال رب المالالمال: قد أعلمته أنها زكاة معجلةمعجلة, فلي الرجوع فأنكر الآخذ فالقول قول الآخذ لأنه منكر والأصل عدم الإعلام وعليه اليمين وإن مات الآخذ واختلف المخرج ووارث الآخذ فالقول قول الوارثالوارث, ويحلف أنه لا يعلم أن مورثه أعلم بذلك فأما من قال بعدم الاسترجاع فلا يمين ولا غيرهاغيرها.
فصلفصل:
إذا تسلف الإمام الزكاة فهلكت في يدهيده, فلا ضمان عليه وكانت من ضمان الفقراء ولا فرق بين أن يسأله ذلك رب المال أو الفقراء أو لم يسأله أحد لأن يده كيد الفقراء وقال الشافعيالشافعي: إن تسلفها من غير سؤال ضمنها لأن الفقراء رشدرشد, لا يولي عليهم فإذا قبض بغير إذنهم ضمن كالأب إذا قبض لابنه الكبير وإن كان بسؤالهم كان من ضمانهم لأنه وكيلهم فإذا كان بسؤال أرباب الأموالالأموال, لم يجزئهم الدفع وكان من ضمانهم لأنه وكيلهم وإن كان بسؤالهم ففيه وجهان أصحهماأصحهما, أنه من ضمان الفقراء ولنا أن للإمام ولاية على الفقراء بدليل جواز قبض الصدقة لهم بغير إذنهم سلفا وغيرهوغيره, فإذا تلفت في يده من غير تفريط لم يضمن كولي اليتيم إذا قبض له وما ذكروه يبطل بما إذا قبض الصدقة بعد وجوبهاوجوبها, وفارق الأب في حق ولده الكبير فإنه لا يجوز له القبض له لعدم ولايته عليه ولهذا يضمن ما قبضه له من الحق بعد وجوبهوجوبه.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( ولا يجوز إخراج الزكاة إلا بنية ) إلا أن يأخذها الإمام منه قهرا مذهب عامة الفقهاء أن النية شرط في أداء الزكاة إلا ما حكي عن الأوزاعي أنه قالقال: لا تجب لها النيةالنية, لأنها دين فلا تجب لها النية كسائر الديون ولهذا يخرجها ولي اليتيماليتيم, ويأخذها السلطان من الممتنع ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (إنماإنما الأعمال بالنياتبالنيات) وأداؤها عمل ولأنها عبادة تتنوع إلى فرض ونفلونفل, فافتقرت إلى النية كالصلاة وتفارق قضاء الدين فإنه ليس بعبادة ولهذا يسقط بإسقاط مستحقهمستحقه, وولي الصبي والسلطان ينوبان عند الحاجة فإذا ثبت هذا فإن النية أن يعتقد أنها زكاته أو زكاة من يخرج عنه كالصبي والمجنون ومحلها القلب لأن محل الاعتقادات كلها القلبالقلب.
فصلفصل:
ويجوز تقديم النية على الأداء بالزمن اليسيراليسير, كسائر العبادات ولأن هذه تجوز النيابة فيها فاعتبار مقارنة النية للإخراج يؤدي إلى التغرير بماله فإن دفع الزكاة إلى وكيلهوكيله, ونوى هو دون الوكيل جاز إذا لم تتقدم نيته الدفع بزمن طويل وإن تقدمت بزمن طويل لم يجز إلا أن يكون قد نوى حال الدفع إلى الوكيلالوكيل, ونوى الوكيل عند الدفع إلى المستحق ولو نوى الوكيل ولم ينو الموكل لم يجز لأن الفرض يتعلق به والإجزاء يقع عنه وإن دفعها إلى الإمام ناويا ولم ينو الإمام حال دفعها إلى الفقراءالفقراء, جاز وإن طال لأنه وكيل الفقراء ولو تصدق الإنسان بجميع ماله تطوعا ولم ينو به الزكاة لم يجزئه وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب أبي حنيفةحنيفة: يجزئه استحبابا ولا يصح لأنه لم ينو به الفرضالفرض, فلم يجزئه كما لو تصدق ببعضه وكما لو صلى مائة ركعة ولم ينو الفرض بهابها.
فصل:
فصل:
ولو كان له مال غائب فشك في سلامتهسلامته, جاز له إخراج الزكاة عنه وكانت نية الإخراج صحيحة لأن الأصل بقاؤه فإن نوى إن كان مالي سالما فهذه زكاته وإن كان تالفا فهي تطوع فبان سالماسالما, أجزأت نيته لأنه أخلص النية للفرض ثم رتب عليها النفل وهذا حكمها كما لو لم يقلهيقله, فإذا قاله لم يضر ولو قالقال: هذا زكاة مالي الغائب أو الحاضر صح لأن التعيين ليس بشرط بدليل أن من له أربعون دينارا إذا أخرج نصف دينار عنها صحصح, وإن كان ذلك يقع عن عشرين غير معينة وإن قالقال: هذا زكاة مالي الغائب أو تطوع لم يجزئه ذكره أبو بكر لأنه لم يخلص النية للفرض أشبه ما لو قالقال: أصلي فرضا أو تطوعا وإن قالقال: هذا زكاة مالي الغائب إن كان سالما وإلا فهو زكاة مالي الحاضر أجزأه عن السالم منهما وإن كانا سالمين فعن أحدهما لأن التعيين ليس بشرط وإن قالقال: زكاة مالي الغائب وأطلق فبان تالفاتالفا, لم يكن له أن يصرفه إلي زكاة غيره لأنه عينه فأشبه ما لو أعتق عبدا عن كفارة عينها فلم يقع عنها لم يكن له صرفه إلى كفارة أخرى هذا التفريع فيما إذا كانت المعينة مما لا يمنع إخراج زكاته في بلد رب المال إما لقربهلقربه, أو لكون البلد لا يوجد فيه أهل السهمان أو على الرواية التي تقول بإخراجها في بلد بعيد من بلد المال وإن كان له مورث غائب فقالفقال: إن كان مورثي قد مات فهذه زكاة ماله الذي ورثته منهمنه, فبان ميتا لم يجزئه ما أخرج لأنه يبنى على غير أصل فهو كما لو قال ليلة الشكالشك: إن كان غدا من رمضان فهو فرضيفرضي, وإن لم يكن فهو نفلنفل.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( إلا أن يأخذها الإمام منه قهرا ) مقتضى كلام الخرقي أن الإنسان متى دفع زكاته طوعا لم تجزئه إلا بنية سواء دفعها إلى الإمام أو غيرهغيره, وإن أخذها الإمام منه قهرا أجزأت من غير نية لأن تعذر النية في حقه أسقط وجوبها عنه كالصغير والمجنون وقال القاضيالقاضي: متى أخذها الإمام أجزأت من غير نية سواء أخذها طوعا أو كرها وهذا قول الشافعي لأن أخذ الإمام بمنزلة القسم بين الشركاءالشركاء, فلم يحتج إلى نية ولأن للإمام ولاية في أخذها ولذلك يأخذها من الممتنع اتفاقا ولو لم يجزئه لما أخذهاأخذها, أو لأخذها ثانيا وثالثا حتى ينفد ماله لأن أخذها إن كان لإجزائها فلا يحصل الإجزاء بدون النية وإن كان لوجوبها فالوجوب باق بعد أخذها واختار أبو الخطاب وابن عقيلعقيل: أنها لا تجزئ فيما بينه وبين الله تعالى إلا بنية رب المال لأن الإمام إما وكيله وإما وكيل الفقراءالفقراء, أو وكيلهما معا وأى ذلك كان فلا تجزئ نيته عن نية رب المال ولأن الزكاة عبادة تجب لها النيةالنية, فلا تجزئ عمن وجبت عليه بغير نية إن كان من أهل النية كالصلاة وإنما أخذت منه مع عدم الإجزاء حراسة للعلم الظاهر كالصلاة يجبر عليها ليأتي بصورتهابصورتها, ولو صلى بغير نية لم يجزئه عند الله تعالى قال ابن عقيلعقيل: ومعنى قول الفقهاءالفقهاء: يجزئ عنه أي في الظاهر بمعنى أنه لا يطالب بأدائها ثانيا كما قلنا في الإسلامالإسلام, فإن المرتد يطالب بالشهادة فمتى أتى بها حكم بإسلامه ظاهرا ومتى لم يكن معتقدا صحة ما يلفظ بهبه, لم يصح إسلامه باطنا قالقال: وقول أصحابناأصحابنا: لا تقبل توبة الزنديق معناهمعناه: لا يسقط عنه القتل الذي توجه عليه لعدم علمنا بحقيقة توبته لأن أكثر ما فيه أنه أظهر إيمانه وقد كان دهره يظهر إيمانه ويستر كفرهكفره, فأما عند الله عز وجل فإنها تصح إذا علم منه حقيقة الإنابة وصدق التوبة واعتقاد الحق ومن نصر قول الخرقيالخرقي, قالقال: إن للإمام ولاية على الممتنع فقامت نيته مقام نيته كولي اليتيم والمجنونوالمجنون, وفارق الصلاة فإن النيابة فيها لا تصح فلا بد من نية فاعلها وقولهوقوله: لا يخلو من كونه وكيلا له أو وكيلا للفقراءللفقراء, أو لهما قلناقلنا: بل هو وال على المالك وأما إلحاق الزكاة بالقسمة فغير صحيح فإن القسمة ليست عبادةعبادة, ولا يعتبر لها نية بخلاف الزكاةالزكاة.
فصلفصل:
ويستحب للإنسان أن يلي تفرقة الزكاة بنفسه ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقها سواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة قال الإمام أحمدأحمد: أعجب إلى أن يخرجهايخرجها, وإن دفعها إلى السلطان فهو جائز وقال الحسن ومكحول وسعيد بن جبير وميمون بن مهران يضعها رب المال في موضعها وقال الثوري احلف لهم وأكذبهم ولا تعطهم شيئاشيئا, إذا لم يضعوها مواضعها وقال لا تعطهمتعطهم: وقال عطاءعطاء: أعطهم إذا وضعوها مواضعها فمفهومه أنه لا يعطيهم إذا لم يكونوا كذلك وقال الشعبي وأبو جعفر إذا رأيت الولاة لا يعدلون فضعها في أهل الحاجة من أهلهاأهلها: وقال إبراهيم ضعوها في مواضعهامواضعها, وإن أخذها السلطان أجزأك وقال سعيدسعيد: أنبأنا أبو عوانة عن مهاجر أبي الحسن قالقال: أتيت أبا وائل وأبا بردة بالزكاة وهما على بيت المال فأخذاهافأخذاها, ثم جئت مرة أخرى فرأيت أبا وائل وحده فقال ليلي: ردها فضعها مواضعها وقد روى عن أحمد أنه قالقال: أما صدقة الأرض فيعجبني دفعها إلى السلطان وأما زكاة الأموال كالمواشي فلا بأس أن يضعها في الفقراء والمساكين فظاهر هذا أنه استحب دفع العشر خاصة إلى الأئمة وذلك لأن العشر قد ذهب قوم إلى أنه مئونة الأرضالأرض, فهو كالخراج يتولاه الأئمة بخلاف سائر الزكاة والذي رأيت في " الجامع " قالقال: أما صدقة الفطر فيعجبني دفعها إلى السلطان ثم قال أبو عبد الله قيل لابن عمر إنهم يقلدون بها الكلابالكلاب, ويشربون بها الخمور؟الخمور؟ قالقال: ادفعها إليهم وقال ابن أبي موسى وأبو الخطاب دفع الزكاة إلى الإمام العادل أفضل وهو قول أصحاب الشافعي وممن قالقال: يدفعها إلى الإمام الشعبي ومحمد بن علي وأبو رزين والأوزاعي لأن الإمام أعلم بمصارفهابمصارفها, ودفعها إليه يبرئه ظاهرا وباطنا ودفعها إلى الفقير لا يبرئه باطنا لاحتمال أن يكون غير مستحق لهالها, ولأنه يخرج من الخلاف وتزول عنه التهمة وكان ابن عمر يدفع زكاته إلى من جاءه من سعاة ابن الزبير أو نجدة الحروري وقد روي عن سهيل بن أبي صالحصالح, قالقال: أتيت سعد بن أبي وقاص فقلتفقلت: عندي مال وأريد أن أخرج زكاته وهؤلاء القوم على ما ترىترى, فما تأمرني؟تأمرني؟ قالقال: ادفعها إليهم فأتيت ابن عمر فقال مثل ذلك فأتيت أبا هريرة فقال مثل ذلكذلك, فأتيت أبا سعيد فقال مثل ذلك ويروى نحوه عن عائشة ـ رضي الله عنه ـا وقال مالك وأبو حنيفة وأبو عبيدعبيد: لا يفرق الأموال الظاهرة إلا الإمام لقول الله تعالى {خذخذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بهابها} [التوبةالتوبة: 103103]. ولأن أبا بكر طالبهم بالزكاة وقاتلهم عليهاعليها, وقالوقال: لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم عليها ووافقه الصحابة على هذا ولأن ما للإمام قبضه بحكم الولاية لا يجوز دفعه إلى المولى عليهعليه, كولي اليتيم وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا على جواز دفعها بنفسه أنه دفع الحق إلى مستحقه الجائز تصرفه فأجزأه كما لو دفع الدين إلى غريمهغريمه, وكزكاة الأموال الباطنة ولأنه أحد نوعي الزكاة فأشبه النوع الآخرالآخر, والآية تدل على أن للإمام أخذها ولا خلاف فيه ومطالبة أبي بكر لهم بها لكونهم لم يؤدوها إلى أهلهاأهلها, ولو أدوها إلى أهلها لم يقاتلهم عليها لأن ذلك مختلف في إجزائه فلا تجوز المقاتلة من أجله وإنما يطالب الإمام بحكم الولاية والنيابة عن مستحقيهامستحقيها, فإذا دفعها إليهم جاز لأنهم أهل رشد فجاز الدفع إليهم بخلاف اليتيم وأما وجه فضيلة دفعها بنفسهبنفسه, فلأنه إيصال الحق إلى مستحقه مع توفير أجر العمالة وصيانة حقهمحقهم, عن خطر الخيانة ومباشرة تفريج كربة مستحقها وإغنائه بهابها, مع إعطائها للأولى بها من محاويج أقاربه وذوي رحمه وصلة رحمه بهابها, فكان أفضل كما لو لم يكن آخذها من أهل العدل فإن قيلقيل: فالكلام في الإمام العادل إذ الخيانة مأمونة في حقه قلناقلنا: الإمام لا يتولى ذلك بنفسهبنفسه, وإنما يفوضه إلى نوابه فلا تؤمن منهم الخيانة ثم ربما لا يصل إلى المستحق الذي قد علمه المالك من أهله وجيرانه شيء منهامنها, وهم أحق الناس بصلته وصدقته ومواساته وقولهموقولهم: إن أخذ الإمام يبرئه ظاهرا وباطنا قلناقلنا: يبطل هذا بدفعها إلى غير العادل فإنه يبرئه أيضا وقد سلموا أنه ليس بأفضل ثم إن البراءة الظاهرة تكفي وقولهموقولهم: إنه تزول به التهمة قلناقلنا: متى أظهرها زالت التهمةالتهمة, سواء أخرجها بنفسه أو دفعها إلى الإمام ولا يختلف المذهب أن دفعها إلى الإمامالإمام, سواء كان عادلا أو غير عادل وسواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة ويبرأ بدفعها سواء تلفت في يد الإمام أو لم تتلفتتلف, أو صرفها في مصارفها أو لم يصرفها لما ذكرنا عن الصحابة ـ رضي الله عنه ـم ـ ولأن الإمام نائب عنهم شرعا فبرئ بدفعها إليه كولي اليتيم إذا قبضها لهله, ولا يختلف المذهب أيضا في أن صاحب المال يجوز أن يفرقها بنفسهبنفسه.
فصلفصل:
وإذا دفع الزكاة استحب أن يقوليقول: اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما ويحمد الله على التوفيق لأدائها فقد روي أبو هريرة قالقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : (إذاإذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها أن تقولواتقولوا: اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرمامغرما) أخرجه ابن ماجه ويستحب للآخذ أن يدعو لصاحبها فيقول آجرك الله فيما أعطيتأعطيت, وبارك لك فيما أنققت وجعله لك طهورا وإن كان الدفع إلى الساعي أو الإمام شكره ودعا لهله, قال الله تعالىتعالى: {خذخذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهملهم} [التوبةالتوبة: 103103]. (قالقال عبد الله بن أبي أوفىأوفى: كان أبي من أصحاب الشجرة وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا أتاه قوم بصدقتهم قالقال: اللهم صل على آل فلان فأتاه أبي بصدقتهبصدقته, فقالفقال: اللهم صل على آل أبي أوفىأوفى) متفق عليه والصلاة ها هنا الدعاء والتبريك وليس هذا بواجب لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- حين بعث معاذا إلى اليمن قالقال: (أعلمهمأعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهمفقرائهم) متفق عليه فلم يأمره بالدعاء ولأن ذلك لا يجب على الفقير المدفوع إليهإليه, فالنائب أولىأولى.
فصلفصل:
ويجوز دفع الزكاة إلى الكبير والصغير سواء أكل الطعام أو لم يأكل قال أحمد يجوز أن يعطي زكاته في أجر رضاع لقيط غيره هو فقير من الفقراء وعنهوعنه: لا يجوز دفعها إلا إلى من أكل الطعام قال المروذيالمروذي: كان أبو عبد الله لا يرى أن يعطى الصغير من الزكاةالزكاة, إلا أن يطعم الطعام والأول أصح لأنه فقير فجاز الدفع إليه كالذي طعمطعم, ولأنه يحتاج إلى الزكاة لأجر رضاعه وكسوته وسائر حوائجه فيدخل في عموم النصوص ويدفع الزكاة إلى وليه لأنه يقبض حقوقهحقوقه, وهذا من حقوقه فإن لم يكن له ولي دفعها إلى من يعني بأمره ويقوم به من أمه أو غيرها نص عليه أحمد وكذلك المجنون قال هارون الحمالالحمال: قلت لأحمد فكيف يصنع بالصغار؟بالصغار؟ قالقال: يعطى أولياؤهم فقلتفقلت: ليس لهم وليولي, قالقال: فيعطي من يعنى بأمرهم من الكبار فرخص في ذلك وقال مهنامهنا: سألت أبا عبد الله يعطى من الزكاة المجنون والذاهب عقله؟عقله؟ قالقال: نعم قلتقلت: من يقبضها له؟له؟ قالقال: وليه قلتقلت: ليس له ولي؟ولي؟ قال الذي يقوم عليه وإن دفعها إلى الصبي العاقل فظاهر كلام أحمد أنه يجزئه قال المروذي قلت لأحمد يعطى غلام يتيم من الزكاة؟الزكاة؟ قالقال: نعم قلتقلت: فإني أخاف أن يضيعه قالقال: يدفعه إلى من يقوم بأمره وقد روى الدارقطنيالدارقطني, بإسناده عن أبي جحيفة قالقال: (بعثبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فينا ساعيا فأخذ الصدقة من أغنيائنا فردها في فقرائنافقرائنا,) وكنت غلاما يتيما لا مال لي فأعطاني قلوصاقلوصا.
فصلفصل:
وإذا دفع الزكاة إلى من يظنه فقيرا لم يحتج إلى إعلامه أنها زكاة قال الحسن أتريد أن تقرعهتقرعه, لا تخبره؟تخبره؟ وقال أحمد بن الحسينالحسين: قلت لأحمدلأحمد: يدفع الرجل الزكاة إلى الرجل فيقولفيقول: هذا من الزكاة أو يسكت؟يسكت؟ قالقال: ولم يبكته بهذا القول؟القول؟ يعطيه ويسكت وما حاجته إلى أن يقرعه؟يقرعه؟.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( ولا يعطى من الصدقة المفروضة للوالدينللوالدين, وإن علوا ولا للولد وإن سفل ) قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدينالوالدين, في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته وتسقطها عنهعنه, ويعود نفعها إليه فكأنه دفعها إلى نفسه فلم تجزتجز, كما لو قضى بها دينه وقول الخرقي " للوالدين " يعني الأب والأم وقولهوقوله: " وإن علوا " يعني آباءهما وأمهاتهما وإن ارتفعت درجتهم من الدافعالدافع, كأبوى الأب وأبوى الأم وأبوى كل واحد منهممنهم, وإن علت درجتهم من يرث منهم ومن لا يرث وقولهوقوله: " والولد وإن سفل " يعنى وإن نزلت درجته من أولاده البنين والبنات الوارث وغير الوارث نص عليه أحمد فقالفقال: لا يعطى الوالدين من الزكاةالزكاة, ولا الولد ولا ولد الولد ولا الجد ولا الجدة ولا ولد البنت قال النبي - صلى الله عليه وسلم- (إنإن ابني هذا سيدسيد) يعني الحسنالحسن, فجعله ابنه ولأنه من عمودى نسبه فأشبه الوارث ولأن بينهما قرابة جزئية وبعضيةوبعضية, بخلاف غيرهاغيرها.
فصلفصل:
فأما سائر الأقارب فمن لا يورث منهم يجوز دفع الزكاة إليه سواء كان انتفاء الإرث لانتفاء سببهسببه, لكونه بعيد القرابة ممن لم يسم الله تعالى ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم- له ميراثا أو كان لمانع مثل أن يكون محجوبا عن الميراثالميراث, كالأخ المحجوب بالابن أو الأب والعم المحجوب بالأخ وابنه وإن نزل فيجوز دفع الزكاة إليه لأنه لا قرابة جزئية بينهما ولا ميراثميراث, فأشبها الأجانب وإن كان بينهما ميراث كالأخوين اللذين يرث كل واحد منهما الآخر ففيه روايتان إحداهماإحداهما: يجوز لكل واحد منهما دفع زكاته إلى الآخر وهي الظاهرة عنهعنه, رواها عنه الجماعة قال في رواية إسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن منصورمنصور, وقد سألهسأله: يعطى الأخ والأخت والخالة من الزكاة؟الزكاة؟ قالقال: يعطى كل القرابة إلا الأبوين والولد وهذا قول أكثر أهل العلم قال أبو عبيد هو القول عندي لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (الصدقةالصدقة على المسكين صدقة وهي لذي الرحم اثنان صدقة وصلةوصلة) فلم يشترط نافلة ولا فريضة ولم يفرق بين الوارث وغيره ولأنه ليس من عمودي نسبهنسبه, فأشبه الأجنبي والرواية الثانية لا يجوز دفعها إلى الموروث وهو ظاهر قول الخرقي لقولهلقوله: ولا لمن تلزمه مؤنته " وعلى الوارث مؤنة الموروث لأنه يلزمه مؤنته فيغنيه بزكاته عن مؤنتهمؤنته, ويعود نفع زكاته إليه فلم يجز كدفعها إلى والدهوالده, أو قضاء دينه بها والحديث يحتمل صدقة التطوع فيحمل عليها فعلى هذا إن كان أحدهما يرث الآخر ولا يرثه الآخرالآخر, كالعمة مع ابن أخيها والعتيق مع معتقه فعلى الوارث منهما نفقة مورثهمورثه, وليس له دفع زكاته إليه وليس على الموروث منهما نفقة وارثه ولا يمنع من دفع زكاته إليهإليه, لانتفاء المقتضي للمنع ولو كان الأخوان لأحدهما ابن والآخر لا ولد له فعلى أبي الابن نفقة أخيهأخيه, وليس له دفع زكاته إليه وللذي لا ولد له له دفع زكاته إلى أخيهأخيه, ولا يلزمه نفقته لأنه محجوب عن ميراثه ونحو هذا قول الثوري فأما ذوو الأرحام في الحال التي يرثون فيها فيجوز دفعها إليهم في ظاهر المذهب لأن قرابتهم ضعيفةضعيفة, لا يرث بها مع عصبة ولا ذي فرض غير أحد الزوجينالزوجين, فلم تمنع دفع الزكاة كقرابة سائر المسلمين فإن ماله يصير إليهم إذا لم يكن له وارثوارث.
مسألة:
مسألة:
قالقال: [ولاولا للزوجللزوج, ولا للزوجةللزوجة] أما الزوجة فلا يجوز دفع الزكاة إليها إجماعا قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة وذلك لأن نفقتها واجبة عليه فتستغني بها عن أخذ الزكاة فلم يجز دفعها إليهاإليها, كما لو دفعها إليها على سبيل الإنفاق عليها وأما الزوج ففيه روايتانروايتان: إحداهما لا يجوز دفعها إليه وهو اختيار أبي بكر ومذهب أبي حنيفة لأنه أحد الزوجينالزوجين, فلم يجز للآخر دفع زكاته إليه كالآخر ولأنها تنتفع بدفعها إليه لأنه إن كان عاجزا عن الإنفاق عليها تمكن بأخذ الزكاة من الإنفاقالإنفاق, فيلزمه وإن لم يكن عاجزا ولكنه أيسر بهابها, لزمته نفقة الموسرين فتنتفع بها في الحالين فلم يجز لها ذلكذلك, كما لو دفعتها في أجرة دار أو نفقة رقيقها أو بهائمها فإن قيلقيل: فيلزم على هذا الغريم فإنه يجوز له دفع زكاته إلى غريمه ويلزم الآخذ بذلك وفاء دينه فينتفع الدافع بدفعها إليه قلناقلنا: الفرق بينهما من وجهينوجهين: أحدهماأحدهما, أن حق الزوجة في النفقة آكد من حق الغريم بدليل أن نفقة المرأة مقدمة في مال المفلس على أداء دينه وأنها تملك أخذها من ماله بغير علمهعلمه, إذا امتنع من أدائها والثاني أن المرأة تنبسط في مال زوجها بحكم العادة ويعد مال كل واحد منهما مالا للآخرللآخر, ولهذا قال ابن مسعود في عبد سرق مرآة امرأة سيدهسيده: عبدكم سرق مالكم ولم يقطعه وروى ذلك عن عمر وكذلك لا تقبل شهادة كل واحد منهما لصاحبه بخلاف الغريم مع غريمه والرواية الثانية يجوز لها دفع زكاتها إلى زوجها وهو مذهب الشافعي وابن المنذر وطائفة من أهل العلم (لأنلأن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت يا نبي اللهالله, إنك أمرت اليوم بالصدقة وكان عندي حلى لي فأردت أن أتصدق بهبه, فزعم ابن مسعود أنه هو وولده أحق من تصدقت عليهم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهمعليهم) رواه البخاري وروى (أنأن امرأة عبد الله سألت النبي - صلى الله عليه وسلم- عن بني أخ لها أيتام في حجرها أفتعطيهم زكاتها؟زكاتها؟ قالقال: نعمنعم) وروى الجوزجانيالجوزجاني, بإسناده عن عطاء قالقال: (أتتأتت النبي - صلى الله عليه وسلم- امرأة فقالتفقالت: يا رسول الله إن على نذرا أن أتصدق بعشرين درهمادرهما, وإن لي زوجا فقيرا أفيجزئ عنى أن أعطيه؟أعطيه؟ قالقال: نعم لك كفلان من الأجرالأجر) ولأنه لا تجب نفقتهنفقته, فلا يمنع دفع الزكاة إليه كالأجنبي ويفارق الزوجةالزوجة, فإن نفقتها واجبة عليه ولأن الأصل جواز الدفع لدخول الزوج في عموم الأصناف المسمين في الزكاة وليس في المنع نص ولا إجماع وقياسه على من ثبت المنع في حقه غير صحيح لوضوح الفرق بينهمابينهما, فيبقى جواز الدفع ثابتا والاستدلال بهذا أقوى من الاستدلال بالنصوص لضعف دلالتها فإن الحديث الأول في صدقة التطوعالتطوع, لقولهالقولها: أردت أن أتصدق بحلى لي ولا تجب الصدقة بالحلى وقول النبي - صلى الله عليه وسلم- (زوجكزوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهمعليهم) والولد لا تدفع إليه الزكاة والحديث الثاني ليس فيه ذكر الزوجالزوج, وذكر الزكاة فيه غير محفوظ قال أحمد من ذكر الزكاة فهو عندي غير محفوظ إنما ذاك صدقة من غير الزكاة كذا قال الأعمش فأما الحديث الآخر فهو مرسلمرسل, وهو في النذرالنذر.
فصل:
فصل:
فإن كان في عائلته من لا يجب عليه الإنفاق عليه كيتيم أجنبي فظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز له دفع زكاته إليه لأنه ينتفع بدفعها إليه لإغنائه بها عن مؤنته والصحيحوالصحيح, إن شاء الله جواز دفعها إليه لأنه داخل في أصناف المستحقين للزكاة ولم يرد في منعه نص ولا إجماع ولا قياس صحيحصحيح, فلا يجوز إخراجه من عموم النص بغير دليل وإن توهم أنه ينتفع بدفعها إليه قلناقلنا: قد لا ينتفع بهبه, فإنه يصرفها في مصالحه التي لا يقوم بها الدافع وإن قدر الانتفاع فإنه نفع لا يسقط به واجب عليه ولا يجتلب به مال إليهإليه, فلم يمنع ذلك الدفع كما لو كان يصله تبرعا من غير أن يكون من عائلتهعائلته.
فصلفصل:
وليس لمخرج الزكاة شراؤها ممن صارت إليه وروي ذلك عن الحسن وهو قول قتادة ومالك قال أصحاب مالكمالك: فإن اشتراها لم ينقض البيع وقال الشافعي وغيرهوغيره: يجوز لقول النبيالنبي: - صلى الله عليه وسلم- (لالا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة رجل ابتاعها بمالهبماله) وروى سعيدسعيد, في " سننه " (أنأن رجلا تصدق على أمه بصدقة ثم ماتت فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم- فقالفقال: قد قبل الله صدقتك وردها إليك الميراثالميراث) وهذا في معنى شرائها ولأن ما صح أن يملك إرثاإرثا, صح أن يملك ابتياعا كسائر الأموال ولنا ما روى عمر (أنهأنه قالقال: حملت على فرس في سبيل اللهالله, فأضاعه الذي كان عنده وظننت أنه بائعه برخص فأردت أن أشتريهأشتريه, فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقالفقال: لا تبتعه ولا تعد في صدقتك ولو أعطاكه بدرهم فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئهقيئه) متفق عليه فإن قيلقيل: يحتمل أنها كانت حبيسا في سبيل الله فمنعه لذلك قلناقلنا: لو كانت حبيسا لما باعها الذي هي في يده ولا هم عمر بشرائهابشرائها, بل كان ينكر على البائع ويمنعه فإنه لم يكن يقر على منكر فكيف يفعلهيفعله, ويعين عليه ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- ما أنكر بيعها إنما أنكر على عمر الشراء معللا بكونه عائدا في الصدقة الثانيالثاني, أننا نحتج بعموم اللفظ من غير نظر إلى خصوص السبب فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- قالقال: (لالا تعد في صدقتكصدقتك) أي بالشراء فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه والأخذ بعموم اللفظ أولى من التمسك بخصوص السبب فإن قيلقيل: فإن اللفظ لا يتناول الشراء فإن العود في الصدقة ارتجاعها بغير عوض وفسخ للعقدللعقد, كالعود في الهبة والدليل على هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم- (العائدالعائد في هبته كالعائد في قيئهقيئه) ولو وهب إنسانا شيئا ثم اشتراه منهمنه, جاز قلناقلنا: النبي - صلى الله عليه وسلم- ذكر ذلك جوابا لعمر حين سأله عن شراء الفرس فلو لم يكن اللفظ متناولا للشراء المسئول عنه لم يكن مجيبا له ولا يجوز إخراج خصوص السبب من عموم اللفظ لئلا يخلو السؤال عن الجوابالجواب, وقد روى عن جابر أنه قالقال: إذا جاء المصدق فادفع إليه صدقتك ولا تشترها فإنهم كانوا يقولونيقولون: ابتعها فأقولفأقول: إنما هي لله وعن ابن عمر أنه قالقال: لا تشتر طهور مالك ولأن في شرائه لها وسيلة إلى استرجاع شيء منها لأن الفقير يستحى منهمنه, فلا يماكسه في ثمنها وربما رخصها له طمعا في أن يدفع إليه صدقة أخرى وربما علم أنه إن لم يبعه إياها استرجعها منه أو توهم ذلكذلك, وما هذا سبيله ينبغي أن يجتنب كما لو شرط عليه أن يبيعه إياها وهو أيضا ذريعة إلى إخراج القيمة وهو ممنوع من ذلك أما حديثهم فنقول بهبه, وأنها ترجع إليه بالميراث وليس هذا محل النزاع قال ابن عبد البر كل العلماء يقولونيقولون: إذا رجعت إليه بالميراث طابت له إلا ابن عمر والحسن بن حي وليس البيع في معنى الميراث لأن الملك ثبت بالميراث حكما بغير اختياره وليس بوسيلة إلى شيء مما ذكرناذكرنا, والحديث الآخر مرسل وهو عام وحديثنا خاص صحيحصحيح, فالعمل به أولى من كل وجهوجه.
فصلفصل:
فإن دعت الحاجة إلى شراء صدقته مثل أن يكون الفرض جزءا من حيوان لا يمكن الفقير الانتفاع بعينه ولا يجد من يشتريه سوى المالك لباقيهلباقيه, ولو اشتراه غيره لتضرر المالك بسوء المشاركة أو إذا كان الواجب في ثمرة النخل والكرم عنبا ورطبا فاحتاج الساعي إلى بيعها قبل الجذاذالجذاذ, فقد ذكر القاضي أنه يجوز بيعها من رب المال في هذا الموضع وكذلك يجيء في الصورة الأولى وفي كل موضع دعت الحاجة إلى شرائه لها لأن المنع من الشراء في محل الوفاق إنما كان لدفع الضرر عن الفقير والضرر عليه في منع البيع ها هنا أعظمأعظم, فدفعه بجواز البيع أولىأولى.
فصلفصل:
قال مهنامهنا: سألت أبا عبد الله عن رجل له على رجل دين برهن وليس عنده قضاؤه ولهذا الرجل زكاة مال يريد أن يفرقها على المساكين فيدفع إليه رهنه ويقول لهله: الدين الذي لي عليك هو لك ويحسبه من زكاة ماله قالقال: لا يجزئه ذلك فقلت لهله: فيدفع إليه من زكاتهزكاته, فإن رده إليه قضاء مما له أخذه؟أخذه؟ فقالفقال: نعم وقال في موضع آخر وقيل لهله: فإن أعطاهأعطاه, ثم رده إليه؟إليه؟ قالقال: إذا كان بحيلة فلا يعجبني قيل لهله: فإن استقرض الذي عليه الدين دراهم فقضاه إياها ثم ردها عليه وحسبها من الزكاة؟الزكاة؟ فقالفقال: إذا أراد بها إحياء ماله فلا يجوز فحصل من كلامه أن دفع الزكاة إلى الغريم جائزجائز, سواء دفعها ابتداء أو استوفي حقه ثم دفع ما استوفاه إليه إلا أنه متى قصد بالدفع إحياء مالهماله, أو استيفاء دينه لم يجز لأن الزكاة لحق الله تعالى فلا يجوز صرفها إلى نفعهنفعه, ولا يجوز أن يحتسب الدين الذي له من الزكاة قبل قبضه لأنه مأمور بأدائها وإيتائها وهذا إسقاط والله أعلمأعلم.
مسألة:
مسألة:
قالقال: [ولاولا لكافرلكافر, ولا لمملوكلمملوك] لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن زكاة الأموال لا تعطى لكافر ولا لمملوك قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الذمي لا يعطى من زكاة الأموال شيئا (ولأنولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذلمعاذ: أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهمفقرائهم) فخصهم بصرفها إلى فقرائهم كما خصهم بوجوبها على أغنيائهم وأما المملوك فلا يملكها بدفعها إليهإليه, وما يعطاه فهو لسيده فكأنه دفعها إلى سيده ولأن العبد يجب على سيده نفقتهنفقته, فهو غنى بغناهبغناه.
مسألة:
مسألة:
قالقال: [إلاإلا أن يكونوا من العاملين عليها فيعطون بحق ما عملواعملوا] وجملته أنه يجوز للعامل أن يأخذ عمالته من الزكاة سواء كان حرا أو عبدا وظاهر كلام الخرقي أنه يجوز أن يكون كافراكافرا, وهذه إحدى الروايتين عن أحمد لأن الله تعالى قال {والعاملينوالعاملين عليهاعليها} [التوبةالتوبة: 6060]. وهذا لفظ عام يدخل فيه كل عامل على أي صفة كان ولأن ما يأخذ على العمالة أجرة عمله فلم يمنع من أخذه كسائر الإجارات والرواية الأخرى لا يجوز أن يكون العامل كافرا لأن من شرط العامل أن يكون أميناأمينا, والكفر ينافي الأمانة ويجوز أن يكون غنيا وذا قرابة لرب المال وقولهوقوله: " بحق ما عملوا " يعني يعطيهم بقدر أجرتهم والإمام مخير إذا بعث عاملا إن شاء استأجره إجارة صحيحة ويدفع إليه ما سميى لهله, وإن شاء بعثه بغير إجارة ويدفع إليه أجر مثله وهذا كان المعروف على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فإنه لم يبلغنا أنه قاطع أحدا من العمال على أجر وقد روى أبو داودداود, بإسناده عن ابن الساعدي قالقال: (استعملنياستعملني عمر على الصدقة فلما فرغت منها وأديتها إليهإليه, أمر لي بعمالة فقلت إنما عملت لله وأجرى على الله قالقال: خذ ما أعطيت فإني قد عملت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فعملنيفعملني, فقلت مثل قولك فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : إذا أعطيت شيئا من غير أن تسأله فكل وتصدقوتصدق)
فصلفصل:
ويعطي منها أجر الحاسب والكاتب والحاشر والخازن والحافظ والراعي ونحوهم فكلهم معدودون من العاملين ويدفع إليهم من حصة العاملين عليهاعليها, فأما أجر الوزان والكيال ليقبض الساعي الزكاة فعلى رب المال لأنه من مؤنة دفع الزكاةالزكاة.
فصلفصل:
ولا يعطي الكافر من الزكاة إلا لكونه مؤلفًا على ما سنذكرهسنذكره, ويجوز أن يعطى الإنسان ذا قرابته من الزكاة لكونه غازيا أو مؤلفا أو غارما في إصلاح ذات البينالبين, أو عاملا ولا يعطى لغير ذلك وقد روى أبو داود بإسناده عن عطاء بن يسار عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قالقال: (لالا تحل الصدقة لغنيلغني, إلا لخمسةلخمسة: لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارملغارم, أو رجل ابتاعها بماله أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكينالمسكين, فأهدى المسكين إلى الغنيالغني) ورواه أيضا عن عطاء عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- .
فصلفصل:
وإن اجتمع في واحد أسباب تقتضي الأخذ بها جاز أن يعطى بهابها, فالعامل الفقير له أن يأخذ عمالته فإن لم تغنه فله أن يأخذ ما يتم به غناه فإن كان غازيا فله أخذ ما يكفيه لغزوهلغزوه, وإن كان غارما أخذ ما يقضى به غرمه لأن كل واحد من هذه الأسباب يثبت حكمه بانفراده فوجود غيره لا يمنع ثبوت حكمه كما لم يمنع وجودهوجوده, وقد روي عن أحمد أنه قالقال: إذا كان له مائتان وعليه مثلها لا يعطى من الزكاة لأن المغني خمسون درهما وهذا يدل على أنه يعتبر في الدفع إلى الغارم أن يكون فقيرا فإذا أعطي لأجل الغرم وجب صرفه إلى قضاء الدين وإن أعطي للفقير جاز أن يقضي به دينهدينه.
مسألة:
مسألة:
قالقال: (ولاولا لبني هاشمهاشم) لا نعلم خلافًا في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضةالمفروضة, وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم- (إنإن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناسالناس) أخرجه مسلم وعن أبي هريرة قالقال: (أخذأخذ الحسن تمرة من تمر الصدقةالصدقة, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : كخ كخ ليطرحها وقالوقال: أما شعرت أنا لا نأكل الصدقةالصدقة) متفق عليهعليه.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( ولا لمواليهم ) يعني أن موالي بني هاشم وهم من أعتقهم هاشميهاشمي, لا يعطون من الزكاة وقال أكثر العلماءالعلماء: يجوز لأنهم ليسوا بقرابة النبي - صلى الله عليه وسلم- فلم يمنعوا الصدقة كسائر الناس ولأنهم لم يعوضوا عنها بخمس الخمس فإنهم لا يعطون منهمنه, فلم يجز أن يحرموها كسائر الناس ولنا ما روى أبو رافع (أنأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافعرافع: اصحبني كيما تصيب منها فقالفقال: لا حتى آتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأسأله فانطلق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فسأله فقالفقال: إنا لا تحل لنا الصدقةالصدقة, وإن موالي القوم منهممنهم) أخرجه أبو داود والنسائي والترمذيوالترمذي, وقالوقال: حديث حسن صحيح ولأنهم ممن يرثهم بنو هاشم بالتعصيب فلم يجز دفع الصدقة إليهم كبني هاشم وقولهموقولهم: إنهم ليسوا بقرابة قلناقلنا: هم بمنزلة القرابة بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (الولاءالولاء لحمة كلحمة النسبالنسب) وقولهوقوله: (مواليموالي القوم منهممنهم) وثبت فيهم حكم القرابة من الإرث والعقل والنفقةوالنفقة, فلا يمتنع ثبوت حكم تحريم الصدقة فيهمفيهم.
فصلفصل:
فأما بنو المطلب فهل لهم الأخذ من الزكاة؟الزكاة؟ على روايتينروايتين: إحداهما ليس لهم ذلك نقلها عبد الله بن أحمد وغيره لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (إناإنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام إنما نحن وهم شيء واحدواحد) وفي لفظ رواه الشافعي في " مسنده ":: (إنماإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحدواحد) وشبك بين أصابعه ولأنهم يستحقون من خمس الخمس فلم يكن لهم الأخذ كبني هاشمهاشم, وقد أكد ما روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم- علل منعهم الصدقة باستغنائهم عنها بخمس الخمس فقالفقال: (أليسأليس في خمس الخمس ما يغنيكم؟يغنيكم؟) والرواية الثانية لهم الأخذ منها وهو قول أبي حنيفة لأنهم دخلوا في عموم قوله تعالىتعالى: {إنماإنما الصدقات للفقراء والمساكينوالمساكين} [التوبةالتوبة: 6060]. الآية لكن خرج بنو هاشم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (إنإن الصدقة لا تنبغي لآل محمدمحمد) فيجب أن يختص المنع بهمبهم, ولا يصح قياس بني المطلب على بني هاشم لأن بني هاشم أقرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- وأشرف وهم آل النبي - صلى الله عليه وسلم- ومشاركة بني المطلب لهم في خمس الخمس ما استحقوه بمجرد القرابة بدليل أن بني عبد شمس وبني نوفل يساوونهم في القرابةالقرابة, ولم يعطوا شيئا وإنما شاركوهم بالنصرة أو بهما جميعاجميعا, والنصرة لا تقتضي منع الزكاةالزكاة.
فصلفصل:
وروى الخلال بإسناده عن ابن أبي مليكة أن خالد بن سعيد بن العاص بعث إلى عائشة سفرة من الصدقة فردتهافردتها, وقالتوقالت: إنا آل محمد - صلى الله عليه وسلم- لا تحل لنا الصدقة وهذا يدل على تحريمها على أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- .
فصلفصل:
وظاهر قول الخرقي ها هنا أن ذوي القربى يمنعون الصدقة وإن كانوا عاملينعاملين, وذكر في باب قسم الفيء والصدقة ما يدل على إباحة الأخذ لهم عمالة وهو قول أكثر أصحابنا لأن ما يأخذونه أجر فجاز لهم أخذه كالحمال وصاحب المخزن إذا أجرهم مخزنه ولناولنا, حديث أبي رافع وقد ذكرناه وما روى مسلم بإسناده (أنهأنه اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلبالمطلب, فقالافقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فكلماه فأمرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدي الناسالناس, وأصابا ما يصيب الناس؟الناس؟ فبينما هما في ذلك إذ جاء علي بن أبي طالب فوقف عليهما فذكرا له ذلكذلك, قال عليعلي: لا تفعلا فوالله ما هو بفاعل فانتحاه ربيعة بن الحارث فقالفقال: والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا قالقال: فألقى على رداءه ثم اضطجع ثم قالقال: أنا أبو الحسن والله لا أريم مكاني حتى يرجع إليكما ابناكما بخبر ما بعثتما به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فذكر الحديث إلى أن قالقال: فأتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقالافقالا: يا رسول اللهالله, أنت أبو الناس وأوصل الناس وقد بلغنا النكاحالنكاح, فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات فنؤدي إليك كما يؤدي الناس ونصيب كما يصيبون فسكت طويلا ثم قالقال: إن هذه الصدقة لا تنبغي لآل محمدمحمد, إنما هي أوساخ الناس وفي لفظ أنه قالقال: إن الصدقة إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمدمحمد) .
فصلفصل:
ويجوز لذوي القربى الأخذ من صدقة التطوع قال أحمد في رواية ابن القاسمالقاسم: إنما لا يعطون من الصدقة المفروضةالمفروضة, فأما التطوع فلا وعن أحمد رواية أخرىأخرى: أنهم يمنعون صدقة التطوع أيضا لعموم قوله عليه السلامالسلام: (إناإنا لا تحل لنا الصدقةالصدقة) والأول أظهر فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- قالقال: (المعروفالمعروف كله صدقةصدقة) متفق عليه وقال الله تعالىتعالى: {فمن تصدق به فهو كفارة لهله} [المائدة: 45]. وقال تعالىتعالى: {فنظرةفنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمونتعلمون} [البقرة: 280]. ولا خلاف في إباحة المعروف إلى الهاشميالهاشمي, والعفو عنه وإنظاره وقال إخوة يوسفيوسف: {وتصدقوتصدق عليناعلينا} والخبر أريد به صدقة الفرض لأن الطلب كان لها والألف واللام تعود إلى المعهود وروى جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقلت لهله: أتشرب من الصدقة؟الصدقة؟ فقالفقال: إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة ويجوز أن يأخذوا من الوصايا للفقراءللفقراء, ومن النذور لأنهما تطوع فأشبه ما لو وصى لهم وفي الكفارة وجهانوجهان: أحدهما يجوز لأنها ليست بزكاة ولا هي أوساخ الناسالناس, فأشبهت صدقة التطوع والثاني لا يجوز لأنها واجبة أشبهت الزكاةالزكاة.
فصلفصل:
وكل من حرم صدقة الفرض من الأغنياء وقرابة المتصدق والكافر وغيرهم يجوز دفع صدقة التطوع إليهمإليهم, ولهم أخذها قال الله تعالىتعالى: {ويطعمونويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيراوأسيرا} [الإنسانالإنسان: 88]. ولم يكن الأسير يومئذ إلا كافرا وعن أسماء بنت أبي بكربكر, ـ رضي الله عنهـا ـ قالتقالت: (قدمتقدمت على أمي وهي مشركة فقلتفقلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إن أمي قدمت على وهي راغبةراغبة, أفأصلها؟أفأصلها؟ قالقال: نعم صلى أمكأمك) وكسا عمر أخا له حلة كان النبي - صلى الله عليه وسلم- أعطاه إياها وعن أبي مسعود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قالقال: (إذاإذا أنفق المسلم على أهلهأهله, وهو يحتسبها فهي له صدقةصدقة) متفق عليه وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- لسعدلسعد: (إنإن نفقتك على أهلك صدقة وإن ما تأكل امرأتك صدقةصدقة) متفق عليهعليه.
فصلفصل:
فأما النبي - صلى الله عليه وسلم- فالظاهر أن الصدقة جميعها كانت محرمة عليهعليه, فرضها ونفلها لأن اجتنابها كان من دلائل نبوته وعلاماتها فلم يكن ليخل بذلك وفي حديث إسلام سلمان الفارسيالفارسي, أن الذي أخبره عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ووصفه قالقال: (إنهإنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقةالصدقة) وقال أبو هريرةهريرة: (كانكان النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا أتى بطعام سأل عنه؟عنه؟ فإن قيل صدقة قال لأصحابهلأصحابه: كلوا ولم يأكليأكل, وإن قيلقيل: هدية ضرب بيده فأكل معهممعهم) أخرجه البخاري (وقالوقال النبي - صلى الله عليه وسلم- في لحم تصدق به على بريرةبريرة: هو عليها صدقة وهو لنا هديةهدية) وقال عليه السلامالسلام: (إنيإني لأنقلب إلى أهليأهلي, فأجد التمرة ساقطة على فراشى في بيتي فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقةصدقة, فألقيهافألقيها) رواه مسلم وقالوقال: (إناإنا لا تحل لنا الصدقةالصدقة) ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان أشرف الخلق وكان له من المغانم خمس الخمس والصفى فحرم نوعي الصدقة فرضها ونفلهاونفلها, وآله دونه في الشرف ولهم خمس الخمس وحده فحرموا أحد نوعيهانوعيها, وهو الفرض وقد روى عن أحمد أن صدقة التطوع لم تكن محرمة عليه قال الميمونيالميموني: سمعت أحمد يقوليقول: الصدقة لا تحل للنبي - صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته صدقة الفطر وزكاة الأموال والصدقة يصرفها الرجل على محتاج يريد بها وجه الله تعالىتعالى, فأما غير ذلك فلا أليس يقاليقال: كل معروف صدقة؟صدقة؟ وقد كان يهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم- ويستقرض فليس ذلك من جنس الصدقة على وجه الحاجة والصحيح أن هذا لا يدل على إباحة الصدقة لهله, إنما أراد أن ما ليس من صدقة الأموال على الحقيقة كالقرض والهدية وفعل المعروف غير محرم عليهعليه, لكن فيه دلالة على التسوية بينه وبين آله في تحريم صدقة التطوع عليهم لقوله بأن الصدقة على المحتاج يريد بها وجه الله محرمة عليهما وهذا هو صدقة التطوع فصارت الروايتان في تحريم صدقة التطوع على آله والله أعلمأعلم.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( ولا لغنيلغني, وهو الذي يملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب ) يعني لا يعطى من سهم الفقراء والمساكين غنى ولا خلاف في هذا بين أهل العلم وذلك لأن الله تعالى جعلها للفقراء والمساكينوالمساكين, والغنى غير داخل فيهم وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم- لمعاذلمعاذ: (أعلمهمأعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم وقالوقال: لا حظ فيها لغنيلغني, ولا لقوي مكتسب وقالوقال: لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سويسوي) أخرجه أبو داود والترمذيوالترمذي, وقالوقال: حديث حسن ولأن أخذ الغني منها يمنع وصولها إلى أهلها ويخل بحكمة وجوبها وهو إغناء الفقراء بها واختلف العلماء في الغنى المانع من أخذها ونقل عن أحمد فيه روايتانروايتان: أظهرهماأظهرهما, أنه ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب أو وجود ما تحصل به الكفاية على الدوام من كسبكسب, أو تجارة أو عقار أو نحو ذلك ولو ملك من العروضالعروض, أو الحبوب أو السائمة أو العقار ما لا تحصل به الكفايةالكفاية, لم يكن غنيا وإن ملك نصابا هذا الظاهر من مذهبهمذهبه, وهو قول الثوري والنخعي وابن المبارك وإسحاق وروى عن على وعبد الله أنهما قالاقالا: لا تحل الصدقة لمن له خمسون درهما أو عدلهاعدلها, أو قيمتها من الذهب وذلك لما روى عبد الله بن مسعود قالقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : (منمن سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خموشا أو خدوشاخدوشا, أو كدوحا في وجهه فقيلفقيل: يا رسول الله ما الغنى؟الغنى؟ قال خمسون درهما أو قيمتها من الذهبالذهب) رواه أبو داودداود, والترمذي وقالوقال: حديث حسن فإن قيلقيل: هذا يرويه حكيم بن جبير وكان شعبة لا يروى عنهعنه, وليس بقوي في الحديث قلناقلنا: قد قال عبد الله بن عثمان لسفيانلسفيان: حفظي أن شعبة لا يروى عن حكيم بن جبير فقال سفيانسفيان: حدثناه زبيد عن محمد بن عبد الرحمن وقد قال على وعبد الله مثل ذلك والرواية الثانية أن الغنى ما تحصل به الكفاية فإذا لم يكن محتاجا حرمت عليه الصدقةالصدقة, وإن لم يملك شيئا وإن كان محتاجا حلت له الصدقة وإن ملك نصابانصابا, والأثمان وغيرها في هذا سواء وهذا اختيار أبي الخطاب وابن شهاب العكبري وقول مالك والشافعي لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال لقبيصة بن المخارق (لالا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثةثلاثة: رجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومهقومه: قد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيشعيش, أو سدادا من عيشعيش) رواه مسلم فمد إباحة المسألة إلى وجود إصابة القوام أو السداد ولأن الحاجة هي الفقر والغنى ضدهاضدها, فمن كان محتاجا فهو فقير يدخل في عموم النص ومن استغنى دخل في عموم النصوص المحرمة والحديث الأول فيه ضعفضعف, ثم يجوز أن تحرم المسألة ولا يحرم أخذ الصدقة إذا جاءته من غير المسألة فإن المذكور فيه تحريم المسألة فنقتصر عليه وقال الحسن وأبو عبيدعبيد: الغنى ملك أوقيةأوقية, وهي أربعون درهما لما روى أبو سعيد الخدري قالقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : (منمن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحفألحف) وكانت الأوقية على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أربعين درهما رواه أبو داود وقال أصحاب الرأيالرأي: الغنى الموجب للزكاة هو المانع من أخذها وهو ملك نصاب تجب فيه الزكاةالزكاة, من الأثمان أو العروض المعدة للتجارة أو السائمةالسائمة, أو غيرها (لقوللقول النبي - صلى الله عليه وسلم- لمعاذلمعاذ: أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهمفقرائهم) فجعل الأغنياء من تجب عليهم الزكاة فيدل ذلك على أن من تجب عليه غنيغني, ومن لا تجب عليه ليس بغنى فيكون فقيرا فتدفع الزكاة إليه لقولهلقوله: " فترد في فقرائهم " ولأن الموجب للزكاة غنىغنى, والأصل عدم الاشتراك ولأن من لا نصاب له لا تجب عليه الزكاة فلا يمنع منها كمن يملك دون الخمسينالخمسين, ولا له ما يكفيه فيحصل الخلاف بيننا وبينهم في أمور ثلاثةثلاثة: أحدها أن الغنى المانع من الزكاة غير الموجب لها عندنا ودليل ذلك حديث ابن مسعود وهو أخص من حديثهم فيجب تقديمهتقديمه, ولأن حديثهم دل على الغنى الموجب وحديثنا دل على الغنى المانع ولا تعارض بينهما فيجب الجمع بينهما وقولهموقولهم: الأصل عدم الاشتراك قلناقلنا: قد قام دليله بما ذكرناهذكرناه, فيجب الأخذ به الثاني أن من له ما يكفيه من مال غير زكائي أو من مكسبهمكسبه, أو أجرة عقارات أو غيره ليس له الأخذ من الزكاة وبهذا قال الشافعي وإسحاق وأبو عبيدة وابن المنذر وقال أبو يوسفيوسف: إن دفع الزكاة إليه فهو قبيح وأرجو أن يجزئه وقال أبو حنيفة وسائر أصحابهأصحابه: يجوز دفع الزكاة إليه لأنه ليس بغنيبغني, لما ذكروه في حجتهم ولنا ما روى الإمام أحمد حدثنا يحيى بن سعيدسعيد, عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبيد الله بن عدي بن الخيار (عنعن رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- أنهما أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فسألاه الصدقةالصدقة, فصعد فيهما البصر فرآهما جلدين فقالفقال: إن شئتما أعطيتكماأعطيتكما, ولا حظ فيها لغنى ولا لقوى مكتسبمكتسب) قال أحمدأحمد: ما أجوده من حديث وقالوقال: هو أحسنها إسنادا وروى عمرو بن شعيب عن أبيهأبيه, عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قالقال: (لالا تحل الصدقة لغنى ولا لذى مرة سويسوي) رواه أبو داودداود, والترمذي وقالوقال: حديث حسن إلا أن أحمد قالقال: لا أعلم فيه شيئا يصح قيلقيل: فحديث سالم بن أبي الجعد عن أبي هريرة؟هريرة؟ قالقال: سالم لم يسمع من أبي هريرة ولأن له ما يغنيه عن الزكاة فلم يجز الدفع إليهإليه, كمالك النصاب الثالث أن من ملك نصابا زكائيا لا تتم به الكفاية من غير الأثمانالأثمان, فله الأخذ من الزكاة قال الميمونيالميموني: ذاكرت أبا عبد الله فقلتفقلت: قد يكون للرجل الإبل والغنم تجب فيها الزكاة وهو فقير ويكون له أربعون شاة وتكون لهم الضيعة لا تكفيهتكفيه, فيعطى من الصدقة؟الصدقة؟ قالقال: نعم وذكر قول عمر أعطوهم وإن راحت عليهم من الإبل كذا وكذا قلتقلت: فهذا قدر من العدد أو الوقت؟الوقت؟ قالقال: لم أسمعه وقال في رواية محمد بن الحكمالحكم: إذا كان له عقار يشغله أو ضيعة تساوي عشرة آلاف أو أقل أو أكثر لا تقيمه يأخذ من الزكاة وهذا قول الشافعي وقال أصحاب الرأيالرأي: ليس له أن يأخذ منها إذا ملك نصابا زكائيا لأنه تجب عليه الزكاةالزكاة, فلم تجب له للخبر ولنا أنه لا يملك ما يغنيه ولا يقدر على كسب ما يكفيهيكفيه, فجاز له الأخذ من الزكاة كما لو كان ما يملك لا تجب فيه الزكاة ولأن الفقر عبارة عن الحاجة قال الله تعالىتعالى: {يأيهايأيها الناس أنتم الفقراء إلى اللهالله} [فاطرفاطر: 1515]. أيأي: المحتاجون إليه وقال الشاعرالشاعر:
فيا رب إني مؤمن بك عابد ** مقــر بزلاتي إليك فقيــر
وقال آخرآخر:
وإني إلى معروفها لفقير **
وهذا محتاجمحتاج, فيكون فقيرا غير غنى ولأنه لو كان ما يملكه لا زكاة فيه لكان فقيرا ولا فرق في دفع الحاجة بين المالينالمالين, وقد سمى الله تعالى الذين لهم سفينة في البحر مساكين فقال تعالىتعالى: {أماأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحرالبحر} [الكهفالكهف: 7979]. وقد بينا بما ذكرناه من قبل أن الغنى يختلف مسماه فيقع على ما يوجب الزكاةالزكاة, وعلى ما يمنع منها فلا يلزم من وجود أحدهما وجود الآخر ولا من عدمه عدمهعدمه, فمن قالقال: إن الغنى هو الكفاية سوى بين الأثمان وغيرها وجوز الأخذ لكل من لا كفاية له وإن ملك نصبا من جميع الأموال ومن قال بالرواية الأخرىالأخرى, فرق بين الأثمان وغيرها لخبر ابن مسعود ولأن الأثمان آلة الإنفاق المعدة له دون غيرها فجوز الأخذ لمن لا يملك خمسين درهمادرهما, أو قيمتها من الذهب ولا ما تحصل به الكفاية من مكسبمكسب, أو أجرة أو عقار أو غيره أو نماء سائمة أو غيرها وإن كان له مال معد للإنفاق من غير الأثمانالأثمان, فينبغي أن تعتبر الكفاية به في حول كامل لأن الحول يتكرر وجوب الزكاة بتكرره فيأخذ منها كل حول ما يكفيه إلى مثله ويعتبر وجود الكفاية له ولعائلته ومن يمونه لأن كل واحد منهم مقصود دفع حاجتهحاجته, فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد وإن كان له خمسون درهما جاز أن يأخذ لعائلته حتى يصير لكل واحد منهم خمسون قال أحمد في رواية أبي داودداود, في من يعطي الزكاة وله عيالعيال: يعطي كل واحد من عياله خمسين خمسين وهذا لأن الدفع إنما هو إلى العيال وهذا نائب عنهم في الأخذالأخذ.
فصلفصل:
وإذا كان للمرأة الفقيرة زوج موسر ينفق عليها لم يجز دفع الزكاة إليها لأن الكفاية حاصلة لها بما يصلها من نفقتها الواجبة فأشبهت من له عقار يستغنى بأجرته وإن لم ينفق عليهاعليها, وتعذر ذلك جاز الدفع إليها كما لو تعطلت منفعة العقار وقد نص أحمد على هذاهذا.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( ولا يعطي إلا في الثمانية الأصناف التي سمى الله تعالى ) يعني قول الله تعالىتعالى: {إنماإنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيلالسبيل} [التوبةالتوبة: 6060]. وقد ذكرهم الخرقي في موضع آخرآخر, فنؤخر شرحهم إليه وقد روى زياد بن الحارث الصدائي قالقال: (أتيتأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم- فبايعته قالقال: فأتاه رجل فقالفقال: أعطني من الصدقة فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاءأجزاء, فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقكحقك) رواه أبو داود وأحكامهم كلها باقية وبهذا قال الحسن والزهري وأبو جعفر محمد بن على وقال الشعبي ومالك والشافعي وأصحاب الرأيالرأي: انقطع سهم المؤلفة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقد أعز الله تعالى الإسلام وأغناه عن أن يتألف عليه رجال فلا يعطى مشرك تالفا بحال قالواقالوا: وقد روي هذا عن عمر ولنا كتاب الله وسنة رسوله فإن الله تعالى سمى المؤلفة في الأصناف الذين سمى الصدقة لهملهم, والنبي - صلى الله عليه وسلم- قالقال: (إنإن الله تعالى حكم فيها فجزأها ثمانية أجزاء وكان يعطي المؤلفة كثيرا في أخبار مشهورةمشهورة, ولم يزل كذلك حتى ماتمات) ولا يجوز ترك كتاب الله وسنة رسوله إلا بنسخ والنسخ لا يثبت بالاحتمال ثم إن النسخ إنما يكون في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم- لأن النسخ إنما يكون بنصبنص, ولا يكون النص بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم- وانقراض زمن الوحي ثم إن القرآن لا ينسخ إلا بقرآن وليس في القرآن نسخ كذلك ولا في السنةالسنة, فكيف يترك الكتاب والسنة بمجرد الآراء والتحكم أو بقول صحابي أو غيره على أنهم لا يرون قول الصحابي حجة يترك لها قياسقياس, فكيف يتركون به الكتاب والسنة قال الزهريالزهري: لا أعلم شيئا نسخ حكم المؤلفة على أن ما ذكروه من المعنى لا خلاف بينه وبين الكتاب والسنة فإن الغنى عنهم لا يوجب رفع حكمهمحكمهم, وإنما يمنع عطيتهم حال الغنى عنهم فمتى دعت الحاجة إلى إعطائهم أعطوا فكذلك جميع الأصنافالأصناف, إذا عدم منهم صنف في بعض الزمان سقط حكمه في ذلك الزمن خاصة فإذا وجد عاد حكمهحكمه, كذا هناهنا.
فصل:
فصل:
ولا يجوز صرف الزكاة إلى غير من ذكر الله تعالى من بناء المساجد والقناطر والسقايات وإصلاح الطرقات وسد البثوقالبثوق, وتكفين الموتى والتوسعة على الأضياف وأشباه ذلك من القرب التي لم يذكرها الله تعالى وقال أنس والحسنوالحسن: ما أعطيت في الجسور والطرق فهي صدقة ماضية والأول أصح لقوله سبحانه وتعالىوتعالى: {إنماإنما الصدقات للفقراء والمساكينوالمساكين} [التوبةالتوبة: 6060]. " وإنما " للحصر والإثباتوالإثبات, تثبت المذكور وتنفي ما عداه والخبر المذكور قال أبو داودداود: سمعت أحمدأحمد, وسئلوسئل: يكفن الميت من الزكاة؟الزكاة؟ قالقال: لا ولا يقضى من الزكاة دين الميت وإنما لم يجز دفعها في قضاء دين الميت لأن الغارم هو الميت ولا يمكن الدفع إليه وإن دفعها إلى غريمه صار الدفع إلى الغريم لا إلى الغارم وقال أيضاأيضا: يقضي من الزكاة دين الحيالحي, ولا يقضي منها دين الميت لأن الميت لا يكون غارما قيلقيل: فإنما يعطى أهله قالقال: إن كانت على أهله فنعمفنعم.
فصلفصل:
وإذا أعطى من يظنه فقيرا فبان غنيا فعن أحمد فيه روايتانروايتان: إحداهما يجزئه اختارها أبو بكر وهذا قول الحسن وأبي عبيد وأبي حنيفة (لأنلأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أعطى الرجلين الجلدين وقالوقال: إن شئتما أعطيتكما منهامنها, ولا حظ فيها لغنى ولا لقوى مكتسبمكتسب) وقال للرجل الذي سأله الصدقة (إنإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقكحقك) ولو اعتبر حقيقة الغنى لما اكتفى بقولهم وروى أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قالقال: (قالقال رجل لأتصدقن بصدقةبصدقة, فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدثونيتحدثون: تصدق على غنى فأتى فقيل لهله: أما صدقتك فقد قبلتقبلت, لعل الغنى أن يعتبر فينفق مما أعطاه اللهالله) متفق عليه والرواية الثانية لا يجزئه لأنه دفع الواجب إلى غير مستحقه فلم يخرج من عهدتهعهدته, كما لو دفعها إلى كافر أو ذي قرابته وكديون الآدميين وهذا قول الثوري والحسن بن صالح وأبي يوسف وابن المنذر وللشافعي قولان كالروايتين فأما إن بان الآخذ عبداعبدا, أو كافرا أو هاشميا أو قرابة للمعطي ممن لا يجوز الدفع إليهإليه, لم يجزه رواية واحدة لأنه ليس بمستحق ولا تخفى حاله غالبًاغالبًا, فلم يجزه الدفع إليه كديون الآدميين وفارق من بان غنيا بأن الفقر والغنى مما يعسر الاطلاع عليه والمعرفة بحقيقتهبحقيقته, قال الله تعالىتعالى: {يحسبهميحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهمبسيماهم} [البقرةالبقرة: 273273]. فاكتفى بظهور الفقر ودعواه بخلاف غيرهغيره.
مسألة:
مسألة:
قالقال: [ إلا أن يتولى الرجل إخراجها بنفسه فيسقط العاملالعامل] وجملته أن الرجل إذا تولى إخراج زكاته بنفسهبنفسه, سقط حق العامل منها لأنه إنما يأخذ أجرا لعمله فإذا لم يعمل فيها شيئا فلا حق له فيسقطفيسقط, وتبقى سبعة أصناف إن وجد جميعهم أعطاهم وإن وجد بعضهم اكتفى بعطيتهبعطيته, وإن أعطى البعض مع إمكان عطية الجميع جاز أيضًاأيضًا.
مسألة:
مسألة:
قالقال: [وإنوإن أعطاها كلها في صنف واحد أجزأه إذا لم يخرجه إلى الغنىالغنى] وجملته أنه يجوز أن يقتصر على صنف واحد من الأصناف الثمانيةالثمانية, ويجوز أن يعطيها شخصا واحدا وهو قول عمر وحذيفة وابن عباس وبه قال سعيد بن جبير والحسن والنخعي وعطاء وإليه ذهب الثوري وأبو عبيد وأصحاب الرأي وروى عن النخعي أنه قالقال: إن كان المال كثيرا يحتمل الأصنافالأصناف, قسمه عليهم وإن كان قليلا جاز وضعه في صنف واحد وقال مالكمالك: يتحرى موضع الحاجة منهممنهم, ويقدم الأولى فالأولى وقال عكرمة والشافعيوالشافعي: يجب أن يقسم زكاة كل صنف من ماله على الموجود من الأصناف الستة الذين سهمانهم ثابتة قسمة على السواءالسواء, ثم حصة كل صنف منهم لا تصرف إلى أقل من ثلاثة منهم إن وجد منهم ثلاثة أو أكثر فإن لم يجد إلا واحداواحدا, صرف حصة ذلك الصنف إليه وروى الأثرم عن أحمد كذلك وهو اختيار أبي بكر لأن الله تعالى جعل الصدقة لجميعهم وشرك بينهم فيها فلا يجوز الاقتصار على بعضهم كأهل الخمس ولنا ( قول النبي - صلى الله عليه وسلم- لمعاذلمعاذ: أعلمهم أن عليهم صدقةصدقة, تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهمفقرائهم) فأخبر أنه مأمور برد جملتها في الفقراء وهم صنف واحدواحد, ولم يذكر سواهم ثم أتاه بعد ذلك مال فجعله في صنف ثان سوى الفقراءالفقراء, وهم المؤلفة الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وعلقمة بن علاثة وزيد الخير قسم فيهم الذهبية التي بعث بها إليه على من اليمن وإنما يؤخذ من أهل اليمن الصدقة ثم أتاه مال آخر فجعله في صنف آخر لقوله لقبيصة بن المخارق حين تحمل حمالة فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم- يسألهيسأله, فقالفقال: (أقمأقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بهابها) وفي حديث سلمة بن صخر البياضي أنه أمر له بصدقة قومه ولو وجب صرفها إلى جميع الأصناف لم يجز دفعها إلى واحدواحد, ولأنها لا يجب صرفها إلى جميع الأصناف إذا أخذها الساعي فلم يجب دفعها إليهم إذا فرقها المالك كما لو لم يجد إلا صنفا واحداواحدا, ولأنه لا يجب عليه تعميم أهل كل صنف بها فجاز الاقتصار على واحد كما لو وصى لجماعة لا يمكن حصرهمحصرهم, ويخرج على هذين المعنيين الخمس فإنه يجب على الإمام تفريقه على جميع مستحقيه واستيعاب جميعهم به بخلاف الزكاةالزكاة, والآية أريد بها بيان الأصناف الذين يجوز الدفع إليهم دون غيرهم إذا ثبت هذا فإن المستحب صرفها إلى جميع الأصنافالأصناف, أو إلى من أمكن منهم لأنه يخرج بذلك عن الخلاف ويحصل الإجزاء يقينا فكان أولىأولى.
فصلفصل:
قول الخرقيالخرقي: "إذاإذا لم يخرجه إلى الغنىالغنى" يعنى به الغنى المانع من أخذ الزكاة وقد ذكرناه وظاهر قول الخرقي أنه لا يدفع إليه ما يحصل به الغنىالغنى, والمذهب أنه يجوز أن يدفع إليه ما يغنيه من غير زيادة نص عليه أحمد في مواضع وذكره أصحابه فيتعين حمل كلام الخرقي على أنه لا يدفع إليه زيادة على ما يحصل به الغنى وهذا قول الثوري ومالك والشافعي وأبي ثور وقال أصحاب الرأيالرأي: يعطى ألفا وأكثر إذا كان محتاجا إليها ويكره أن يزاد على المائتين ولناولنا, أن الغنى لو كان سابقا منع فيمنع إذا قارن كالجمع بين الأختين في النكاحالنكاح.
فصلفصل:
وكل صنف من الأصناف يدفع إليه ما تندفع به حاجتهحاجته, من غير زيادة فالغارم والمكاتب يعطى كل واحد منهما ما يقضى به دينه وإن كثر وابن السبيل يعطى ما يبلغه إلى بلدهبلده, والغازي يعطى ما يكفيه لغزوه والعامل يعطى بقدر أجره قال أبو داودداود: سمعت أحمد قيل لهله: يحمل في السبيل بألف من الزكاة؟الزكاة؟ قالقال: ما أعطى فهو جائزجائز, ولا يعطى أحد من هؤلاء زيادة على ما تندفع به الحاجة لأن الدفع لها فلا يزاد على ما تقتضيه .
فصلفصل:
وأربعة أصناف يأخذون أخذا مستقرا فلا يراعى حالهم بعد الدفعالدفع, وهموهم: الفقراء والمساكين والعاملونوالعاملون, والمؤلفة فمتى أخذوها ملكوها ملكا دائما مستقرا لا يجب عليهم ردها بحالبحال, وأربعة منهم وهم الغارمون وفي الرقابالرقاب, وفي سبيل الله وابن السبيل فإنهم يأخذون أخذا مراعى فإن صرفوه في الجهة التي استحقوا الأخذ لأجلهالأجلها, وإلا استرجع منهم والفرق بين هذه الأصناف والتي قبلها أن هؤلاء أخذوا لمعنى لم يحصل بأخذهم للزكاة والأولون حصل المقصود بأخذهمبأخذهم, وهو غنى الفقراء والمساكين وتأليف المؤلفين وأداء أجر العاملين وإن قضى هؤلاء حاجتهم بهابها, وفضل معهم فضل ردوا الفضل إلا الغازيالغازي, فإن ما فضل له بعد غزوه فهو له ذكره الخرقي في غير هذا الموضع وظاهر قوله في المكاتب أنه لا يرد ما فضل في يده لأنه قالقال: وإذا عجز المكاتب ورد في الرق وكان قد تصدق عليه بشيء فهو لسيده ونص عليه أحمد أيضا في رواية المروذي والكوسج ونقل عنه حنبلحنبل: إذا عجز يرد ما في يديه في المكاتبين وقال أبو بكر عبد العزيزالعزيز: إن كان باقيا بعينه استرجع منه لأنه إنما دفع إليه ليعتق به ولم يقع وقال القاضيالقاضي: كلام الخرقي محمول على أن الذي بقي في يده لم يكن عين الزكاةالزكاة, وإنما تصرف فيها وحصل عوضها وفائدتها ولو تلف المال الذي في يد هؤلاء بغير تفريط لم يرجع عليهم بشيءبشيء.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( ولا يجوز نقل الصدقة من بلدها إلى بلد تقصر في مثله الصلاة ) المذهب على أنه لا يجوز نقل الصدقة من بلدها إلى مسافة القصر قال أبو داودداود: سمعت أحمد سئل عن الزكاة يبعث بها من بلد إلى بلد؟بلد؟ قال لا قيلقيل: وإن كان قرابته بها؟بها؟ قالقال: لا واستحب أكثر أهل العلم أن لا تنقل من بلدها وقال سعيدسعيد: حدثنا سفيان عن معمرمعمر, عن ابن طاوس عن أبيه قال في كتاب معاذ بن جبلجبل: من أخرج من مخلاف إلى مخلافمخلاف, فإن صدقته وعشره ترد إلى مخلافه وروى عن عمر بن عبد العزيز أنه رد زكاة أتى بها من خراسان إلى الشام إلى خراسان وروى عن الحسن والنخعي أنهما كرها نقل الزكاة من بلد إلى بلد إلا لذي قرابة وكان أبو العالية يبعث بزكاته إلى المدينة ولنا (قولقول النبي - صلى الله عليه وسلم- لمعاذلمعاذ: أخبرهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهمأغنيائهم, فترد في فقرائهمفقرائهم) وهذا يختص بفقراء بلدهم ولما بعث معاذ الصدقة من اليمن إلى عمر أنكر عليه ذلك عمر وقالوقال: لم أبعثك جابياجابيا, ولا آخذ جزية ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد في فقرائهم فقال معاذمعاذ: ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحدا يأخذه مني رواه أبو عبيد في الأموال وروي أيضا عن إبراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصينحصين, أن زيادا أو بعض الأمراء بعث عمران على الصدقةالصدقة, فلما رجع قالقال: أين المال؟المال؟ قالقال: أللمال بعثتني؟بعثتني؟ أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولأن المقصود إغناء الفقراء بها فإذا أبحنا نقلها أفضى إلى بقاء فقراء ذلك البلد محتاجينمحتاجين.
فصلفصل:
فإن خالف ونقلها أجزأته في قول أكثر أهل العلم قال القاضيالقاضي: وظاهر كلام أحمد يقتضي ذلكذلك, ولم أجد عنه نصا في هذه المسألة وذكر أبو الخطاب فيها روايتينروايتين: إحداهما يجزئه واختارها لأنه دفع الحق إلى مستحقهمستحقه, فبرئ منه كالدين وكما لو فرقها في بلدها والأخرى لا تجزئه اختارها ابن حامد لأنه دفع الزكاة إلى غير من أمر بدفعها إليهإليه, أشبه ما لو دفعها إلى غير الأصنافالأصناف.
فصلفصل:
فإن استغنى عنها فقراء أهل بلدها جاز نقلها نص عليه أحمد فقالفقال: قد تحمل الصدقة إلى الإمام إذا لم يكن فيها فقراء أو كان فيها فضل عن حاجتهمحاجتهم, وقال أيضاأيضا: لا تخرج صدقة قوم عنهم من بلد إلى بلد إلا أن يكون فيها فضل عنهم لأن الذي كان يجيء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر من الصدقةالصدقة, إنما كان عن فضل منهم يعطون ما يكفيهم ويخرج الفضل عنهم وروى أبو عبيدعبيد, في كتاب " الأموال " بإسناده عن عمرو بن شعيب أن معاذ بن جبل لم يزل بالجندبالجند, إذ بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حتى مات النبي - صلى الله عليه وسلم- ثم قدم على عمر فرده على ما كان عليه فبعث إليه معاذ بثلث صدقة الناسالناس, فأنكر ذلك عمر وقالوقال: لم أبعثك جابيا ولا آخذ جزيةجزية, لكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد على فقرائهم فقال معاذمعاذ: ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحدا يأخذه مني فلما كان العام الثاني بعث إليه بشطر الصدقةالصدقة, فتراجعا بمثل ذلك فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلها فراجعه عمر بمثل ما راجعهراجعه, فقال معاذمعاذ: ما وجدت أحدا يأخذ مني شيئا وكذلك إذا كان ببادية ولم يجد من يدفعها إليه فرقها على فقراء أقرب البلاد إليهإليه.
فصلفصل:
قال أحمدأحمد, في رواية محمد بن الحكمالحكم: إذا كان الرجل في بلد وماله في بلد فأحب إلى أن تؤدي حيث كان المالالمال, فإن كان بعضه حيث هو وبعضه في مصر يؤدي زكاة كل مال حيث هو فإن كان غائبا عن مصره وأهلهوأهله, والمال معه فأسهل أن يعطي بعضه في هذا البلد وبعضه في هذا البلدالبلد, وبعضه في البلد الآخر فأما إذا كان المال في البلد الذي هو فيه حتى يمكث فيه حولا تاما فلا يبعث بزكاته إلى بلد آخر فإن كان المال تجارة يسافر به فقال القاضيالقاضي: يفرق زكاته حيث حال حولهحوله, في أي موضع كان ومفهوم كلام أحمد في اعتباره الحول التام أنه يسهل في أن يفرقها في ذلك البلد وغيره من البلدان التي أقام بها في ذلك الحول وقال في الرجل يغيب عن أهلهأهله, فتجب عليه الزكاةالزكاة: يزكيه في الموضع الذي كثر مقامه فيه فأما زكاة الفطر فإنه يفرقها في البلد الذي وجبت عليه فيه سواء كان ماله فيه أو لم يكن لأنه سبب وجوب الزكاة ففرقت في البلد الذي سببها فيهفيه.
فصلفصل:
والمستحب تفرقة الصدقة في بلدهابلدها, ثم الأقرب فالأقرب من القرى والبلدان قال أحمد في رواية صالحصالح: لا بأس أن يعطي زكاته في القرى التي حوله ما لم تقصر الصلاة في أثنائها ويبدأ بالأقرب فالأقرب وإن نقلها إلى البعيد لتحرى قرابة أو من كان أشد حاجةحاجة, فلا بأس ما لم يجاوز مسافة القصرالقصر.
فصلفصل:
وإذا أخذ الساعي الصدقة واحتاج إلى بيعها لمصلحة من كلفه في نقلها أو مرضها أو نحوهمانحوهما, فله ذلك لما روى قيس بن أبي حازم (أنأن النبي - صلى الله عليه وسلم- رأى في إبل الصدقة ناقة كوماء فسأل عنها؟عنها؟ فقال المصدقالمصدق: إني ارتجعتها بإبل فسكتفسكت) رواه أبو عبيد في " الأموال ", وقالوقال: الرجعة أن يبيعها ويشتري بثمنها مثلها أو غيرها فإن لم يكن حاجة إلى بيعها فقال القاضيالقاضي: لا يجوز والبيع باطلباطل, وعليه الضمان ويحتمل الجواز لحديث قيس فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- سكت حين أخبره المصدق بارتجاعها ولم يستفصليستفصل.
مسألة:
مسألة:
قالقال: [وإذاوإذا باع ماشية قبل الحول بمثلهابمثلها, زكاها إذا تم حول من وقت ملكه الأولالأول] وجملته أنه إذا باع نصابا للزكاة مما يعتبر فيه الحول بجنسه كالإبل بالإبلبالإبل, أو البقر بالبقر أو الغنم بالغنم أو الذهب بالذهببالذهب, أو الفضة بالفضة لم ينقطع الحول وبنى حول الثاني على حول الأول وبهذا قال مالك وقال الشافعيالشافعي: لا ينبني حول نصاب على حول غيره بحال لقولهلقوله: (لالا زكاة في مال حتى يحول عليه الحولالحول) ولأنه أصل بنفسهبنفسه, فلم ينبن على حول غيره كما لو اختلف الجنسان ووافقنا أبو حنيفة في الأثمان ووافق الشافعي فيما سواها لأن الزكاة إنما وجبت في الأثمان لكونها ثمنا وهذا المعنى يشملهايشملها, بخلاف غيرها ولنا أنه نصاب يضم إليه نماؤه في الحول فبنى حول بدله من جنسه على حولهحوله, كالعروض والحديث مخصوص بالنماء والربح والعروض فنقيس عليه محل النزاعالنزاع, والجنسان لا يضم أحدهما إلى الآخر مع وجودهما فأولى أن لا يبنى حول أحدهما على الآخرالآخر.
فصلفصل:
قال أحمد بن سعيدسعيد: سألت أحمد عن الرجل يكون عنده غنم سائمة فيبيعها بضعفها من الغنمالغنم, أيزكيها كلها أم يعطي زكاة الأصل؟الأصل؟ قالقال: بل يزكيها كلها على حديث عمر في السخلة يروح بها الراعي لأن نماءها معها قلتقلت: فإن كانت للتجارة؟للتجارة؟ قالقال: يزكيها كلها على حديث حماسحماس, فأما إن باع النصاب بدون النصاب انقطع الحول وإن كان عنده مائتان فباعهما بمائة فعليه زكاة مائة وحدهاوحدها.
مسألة:
مسألة:
قالقال: [وكذلكوكذلك إن أبدل عشرين دينارا بمائتي درهم أو مائتي درهم بعشرين دينارادينارا, لم تبطل الزكاة بانتقالهابانتقالها] وجملة ذلك أنه متى أبدل نصابا من غير جنسه انقطع حول الزكاة واستأنف حولا إلا الذهب بالفضةبالفضة, أو عروض التجارة لكون الذهب والفضة كالمال الواحد إذ هما أروش الجنايات وقيم المتلفاتالمتلفات, ويضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة وكذلك إذا اشترى عرضا للتجارة بنصاب من الأثمان أو باع عرضا بنصاب لم ينقطع الحول لأن الزكاة تجب في قيمة العروضالعروض, لا في نفسها والقيمة هي الأثمان فكانا جنسا واحدا وإذا قلناقلنا: إن الذهب والفضة لا يضم أحدهما إلى صاحبهصاحبه, لم يبن حول أحدهما على حول الآخر لأنهما مالان لا يضم أحدهما إلى الآخر فلم يبن حوله على حوله كالجنسين من الماشية وأما عروض التجارةالتجارة, فإن حولها يبنى على حول الأثمان بكل حالحال.
فصلفصل:
وإذا حال الحول أخرج الزكاة من جنس المال المبيع دون الموجود لأنه الذي وجبت الزكاة بسببه ولولاه لم تجب في هذا زكاةزكاة.
فصلفصل: جواز التصرف في النصاب الذي وجبت الزكاة فيه
ويجوز التصرف في النصاب الذي وجبت الزكاة فيهفيه, بالبيع والهبة وأنواع التصرفات وليس للساعي فسخ البيع وقال أبو حنيفة تصح إلا أنه إذا امتنع من أداء الزكاة نقض البيع في قدرها وقال الشافعيالشافعي: في صحة البيع قولان أحدهماأحدهما, لا يصح لأننا إن قلنا إن الزكاة تتعلق بالعين فقد باع ما لا يملكه وإن قلنا تتعلق بالذمةبالذمة, فقدر الزكاة مرتهن بها وبيع الرهن غير جائز ولنا (أنأن النبي - صلى الله عليه وسلم- : نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحهاصلاحها) متفق عليه ومفهومه صحة بيعها إذا بدا صلاحها وهو عام فيما وجبت فيه الزكاة وغيره ونهى عن بيع الحب حتى يشتديشتد, وبيع العنب حتى يسود وهما مما تجب الزكاة فيه ولأن الزكاة وجبت في الذمة والمال خال عنها فصح بيعهبيعه, كما لو باع ماله وعليه دين آدمي أو زكاة فطر وإن تعلقت بالعينبالعين, فهو تعلق لا يمنع التصرف في جزء من النصاب فلم يمنع بيع جميعه كأرش الجناية وقولهموقولهم: باع ما لا يملكه لا يصح فإن الملك لم يثبت للفقراء في النصابالنصاب, بدليل أن له أداء الزكاة من غيره ولا يتمكن الفقراء من إلزامه أداء الزكاة منه وليس برهنبرهن, فإن أحكام الرهن غير ثابتة فيه فإذا تصرف في النصاب ثم أخرج الزكاة من غيره وإلا كلف إخراجهاإخراجها, وإن لم يكن له كلف تحصيلها فإن عجز بقيت الزكاة في ذمته كسائر الديونالديون, ولا يؤخذ من النصاب ويحتمل أن يفسخ البيع في قدر الزكاة وتؤخذ منه ويرجع البائع عليه بقدرها لأن على الفقراء ضررا في إتمام البيعالبيع, وتفويتا لحقوقهم فوجب فسخه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (لالا ضرر ولا ضرارضرار) وهذا أصحأصح.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( والزكاة تجب في الذمة بحلول الحول وإن تلف المال فرط أو لم يفرط ) هذه المسألة تشتمل على أحكام ثلاثةثلاثة: أحدهاأحدها, أن الزكاة تجب في الذمة وهو إحدى الروايتين عن أحمد وأحد قولي الشافعي لأن إخراجها من غير النصاب جائز فلم تكن واجبة فيهفيه, كزكاة الفطر ولأنها لو وجبت فيه لامتنع تصرف المالك فيهفيه, ولتمكن المستحقون من إلزامه أداء الزكاة من عينه أو ظهر شيء من أحكام ثبوته فيه ولسقطت الزكاة بتلف النصاب من غير تفريطتفريط, كسقوط أرش الجناية بتلف الجاني والثانية أنها تجب في العين وهذا القول الثاني للشافعي وهذه الرواية هي الظاهرة عند بعض أصحابنا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- (فيفي أربعين شاة شاة وقولهوقوله: فيما سقت السماء العشر وفيما سقى بدالية أو نضح نصف العشرالعشر) وغير ذلك من الألفاظ الواردة بحرف " في " وهي للظرفية وإنما جاز الإخراج من غير النصاب رخصة وفائدة الخلاف أنها إذا كانت في الذمةالذمة, فحال على ماله حولان لم يؤد زكاتهما وجب عليه أداؤها لما مضىمضى, ولا تنقص عنه الزكاة في الحول الثاني وكذلك إن كان أكثر من نصاب لم تنقص الزكاةالزكاة, وإن مضى عليه أحوال فلو كان عنده أربعون شاة مضى عليها ثلاثة أحوال لم يؤد زكاتها وجب عليه ثلاث شياهشياه, وإن كانت مائة دينار فعليه سبعة دنانير ونصف لأن الزكاة وجبت في ذمته فلم يؤثر في تنقيص النصاب لكن إن لم يكن له مال آخر يؤدي الزكاة منهمنه, احتمل أن تسقط الزكاة في قدرها لأن الدين يمنع وجوب الزكاة وقال ابن عقيلعقيل: لا تسقط الزكاة بهذا بحال لأن الشيء لا يسقط نفسه وقد يسقط غيره بدليل أن تغير الماء بالنجاسة في محلها لا يمنع صحة طهارتها وإزالتها بهبه, ويمنع إزالة نجاسة غيرها والأول أولى لأن الزكاة الثانية غير الأولى وإن قلناقلنا: الزكاة تتعلق بالعين وكان النصاب مما تجب الزكاة في عينه فحالت عليه أحوال لم تؤد زكاتها تعلقت الزكاة في الحول الأول من النصاب بقدرهبقدره, فإن كان نصابا لا زيادة عليه فلا زكاة فيه فيما بعد الحول الأول لأن النصاب نقص فيهفيه, وإن كان أكثر من نصاب عزل قدر فرض الحول الأول وعليه زكاة ما بقي وهذا هو المنصوص عن أحمد في رواية جماعة وقالوقال, في رواية محمد بن الحكمالحكم: إذا كانت الغنم أربعين فلم يأته المصدق عامين فإذا أخذ المصدق شاةشاة, فليس عليه شيء في الباقي وفيه خلاف وقال في رواية صالحصالح: إذا كان عند الرجل مائتا درهمدرهم, فلم يزكها حتى حال عليها حول آخر يزكيها للعام الأول لأن هذه تصير مائتين غير خمسة دراهم وقال في رجل له ألف درهمدرهم, فلم يزكها سنينسنين: يزكى في أول سنة خمسة وعشرين ثم في كل سنة بحساب ما بقي وهذا قول مالك والشافعيوالشافعي, وأبي عبيد فإن كان عنده أربعون من الغنم نتجت سخلة في كل حول وجب عليه في كل سنة شاة لأن النصاب كمل بالسخلة الحادثة فإن كان نتاج السخلة بعد وجوب الزكاة عليه بمدةبمدة, استؤنف الحول الثاني من حين نتجت لأنه حينئذ كملكمل.
فصلفصل:
فإن ملك خمسا من الإبل فلم يؤد زكاتها أحوالا فعليه في كل سنة شاة نص عليه في رواية الأثرم قال في رواية الأثرمالأثرم: المال غير الإبل إذا أدى من الإبلالإبل, لم ينقص والخمس بحالها وكذلك ما دون خمس وعشرين من الإبلالإبل, لا تنقص زكاتها فيما بعد الحول الأول لأن الفرض يجب من غيرها فلا يمكن تعلقه بالعين وللشافعي قولانقولان: أحدهما أن زكاتها تنقصتنقص, كسائر الأموال فإذا كان عنده خمس من الإبل فمضى عليها أحوالأحوال, لم تجب عليه فيها إلا شاة واحدة لأنها نقصت بوجوب الزكاة فيها في الحول الأول عن خمس كاملة فلم يجب عليه فيها شيء كما لو ملك أربعا وجزءا من بعير ولناولنا, أن الواجب من غير النصاب فلم ينقص به النصاب كما لو أداهأداه, وفارق سائر المال فإن الزكاة يتعلق وجوبها بعينه فينقصهفينقصه, كما لو أداه من النصاب فعلى هذا لو ملك خمسا وعشرين فحالت عليها أحوالأحوال, فعليه في الحول الأول بنت مخاض وعليه لكل حول بعده أربع شياه وإن بلغت قيمة الشاة الواجبة أكثر من خمس من الإبل فإن قيلقيل: فإذا لم يكن في خمس وعشرين بنت مخاض فالواجب فيها من غير عينهاعينها, فيجب أن لا تنقص زكاتها أيضا في الأحوال كلها قلناقلنا: إذا أدى عن خمس وعشرين أكبر من بنت مخاض جاز فقد أمكن تعلق الزكاة بعينها لإمكان الأداء منهامنها, بخلاف عشرين من الإبل فإنه لا يقبل منه واحدة منها فافترقافافترقا.
فصلفصل:
الحكم الثانيالثاني, أن الزكاة تجب بحلول الحول سواء تمكن من الأداء أو لم يتمكن وبهذا قال أبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي وقال في الآخرالآخر: التمكن من الأداء شرطشرط, فيشترط للوجوب ثلاثة أشياءأشياء: الحول والنصاب والتمكن من الأداء وهذا قول مالك حتى لو أتلف الماشية بعد الحول قبل إمكان الأداء لا زكاة عليهعليه, إذا لم يقصد الفرار من الزكاة لأنها عبادة فيشترط لوجوبها إمكان أدائها كسائر العبادات ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (لالا زكاة في مال حتى يحول عليه الحولالحول) فمفهومهفمفهومه, وجوبها عليه إذا حال الحول ولأنه لو لم يتمكن من الأداء حتى حال عليه حولان وجبت عليه زكاة الحولينالحولين, ولا يجوز وجوب فرضين في نصاب واحد في حال واحدة وقياسهم ينقلب عليهم فإننا نقولنقول: هذه عبادةعبادة, فلا يشترط لوجوبها إمكان أدائها كسائر العبادات فإن الصوم يجب على الحائض والمريض العاجز عن أدائهأدائه, والصلاة تجب على المغمى عليه والنائم ومن أدرك من أول الوقت جزءا ثم جن أو حاضت المرأة والحج يجب على من أيسر في وقت لا يتمكن من الحج فيهفيه, أو منعه من المضي مانع ثم الفرق بينهما أن تلك عبادات بدنية يكلف فعلها ببدنهببدنه, فأسقطها تعذر فعلها وهذه عبادة مالية يمكن ثبوت الشركة للمساكين في ماله والوجوب في ذمته مع عجزه عن الأداءالأداء, كثبوت الديون في ذمة المفلس وتعلقها بماله بجنايتهبجنايته.
فصلفصل:
الثالث أن الزكاة لا تسقط بتلف المال فرط أو لم يفرط هذا المشهور عن أحمدأحمد, وحكى عنه الميموني أنه إذا تلف النصاب قبل التمكن من الأداء سقطت الزكاة عنه وإن تلف بعدهبعده, لم تسقط وحكاه ابن المنذر مذهبا لأحمد وهو قول الشافعي والحسن بن صالح وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر وبه قال مالكمالك, إلا في الماشية فإنه قالقال: لا شيء فيها حتى يجيء المصدق فإن هلكت قبل مجيئه فلا شيء عليه وقال أبو حنيفةحنيفة: تسقط الزكاة بتلف النصاب على كل حال إلا أن يكون الإمام قد طالبه بها فمنعها لأنه تلف قبل محل الاستحقاقالاستحقاق, فسقطت الزكاة كما لو تلفت الثمرة قبل الجذاذ ولأنه حق يتعلق بالعينبالعين, فسقط بتلفها كأرش الجناية في العبد الجاني ومن اشترط التمكن قالقال: هذه عبادة يتعلق وجوبها بالمال فيسقط فرضها بتلفه قبل إمكان أدائهاأدائها, كالحج ومن نصر الأول قالقال: مال وجب في الذمة فلم يسقط بتلف النصاب كالدينكالدين, أو لم يشترط في ضمانه إمكان الأداء كثمن المبيع والثمرة لا تجب زكاتها في الذمة حتى تحرز لأنها في حكم غير المقبوضالمقبوض, ولهذا لو تلفت بجائحة كانت في ضمان البائع على ما دل عليه الخبر وإذا قلنا بوجوب الزكاة في العين فليس هو بمعنى استحقاق جزء منهمنه, ولهذا لا يمنع التصرف فيه والحج لا يجب حتى يتمكن من الأداء فإذا وجب لم يسقط بتلف المالالمال, بخلاف الزكاة فإن التمكن ليس بشرط لوجوبها على ما قدمناه والصحيحوالصحيح, إن شاء الله أن الزكاة تسقط بتلف المال إذا لم يفرط في الأداء لأنها تجب على سبيل المواساةالمواساة, فلا تجب على وجه يجب أداؤها مع عدم المال وفقر من تجب عليه ومعنى التفريط أن يتمكن من إخراجها فلا يخرجهايخرجها, وإن لم يتمكن من إخراجها فليس بمفرط سواء كان ذلك لعدم المستحقالمستحق, أو لبعد المال عنه أو لكون الفرض لا يوجد في المال ويحتاج إلى شرائهشرائه, فلم يجد ما يشتريه أو كان في طلب الشراء أو نحو ذلك وإن قلنا بوجوبها بعد تلف المالالمال, فأمكن المالك أداؤها أداها وإلا أنظر بها إلى ميسرته وتمكنه من أدائها من غير مضرة عليه لأنه إذا لزم إنظاره بدين الآدمي المتعين فبالزكاة التي هي حق الله تعالى أولىأولى.
فصل:
فصل:
ولا تسقط الزكاة بموت رب المالالمال, وتخرج من ماله وإن لم يوص بها هذا قول عطاء والحسنوالحسن, والزهري وقتادة ومالكومالك, والشافعي وإسحاق وأبي ثورثور, وابن المنذر وقال الأوزاعي والليث تؤخذ من الثلثالثلث, مقدمة على الوصايا ولا يجاوز الثلث وقال ابن سيرين والشعبيوالشعبي, والنخعي وحماد بن أبي سليمان وداود بن أبي هندهند, وحميد الطويل والمثنى والثوريوالثوري: لا تخرج إلا أن يكون أوصى بها وكذلك قال أصحاب الرأيالرأي, وجعلوها إذا أوصى بها وصية تخرج من الثلث ويزاحم بها أصحاب الوصايا وإذا لم يوص بها سقطت لأنها عبادة من شرطها النيةالنية, فسقطت بموت من هي عليه كالصوم ولنا أنها حق واجب تصح الوصية بهبه, فلم تسقط بالموت كدين الآدمي ولأنها حق مالي واجب فلم يسقط بموت من هو عليهعليه, كالدين ويفارق الصوم والصلاة فإنهما عبادتان بدنيتان لا تصح الوصية بهمابهما, ولا النيابة فيهما ا هـهـ.
فصلفصل:
فإن أخرها ليدفعها إلى من هو أحق بها من ذي قرابة أو ذي حاجة شديدةشديدة, فإن كان شيئا يسيرا فلا بأس وإن كان كثيراكثيرا, لم يجز قال أحمدأحمد: لا يجزئ على أقاربه من الزكاة في كل شهر يعني لا يؤخر إخراجها حتى يدفعها إليهم متفرقة في كل شهر شيئا فأما إن عجلها فدفعها إليهمإليهم, أو إلى غيرهم متفرقة أو مجموعة جاز لأنه لم يؤخرها عن وقتها وكذلك إن كان عنده مالانمالان, أو أموال زكاتها واحدة وتختلف أحوالهاأحوالها, مثل أن يكون عنده نصاب وقد استفاد في أثناء الحول من جنسه دون النصاب لم يجز تأخير الزكاة ليجمعها كلها لأنه يمكنه جمعها بتعجيلها في أول واجب منهامنها.
فصلفصل:
فإن أخر الزكاةالزكاة, فلم يدفعها إلى الفقير حتى ضاعت لم تسقط عنه كذلك قال الزهري والحكموالحكم, وحماد والثوري وأبو عبيد وبه قال الشافعيالشافعي, إلا أنه قالقال: إن لم يكن فرط في إخراج الزكاة وفي حفظ ذلك المخرج رجع إلى مالهماله, فإن كان فيما بقي زكاة أخرجها وإلا فلا وقال أصحاب الرأيالرأي: يزكي ما بقي إلا أن ينقص عن النصاب فتسقط الزكاةالزكاة, فرط أو لم يفرط وقال مالكمالك: أراها تجزئه إذا أخرجها في محلها وإن أخرجها بعد ذلك ضمنها وقال مالكمالك: يزكي ما بقي بقسطه وإن بقي عشرة دراهم ولناولنا, أنه حق متعين على رب المال تلف قبل وصوله إلى مستحقه فلم يبرأ منه بذلكبذلك, كدين الآدمي قال أحمدأحمد: ولو دفع إلى أحد زكاته خمسة دراهم فقبل أن يقبضها منه قالقال: اشتر لي بها ثوبا أو طعاما فذهبت الدراهمالدراهم, أو اشترى بها ما قال فضاع منه فعليه أن يعطي مكانها لأنه لم يقبضها منه ولو قبضها منه ثم ردها إليهإليه, وقالوقال: اشتر لي بها فضاعت أو ضاع ما اشترى بها فلا ضمان عليه إذا لم يكن فرط وإنما قال ذلك لأن الزكاة لا يملكها الفقير إلا بقبضهابقبضها, فإذا وكله في الشراء بها كان التوكيل فاسدا لأنه وكله في الشراء بما ليس له وبقيت على ملك رب المالالمال, فإذا تلفت كانت في ضمانهضمانه.
فصلفصل:
ولو عزل قدر الزكاة فنوى أنه زكاة فتلففتلف, فهو في ضمان رب المال ولا تسقط الزكاة عنه بذلك سواء قدر على أن يدفعها إليه أو لم يقدريقدر, والحكم فيه كالمسألة التي قبلها ا هـهـ.
فصلفصل:
ولو أسلم في دار الحرب وأقام بها سنين لم يؤد زكاة أو غلب الخوارج على بلدةبلدة, فأقام أهله سنين لا يؤدون الزكاة ثم غلب عليهم الإمام أدوا الماضيالماضي, وهذا مذهب مالك والشافعي وقال أصحاب الرأيالرأي: لا زكاة عليهم لما مضى في المسألتين ولنا أن الزكاة من أركان الإسلامالإسلام, فلم تسقط عمن هو في غير قبضة الإمام كالصلاة والصياموالصيام.
فصلفصل:
إذا تولى الرجل إخراج زكاته فالمستحب أن يبدأ بأقاربه الذين يجوز دفع الزكاة إليهم (فإنفإن زينب سألت النبي - صلى الله عليه وسلم- : أيجزئ عني من الصدقة النفقة على زوجي؟زوجي؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : لها أجرانأجران: أجر الصدقةالصدقة, وأجر القرابةالقرابة) رواه البخاري وابن ماجه وفي لفظلفظ: أيسعني أن أضع صدقتي في زوجي وبني أخ لي أيتام؟أيتام؟ فقال " نعم لها أجرانأجران: أجر الصدقة وأجر القرابة " رواه النسائي (ولماولما تصدق أبو طلحة بحائطهبحائطه, قال النبي - صلى الله عليه وسلم- : اجعله في قرابتكقرابتك) رواه أبو داود ويستحب أن يبدأ بالأقرب فالأقرب إلا أن يكون منهم من هو أشد حاجة فيقدمه ولو كان غير القرابة أحوج أعطاه قال أحمدأحمد: إن كانت القرابة محتاجة أعطاهاأعطاها, وإن كان غيرهم أحوج أعطاهم ويعطي الجيران وقالوقال: إن كان قد عود قوما برا فيجعله في ماله ولا يجعله من الزكاةالزكاة, ولا يعطي الزكاة من يمون ولا من تجري عليه نفقته وإن أعطاهم لم يجز وهذا - والله أعلم - إذا عودهم برا من غير الزكاةالزكاة, وإذا أعطى من تجري عليه نفقته شيئا يصرفه في نفقته فأما إن عودهم دفع زكاته إليهم أو أعطى من تجرى عليه نفقته تطوعا شيئا من الزكاة يصرفه في غير النفقة وحوائجهوحوائجه, فلا بأس وقال أبو داودداود: قلت لأحمدلأحمد: يعطى أخاه وأخته من الزكاة؟الزكاة؟ قالقال: نعم إذا لم يق به ماله أو يدفع به مذمة قيل لأحمدلأحمد: فإذا استوى فقراء قراباتي والمساكين؟والمساكين؟ قالقال: فهم كذلك أولى فأما إن كان غيرهم أحوجأحوج, فإنما يريد يغنيهم ويدع غيرهم فلا قيل لهله: فيعطي امرأة ابنه من الزكاة قالقال: إن كان لا يريد به كذا - شيئا ذكره - فلا بأس به كأنه أراد منفعة ابنه قال أحمدأحمد: كان العلماء يقولون في الزكاةالزكاة: لا تدفع بها مذمة ولا يحابي بها قريبقريب, ولا يبقي بها مالا وسئل أحمد عن رجل له قرابة يجري عليها من الزكاة؟الزكاة؟ قالقال: إن كان عدها من عياله فلا يعطيها قيل لهله: إنما يجري عليها شيئا معلوما في كل شهر قالقال: إذا كفاها ذلك وفي الجملةالجملة, من لا يجب عليه الإنفاق عليه فله دفع الزكاة إليه ويقدم الأحوج فالأحوجفالأحوج, فإن شاءوا قدم من هو أقرب إليه ثم من كان أقرب في الجوار وأكثر دينا وكيف فرقها بعد ما يضعها في الأصناف الذين سماهم الله تعالىتعالى, جاز والله أعلمأعلم.
باب زكاة الزروع والثماروالثمار:
والأصل فيها الكتاب والسنة أما الكتاب فقول الله تعالىتعالى: {يايا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرضالأرض} [البقرةالبقرة: 267267]. والزكاة تسمى نفقة بدليل قوله تعالىتعالى: {والذينوالذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل اللهالله} [التوبةالتوبة: 3434]. وقال الله تعالىتعالى: {وآتواوآتوا حقه يوم حصادهحصاده} [الأنعامالأنعام: 141141]. قال ابن عباسعباس: حقهحقه: الزكاة المفروضة وقال مرةمرة: العشرالعشر, ونصف العشر ومن السنة قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (ليسليس فيما دون خمسة أوسق صدقةصدقة) متفق عليه وعن ابن عمر (عنعن النبي - صلى الله عليه وسلم- قالقال: فيما سقت السماء والعيون وكان عثريا العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشرالعشر) أخرجه البخاري وأبو داودداود, والترمذي وعن جابر أنه (سمعسمع النبي - صلى الله عليه وسلم- يقوليقول: فيما سقت الأنهار والغيم العشر وفيما سقي بالسانية نصف العشرالعشر) أخرجه مسلممسلم, وأبو داود وأجمع أهل العلم على أن الصدقة واجبة في الحنطة والشعير والتمروالتمر, والزبيب قاله ابن المنذر وابن عبد البر
فصلفصل:
ولا شيء فيما ينبت من المباح الذي لا يملك إلا بأخذه كالبطمكالبطم, والعفص والزعبل وهو شعير الجبل وبزر قطوناقطونا, وبزر البقلة وحب الثمام والقت وهو بزر الأشنان إذا أدرك وتناهى نضجه حصلت فيه مرورة وملوحةوملوحة, وأشباه هذا ذكره ابن حامد لأنه إنما يملك بحيازته وأخذ الزكاة إنما تجب فيه إذا بدا صلاحه وفي تلك الحال لم يكن مملوكا لهله, فلا يتعلق به الوجوب كالذي يلتقطه اللقاط من السنبل فإنه لا زكاة فيه نص عليه أحمد وذكر القاضي في المباح أن فيه الزكاة إذا نبت في أرضهأرضه, ولعله بنى هذا على أن ما نبت في أرضه من الكلأ يكون ملكا له والصحيح خلافه فأما إن نبت في أرضه ما يزرعه الآدميون مثل أن سقط في أرض إنسان حب من الحنطة أو الشعيرالشعير, فنبت ففيه الزكاة لأنه يملكه ولو اشترى زرعا بعد بدو الصلاح فيه أو ثمرة قد بدا صلاحها أو ملكها بجهة من جهات الملكالملك, لم تجب فيه الزكاة لما ذكرناذكرنا.
فصلفصل:
ولا تجب فيما ليس بحب ولا ثمر سواء وجد فيه الكيل والادخار أو لم يوجد فلا تجب في ورق مثل ورق السدر والخطمى والأشنان والصعتر والآس ونحوه لأنه ليس بمنصوص عليهعليه, ولا في معنى المنصوص ومفهوم قوله عليه السلامالسلام: (لالا زكاة في حب ولا ثمر حتى يبلغ خمسة أوسقأوسق) أن الزكاة لا تجب في غيرهما قال ابن عقيلعقيل: في ثمر السدر فورقه أولى ولأن الزكاة لا تجب في الحب المباحالمباح, ففي الورق أولى ولا زكاة في الأزهار كالزعفران والعصفروالعصفر, والقطن لأنه ليس بحب ولا ثمر ولا هو بمكيل فلم تجب فيه زكاةزكاة, كالخضراوات قال أحمدأحمد: ليس في القطن شيء وقالوقال: ليس في الزعفران زكاة وهذا ظاهر كلام الخرقي واختيار أبي بكر وروى عن على في الفاكهة والبقل والتوابل والزعفران زكاة وعن عمر أنه قالقال: إنما سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب وكذلك عبد الله بن عمر وحكي عن أحمد أن في القطن والزعفران زكاة وخرج أبو الخطاب في العصفر والورس وجهاوجها, قياسا على الزعفران والأولى ما ذكرناه وهذا مخالف لأصول أحمد قالقال: المروي عنه روايتانروايتان: إحداهما أنه لا زكاة إلا في الأربعة والثانيةوالثانية: أنها إنما تجب في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذرة والسلت والأرز والعدسوالعدس, وكل شيء يقوم مقام هذه حتى يدخر ويجري فيه القفيز مثلمثل: اللوبيا والحمص والسماسم والقطنيات ففيه الزكاة وهذا لا يجري فيه القفيزالقفيز, ولا هو في معنى ما سماهسماه.
فصلفصل:
واختلفت الرواية في الزيتون فقال أحمد في رواية ابنه صالحصالح: فيه العشر إذا بلغ - يعنى خمسة أوسق - وإن عصر قوم ثمنه لأن الزيت له بقاء وهذا قول الزهري والأوزاعيوالأوزاعي, ومالك والليث والثوريوالثوري, وأبي ثور وأصحاب الرأي وروى عن ابن عباس لقول الله تعالىتعالى: {وآتواوآتوا حقه يوم حصادهحصاده} [الأنعامالأنعام: 141141]. في سياق قولهقوله: {والزيتونوالزيتون والرمانوالرمان} [الأنعامالأنعام: 141141]. ولأنه يمكن ادخار غلته أشبه التمر والزبيب وعن أحمدأحمد: لا زكاة فيه وهو اختيار أبي بكربكر, وظاهر كلام الخرقي وهذا قول ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبي عبيدةعبيدة, وأحد قولي الشافعي لأنه لا يدخر يابسا فهو كالخضراوات والآية لم يرد بها الزكاةالزكاة, لأنها مكية والزكاة إنما فرضت بالمدينة ولهذا ذكر الرمان ولا عشر فيه وقال مجاهدمجاهد: إذا حصد زرعه ألقى لهم من السنبلالسنبل, وإذا جذ نخله ألقى لهم من الشماريخ وقال النخعي وأبو جعفرجعفر: هذه الآية منسوخة على أنها محمولة على ما يتأتى حصاده بدليل أن الرمان مذكور بعدهبعده, ولا زكاة فيه ا هـهـ.
فصلفصل:
الحكم الثاني أن الزكاة لا تجب في شيء من الزروع والثمار حتى تبلغ خمسة أوسق هذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن عمر وجابروجابر, وأبو أمامة بن سهل وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيدزيد, والحسن وعطاء ومكحولومكحول, والحكم والنخعي ومالكومالك, وأهل المدينة والثوري والأوزاعيوالأوزاعي, وابن أبي ليلى والشافعي وأبو يوسفيوسف, ومحمد وسائر أهل العلم لا نعلم أحدا خالفهم إلا مجاهدامجاهدا, وأبا حنيفة ومن تابعه قالواقالوا: تجب الزكاة في قليل ذلك وكثيره لعموم قوله عليه السلامالسلام: (فيمافيما سقت السماء العشرالعشر) ولأنه لا يعتبر له حول فلا يعتبر له نصاب ولناولنا, قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (ليسليس فيما دون خمسة أوسق صدقةصدقة) متفق عليه وهذا خاص يجب تقديمه وتخصيص عموم ما رووه به كما خصصنا قولهقوله: (فيفي سائمة الإبل الزكاةالزكاة) بقولهبقوله: (ليسليس فيما دون خمس ذود صدقةصدقة) وقولهوقوله: (فيفي الرقة ربع العشرالعشر) بقولهبقوله: (ليسليس فيما دون خمس أواق صدقةصدقة) ولأنه مال تجب فيه الصدقةالصدقة, فلم تجب في يسيره كسائر الأموال الزكائية وإنما لم يعتبر الحول لأنه يكمل نماؤه باستحصاده لا ببقائه واعتبر الحول في غيره لأنه مظنة لكمال النماء في سائر الأموالالأموال, والنصاب اعتبر ليبلغ حدا يحتمل المواساة منه فلهذا اعتبر فيه يحققه أن الصدقة إنما تجب على الأغنياءالأغنياء, بما قد ذكرنا فيما تقدم ولا يحصل الغنى بدون النصاب كسائر الأموال الزكائية ا هـهـ.
فصلفصل:
وتعتبر خمسة الأوسق بعد التصفية في الحبوبالحبوب, والجفاف في الثمار فلو كان له عشرة أوسق عنبا لا يجيء منه خمسة أوسق زبيبازبيبا, لم يجب عليه شيء لأنه حال وجوب الإخراج منه فاعتبر النصاب بحاله وروى الأثرم عنهعنه: أنه يعتبر نصاب النخل والكرم عنبا ورطباورطبا, ويؤخذ منه مثل عشر الرطب تمرا اختاره أبو بكر وهذا محمول على أنه أراد يؤخذ عشر ما يجيء به منه من التمر إذا بلغ رطبها خمسة أوسق لأن إيجاب قدر عشر الرطب من التمر إيجاب لأكثر من العشر وذلك يخالف النص والإجماع فلا يجوز أن يحمل عليه كلام أحمدأحمد, ولا قول إمام ا هـهـ.
فصلفصل:
والعلسوالعلس: نوع من الحنطة يدخر في قشره ويزعم أهله أنه إذا أخرج من قشره لا يبقى بقاء غيره من الحنطة ويزعمون أنه يخرج على النصف فيعتبر نصابه في قشره للضرر في إخراجهإخراجه, فإذا بلغ بقشره عشرة أوسق ففيه العشر لأن فيه خمسة أوسق وإن شككنا في بلوغه نصابانصابا, خير صاحبه بين إخراج عشره وبين إخراجه من قشره ليقدره بخمسة أوسق كقولنا في مغشوش الذهب والفضة إذا شككنا في بلوغ ما فيهما نصابا ولا يجوز تقدير غيره من الحنطة في قشرهقشره, ولا إخراجه قبل تصفيته لأن الحاجة لا تدعو إلى إبقائه في قشره ولا العادة جارية به ولا يعلم قدر ما يخرج منهمنه.
فصلفصل:
ونصاب الزيتون خمسة أوسق نص عليه أحمد في رواية صالح ونصاب الزعفران والقطن وما ألحق بهما من الموزوناتالموزونات, ألف وستمائة رطل بالعراقي لأنه ليس بمكيل فيقوم وزنه مقام كيله ذكره القاضي في " المجرد " وحكى عنهعنه: إذا بلغت قيمته نصابا من أدنى ما تخرجه الأرض مما فيه الزكاةالزكاة, ففيه الزكاة وهذا قول أبي يوسف في الزعفران لأنه لم يمكن اعتباره بنفسه فاعتبر بغيره كالعروض تقوم بأدنى النصابين من الأثمان وقال أصحاب الشافعي في الزعفرانالزعفران: تجب الزكاة في قليله وكثيره ولا أعلم لهذه الأقوال دليلا ولا أصلا يعتمد عليه ويردها قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (ليسليس فيما دون خمسة أوسق صدقةصدقة) وإيجاب الزكاة في قليله وكثيره مخالف لجميع أموال الزكاة واعتباره بغيره مخالف لجميع ما يجب عشرهعشره, واعتباره بأقل ما فيه الزكاة قيمة لا نظير له أصلا وقياسه على العروض لا يصح لأن العروض لا تجب الزكاة في عينها وإنما تجب في قيمتهاقيمتها, تؤدى من القيمة التي اعتبرت بها والقيمة يرد إليها كل الأموال المتقومات فلا يلزم من الرد إليها الرد إلى ما لم يرد إليه شيء أصلاأصلا, ولا تخرج الزكاة منه ولأن هذا مال تخرج الزكاة من جنسه فاعتبر نصابه بنفسهبنفسه, كالحبوب ولأنه خارج من الأرض يجب فيه العشر أو نصفه فأشبه سائر ما يجب فيه ذلكذلك, ولأنه مال تجب فيه الزكاة فلم يجب في قليله وكثيره كسائر الأموالالأموال, ولأنه لا نص فيما ذكروه ولا إجماع ولا هو في معناهما فوجب أن لا يقال به لعدم دليله ا هـ انتهى
فصلفصل:
الحكم الثالثالثالث, أن العشر يجب فيما سقي بغير مؤنة كالذي يشرب من السماء والأنهار وما يشرب بعروقهبعروقه, وهو الذي يغرس في أرض ماؤها قريب من وجهها فتصل إليه عروق الشجر فيستغنى عن سقيسقي, وكذلك ما كانت عروقه تصل إلى نهر أو ساقية ونصف العشر فيما سقى بالمؤن كالدوالي والنواضح لا نعلم في هذا خلافًا وهو قول مالك والثوريوالثوري, والشافعي وأصحاب الرأي وغيرهم والأصل فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (فيمافيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشرالعشر, وما سقى بالنضح نصف العشرالعشر) رواه البخاري قال أبو عبيد العثرىالعثرى: ما تسقيه السماء وتسميه العامةالعامة: العذى وقال القاضيالقاضي: هو الماء المستنقع في بركة أو نحوهانحوها, يصب إليه ماء المطر في سواق تشق له فإذا اجتمع سقى منه واشتقاقه من العاثورالعاثور, وهي الساقية التي يجري فيها الماء لأنها يعثر بها من يمر بها وفي رواية مسلممسلم: (وفيماوفيما يسقى بالسانية نصف العشرالعشر) والسوانيوالسواني: هي النواضح وهي الإبل يستقى بها لشرب الأرض وعن معاذمعاذ, قالقال: (بعثنيبعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن فأمرني أن آخذ مما سقت السماء أو سقى بعلابعلا, العشر وما سقى بدالية نصف العشرالعشر) قال أبو عبيدعبيد: البعل ما شرب بعروقه من غير سقي وفي الجملة كل ما سقي بكلفة ومؤنةومؤنة, من دالية أو سانية أو دولاب أو ناعورة أو غير ذلك ففيه نصف العشر وما سقي بغير مؤنةمؤنة, ففيه العشر لما روينا من الخبر ولأن للكلفة تأثيرا في إسقاط الزكاة جملة بدليل المعلوفةالمعلوفة, فبأن يؤثر في تخفيفها أولى ولأن الزكاة إنما تجب في المال النامي وللكلفة تأثير في تقليل النماءالنماء, فأثرت في تقليل الواجب فيها ولا يؤثر حفر الأنهار والسواقي في نقصان الزكاة لأن المؤنة تقل لأنها تكون من جملة إحياء الأرض ولا تتكرر كل عام وكذلك لا يؤثر احتياجها إلى ساق يسقيهايسقيها, ويحول الماء في نواحيها لأن ذلك لا بد منه في كل سقي بكلفة فهو زيادة على المؤنة في التنقيصالتنقيص, يجري مجرى حرث الأرض وتحسينها وإن كان الماء يجري من النهر في ساقية إلى الأرض ويستقر في مكان قريب من وجهها لا يصعد إلا بغرف أو دولابدولاب, فهو من الكلفة المسقطة لنصف الزكاة على ما مر لأن مقدار الكلفة وقرب الماء وبعده لا يعتبر والضابط لذلك هو أن يحتاج في ترقية الماء إلى الأرض بآلة من غرف أو نضح أو دالية ونحو ذلك وقد وجد ا هـهـ.
فصلفصل:
فإن سقي نصف السنة بكلفةبكلفة, ونصفها بغير كلفة ففيه ثلاثة أرباع العشر وهذا قول مالك والشافعيوالشافعي, وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا لأن كل واحد منهما لو وجد في جميع السنة لأوجب مقتضاه فإذا وجد في نصفها أوجب نصفهنصفه, وإن سقي بأحدهما أكثر من الآخر اعتبر أكثرهما فوجب مقتضاه وسقط حكم الآخر نص عليه وهو قول عطاءعطاء, والثوري وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وقال ابن حامدحامد: يؤخذ بالقسط وهو القول الثاني للشافعي لأنهما لو كانا نصفين أخذ بالحصةبالحصة, فكذلك إذا كان أحدهما أكثر كما لو كانت الثمرة نوعين ووجه الأول أن اعتبار مقدار السقي وعدد مراته وقدر ما يشرب في كل سقية يشق ويتعذر فكان الحكم للأغلب منهما كالسوم في الماشية وإن جهل المقدارالمقدار, غلبنا إيجاب العشر احتياطا نص عليه أحمد في رواية عبد الله لأن الأصل وجوب العشر وإنما يسقط بوجود الكلفة فما لم يتحقق المسقط يبقى على الأصلالأصل, ولأن الأصل عدم الكلفة في الأكثر فلا يثبت وجودها مع الشك فيه وإن اختلف الساعي ورب المالالمال, في أيهما سقى به أكثر فالقول قول رب المال بغير يمينيمين, فإن الناس لا يستحلفون على صدقاتهم ا هـهـ.
فصلفصل:
وإذا كان لرجل حائطان سقي أحدهما بمؤنة والآخر بغير مؤنةمؤنة, ضم غلة أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب أو أخرج من الذي سقي بغير مؤنة عشره ومن الآخر نصف عشره كما يضم أحد النوعين إلى الآخرالآخر, ويخرج من كل واحد منهما ما وجب فيهفيه.
مسألة:
مسألة:
قالقال: [والوسقوالوسق ستون صاعا والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقيبالعراقي] أما كون الوسق ستين صاعا فلا خلاف فيه قال ابن المنذر هو قول كل من يحفظ عنه من أهل العلم وقد روى الأثرمالأثرم, عن سلمة بن صخر عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قالقال: (الوسقالوسق ستون صاعاصاعا) وروى أبو سعيد وجابروجابر, عن النبي - صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك رواه ابن ماجه وأما كون الصاع خمسة أرطال وثلثا ففيه اختلاف ذكرناه في باب الطهارة وبينا أنه خمسة أرطال وثلث بالعراقيبالعراقي, فيكون مبلغ الخمسة الأوسق ثلاثمائة صاع وهو ألف وستمائة رطل بالعراقي والرطل العراقيالعراقي: مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهمدرهم, ووزنه بالمثاقيل سبعون مثقالا ثم زيد في الرطل مثقال آخر وهو درهم وثلاثة أسباع فصار إحدى وتسعين مثقالامثقالا, وكملت زنته بالدراهم مائة وثلاثين درهما والاعتبار بالأول قبل الزيادة فيكون الصاع بالرطل الدمشقيالدمشقي, الذي هو ستمائة درهم رطلا وسبعا وذلك أوقية وخمسة أسباع أوقيةأوقية, ومبلغ الخمسة الأوسق بالرطل الدمشقي ثلاثمائة رطل واثنان وأربعون رطلا وعشر أواق وسبع أوقية وذلك ستة أسباع رطلرطل.
فصلفصل:
قال القاضيالقاضي: وهذا النصاب معتبر تحديدا فمتى نقص شيئاشيئا, لم تجب الزكاة لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : (ليسليس فيما دون خمسة أوسق صدقةصدقة) والناقص عنها لم يبلغها إلا أن يكون نقصا يسيرا يدخل في المكاييلالمكاييل, كالأوقية ونحوها فلا عبرة به لأن مثل ذلك يجوز أن يدخل في المكاييل فلا ينضبطينضبط, فهو كنقص الحول ساعة أو ساعتينساعتين.
فصلفصل:
ولا وقص في نصاب الحبوب والثمار بل مهما زاد على النصاب أخرج منه بالحساب فيخرج عشر جميع ما عنده فإنه لا ضرر في تبعيضه بخلاف الماشيةالماشية, فإن فيها ضررا على ما تقدمتقدم.
فصلفصل:
وإذا وجب عليه عشر مرة لم يجب عليه عشر آخرآخر, وإن حال عنده أحوالا لأن هذه الأموال غير مرصدة للنماء في المستقبل بل هي إلى النقص أقرب والزكاة إنما تجب في الأشياء الناميةالنامية, ليخرج من النماء فيكون أسهل فإن اشترى شيئا من ذلك للتجارة صار عرضا تجب فيه زكاة التجارة إذا حال عليه الحول والله أعلمأعلم.
فصلفصل:
ووقت وجوب الزكاة في الحب إذا اشتد وفي الثمرة إذا بدا صلاحها وقال ابن أبي موسىموسى: تجب زكاة الحب يوم حصاده لقول الله تعالىتعالى: {وآتواوآتوا حقه يوم حصادهحصاده} [الأنعامالأنعام: 141141]. وفائدة الخلاف أنه لو تصرف في الثمرة أو الحب قبل الوجوبالوجوب, لا شيء عليه لأنه تصرف فيه قبل الوجوب فأشبه ما لو أكل السائمة أو باعها قبل الحول وإن تصرف فيها بعد الوجوب لم تسقط الزكاة عنهعنه, كما لو فعل ذلك في السائمة ولا يستقر الوجوب على كلا القولين حتى تصير الثمرة في الجريب والزرع في البيدر ولو تلف قبل ذلك بغير إتلافه أو تفريط منه فيه فلا زكاة عليه قال أحمدأحمد: إذا خرص وترك في رءوس النخلالنخل, فعليهم حفظه فإن أصابته جائحة فذهبت الثمرة سقط عنهم الخرصالخرص, ولم يؤخذوا به ولا نعلم في هذا خلافا قال ابن المنذرالمنذر: أجمع أهل العلم على أن الخارص إذا خرص الثمرة ثم أصابته جائحةجائحة, فلا شيء عليه إذا كان قبل الجذاذ ولأنه قبل الجذاذ في حكم ما لا تثبت اليد عليه بدليل أنه لو اشترى ثمرة فتلفت بجائحة رجع بها على البائعالبائع, وإن تلف بعض الثمرة فقال القاضيالقاضي: إن كان الباقي نصابا ففيه الزكاة وإلا فلا وهذا القول يوافق قول من قالقال: لا تجب الزكاة فيه إلا يوم حصاده لأن وجوب النصاب شرط في الوجوبالوجوب, فمتى لم يوجد وقت الوجوب لم يجب وأما من قالقال: إن الوجوب ثبت إذا بدا الصلاح واشتد الحب فقياس قولهقوله: إن تلف البعض إن كان قبل الوجوب فهو كما قال القاضيالقاضي, وإن كان بعده وجب في الباقي بقدره سواء كان نصابا أو لم يكن نصابا لأن المسقط اختص بالبعضبالبعض, فاختص السقوط به كما لو تلف بعض نصاب السائمة بعد وجوب الزكاة فيها وهذا فيما إذا تلف بغير تفريطه وعدوانه فأما إن أتلفها أو تلفت بتفريطه أو عدوانه بعد الوجوبالوجوب, لم تسقط عنه الزكاة وإن كان قبل الوجوب سقطتسقطت, إلا أن يقصد بذلك الفرار من الزكاة فيضمنها ولا تسقط عنهعنه, ومتى ادعى رب المال تلفها بغير تفريطه قبل قوله من غير يمين سواء كان ذلك قبل الخرص أو بعدهبعده, ويقبل قوله أيضا في قدرها بغير يمين وكذلك في سائر الدعاوى قال أحمدأحمد: لا يستحلف الناس على صدقاتهم وذلك لأنه حق لله تعالىتعالى, فلا يستحلف فيه كالصلاة والحدوالحد.
فصلفصل:
وإن جذها وجعلها في الجرين أو جعل الزرع في البيدرالبيدر, استقر وجوب الزكاة عليه عند من لم ير التمكن من الأداء شرطا في استقرار الوجوب فإن تلفت بعد ذلك لم تسقط الزكاة عنهعنه, وعليه ضمانها كما لو تلف نصاب السائمة أو الأثمان بعد الحول وعلى الرواية الأخرى في كون التمكن من الأداء معتبرامعتبرا, لا يستقر الوجوب فيها حتى تجف الثمرة ويصفي الحب ويتمكن من أداء حقهحقه, فلا يفعل وإن تلف قبل ذلك فلا شيء عليهعليه, على ما ذكرنا في غير هذاهذا.
فصلفصل:
ويصح تصرف المالك في النصاب قبل الخرص وبعده بالبيع والهبة وغيرهما فإن باعه أو وهبه بعد بدو صلاحهصلاحه, فصدقته على البائع والواهب وبهذا قال الحسن ومالك والثوريوالثوري, والأوزاعي وبه قال الليث إلا أن يشترطها على المبتاعالمبتاع, وإنما وجبت على البائع لأنها كانت واجبة عليه قبل البيع فبقي على ما كان عليه وعليه إخراج الزكاة من جنس المبيع والموهوب وعن أحمد أنه مخير بين أن يخرج ثمرا أو من الثمن قال القاضيالقاضي: والصحيح أن عليه عشر الثمرة فإنه لا يجوز إخراج القيمة في الزكاةالزكاة, على صحيح المذهب ولأن عليه القيام بالثمرة حتى يؤدي الواجب منها ثمرا فلا يسقط ذلك عنه ببيعها ولا هبتها ويتخرج أن تجب الزكاة على المشتريالمشتري, على قول من قالقال: إن الزكاة إنما تجب يوم حصاده لأن الوجوب إنما تعلق بها في ملك المشترى فكان عليه ولو اشترى ثمرة قبل بدو صلاحهاصلاحها, ثم بدا صلاحها في يد المشترى على وجه صحيح مثل أن يشترى نخلة مثمرة ويشترط ثمرتهاثمرتها, أو وهبت له ثمرة قبل بدو صلاحها فبدا صلاحها في يد المشتري أو المتهب أو وصى له بثمرة فقبلها بعد موت الموصيالموصي, ثم بدا صلاحها فالصدقة عليه لأن سبب الوجوب وجد في ملكه فكان عليهعليه, كما لو اشترى سائمة أو اتهبها فحال الحول عليها عنده ا هـ.
فصلفصل:
وإذا اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها فتركها حتى بدا صلاحهاصلاحها, فإن لم يكن شرط القطع فالبيع باطل وهي باقية على ملك البائعالبائع, وزكاتها عليه وإن شرط القطع فقد روى أن البيع باطل أيضاأيضا, ويكون الحكم فيها كما لو لم يشترط القطع وروى أن البيع صحيح ويشتركان في الزيادة فعلى هذا يكون على المشتري زكاة حصته منها إن بلغت نصابانصابا, فإن لم يكن المشتري من أهل الزكاة كالمكاتب والذمي فلا زكاة فيهافيها, وإن عاد البائع فاشتراها بعد بدو الصلاح أو غيره فلا زكاة فيها إلا أن يكون قصد ببيعها الفرار من الزكاةالزكاة, فلا تسقطتسقط.
فصلفصل:
وإن تلفت الثمرة قبل بدو الصلاح أو الزرع قبل اشتداد الحب فلا زكاة فيه وكذلك إن أتلفه المالكالمالك, إلا أن يقصد الفرار من الزكاة وسواء قطعها للأكل أو للتخفيف عن النخيل لتحسين بقية الثمرةالثمرة, أو حفظ الأموال إذا خاف عليها العطش أو ضعف الجمار فقطع الثمرة أو بعضها بحيث نقص النصابالنصاب, أو قطعها لغير غرض فلا زكاة عليه لأنها تلفت قبل وجوب الزكاة وتعلق حق الفقراء بهابها, فأشبه ما لو هلكت السائمة قبل الحول وإن قصد بقطعها الفرار من الزكاة لم تسقط عنه لأنه قصد قطع حق من انعقد سبب استحقاقهاستحقاقه, فلم تسقط كما لو طلق امرأته في مرض موتهموته.
فصلفصل:
وينبغي أن يبعث الإمام ساعيه إذا بدا صلاح الثمار ليخرصهاليخرصها, ويعرف قدر الزكاة ويعرف المالك ذلك وممن كان يرى الخرص عمر بن الخطاب وسهل بن أبي حثمة ومروانومروان, والقاسم بن محمد والحسن وعطاءوعطاء, والزهري وعمرو بن دينار وعبد الكريم بن أبي المخارقالمخارق, ومالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثورثور, وأكثر أهل العلم وحكي عن الشعبي أن الخرص بدعة وقال أهل الرأيالرأي: الخرص ظن وتخمين لا يلزم به حكم وإنما كان الخرص تخويفا للأكرة لئلا يخونوايخونوا, فأما أن يلزم به حكم فلا ولنا ما روي الزهريالزهري, عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد (أنأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهموثمارهم) رواه أبو داود وابن ماجهماجه, والترمذي وفي لفظ عن عتاب قالقال: (أمرأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يخرص العنب كما يخرص النخلالنخل, وتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ زكاة النخل تمراتمرا) وقد عمل به النبي - صلى الله عليه وسلم- فخرص على امرأة بوادي القرى حديقة لها ورواه الإمام أحمد في " مسنده " وعمل به أبو بكر بعده والخلفاء وقالت عائشةعائشة, وهي تذكر شأن خيبرخيبر: (كانكان النبي - صلى الله عليه وسلم- يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منهمنه) متفق عليه رواه أبو داود وقولهموقولهم: هو ظن قلناقلنا: بل هو اجتهاد في معرفة قدر الثمر وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير والمعاييروالمعايير, فهو كتقويم المتلفات ووقت الخرص حين يبدو صلاحه لقول عائشة ـ رضي الله عنه ـا يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص عليهم النخل حين يطيبيطيب, قبل أن يؤكل منه ولأن فائدة الخرص معرفة الزكاة وإطلاق أرباب الثمار في التصرف فيها والحاجة إنما تدعو إلى ذلك حين يبدو الصلاحالصلاح, وتجب الزكاة
فصلفصل:
ويجزئ خارص واحد لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يبعث ابن رواحة فيخرص ولم يذكر معه غيرهغيره, ولأن الخارص يفعل ما يؤديه اجتهاده إليه فهو كالحاكم والقائف ويعتبر في الخارص أن يكون أمينا غير متهممتهم.
فصلفصل:
وصفة الخرص تختلف باختلاف الثمرةالثمرة, فإن كان نوعا واحدا فإنه يطيف بكل نخلة أو شجرة وينظر كم في الجميع رطبا أو عنباعنبا, ثم يقدر ما يجيء منها تمرا وإن كان أنواعا خرص كل نوع على حدته لأن الأنواع تختلف فمنها ما يكثر رطبه ويقل تمرهتمره, ومنها ما يكون بالعكس وهكذا العنب ولأنه يحتاج إلى معرفة قدر كل نوعنوع, حتى يخرج عشره فإذا خرص على المالك وعرفه قدر الزكاةالزكاة, خيره بين أن يضمن قدر الزكاة ويتصرف فيها بما شاء من أكل وغيره وبين حفظها إلى وقت الجداد والجفافوالجفاف, فإن اختار حفظها ثم أتلفها أو تلفت بتفريطه فعليه ضمان نصيب الفقراء بالخرص وإن أتلفها أجنبيأجنبي, فعليه قيمة ما أتلف والفرق بينهما أن رب المال وجب عليه تجفيف هذا الرطب بخلاف الأجنبي ولهذا قلنا في من أتلف أضحيته المتعينةالمتعينة: عليه أضحية مكانها وإن أتلفها أجنبي فعليه قيمتها وإن تلفت بجائحة من السماءالسماء, سقط عنهم الخرص نص عليه أحمد لأنها تلفت قبل استقرار زكاتها وإن ادعى تلفها بغير تفريطه فالقول قوله بغير يمينيمين, كما تقدم وإن حفظها إلى وقت الإخراج فعليه زكاة الموجود لا غيرغير, سواء اختار الضمان أو حفظها على سبيل الأمانة وسواء كانت أكثر مما خرصه الخارص أو أقل وبهذا قال الشافعي وقال مالكمالك: يلزمه ما قال الخارصالخارص, زاد أو نقص إذا كانت الزكاة متقاربة لأن الحكم انتقل إلى ما قال الساعي بدليل وجوب ما قال عند تلف المال ولناولنا, أن الزكاة أمانة فلا تصير مضمونة بالشرط كالوديعة ولا نسلم أن الحكم انتقل إلى ما قال الساعيالساعي, وإنما يعمل بقوله إذا تصرف في الثمرة ولم يعلم قدرها لأن الظاهر إصابته قال أحمدأحمد: إذا خرص على الرجل فإذا فيه فضل كثيركثير, مثل الضعف تصدق بالفضل لأنه يخرص بالسوية وهذه الرواية تدل على مثل قول مالك وقالوقال: إذا تجافى السلطان عن شيء من العشر يخرجه فيؤديه وقالوقال: إذا حط من الخرص عن الأرضالأرض, يتصدق بقدر ما نقصوه من الخرص وإن أخذ منهم أكثر من الواجب عليهم فقال أحمدأحمد: يحتسب لهم من الزكاة لسنة أخرى ونقل عنه أبو داود لا يحتسب بالزيادة لأن هذا غاصب وقال أبو بكربكر: وبهذا أقول ويحتمل أن يجمع بين الروايتين فيحتسب به إذا نوى صاحبه به التعجيلالتعجيل, ولا يحتسب به إذا لم ينو ذلكذلك.
فصلفصل:
وإن ادعى رب المال غلط الخارص وكان ما ادعاه محتملا قبل قوله بغير يمين وإن لم يكن محتملامحتملا, مثل أن يدعي غلط النصف ونحوه لم يقبل منه لأنه لا يحتمل فيعلم كذبه وإن قالقال: لم يحصل في يدي غير هذا قبل منه بغير يمين لأنه قد يتلف بعضها بآفة لا نعلمهانعلمها.
فصلفصل:
وعلى الخارص أن يترك في الخرص الثلث أو الربعالربع, توسعة على أرباب الأموال لأنهم يحتاجون إلى الأكل هم وأضيافهم ويطعمون جيرانهم وأهلهم وأصدقاءهم وسؤالهم ويكون في الثمرة السقاطة وينتابها الطير وتأكل منه المارةالمارة, فلو استوفى الكل منهم أضر بهم وبهذا قال إسحاق ونحوه قال الليث وأبو عبيد والمرجع في تقدير المتروك إلى الساعي باجتهادهباجتهاده, فإن رأى الأكلة كثيرا ترك الثلث وإن كانوا قليلا ترك الربع لما روى سهل بن أبي حثمة ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يقوليقول: إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربعالربع) رواه أبو عبيدعبيد, وأبو داود والنسائي والترمذي وروى أبو عبيدعبيد, بإسناده عن مكحول قالقال: (كانكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا بعث الخراص قالقال: خففوا على الناس فإن في المال العرية والواطئة والأكلةوالأكلة) قال أبو عبيدعبيد: الواطئةالواطئة: السابلة سموا بذلك لوطئهم بلاد الثمار مجتازين والأكلةوالأكلة: أرباب الثمار وأهلوهموأهلوهم, ومن لصق بهم ومنه حديث سهل في مال سعد بن أبي سعد حين قالقال: لولا إني وجدت فيه أربعين عريشا لخرصته تسعمائة وسقوسق, وكانت تلك العرش لهؤلاء الأكلة والعريةوالعرية: النخلة أو النخلات يهب إنسانا ثمرتها فجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قالقال: (ليسليس في العرايا صدقةصدقة) وروى ابن المنذر عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال لسهل بن أبي حثمةحثمة: إذا أتيت على نخل قد حضرها قوم فدع لهم ما يأكلون والحكم في العنب كالحكم في النخيل سواءسواء, فإن لم يترك لهم الخارص شيئا فلهم الأكل بقدر ذلك ولا يحتسب عليهم به نص عليه لأنه حق لهملهم, فإن لم يخرج الإمام خارصا فاحتاج رب المال إلى التصرف في الثمرة فأخرج خارصا جاز أن يأخذ بقدر ذلك ذكره القاضي وإن خرص هو وأخذ بقدر ذلكذلك, جاز ويحتاط في أن لا يأخذ أكثر مما له أخذهأخذه.
فصل:
فصل:
ويخرص النخل والكرم لما روينا من الأثر فيهما ولم يسمع بالخرص في غيرهما فلا يخرص الزرع في سنبله وبهذا قال عطاءعطاء, والزهري ومالك لأن الشرع لم يرد بالخرص فيه ولا هو في معنى المنصوص عليهعليه, لأن ثمرة النخل والكرم تؤكل رطبا فيخرص على أهله للتوسعة عليهم ليخلي بينهم وبين أكل الثمرة والتصرف فيهافيها, ثم يؤدون الزكاة منها على ما خرص ولأن ثمرة الكرم والنخل ظاهرة مجتمعة فخرصها أسهل من خرص غيرهاغيرها, وما عداهما فلا يخرص وإنما على أهله فيه الأمانة إذا صار مصفى يابسا ولا بأس أن يأكلوا منه ما جرت العادة بأكله ولا يحتسب عليهم وسئل أحمد عما يأكل أرباب الزروع من الفريك؟الفريك؟ قالقال: لا بأس به أن يأكل منه صاحبه ما يحتاج إليه وذلك لأن العادة جارية بهبه, فأشبه ما يأكله أرباب الثمار من ثمارهم فإذا صفى الحب أخرج زكاة الموجود كله ولم يترك منه شيء لأنه إنما ترك لهم في الثمرة شيء لكون النفوس تتوق إلى أكلها رطبةرطبة, والعادة جارية به وفي الزرع إنما يؤكل شيء يسير لا وقع لهله.
فصلفصل:
ولا يخرص الزيتونالزيتون, ولا غير النخل والكرم لأن حبه متفرق في شجره مستور بورقه ولا حاجة بأهله إلى أكلهأكله, بخلاف النخل والكرم فإن ثمرة النخل مجتمعة في عذوقه والعنب في عناقيدهعناقيده, فيمكن أن يأتي الخرص عليه والحاجة داعية إلى أكلهما في حال رطوبتهما وبهذا قال مالك وقال الزهري والأوزاعيوالأوزاعي, والليثوالليث: يخرص لأنه ثمر تجب فيه الزكاة فيخرص كالرطب والعنب ولناولنا: أنه لا نص في خرصه ولا هو في معنى المنصوصالمنصوص, فيبقى على الأصلالأصل.
فصلفصل:
ووقت الإخراج للزكاة بعد التصفية في الحبوب والجفاف في الثمار لأنه أوان الكمال وحال الادخار والمؤنة التي تلزم الثمرة إلى حين الإخراج على رب المال لأن الثمرة كالماشية ومؤنة الماشية وحفظها ورعيها والقيام عليها إلى حين الإخراجالإخراج, على ربها كذا ها هنا فإن أخذ الساعي الزكاة قبل التجفيف فقد أساءأساء, ويرده إن كان رطبا بحاله وإن تلف رد مثله وإن جففه وكان قدر الزكاةالزكاة, فقد استوفى الواجب وإن كان دونه أخذ الباقي وإن كان زائدا رد الفضل وإن كان المخرج لها رب المالالمال, لم يجزئه ولزمه إخراج الفضل بعد التجفيف لأنه أخرج غير الفرض فلم يجزئهيجزئه, كما لو أخرج الصغيرة من الماشية عن الكبارالكبار.
فصلفصل:
وإن احتيج إلى قطع الثمرة قبل كمالها خوفا من العطش أو لضعف الجمارالجمار, جاز قطعها لأن حق الفقراء إنما يجب على طريق المواساة فلا يكلف الإنسان من ذلك ما يهلك أصل ماله ولأن حفظ الأصل أحفظ للفقراء من حفظ الثمرةالثمرة, لأن حقهم يتكرر بحفظها في كل سنة فهم شركاء في النخل ثم إن كان يكفي تجفيف الثمرة دون قطع جميعها جففهاجففها, وإن لم يكف إلا قطع جميعها جاز وكذلك إن أراد قطع الثمرة لتحسين الباقي منها جاز وإذا أراد ذلك فقال القاضيالقاضي: يخير الساعي بين أن يقاسم رب المال الثمرة قبل الجداد بالخرصبالخرص, ويأخذ نصيبهم نخلة مفردة ويأخذ ثمرتها وبين أن يجذهايجذها, ويقاسمه إياها بالكيل ويقسم الثمرة في الفقراء وبين أن يبيعها من رب المال أو من غيره قبل الجداد أو بعدهبعده, ويقسم ثمنها في الفقراء وقال أبو بكربكر: عليه الزكاة فيه يابسا وذكر أن أحمد نص عليه وكذلك الحكم في العنب الذي لا يجيء منه زبيب كالخمري والرطب الذي لا يجيء منه تمر جيدجيد, كالبرنبا والهلياث فإن قيلقيل: فهلا قلتم لا زكاة فيه لأنه لا يدخر فهو كالخضراوات وطلع الفحال قلناقلنا: لأنه يدخر في الجملةالجملة, وإنما لم يدخر ها هنا لأن أخذه رطبا أنفع فلم تسقط منه الزكاة بذلكبذلك, ولا تجب فيه الزكاة حتى يبلغ حدا يكون منه خمسة أوسق تمرا أو زبيبا إلا على الرواية الأخرى وإذا أتلف رب المال هذه الثمرة فقال القاضيالقاضي: عليه قيمتهاقيمتها, كما لو أتلفها غير رب المال وعلى قول أبي بكربكر: يجب في ذمته العشر تمرا أو زبيبا كما في غير هذه الثمرة قالقال: فإن لم يجد التمرالتمر, ففيه قولانقولان: أحدهما يؤخذ منه قيمته والثانيوالثاني: يكون في ذمته وعليه أن يأتي بهبه.
فصلفصل:
فأما كيفية الإخراجالإخراج, فإن كان المال الذي فيه الزكاة نوعا واحدا أخذ منه جيدا كان أو رديئا لأن حق الفقراء يجب على طريق المواساة فهم بمنزلة الشركاءالشركاء, لا نعلم في هذا خلافا وإن كان أنواعا أخذ من كل نوع ما يخصه هذا قول أكثر أهل العلم وقال مالك والشافعيوالشافعي: يؤخذ من الوسط وكذلك قال أبو الخطابالخطاب, إذا شق عليه إخراج زكاة كل نوع منه قال ابن المنذرالمنذر: وقال غيرهماغيرهما: يؤخذ عشر ذلك من كل بقدره وهو أولى لأن الفقراء بمنزلة الشركاء فينبغي أن يتساووا في كل نوع منه ولا مشقة في ذلكذلك, بخلاف الماشية إذا كانت أنواعا فإن إخراج حصة كل نوع منه يفضي إلى تشقيص الواجب وفيه مشقة بخلاف الثمارالثمار, ولهذا وجب في الزائد بحسابه ولا يجوز إخراج الرديء لقوله تعالىتعالى: {ولاولا تيمموا الخبيث منه تنفقونتنفقون} [البقرةالبقرة: 267267]. قال أبو أمامة سهل بن حنيف في هذه الآيةالآية: هو الجعرور ولون الحبيق فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يؤخذ في الصدقةالصدقة) رواه النسائيالنسائي, وأبو عبيد قالقال: وهما ضربان من التمر أحدهما إنما يصير قشرا على نوى والآخر إذا أثمر صار حشفا ولا يجوز أخذ الجيد عن الرديء لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (إياكإياك وكرائم أموالهمأموالهم) فإن تطوع رب المال بذلك جازجاز, وله ثواب الفضل على ما ذكرنا في فضل الماشيةالماشية.
فصلفصل:
فأما الزيتون فإن كان مما لا زيت لهله, فإنه يخرج منه عشره حبا إذا بلغ النصاب لأنه حال كماله وادخاره يخرج منهمنه, كما يخرص الرطب في حال رطوبته وإن كان له زيت أخرج منه زيتا إذا بلغ الحب خمسة أوسق وهذا قول الزهريالزهري, والأوزاعي ومالك والليث قالواقالوا: يخرص الزيتونالزيتون, ويؤخذ زيتا صافيا وقال مالكمالك: إذا بلغ خمسة أوسق أخذ العشر من زيته بعد أن يعصر وقال الثوري وأبو حنيفةحنيفة: يخرج من حبه كسائر الثمار ولأنه الحالة التي تعتبر فيها الأوساقالأوساق, فكان إخراجه فيها كسائر الثمار وهذا جائز والأول أولى لأنه يكفي الفقراء مؤنته فيكون أفضلأفضل, كتجفيف التمر ولأنه حال كماله وادخاره فيخرج منهمنه, كما يخرص الرطب في حال رطوبته ويخرج منه إذا يبسيبس.
فصلفصل:
ومذهب أحمد أن في العسل العشر قال الأثرمالأثرم: سئل أبو عبد اللهالله: أنت تذهب إلى أن في العسل زكاة؟زكاة؟ قالقال: نعم أذهب إلى أن في العسل زكاة العشرالعشر, قد أخذ عمر منهم الزكاة قلتقلت: ذلك على أنهم تطوعوا به؟به؟ قال لا بل أخذه منهم ويروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز ومكحول والزهريوالزهري, وسليمان بن موسى والأوزاعي وإسحاق وقال مالكمالك, والشافعي وابن أبي ليلى والحسن بن صالحصالح, وابن المنذرالمنذر: لا زكاة فيه لأنه مائع خارج من حيوان أشبه اللبن قال ابن المنذرالمنذر: ليس في وجوب الصدقة في العسل خبر يثبت ولا إجماع فلا زكاة فيه وقال أبو حنيفةحنيفة: إن كان في أرض العشر ففيه الزكاةالزكاة, وإلا فلا زكاة فيه ووجه الأول ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يؤخذ في زمانه من قرب العسلالعسل, من كل عشر قرب قربة من أوسطهاأوسطها) رواه أبو عبيد والأثرم وابن ماجه وعن سليمان بن موسى ( أن أبا سيارة المتعي قالقال: قلت يا رسول اللهالله: إن لي نحلا قالقال: أد عشرها قالقال: فاحم إذا جبلها فحماه لهله) رواه أبو عبيدعبيد, وابن ماجه وروى الأثرم عن ابن أبي ذباب عن أبيه عن جده أن عمر ـ رضي الله عنه ـ أمره في العسل بالعشر أما الابن فإن الزكاة وجبت في أصله وهي السائمةالسائمة, بخلاف العسل وقول أبي حنيفة ينبني على أن العشر والخراج لا يجتمعان وسنذكر ذلك - إن شاء الله تعالى- .
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( والأرض أرضانأرضان: صلح وعنوة ) وجملته أن الأرض قسمانقسمان: صلح وعنوةوعنوة, فأما الصلح فهو كل أرض صالح أهلها عليها لتكون لهم ويؤدون خراجا معلوما فهذه الأرض ملك لأربابهالأربابها, وهذا الخراج في حكم الجزية متى أسلموا سقط عنهم ولهم بيعها وهبتها ورهنها لأنها ملك لهملهم, وكذلك إن صالحوا على أداء شيء غير موظف على الأرض وكذلك كل أرض أسلم عليها أهلها كأرض المدينة وشبههاوشبهها, فهذه ملك لأربابها لا خراج عليها ولهم التصرف فيها كيف شاءوا وأما الثانيالثاني, وهو ما فتح عنوة فهي ما أجلى عنها أهلها بالسيف ولم تقسم بين الغانمينالغانمين, فهذه تصير للمسلمين يضرب عليها خراج معلوم يؤخذ منها في كل عامعام, يكون أجرة لها وتقر في أيدي أربابها ما داموا يؤدون خراجهاخراجها, سواء كانوا مسلمين أو من أهل الذمة ولا يسقط خراجها بإسلام أربابها ولا بانتقالها إلى مسلم لأنه بمنزلة أجرتها ولم نعلم أن شيئا مما فتح عنوة قسم بين المسلمين إلا خيبرخيبر, فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قسم نصفها فصار ذلك لأهله لا خراج عليهعليه, وسائر ما فتح عنوة مما فتحه عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ومن بعده كأرض الشام والعراق ومصر وغيرها لم يقسم منه شيءشيء, فروى أبو عبيد في " الأموال " أن عمر ـ رضي الله عنه ـ قدم الجابية فأراد قسمة الأرض بين المسلمينالمسلمين, فقال له معاذمعاذ: والله إذا ليكونن ما تكره إنك إن قسمتها اليوم صار الريع العظيم في أيدي القوم ثم يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد والمرأةوالمرأة, ثم يأتي بعدهم قوم أخر يسدون من الإسلام مسدا وهم لا يجدون شيئا فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم فصار عمر إلى قول معاذ وروى أيضا قالقال: قال الماجشونالماجشون: قال بلال لعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ في القرى التي افتتحوها عنوةعنوة: اقسمها بيننابيننا, وخذ خمسها فقال عمرعمر: لا هذا عين المال ولكني أحبسه فيئا يجري عليهم وعلى المسلمين فقال بلال وأصحابه لعمرلعمر: اقسمها بيننا فقال عمرعمر: اللهم اكفني بلالا وذويه قال فما حال الحول ومنهم عين تطرف وروىوروى, بإسناده عن سفيان بن وهب الخولاني قالقال: لما افتتح عمرو بن العاص مصر قام ابن الزبيرالزبير, فقالفقال: يا عمرو بن العاص اقسمها فقال عمروعمرو: لا أقسمها فقال ابن الزبيرالزبير: لتقسمنها كما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- خيبر فقال عمروعمرو: لا أقسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين فكتب إلى عمرعمر, فكتب إليه عمرعمر: أن دعها حتى يعروا منها حبل الحبلة قال القاضيالقاضي: ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من الصحابة أنه قسم أرضا عنوة إلا خيبرخيبر.
فصلفصل:
قال أحمدأحمد: ومن يقوم على أرض الصلح وأرض العنوة ومن أين هي وإلى أين هي؟هي؟ وقالوقال: أرض الشام عنوةعنوة, إلا حمص وموضعا آخر وقالوقال: ما دون النهر صلح وما وراءه عنوة وقالوقال: فتح المسلمون السواد عنوةعنوة, إلا ما كان منه صلح وهي أرض الحيرة وأرض مانقيا وقالوقال: أرض الثرى خلطوا في أمرهاأمرها, فأما ما فتح عنوة من نهاوند إلى طبرستان خراج وقال أبو عبيدعبيد: أرض الشام عنوة ما خلا مدنها فإنها فتحت صلحاصلحا, إلا قيسارية افتتحت عنوة وأرض السواد والحل ونهاوند والأهواز ومصر والمغرب قال موسى بن على بن رباحرباح, عن أبيهأبيه: المغرب كله عنوة فأما أرض الصلح فأرض هجر والبحرين وأيلةوأيلة, ودومة الجندل وأذرح فهذه القرى التي أدت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الجزيةالجزية, ومدن الشام ما خلا أرضها إلا قيسارية وبلاد الجزيرة كلها وبلاد خراسان كلها أو أكثرها صلح وكل موضع فتح عنوة فإنه وقف على المسلمينالمسلمين.
فصلفصل:
وما استأنف المسلمون فتحهفتحه, فإن فتح عنوة ففيه ثلاث رواياتروايات: إحداهن أن الإمام مخير بين قسمتها على الغانمين وبين وقفيتها على جميع المسلمين لأن كلا الأمرين قد ثبت فيه حجة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- قسم نصف خيبرخيبر, ووقف نصفها لنوائبه ووقف عمر الشام والعراق ومصر وسائر ما فتحه وأقره على ذلك علماء الصحابة وأشاروا عليه بهبه, وكذلك فعل من بعده من الخلفاء ولم يعلم أحد منهم قسم شيئا من الأرض التي افتتحوها والثانية أنها تصير وقفا بنفس الاستيلاء عليها لاتفاق الصحابة عليهعليه, وقسمة النبي - صلى الله عليه وسلم- خيبر كان في بدء الإسلام وشدة الحاجة فكانت المصلحة فيهفيه, وقد تعينت المصلحة فيما بعد ذلك في وقف الأرض فكان ذلك هو الواجب والثالثة أن الواجب قسمتها وهو قول مالكمالك, وأبي ثور لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك وفعله أولى من فعل غيره مع عموم قوله تعالىتعالى: {واعلمواواعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسهخمسه} [الأنفالالأنفال: 4141]. الآية يفهم منها أن أربعة أخماسها للغانمين والرواية الأولى أولى لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- فعل الأمرين جميعا في خيبرخيبر, ولأن عمر قالقال: لولا آخر الناس لقسمت الأرض كما قسم النبي - صلى الله عليه وسلم- خيبر فقد وقف الأرض مع علمه بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم- فدل على أن فعله ذلك لم يكن متعينا كيف والنبي - صلى الله عليه وسلم- قد وقف نصف خيبر ولو كانت للغانمين لم يكن له وقفها قال أبو عبيدعبيد: تواترت الآثار في افتتاح الأرضين عنوة بهذين الحكمين حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في خيبر حين قسمهاقسمها, وبه أشار بلال وأصحابه على عمر في أرض الشام وأشار به الزبير في أرض مصر وحكم عمر في أرض السواد وغيره حين وقفهوقفه, وبه أشار على ومعاذ على عمر في أرض الشام وليس فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- رادا لفعل عمر لأن كل واحد منهما اتبع آية محكمةمحكمة, قال الله تعالىتعالى: {واعلمواواعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسهخمسه} [الأنفالالأنفال: 4141]. وقالوقال: {ماما أفاء الله على رسوله من أهل القرىالقرى} [الحشرالحشر: 77]. الآية فكان كل واحد من الأمرين جائزا والنظر في ذلك إلى الإمام فما رأى من ذلك فعله وهذا قول الثوريالثوري, وأبي عبيد إذا ثبت هذا فإن الاختيار المفوض إلى الإمام اختيار مصلحة لا اختيار تشه فيلزمه فعل ما يرى المصلحة فيه ولا يجوز له العدول عنهعنه, كالخيرة بين القتل والاسترقاق والفداء والمن في الأسرى ولا يحتاج إلى النطق بالوقفبالوقف, بل تركه له من غير قسمة هو وقفه لها كما أن قسمها بين الغانمين لا يحتاج معه إلى لفظ وإن عمر وغيره لم ينقل عنهم في وقف الأرض لفظ الوقف ولأن معنى وقفها ها هناهنا, أنها باقية لجميع المسلمين يؤخذ خراجها ويصرف في مصالحهممصالحهم, ولا يخص أحد بملك شيء منها وهذا حاصل بتركهابتركها.
فصلفصل:
فأما ما جلا عنها أهلها خوفا من المسلمين فهذه تصير وقفا بنفس الظهور عليها لأن ذلك متعين فيهافيها, إذ لم يكن لها غانم فكان حكمها حكم الفيء يكون للمسلمين كلهم وقد روي أنها لا تصير وقفا حتى يقفها الإمام وحكمها حكم العنوة إذا وقفت وما صالح عليه الكفار من أرضهمأرضهم, على أن الأرض لنا ونقرهم فيها بخراج معلوممعلوم, فهو وقف أيضا حكمه حكم ما ذكرناه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- فتح خيبر وصالح أهلها على أن يعمروا أرضهاأرضها, ولهم نصف ثمرتها فكانت للمسلمين منهم وصالح بني النضير على أن يجليهم من المدينةالمدينة, ولهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال إلا الحلقة - يعني السلاح - فكانت مما أفاء الله على رسوله فأما ما صولحوا عليه على أن الأرض لهملهم, ونقرهم فيها بخراج معلوم فهذا الخراج في حكم الجزية تسقط بإسلامهم والأرض لهم لا خراج عليها لأن الخراج الذي ضرب عليهم إنما كان من أجل كفرهمكفرهم, بمنزلة الجزية المضروبة على رءوسهم فإذا أسلموا سقط كما تسقط الجزيةالجزية, وتبقى الأرض ملكا لهم لاخراج عليها ولو انتقلت الأرض إلى مسلم لم يجب عليها خراج لذلكلذلك.
فصلفصل:
ولا يجوز شراء شيء من الأرض الموقوفة ولا بيعهبيعه, في قول أكثر أهل العلم منهم عمر وعلي وابن عباسعباس, وعبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـم ـ وروى ذلك عن عبد الله بن مغفل وقبيصة بن ذؤيب ومسلم بن مسلممسلم, وميمون بن مهران والأوزاعي ومالكومالك, وأبي إسحاق الفزاري وقال الأوزاعيالأوزاعي: لم يزل أئمة المسلمين ينهون عن شراء أرض الجزية ويكرهه علماؤهم وقال الأوزاعيالأوزاعي: أجمع رأى عمر وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- لما ظهروا على الشامالشام, على إقرار أهل القرى في قراهم على ما كان بأيديهم من أرضهم يعمرونهايعمرونها, ويؤدون خراجها إلى المسلمين ويرون أنه لا يصلح لأحد من المسلمين شراء ما في أيديهم من الأرض طوعا ولا كرها وكرهوا ذلك مما كان من اتفاق عمر وأصحابه في الأرضين المحبوسة على آخر هذه الأمة من المسلمين لا تباع ولا تورثتورث, قوة على جهاد من لم تظهر عليه بعد من المشركين وقال الثوريالثوري: إذا أقر الإمام أهل العنوة في أرضهم توارثوها وتبايعوها وروى نحو هذا عن ابن سيرين والقرطبي لما روى عبد الرحمن بن يزيد أنأن, ابن مسعود اشترى من دهقان أرضا على أن يكفيه جزيتها وروى عنه أنه قالقال: (نهىنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن السفر في الأهل والمالوالمال) ثم قال عبد اللهالله: فكيف بمال بزاذان وبكذاوبكذا, وبكذا وهذا يدل على أن له مالا بزاذان ولأنها أرض لهم فجاز بيعها وقد روى عن أحمدأحمد, أنه قالقال: إن كان الشراء أسهل يشتري الرجل ما يكفيه ويغنيه عن الناس هو رجل من المسلمين وكره البيع في أرض السواد وإنما رخص في الشراء - والله أعلم - لأن بعض الصحابة اشترى ولم يسمع عنهم البيعالبيع, ولأن الشراء استخلاص للأرض فيقوم فيها مقام من كانت في يده والبيع أخذ عوض عن ما لا يملكه ولا يستحقهيستحقه, فلا يجوز ولناولنا: إجماع الصحابة ـ رضي الله عنه ـم ـ فإنه روى عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قالقال: لا تشتروا رقيق أهل الذمة ولا أرضهم وقال الشعبيالشعبي: اشترى عتبة بن فرقد أرضا على شاطئ الفرات ليتخذ فيها قصباقصبا, فذكر ذلك لعمر فقالفقال: ممن اشتريتها؟اشتريتها؟ قالقال: من أربابها فلما اجتمع المهاجرون والأنصار قالقال: هؤلاء أربابهاأربابها, فهل اشتريت منهم شيئا؟شيئا؟ قالقال: لا قالقال: فارددها على من اشتريتها منه وخذ مالك وهذا قول عمر في المهاجرين والأنصار بمحضر سادة الصحابة وأئمتهم فلم ينكرينكر, فكان إجماعا ولا سبيل إلى وجود إجماع أقوى من هذا وشبهه إذ لا سبيل إلى نقل قول جميع الصحابة في مسألةمسألة, ولا إلى نقل قول العشرة ولا يوجد الإجماع إلا القول المنتشر فإن قيلقيل: فقد خالفه ابن مسعود بما ذكرناه عنه قلناقلنا: لا نسلم المخالفة وقولهم اشترى قلناقلنا: المراد بهبه: اكترى كذلك قال أبو عبيد والدليل عليه قولهقوله: على أن يكفيه جزيتها ولا يكون مشتريا لها وجزيتها على غيره وقد روى عنه القاسم أنه قالقال: من أقر بالطسق فقد أقر بالصغار والذل وهذا يدل على أن الشراء ها هنا الاكتراء وكذلك كل من رويت عنه الرخصة في الشراء فمحمول على ذلك وقولهوقوله: فكيف بمال بزاذان فليس فيه ذكر الشراء ولأن المال أرضأرض, فيحتمل أنه أراد مالا من السائمة أو التجارة أو الزرع أو غيره ويحتمل أنه أرض أكتراها ويحتمل أنه أراد بذلك غيرهغيره, وقد يعيب الإنسان الفعل المعيب من غيره جواب ثان أنه يتناول الشراء وبقي قول عمر في النهي عن البيع غير معارضمعارض, وأما المعنى فلأنها موقوفة فلم يجز بيعها كسائر الأحباس والوقوفوالوقوف, والدليل على وقفها النقل والمعنى أما النقل فما نقل من الأخبار أن عمر لم يقسم الأرض التي افتتحهاافتتحها, وتركها لتكون مادة لأجناد المسلمين الذين يقاتلون في سبيل الله إلى يوم القيامة وقد نقلنا بعض ذلك وهو مشهور تغنى شهرته عن نقله وأما المعنىالمعنى, فلأنها لو قسمت لكانت للذين افتتحوها ثم لورثتهم أو لمن انتقلت إليه عنهمعنهم, ولم تكن مشتركة بين المسلمين ولأنها لو قسمت ولم تخف بالكلية فإن قيلقيل: فليس في هذا ما يلزم منه الوقف لأنه يحتمل أنه تركها للمسلمين عامةعامة, فيكون فيئا للمسلمين والإمام نائبهم فيفعل ما يرى فيه المصلحةالمصلحة, من بيع أو غيره ويحتمل أنه تركها لأربابها كفعل النبي - صلى الله عليه وسلم- بمكة قلناقلنا: أما الأول فلا يصح لأن عمر إنما ترك قسمتها لتكون مادة للمسلمين كلهمكلهم, ينتفعون بها مع بقاء أصلها وهذا معنى الوقفالوقف, ولو جاز تخصيص قوم بأصلها لكان الذين افتتحوها أحق بها فلا يجوز أن يمنعها أهلها لمفسدة ثم يخص بها غيرهم مع وجود المفسدة المانعة والثاني أظهر فسادا من الأولالأول, فإنه إذا منعها المسلمين المستحقين كيف يخص بها أهل الذمة المشركين الذين لا حق لهم ولا نصيب؟نصيب؟.
فصلفصل:
وإذا قلنا بصحة الشراء فإنها تكون في يد المشتري على ما كانت في يد البائعالبائع, يؤدي خراجها ويكون معنى الشراء ها هنا نقل اليد من البائع إلى المشترى بعوض وإن شرط الخراج على البائع كما فعل ابن مسعود فيكون اكتراء لا شراءشراء, وينبغي أن يشترط بيان مدته كسائر الإجاراتالإجارات.
فصلفصل:
وإذا بيعت هذه الأرض فحكم بصحة البيع حاكمحاكم, صح لأنه مختلف فيه فصح بحكم الحاكم كسائر المجتهدات وإن باع الإمام شيئا لمصلحة رآهارآها, مثل أن يكون في الأرض ما يحتاج إلى عمارة لا يعمرها إلا من يشتريها صح أيضا لأن فعل الإمام كحكم الحاكم وقد ذكر ابن عائذ في كتاب فتوح الشامالشام, قالقال: قال غير واحد من مشيختنا إن الناس سألوا عبد الملك والوليد وسلمان أن يأذنوا لهم في شراء الأرض من أهل الذمة فأذنوا لهم على إدخال أثمانها في بيت المال فلما ولي عمر بن عبد العزيز أعرض عن تلك الأشرية لاختلاط الأمور فيها لما وقع فيها من المواريث ومهور النساء وقضاء الديون ولم يقدر على تخليصه ولا معرفة ذلك وكتب كتابا قرئ على الناس سنة المائةالمائة, أن من اشترى شيئا بعد سنة مائة فإن بيعه مردود وسمى سنة مائة سنة المدة فتناهى الناس عن شرائها ثم اشتروا أشرية كثيرة كانت بأيدي أهلها تؤدي العشر ولا جزية عليهاعليها, فلما أفضى الأمر إلى المنصور رفعت تلك الأشرية إليه وأن ذلك أضر بالخراج فأراد ردها إلى أهلها فقيل لهله: قد وقعت في المواريث والمهور واختلط أمرها فبعث المعدلينالمعدلين, منهممنهم: عبد الله بن يزيد إلى حمص وإسماعيل بن عياش إلى بعلبك وهضاب بن طوقطوق, ومحمد بن زريق إلى الغوطة وأمرهم أن لا يضعوا على القطائع والأشرية العظيمة القديمة خراجا ووضعوا الخراج على ما بقي بأيدي الأنباط وعلى الأشرية المحدثة من بعد سنة مائة إلى السنة التي عدل فيها فينبغي أن يجري ما باعه إمام أو بيع بإذنه أو تعذر رد بيعهبيعه, هذا المجرى في أن يضرب عليه خراج بقدر ما يحتمل ويترك في يد مشتريهمشتريه, أو من انتقل إليه إلا ما بيع قبل المائة السنة فإنه لا خراج عليه كما نقل في هذا الخبرالخبر.
فصلفصل:
وحكم إقطاع هذه الأرض حكم بيعها في أن ما كان من عمرعمر, أو مما كان قبل مائة سنة فهو لأهله وما كان بعدها ضرب عليهعليه, كما فعل المنصور إلا أن يكون بغير إذن الإمام فيكون باطلاباطلا, وذكر ابن عائذ في كتابه بإسناده عن سليمان بن عتبةعتبة, أن أمير المؤمنين عبد الله بن محمد - أظنه المنصور - سأله في مقدمه الشام سنة ثلاث أو أربع وخمسين عن سبب الأرضين التي بأيدي أبناء الصحابةالصحابة, يذكرون أنها قطائع لآبائهم قديمة فقلتفقلت: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى لما أظهر المسلمين على بلاد الشام وصالحوا أهل دمشق وأهل حمصحمص, كرهوا أن يدخلوها دون أن يتم ظهورهم وإثخانهم في عدو الله فعسكروا في مرج برديبردي, بين المزة إلى مرج شعبان وجنبتي بردي مروج كانت مباحة فيما بين أهل دمشق وقراها ليست لأحد منهممنهم, فأقاموا بها حتى أوطأ الله بهم المشركين قهرا وذلا فأحيا كل قوم محلتهم وهيئوا بها بناءبناء, فبلغ ذلك عمر فأمضاه لهم وأمضاه عثمان من بعده إلى ولاية أمير المؤمنين قالقال: وقد أمضيناه لهم وعن الأحوص بن حكيمحكيم, أن المسلمين الذين فتحوا حمص لم يدخلوها بل عسكروا على نهر الأربد فأحيوهفأحيوه, فأمضاه لهم عمر وعثمان وقد كان منهم أناس تعدوا إذ ذاك إلى جسر الأربد الذي على باب الرستنالرستن, فعسكروا في مرجه مسلحة لمن خلفهم من المسلمين فلما بلغهم ما أمضاه عمر للمعسكرين على نهر الأربد سألوا أن يشركوهم في تلك القطائع وكتبوا إلى عمر فيهفيه, فكتب أن يعوضوا مثله من المروج التي كانوا عسكروا فيها على باب الرستن فلم تزل تلك القطائع على شاطئ الأربد وعلى باب حمصحمص, وعلى باب الرستن ماضية لأهلها لا خراج عليهاعليها, تؤدي العشرالعشر.
فصلفصل:
وهذا الذي ذكرناه في الأرض المغلة أما المساكن فلا بأس بحيازتها وبيعها وشرائها وسكناها قال أبو عبيد ما علمنا أحدا كره ذلك وقد اقتسمت الكوفة خططا في زمن عمر ـ رضي الله عنه ـ بإذنهبإذنه, والبصرة وسكنهما أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وكذلك الشام ومصر وغيرهما من البلدان فما عاب ذلك أحد ولا أنكرهأنكره.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( فما كان من الصلحالصلح, ففيه الصدقة ) يعني ما صولحوا عليه على أن ملكه لأهله ولنا عليهم خراج معلوممعلوم, فهذا الخراج في حكم الجزية متى أسلموا سقط عنهم وإن انتقلت إلى مسلم لم يكن عليهم خراجخراج, وفي مثله جاء عن العلاء بن الحضرمي قالقال: (بعثنيبعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى البحرين وإلى هجر فكنت آتي الحائط تكون بين الإخوةالإخوة, يسلم أحدهم فآخذ من المسلم العشر ومن المشرك الخراجالخراج) رواه ابن ماجهماجه, فهذا في أحد هذين البلدين لأنهما فتحا صلحا وكذلك كل أرض أسلم أهلها عليها كأرض المدينةالمدينة, فهي ملك لهم ليس عليها خراج ولا شيء أما الزكاة فهي واجبة على كل مسلم ولا خلاف في وجوب العشر في الخارج من هذه الأرض قال ابن المنذرالمنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلمالعلم, على أن كل أرض أسلم أهلها عليها قبل قهرهم عليها أنها لهم وأن أحكامهم أحكام المسلمينالمسلمين, وأن عليهم فيما زرعوا فيها الزكاةالزكاة.
فصلفصل:
فإن كان في غلة الأرض ما لا عشر فيه كالثمار التي لا زكاة فيها والخضراواتوالخضراوات, وفيها زرع فيه الزكاة جعل ما لا زكاة فيه في مقابلة الخراج وزكى ما فيه الزكاةالزكاة, إذا كان ما لا زكاة فيه وافيا بالخراج وإن لم يكن لها عليه إلا ما تجب فيه الزكاة أدى الخراج من غلتها وزكى ما بقي وهذا قول عمر بن عبد العزيز روى أبو عبيدعبيد, عن إبراهيم بن أبي عبلة قالقال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الله بن أبي عوف عامله على فلسطين في من كانت في يده أرض يحرثها من المسلمينالمسلمين, أن يقبض منها جزيتها ثم يأخذ منها زكاة ما بقي بعد الجزية قال ابن أبي عبلةعبلة: أنا ابتليت بذلك ومني أخذوا ذلك لأن الخراج من مؤنة الأرضالأرض, فيمنع وجوب الزكاة في قدره كما قال أحمدأحمد: من استدان ما أنفق على زرعه واستدان ما أنفق على أهلهأهله, احتسب ما أنفق على زرعه دون ما أنفق على أهله لأنه من مؤنة الزرع وبهذا قال ابن عباس وقال عبد الله بن عمرعمر: يحتسب بالدينين جميعا ثم يخرج مما بعدهما وحكي عن أحمد أن الدين كله يمنع الزكاة في الأموال الظاهرة فعلى هذه الرواية يحسب كل دين عليهعليه, ثم يخرج العشر مما بقي إن بلغ نصابا وإن لم يبلغ نصابا فلا عشر فيه وذلك لأن الواجب زكاة فمنع الدين وجوبها كزكاة الأموال الباطنةالباطنة, ولأنه دين فمنع وجوب العشر كالخراجكالخراج, وما أنفقه على زرعه والفرق بينهما على الرواية الأولى أن ما كان من مؤنة الزرع فالحاصل في مقابلته يجب صرفه إلى غيرهغيره, فكأنه لم يحصليحصل.
فصلفصل:
ومن استأجر أرضا فزرعها فالعشر عليه دون مالك الأرض وبهذا قال مالك والثوريوالثوري, وشريك وابن المبارك والشافعيوالشافعي, وابن المنذر وقال أبو حنيفةحنيفة: هو على مالك الأرض لأنه من مؤنتها فأشبه الخراج ولنا أنه واجب في الزرعالزرع, فكان على مالكه كزكاة القيمة فيما إذا أعده للتجارة وكعشر زرعه في ملكهملكه, ولا يصح قولهمقولهم: إنه من مؤنة الأرض لأنه لو كان من مؤنتها لوجب فيها وإن لم تزرع كالخراج ولوجب على الذمي كالخراجكالخراج, ولتقدر بقدر الأرض لا بقدر الزرع ولوجب صرفه إلى مصارف الفيء دون مصرف الزكاة ولو استعار أرضا فزرعها فالزكاة على صاحب الزرع لأنه مالكه وإن غصبها فزرعها وأخذ الزرعالزرع, فالعشر عليه أيضا لأنه ثبت على ملكه وإن أخذه مالكها قبل اشتداد حبه فالعشر عليه وإن أخذه بعد ذلك احتمل أن يجب عليه أيضا لأن أخذه إياه استند إلى أول زرعهزرعه, فكأنه أخذه من تلك الحال ويحتمل أن تكون زكاته على الغاصب لأنه كان ملكا له حين وجوب عشره وهو حين اشتداد حبه وإن زارع رجلا مزارعة فاسدة فالعشر على من يجب الزرع له وإن كانت صحيحةصحيحة, فعلى كل واحد منهما عشر حصته وإن بلغت خمسة أوسق أو كان له من الزرع ما يبلغ بضمه إليها خمسة أوسق وإلا فلا عشر عليه وإن بلغت حصة أحدهما دون صاحبه النصابالنصاب, فعلى من بلغت حصته النصاب عشرها ولا شيء على الآخر لأن الخلطة لا تؤثر في غير السائمة في الصحيح ونقل عن أحمد أنها تؤثرتؤثر, فيلزمهما العشر إذا بلغ الزرع جميعه خمسة أوسق ويخرج كل واحد منهما عشر نصيبه إلا أن يكون أحدهما ممن لا عشر عليهعليه, كالمكاتب والذمي فلا يلزم شريكه عشر إلا أن تبلغ حصته نصابا وكذلك الحكم في المساقاةالمساقاة.
فصلفصل:
ويكره للمسلم بيع أرضه من ذمي وإجارتها منه لإفضائه إلى إسقاط عشر الخارج منها قال محمد بن موسىموسى: سألت أبا عبد الله عن المسلم يؤاجر أرض الخراج من الذمي؟الذمي؟ قالقال: لا يؤاجر من الذميالذمي, إنما عليه الجزية وهذا ضرر وقال في موضع آخرآخر: لأنهم لا يؤدون الزكاة فإن آجرها منه ذمي أو باع أرضه التي لا خراج عليها ذمياذميا, صح البيع والإجارة وهذا مذهب الثوري والشافعي وشريكوشريك, وأبي عبيد وليس عليهم فيها عشر ولا خراج قال حربحرب: سألت أحمد عن الذمي يشتري أرض العشر؟العشر؟ قالقال: لا أعلم عليه شيئا إنما الصدقة كهيئة مال الرجلالرجل, وهذا المشترى ليس عليه وأهل المدينة يقولون في هذا قولا حسنا يقولونيقولون: لا نترك الذمي يشترى أرض العشر وأهل البصرة يقولون قولا عجيبا يقولونيقولون: يضاعف عليهم وقد روى عن أحمدأحمد: أنهم يمنعون من شرائها اختارها الخلال وصاحبه وهو قول مالك وصاحبه فإن اشتروها ضوعف عليهم العشرالعشر, وأخذ منهم الخمس لأن في إسقاط العشر من غلة هذه الأرض إضرارا بالفقراء وتقليلا لحقهم فإذا تعرضوا لذلك ضوعف عليهم العشرالعشر, كما لو اتجروا بأموالهم إلى غير بلدهم ضوعفت عليهم الزكاة فأخذ منهم نصف العشر وهذا قول أهل البصرةالبصرة, وأبي يوسف ويروى ذلك عن الحسن وعبيد الله بن الحسن العنبري وقال محمد بن الحسنالحسن: العشر بحاله وقال أبو حنيفةحنيفة: تصير أرض خراج ولنا أن هذه أرض لا خراج عليهاعليها, فلا يلزم فيها الخراج ببيعها كما لو باعها مسلما ولأنها مال مسلم يجب الحق فيه للفقراء عليهعليه, فلم يمنع من بيعه للذمي كالسائمة وإذا ملكها الذمي فلا عشر عليه فيما يخرج منها لأنها زكاة فلا تجب على الذميالذمي, كزكاة السائمة وما ذكره يبطل بالسائمة فإن الذمي يصح أن يشتريها وتسقط الزكاة منهامنها, وما ذكروه من تضعيف العشر تحكم لا نص فيه ولا قياسقياس.
مسألة:
مسألة:
قالقال: [وتضموتضم الحنطة إلى الشعيرالشعير, وتزكى إذا كانت خمسة أوسق وكذلك القطنيات وكذلك الذهب والفضةوالفضة] , وعن أبي عبد الله رواية أخرى أنها لا تضمتضم, وتخرج من كل صنف إن كان منصبا للزكاة القطنيات بكسر القافالقاف: جمع قطنية ويجمع أيضا قطاني قال أبو عبيدعبيد: هي صنوف الحبوب من العدسالعدس, والحمص والأرز والجلبانوالجلبان, والجلجلان - يعني السمسم - وزاد غيرهغيره: الدخن واللوبيا والفولوالفول, والماش وسميت قطنية فعلية من قطن يقطن في البيتالبيت, أي يمكث فيه ولا خلاف بين أهل العلم في غير الحبوب والثمار أنه لا يضم جنس إلى جنس آخر في تكميل النصاب فالماشية ثلاثة أجناسأجناس: الإبلالإبل, والبقر والغنم لا يضم جنس منها إلى آخر والثمار لا يضم جنس إلى غيرهغيره, فلا يضم التمر إلى الزبيب ولا إلى اللوز والفستقوالفستق, والبندق ولا يضم شيء من هذه إلى غيره ولا تضم الأثمار إلى شيء من السائمة ولا من الحبوب والثمار ولا خلاف بينهمبينهم, في أن أنواع الأجناس يضم بعضها إلى بعض في إكمال النصاب ولا خلاف بينهم أيضا في أن العروض تضم إلى الأثمان وتضم الأثمان إليها إلا أن الشافعي لا يضمها إلا إلى جنس ما اشتريت بهبه, لأن نصابها معتبر به واختلفوا في ضم الحبوب بعضها إلى بعض وفي ضم أحد النقدين إلى الآخر فروى عن أحمد في الحبوب ثلاث روايات إحداهنإحداهن, لا يضم جنس منها إلى غيره ويعتبر النصاب في كل جنس منها منفردا هذا قول عطاء ومكحولومكحول, وابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري والحسن بن صالحصالح, وشريك والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور وأصحاب الرأي لأنها أجناس فاعتبر النصاب في كل جنس منها منفردامنفردا, كالثمار أيضا والمواشي والرواية الثانية أن الحبوب كلها تضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب اختارها أبو بكر وهذا قول عكرمة وحكاه ابن المنذر عن طاوس وقال أبو عبيدعبيد: لا نعلم أحدا من الماضين جمع بينهما إلا عكرمة وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قالقال: (لالا زكاة في حب ولا ثمر حتى يبلغ خمسة أوسقأوسق) ومفهومه وجوب الزكاة فيه إذا بلغ خمسة أوسق ولأنها تتفق في النصاب وقدر المخرجالمخرج, والمنبت والحصاد فوجب ضم بعضها إلى بعض كأنواع الجنس وهذا الدليل منتقض بالثمار والثالثةوالثالثة, أن الحنطة تضم إلى الشعير وتضم القطنيات بعضها إلى بعض نقلها أبو الحارث عن أحمدأحمد, وحكاها الخرقي قال القاضيالقاضي: وهذا هو الصحيح وهو مذهب مالك والليث إلا أنه زادزاد, فقالفقال: السلت والذرة والدخنوالدخن, والأرز والقمح والشعيروالشعير, صنف واحد ولعله يحتج بأن هذا كله مقتات فيضم بعضه إلى بعض كأنواع الحنطة وقال الحسنالحسن, والزهريوالزهري: تضم الحنطة إلى الشعير لأنها تتفق في الاقتيات والمنبت والحصاد والمنافع فوجب ضمها كما يضم العلس إلى الحنطةالحنطة, وأنواع الجنس بعضها إلى بعض والرواية الأولى أولى - إن شاء الله تعالى- لأنها أجناس يجوز التفاضل فيها فلم يضم بعضها إلى بعض كالثمار ولا يصح القياس على العلس مع الحنطة لأنه نوع منهامنها, ولا على أنواع الجنس لأن الأنواع كلها جنس واحد يحرم التفاضل فيها وثبت حكم الجنس في جميعها بخلاف الأجناس وإذا انقطع القياسالقياس, لم يجز إيجاب الزكاة بالتحكم ولا بوصف غير معتبر ثم هو باطل بالثماربالثمار, فإنها تتفق فيما ذكروه ولا يضم بعضها إلى بعض ولأن الأصل عدم الوجوبالوجوب, فما لم يرد بالإيجاب نص أو إجماع أو معناهما لا يثبت إيجابه والله أعلم ولا خلاف فيما نعلمه في ضم الحنطة إلى العلس لأنه نوع منها وعلى قياسه السلت يضم إلى الشعير لأنه منهمنه.
فصلفصل:
ولا تفريع على الروايتين الأوليين لوضوحهما فأما الثالثةالثالثة, وهي ضم الحنطة إلى الشعير والقطنيات بعضها إلى بعض فإن الذرة تضم إلى الدخنالدخن, لتقاربهما في المقصد فإنهما يتخذان خبزا وأدما وقد ذكرا من جملة القطنيات أيضاأيضا, فيضمان إليها وأما البزور فلا تضم إلى القطنيات ولكن الأبازير يضم بعضها إلى بعض لتقاربها في المقصد فأشبهت القطنيات وحبوب البقول لا تضم إلى القطنياتالقطنيات, ولا إلى البزور فما تقارب منها ضم بعضه إلى بعض وما لا فلافلا, وما شككنا فيه لا يضم لأن الأصل عدم الوجوب فلا يجب بالشك والله أعلم
فصلفصل:
وذكر الخرقي في ضم الذهب إلى الفضة روايتين وقد ذكرناهما فيما مضىمضى, واختار أبو بكر أنه لا يضم أحدهما إلى الآخر مع اختياره الضم في الحبوب لاختلاف نصابهمانصابهما, واتفاق نصاب الحبوب .
فصلفصل:
ومتى قلنا بالضم فإن الزكاة تؤخذ من كل جنس على قدر ما يخصه ولا يؤخذ من جنس عن غيرهغيره, فإننا إذا قلنا في أنواع الجنسالجنس: يؤخذ من كل نوع ما يخصه فأولى أن يعتد ذلك في الأجناس المختلفة مع تفاوت مقاصدها إلا الذهب والفضةوالفضة, فإن في إخراج أحدهما عن الآخر روايتينروايتين.
فصلفصل:
ويضم زرع العام الواحد بعضه إلى بعض في تكميل النصاب سواء اتفق وقت زرعه وإدراكه أو اختلف ولو كان منه صيفى وربيعيوربيعي, ضم الصيفى إلى الربيعي ولو حصدت الذرة والدخن ثم نبت أصولهما يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب لأن الجميع زرع عام واحد فضم بعضه إلى بعضبعض, كما لو تقارب زرعه وإدراكهوإدراكه.
فصلفصل:
وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض سواء اتفق وقت إطلاعها وإدراكها أو اختلفاختلف, فيقدم بعضها على بعض في ذلك ولو أن الثمرة جذت ثم أطلعت الأخرى وجذت ضمت إحداهما إلى الأخرى فإن كان له نخل يحمل في السنة حملين ضم أحدهما إلى الآخر وقال القاضيالقاضي: لا يضم وهو قول الشافعي لأنه حمل ينفصل عن الأولالأول, فكان حكمه حكم حمل عام آخر وإن كان له نخل يحمل مرة ونخل يحمل مرتين ضممنا الحمل الأول إلى الحمل المنفردالمنفرد, ولم يجب في الثاني شيء إلا أن يبلغ بمفرده نصابا والصحيح أن أحد الحملين يضم إلى الآخر ذكره أبو الخطاب وابن عقيل لأنهما ثمرة عام واحد فيضم بعضها إلى بعضبعض, كزرع العام الواحد وكالذرة التي تنبت مرتينمرتين, ولأن الحمل الثاني يضم إلى الحمل المنفرد لو لم يكن حمل أول فكذلك إذا كان فإن وجود الحمل الأول لا يصلح أن يكون مانعامانعا, بدليل حمل الذرة الأول وما ذكره من الانفصال يبطل بالذرة والله أعلم بالصواببالصواب.
باب زكاة الذهب والفضةوالفضة:
وهي واجبة بالكتاب والسنةوالسنة, والإجماع زكاة أما الكتاب فقوله تعالىتعالى: {والذينوالذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليمأليم} [التوبةالتوبة: 3434]. والآية الأخرى ولا يتوعد بهذه العقوبة إلا على ترك واجب وأما السنة فما روى أبو هريرةهريرة, قالقال: (قالقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نارنار, فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره كلما بردت أعيدت عليهعليه, في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين العبادالعباد) أخرجه مسلم وروى البخاري وغيره في كتاب أنسأنس: (وفيوفي الرقة ربع العشرالعشر, فإن لم يكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربهاربها) والرقةوالرقة: هي الدراهم المضروبة وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : (ليسليس فيما دون خمس أواق صدقةصدقة) متفق عليه وأجمع أهل العلم على أن في مائتي درهم خمسة دراهمدراهم, وعلى أن الذهب إذا كان عشرين مثقالا وقيمته مائتا درهم أن الزكاة تجب فيهفيه, إلا ما اختلف فيه عن الحسنالحسن.
مسألة:
مسألة:
قال أبو القاسمالقاسم: ( ولا زكاة فيما دون المائتي درهم إلا أن يكون في ملكه ذهب أو عروض للتجارة فيتم به ) وجملة ذلك أن نصاب الفضة مائتا درهمدرهم, لا خلاف في ذلك بين علماء الإسلام وقد بينته السنة التي رويناها بحمد الله والدراهم التي يعتبر بها النصاب هي الدراهم التي كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل بمثقال الذهبالذهب, وكل درهم نصف مثقال وخمسه وهي الدراهم الإسلامية التي تقدر بها نصب الزكاة ومقدار الجزيةالجزية, والديات ونصاب القطع في السرقة وغير ذلك وكانت الدراهم في صدر الإسلام صنفينصنفين, سودا وطبرية وكانت السود ثمانية دوانيقدوانيق, والطبرية أربعة دوانيق فجمعا في الإسلام وجعلا درهمين متساويينمتساويين, في كل درهم ستة دوانيق فعل ذلك بنو أمية فاجتمعت فيها ثلاثة أوجهأوجه: أحدهاأحدها, أن كل عشرة وزن سبعة والثاني أنه عدل بين الصغير والكبير والثالث أنه موافق لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ودرهمه الذي قدر به المقادير الشرعية ولا فرق في ذلك بين التبر والمضروب ومتى نقص النصاب عن ذلك فلا زكاة فيهفيه, سواء كان النقص كثيرا أو يسيرا هذا ظاهر كلام الخرقي ومذهب الشافعي وإسحاقوإسحاق, وابن المنذر لظاهر قوله عليه السلامالسلام: (ليسليس فيما دون خمس أواق صدقةصدقة) والأوقية أربعون درهما بغير خلاف فيكون ذلك مائتي درهم وقال غير الخرقي من أصحابناأصحابنا: إن كان النقص يسيرا كالحبة والحبتينوالحبتين, وجبت الزكاة لأنه لا يضبط غالبا فهو كنقص الحول ساعة أو ساعتين وإن كان نقصا بينابينا, كالدانق والدانقين فلا زكاة فيه وعن أحمد أن نصاب الذهب إذا نقص ثلث مثقال زكاه وهو قول عمر بن عبد العزيز وسفيان وإن نقص نصفا لا زكاة فيه وقال أحمد في موضع آخرآخر: إذا نقص ثمنا لا زكاة فيه اختاره أبو بكر وقال مالكمالك: إذا نقصت نقصا يسيرا يجوز جواز الوازنةالوازنة, وجبت الزكاة لأنها تجوز جواز الوازنة أشبهت الوازنة والأول ظاهر الخبرالخبر, فينبغي أن لا يعدل عنه فأما قولهقوله: " إلا أن يكون في ملكه ذهب أو عروض للتجارة فيتم به " فإن عروض التجارة تضم إلى كل واحد من الذهب والفضة ويكمل به نصابه لا نعلم فيه اختلافا قال الخطابيالخطابي: لا أعلم عامتهم اختلفوا فيه وذلك لأن الزكاة إنما تجب في قيمتها فتقوم بكل واحد منهمامنهما, فتضم إلى كل واحد منهما ولو كان له ذهب وفضة وعروض وجب ضم الجميع بعضه إلى بعض في تكميل النصاب لأن العرض مضموم إلى كل واحد منهما فيجب ضمهما إليهإليه, وجمع الثلاثة فأما إن كان له من كل واحد من الذهب والفضة ما لا يبلغ نصابا بمفرده أو كان له نصاب من أحدهما وأقل من نصاب من الآخر فقد توقف أحمد عن ضم أحدهما إلى الآخرالآخر, في رواية الأثرم وجماعة وقطع في رواية حنبل أنه لا زكاة عليه حتى يبلغ كل واحد منهما نصابا وذكر الخرقي فيه روايتين في الباب قبلهقبله, إحداهما لا يضم وهو قول ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وشريكوشريك, والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور واختاره أبو بكر عبد العزيز لقوله عليه السلامالسلام: (ليسليس فيما دون خمس أواق صدقةصدقة) ولأنهما مالان يختلف نصابهمانصابهما, فلا يضم أحدهما إلى الآخر كأجناس الماشية والثانيةوالثانية, يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب وهو قول الحسن وقتادة ومالك والأوزاعيوالأوزاعي, والثوري وأصحاب الرأي لأن أحدهما يضم إلى ما يضم إليه الآخر فيضم إلى الآخر كأنواع الجنسالجنس, ولأن نفعهما واحد والمقصود منهما متحد فإنهما قيم المتلفات وأروش الجناياتالجنايات, وأثمان البياعات وحلى لمن يريدهما لذلك فأشبها النوعينالنوعين, والحديث مخصوص بعرض التجارة فنقيس عليه فإذا قلنا بالضم فإن أحدهما يضم إلى الآخر بالأجزاءبالأجزاء, يعني أن كل واحد منهما يحتسب من نصابه فإذا كملت أجزاؤهما نصابا وجبت الزكاةالزكاة, مثل أن يكون عنده نصف نصاب من أحدهما ونصف نصاب أو أكثر من الآخر أو ثلث من أحدهماأحدهما, وثلثان أو أكثر من الآخر فلو ملك مائة درهم وعشرة دنانير أو مائة وخمسين درهما وخمسة دنانير أو مائة وعشرين درهما وثمانية دنانيردنانير, وجبت الزكاة فيهما وإن نقصت أجزاؤهما عن نصاب فلا زكاة فيهما سئل أحمد عن رجل عنده ثمانية دنانير ومائة درهم؟درهم؟ فقالفقال: إنما قال من قال فيها الزكاة إذا كان عنده عشرة دنانير ومائة درهم وهذا قول مالكمالك, وأبي يوسف ومحمد والأوزاعي لأن كل واحد منهما لا تعتبر قيمته في وجوب الزكاة إذا كان منفردامنفردا, فلا تعتبر إذا كان عنده عشرة دنانير مضمونة كالحبوب والثمار وأنواع الأجناس كلها وقال أبو الخطابالخطاب: ظاهر كلام أحمد في رواية المروذي أنها تضم بالأحوط من الأجزاء والقيمة ومعناه أنه يقوم الغالي منهما بقيمة الرخيصالرخيص, فإذا بلغت قيمتهما بالرخيص منهما نصابا وجبت الزكاة فيهما فلو ملك مائة درهم وتسعة دنانير قيمتها مائة درهم أو عشرة دنانير وتسعين درهما قيمتها عشرة دنانير وجبت الزكاة فيها وهذا قول أبي حنيفة في تقويم الدنانير بالفضة لأن كل نصاب وجب فيه ضم الذهب إلى الفضةالفضة, ضم بالقيمة كنصاب القطع في السرقة ولأن أصل الضم لتحصيل حظ الفقراءالفقراء, فكذلك صفة الضم والأول أصح لأن الأثمان تجب الزكاة في أعيانها فلا تعتبر قيمتها كما لو انفردت ويخالف نصاب القطعالقطع, فإن نصاب القطع فيه الورق خاصة في إحدى الروايتين وفي الأخرى أنه لا يجب في الذهب حتى يبلغ ربع دينار والله أعلمأعلم.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( وكذلك دون العشرين مثقالا ) يعني أن ما دون العشرين لا زكاة فيه إلا أن يتم بورق أو عروض تجارة قال ابن المنذرالمنذر: أجمع أهل العلم على أن الذهب إذا كان عشرين مثقالا قيمتها مائتا درهم أن الزكاة تجب فيهافيها, إلا ما حكى عن الحسن أنه قالقال: لا زكاة فيها حتى تبلغ أربعين وأجمعوا على أنه إذا كان أقل من عشرين مثقالا ولا يبلغ مائتي درهم فلا زكاة فيه وقال عامة الفقهاءالفقهاء: نصاب الذهب عشرون مثقالا من غير اعتبار قيمتها إلا ما حكى عن عطاءعطاء, وطاوس والزهري وسليمان بن حربحرب, وأيوب السختياني أنهم قالواقالوا: هو معتبر بالفضة فما كان قيمته مائتي درهمدرهم, ففيه الزكاة وإلا فلا لأنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- تقدير في نصابه فثبت أنه حمله على الفضة ولنا ما روى عمرو بن شعيبشعيب, عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قالقال: (ليسليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهبالذهب, ولا في أقل من مائتي درهم صدقةصدقة) رواه أبو عبيد وروى ابن ماجه عن ابن عمر وعائشة (أنأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يأخذ من كل عشرين دينارا فصاعدا نصف دينار ومن الأربعين دينارا دينارادينارا) وروى سعيدسعيد, والأثرم عن عليعلي: " في كل أربعين دينارا دينارا وفي كل عشرين دينارا نصف دينار ", ورواه غيرهما مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- ولأنه مال تجب الزكاة في عينه فلم يعتبر بغيره كسائر الأموال الزكويةالزكوية.
فصلفصل:
ومن ملك ذهباذهبا, أو فضة مغشوشة أو مختلطا بغيره فلا زكاة فيهفيه, حتى يبلغ قدر الذهب والفضة نصابا لقوله عليه السلامالسلام: (ليسليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقةصدقة) فإن لم يعلم قدر ما فيه منهما وشك هل بلغ نصابا أو لا خير بين سبكهما ليعلم قدر ما فيه منهمامنهما, وبين أن يستظهر ويخرج ليسقط الفرض بيقين فإن أحب أن يخرج استظهارا فأراد إخراج الزكاة من المغشوشةالمغشوشة, نظرت فإن كان الغش لا يختلف مثل أن يكون الغش في كل دينار سدسهسدسه, وعلم ذلك جاز أن يخرج منها لأنه يكون مخرجا لربع العشر وإن اختلف قدر ما فيها أو لم يعلميعلم, لم يجزه الإخراج منها إلا أن يستظهره بحيث يتيقن أن ما أخرجه من الذهب محيط بقدر الزكاة وإن أخرج عنها ذهبا لا غش فيهفيه, فهو أفضل وإن أراد إسقاط الغش وإخراج الزكاة عن قدر ما فيه من الذهبالذهب, كمن معه أربعة وعشرون دينارا سدسها غش فأسقط السدس أربعةأربعة, وأخرج نصف دينار عن عشرين جاز لأنه لو سبكها لم يلزمه إلا ذلك ولأن غشها لا زكاة فيهفيه, إلا أن يكون فضة وله من الفضة ما يتم به النصاب أو له نصاب سواهسواه, فيكون عليه زكاة الغش حينئذ وكذلك إن قلنا بضم أحد النقدين إلى الآخر وإذا ادعى رب المال أنه يعلم الغش أو أنه استظهره وأخرج الفرض قبل منه بغير يمين وإن زادت قيمة المغشوش بالغشبالغش, فصارت قيمة العشرين تساوى اثنين وعشرين فعليه إخراج ربع عشرها مما قيمته كقيمتها لأن عليه إخراج زكاة المال الجيد من جنسه بحيث لا ينقص عن قيمتهقيمته, والله أعلمأعلم.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( فإذا تمت ففيها ربع العشر ) يعني إذا تمت الفضة مائتين والدنانير عشرينعشرين, فالواجب فيها ربع عشرها ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن زكاة الذهب والفضة ربع عشرها فقد ثبت ذلك بقوله عليه السلامالسلام: (فيفي الرقة ربع العشرالعشر) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : (هاتواهاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما درهما وليس في تسعين ومائة شيءشيء) قال الترمذيالترمذي: قال البخاريالبخاري, في هذا الحديثالحديث: هو صحيح عندي ورواه سعيد ولفظهولفظه: " فهاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهما درهما " وأجمع أهل العلم على أن في مائتى درهم خمسة دراهم وروى ابن عمر وعائشة (أنأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يأخذ من كل عشرين دينارا فصاعدا نصف ديناردينار, ومن الأربعين دينارا دينارادينارا) .
مسألة:
مسألة:
قالقال: [وفيوفي زيادتها وإن قلتقلت] روى هذا عن على وابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ وبه قال عمر بن عبد العزيز والنخعيوالنخعي, ومالك والثوري وابن أبي ليلىليلى, والشافعي وأبو يوسف ومحمدومحمد, وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر وقال سعيد بن المسيب وعطاءوعطاء, وطاوس والحسن والشعبيوالشعبي, ومكحول والزهري وعمرو بن ديناردينار, وأبو حنيفةحنيفة: لا شيء في زيادة الدراهم حتى تبلغ أربعين ولا في زيادة الدنانير حتى تبلغ أربعة دنانير لقوله عليه السلامالسلام: (منمن كل أربعين درهما درهمادرهما) وعن معاذ عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قالقال: (إذاإذا بلغ الورق مائتينمائتين, ففيه خمسة دراهم ثم لا شيء فيه حتى يبلغ إلى أربعين درهمادرهما) وهذا نص ولأن له عفوا في الابتداء فكان له عفو بعد النصابالنصاب, كالماشية ولنا ما روى عن على عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قالقال: (هاتواهاتوا ربع العشر من كل أربعين درهما درهمادرهما, وليس عليكم شيء حتى يتم مائتين فإذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهمدراهم, فما زاد فبحساب ذلكذلك) رواه الأثرم والدارقطني ورواه أبو داود بإسناده عن عاصم بن ضمرةضمرة, والحارث عن على إلا أنه قالقال: أحسبه عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وروى ذلك عن على وابن عمر موقوفا عليهمعليهم, ولم نعرف لهما مخالفا من الصحابة فيكون إجماعا ولأنه مال متجر فلم يكن له عفو بعد النصاب كالحبوب وما احتجوا به من الخبر الأول فهو احتجاج بدليل الخطابالخطاب, والمنطوق مقدم عليه والحديث الآخر يرويه أبو العطوف الجراح بن منهال وهو متروك الحديث قال الدارقطني وقال مالكمالك: هو دجال من الدجاجلة ويرويه عن عبادة بن نسينسي, عن معاذ ولم يلق عبادة معاذا فيكون مرسلا والماشية يشق تشقيصهاتشقيصها, بخلاف الأثمانالأثمان.
فصلفصل:
ويخرج الزكاة من جنس ماله فإن كان أنواعا متساوية القيم جاز أن يخرج الزكاة من أحدها كما تخرج من أحد نوعى الغنم وإن كانت مختلفة القيم أخذ من كل نوع ما يخصه وإن أخرج من أوسطها ما يفي بقدر الواجب وقيمتهوقيمته, جاز وإن أخرج الفرض من أجودها بقدر الواجب جاز وله ثواب الزيادة وإن أخرجه بالقيمةبالقيمة, مثل أن يخرج عن نصف دينار ثلث دينار جيد لم يجز لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- نص على نصف دينار فلم يجز النقص منه وإن أخرج من الأدنىالأدنى, وزاد في المخرج ما يفى بقيمة الواجب مثل أن يخرج عن دينار دينارا ونصفا يفي بقيمته جاز وكذلك لو أخرج عن الصحاح مكسرةمكسرة, وزاد بقدر ما بينهما من الفضل جاز لأنه أدى الواجب عليه قيمة وقدرا وإن أخرج عن كثير القيمة قليل القيمة فكذلك فإن أخرج بهرجا عن الجيدالجيد, وزاد بقدر ما يساوي قيمة الجيد فقال أبو الخطابالخطاب: يجوز وقال القاضيالقاضي: يلزمه إخراج جيد ولا يرجع فيما أخرجه من المعيب لأنه أخرج معيبا في حق الله تعالىتعالى, فأشبه ما لو أخرج مريضة عن صحاح وبهذا قال الشافعي إلا أن أصحابه قالواقالوا: له الرجوع فيما أخرج من المعيب في أحد الوجهين وقال أبو حنيفةحنيفة: يجوز إخراج الرديئة عن الجيدةالجيدة, والمكسورة عن الصحيحة من غير جبران لأن الجودة إذا لاقت جنسها فيما فيه الربا لا قيمة لها ولنا أن الجودة متقومةمتقومة, بدليل ما لو أتلف جيدا لم يجزئه أن يدفع عنه رديئا ولأنه إذا لم يجبره بما يتم به قيمة الواجب عليهعليه, دخل في عموم قوله تعالىتعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة: 267]. ولأنه أخرج رديئا عن جيد بقدره فلم يجز كما في الماشيةالماشية, ولأن المستحق معلوم القدر والصفة فلم يجز النقص في الصفة كما لا يجوز في القدر وأما الربا فلا يجري ها هنا لأن المخرج حق الله تعالىتعالى, ولا ربا بين العبد وسيده ولأن المساواة في المعيار الشرعي إنما اعتبرت في المعاوضات والقصد من الزكاة المواساةالمواساة, وإغناء الفقير وشكر نعمة الله تعالى فلا يدخل الربا فيها فإن قيلقيل: فلو أخرج في الماشية رديئتين عن جيدةجيدة, أو أخرج قفيزين رديئين عن قفيز جيد لم يجز فلم أجزتم أن يخرج عن الصحيح أكثر منه مكسرا؟مكسرا؟ قلناقلنا: يجوز ذلك إذا لم يكن في إخراجه عيب سوى نقص القيمةالقيمة, وإن سلمناه فالفرق بينهما أن القصد من الأثمان القيمة لا غير فإذا تساوى الواجب والمخرج في القيمة والقدروالقدر, جاز وسائر الأموال يقصد الانتفاع بعينها فلا يلزم من التساوى في الأمرين الإجزاء لجواز أن يفوت بعض المقصودالمقصود.
فصلفصل:
وهل يجوز إخراج أحد النقدين عن الآخر؟الآخر؟ فيه روايتان نص عليهما إحداهماإحداهما, لا يجوز وهو اختيار أبي بكر لأن أنواع الجنس لا يجوز إخراج أحدهما عن الآخر إذا كان أقل في المقدار فمع اختلاف الجنس أولى والثانية يجوزيجوز, وهو أصح إن شاء الله لأن المقصود من أحدهما يحصل بإخراج الآخر فيجزئفيجزئ, كأنواع الجنس وذلك لأن المقصود منهما جميعا الثمنية والتوسل بها إلى المقاصد وهما يشتركان فيه على السواءالسواء, فأشبه إخراج المكسرة عن الصحاح بخلاف سائر الأجناس والأنواع مما تجب فيه الزكاةالزكاة, فإن لكل جنس مقصودا مختصا به لا يحصل من الجنس الآخر وكذلك أنواعهاأنواعها, فلا يحصل بإخراج غير الواجب من الحكمة ما يحصل بإخراج الواجب وها هنا المقصود حاصل فوجب إجزاؤهإجزاؤه, إذ لا فائدة باختصاص الإجزاء بعين مع مساواة غيرها لها في الحكمة وكون ذلك أرفق بالمعطى والآخذ وأنفع لهمالهما, ويندفع به الضرر عنهما فإنه لو تعين إخراج زكاة الدنانير منها شق على من يملك أقل من أربعين دينارا إخراج جزء من ديناردينار, ويحتاج إلى التشقيص ومشاركة الفقير له في دينار من ماله أو بيع أحدهما نصيبهنصيبه, فيستضر المالك والفقير وإذا جاز إخراج الدراهم عنها دفع إلى الفقير من الدراهم بقدر الواجبالواجب, فيسهل ذلك عليه وينتفع الفقير من غير كلفة ولا مضرة ولأنه إذا دفع إلى الفقير قطعة من الذهب في موضع لا يتعامل بها فيه أو قطعة من درهم في مكان لا يتعامل بها فيهفيه, لم يقدر على قضاء حاجته بها وإن أراد بيعها بحسب ما يتعامل بها احتاج إلى كلفة البيع وربما لا يقدر عليهعليه, ولا يفيده شيئا وإن أمكن بيعها احتاج إلى كلفة البيع والظاهر أنها تنقص عوضها عن قيمتهاقيمتها, فقد دار بين ضررين وفي جواز إخراج أحدهما عن الآخر نفع محض ودفع لهذا الضررالضرر, وتحصيل لحكمة الزكاة على التمام والكمال فلا حاجة ولا وجه لمنعه وإن توهمت ها هنا منفعة تفوت بذلكبذلك, فهي يسيرة مغمورة فيما يحصل من النفع الظاهر ويندفع من الضرر والمشقة من الجانبينالجانبين, فلا يعتبر والله أعلم وعلى هذا لا يجوز الإبدال في موضع يلحق الفقير ضرر مثل أن يدفع إليه ما لا ينفق عوضا عما ينفق لأنه إذا لم يجز إخراج أحد النوعين عن الآخر مع الضرر فمع غيره أولى وإن اختار الدفع من الجنسالجنس, واختار الفقير الأخذ من غيره لضرر يلحقه في أخذ الجنس لم يلزم المالك إجابته لأنه إذا أدى ما فرض عليه لم يكلف سواه والله أعلمأعلم.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( وليس في حلي المرأة زكاة إذا كان مما تلبسه أو تعيره ) هذا ظاهر المذهب وروى ذلك عن ابن عمرعمر, وجابر وأنس وعائشةوعائشة, وأسماء ـ رضي الله عنه ـم ـ وبه قال القاسم والشعبي وقتادةوقتادة, ومحمد بن علي وعمرة ومالكومالك, والشافعي وأبو عبيد وإسحاقوإسحاق, وأبو ثور وذكر ابن أبي موسى عن أحمد رواية أخرى أنه فيه الزكاة وروى ذلك عن عمر وابن مسعودمسعود, وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وسعيد بن المسيبالمسيب, وسعيد بن جبير وعطاء ومجاهدومجاهد, وعبد الله بن شداد وجابر بن زيد وابن سيرينسيرين, وميمون بن مهران والزهري والثوريوالثوري, وأصحاب الرأي لعموم قوله عليه السلام (فيفي الرقة ربع العشر وليس فيما دون خمس أواق صدقةصدقة) مفهومه أن فيها صدقة إذا بلغت خمس أواق وعن عمرو بن شعيب عن أبيهأبيه, عن جده قالقال: (أتتأتت امرأة من أهل اليمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ومعها ابنة لها في يديها مسكتان من ذهب فقالفقال: هل تعطين زكاة هذا؟هذا؟ قالتقالت: لا قالقال: أيسرك أن يسورك الله بسوارين من نار؟نار؟) رواه أبو داود ولأنه من جنس الأثمانالأثمان, أشبه التبر وقال مالكمالك: يزكي عاما واحدا وقال الحسن وعبد الله بن عتبة وقتادةوقتادة: زكاته عاريته قال أحمدأحمد: خمسة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقولونيقولون: ليس في الحلي زكاة ويقولونويقولون: زكاته عاريته ووجه الأولالأول, ما روى عافية بن أيوب عن الليث بن سعد عن أبي
الزبيرالزبير, عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قالقال: (ليسليس في الحلي زكاةزكاة) ولأنه مرصد لاستعمال مباح فلم تجب فيه الزكاةالزكاة, كالعوامل وثياب القنية وأما الأحاديث الصحيحة التي احتجوا بها فلا تتناول محل النزاع لأن الرقة هي الدراهم المضروبة قال أبو عبيدعبيد: لا نعلم هذا الاسم في الكلام المعقول عند العرب إلا على الدراهم المنقوشةالمنقوشة, ذات السكة السائرة في الناس وكذلك الأواقي ليس معناها إلا الدراهم كل أوقية أربعون درهما وأما حديث المسكتين فقال أبو عبيدعبيد: لا نعلمه إلا من وجه قد تكلم الناس فيه قديما وحديثا وقال الترمذيالترمذي: ليس يصح في هذا الباب شيء ويحتمل أنه أراد بالزكاة إعارته كما فسره به بعض العلماءالعلماء, وذهب إليه جماعة من الصحابة وغيرهم والتبر غير معد للاستعمال بخلاف الحلي وقول الخرقي " إذا كان مما تلبسه أو تعيره " يعني أنه إنما تسقط عنه الزكاة إذا كان كذلك أو معدا له فأما المعد للكرى أو النفقة إذا احتيج إليه ففيه الزكاة لأنها إنما تسقط عما أعد للاستعمالللاستعمال, لصرفه عن جهة النماء ففيما عداه يبقى على الأصل وكذلك ما اتخذ حلية فرارا من الزكاة لا يسقط عنه ولا فرق بين كون الحلي المباح مملوكا لامرأة تلبسه أو تعيرهتعيره, أو لرجل يحلى به أهله أو يعيره أو يعده لذلك لأنه مصروف عن جهة النماء إلى استعمال مباح أشبه حلى المرأةالمرأة.
فصلفصل:
وقليل الحلي وكثيره سواء في الإباحة والزكاة وقال ابن حامد يباح ما لم يبلغ ألف مثقالمثقال, فإن بلغها حرم وفيه الزكاة لما روى أبو عبيد والأثرموالأثرم, عن عمرو بن دينار؟دينار؟ قالقال: سئل جابر عن الحلي هل فيه زكاة؟زكاة؟ قالقال: لا فقيل لهله: ألف دينار؟دينار؟ فقالفقال: إن ذلك لكثير ولأنه يخرج إلى السرف والخيلاء ولا يحتاج إليه في الاستعمالالاستعمال, والأول أصح لأن الشرع أباح التحلي مطلقا من غير تقييد فلا يجوز تقييده بالرأي والتحكم وحديث جابر ليس بصريح في نفي الوجوب وإنما يدل على التوقفالتوقف, ثم قد روى عنه خلافه فروى الجوزجاني بإسناده عن أبي الزبير قالقال: سألت جابر بن عبد اللهالله, عن الحلي فيه زكاة؟زكاة؟ قالقال: لا قلتقلت: إن الحلي يكون فيه ألف دينار قالقال: وإن كان فيه يعار ويلبس ثم إن قول جابر قول صحابي خالفه غيره ممن أباحه مطلقا بغير تقييد فلا يبقى قوله حجةحجة, والتقييد بالرأي المطلق والتحكم غير جائزجائز.
فصلفصل:
وإذا انكسر الحلي كسرا لا يمنع الاستعمال واللبس فهو كالصحيح لا زكاة فيهفيه, إلا أن ينوي كسره وسبكه ففيه الزكاة حينئذ لأنه نوى صرفه عن الاستعمال وإن كان الكسر يمنع الاستعمالالاستعمال, فقال القاضيالقاضي: عندي أن فيه الزكاة لأنه كان بمنزلة النقود والتبروالتبر.
فصلفصل:
وإذا كان الحلي للبس فنوت به المرأة التجارة انعقد عليه حول الزكاة من حين نوت لأن الوجوب هو الأصلالأصل, وإنما انصرف عنه لعارض الاستعمال فعاد إلى الأصل بمجرد النية من غير استعمال فهو كما لو نوى بعرض التجارة القنيةالقنية, انصرف إليه من غير استعمالاستعمال.
فصلفصل:
ويعتبر في النصاب في الحلي الذي تجب فيه الزكاة بالوزن فلو ملك حليا قيمته مائتا درهم ووزنه دون المائتينالمائتين, لم يكن عليه زكاة وإن بلغ مائتين وزنا ففيه الزكاة وإن نقص في القيمة لقوله عليه السلامالسلام: (ليسليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقةصدقة) اللهم إلا أن يكون الحلي للتجارة فيقومفيقوم, فإذا بلغت قيمته بالذهب والفضة نصابا ففيه الزكاة لأن الزكاة متعلقة بالقيمة وما لم يكن للتجارة فالزكاة في عينهعينه, فيعتبر أن يبلغ بقيمته ووزنه نصابا وهو مخير بين إخراج ربع عشر حليه مشاعا أو دفع ما يساوي ربع عشرها من جنسهاجنسها, وإن زاد في الوزن على ربع العشر لما بينا أن الربا لا يجري ها هنا ولو أراد كسرها ودفع ربع عشرها لم يكن منه لأنه ينقص قيمتها وهذا مذهب الشافعي وقال مالك الاعتبار بالوزن وإذا كان وزن الحلي عشرين وقيمته ثلاثون فعليه نصف مثقالمثقال, لا تزيد قيمته شيئا لأنه نصاب من جنس الأثمان فتعلقت الزكاة بوزنه لا بصفتهبصفته, كالدراهم المضروبة ولنا أن الصناعة صارت صفة للنصاب لها قيمة مقصودة فوجب اعتبارها كالجودة في سائر أموال الزكاة ودليلهم نقول بهبه, وأن الزكاة تتعلق بوزنه وصفته جميعا كالجيد من الذهب والفضة والمواشيوالمواشي, والحبوب والثمار فإنه لا يجزئه إخراج رديء عن جيدجيد, كذلك ها هنا وإن أراد إخراج الفضة عن حلي الذهب أو الذهب عن الفضة أخرج على الوجهينالوجهين, كما قدمنا في إخراج أحد النقدين عن الآخر وذكر ابن عقيل أن الاعتبار في قدر النصاب أيضا بالقيمة فلو ملك حليا وزنه تسعة عشر وقيمته عشرون لأجل الصناعةالصناعة, ففيه الزكاة وظاهر كلام أحمد اعتبار الوزن وهو ظاهر نصهنصه, لقولهلقوله: (ليسليس فيما دون خمس أواق صدقةصدقة) ولأنه مال تجب الزكاة في عينه فلا تعتبر قيمة الدنانير المضروبة لأن زيادة القيمة بالصناعةبالصناعة, كزيادتها بنفاسة جوهره فكما لا تجب الزيادة فيما كان نفيس الجوهر كذلك الآخرالآخر.
فصلفصل:
فإن كان في الحلي جوهر ولآلئ مرصعةمرصعة, فالزكاة في الحلي من الذهب والفضة دون الجوهر لأنها لا زكاة فيها عند أحد من أهل العلم فإن كان الحلي للتجارة قومه بما فيه من الجواهر لأن الجواهر لو كانت مفردة وهي للتجارةللتجارة, لقومت وزكيت فكذلك إذا كانت في حلي التجارةالتجارة.
فصلفصل:
وإذا اتخذت المرأة حليا ليس لها اتخاذه كما إذا اتخذت حلية الرجال كحلية السيف والمنطقةوالمنطقة, فهو محرم وعليها الزكاة كما لو اتخذ الرجل حلي المرأةالمرأة.
فصلفصل:
ويباح للنساء من حلي الذهب والفضة والجواهر كل ما جرت عادتهن بلبسهبلبسه, مثل السوار والخلخال والقرط والخاتم وما يلبسنه على وجوههن وفي أعناقهنأعناقهن, وأيديهن وأرجلهن وآذانهن وغيرهوغيره, فأما ما لم تجر عادتهن بلبسه كالمنطقة وشبهها من حلي الرجال فهو محرممحرم, وعليها زكاته كما لو اتخذ الرجل لنفسه حلي المرأةالمرأة.
مسألة:
مسألة:
قالقال: وليس في حلية سيف الرجل ومنطقته وخاتمه زكاة وجملة ذلك أن ما كان مباحا من الحلي فلا زكاة فيه إذا كان معدا للاستعمالللاستعمال, سواء كان لرجل أو امرأة لأنه مصروف عن جهة النماء إلى استعمال مباح فأشبه ثياب البذلة وعوامل الماشية ويباح للرجال من الفضة الخاتم (لأنلأن النبي - صلى الله عليه وسلم- اتخذ خاتما من ورقورق) متفق عليه وحلية السيفالسيف, بأن تجعل قبيعته فضة أو تحليتها بفضة فإن أنسا قالقال: (كانتكانت قبيعة سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فضةفضة) وقال هشام بن عروةعروة: كان سيف الزبير محلى بالفضة رواهما الأثرم بإسناده والمنطقة تباح تحليتها بالفضة لأنها حلية معتادة للرجل فهي كالخاتم وقد نقل كراهة ذلك لما فيه من الفخر والخيلاء فهو كالطوقكالطوق, والأول أولى لأن الطوق ليس بمعتاد في حق الرجل بخلاف المنطقة وعلى قياس المنطقة الجوشنالجوشن, والخوذة والخف والرانوالران, والحمائل وتباح الفضة في الإناء وما أشبهها للحاجة ونعني بالحاجة أنه ينتفع بها في ذلك وإن قام غيرها مقامها وفي صحيح البخاري عنعن, أنس (أنأن قدح النبي - صلى الله عليه وسلم- انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضةفضة) وقال القاضيالقاضي: يباح اليسير وإن لم يكن لحاجة وإنما كره أحمد الحلقة في الإناء لأنها تستعمل وأما الذهبالذهب, فيباح منه ما دعت الضرورة إليه كالأنف في حق من قطع أنفه لما روى (عنعن عبد الرحمن بن طرفة أن جده عرفجة بن أسعد قطع أنفه يوم الكلابالكلاب, فاتخذ أنفا من ورق فأنتن عليه فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم- فاتخذ أنفا من ذهبذهب) رواه أبو داود وقال الإمام أحمدأحمد: ربط الأسنان بالذهب إذا خشي عليها أن تسقط قد فعله الناس فلا بأس به عند الضرورة وروى الأثرمالأثرم, عن موسى بن طلحة وأبي جمرة الضبعي وأبي رافعرافع, وثابت استرقوا وإسماعيل بن زيد بن ثابت والمغيرة بن عبد الله أنهم شدوا أسنانهم بالذهب وعن الحسنالحسن, والزهري والنخعي أنهم رخصوا فيه وما عدا ذلك من الذهبالذهب, فقد روى عن أحمد - رحمه الله- الرخصة فيه في السيف قال الأثرمالأثرم, قال أحمدأحمد: قد روي أنه كان في سيف عثمان بن حنيف مسمار من ذهب قال أبو عبد الله فذاك الآن في السيف وقالوقال: إنه كان لعمر سيف سبائكه من ذهب من حديث إسماعيل بن أمية عن نافع وروى الترمذيالترمذي, بإسناده عن مزيدة العصري (أنأن النبي - صلى الله عليه وسلم- دخل مكة وعلى سيفه ذهب وفضةوفضة) وروي عن أحمد رواية أخرى تدل على تحريم ذلك قال الأثرمالأثرم: قلت لأبي عبد اللهالله: يخاف عليه أن يسقط يجعل فيه مسمارا من ذهب؟ذهب؟ قالقال: إنما رخص في الأسنان وذلك إنما هو على الضرورة فأما المسمارالمسمار, فقد رويروي: (منمن تحلى بخريصيصة كوي بها يوم القيامةالقيامة) قلتقلت: أي شيء خريصيصة؟خريصيصة؟ قالقال: شيء صغير مثل الشعيرة وروى الأثرم أيضا بإسناده عن شهر بن حوشبحوشب, عن عبد الرحمن بن غنم قالقال: (منمن حلى أو تحلى بخريصيصةبخريصيصة, كوي بها يوم القيامة مغفورا له أو معذبامعذبا) وحكي عن أبي بكر من أصحابنا أنه أباح يسير الذهبالذهب, ولعله يحتج بما رويناه من الأخبار وبقياس الذهب على الفضة ولأنه أحد الثلاثة المحرمة على الذكور دون الإناثالإناث, فلم يحرم يسيره كسائرها وكل ما أبيح من الحلي فلا زكاة فيهفيه, إذا كان معدا للاستعمالللاستعمال.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( والمتخذ آنية الذهب والفضة عاص وفيها الزكاة ) وجملته أن اتخاذ آنية الذهب والفضة حرام على النساء والرجال جميعاجميعا, وكذلك استعماله وقال الشافعي في أحد قوليهقوليه: لا يحرم اتخاذها لأن النص إنما ورد في تحريم الاستعمال فيبقى إباحة الاتخاذ على مقتضى الأصل في الإباحة ولنا أن ما حرم استعماله حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال كالملاهيكالملاهي, ويستوي في ذلك الرجال والنساء لأن المعنى المقتضي للتحريم يعمها وهو الإفضاء إلى السرف والخيلاءوالخيلاء, وكسر قلوب الفقراء فيستويان في التحريم وإنما أحل للنساء التحلي لحاجتهن إليه للتزين للأزواجللأزواج, وليس هذا بموجود في الآنية فيبقى على التحريم إذا ثبت هذا فإن فيها الزكاةالزكاة, بغير خلاف بين أهل العلم ولا زكاة فيها حتى تبلغ نصابا بالوزن أو يكون عنده ما يبلغ نصابا بضمها إليه وإن زادت قيمته لصناعتهلصناعته, فلا عبرة بها لأنها محرمة فلا قيمة لها في الشرع و له أن يخرج عنها قدر ربع عشرها بقيمته غير مصوغ وإن أحب كسرها أخرج ربع عشرها مكسورامكسورا, وإن أخرج ربع عشرها مصوغا جاز لأن الصناعة لم تنقصها عن قيمة المكسور وذكر أبو الخطاب وجها في اعتبار قيمتها والأول أصح - إن شاء الله تعالى- .
فصلفصل:
وكل ما كان اتخاذه محرما من الأثمانالأثمان, لم تسقط زكاته باتخاذه لأن الأصل وجوب الزكاة فيها لكونها مخلوقة للتجارة والتوسل بها إلى غيرهاغيرها, ولم يوجد ما يمنع ذلك فبقيت على أصلها قال أحمدأحمد: ما كان على سرج أو لجام ففيه الزكاة ونص على حلية الثفر والركاب واللجامواللجام, أنه محرم وقال في رواية الأثرمالأثرم: أكره رأس المكحلة فضة ثم قالقال: وهذا شيء تأولته وعلى قياس ما ذكره حلية الدواةالدواة, والمقلمة والسرج ونحوه مما على الدابة ولو موه سقفه بذهب أو فضةفضة, فهو محرم وفيه الزكاة وقال أصحاب الرأيالرأي: يباح لأنه تابع للمباح فيتبعه في الإباحة ولناولنا, أن هذا إسراف ويفضي فعله إلى الخيلاء وكسر قلوب الفقراءالفقراء, فحرم كاتخاذ الآنية وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم- عن التختم بخاتم الذهب للرجلللرجل, فتمويه السقف أولى وإن صار التمويه الذي في السقف مستهلكا لا يجتمع منه شيء لم تحرم استدامته لأنه لا فائدة في إتلافه وإزالته ولا زكاة فيه لأن ماليته ذهبت وإن لم تذهب ماليتهماليته, ولم يكن مستهلكا حرمت استدامته وقد بلغنا أن عمر بن عبد العزيز لما ولى أراد جمع ما في مسجد دمشق مما موه به من الذهبالذهب, فقيل لهله: إنه لا يجتمع منه شيء فتركه ولا يجوز تحلية المصاحف ولا المحاريب ولا اتخاذ قناديل من الذهب والفضة لأنها بمنزلة الآنية وإن وقفها على مسجد أو نحوه لم يصح لأنه ليس ببر ولا معروف ويكون ذلك بمنزلة الصدقةالصدقة, فيكسر ويصرف في مصلحة المسجد وعمارته وكذلك إن حبس الرجل فرسا له لجام مفضض وقد قال أحمدأحمد: في الرجل يقف فرسا في سبيل الله ومعه لجام مفضضمفضض: فهو على ما وقفه وإن بيعت الفضة من السرج واللجام وجعلت في وقف مثله فهو أحب إلى لأن الفضة لا ينتفع بهابها, ولعله يشتري بذلك سرجا ولجاما فيكون أنفع للمسلمين قيلقيل: فتباع الفضة وينفق على الفرس؟الفرس؟ قالقال: نعمنعم, وهذا يدل على إباحة حلية السرج واللجام بالفضة لولا ذلك لما قالقال: هو على ما وقف وهذا لأن العادة جارية به فأشبه حلية المنطقة وإذا قلنا بتحريمها فصار بحيث لا يجتمع منه شيءشيء, لم يحرم استدامته كقولنا في تمويه السقف وأباح القاضي علاقة المصحف ذهبا أو فضة للنساء خاصة وليس بجيد لأن حلية المرأة ما لبستهلبسته, وتحلت به في بدنها أو ثيابها وما عداه فحكمه حكم الأواني لا يباح للنساء منه إلا ما أبيح للرجال ولو أبيح لها ذلك لأبيح علاقة الأواني والأدراج ونحوهما ذكره ابن عقيلعقيل.
فصلفصل:
وكل ما يحرم اتخاذهاتخاذه, ففيه الزكاة إذا كان نصابا أو بلغ بضمه إلى ما عنده نصابا على ما ذكرناهذكرناه.
مسألة:
مسألة:
قالقال: وما كان من الركازالركاز, وهو دفن الجاهلية قل أو كثر ففيه الخمس لأهل الصدقاتالصدقات, وباقيه له الدفن بكسر الدالالدال: المدفون والركازوالركاز: المدفون في الأرض واشتقاقه من ركز يركز مثل غرز يغرزيغرز: إذا خفي يقاليقال: ركز الرمح إذا غرز أسفله في الأرض ومنه الركزالركز, وهو الصوت الخفي قال الله تعالىتعالى: {أوأو تسمع لهم ركزاركزا} [مريممريم: 9898]. والأصل في صدقة الركاز ما روى أبو هريرةهريرة, عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنه قالقال: (العجماءالعجماء جبار وفي الركاز الخمسالخمس) متفق عليه وهو أيضا مجمع عليه قال ابن المنذر لا نعلم أحدا خالف هذا الحديث إلا الحسن فإنه فرق بين ما يوجد في أرض الحربالحرب, وأرض العرب فقالفقال: فيما يوجد في أرض الحرب الخمس وفيما يوجد في أرض العرب الزكاةالزكاة.
فصلفصل:
وأوجب الخمس في الجميع الزهريالزهري, والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهوأصحابه, وأبو ثور وابن المنذر وغيرهم وهذه المسألة تشتمل على خمسة فصولفصول:
الفصل الأولالأول: الركاز
أن الركاز الذي يتعلق به وجوب الخمس ما كان من دفن الجاهلية هذا قول الحسنالحسن, والشعبي ومالك والشافعي وأبي ثور ويعتبر ذلك بأن ترى عليه علاماتهمعلاماتهم, كأسماء ملوكهم وصورهم وصلبهم وصور أصنامهمأصنامهم, ونحو ذلك فإن كان عليه علامة الإسلام أو اسم النبي - صلى الله عليه وسلم- أو أحد من خلفاء المسلمين أو وال لهملهم, أو آية من قرآن أونحو ذلك فهو لقطة لأنه ملك مسلم لم يعلم زواله عنه وإن كان على بعضه علامة الإسلام وعلى بعضه علامة الكفرالكفر, فكذلك نص عليه أحمد في رواية ابن منصور لأن الظاهر أنه صار إلى مسلم ولم يعلم زواله عن ملك المسلمينالمسلمين, فأشبه ما على جميعه علامة المسلمينالمسلمين.
الفصل الثانيالثاني:
في موضعه ولا يخلو من أربعة أقسامأقسام: أحدها أن يجده في مواتموات, أو ما لا يعلم له مالك مثل الأرض التي يوجد فيها آثار الملك كالأبنية القديمةالقديمة, والتلول وجدران الجاهلية وقبورهم فهذا فيه الخمس بغير خلافخلاف, سوى ما ذكرناه ولو وجده في هذه الأرض على وجهها أو في طريق غير مسلوك أو قرية خرابخراب, فهو كذلك في الحكم لما روي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدهجده, قالقال: (سئلسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن اللقطة؟اللقطة؟ فقالفقال: ما كان في طريق مأتي أو في قرية عامرة فعرفها سنةسنة, فإن جاء صاحبها وإلا فلك وما لم يكن في طريق مأتيمأتي, ولا في قرية عامرة ففيه وفي الركاز الخمسالخمس). رواه النسائي القسم الثاني أن يجده في ملكه المنتقل إليهإليه, فهو له في أحد الوجهين لأنه مال كافر مظهور عليه في الإسلام فكان لمن ظهر عليه كالغنائم ولأن الركاز لا يملك بملك الأرضالأرض, لأنه مودع فيها وإنما يملك بالظهور عليه وهذا قد ظهر عليهعليه, فوجب أن يملكه والرواية الثانية هو للمالك قبله إن اعترف به وإن لم يعترف به فهو للذي قبله كذلك إلى أول مالك وهذا مذهب الشافعي لأنه كانت يده على الدارالدار, فكانت على ما فيها وإن انتقلت الدار بالميراث حكم بأنه ميراث فإن اتفق الورثة على أنه لم يكن لموروثهملموروثهم, فهو لأول مالك فإن لم يعرف أول مالك فهو كالمال الضائع الذي لا يعرف له مالك والأول أصح - إن شاء الله تعالى- لأن الركاز لا يملك بملك الدارالدار, لأنه ليس من أجزائها وإنما هو مودع فيها فينزل منزلة المباحات من الحشيش والحطب والصيد يجده في أرض غيره فيأخذهفيأخذه, فيكون أحق به لكن إن ادعى المالك الذي انتقل الملك عنه أنه له فالقول قوله لأن يده كانت عليهعليه, لكونها على محله وإن لم يدعه فهو لواجده وإن اختلف الورثةالورثة, فأنكر بعضهم أن يكون لمورثهم ولم ينكره الباقون فحكم من أنكر في نصيبه حكم المالك الذي لم يعترف بهبه, وحكم المعترفين حكم المالك المعترف القسم الثالث أن يجده في ملك آدمي مسلم معصوم أو ذمي فعن أحمد ما يدل على أنه لصاحب الدار فإنه قالقال, في من استأجر حفارا ليحفر في داره فأصاب في الدار كنزا عادياعاديا: فهو لصاحب الدار وهذا قول أبي حنيفة ومحمد بن الحسن ونقل عن أحمد ما يدل على أنه لواجده لأنه قال في مسألة من استأجر أجيرا ليحفر له في داره فأصاب في الدار كنزاكنزا: فهو للأجير نقل ذلك عنه محمد بن يحيى الكحال قال القاضي هو الصحيح وهذا يدل على أن الركاز لواجده وهو قول الحسن بن صالحصالح, وأبي ثور واستحسنه أبو يوسف وذلك لأن الكنز لا يملك بملك الدار على ما ذكرنا في القسم الذي قبله فيكون لمن وجدهوجده, لكن إن ادعاه المالك فالقول قوله لأن يده عليه بكونها على محله وإن لم يدعه فهو لواجده وقال الشافعيالشافعي: هو لمالك الدار إن اعترف به وإن لم يعترف بهبه, فهو لأول مالك لأنه في يده ويخرج لنا مثل ذلك لما ذكرناه من الرواية في القسم الذي قبله وإن استأجر حفارا ليحفر له طلبا لكنز يجدهيجده, فوجده فلا شيء للأجير ويكون الواجد له هو المستأجر لأنه استأجره لذلكلذلك, فأشبه ما لو استأجره ليحتش له أو يصطاد فإن الحاصل من ذلك للمستأجر دون الأجير وإن استأجره لأمر غير طلب الركاز فالواجد له هو الأجير وهكذا قال الأوزاعيالأوزاعي: إذا استأجرت أجيرا ليحفر لي في داريداري, فوجد كنزا فهو له وإن قلتقلت: استأجرتك لتحفر لي ها هنا رجاء أن أجد كنزا فسميت لهله, فله أجره ولي ما يوجديوجد.
فصل:
فصل:
وإن اكترى دارا فوجد فيها ركازاركازا, فهو لواجده في أحد الوجهين والآخر هو للمالكللمالك, بناء على الروايتين في من وجد ركازا في ملك انتقل إليه وإن اختلفااختلفا, فقال كل واحد منهمامنهما: هذا لي فعلى وجهينوجهين: أحدهما القول قول المالك لأن الدفن تابع للأرض والثاني القول قول المكتري لأن هذا مودع في الأرضالأرض, وليس منها فكان القول قول من يده عليها كالقماش القسم الرابعالرابع, أن يجده في أرض الحرب فإن لم يقدر عليه إلا بجماعة من المسلمين فهو غنيمة لهملهم, وإن قدر عليه بنفسه فهو لواجده حكمه حكم ما لو وجده في موات في أرض المسلمين وقال أبو حنيفةحنيفة, والشافعيوالشافعي: إن عرف مالك الأرض وكان حربيا فهو غنيمة أيضا لأنه في حرز مالك معين فأشبه ما لو أخذه من بيت أو خزانة ولناولنا, أنه ليس لموضعه مالك محترم أشبه ما لو لم يعرف مالكه ويخرج لنا مثل قولهم بناء على قولنا إن الركاز في دار الإسلام يكون لمالك الأرضالأرض.
الفصل الثالثالثالث:
في صفة الركاز الذي فيه الخمسالخمس, وهو كل ما كان مالا على اختلاف أنواعه من الذهب والفضة والحديد والرصاص والصفر والنحاس والآنية وغير ذلك وهو قول إسحاق وأبي عبيدعبيد, وابن المنذر وأصحاب الرأي وإحدى الروايتين عن مالكمالك, وأحد قولي الشافعي والقول الآخرالآخر: لا تجب إلا في الأثمان ولنا عموم قوله عليه السلامالسلام: (وفيوفي الركاز الخمسالخمس) ولأنه مال مظهور عليه من مال الكفارالكفار, فوجب فيه الخمس مع اختلاف أنواعه كالغنيمة إذا ثبت هذا فإن الخمس يجب في قليله وكثيره في قول إمامناإمامنا, ومالك وإسحاق وأصحاب الرأي والشافعي في القديم وقال في الجديدالجديد: يعتبر النصاب فيه لأنه حق مال يجب فيما استخرج من الأرضالأرض, فاعتبر فيه النصاب كالمعدن والزرع ولنا عموم الحديثالحديث, ولأنه مال مخموس فلا يعتبر له نصاب كالغنيمةكالغنيمة, ولأنه مال كافر مظهور عليه في الإسلام فأشبه الغنيمة والمعدن والزرع يحتاج إلى عمل ونوائبونوائب, فاعتبر فيه النصاب تخفيفا بخلاف الركاز ولأن الواجب فيهما مواساةمواساة, فاعتبر النصاب ليبلغ حدا يحتمل المواساة منه بخلاف مسألتنامسألتنا.
الفصل الرابعالرابع:
في قدر الواجب في الركاز ومصرفهومصرفه, أما قدره فهو الخمس لما قدمناه من الحديث والإجماع وأما مصرفه فاختلفت الرواية عن أحمد فيه مع ما فيه من اختلاف أهل العلم فقال الخرقيالخرقي: هو لأهل الصدقات ونص عليه أحمدأحمد, في رواية حنبل فقالفقال: يعطي الخمس من الركاز على مكانه وإن تصدق به على المساكين أجزأه وهذا قول الشافعي لأن علي بن أبي طالبطالب, أمر صاحب الكنز أن يتصدق به على المساكين حكاه الإمام أحمد وقالوقال: حدثنا سعيد حدثنا سفيانسفيان, عن عبد الله بن بشر الخثعمي عن رجل من قومه يقال لهله: ابن حممة قالقال: سقطت على جرة من دير قديم بالكوفةبالكوفة, عند جبانة بشر فيها أربعة آلاف درهم فذهبت بها إلى علي ـ رضي الله عنه ـ فقالفقال: اقسمها خمسة أخماس فقسمتهافقسمتها, فأخذ على منها خمسا وأعطانى أربعة أخماس فلما أدبرت دعانيدعاني, فقالفقال: في جيرانك فقراء ومساكين؟ومساكين؟ قلتقلت: نعم قالقال: فخذها فاقسمها بينهم ولأنه مستفاد من الأرض أشبه المعدن والزرع والرواية الثانية مصرفه مصرف الفيء نقله محمد بن الحكمالحكم, عن أحمد وهذه الرواية أصح وأقيس على مذهبه وبه قال أبو حنيفة والمزني لما روى أبو عبيدعبيد, عن هشيم عن مجالد عن الشعبي أن رجلا وجد ألف دينار مدفونة خارجا من المدينة فأتى بهما عمر بن الخطابالخطاب, فأخذ منها الخمس مائتى دينار ودفع إلى الرجل بقيتها وجعل عمر يقسم المائتين بين من حضره من المسلمينالمسلمين, إلى أن فضل منها فضلة فقالفقال: أين صاحب الدنانير؟الدنانير؟ فقام إليه فقال عمرعمر: خذ هذه الدنانير فهي لك ولو كانت زكاة خص بها أهلهاأهلها, ولم يرده على واجده ولأنه يجب على الذمى والزكاة لا تجب عليهعليه, ولأنه مال مخموس زالت عنه يد الكافر أشبه خمس الغنيمةالغنيمة.
مسألة:
مسألة:
قالقال: [وإذاوإذا أخرج من المعادن من الذهب عشرين مثقالا أو من الورق مائتي درهمدرهم, أو قيمة ذلك من الزئبق والرصاص والصفر أو غير ذلك مما يستخرج من الأرض فعليه الزكاة من وقته ) اشتقاق المعدن من عدن في المكان يعدنيعدن: إذا أقام به ومنه سميت جنة عدنعدن, لأنها دار إقامة وخلود قال أحمدأحمد: المعادنالمعادن: هي التي تستنبط ليس هو شيء دفن والكلام في هذه المسألة في فصول أربعةأربعة:
أحدهاأحدها: في صفة المعدن الذي يتعلق به وجوب الزكاة وهو كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمةقيمة, كالذي ذكره الخرقي ونحوه من الحديد والياقوت والزبرجدوالزبرجد, والبلور والعقيق والسبجوالسبج, والكحل والزاج والزرنيخ والمغرة وكذلك المعادن الجاريةالجارية, كالقار والنفط والكبريتوالكبريت, ونحو ذلك وقال مالك والشافعيوالشافعي: لا تتعلق الزكاة إلا بالذهب والفضة لقول النبيالنبي: - صلى الله عليه وسلم- (لالا زكاة في حجرحجر) ولأنه مال يقوم بالذهب والفضة مستفاد من الأرض أشبه الطين الأحمر وقال أبو حنيفةحنيفة, في إحدى الروايتين عنهعنه: تتعلق الزكاة بكل ما ينطبع كالرصاص والحديد والنحاس دون غيره ولناولنا, عموم قوله تعالىتعالى: {ومماومما أخرجنا لكم من الأرضالأرض} [البقرةالبقرة: 167167]. ولأنه معدن فتعلقت الزكاة بالخارج منه كالأثمان ولأنه مال لو غنمه وجب عليه خمسهخمسه, فإذا أخرجه من معدن وجبت الزكاة كالذهب وأما الطين فليس بمعدن لأنه تراب والمعدنوالمعدن: ما كان في الأرض من غير جنسهاجنسها.
الفصل الثانيالثاني:
في قدر الواجب وصفته وقدر الواجب فيه ربع العشر وصفته أنه زكاة وهذا قول عمر بن عبد العزيز ومالك وقال أبو حنيفةحنيفة: الواجب فيه الخمسالخمس, وهو فيء واختاره أبو عبيد وقال الشافعيالشافعي: هو زكاة واختلف قوله في قدره كالمذهبين واحتج من أوجب الخمس بقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (ماما لم يكن في طريق مأتى ولا في قرية عامرةعامرة, ففيه وفي الركاز الخمسالخمس) رواه النسائي والجوزجانى وغيرهما وفي روايةرواية: (ماما كان في الخرابالخراب, ففيه وفي الركاز الخمسالخمس) وروى سعيد والجوزجانى بإسنادهما عن عبد الله بن سعيد المقبريالمقبري, عن أبيه عن أبى هريرة قالقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : (الركازالركاز هو الذهب الذي ينبت من الأرضالأرض) وفي حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قالقال: (وفيوفي الركاز الخمسالخمس, قيلقيل: يا رسول الله وما الركاز؟الركاز؟ قالقال: هو الذهب والفضة المخلوقان في الأرض يوم خلق الله السموات والأرضوالأرض) وهذا نص وفي حديث عنه عليه السلام أنه قالقال: (وفيوفي السيوب الخمسالخمس) قالقال: والسيوب عروق الذهب والفضة التي تحت الأرض ولأنه مال مظهور عليه في الإسلامالإسلام, أشبه الركاز ولنا ما روى أبو عبيد بإسناده عن ربيعة بن أبى عبد الرحمنالرحمن, عن غير واحد من علمائهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- (أقطعأقطع بلال بن الحارث المزنى معادن القبلية في ناحية الفرع قالقال: فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوماليوم) وقد أسنده عبد الله بن كثير بن عوفعوف, إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- عن أبيه عن جده ورواه الدراوردى عن ربيعة بن الحارث بن بلال بن الحارث المزنى (أنأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أخذ منه زكاة المعادن القبليةالقبلية) قال أبو عبيدعبيد: القبلية بلاد معروفة بالحجاز ولأنه حق يحرم على أغنياء ذوى القربىالقربى, فكان زكاة كالواجب في الأثمان التي كانت مملوكة له وحديثهم الأول لا يتناول محل النزاع لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- إنما ذكر ذلك في جواب سؤاله عن اللقطة وهذا ليس بلقطةبلقطة, ولا يتناول اسمها فلا يكون متناولا لمحل النزاع والحديث الثاني يرويه عبد الله بن سعيد وهو ضعيف وسائر أحاديثهم لا يعرف صحتهاصحتها, ولا هي مذكورة في المسانيد والدواوين ثم هي متروكة الظاهر فإن هذا ليس هو المسمى بالركاز والسيوبوالسيوب: هو الركاز لأنه مشتق من السيب وهو العطاء الجزيلالجزيل.
.
الفصل الثالثالثالث:
في نصاب المعادن وهو ما يبلغ من الذهب عشرين مثقالامثقالا, ومن الفضة مائتى درهم أو قيمة ذلك من غيرهما وهذا مذهب الشافعي وأوجب أبو حنيفة الخمس في قليله وكثيره من غير اعتبار نصابنصاب, بناء على أنه ركاز لعموم الأحاديث التي احتجوا بها عليه ولأنه لا يعتبر له حول فلم يعتبر له نصاب كالركاز ولناولنا, عموم قوله عليه السلامالسلام: (ليسليس فيما دون خمس أواق صدقةصدقة) وقولهوقوله: (ليسليس في تسعين ومائة شيءشيء) وقوله عليه السلامالسلام: (ليسليس عليكم في الذهب شيء حتى يبلغ عشرين مثقالامثقالا) وقد بينا أن هذا ليس بركاز وأنه مفارق للركاز من حيث إن الركاز مال كافر أخذ في الإسلامالإسلام, فأشبه الغنيمة وهذا وجب مواساة وشكرا لنعمة الغنى فاعتبر له النصاب كسائر الزكوات وإنما لم يعتبر له الحول لحصوله دفعة واحدة فأشبه الزروع والثمار إذا ثبت هذا فإنه يعتبر إخراج النصاب دفعة واحدة أو دفعاتدفعات, لا يترك العمل بينهن ترك إهمال فإن خرج دون النصاب ثم ترك العمل مهملا لهله, ثم أخرج دون النصاب فلا زكاة فيهما وإن بلغا بمجموعهما نصابا وإن بلغ أحدهما نصابا دون الآخر زكى النصابالنصاب, ولا زكاة في الآخر وفيما زاد على النصاب بحسابه فأما ترك العمل ليلا أو للاستراحة أو لعذر من مرضمرض, أو لإصلاح الأداة أو إباق عبيده ونحوه فلا يقطع حكم العملالعمل, ويضم ما خرج في العملين بعضه إلى بعض في إكمال النصاب وكذلك إن كان مشتغلا بالعمل فخرج بين المعدنين تراب لا شيء فيه وإن اشتمل المعدن على أجناسأجناس, كمعدن فيه الذهب والفضة فذكر القاضيالقاضي: أنه لا يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب وأنه يعتبر النصاب في الجنس بانفراده لأنه أجناس فلا يكمل نصاب أحدهما بالآخربالآخر, كغير المعدن والصواب إن شاء الله أنه إن كان المعدن يشتمل على ذهب وفضة ففي ضم أحدهما إلى الآخر وجهان بناء على الروايتين في ضم أحدهما إلى الآخر في غير المعدنالمعدن, وإن كان فيه أجناس من غير الذهب والفضة ضم بعضها إلى بعض لأن الواجب في قيمتهاقيمتها, والقيمة واحدة فأشبهت عروض التجارة وإن كان فيها أحد النقدين وجنس آخرآخر, ضم أحدهما إلى الآخر كما تضم العروض إلى الأثمان وإن استخرج نصابا من معدنين وجبت الزكاة فيه لأنه مال رجل واحدواحد, فأشبه الزرع في مكانينمكانين.
الفصل الرابعالرابع:
في وقت الوجوب وتجب الزكاة فيه حين يتناوله ويكمل نصابه ولا يعتبر له حول وهذا قول مالكمالك, والشافعي وأصحاب الرأي وقال إسحاق وابن المنذرالمنذر: لا شيء في المعدن حتى يحول عليه الحول لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : (لالا زكاة في مال حتى يحول عليه الحولالحول) ولناولنا, أنه مال مستفاد من الأرض فلا يعتبر في وجوب حقه حول كالزرع والثمار والركازوالركاز, ولأن الحول إنما يعتبر في غير هذا لتكميل النماء وهو يتكامل نماؤه دفعة واحدة فلا يعتبر له حول كالزروعكالزروع, والخبر مخصوص بالزرع والثمر فيخص محل النزاع بالقياس عليه إذا ثبت هذا فلا يجوز إخراج زكاته إلا بعد سبكه وتصفيتهوتصفيته, كعشر الحب فإن أخرج ربع عشر ترابه قبل تصفيته وجب رده إن كان باقياباقيا, أو قيمته إن كان تالفا والقول في قدر المقبوض قول الآخذ لأنه غارم فإن صفاه الآخذ فكان قدر الزكاةالزكاة, أجزأ وإن زاد رد الزيادة إلا أن يسمح له المخرج وإن نقص فعلى المخرج وما أنفقه الآخذ على تصفيتهتصفيته, فهو من ماله لا يرجع به على المالك ولا يحتسب المالك ما أنفقه على المعدن في استخراجه من المعدن ولا في تصفيته وقال أبو حنيفةحنيفة: لا تلزمه المؤنة من حقه وشبهه بالغنيمةبالغنيمة, وبناه على أصله في أن هذا ركاز فيه الخمس وقد مضى الكلام في ذلك وقد ذكرنا أن الواجب في هذا زكاة فلا يحتسب بمؤنة استخراجه فتصفيته كالحب وإن كان ذلك دينا عليه احتسب بهبه, كما يحتسب بما أنفق على الزرعالزرع.
فصلفصل:
ولا زكاة في المستخرج من البحر كاللؤلؤ والمرجان والعنبر ونحوه في ظاهر قول الخرقيالخرقي, واختيار أبى بكر وروى نحو ذلك عن ابن عباس وبه قال عمر بن عبد العزيز وعطاء ومالكومالك, والثوري وابن أبى ليلى والحسن بن صالحصالح, والشافعي وأبو حنيفة ومحمدومحمد, وأبو ثور وأبو عبيد وعن أحمد رواية أخرىأخرى, أن فيه الزكاة لأنه خارج من معدن فأشبه الخارج من معدن البر ويحكى عن عمر بن عبد العزيز أنه أخذ من العنبر الخمس وهو قول الحسنالحسن, والزهري وزاد الزهري في اللؤلؤ يخرج من البحر ولنا أن ابن عباس قالقال: ليس في العنبر شيء إنما هو شيء ألقاه البحر وعن جابر نحوه رواهما أبو عبيد ولأنه قد كان يخرج على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وخلفائهوخلفائه, فلم يأت فيه سنة عنه ولا عن أحد من خلفائه من وجه يصح ولأن الأصل عدم الوجوب فيهفيه, ولا يصح قياسه على معدن البر لأن العنبر إنما يلقيه البحر فيوجد ملقى في البر على الأرض من غير تعب فأشبه المباحات المأخوذة من البرالبر, كالمن والزنجبيل وغيرهما وأما السمك فلا شيء فيه بحال في قول أهل العلم كافةكافة, إلا شيء يروى عن عمر بن عبد العزيز رواه أبو عبيد عنه وقالوقال: ليس الناس على هذا ولا نعلم أحدا يعمل به وقد روى ذلك عن أحمد أيضا والصحيح أن هذا لا شيء فيه لأنه صيد فلم يجب فيه زكاة كصيد البرالبر, ولأنه لا نص ولا إجماع على الوجوب فيه ولا يصح قياسه على ما فيه الزكاة فلا وجه لإيجابها فيهفيه.
فصلفصل:
والمعادن الجامدة تملك بملك الأرض التي هي فيها لأنها جزء من أجزاء الأرضالأرض, فهي كالتراب والأحجار الثابتة بخلاف الركاز فإنه ليس من أجزاء الأرضالأرض, وإنما هو مودع فيها وقد روى أبو عبيد بإسناده عن عكرمة مولى بلال بن الحارث المزنى قالقال: (أقطعأقطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بلالا أرض كذاكذا, من مكان كذا إلى كذا وما كان فيها من جبل أو معدن قالقال: فباع بنو بلال من عمر بن عبد العزيز أرضا فخرج فيها معدنانمعدنان, فقالوافقالوا: إنما بعناك أرض حرث ولم نبعك المعدن وجاءوا بكتاب القطيعة التي قطعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لأبيهم في جريدة قالقال: فجعل عمر يمسحها على عينيهعينيه, وقال لقيمهلقيمه: انظر ما استخرجت منها وما أنفقت عليها فقاصهم بالنفقةبالنفقة, ورد عليهم الفضلالفضل) فعلى هذا ما يجده في ملك أو في موات فهو أحق به فإن سبق اثنان إلى معدن في موات فالسابق أولى به ما دام يعمليعمل, فإذا تركه جاز لغيره العمل فيه وما يجده في مملوك يعرف مالكه فهو لمالك المكان فأما المعادن الجارية فهي مباحة على كل حال إلا أنه يكره له دخول ملك غيره إلا بإذنه وقد روى أنهاأنها: تملك بملك الأرض التي هي فيها لأنها من نمائها وتوابعهاوتوابعها, فكانت لمالك الأرض كفروع الشجر المملوك وثمرتهوثمرته.
فصلفصل:
ويجوز بيع تراب المعدن والصاغة بغير جنسه ولا يجوز بجنسه إن كان مما يجرى فيه الربا لأنه يؤدى إلى الربا والزكاة على البائع لأنها وجبت في يدهيده, كما لو باع الثمرة بعد بدو صلاحها وقد روى أبو عبيد في الأموال أن أبا الحارث المزنى اشترى تراب معدن بمائة شاة متبع فاستخرج منه ثمن ألف شاة فقال له البائعالبائع: رد على البيع فقالفقال: لا أفعل فقالفقال: لآتين عليا فلآتين عليك - يعنى أسعى بك - فأتى على بن أبى طالب فقالفقال: إن أبا الحارث أصاب معدنا فأتاه على فقالفقال: أين الركاز الذي أصبت؟أصبت؟ فقال ما أصبت ركازا إنما أصابه هذاهذا, فاشتريته منه بمائة شاة متبع فقال له على ما أرى الخمس إلا عليك قالقال: فخمس المائة شاة إذا ثبت هذا فالواجب عليه زكاة المعدن لا زكاة الثمن لأن الزكاة إنما تعلقت بعين المعدنالمعدن, أو بقيمته إن لم يكن من جنس الأثمان فأشبه ما لو باع السائمة بعد حولها أو الزرع أو الثمرة بعد بدو صلاحهاصلاحها.
فصل:
فصل:
ومن أجر دارهداره, فقبض كراها فلا زكاة عليه فيه حتى يحول عليه الحول وعن أحمد أنه يزكيه إذا استفاده والصحيح الأول لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (لالا زكاة في مال حتى يحول عليه الحولالحول) ولأنه مال مستفاد بعقد معاوضةمعاوضة, فأشبه ثمن المبيع وكلام أحمد في الرواية الأخرى محمول على من أجر داره سنةسنة, وقبض أجرتها في آخرها فأوجب عليها زكاتها لأنه قد ملكها من أول الحولالحول, فصارت كسائر الديون إذا قبضها بعد حول زكاها حين يقبضها فإنه قد صرح بذلك في بعض الروايات عنهعنه, فيحمل مطلق كلامه على مقيدهمقيده.
تجب الزكاة في قيمة عروض التجارة في قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذرالمنذر: أجمع أهل العلم على أن في العروض التي يراد بها التجارة الزكاة إذا حال عليها الحول روى ذلك عن عمرعمر, وابنه وابن عباس وبه قال الفقهاء السبعة والحسنوالحسن, وجابر بن زيد وميمون بن مهران وطاوسوطاوس, والنخعي والثوري والأوزاعيوالأوزاعي, والشافعي وأبو عبيد وإسحاقوإسحاق, وأصحاب الرأي وحكى عن مالك وداود أنه لا زكاة فيها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قالقال: (عفوتعفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيقوالرقيق) ولناولنا, ما روى أبو داود بإسناده عن سمرة بن جندب قالقال: (كانكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيعللبيع) وروى الدارقطنيالدارقطني, عن أبى ذر قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقوليقول: (فيفي الإبل صدقتها وفي الغنم صدقتهاصدقتها, وفي البز صدقتهصدقته) قاله بالزاى ولا خلاف أنها لا تجب في عينه وثبت أنها تجب في قيمته وعن أبى عمرو بن حماسحماس, عن أبيه قالقال: أمرنى عمر فقالفقال: أد زكاة مالك فقلتفقلت: ما لي مال إلا جعاب وأدم فقالفقال: قومها ثم أد زكاتها رواه الإمام أحمدأحمد, وأبو عبيد وهذه قصة يشتهر مثلها ولم تنكر فيكون إجماعا وخبرهم المراد به زكاة العين لا زكاة القيمةالقيمة, بدليل ما ذكرنا على أن خبرهم عام وخبرنا خاص فيجب تقديمهتقديمه.
مسألة:
مسألة:
قالقال: والعروض إذا كانت لتجارة قومها إذا حال عليها الحولالحول, وزكاها
العروضالعروض: جمع عرض وهو غير الأثمان من المال على اختلاف أنواعه من النبات والحيوان والعقار وسائر المال فمن ملك عرضا للتجارةللتجارة, فحال عليه حول وهو نصاب قومه في آخر الحولالحول, فما بلغ أخرج زكاته وهو ربع عشر قيمته ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في اعتبار الحول وقد دل عليه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- (لالا زكاة في مال حتى يحول عليه الحولالحول) إذا ثبت هذا فإن الزكاة تجب فيه في كل حول وبهذا قال الثوري والشافعيوالشافعي, وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي وقال مالكمالك: لا يزكيه إلا لحول واحدواحد, إلا أن يكون مدبرا لأن الحول الثاني لم يكن المال عينا في أحد طرفيه فلم تجب فيه الزكاة كالحول الأول إذا لم يكن في أوله عينا ولناولنا, أنه مال تجب الزكاة فيه في الحول الأول لم ينقص عن النصاب ولم تتبدل صفتهصفته, فوجبت زكاته في الحول الثاني كما لو نقص في أوله ولا نسلم أنه إذا لم يكن في أوله عينا لا تجب الزكاة فيه وإذا اشترى عرضا للتجارة بعرض للقنيةللقنية, جرى في حول الزكاة من حين اشتراهاشتراه.
فصل:
فصل:
ويخرج الزكاة من قيمة العروض دون عينها وهذا أحد قولي الشافعي وقال في آخرآخر: هو مخير بين الإخراج من قيمتها وبين الإخراج من عينها وهذا قول أبى حنيفة لأنها مال تجب فيه الزكاة فجاز إخراجها من عينهعينه, كسائر الأموال ولنا أن النصاب معتبر بالقيمة فكانت الزكاة منها كالعين في سائر الأموال ولا نسلم أن الزكاة تجب في المال وإنما وجبت في قيمتهقيمته.
فصل:
فصل:
ولا يصير العرض للتجارة إلا بشرطين أحدهما أن يملكه بفعلهبفعله, كالبيع والنكاح والخلعوالخلع, وقبول الهبة والوصية والغنيمةوالغنيمة, واكتساب المباحات لأن ما لا يثبت له حكم الزكاة بدخوله في ملكه لا يثبت بمجرد النية كالصوم ولا فرق بين أن يملكه بعوض أو بغير عوض ذكر ذلك أبو الخطاب وابن عقيل لأنه ملكه بفعلهبفعله, أشبه الموروث والثاني أن ينوي عند تملكه أنه للتجارة فإن لم ينو عند تملكه أنه للتجارة لم يصر للتجارة وإن نواه بعد ذلك وإن ملكه بإرث وقصد أنه للتجارةللتجارة, لم يصر للتجارة لأن الأصل القنية والتجارة عارض فلم يصر إليها بمجرد النيةالنية, كما لو نوى الحاضر السفر لم يثبت له حكم السفر بدون الفعل وعن أحمد رواية أخرىأخرى, أن العرض يصير للتجارة بمجرد النية (لقوللقول سمرةسمرة: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن نخرج الصدقة مما نعد للبيعللبيع) فعلى هذا لا يعتبر أن يملكه بفعله ولا أن يكون في مقابلة عوض بل متى نوى به التجارة صار للتجارةللتجارة.
فصل:
فصل:
وإذا ملك نصابًا للتجارة في أوقات متفرقةمتفرقة, لم يضم بعضها إلى بعض لما بينا من أن المستفاد لا يضم إلى ما عنده في الحول وإن كان العرض الأول ليس بنصاب وكمل بالثانى نصابا فحولهما من حين ملك الثاني ونماؤهما تابع لهمالهما, ولا يضم الثالث إليهما بل ابتداء الحول من حين ملكه وتجب فيه الزكاة وإن كان دون النصاب لأن قبله نصابا ولهذا يخرج عنه بالحصةبالحصة, ونماؤه تابع لهله.
مسألة:
مسألة:
قالقال: وتقوم السلع إذا حال الحول بالأحظ للمساكين من عين أو ورق ولا يعتبر ما اشتريت به يعنى إذا حال الحول على العروض وقيمتها بالفضة نصابنصاب, ولا تبلغ نصابا بالذهب قومناها بالفضة ليحصل للفقراء منها حظ ولو كانت قيمتها بالفضة دون النصاب وبالذهب تبلغ نصابا قومناها بالذهب لتجب الزكاة فيها ولا فرق بين أن يكون اشتراؤها بذهب أو فضة أو عروض وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعيالشافعي: تقوم بما اشتراه من ذهب أو فضة لأن نصاب العروض مبنى على ما اشتراه بهبه, فيجب أن تجب الزكاة فيه وتعتبر به كما لو لم يشتر به شيئا ولنا أن قيمته بلغت نصابا فتجب الزكاة فيه كما لو اشتراه بعرض وفي البلد نقدان مستعملانمستعملان, تبلغ قيمة العروض بأحدهما نصابا ولأن تقويمه لحظ المساكين فيعتبر ما لهم فيه الحظ كالأصل وأما إذا لم يشتر بالنقد شيئاشيئا, فإن الزكاة في عينه لا في قيمته بخلاف العرضالعرض, إلا أن يكون النقد معدا للتجارة فينبغي أن تجب الزكاة فيه إذا بلغت قيمته بالنقد الآخر نصابا وإن لم تبلغ بعينه نصابا لأنه مال تجارة بلغت قيمته نصابانصابا, فوجبت زكاته كالعروض فأما إذا بلغت قيمة العروض نصابا بكل واحد من الثمنين قومه بما شاء منهمامنهما, وأخرج ربع عشر قيمته من أي النقدين شاء لكن الأولى أن يخرج من النقد المستعمل في البلد لأنه أحظ للمساكينللمساكين, وإن كانا مستعملين أخرج من الغالب في الاستعمال لذلك فإن تساويا أخرج من أيهما شاء وإذا باع العروض بنقد وحال الحول عليهعليه, قوم النقد دون العروض لأنه إنما يقوم ما حال عليه الحول دون غيرهغيره.
فصل:
فصل:
وإذا اشترى عرضا للتجارة بنصاب من الأثمان أو بما قيمته نصاب من عروض التجارةالتجارة, بنى حول الثاني على الحول الأول لأن مال التجارة إنما تتعلق الزكاة بقيمته وقيمته هيهي: الأثمان نفسها وكما إذا كانت ظاهرة فخفيتفخفيت, فأشبه ما لو كان له نصاب فأقرضه لم ينقطع حوله بذلك وهكذا الحكم إذا باع العرض بنصاب أو بعرض قيمته نصاب لأن القيمة كانت خفية فظهرتفظهرت, أو بقيت على خفائها فأشبه ما لو كان له قرض فاستوفاه أو أقرضه إنسانا آخرآخر, ولأن النماء في الغالب في التجارة إنما يحصل بالتقليب ولو كان ذلك يقطع الحول لكان السبب الذي وجبت فيه الزكاة لأجله يمنعها لأن الزكاة لا تجب إلا في مال نام وإن قصد بالأثمان غير التجارة لم ينقطع الحول أيضا وقال الشافعيالشافعي: ينقطع قولا واحدا لأنه مال تجب الزكاة في عينه دون قيمته فانقطع الحول بالبيع بهبه, كالسائمة ولنا أنه من جنس القيمة التي تتعلق الزكاة بها فلم ينقطع الحول ببيعها بهبه, كما لو قصد به التجارة وفارق السائمة فإنها من غير جنس القيمةالقيمة, فأما إن أبدل عرض التجارة بما تجب الزكاة في عينه كالسائمة ولم ينو به التجارة لم يبن حول أحدهما على الآخر لأنهما مختلفان وإن أبدله بعرض للقنيةللقنية, بطل الحول وإن اشترى عرض التجارة بعرض القنية انعقد عليه الحول من حين ملكه إن كان نصابا لأنه اشتراه بما لا زكاة فيه فلم يمكن بناء الحول عليه وإن اشتراه بنصاب من السائمةالسائمة, لم يبن على حوله لأنهما مختلفان وإن اشتراه بما دون النصاب من الأثمان أو من عروض التجارة انعقد عليه الحول من حين تصير قيمته نصابا لأن مضى الحول على نصاب كامل شرط لوجوب الزكاةالزكاة.
فصل:
فصل:
وإذا اشترى للتجارة نصابا من السائمةالسائمة, فحال الحول والسوم ونية التجارة موجودان زكاه زكاة التجارة وبهذا قال أبو حنيفةحنيفة, والثوري وقال مالك والشافعي في الجديدالجديد: يزكيها زكاة السوم لأنها أقوى لانعقاد الإجماع عليهاعليها, واختصاصها بالعين فكانت أولى ولنا أن زكاة التجارة أحظ للمساكين لأنها تجب فيما زاد بالحساببالحساب, ولأن الزائد عن النصاب قد وجد سبب وجوب زكاته فيجب كما لو لم يبلغ بالسوم نصابا وإن سبق وقت وجوب زكاة السوم وقت وجوب زكاة التجارةالتجارة, مثل أن يملك أربعين من الغنم قيمتها دون مائتى درهم ثم صارت قيمتها في نصف الحول مائتى درهم فقال القاضيالقاضي: يتأخر وجوب الزكاة حتى يتم حول التجارة لأنه أنفع للفقراءللفقراء, وإلا يفضي التأخير إلى سقوطها لأن الزكاة تجب فيها إذا تم حول التجارة ويحتمل أن تجب زكاة العين عند تمام حولها لوجود مقتضيها من غير معارض فإذا تم حول التجارة وجبت زكاة الزائد عن النصاب لوجود مقتضيها لأن هذا مال للتجارةللتجارة, حال الحول عليه وهو نصاب ولا يمكن إيجاب الزكاتين بكمالهما لأنه يفضي إلى إيجاب زكاتين في حول واحد بسبب واحدواحد, فلم يجز ذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (لالا تثنى في الصدقةالصدقة) وفارق هذا زكاة التجارة وزكاة الفطر فإنهما يجتمعان لأنهما بسببينبسببين, فإن زكاة الفطر تجب عن بدن الإنسان المسلم طهرة له وزكاة التجارة تجب عن قيمته شكرا لنعمة الغنى ومواساة للفقراء فأما إن وجد نصاب السوم دون نصاب التجارةالتجارة, مثل أن يملك ثلاثين من البقر قيمتها مائة وخمسون درهما وحال الحول عليها كذلككذلك, فإن زكاة العين تجب بغير خلاف لأنه لم يوجد لها معارض فوجبت كما لو لم تكن للتجارةللتجارة.
فصل:
فصل:
وإن اشترى نخلا أو أرضا للتجارةللتجارة, فزرعت الأرض وأثمرت النخل فاتفق حولاهما بأن يكون بدو الصلاح في الثمرة واشتداد الحب عند تمام الحولالحول, وكانت قيمة الأرض والنخل بمفردها نصابا للتجارة فإنه يزكى الثمرة والحب زكاة العشر ويزكى الجميع زكاة القيمة وهذا قول أبى حنيفةحنيفة, وأبى ثور وقال القاضي وأصحابهوأصحابه: يزكى الجميع زكاة القيمة وذكر أن أحمد أومأ إليه لأنه مال تجارة فتجب فيه زكاة التجارة كالسائمة ولناولنا, أن زكاة العشر أحظ للفقراء فإن العشر أحظ من ربع العشر فيجب تقديم ما فيه الحظالحظ, ولأن الزيادة على ربع العشر قد وجد سبب وجوبها فتجب وفارق السائمة المعدة للتجارة فإن زكاة السوم أقل من زكاة التجارةالتجارة.
مسألة:
مسألة:
قالقال: وإذا اشتراها للتجارةللتجارة, ثم نواها للاقتناء ثم نواها للتجارة فلا زكاة فيها حتى يبيعهايبيعها, ويستقبل بثمنها حولا لا يختلف المذهب في أنه إذا نوى بعرض التجارة القنية أنه يصير للقنية وتسقط الزكاة منه وبهذا قال الشافعيالشافعي, وأصحاب الرأي وقال مالك في إحدى الروايتين عنهعنه: لا يسقط حكم التجارة بمجرد النية كما لو نوى بالسائمة العلف ولنا أن القنية الأصلالأصل, ويكفى في الرد إلى الأصل مجرد النية كما لو نوى بالحلى التجارة أو نوى المسافر الإقامةالإقامة, ولأن نية التجارة شرط لوجوب الزكاة في العروض فإذا نوى القنية زالت نية التجارة ففات شرط الوجوبالوجوب, وفارق السائمة إذا نوى علفها لأن الشرط فيها الإسامة دون نيتها فلا ينتفى الوجوب إلا بانتفاء السوم وإذا صار العرض للقنية بنيتهابنيتها, فنوى به التجارة لم يصر للتجارة بمجرد النية على ما أسلفناه وبهذا قال أبو حنيفةحنيفة, ومالك والشافعي والثوري وذهب ابن عقيلعقيل, وأبو بكر إلى أنه يصير للتجارة بمجرد النية وحكوه رواية عن أحمد لقولهلقوله: في من أخرجت أرضه خمسة أوسقأوسق, فمكثت عنده سنين لا يريد بها التجارة فليس عليه زكاة وإن كان يريد التجارة فأعجب إلى أن يزكيه قال بعض أصحابناأصحابنا: هذا على أصح الروايتين لأن نية القنية بمجردها كافيةكافية, فكذلك نية التجارة بل أولى لأن الإيجاب يغلب على الإسقاط احتياطا ولأنه أحظ للمساكينللمساكين, فاعتبر كالتقويم ولأن سمرة قالقال: (أمرناأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن نخرج الصدقة مما نعده للبيعللبيع) وهذا داخل في عمومه ولأنه نوى به التجارةالتجارة, فوجبت فيه الزكاة كما لو نوى حال البيع ولنا أن كل ما لا يثبت له الحكم بدخوله في ملكهملكه, لا يثبت بمجرد النية كما لو نوى بالمعلوفة السوم ولأن القنية الأصلالأصل, والتجارة فرع عليها فلا ينصرف إلى الفرع بمجرد النية كالمقيم ينوي السفرالسفر, وبالعكس من ذلك ما لو نوى القنية فإنه يردها إلى الأصل فانصرف إليه بمجرد النيةالنية, كما لو نوى المسافر الإقامة فكذلك إذا نوى بمال التجارة القنية انقطع حوله ثم إذا نوى به التجارةالتجارة, فلا شيء فيه حتى يبيعه ويستقبل بثمنه حولاحولا.
فصل:
فصل:
فإن كانت عنده ماشية للتجارة نصف حول فنوى بها الإسامةالإسامة, وقطع نية التجارة انقطع حول التجارة واستأنف حولا كذلك قال الثوريالثوري, وأبو ثور وأصحاب الرأي لأن حول التجارة انقطع بنية الاقتناء وحول السوم لا ينبنى على حول التجارة والأشبه بالدليل أنها متى كانت سائمة من أول الحولالحول, وجبت الزكاة فيها عند تمامه وهذا يروى نحوه عن إسحاق لأن السوم سبب لوجوب الزكاة وجد في جميع الحول خاليا عن معارض فوجبت به الزكاةالزكاة, كما لو لم ينو التجارة أو كما لو كانت السائمة لا تبلغ نصابا بالقيمةبالقيمة.
فصل:
فصل:
وإن اشترى للتجارة ما ليس بنصاب فنما حتى صار نصابانصابا, انعقد عليه الحول من حين صار نصابا في قول أكثر أهل العلم وقال مالكمالك: إذا كانت له خمسة دنانير فاتجر فيها فحال عليها الحول وقد بلغت ما تجب فيه الزكاةالزكاة, يزكيها ولنا أنه لم يحل الحول على نصاب فلم تجب فيه الزكاةالزكاة, كما لو نقص في آخرهآخره.
فصل:
فصل:
شراء شقص للتجارة بألف فحال عليه الحول وهو يساوى ألفين فعليه زكاة ألفين
وإذا اشترى للتجارة شقصا بألف فحال عليه الحول وهو يساوى ألفين فعليه زكاة ألفينألفين, فإن جاء الشفيع أخذه بألف لأن الشفيع إنما يأخذ بالثمن لا بالقيمة والزكاة على المشترى لأنها وجبت وهو في ملكه ولو لم يأخذه الشفيعالشفيع, لكن وجد به عيبا فرده فإنه يأخذ من البائع ألفا ولو انعكست المسألة فاشتراه بألفينبألفين, وحال الحول وقيمته ألف فعليه زكاة ألف ويأخذه الشفيع إن أخذهأخذه, ويرده بالعيب بألفين لأنهما الثمن الذي وقع البيع بهبه.
فصل:
فصل:
وإن دفع إلى رجل ألفا مضاربة على أن الربح بينهما نصفان فحال الحول وقد صار ثلاثة آلافآلاف, فعلى رب المال زكاة ألفين لأن ربح التجارة حوله حول أصله وقال الشافعي في أحد قوليهقوليه: عليه زكاة الجميع لأن الأصل له والربح نماء ماله ولا يصح لأن حصة المضارب لهله, وليست ملكا لرب المال بدليل أن للمضارب المطالبة بها ولو أراد رب المال دفع حصته إليه من غير هذا المالالمال, لم يلزمه قبوله ولا تجب على الإنسان زكاة ملك غيره ولأن رب المال يقوليقول: حصتك أيها العامل مترددة بين أن تسلم فتكون لكلك, أو تتلف فلا تكون لي ولا لك فكيف يكون على زكاة ما ليس لي بوجه ما وقولهوقوله: إنه نماء ماله قلناقلنا: لكنه لغيرهلغيره, فلم تجب عليه زكاة كما لو وهب نتاج سائمته لغيره إذا ثبت هذا فإنه يخرج الزكاة من المال لأنه من مؤنتهمؤنته, فكان منه كمؤنة حمله ويحسب من الربح لأنه وقاية لرأس المال وأما العامل فليس عليه زكاة في حصته حتى يقتسمايقتسما, ويستأنف حولا من حينئذ نص عليه أحمد في رواية صالح وابن منصور فقالفقال: إذا احتسبا يزكى المضارب إذا حال الحول من حين احتسبه لأنه علم ماله في المالالمال, ولأنه إذا اتضع بعد ذاك كانت الوضيعة على رب المال يعنى إذا اقتسما لأن القسمة في الغالب تكون عند المحاسبة ألا تراه يقوليقول: إن اتضع بعد ذلك كانت الوضيعة على رب المال وإنما يكون هذا بعد القسمة وقال أبو الخطابالخطاب: يحتسب حوله من حين ظهور الربح يعنى إذا كمل نصابا إلا على قول من قالقال: إن الشركة تؤثر في غير الماشية قالقال: ولا يجب إخراج زكاته حتى يقبض المال لأن العامل يملك الربح بظهورهبظهوره, فإذا ملكه جرى في حول الزكاة ولأن من أصلنا أن في المال الضال والمغصوب والدين على مماطل الزكاة وإن كان رجوعه إلى ملك يده مظنونامظنونا, كذا ها هنا ولنا أن ملك المضارب غير تام لأنه يعرض أن تنقص قيمة الأصل أو يخسر فيهفيه, وهذا وقاية له ولهذا منع من الاختصاص به والتصرف فيه بحق نفسهنفسه, فلم يكن فيه زكاة كمال المكاتب يؤكد هذا أنه لو كان ملكا تاما لاختص بربحهبربحه, فلو كان رأس المال عشرة فاتجر فيه فربح عشرين ثم اتجر فربح ثلاثين لكانت الخمسون التي ربحها بينهما نصفيننصفين, ولو تم ملكه بمجرد ظهور الربح لملك من العشرين الأولى عشرة واختص بربحهابربحها, وهي عشرة من الثلاثين وكانت العشرون الباقية بينهما نصفين فيملك المضارب ثلاثينثلاثين, ولرب المال ثلاثون كما لو اقتسما العشرين ثم خلطاها وفارق المغصوب والضال فإن الملك فيه ثابت تام إنما حيل بينه وبينهوبينه, بخلاف مسألتنا ومن أوجب الزكاة على المضارب فإنما يوجبها عليه إذا حال الحول من حين تبلغ حصته نصابا بمفردها أو بضمها إلى ما عنده من جنس المال أو من الأثمان إلا على الرواية التي تقول إن للشركة تأثيرا في غير السائمة وليس عليه إخراجها قبل القسمةالقسمة, كالدين لا يجب الإخراج منه قبل قبضه وإن أراد إخراجها منه قبل القسمة لم يجز لأن الربح وقاية لرأس المال ويحتمل أن يجوز لأنهما دخلا على حكم الإسلام ومن حكمه وجوب الزكاةالزكاة, وإخراجها من المالالمال.
فصل:
فصل:
وإذا أذن كل واحد من الشريكين لصاحبه في إخراج زكاته أو أذن رجلان غير شريكين كل واحد منهما للآخر في إخراج زكاته فأخرج كل واحد منهما زكاته وزكاة صاحبه معامعا, في حال واحدة ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه لأن كل واحد منهما انعزل من طريق الحكم عن الوكالة لإخراج من عليه الزكاة زكاته بنفسه ويحتمل أن لا يضمنيضمن, إذا لم يعلم بإخراج صاحبه إذا قلنا إن الوكيل لا ينعزل قبل الحكم بعزل الموكل أو بموته ويحتمل أن لا يضمن وإن قلنا إنه ينعزل لأنه غره بتسليطه على الإخراجالإخراج, وأمره به ولم يعلمه بإخراجه فكان خطر التغرير عليهعليه, كما لو غره بحرية أمة وهذا أحسن - إن شاء الله تعالى- وعلى هذا إن علم أحدهما دون الآخر فعلى العالم الضمان دون الآخر فأما إن أخرجها أحدهما قبل الآخرالآخر, فعلى هذا الوجه لا ضمان على واحد منهما إذا لم يعلم وعلى الأول على الثاني الضمان دون الأولالأول.
باب زكاة الدين والصدقة
الصدقةالصدقة: هي الصداق وجمعها صدقاتصدقات, قال الله تعالىتعالى: {وآتواوآتوا النساء صدقاتهن نحلةنحلة} [النساءالنساء: 44]. وهي من جملة الديون وحكمها حكمها وإنما أفردها بالذكر لاشتهارها باسم خاصخاص.
مسألة:
مسألة:
قالقال: وإذا كان معه مائتا درهم وعليه ديندين, فلا زكاة عليه وجملة ذلك أن الدين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة رواية واحدة وهي الأثمان وعروض التجارة وبه قال عطاءعطاء, وسليمان بن يسار وميمون بن مهران والحسنوالحسن, والنخعي والليث ومالكومالك, والثوري والأوزاعي وإسحاقوإسحاق, وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال ربيعة وحماد بن أبى سليمانسليمان, والشافعي في جديد قوليهقوليه: لا يمنع الزكاة لأنه حر مسلم ملك نصابا حولا فوجبت عليه الزكاة كمن لا دين عليه ولنا ما روى أبو عبيد في " الأموال ": حدثنا إبراهيم بن سعدسعد, عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد قالقال: سمعت عثمان بن عفان يقوليقول: هذا شهر زكاتكمزكاتكم, فمن كان عليه دين فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم وفي روايةرواية: فمن كان عليه دين فليقض دينه وليزك بقية ماله قال ذلك بمحضر من الصحابةالصحابة, فلم ينكروه فدل على اتفاقهم عليه وروى أصحاب مالك عن عمير بن عمرانعمران, عن شجاع عن نافع عن ابن عمرعمر, قالقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : (إذاإذا كان لرجل ألف درهم وعليه ألف درهم فلا زكاة عليهعليه) وهذا نص ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قالقال: (أمرتأمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكمأغنيائكم, فأردها في فقرائكمفقرائكم) فدل على أنها إنما تجب على الأغنياء ولا تدفع إلا إلى الفقراء وهذا ممن يحل له أخذ الزكاة فيكون فقيرافقيرا, فلا تجب عليه الزكاة لأنها لا تجب إلا على الأغنياء للخبر ولقوله عليه السلامالسلام: (لالا صدقة إلا عن ظهر غنىغنى) ويخالف من لا دين له عليهعليه, فإنه غنى يملك نصابا يحقق هذا أن الزكاة إنما وجبت مواساة للفقراء وشكرا لنعمة الغنىالغنى, والمدين محتاج إلى قضاء دينه كحاجة الفقير أو أشد وليس من الحكمة تعطيل حاجة المالك لحاجة غيره ولا حصل له من الغنى ما يقتضي الشكر بالإخراجبالإخراج, وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم- : (ابدأابدأ بنفسك ثم بمن تعولتعول) .
فصل:
فصل:
فأما الأموال الظاهرة وهي السائمة والحبوبوالحبوب, والثمار فروى عن أحمد أن الدين يمنع الزكاة أيضا فيها لما ذكرناه في الأموال الباطنة قال أحمدأحمد, في رواية إسحاق بن إبراهيمإبراهيم: يبتدئ بالدين فيقضيه ثم ينظر ما بقي عنده بعد إخراج النفقة فيزكى ما بقيبقي, ولا يكون على أحد دينه أكثر من ماله صدقة في إبلإبل, أو بقر أو غنم أو زرعزرع, ولا زكاة وهذا قول عطاء والحسن وسليمانوسليمان, وميمون بن مهران والنخعي والثوريوالثوري, والليث وإسحاق لعموم ما ذكرنا ورويوروي, أنه لا يمنع الزكاة فيها وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وروى عن أحمد أنه قالقال: قد اختلف ابن عمر وابن عباسعباس, فقال ابن عمرعمر: يخرج ما استدان أو أنفق على ثمرته وأهله ويزكى ما بقي وقال الآخرالآخر: يخرج ما استدان على ثمرته ويزكى ما بقي وإليه أذهب أن لا يزكى ما أنفق على ثمرته خاصةخاصة, ويزكى ما بقي لأن المصدق إذا جاء فوجد إبلا أو بقرا أو غنماغنما, لم يسأل أي شيء على صاحبها من الدين وليس المال هكذا فعلى هذه الرواية لا يمنع الدين الزكاة في الأموال الظاهرةالظاهرة, إلا في الزرع والثمار فيما استدانه للإنفاق عليها خاصة وهذا ظاهر قول الخرقي لأنه قال في الخراجالخراج: يخرجهيخرجه, ثم يزكى ما بقي جعله كالدين على الزرع وقال في الماشية المرهونةالمرهونة: ( يؤدى منها إذا لم يكن له مال يؤدى عنها ) فأوجب الزكاة فيها مع الدين وقال أبو حنيفةحنيفة: الدين الذي تتوجه فيه المطالبة يمنع في سائر الأموال إلا الزرع والثمار بناء منه على أن الواجب فيها ليس بصدقة والفرق بين الأموال الظاهرة والباطنة أن تعلق الزكاة بالظاهرة آكدآكد, لظهورها وتعلق قلوب الفقراء بها ولهذا يشرع إرسال من يأخذ صدقتها من أربابها (وكانوكان النبي - صلى الله عليه وسلم- يبعث السعاة فيأخذون الصدقة من أربابهاأربابها,) وكذلك الخلفاء بعده وعلى منعها قاتلهم أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ ولم يأت عنه أنهم استكرهوا أحدا على صدقة الصامت ولا طالبوه بهابها, إلا أن يأتي بها طوعا ولأن السعاة يأخذون زكاة ما يجدون ولا يسألون عما على صاحبها من الدينالدين, فدل على أنه لا يمنع زكاتها ولأن تعلق أطماع الفقراء بها أكثر والحاجة إلى حفظها أوفرأوفر, فتكون الزكاة فيها أوكدأوكد.
فصل:
فصل:
وإنما يمنع الدين الزكاة إذا كان يستغرق النصاب أو ينقصه ولا يجد ما يقضيه به سوى النصابالنصاب, أو ما لا يستغنى عنه مثل أن يكون له عشرون مثقالا وعليه مثقال أو أكثر أو أقلأقل, مما ينقص به النصاب إذا قضاه به ولا يجد قضاء له من غير النصاب فإن كان له ثلاثون مثقالامثقالا, وعليه عشرة فعليه زكاة العشرين وإن كان عليه أكثر من عشرة فلا زكاة عليه وإن كان عليه خمسةخمسة, فعليه زكاة خمسة وعشرين ولو أن له مائة من الغنم وعليه ما يقابل ستين فعليه زكاة الأربعين فإن كان عليه ما يقابل إحدى وستينوستين, فلا زكاة عليه لأنه ينقص النصاب وإن كان له مالان من جنسين وعليه دين جعله في مقابلة ما يقضي منهمنه, فلو كان له خمس من الإبل ومائتا درهم فإن كانت عليه سلما أو دية ونحو ذلك مما يقضي بالإبلبالإبل, جعلت الدين في مقابلتها ووجبت عليه زكاة الدراهم وإن كان أتلفها أو غصبها جعلت قيمتها في مقابلة الدراهم لأنها تقضي منها وإن كانت قرضاقرضا, خرج على الوجهين فيما يقضي منه فإن كانت إذا جعلناها في مقابلة أحد المالينالمالين, فضلت منها فضلة تنقص النصاب الآخر وإذا جعلناها في مقابلة الآخر لم يفضل منها شيءشيء, كرجل له خمس من الإبل ومائتا درهم وعليه ست من الإبل قيمتها مائتا درهم فإذا جعلناها في مقابلة المائتين لم يفضل من الدين شيءشيء, نقص نصاب السائمة وإذا جعلناها في مقابلة الإبل فضل منها بعير ينقص نصاب الدراهمالدراهم, أو كانت بالعكس مثل أن يكون عليه مائتان وخمسون درهما وله من الإبل خمس أو أكثر تساوي الدينالدين, أو تفضل عليه جعلنا الدين في مقابلة الإبل ها هنا وفي مقابلة الدراهم في الصورة الأولى لأن له من المال ما يقضي به الدين سوى النصاب وكذلك لو كان عليه مائة درهمدرهم, وله مائتا درهم وتسع من الإبل فإذا جعلناها في مقابلة الإبل لم ينقص نصابها لكون الأربع الزائدة عنه تساوي المائة وأكثر منها وإن جعلناه في مقابلة الدراهم سقطت الزكاة منهامنها, فجعلناها في مقابلة الإبل كما ذكرنا في التي قبلها ولأن ذلك أحظ للفقراء وذكر القاضي نحو هذاهذا, فإنه قالقال: إذا كان النصابان زكويين جعلت الدين في مقابلة ما الحظ للمساكين في جعله في مقابلته وإن كان من غير جنس الدين فإن كان أحد المالين لا زكاة فيهفيه, والآخر فيه الزكاة كرجل عليه مائتا درهم وله مائتا درهمدرهم, وعروض للقنية تساوي مائتين فقال القاضيالقاضي: يجعل الدين في مقابلة العروض وهذا مذهب مالك وأبي عبيدعبيد, قال أصحاب الشافعيالشافعي: وهو مقتضى قوله لأنه مالك لمائتين زائدة عن مبلغ دينه فوجبت عليه زكاتها كما لو كان جميع ماله جنسا واحدا وظاهر كلام أحمدأحمد, - رحمه الله- أنه يجعل الدين في مقابلة ما يقضي منه فإنه قال في رجل عنده ألف وعليه ألف وله عروض بألفبألف: إن كانت العروض للتجارة زكاهازكاها, وإن كانت لغير التجارة فليس عليه شيء وهذا مذهب أبي حنيفة ويحكى عن الليث بن سعد لأن الدين يقضى من جنسه عند التشاح فجعل الدين في مقابلته أولىأولى, كما لو كان النصابان زكويين ويحتمل أن يحمل كلام أحمد ها هنا على ما إذا كان العرض تتعلق به حاجته الأصلية ولم يكن فاضلا عن حاجته فلا يلزمه صرفه في وفاء الدين لأن الحاجة أهمأهم, ولذلك لم تجب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال ويكون قول القاضي محمولا على من كان العرض فاضلا عن حاجته وهذا أحسن لأنه في هذه الحال مالك لنصاب فاضل عن حاجته وقضاء دينهدينه, فلزمته زكاته كما لو لم يكن عليه دين فأما إن كان عنده نصابان زكويان وعليه دين من غير جنسهماجنسهما, ولا يقضي من أحدهما فإنك تجعله في مقابلة ما الحظ للمساكين في جعله في مقابلتهمقابلته.
فصل:
فصل:
فأما دين الله تعالى كالكفارة والنذروالنذر, ففيه وجهان أحدهما يمنع الزكاة كدين الآدمي لأنه دين يجب قضاؤه فهو كدين الآدمي يدل عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (ديندين الله أحق أن يقضييقضي) والآخروالآخر: لا يمنع لأن الزكاة آكد منه لتعلقها بالعينبالعين, فهو كأرش الجناية ويفارق دين الآدمي لتأكدهلتأكده, وتوجه المطالبة به فإن نذر الصدقة بمعين فقالفقال: لله على أن أتصدق بهذه المائتي درهم إذا حال الحول فقال ابن عقيلعقيل: يخرجها في النذر ولا زكاة عليه لأن النذر آكد لتعلقه بالعينبالعين, والزكاة مختلف فيها ويحتمل أن تلزمه زكاتها وتجزئه الصدقة بها إلا أن ينوي الزكاة بقدرهابقدرها, ويكون ذلك صدقة تجزئه عن الزكاة والنذر لكون الزكاة صدقة وسائرها يكون صدقة لنذره وليس بزكاة وإن نذر الصدقة ببعضها وكان ذلك البعض قدر الزكاة أو أكثرأكثر, فعلى هذا الاحتمال يخرج المنذور وينوي الزكاة بقدرها منه وعلى قول ابن عقيل يحتمل أن تجب الزكاة عليه لأن النذر إنما تعلق بالبعض بعد وجود سبب الزكاة وتمام شرطهشرطه, فلا يمنع الوجوب لكون المحل متسعا لهما جميعا وإن كان المنذور أقل من قدر الزكاة وجب قدر الزكاةالزكاة, ودخل النذر فيه في أحد الوجهين وفي الآخر يجب إخراجهما جميعاجميعا.
فصلفصل:
إذا قلناقلنا: لا يمنع الدين وجوب الزكاة في الأموال الظاهرة فحجر الحاكم عليه بعد وجوب الزكاةالزكاة, لم يملك إخراجها لأنه قد انقطع تصرفه في ماله وإن أقر بها بعد الحجر لم يقبل إقراره وكانت عليه في ذمته كدين الآدمي ويحتمل أن تسقط إذا حجر عليه قبل إمكان أدائهاأدائها, كما لو تلف ماله فإن أقر الغرماء بوجوب الزكاة عليه أو ثبت ببينة أو كان قد أقر بها قبل الحجر عليه وجب إخراجها من المالالمال, فإن لم يخرجوها فعليهم إثمهاإثمها.
فصلفصل:
وإذا جنى العبد المعد للتجارة جناية تعلق أرشها برقبته منع وجوب الزكاة فيه إن كان ينقص النصاب لأنه دين وإن لم ينقص النصابالنصاب, منع الزكاة في قدر ما يقابل الأرشالأرش.
مسألة:
مسألة:
قالقال: وإذا كان له دين على مليء فليس عليه زكاة حتى يقبضه فيؤدي لما مضى وجملة ذلك أن الدين على ضربين أحدهما دين على معترف به باذل لهله, فعلى صاحبه زكاته إلا أنه لا يلزمه إخراجها حتى يقبضه فيؤدي لما مضىمضى, روى ذلك عن على ـ رضي الله عنه ـ وبهذا قال الثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال عثمان وابن عمر ـ رضي الله عنهم ـ وجابر وطاوس والنخعي وجابر بن زيد والحسن وميمون بن مهران والزهري وقتادة وحماد بن أبي سليمان والشافعي وإسحاق وأبو عبيد عليه إخراج الزكاة في الحالالحال, وإن لم يقبضه لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه فلزمه إخراج زكاته كالوديعة وقال عكرمة ليس في الدين زكاة وروي ذلك عن عائشة وابن عمر ـ رضي الله عنهم ـ لأنه غير نامنام, فلم تجب زكاته كعروض القنية وروي عن سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وعطاء الخراساني وأبي الزنادالزناد: يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة ولنا أنه دين ثابت في الذمةالذمة, فلم يلزمه الإخراج قبل قبضه كما لو كان على معسر ولأن الزكاة تجب على طريق المواساةالمواساة, وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال لا ينتفع به وأما الوديعة فهي بمنزلة ما في يده لأن المستودع نائب عنه في حفظه ويده كيدهكيده, وإنما يزكيه لما مضى لأنه مملوك له يقدر على الانتفاع به فلزمته زكاته كسائر أمواله الضرب الثانيالثاني, أن يكون على معسر أو جاحد أو مماطل به فهذا هل تجب فيه الزكاة؟الزكاة؟ على روايتين إحداهماإحداهما, لا تجب وهو قول قتادة وإسحاقوإسحاق, وأبي ثور وأهل العراق لأنه غير مقدور على الانتفاع به أشبه مال المكاتب والرواية الثانيةالثانية, يزكيه إذا قبضه لما مضي وهو قول الثوري وأبي عبيد لما روي عن علي ـ رضي الله عنه ـ في الدين المظنون قالقال: إن كان صادقاصادقا, فليزكه إذا قبضه لما مضى وروي نحوه عن ابن عباس رواهما أبو عبيد ولأنه مملوك يجوز التصرف فيه فوجبت زكاته لما مضى كالدين على المليء وللشافعي قولان كالروايتينكالروايتين, وعن عمر بن عبد العزيز والحسن والليثوالليث, والأوزاعي ومالك يزكيه إذا قبضه لعام واحد ولنا أن هذا المال في جميع الأحوال على حال واحدواحد, فوجب أن يتساوي في وجوب الزكاة أو سقوطها كسائر الأموال ولا فرق بين كون الغريم يجحده في الظاهر دون الباطنالباطن, أو فيهمافيهما.
فصلفصل:
وظاهر كلام أحمد أنه لا فرق بين الحال والمؤجل لأن البراءة تصح من المؤجل ولولا أنه مملوك لم تصح البراءة منهمنه, لكن يكون في حكم الدين على المعسر لأنه لا يمكن قبضه في الحالالحال.
فصلفصل:
ولو أجر داره سنتين بأربعين دينارا ملك الأجرة من حين العقدالعقد, وعليه زكاة جميعها إذا حال عليه الحول لأن ملك المكري عليه تام بدليل جواز التصرف فيها بأنواع التصرفات ولو كانت جارية كان له وطؤها وكونها بعرض الرجوع لانفساخ العقد لا يمنع وجوب الزكاةالزكاة, كالصداق قبل الدخول ثم إن كان قد قبض الأجرة أخرج الزكاة منها وإن كانت دينا فهي كالدين معجلا كان أو مؤجلا وقال مالكمالك, وأبو حنيفةحنيفة: لا يزكيها حتى يقبضها ويحول عليه الحول بناء على أن الأجرة لا تستحق بالعقد وإنما تستحق بانقضاء مدة الإجارة وهذا يذكر في موضعهموضعه, - إن شاء الله تعالى - وعن أحمد - رحمه الله- رواية أخرى في من قبض من أجر عقار نصابانصابا, يزكيه في الحال وقد ذكرناه في غير هذا الموضع وحملناه على أنه حال عليه الحول قبل قبضهقبضه.
فصلفصل:
ولو اشترى شيئا بعشرين دينارا أو أسلم نصابًا في شيءشيء, فحال الحول قبل أن يقبض المشتري المبيع أو يقبض المسلم فيه والعقد باق فعلى البائع والمسلم إليه زكاة الثمن لأن ملكه ثابت فيهفيه, فإن انفسخ العقد لتلف المبيع أو تعذر المسلم فيه وجب رد الثمنالثمن, وزكاته على البائعالبائع.
فصلفصل:
والغنيمة يملك الغانمون أربعة أخماسها بانقضاء الحرب فإن كانت جنسا واحدا تجب فيه الزكاة كالأثمان والسائمةوالسائمة, ونصيب كل واحد منهم منها نصاب فعليه زكاته إذا انقضى الحول ولا يلزمه إخراج زكاته قبل قبضه لما ذكرنا في الدين على المليء وإذا كان دون النصابالنصاب, فلا زكاة فيه إلا أن تكون سائمة أربعة أخماسها تبلغ النصاب فتكون خلطةخلطة, ولا تضم إلى الخمس لأنه لا زكاة فيه فإن كانت الغنيمة أجناسا كإبل وبقر وغنم فلا زكاة على واحد منهم لأن للإمام أن يقسم بينهم قسمة بحكمبحكم, فيعطي كل واحد منهم من أي أصناف المال شاء فما تم ملكه على شيء معين بخلاف الميراثالميراث.
مسألة:
مسألة:
قالقال: وإذا غصب مالا زكاه إذا قبضه لما مضىمضى, في إحدى الروايتين عن أبي عبد الله والرواية الأخرى قالقال: ليس هو كالدين الذي متى قبضه زكاهزكاه, وأحب إلى أن يزكيه قولهقوله: إذا غصب مالا أي إذا غصب الرجل مالا فالمفعول الأول المرفوع مستتر في الفعل والمال هو المفعول الثانيالثاني, فكذلك نصيبه وفي بعض النسخالنسخ: وإذا غصب ماله وكلاهما صحيح والحكم في المغصوب والمسروق والمجحود والضال واحدواحد, وفي جميعه روايتان إحداهما لا زكاة فيه نقلها الأثرم والميموني ومتى عاد صار كالمستفادكالمستفاد, يستقبل به حولا وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي في قديم قوليه لأنه مال خرج عن يده وتصرفه وصار ممنوعا منهمنه, فلم يلزمه زكاته كمال المكاتب والثانية عليه زكاته لأن ملكه عليه تامتام, فلزمته زكاته كما لو نسي عند من أودعه أو كما لو أسرأسر, أو حبس وحيل بينه وبين ماله وعلى كلتي الروايتين لا يلزمه إخراج زكاته قبل قبضه وقال مالكمالك: إذا قبضه زكاه لحول واحد لأنه كان في ابتداء الحول في يدهيده, ثم حصل بعد ذلك في يده فوجب أن لا تسقط الزكاة عن حول واحد وليس هذا بصحيح لأن المانع من وجوب الزكاة إذا وجد في بعض الحول يمنعيمنع, كنقص النصابالنصاب.
فصلفصل:
وإن كان المغصوب سائمة معلوفة عند صاحبها وغاصبها فلا زكاة فيها لفقدان الشرط وإن كانت سائمة عندهما ففيها الزكاةالزكاة, على الرواية التي تقول بوجوبها في المغصوب وإن كانت معلوفة عند صاحبها سائمة عند غاصبها ففيها وجهان أحدهماأحدهما, لا زكاة عليه لأن صاحبها لم يرض بإسامتها فلم تجب عليه الزكاة بفعل الغاصب كما لو رعت من غير أن يسيمها والثاني عليه الزكاة لأن السوم يوجب الزكاة من المالك فأوجبها من الغاصب كما لو كانت سائمة عندهماعندهما, وكما لو غصب بذرا فزرعه وجب العشر فيما خرج منه وإن كانت سائمة عند مالكها معلوفة عند غاصبها فلا زكاة فيها لفقدان الشرط وقال القاضي فيه وجه آخر أن الزكاة تجب فيها لأن العلف محرم فلم يؤثر في الزكاة كما لو غصب أثمانا فصاغها حليا لم تسقط الزكاة عنها بصياغته قال أبو الحسن الآمديالآمدي: هذا هو الصحيح لأن العلف إنما أسقط الزكاة لما فيه من المؤنة وها هنا لا مؤنة عليه ولناولنا: أن السوم شرط لوجوب الزكاة ولم يوجد فلم تجب الزكاة كنقص النصاب والملك وقولهوقوله: إن العلف محرم غير صحيح وإنما المحرم الغصب وإنما العلف تصرف منه في ماله بإطعامها إياهإياه, ولا تحريم فيه ولهذا لو علفها عند مالكها لم يحرم عليه وما ذكره الآمدي من خفة المؤنة غير صحيح فإن الخفة لا تعتبر بنفسها وإنما تعتبر بمظنهابمظنها, وهي السوم ثم يبطل ما ذكراه بما إذا كانت معلوفة عندهما جميعا ويبطل ما ذكره القاضي بما إذا علفها مالكها علفا محرما أو أتلف شاة من النصاب فإنه محرم وتسقط به الزكاة وأما إذا غصب ذهبا فصاغه حليا فلا يشبه ما اختلفنا فيه فإن العلف فات به شرط الوجوب والصياغة لم يفت بها شيء وإنما اختلف في كونها مسقطة بشرط كونها مباحة فإذا كانت محرمة لم يوجد شرط الإسقاطالإسقاط, ولأن المالك لو علفها علفا محرما لسقطت الزكاة ولو صاغها صياغة محرمة لم تسقط فافترقا ولو غصب حليا مباحا فكسره أو ضربه دراهم أو دنانير وجبت فيه الزكاة لأن المسقط للزكاة زال فوجبت الزكاة ويحتمل أن لا تجبتجب, كما لو غصب معلوفة فأسامها ولو غصب عروضا فاتجر فيها لم تجب فيها الزكاة لأن نية التجارة شرط ولم توجد من المالك وسواء كانت للتجارة عند مالكها أو لم تكن لأن بقاء النية شرط ولم ينو التجارة بها عند الغاصب ويحتمل أن تجب الزكاة إذا كانت للتجارة عند مالكهامالكها, واستدام النية لأنها لم تخرج عن ملكه بغصبها وإن نوى بها الغاصب القنية وكل موضع أوجبنا الزكاة فعلى الغاصب ضمانها لأنه نقص حصل في يده فوجب عليه ضمانه كتلفه
فصلفصل:
إذا ضلت واحدة من النصاب أو أكثر أو غصبت فنقص النصاب فالحكم فيه كما لو ضل جميعه أو غصب لكن إن قلنا بوجوب الزكاةالزكاة, فعليه الإخراج عن الموجود عنده وإذا رجع الضال أو المغصوب أخرج عنه كما لو رجع جميعهجميعه.
فصلفصل:
وإن أسر المالك لم تسقط عنه الزكاة سواء حيل بينه وبين ماله أو لم يحل لأن تصرفه في ماله نافذ يصح بيعه وهبته وتوكيله فيهفيه.
فصلفصل:
وإن ارتد قبل مضي الحول وحال الحول وهو مرتد فلا زكاة عليه نص عليه لأن الإسلام شرط لوجوب الزكاة فعدمه في بعض الحول يسقط الزكاة كالملك والنصاب وإن رجع إلى الإسلام قبل مضى الحول استأنف حولا لما ذكرنا قال أحمدأحمد: إذا أسلم المرتد وقد حال على ماله الحول فإن المال له ولا يزكيه حتى يستأنف به الحول لأنه كان ممنوعا منه فأما إن ارتد بعد الحول لم تسقط الزكاة عنه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة تسقط لأن من شرطها النية فسقطت بالردة كالصلاة ولناولنا: أنه حق مال فلا يسقط بالردة كالدين وأما الصلاة فلا تسقط أيضاأيضا, لكن لا يطالب بفعلها لأنها لا تصح منه ولا تدخلها النيابة فإذا عاد وجبت عليه والزكاة تدخلها النيابة ولا تسقط بالردة كالدين ويأخذها الإمام من الممتنع وكذا ها هنا يأخذها الإمام من ماله كما يأخذها من المسلم الممتنع فإن أسلم بعد أخذها لم يلزمه أداؤها لأنها سقطت عنه بأخذها كما تسقط بأخذها من المسلم الممتنع ويحتمل أن لا تسقط لأن الزكاة عبادة فلا تحصل من غير نية وأصل هذا ما لو أخذها الإمام من المسلم الممتنع وقد ذكر في غير هذا وإن أخذها غير الإمام أو نائبهنائبه, لم تسقط عنه لأنه لا ولاية له عليه فلا يقوم مقامه بخلاف نائب الإمام وإن أداها في حال ردته لم تجزه لأنه كافر فلا تصح منه كالصلاة
مسألة:
مسألة:
قالقال: واللقطة إذا صارت بعد الحول كسائر مال الملتقط استقبل بها حولا ثم زكاها فإن جاء ربها زكاها للحول الذي كان الملتقط ممنوعا منها ظاهر المذهب أن اللقطة تملك بمضي حول التعريف واختار أبو الخطاب أنه لا يملكها حتى يختار وهو مذهب الشافعي ويذكر في موضعه - إن شاء الله تعالى- ومتى ملكها استأنف حولا فإذا مضى وجبت عليه زكاتها وحكى القاضي في موضع أنه إذا ملكها وجب عليه مثلها إن كانت مثليةمثلية, أو قيمتها إن لم تكن مثلية وهذا مذهب الشافعي ويذكر في موضعه - إن شاء الله تعالى- ومقتضى هذا أن لا تجب عليه زكاتها لأنه دين فمنع الزكاة كسائر الديون وقال ابن عقيلعقيل: يحتمل أن لا تجب الزكاة فيها لمعنى آخر وهو أن ملكه غير مستقر عليها ولصاحبها أخذها منه متى وجدها والمذهب ما ذكره الخرقيالخرقي, وما ذكره القاضي يفضي إلى ثبوت معاوضة في حق من لا ولاية عليه بغير فعله ولا اختيارهاختياره, ويقتضي ذلك أن يمنع الدين الذي عليه الميراث والوصية كسائر الديون والأمر بخلافه وما ذكره ابن عقيلعقيل: يبطل بما وهبه الأب لولدهلولده, وبنصف الصداق فإن لهما استرجاعه ولا يمنع وجوب الزكاة فأما ربها إذا جاء فأخذهافأخذها, فذكر الخرقي أنه يزكيها للحول الذي كان الملتقط ممنوعا منها وهو حول التعريف وقد ذكرنا في الضال روايتين وهذا من جملته وعلى مقتضى قول الخرقي أن الملتقط لو لم يملكها مثل من لم يعرفهايعرفها, فإنه لا زكاة على ملتقطها وإذا جاء ربها زكاها للزمان كله وإنما تجب عليه زكاتها إذا كانت ماشية بشرط كونها سائمة عند الملتقطالملتقط, فإن علفها فلا زكاة عليه على ما ذكرنا في المغصوب
مسألة:
مسألة:
قال والمرأة إذا قبضت صداقها زكته لما مضى وجملة ذلك أن الصداق في الذمة دين للمرأةللمرأة, حكمه حكم الديون على ما مضى إن كان على مليء به فالزكاة واجبة فيه إذا قبضته أدت لما مضىمضى, وإن كان على معسر أو جاحد فعلى الروايتين واختار الخرقي وجوب الزكاة فيه ولا فرق بين ما قبل الدخول أو بعده لأنه دين في الذمة فهو كثمن مبيعهامبيعها, فإن سقط نصفه بطلاقها قبل الدخول وأخذت النصف فعليها زكاة ما قبضتهقبضته, دون ما لم تقبضه لأنه دين لم تتعوض عنه ولم تقبضه فأشبه ما تعذر قبضه لفلس أو جحد وكذلك لو سقط كل الصداق قبل قبضهقبضه, لانفساخ النكاح بأمر من جهتها فليس عليها زكاته لما ذكرنا وكذلك القول في كل دين يسقط قبل قبضه من غير إسقاط صاحبه أو يئس صاحبه من استيفائه والمال الضال إذا يئس منهمنه, فلا زكاة على صاحبه فإن الزكاة مواساة فلا تلزم المواساة إلا مما حصل له وإن كان الصداق نصابا فحال عليه الحول ثم سقط نصفهنصفه, وقبضت النصف فعليها زكاة النصف المقبوض لأن الزكاة وجبت فيه ثم سقطت من نصفه لمعنى اختص بهبه, فاختص السقوط به وإن مضى عليه حول قبل قبضه ثم قبضته كله زكته لذلك الحول وإن مضت عليه أحوال قبل قبضهقبضه, ثم قبضته زكته لما مضى كله ما لم ينقص عن النصاب وقال أبو حنيفةحنيفة: لا تجب عليها الزكاة ما لم تقبضه لأنه بدل عما ليس بمالبمال, فلا تجب الزكاة فيه قبل قبضه كدين الكتابة ولنا أنه دين يستحق قبضهقبضه, ويجبر المدين على أدائه فوجبت فيه الزكاة كثمن المبيع ويفارق دين الكتابة فإنه لا يستحق قبضه وللمكاتب الامتناع من أدائه ولا يصح قياسهم عليهعليه, فإنه عوض عن مالمال.
فصل:
فصل:
فإن كان الصداق دينا فأبرأت الزوج منه بعد مضي الحول ففيه روايتان إحداهماإحداهما, عليها الزكاة لأنها تصرفت فيه فأشبه ما لو قبضته والرواية الثانية زكاته على الزوج لأنه ملك ما ملك عليهعليه, فكأنه لم يزل ملكه عنه والأول أصح وما ذكرنا لهذه الرواية لا يصح لأن الزوج لم يملك شيئا وإنما سقط الدين عنهعنه, ثم لو ملك في الحال لم يقتض هذا وجوب زكاة ما مضى ويحتمل أن لا تجب الزكاة على واحد منهما لما ذكرنا في الزوج والمرأة لم تقبض الدين فلم تلزمها زكاتهزكاته, كما لو سقط بغير إسقاطها وهذا إذا كان الدين مما تجب فيه الزكاة إذا قبضته فأما إن كان مما لا زكاة فيهفيه, فلا زكاة عليها بحال وكل دين على إنسان أبرأه صاحبه منه بعد مضى الحول عليه فحكمه حكم الصداق فيما ذكرنا قال أحمدأحمد: إذا وهبت المرأة مهرها لزوجها وقد مضى له عشر سنين فإن زكاته على المرأة لأن المال كان لها وإذا وهب رجل لرجل مالامالا, فحال الحول ثم ارتجعه الواهب فليس له أن يرتجعهيرتجعه, فإن ارتجعه فالزكاة على الذي كان عنده وقال في رجل باع شريكه نصيبه من داره فلم يعطه شيئا فلما كان بعد سنةسنة, قالقال: ليس عندي دراهم فأقلني فأقاله قالقال: عليه أن يزكي لأنه قد ملكه حولاحولا.
مسألة:
مسألة:
قال والماشية إذا بيعت بالخياربالخيار, فلم ينقض الخيار حتى ردت استقبل بها البائع حولا سواء كان الخيار للبائع أو للمشتريللمشتري, لأنه تجديد ملك ظاهر المذهب أن البيع بشرط الخيار ينقل الملك إلى المشترى عقيبه ولا يقف على انقضاء الخيارالخيار, سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما وعن أحمد أنه لا ينتقل حتى ينقضي الخيار وهو قول مالك وقال أبو حنيفةحنيفة: لا ينتقل إن كان للبائع وإن كان للمشتري خرج عن البائعالبائع, ولم يدخل في ملك المشتري وعن الشافعي ثلاثة أقوال قولان كالروايتين وقول ثالث أنه مراعىمراعى, فإن فسخاه تبينا أنه لم ينتقل وإن أمضياه تبينا أنه انتقل ولنا أنه بيع صحيح فنقل الملك عقيبهعقيبه, كما لو لم يشترط الخيار وإن كان المال زكائيا انقطع الحول ببيعه لزوال ملكه عنه فإن استرده أو رد عليه استأنف حولا لأنه ملك متجدد حدث بعد زوالهزواله, فوجب أن يستأنف له حولا كما لو كان البيع مطلقا من غير خيار وهكذا الحكم لو فسخا البيع في مدة المجلس بخياره لا يمنع نقل الملك أيضا فهو كخيار الشرط ولو مضى الحول في مدة الخيار ثم فسخا البيعالبيع, كانت زكاته على المشتري لأنه ملكه وإن قلنا بالرواية الأخرى لم ينقطع الحول ببيعه لأن ملك البائع لم يزل عنه ولو حال الحول عليه في مدة الخيار كانت زكاته على البائع فإن أخرجها من غيرهغيره, فالبيع بحاله وإن أخرجها منه بطل البيع في المخرج وهل يبطل في الباقي؟الباقي؟ على وجهينوجهين, بناء على تفريق الصفقة وإن لم يخرجها حتى سلمه إلى المشتري وانقضت مدة الخيار لزم البيع فيه وكان عليه الإخراج من غيره كما لو باع ما وجبت الزكاة فيه ولو اشترى عبدا فهل هلال شوالشوال, ففطرته على المشتري وإن كان في مدة الخيار لأنه ملكه وعلى الرواية الأخرىالأخرى, هي على البائع إن كان في مدة الخيار لأنه ملكه ولأنه في مدة الخيارالخيار.
باب صدقة الفطر
قال ابن المنذرالمنذر: أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض وقال إسحاقإسحاق: هو كالإجماع من أهل العلم وزعم ابن عبد البر أن بعض المتأخرين من أصحاب مالك وداودوداود, يقولونيقولون: هي سنة مؤكدة وسائر العلماء على أنها واجبة لما روى ابن عمر (أنأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا من شعيرشعير, على كل حر وعبد ذكر وأنثى من المسلمينالمسلمين) متفق عليه وللبخاريوللبخاري: (والصغيروالصغير والكبير من المسلمينالمسلمين) وعنه ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاةالصلاة) وعن أبي سعيد الخدري قالقال: كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب متفق عليهما قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز في قوله تعالىتعالى: {قدقد أفلح من تزكىتزكى} [الأعلىالأعلى: 1414]. : هو زكاة الفطر وأضيفت هذه الزكاة إلى الفطر لأنها تجب بالفطر من رمضان وقال ابن قتيبةقتيبة: وقيل لها فطرة لأن الفطرة الخلقةالخلقة, قال الله تعالىتعالى: {فطرةفطرة الله التي فطر الناس عليهاعليها} [الرومالروم: 3030]. أي جبلته التي جبل الناس عليها وهذه يراد بها الصدقة عن البدن والنفس كما كانت الأولى صدقة عن المال وقال بعض أصحابناأصحابنا: وهل تسمى فرضا مع القول بوجوبها؟بوجوبها؟ على روايتين والصحيح أنها فرض لقول ابن عمرعمر: (فرضفرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطرالفطر) ولإجماع العلماء على أنها فرض ولأن الفرض إن كان الواجب فهي واجبة وإن كان الواجب المتأكد فهي متأكدة مجمع عليهاعليها.
مسألة:
مسألة:
قال وزكاة الفطر على كل حر وعبدوعبد, ذكر وأنثى من المسلمين وجملته أن زكاة الفطر تجب على كل مسلم مع الصغير والكبيروالكبير, والذكورية والأنوثية في قول أهل العلم عامة وتجب على اليتيماليتيم, ويخرج عنه وليه من ماله لا نعلم أحدا خالف في هذا إلا محمد بن الحسنالحسن, قال ليس في مال الصغير من المسلمين صدقة وقال الحسن والشعبيوالشعبي: صدقة الفطر على من صام من الأحرار وعلى الرقيق وعموم قوله (فرضفرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر على كل حر وعبدوعبد, والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمينالمسلمين) يقتضي وجوبها على اليتيم ولأنه مسلم فوجبت فطرته كما لو كان له أب
فصلفصل:
ولا تجب على كافر حرا كان أو عبدا ولا نعلم بينهم خلافا في الحر البالغ وقال إمامنا ومالكومالك, والشافعي وأبو ثورثور: لا تجب على العبد أيضا ولا على الصغير ويروى عن عمر بن عبد العزيزالعزيز, وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبيرجبير, والنخعي والثوري وإسحاقوإسحاق, وأصحاب الرأي أن على السيد المسلم أن يخرج الفطرة عن عبده الذمي وقال أبو حنيفةحنيفة: يخرج عن ابنه الصغير إذا ارتد وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال (أدواأدوا عن كل حر وعبد صغير أو كبيركبير, يهودي أو نصراني أو مجوسي نصف صاع من بربر) ولأن كل زكاة وجبت بسبب عبده المسلم وجبت بسبب عبده الكافرالكافر, كزكاة التجارة ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عمرعمر: (منمن المسلمينالمسلمين) وروى أبو داود عن ابن عباسعباس, قال (فرضفرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاةالصلاة, فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقاتالصدقات) إسناده حسن وحديثهم لا نعرفهنعرفه, ولم يذكره أصحاب الدواوين وجامعو السنن وهذا قول ابن عباس يخالفه وهو راوي حديثهم وزكاة التجارة تجب عن القيمة ولذلك تجب في سائر الحيوانات وسائر الأموالالأموال, وهذه طهرة للبدن ولهذا اختص بها الآدميون بخلاف زكاة التجارة
فصلفصل:
فإن كان لكافر عبد مسلممسلم, وهل هلال شوال وهو في ملكه فحكي عن أحمد أن على الكافر إخراج صدقة الفطر عنه واختاره القاضي وقال ابن عقيلعقيل: يحتمل أن لا تجب وهذا قول أكثرهم قال ابن المنذرالمنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن لا صدقة على الذمي في عبده المسلم لقوله عليه السلامالسلام: (منمن المسلمينالمسلمين) ولأنه كافر فلا تجب عليه الفطرة كسائر الكفار ولأن الفطرة زكاة فلا تجب على الكافر كزكاة المال ولناولنا, أن العبد من أهل الطهرة فوجب أن تؤدي عنه الفطرة كما لو كان سيده مسلمامسلما, وقولهوقوله: (منمن المسلمينالمسلمين) يحتمل أن يراد به المؤدى عنه بدليل أنه لو كان للمسلم عبد كافر لم يجب فطرته ولأنه ذكر في الحديث كل عبد وصغيروصغير, وهذا يدل على أنه أراد المؤدى عنه لا المؤدى ولأصحاب الشافعي في هذا وجهان كالمذهبينكالمذهبين.
مسألة:
مسألة:
قالقال: صاعا بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو خمسة أرطال وثلث وجملته أن الواجب في صدقة الفطر صاع عن كل إنسان لا يجزئ أقل من ذلك من جميع أجناس المخرج وبه قال مالك والشافعيوالشافعي, وإسحاق وروى ذلك عن أبي سعيد الخدري والحسن وأبي العاليةالعالية, وروى عن عثمان بن عفان وابن الزبير ومعاويةومعاوية, أنه يجزئ نصف صاع من البر خاصة وهو مذهب سعيد بن المسيب وعطاء وطاوسوطاوس, ومجاهد وعمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبيرالزبير, وأبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن جبير وأصحاب الرأي واختلفت الرواية عن عليعلي, وابن عباس والشعبي فروى صاعصاع, وروى نصف صاع وعن أبي حنيفة في الزبيب روايتان إحداهما صاع والأخرى نصف صاع واحتجوا بما روى ثعلبة بن صعيرصعير, عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قالقال: (صاعصاع من قمح بين كل اثنيناثنين) رواه أبو داود وعن عمرو بن شعيب عن أبيهأبيه, عن جده (أنأن النبي - صلى الله عليه وسلم- بعث مناديا في فجاج مكةمكة: ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى حر أو عبد صغير أو كبيركبير, مدان من قمح أو سواها صاعا من طعامطعام) قال الترمذيالترمذي: هذا حديث صحيح حسن غريب وقال سعيد حدثنا هشيم عن عبد الخالق الشيباني قال سمعت سعيد بن المسيب يقوليقول: (كانتكانت الصدقة تدفع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر نصف صاع بربر) وقال هشيمهشيم: أخبرني سفيان بن حسينحسين, عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال (خطبخطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثم ذكر صدقة الفطرالفطر, فحض عليها وقالوقال: نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير عن كل حر وعبد ذكر وأنثىوأنثى) ولناولنا: ما روى أبو سعيد الخدريالخدري, قالقال: (كناكنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط فلم نزل نخرجه حتى قدم معاويةمعاوية, المدينة فتكلم فكان مما كلم الناسالناس: إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر فأخذ الناس بذلكبذلك) قال أبو سعيدسعيد: فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه وروى ابن عمر (أنأن النبي - صلى الله عليه وسلم- فرض صدقة الفطرالفطر, صاعا من تمر أو صاعا من شعير قال فعدل الناس إلى نصف صاع من بربر) متفق عليهماعليهما, ولأنه جنس يخرج في صدقة الفطر فكان قدره صاعا كسائر الأجناس وأحاديثهم لا تثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قاله ابن المنذر وحديث ثعلبة تفرد به النعمان بن راشد قال البخاريالبخاري: هو يهم كثيرا وهو صدوق في الأصل وقال مهنامهنا: ذكرت لأحمد حديث ثعلبة بن أبي صعيرصعير, في صدقة الفطر نصف صاع من بر فقالفقال: ليس بصحيح إنما هو مرسل يرويه معمر بن جريججريج, عن الزهري مرسلا قلت من قبل من هذا؟هذا؟ قال من قبل النعمان بن راشد ليس هو بقوى في الحديث وضعف حديث ابن أبي صعير وسألته عن ابن أبي صعير أمعروف هو؟هو؟ قالقال: من يعرف ابن أبي صعير ليس هو بمعروف وذكر أحمدأحمد, وعلى بن المديني ابن أبي صعير فضعفاه جميعا وقال ابن عبد البرالبر: ليس دون الزهري من يقوم به حجة ورواه أبو إسحاق الجوزجانيالجوزجاني: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن النعمانالنعمان, عن الزهري عن ثعلبة عن أبيه قالقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : (أدواأدوا صدقة الفطر صاعا من قمح أو قال بربر, عن كل إنسان صغير أو كبيركبير) وهذا حجة لنا وإسناده حسن قال الجوزجانيالجوزجاني: والنصف صاع ذكره عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وروايته ليس تثبتتثبت, ولأن فيما ذكرناه احتياطا للفرض ومعاضدة للقياس
فصلفصل:
وقد دللنا على أن الصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي فيما مضى والأصل فيه الكيل وإنما قدره العلماء بالوزن ليحفظ وينقل وقد روى جماعة عن أحمدأحمد, أنه قالقال: الصاع وزنته فوجدته خمسة أرطال وثلثا حنطة وقال حنبل قال أحمدأحمد: أخذت الصاع من أبي النضر وقال أبو النضرالنضر: أخذته عن ابن أبي ذؤيب وقالوقال: هذا صاع النبي - صلى الله عليه وسلم- الذي يعرف بالمدينة قال أبو عبد اللهالله: فأخذنا العدس فعيرنا به وهو أصلح ما وقفنا عليه يكال به لأنه لا يتجافي عن موضعهموضعه, فكلنا به ثم وزناه فإذا هو خمسة أرطال وثلث وقال هذا أصلح ما وقفنا عليهعليه, وما تبين لنا من صاع النبي - صلى الله عليه وسلم- وإذا كان الصاع خمسة أرطال وثلثا من البر والعدس وهما من أثقل الحبوب فما عداهما من أجناس الفطرة أخف منهمامنهما, فإذا أخرج منهما خمسة أرطال وثلثا فهي أكثر من صاع وقال محمد بن الحسنالحسن: إن أخرج خمسة أرطال وثلثا برا لم يجزه لأن البر يختلفيختلف, فيكون فيه الثقيل والخفيف وقال الطحاويالطحاوي: يخرج خمسة أرطال مما سواء كيله ووزنه وهو الزبيب والماش ومقتضى كلامه أنه إذا أخرج ثمانية أرطال مما هو أثقل منها لم يجزئه حتى يزيد شيئاشيئا, يعلم أنه قد بلغ صاعا والأولى لمن أخرج من الثقيل بالوزن أن يحتاط فيزيد شيئا يعلم به أنه لمن أخرج صاعا بالرطل الدمشقي الذي هو ستمائة درهم مد وسبعوسبع, والسبع أوقية وخمسة أسباع أوقية وقدر ذلك بالدراهم ستمائة درهم ويجزئ إخراج رطل بالدمشقي من جميع الأجناس لأنه أكبر من الصاع وقد رأيت مدا ذكر لنا أنه مد النبي - صلى الله عليه وسلم- فقدر المد الدمشقي بهبه, فكان المد الدمشقي قريبا من خمسة أمداد
مسألة:
مسألة:
قالقال: من كل حبة وثمرة تقتات يعني عند عدم الأجناس المنصوص عليها يجزئه كل مقتات من الحبوب والثمار وظاهر هذا أنه لا يجزئه المقتات من غيرها كاللحم واللبن وقال أبو بكر يعطي ما قام مقام الأجناس المنصوص عليها عند عدمها وقال ابن حامدحامد: يجزئه عند عدمها الإخراج مما يقتاتهيقتاته, كالذرة والدخن ولحوم الحيتان والأنعام ولا يردون إلى أقرب قوت الأمصار
مسألة:
مسألة:
قال وإن أعطى أهل البادية الأقط صاعاصاعا, أجزأ إذا كان قوتهم أكثر أهل العلم يوجبون صدقة الفطر على أهل البادية روى ذلك عن ابن الزبير وبه قال سعيد بن المسيبالمسيب, والحسن ومالك والشافعيوالشافعي, وابن المنذر وأصحاب الرأي وقال عطاء والزهريوالزهري, وربيعةوربيعة: لا صدقة عليهم ولنا عموم الحديث ولأنها زكاةزكاة, فوجبت عليهم كزكاة المال ولأنهم مسلمون فيجب عليهم صدقة الفطر كغيرهم إذا ثبت هذاهذا, فإنه يجزئ أهل البادية إخراج الأقط إذا كان قوتهم وكذلك من لم يجد من الأصناف المنصوص عليها سواه فأما من وجد سواه فهل يجزئ؟يجزئ؟ على روايتينروايتين: إحداهما يجزئه أيضا لحديث أبي سعيد الذي ذكرناه وفي بعض ألفاظه قال (فرضفرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر صاعا من طعامطعام, أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقطأقط) أخرجه النسائي والثانية لا يجزئه لأنه جنس لا تجب الزكاة فيهفيه, فلا يجزئ إخراجه لمن يقدر على غيره من الأجناس المنصوص عليها كاللحم ويحمل الحديث على من هو قوت له أو لم يقدر على غيره فإن قدر على غيره مع كونه قوتا لهله, فظاهر كلام الخرقي جواز إخراجه وإن قدر على غيره سواء كان من أهل البادية أو لم يكن لأن الحديث لم يفرق وقول أبي سعيدسعيد: كنا نخرج صاعا من أقط وهم من أهل الأمصار وإنما خص أهل البادية بالذكر لأن الغالب أنه لا يقتاته غيرهم وقال أبو الخطابالخطاب: لا يجزئ إخراج الأقط مع القدرة على ما سواه في إحدى الروايتين وظاهر الحديث يدل على خلافه وذكر القاضي أنه إذا عدم الأقطالأقط, وقلنا له إخراجه جاز إخراج اللبن لأنه أكمل من الأقط لأنه يجيء منه الأقط وغيره وحكاه أبو ثورثور, عن الشافعي وقال الحسنالحسن: إن لم يكن بر ولا شعير أخرج صاعا من لبن وظاهر قول الخرقي يقتضي أنه لا يجزئ اللبن بحال لقولهلقوله: من كل حبة أو ثمرة تقتات وقد حملنا ذلك على حالة العدم ولا يصح ما ذكروه لأنه لو كان أكمل من الأقط لجاز إخراجه مع وجوده ولأن الأقط أكمل من اللبن من وجه لأنه بلغ حالة الادخار وهو جامدجامد, بخلاف اللبن لكن يكون حكم اللبن حكم اللحم يجزئ إخراجه عند عدم الأصناف المنصوص عليها على قول ابن حامدحامد, ومن وافقه وكذلك الجبن وما أشبهه
مسألة:
مسألة:
قالقال: واختيار أبي عبد الله إخراج التمر وبهذا قال مالك قال ابن المنذرالمنذر: واستحب مالك إخراج العجوة منه واختار الشافعي وأبو عبيد إخراج البر وقال بعض أصحاب الشافعيالشافعي: يحتمل أن يكون الشافعي قال ذلك لأن البر كان أغلى في وقته ومكانه لأن المستحب أن يخرج أغلاها ثمنا وأنفسها لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- وقد سئل عن أفضل الرقابالرقاب, فقالفقال: (أغلاهاأغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلهاأهلها) وإنما اختار أحمد إخراج التمر اقتداء بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- واتباعا له وروى بإسناده عن أبي مجلز قالقال: قلت لابن عمرعمر: (إنإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال إن الله قد أوسعأوسع, والبر أفضل من التمرالتمر) قالقال: إن أصحابي سلكوا طريقا وأنا أحب أن أسلكه وظاهر هذا أن جماعة الصحابة كانوا يخرجون التمر فأحب ابن عمر موافقتهم وسلوك طريقتهمطريقتهم, وأحب أحمد أيضا الاقتداء بهم واتباعهم وروى البخاري عن ابن عمرعمر, أنه قالقال: (فرضفرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير فعدل الناس به صاعا من بربر) فكان ابن عمر يخرج التمرالتمر, فأعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيرا ولأن التمر فيه قوة وحلاوة وهو أقرب تناولا وأقل كلفة فكان أولى
فصلفصل:
والأفضل بعد التمر البر وقال بعض أصحابناأصحابنا: الأفضل بعده الزبيب لأنه أقرب تناولا وأقل كلفة فأشبه التمر ولناولنا, أن البر أنفع في الاقتيات وأبلغ في دفع حاجة الفقير وكذلك قال أبو مجلز لابن عمرعمر: البر أفضل من التمر يعني أنفع وأكثر قيمة ولم ينكره ابن عمر وإنما عدل عنه اتباعا لأصحابه وسلوكا لطريقتهم ولهذا عدل نصف صاع منه بصاع من غيره وقال معاويةمعاوية: إني لأرى مدين من سمراء الشام يعدل صاعا من التمر فأخذ الناس بهبه, وتفضيل التمر إنما كان لاتباع الصحابة ففيما عداه يبقى على مقتضى الدليل في تفضيل البر ويحتمل أن يكون الأفضل بعد التمر ما كان أعلى قيمة وأكثر نفعا
مسألة:
مسألة:
قالقال: ومن قدر على التمر أو الزبيبالزبيب, أو البر أو الشعير أو الأقط فأخرج غيره لم يجزه ظاهر المذهب أنه لا يجوز له العدول عن هذه الأصنافالأصناف, مع القدرة عليها سواء كان المعدول إليه قوت بلده أو لم يكن وقال أبو بكربكر: يتوجه قول آخر أنه يعطي ما قام مقام الخمسة على ظاهر الحديث صاعا من طعام والطعام قد يكون البر والشعير وما دخل في الكيل قال وكلا القولين محتملمحتمل, وأقيسهما أنه لا يجوز غير الخمسة إلا أن يعدمها فيعطي ما قام مقامها وقال مالكمالك: يخرج من غالب قوت البلد وقال الشافعيالشافعي: أي قوت كان الأغلب على الرجلالرجل, أدى الرجل زكاة الفطر منه واختلف أصحابه فمنهم من قال بقول مالك ومنهم من قالقال: الاعتبار بغالب قوت المخرج ثم إن عدل عن الواجب إلى أعلى منهمنه, جاز وإن عدل إلى دونه ففيه قولان أحدهماأحدهما, يجوز لقوله عليه السلام (اغنوهماغنوهم عن الطلبالطلب) والغنى يحصل بالقوت والثاني لا يجوز لأنه عدل عن الواجب إلى أدنى منه فلم يجزئهيجزئه, كما لو عدل عن الواجب في زكاة المال إلى أدنى منه ولنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم- فرض صدقة الفطر أجناسا معدودة فلم يجز العدول عنهاعنها, كما لو أخرج القيمة وذلك لأن ذكر الأجناس بعد ذكره الفرض تفسير للمفروض فما أضيف إلى المفسر يتعلق بالتفسير فتكون هذه الأجناس مفروضة فيتعين الإخراج منهامنها, ولأنه إذا أخرج غيرها عدل عن المنصوص عليه فلم يجز كإخراج القيمةالقيمة, وكما لو أخرج عن زكاة المال من غير جنسه والإغناء يحصل بالإخراج من المنصوص عليه فلا منافاة بين الخبرين لكونهما جميعا يدلان على وجوب الإغناء بأداء أحد الأجناس المفروضةالمفروضة.
فصلفصل:
والسلت نوع من الشعيرالشعير, فيجوز إخراجه لدخوله في المنصوص عليه وقد صرح بذكره في بعض ألفاظ حديث ابن عمر قال (كانكان الناس يخرجون صدقة الفطر في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صاعا من شعير أو صاعا من أقطأقط, أو صاعا من سلتسلت) وعن أبي سعيد قال (لملم نخرج على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلا صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من دقيق أو صاعا من أقطأقط, أو صاعا من سلتسلت) قالقال: ثم شك فيه سفيان بعد فقال (دقيقدقيق أو سلتسلت) رواهما النسائيالنسائي.
فصلفصل:
ويجوز إخراج الدقيق نص عليه أحمد وكذلك السويق قال أحمدأحمد: وقد روي عن ابن سيرين سويق أو دقيق وقال مالكمالك, والشافعيوالشافعي: لا يجزئ إخراجهما لحديث ابن عمر ولأن منافعه نقصت فهو كالخبز ولناولنا: حديث أبي سعيد وقوله فيهفيه: (أوأو صاعا من دقيقدقيق) ولأن الدقيق والسويق أجزاء الحب بحتا يمكن كيله وادخاره فجاز إخراجهإخراجه, كما قبل الطحن وذلك لأن الطحن إنما فرق أجزاءه وكفى الفقير مؤنتهمؤنته, فأشبه ما لو نزع نوى التمر ثم أخرجه ويفارق الخبز والهريسة والكبولا لأن مع أجزاء الحب فيها من غيره وقد خرج عن حال الادخار والكيل والمأمور به صاعصاع, وهو مكيل وحديث ابن عمر لم يقتض ما ذكروه ولم يعملوا بهبه.
فصلفصل:
ولا يجوز إخراج الخبز لأنه خرج عن الكيل والادخار ولا الهريسة والكبولا وأشباههما لذلكلذلك, ولا الخل ولا الدبس لأنهما ليسا قوتا ولا يجوز أن يخرج حبا معيبا كالمسوس والمبلولوالمبلول, ولا قديما تغير طعمه لقول الله تعالىتعالى: {ولاولا تيمموا الخبيث منه تنفقونتنفقون} [البقرةالبقرة: 267267]. فإن كان القديم لم يتغير طعمه إلا أن الحديث أكثر قيمة منهمنه, جاز إخراجه لعدم العيب فيه والأفضل إخراج الأجود قال أحمدأحمد: كان ابن سيرين يحب أن ينقي الطعام وهو أحب إلى ليكون على الكمالالكمال, ويسلم مما يخالطه من غيره فإن كان المخالط له يأخذ حظا من المكيال وكان كثيرا بحيث يعد عيبا فيه لم يجزئهيجزئه, وإن لم يكثر جاز إخراجه إذا زاد على الصاع قدرا يزيد على ما فيه من غيره حتى يكون المخرج صاعا كاملا
فصلفصل:
ومن أي الأصناف المنصوص عليها أخرج جاز وإن لم يكن قوتا لهله, وقال مالكمالك: يخرج من غالب قوت البلد وذكرنا قول الشافعي ولناولنا: أن خبر الصدقة ورد بحرف التخيير بين هذه الأصناف فوجب التخيير فيه ولأنه عدل إلى منصوص عليهعليه, فجاز كما لو عدل إلى الأعلى والغنى يحصل بدفع قوت من الأجناسالأجناس, ويدل على ما ذكرنا أنه خير بين التمر والزبيب والأقط قوتا لأهل المدينة فدل على أنه لا يعتبر أن يكون قوتا للمخرجللمخرج.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ( ومن أعطى القيمةالقيمة, لم تجزئه ) قال أبو داود قيل لأحمد وأنا أسمعأسمع: أعطى دراهم - يعني في صدقة الفطر - قالقال: أخاف أن لا يجزئه خلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقال أبو طالب قال لي أحمد لا يعطي قيمته قيل لهله: قوم يقولونيقولون, عمر بن عبد العزيز كان يأخذ بالقيمة قال يدعون قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ويقولون قال فلان قال ابن عمرعمر: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقال الله تعالىتعالى: {أطيعواأطيعوا الله وأطيعوا الرسولالرسول} [النساءالنساء: 5959]. وقال قوم يردون السننالسنن: قال فلانفلان, قال فلان وظاهر مذهبه أنه لا يجزئه إخراج القيمة في شيء من الزكوات وبه قال مالك والشافعي وقال الثوري وأبو حنيفةحنيفة: يجوز وقد روى ذلك عن عمر بن عبد العزيزالعزيز, والحسن وقد روى عن أحمد مثل قولهم فيما عدا الفطرة وقال أبو داودداود: سئل أحمدأحمد, عن رجل باع ثمرة نخله قالقال: عشره على الذي باعه قيل لهله: فيخرج ثمرا أو ثمنه؟ثمنه؟ قالقال: إن شاء أخرج ثمرا وإن شاء أخرج من الثمن وهذا دليل على جواز إخراج القيم ووجهه قول معاذ لأهل اليمناليمن: ائتوني بخميص أو لبيس آخذه منكممنكم, فإنه أيسر عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة وقال سعيدسعيد: حدثنا سفيان عن عمرو وعن طاوسطاوس, قال لما قدم معاذ اليمن قالقال: ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرينللمهاجرين, بالمدينة قالقال: وحدثنا جرير عن ليث عن عطاءعطاء, قال كان عمر بن الخطاب يأخذ العروض في الصدقة من الدراهم ولأن المقصود دفع الحاجة ولا يختلف ذلك بعد اتحاد قدر المالية باختلاف صور الأموال ولنا قول ابن عمرعمر: (فرضفرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر صاعا من تمرتمر, وصاعا من شعيرشعير) فإذا عدل عن ذلك فقد ترك المفروض وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : (فيفي أربعين شاة شاة وفي مائتي درهم خمسة دراهمدراهم) وهو وارد بيانا لمجمل قوله تعالىتعالى: {وآتواوآتوا الزكاةالزكاة} [البقرةالبقرة: 4343]. فتكون الشاة المذكورة هي الزكاة المأمور بها والأمر يقتضي الوجوب ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- فرض الصدقة على هذا الوجه وأمر بها أن تؤدىتؤدى, ففي كتاب أبي بكر الذي كتبه في الصدقات أنه قالقال: (هذههذه الصدقة التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأمر بها أن تؤدي وكان فيهفيه: في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض فإن لم تكن بنت مخاضمخاض, فابن لبون ذكرذكر) وهذا يدل على أنه أراد عينها لتسميته إياها وقولهوقوله: (فإنفإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكرذكر) ولو أراد المالية أو القيمة لم يجز لأن خمسا وعشرين لا تخلو عن مالية بنت مخاض وكذلك قولهقوله: فابن لبون ذكر فإنه لو أراد المالية للزمه مالية بنت مخاضمخاض, دون مالية ابن لبون وقد روى أبو داود وابن ماجه بإسنادهمابإسنادهما, عن (معاذمعاذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم- بعثه إلى اليمن فقال خذ الحب من الحبالحب, والشاة من الغنم والبعير من الإبل والبقر من البقرالبقر) ولأن الزكاة وجبت لدفع حاجة الفقير وشكرا لنعمة المالالمال, والحاجات متنوعة فينبغي أن يتنوع الواجب ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تندفع به حاجته ويحصل شكر النعمة بالمواساة من جنس ما أنعم الله عليه بهبه, ولأن مخرج القيمة قد عدل عن المنصوص فلم يجزئه كما لو أخرج الرديء مكان الجيدالجيد, وحديث معاذ الذي رووه في الجزية بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمره بتفريق الصدقة في فقرائهمفقرائهم, ولم يأمره بحملها إلى المدينة وفي حديثه هذاهذا: فإنه أنفع للمهاجرين بالمدينةبالمدينة.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ويخرجها إذا خرج إلى المصلى المستحب إخراج صدقة الفطر يوم الفطر قبل الصلاة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة في حديث ابن عمر وفي حديث ابن عباسعباس: (منمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقاتالصدقات) فإن أخرها عن الصلاة ترك الأفضلالأفضل, لما ذكرنا من السنة ولأن المقصود منها الإغناء عن الطواف والطلب في هذا اليوم فمتى أخرها لم يحصل إغناؤهم في جميعهجميعه, لا سيما في وقت الصلاة ومال إلى هذا القول عطاء ومالكومالك, وموسى بن وردان وإسحاق وأصحاب الرأي وقال القاضيالقاضي: إذا أخرجها في بقية اليوم لم يكن فعل مكروها لحصول الغناء بها في اليوم قال سعيدسعيد: حدثنا أبو معشرمعشر, عن نافع عن ابن عمر قالقال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن نخرج وذكر الحديث قالقال: فكان يؤمر أن يخرج قبل أن يصلييصلي, فإذا انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قسمه بينهم وقالوقال: أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم وقد ذكرنا من الخبر والمعنى ما يقتضي الكراهة فإن أخرها عن يوم العيد أثم ولزمه القضاء وحكى عن ابن سيرين والنخعيوالنخعي, الرخصة في تأخيرها عن يوم العيد وروى محمد بن يحيى الكحال قالقال: قلت لأبي عبد اللهالله: فإن أخرج الزكاة ولم يعطها قالقال: نعمنعم, إذا أعدها لقوم وحكاه ابن المنذر عن أحمد واتباع السنة أولىأولى.
فصل:
فصل:
فأما وقت الوجوب فهو وقت غروب الشمس من آخر يوم من رمضان فإنها تجب بغروب الشمس من آخر شهر رمضان فمن تزوج أو ملك عبداعبدا, أو ولد له ولد أو أسلم قبل غروب الشمس فعليه الفطرة وإن كان بعد الغروب لم تلزمه ولو كان حين الوجوب معسرامعسرا, ثم أيسر في ليلته تلك أو في يومه لم يجب عليه شيء ولو كان في وقت الوجوب موسرا ثم أعسرأعسر, لم تسقط عنه اعتبارا بحالة الوجوب ومن مات بعد غروب الشمس ليلة الفطر فعليه صدقة الفطر نص عليه أحمد وبما ذكرنا في وقت الوجوب قال الثوري وإسحاقوإسحاق, ومالك في إحدى الروايتين عنه والشافعيوالشافعي, في أحد قوليه وقال الليث وأبو ثور وأصحاب الرأيالرأي: تجب بطلوع الفجر يوم العيد وهو رواية عن مالك لأنها قربة تتعلق بالعيدبالعيد, فلم يتقدم وجوبها يوم العيد وهو رواية عن مالك كالأضحية ولنا قول ابن عباسعباس: (إنإن النبي - صلى الله عليه وسلم- فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفثوالرفث) ولأنها تضاف إلى الفطر فكانت واجبة به كزكاة المالالمال, وذلك لأن الإضافة دليل الاختصاص والسبب أخص بحكمه من غيره والأضحية لا تعلق لها بطلوع الفجر ولا هي واجبة ولا تشبه ما نحن فيه فعلى هذا إذا غربت الشمسالشمس, والعبد المبيع في مدة الخيار أو وهب له عبد فقبله ولم يقبضه أو اشتراه ولم يقبضهيقبضه, فالفطرة على المشتري والمتهب لأن الملك له والفطرة على المالك ولو أوصى له بعبد ومات الموصي قبل غروب الشمس فلم يقبل الموصى له حتى غابتغابت, فالفطرة عليه في أحد الوجهين والآخر على ورثة الموصيالموصي, بناء على الوجهين في الموصى به هل ينتقل بالموت أو من حين القبول؟القبول؟ ولو مات الموصى له قبل الرد وقبل القبول فقبل ورثته وقلنا بصحة قبولهمقبولهم, فهل تكون فطرته على ورثة الموصي أو في تركة الموصى له؟له؟ وجهين وقال القاضيالقاضي: فطرته في تركة الموصى له لأننا حكمنا بانتقال الملك من حين القبول ولو مات قبل الرد وقبل القبول فإن كان موته بعد هلال شوالشوال, ففطرة العبد في تركته لأن الورثة إنما قبلوه له وإن كان موته قبل هلال شوال ففطرته على الورثة ولو أوصى لرجل برقبة عبد ولآخر بمنفعتهبمنفعته, فقبلا كانت الفطرة على مالك الرقبة لأن الفطرة تجب بالرقبة لا بالمنفعة ولهذا تجب على من لا نفع فيه ويحتمل أن يكون حكمها حكم نفقته وفيها ثلاثة أوجه أحدهاأحدها, أنها على مالك نفعه والثانيوالثاني: على مالك رقبته والثالثوالثالث: في كسبهكسبه.
مسألة:
مسألة:
قال وإن قدمها قبل ذلك بيوم أو يومين أجزأه وجملته أنه يجوز تقديم الفطرة قبل العيد بيومين لا يجوز أكثر من ذلك وقال ابن عمرعمر: كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين وقال بعض أصحابناأصحابنا: يجوز تعجيلها من بعد نصف الشهرالشهر, كما يجوز تعجيل أذان الفجر والدفع من مزدلفة بعد نصف الليل وقال أبو حنيفةحنيفة: ويجوز تعجيلها من أول الحول لأنها زكاة فأشبهت زكاة المال وقال الشافعيالشافعي: يجوز من أول شهر رمضان لأن سبب الصدقة الصوم والفطر عنه فإذا وجد أحد السببين جاز تعجيلهاتعجيلها, كزكاة المال بعد ملك النصاب ولنا ما روى الجوزجانيالجوزجاني: حدثنا يزيد بن هارون قالقال: أخبرنا أبو معشر عن نافعنافع, عن ابن عمر قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يأمر به فيقسم - قال يزيد أظنأظن: هذا يوم الفطر - ويقول أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم " والأمر للوجوبللوجوب, ومتى قدمها بالزمان الكثير لم يحصل إغناؤهم بها يوم العيد وسبب وجوبها الفطر بدليل إضافتها إليه وزكاة المال سببها ملك النصابالنصاب, والمقصود إغناء الفقير بها في الحول كله فجاز إخراجها في جميعه وهذه المقصود منها الإغناء في وقت مخصوص فلم يجز تقديمها قبل الوقت فأما تقديمها بيوم أو يومين فجائز لما روى البخاري بإسناده عن ابن عمرعمر, قالقال: (فرضفرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر من رمضان وقال في آخرهآخره: وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومينيومين) وهذا إشارة إلى جميعهم فيكون إجماعا ولأن تعجيلها بهذا القدر لا يخل بالمقصود منهامنها, فإن الظاهر أنها تبقى أو بعضها إلى يوم العيد فيستغنى بها عن الطواف والطلب فيه ولأنها زكاةزكاة, فجاز تعجيلها قبل وجوبها كزكاة المال والله أعلم
مسألة:
مسألة:
قالقال: ويلزمه أن يخرج عن نفسه وعن عيالهعياله, إذا كان عنده فضل عن قوت يومه وليلته عيال الإنسانالإنسان: من يعوله أي يمونه فتلزمه فطرتهم كما تلزمه مؤنتهم إذا وجد ما يؤدي عنهم لحديث ابن عمر (أنأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فرض صدقة الفطرالفطر, عن كل صغير وكبير حر وعبد ممن تمونونتمونون) والذي يلزم الإنسان نفقتهم وفطرتهم ثلاثة أصنافأصناف: الزوجاتالزوجات, والعبيد والأقارب فأما الزوجات فعليه فطرتهن وبهذا قال مالك والشافعي وإسحاق وقال أبو حنيفةحنيفة, والثوري وابن المنذرالمنذر: لا تجب عليه فطرة امرأته وعلى المرأة فطرة نفسها لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- (صدقةصدقة الفطر على كل ذكر وأنثىوأنثى) ولأنها زكاة فوجبت عليها كزكاة مالها ولناولنا, الخبر ولأن النكاح سبب تجب به النفقة فوجبت به الفطرةالفطرة, كالملك والقرابة بخلاف زكاة المال فإنها لا تتحمل بالملك والقرابة فإن كان لامرأته من يخدمها بأجرةبأجرة, فليس على الزوج فطرته لأن الواجب الأجر دون النفقة وإن كان لها نظرت فإن كانت ممن لا يجب لها خادم فليس عليه نفقة خادمهاخادمها, ولا فطرته وإن كانت ممن يخدم مثلها فعلى الزوج أن يخدمهايخدمها, ثم هو مخير بين أن يشتري لها خادما أو يستأجر أو ينفق على خادمها فإن اشترى لها خادما أو اختار الإنفاق على خادمها فعليه فطرتهفطرته, وإن استأجر لها خادما فليس عليه نفقته ولا فطرته سواء شرط عليه مؤنته أو لم يشرط لأن المؤنة إذا كانت أجرة فهي من مال المستأجر وإن تبرع بالإنفاق على من لا تلزمه نفقته فحكمه حكم من تبرع بالإنفاق على أجنبيأجنبي, وسنذكره - إن شاء الله تعالى- وإن نشزت المرأة في وقت الوجوب ففطرتها على نفسها دون زوجها لأن نفقتها لا تلزمه واختار أبو الخطاب أن عليه فطرتها لأن الزوجية ثابتة عليها فلزمته فطرتها كالمريضة التي لا تحتاج إلى نفقة والأولوالأول: أصح لأن هذه ممن لا تلزمه مؤنته فلا تلزمه فطرته كالأجنبيةكالأجنبية, وفارق المريضة لأن عدم الإنفاق عليها لعدم الحاجة لا لخلل في المقتضى لها فلا يمنع ذلك من ثبوت تبعهاتبعها, بخلاف الناشز وكذلك كل امرأة لا يلزمه نفقتها كغير المدخول بها إذا لم تسلم إليه والصغيرة التي لا يمكن الاستمتاع بهابها, فإنه لا تلزمه نفقتها ولا فطرتها لأنها ليست ممن يمونيمون.
فصلفصل:
وأما العبيد فإن كانوا لغير التجارة فعلى سيدهم فطرتهم لا نعلم فيه خلافا وإن كانوا للتجارة فعليه أيضا فطرتهم وبهذا قال مالكمالك, والليث والأوزاعي والشافعيوالشافعي, وإسحاق وابن المنذر وقال عطاء والنخعيوالنخعي, والثوري وأصحاب الرأيالرأي: لا تلزمه فطرتهم لأنها زكاة ولا تجب في مال واحد زكاتان وقد وجبت فيهم زكاة التجارةالتجارة, فيمتنع وجوب الزكاة الأخرى كالسائمة إذا كانت للتجارة ولنا عموم الأحاديث وقول ابن عمرعمر: (فرضفرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر على الحر والعبدوالعبد) وفي حديث عمرو بن شعيبشعيب: (ألاألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلممسلم, ذكر أو أنثى حر أو عبد صغير أو كبيركبير) ولأن نفقتهم واجبة فوجبت فطرتهمفطرتهم, كعبيد القنية أو نقول مسلم تجب مؤنته فوجبت فطرته كالأصلكالأصل, وزكاة الفطرة تجب على البدن ولهذا تجب على الأحرار وزكاة التجارة تجب عن القيمةالقيمة, وهي المال بخلاف السوم والتجارة فإنهما يجبان بسبب مال واحد متى كان عبيد التجارة في يد المضارب وجبت فطرتهم من مال المضاربة لأن مؤنتهم منها وحكى ابن المنذر عن الشافعيالشافعي, أنها على رب المال ولنا أن الفطرة تابعة للنفقة وهي من مال المضاربةالمضاربة, فكذلك الفطرةالفطرة.
فصلفصل:
وتجب فطرة العبد الحاضر والغائب الذي تعلم حياته والآبق والصغير والكبيروالكبير, والمرهون والمغصوب قال ابن المنذرالمنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن على المرء زكاة الفطر عن مملوكه الحاضر غير المكاتب والمغصوبوالمغصوب, والآبق وعبيد التجارة فأما الغائب فعليه فطرته إذا علم أنه حيحي, سواء رجا رجعته أو أيس منها وسواء كان مطلقا أو محبوسا كالأسير وغيره قال ابن المنذرالمنذر: أكثر أهل العلم يرون أن تؤدى زكاة الفطر عن الرقيق غائبهم وحاضرهم لأنه مالك لهملهم, فوجبت فطرتهم عليه كالحاضرين وممن أوجب فطرة الآبق الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأوجبها الزهري إذا علم مكانه والأوزاعي إن كان في دار الإسلام ومالك إن كانت غيبته قريبة ولم يوجبها عطاءعطاء, والثوري وأصحاب الرأي لأنه لا يلزمه الإنفاق عليه فلا تجب فطرته كالمرأة الناشز ولناولنا, أنه مال له فوجبت زكاته في حال غيبته كمال التجارة ويحتمل أن لا يلزمه إخراج زكاته حتى يرجع إلى يده كزكاة الدين والمغصوب ذكره ابن عقيل ووجه القول الأولالأول, أن زكاة الفطر تجب تابعة للنفقة والنفقة تجب مع الغيبة بدليل أن من رد الآبق رجع بنفقته وأما من شك في حياته منهم وانقطعت أخبارهأخباره, لم تجب فطرته نص عليه في رواية صالح لأنه لا يعلم بقاء ملكه عليهعليه, ولو أعتقه في كفارته لم يجزئه فلم تجب فطرته كالميت فإن مضت عليه سنون ثم علم حياتهحياته, لزمه الإخراج لما مضى لأنه بان له وجود سبب الوجوب في الزمن الماضي فوجب عليه الإخراج لما مضى كما لو سمع بهلاك ماله الغائبالغائب, ثم بان أنه كان سالما والحكم في القريب الغائب كالحكم في البعيد لأنهم ممن تجب فطرتهم مع الحضور فكذلك مع الغيبة كالعبيد ويحتمل أن لا تجب فطرتهم مع الغيبة لأنه لا يلزمه بعث نفقتهم إليهمإليهم, ولا يرجعون بالنفقة الماضية
فصلفصل:
فأما عبيد عبيده فإن قلنا إن العبد لا يملكهم بالتمليك فالفطرة على السيد لأنهم ملكه وهذا ظاهر كلام الخرقي وقول أبي الزنادالزناد, ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وإن قلنا يملك بالتمليكبالتمليك, فقد قيلقيل: لا تجب فطرتهم على أحد لأن السيد لا يملكهم وملك العبد ناقص والصحيح وجوب فطرتهم لأن فطرتهم تتبع النفقة ونفقتهم واجبة فكذلك فطرتهم ولا يعتبر في وجوبها كمال الملكالملك, بدليل وجوبها على المكاتب عن نفسه وعبيده مع نقص ملكهملكه.
فصلفصل:
وأما زوجة العبد فذكر أصحابنا المتأخرون أن فطرتها على نفسها إن كانت حرة وعلى سيدها إن كانت أمة وقياس المذهب عندي وجوب فطرتها على سيد العبد لوجوب نفقتها عليهعليه, ألا ترى أنه تجب عليه فطرة خادم امرأته مع أنه لا يملكها لوجوب نفقتها وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم- : (أدواأدوا صدقة الفطر عمن تمونونتمونون) وهذه ممن يمونون وقد ذكر أصحابنا أنه لو تبرع بمؤنة شخصشخص, لزمته فطرته فمن تجب عليه أولى وهكذا لو زوج الابن أباه وكان ممن تجب عليه نفقته ونفقة امرأتهامرأته, فعليه فطرتهما والله أعلم
فصلفصل:
وإن تبرع بمؤنة إنسان في شهر رمضان فأكثر أصحابنا يختارون وجوب الفطرة عليه وقد نص عليه أحمدأحمد, في رواية أبي داود في من ضم إلى نفسه يتيمة يؤدي عنها وذلك لقوله عليه السلامالسلام: (أدواأدوا صدقة الفطر عمن تمونونتمونون) وهذا ممن يمونون ولأنه شخص ينفق عليهعليه, فلزمته فطرته كعبده واختار أبو الخطاب لا تلزمه فطرته لأنه لا تلزمه مؤنته فلم تلزمه فطرته كما لو لم يمنه وهذا قول أكثر أهل العلمالعلم, وهو الصحيح - إن شاء الله تعالى- وكلام أحمد في هذا محمول على الاستحباب لا على الإيجاب والحديث محمول على من تلزمه مؤنتهمؤنته, لا على حقيقة المؤنة بدليل أنه تلزمه فطرة الآبق ولم يمنه ولو ملك عبدا عند غروب الشمسالشمس, أو تزوج أو ولد له ولد لزمته فطرتهم لوجوب مؤنتهم عليهعليه, وإن لم يمنهم ولو باع عبده أو طلق امرأته أو ماتاماتا, أو مات ولده لم تلزمه فطرتهم وإن مانهم ولأن قولهقوله: ( ممن تمونون ) فعل مضارعمضارع, فيقتضي الحال أو الاستقبال دون الماضي ومن مانه في رمضان إنما وجدت مؤنته في الماضي فلا يدخل في الخبرالخبر, ولو دخل فيه لاقتضى وجوب الفطرة على من مانه ليلة واحدة وليس في الخبر ما يقيده بالشهر ولا بغيره فالتقييد بمؤنة الشهر تحكم فعلى هذا القول تكون فطرة هذا المختلف فيه على نفسهنفسه, كما لو لم يمنه وعلى قول أصحابنا المعتبر الإنفاق في جميع الشهر وقال ابن عقيلعقيل: قياس مذهبنا أنه إذا مانه آخر ليلة وجبت فطرته قياسا على من ملك عبدا عند غروب الشمس وإذا مانه جماعة في الشهر كلهكله, أو مانه إنسان بعض الشهر فعلى قياس قول ابن عقيل هذا تكون فطرته على من مانه آخر ليلة وعلى قول غيره يحتمل أن لا تجب فطرته على أحد ممن مانه لأن سبب الوجوب المؤنة في جميع الشهر ولم يوجد ويحتمل أن تجب على الجميع فطرة واحدة بالحصص لأنهم اشتركوا في سبب الوجوبالوجوب, فأشبه ما لو اشتركوا في ملك عبدعبد.
مسألة:
مسألة:
قال إذا كان عنده فضل عن قوت يومه وليلته وجملة ذلك أن صدقة الفطر واجبة على من قدر عليها ولا يعتبر في وجوبها نصاب وبهذا قال أبو هريرة وأبو العالية والشعبيوالشعبي, وعطاء وابن سيرين والزهريوالزهري, ومالك وابن المبارك والشافعيوالشافعي, وأبو ثور وقال أصحاب الرأيالرأي: لا تجب إلا على من يملك مائتي درهم أو ما قيمته نصاب فاضل عن مسكنه لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : (لالا صدقة إلا عن ظهر غنىغنى) والفقير لا غنى له فلا تجب عليه ولأنه تحل له الصدقةالصدقة, فلا تجب عليه كمن لا يقدر عليها ولنا ما روى ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قالقال: (أدواأدوا صدقة الفطر صاعا من قمح أو قالقال: بر عن كل إنسانإنسان, صغير أو كبير حر أو مملوك غني أو فقيرفقير, ذكر أو أنثى أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطىأعطى) وفي رواية أبي داودداود: (صاعصاع من بر أو قمح عن كل اثنيناثنين) ولأنه حق مال لا يزيد بزيادة المال فلا يعتبر وجوب النصاب فيه كالكفارةكالكفارة, ولا يمتنع أن يؤخذ منه ويعطى لمن وجب عليه العشر والذي قاسوا عليه عاجز فلا يصح القياس عليهعليه, وحديثهم محمول على زكاة المالالمال.
فصلفصل:
فإن لم يفضل إلا بعض صاع فهل يلزمه إخراجه؟إخراجه؟ على روايتين إحداهما لا يلزمه اختارها ابن عقيل لأنها طهرة فلا تجب على من لا يملك جميعها كالكفارة والثانية يلزمه إخراجه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (إذاإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتماستطعتم) ولأنها طهرةطهرة, فوجب منها ما قدر عليه كالطهارة بالماء ولأن الجزء من الصاع يخرج عن العبد المشتركالمشترك, فجاز أن يخرج عن غيره كالصاع
فصلفصل:
وإن أعسر بفطرة زوجته فعليها فطرة نفسها أو على سيدها إن كانت مملوكة لأنها تتحمل إذا كان ثم متحملمتحمل, فإذا لم يكن عاد إليها كالنفقة ويحتمل أن لا يجب عليها شيء لأنها لم تجب على من وجد سبب الوجوب في حقه لعسرته فلم تجب على غيرهغيره, كفطرة نفسه وتفارق النفقة فإن وجوبها آكد لأنها مما لا بد منه وتجب على المعسرالمعسر, والعاجز ويرجع عليها بها عند يساره والفطرة بخلافهابخلافها.
فصلفصل:
ومن وجبت فطرته على غيرهغيره, كالمرأة والنسيب الفقير إذا أخرج عن نفسه بإذن من تجب عليه صح بغير خلاف نعلمه لأنه نائب عنه وإن أخرج بغير إذنهإذنه, ففيه وجهان أحدهما يجزئه لأنه أخرج فطرته فأجزأه كالتي وجبت عليه والثانيوالثاني: لا يجزئه لأنه أدى ما وجب على غيره بغير إذنه فلم يصحيصح, كما لو أدى عن غيرهغيره.
فصلفصل:
ومن له دار يحتاج إليها لسكناها أو إلى أجرها لنفقته أو ثياب بذلة لهله, أو لمن تلزمه مؤنته أو رقيق يحتاج إلى خدمتهم هو أو من يمونه أو بهائم يحتاجون إلى ركوبها والانتفاع بها في حوائجهم الأصلية أو سائمة يحتاج إلى نمائها كذلككذلك, أو بضاعة يختل ربحها الذي يحتاج إليه بإخراج الفطرة منها فلا فطرة عليه كذلك لأن هذا مما تتعلق به حاجته الأصلية فلم يلزمه بيعهبيعه, كمؤنة نفسه ومن له كتب يحتاج إليها للنظر فيها والحفظ منها لا يلزمه بيعها والمرأة إذا كان لها حلي للبس أو لكراء يحتاج إليه لم يلزمها بيعه في الفطرة وما فضل من ذلك عن حوائجه الأصليةالأصلية, وأمكن بيعه وصرفه في الفطرة وجبت الفطرة به لأنه أمكن أداؤها من غير ضرر أصلي أشبه ما لو ملك من الطعام ما يؤديه فاضلا عن حاجتهحاجته.
مسألة:
مسألة:
قال وليس عليه في مكاتبه زكاة وعلى المكاتب أن يخرج عن نفسه زكاة الفطر وممن قالقال: لا تجب فطرة المكاتب على سيدهسيده, أبو سلمة بن عبد الرحمن والثوري والشافعيوالشافعي, وأصحاب الرأي وأوجبها على السيد عطاء ومالك وابن المنذر لأنه عبدعبد, فأشبه سائر عبيده ولنا قوله عليه السلامالسلام: " ممن تمونون " وهذا لا يمونه ولأنه لا تلزمه مؤنته فلم تلزمه فطرتهفطرته, كالأجنبي وبهذا فارق سائر عبيده إذا ثبت هذا فإن على المكاتب فطرة نفسهنفسه, وفطرة من تلزمه مؤنته كزوجته ورقيقه وقال أبو حنيفة والشافعيوالشافعي: لا تجب عليه لأنه ناقص الملكالملك, فلم تجب عليه الفطرة كالقن ولأنها زكاة فلم تجب عليه كزكاة المال ولناولنا, أن النبي - صلى الله عليه وسلم- فرض صدقة الفطر على الحر والعبد والذكر والأنثى وهذا عبد ولا يخلو من كونه ذكرا أو أنثى ولأنه يلزمه نفقة نفسهنفسه, فلزمته فطرتها كالحر الموسر ويفارق زكاة المال لأنها يعتبر لها الغنى والنصاب والحول ولا يحملها أحد عن غيره بخلاف الفطرةالفطرة.
فصلفصل:
وتلزم المكاتب فطرة من يمونه كالحر لدخولهم في عموم قوله عليه السلامالسلام: (أدواأدوا صدقة الفطر عمن تمونونتمونون)
مسألة:
مسألة:
قالقال: وإذا ملك جماعة عبدا أخرج كل واحد منهم صاعاصاعا, وعن أبي عبد الله رواية أخرى صاعا عن الجميع وجملة ذلك أن فطرة العبد المشترك واجبة على مواليه وبهذا قال مالك ومحمد بن سلمةسلمة, وعبد الملك والشافعي ومحمد بن الحسنالحسن, وأبو ثور وقال الحسن وعكرمة والثوريوالثوري, وأبو حنيفة وأبو يوسفيوسف: لا فطرة على واحد منهم لأنه ليس عليه لأحد منهم ولاية تامة أشبه المكاتب ولناولنا, عموم الأحاديث ولأنه عبد مسلم مملوك لمن يقدر على الفطرة وهو من أهلها فلزمته لمملوك الواحدالواحد, وفارق المكاتب فإنه لا تلزم سيده مؤنته ولأن المكاتب يخرج عن نفسه زكاة الفطرالفطر, بخلاف القن والولاية غير معتبرة في وجوب الفطرة بدليل عبد الصبيالصبي, ثم إن ولايته للجميع فتكون فطرته عليهم واختلفت الرواية في قدر الواجب على كل واحد منهم ففي إحداهما على كل واحد صاع لأنها طهرة فوجب تكميلها على كل واحد من الشركاءالشركاء, ككفارة القتل والثانية على الجميع صاع واحد على كل واحد منهم بقدر ملكه فيه وهذا الظاهر عن أحمد قال فورانفوران: رجع أحمد عن هذه المسألة وقالوقال: يعطى كل واحد منهم نصف صاع يعني رجع عن إيجاب صاع كامل على كل واحد وهذا قول سائر من أوجب فطرته على سادته لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أوجب صاعا على كل واحد وهذا عام في المشترك وغيرهوغيره, ولأن نفقته تقسم عليهم فكذلك فطرته التابعة لها ولأنه شخص واحدواحد, فلم تجب عنه صيعان كسائر الناس ولأنها طهرة فوجبت على سادته بالحصص كماء الغسل من الجنابة إذا احتيج إليهإليه, وبهذا ينتقض ما ذكرناه للرواية الأولى
فصل:
فصل:
ومن بعضه حر ففطرته عليه وعلى سيده وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وقال مالكمالك: على الحر بحصتهبحصته, وليس على العبد شيء ولنا أنه عبد مسلم تلزم فطرته شخصين من أهل الفطرة فكانت فطرته عليهما كالمشترككالمشترك, ثم هل يلزم كل واحد منهما صاع أو بالحصص؟بالحصص؟ ينبني على ما ذكرنا في العبد المشترك فإن كان أحدهما معسرا فلا شيء عليه وعلى الآخر بقدر الواجب عليهعليه, ولو كان بين العبد وبين السيد مهايأة أو كان المشتركون في العبد قد تهايئوا عليه لم تدخل الفطرة في المهايأة لأن المهايأة معاوضة كسب بكسب والفطرة حق لله تعالى فلا تدخل في ذلكذلك, كالصلاةكالصلاة.
فصل:
فصل:
ولو ألحقت القافة ولدا برجلين أو أكثر فالحكم في فطرته كالحكم في العبد المشترك ولو أن شخصا حرا له قريبان فأكثر عليهم نفقته بينهم كانت فطرته عليهمعليهم, كالعبد المشترك على ما ذكر فيهفيه.
مسألة:
مسألة:
قال ويعطي صدقة الفطر لمن يجوز أن يعطى صدقة الأموال إنما كانت كذلك لأن صدقة الفطر زكاة فكان مصرفها مصرف سائر الزكواتالزكوات, ولأنها صدقة فتدخل في عموم قوله تعالىتعالى: {إنماإنما الصدقات للفقراء والمساكينوالمساكين} [التوبةالتوبة: 6060]. الآية ولا يجوز دفعها إلى من لا يجوز دفع زكاة المال إليه ولا يجوز دفعها إلى ذمي وبهذا قال مالكمالك, والليث والشافعي وأبو ثورثور, وقال أبو حنيفةحنيفة: يجوز وعن عمرو بن ميمون وعمرو بن شرحبيل ومرة الهمدانيالهمداني, أنهم كانوا يعطون منها الرهبان ولنا أنها زكاة فلم يجز دفعها إلى غير المسلمينالمسلمين, كزكاة المال ولا خلاف في أن زكاة المال لا يجوز دفعها إلى غير المسلمين قال ابن المنذرالمنذر: أجمع أهل العلم على أن لا يجزئ أن يعطي من زكاة المال أحد من أهل الذمةالذمة.
فصل:
فصل:
ويجوز أن يعطي من أقاربه من يجوز أن يعطيه من زكاة ماله ولا يعطي منها غنياغنيا, ولا ذا قربى ولا أحدا ممن منع أخذ زكاة المال ويجوز صرفها في الأصناف الثمانية لأنها صدقة فأشبهت صدقة المالالمال.
فصلفصل: جواز أخذ الصدقة ممن له نصاب من الماشية والزرع وردها عليه إذا لم يكن له قدر كفايته
وإن دفعها إلى مستحقها فأخرجها آخذها إلى دافعهادافعها, أو جمعت الصدقة عند الإمام ففرقها على أهل السهمان فعادت إلى إنسان صدقتهصدقته, فاختار القاضي جواز ذلك قالقال: لأن أحمد قد نص في من له نصاب من الماشية والزرع أن الصدقة تؤخذ منهمنه, وترد عليه إذا لم يكن له قدر كفايته وهو مذهب الشافعي ولأن قبض الإمام أو المستحق أزال ملك المخرجالمخرج, وعادت إليه بسبب آخر فجاز كما لو عادت بميراث وقال أبو بكربكر: مذهب أحمد أنه لا يحل له أخذها لأنها طهرة له فلم يجز له أخذها كشرائها (ولأنولأن عمر ـ رضي الله عنه ـ أراد أن يشتري الفرس الذي حمل عليه في سبيل الله فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم- : لا تشترها ولا تعد في صدقتكصدقتك, فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئهقيئه) فأما إن اشتراها لم يجز له ذلك للخبر وإن ورثها فله أخذها لأنها رجعت إليه بغير فعل منهمنه.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ويجوز أن يعطي الواحد ما يلزم الجماعة والجماعة ما يلزم الواحد إعطاء الجماعة ما يلزم الواحد لا نعلم فيه خلافا لأنه صرف صدقته إلى مستحقها فبرئ منها كما لو دفعها إلى واحد وأما إعطاء الواحد صدقة الجماعة فإن الشافعي ومن وافقهوافقه, أوجبوا تفرقة الصدقة على ستة أصناف ودفع حصة كل صنف إلى ثلاثة منهم على ما ذكرناه قبل هذا وقد ذكرنا الدليل عليهعليه, ولأنها صدقة لغير معين فجاز صرفها إلى واحد كالتطوع وبهذا قال مالك وأبو ثورثور, وابن المنذر وأصحاب الرأيالرأي.
مسألة:
مسألة:
قالقال: ومن أخرج عن الجنين فحسن وكان عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ يخرج عن الجنين المذهب أن الفطرة غير واجبة على الجنين وهو قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذرالمنذر: كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار لا يوجبون على الرجل زكاة الفطر عن الجنين في بطن أمه وعن أحمدأحمد, رواية أخرى أنها تجب عليه لأنه آدمي تصح الوصية له وبه ويرث فيدخل في عموم الأخبارالأخبار, ويقاس على المولود ولنا أنه جنين فلم تتعلق الزكاة به كأجنة البهائم ولأنه لم تثبت له أحكام الدنيا إلا في الإرث والوصية بشرط أن يخرج حيا إذا ثبت هذا فإنه يستحب إخراجها عنه لأن عثمان كان يخرجها عنهعنه, ولأنها صدقة عمن لا تجب عليه فكانت مستحبة كسائر صدقات التطوع
مسألة:
مسألة:
قالقال: ومن كان في يده ما يخرجه عن صدقة الفطر وعليه دين مثلهمثله, لزمه أن يخرج إلا أن يكون مطالبا بالدين فعليه قضاء الدين ولا زكاة عليه إنما لم يمنع الدين الفطرة لأنها آكد وجوبا بدليل وجوبها على الفقيرالفقير, وشمولها لكل مسلم قدر على إخراجها ووجوب تحملها عمن وجبت نفقته على غيره ولا تتعلق بقدر من المال فجرت مجرى النفقة ولأن زكاة المال تجب بالملكبالملك, والدين يؤثر في الملك فأثر فيها وهذه تجب على البدنالبدن, والدين لا يؤثر فيه وتسقط الفطرة عند المطالبة بالدين لوجوب أدائه عند المطالبةالمطالبة, وتأكده بكونه حق آدمي معين لا يسقط بالإعسار وكونه أسبق سببا وأقدم وجوبا يأثم بتأخيره فإنه يسقط غير الفطرةالفطرة, وإن لم يطالب به لأن تأثير المطالبة إنما هو في إلزام الأداء وتحريم التأخيرالتأخير.
فصل:
فصل:
وإن مات من وجبت عليه الفطرة قبل أدائها أخرجت من تركته فإن كان عليه دين وله مال يفي بهما قضيا جميعاجميعا, وإن لم يف بهما قسم بين الدين والصدقة بالحصص نص عليه أحمد في زكاة المال أن التركة تقسم بينهمابينهما, وكذا ها هنا فإن كان عليه زكاة مال وصدقة فطر ودين فزكاة الفطر والمال كالشيء الواحد لاتحاد مصرفهما فيحاصان الدينالدين, وأصل هذا أن حق الله سبحانه وحق الآدمي إذا تعلقا بمحل واحدواحد, فكانا في الذمة أو كانا في العين تساويا في الاستيفاء
فصل:
فصل:
وإذا مات المفلسالمفلس, وله عبيد فهل شوال قبل قسمتهم بين الغرماء ففطرتهم على الورثة لأن الدين لا يمنع نقل التركةالتركة, بل غايته أن يكون رهنا بالدين وفطرة الرهن على مالكهمالكه.
فصول في صدقة التطوعالتطوع:
فصل:
فصل:
وهي مستحبة في جميع الأوقات لقوله تعالىتعالى: {منمن ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرةكثيرة} [البقرةالبقرة: 245245]. وأمر بالصدقة في آيات كثيرة وحث عليها ورغب فيها وروى أبو صالحصالح, عن أبي هريرة قالقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- (منمن تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا الطيب فإن الله تعالى يقبلها بيمينهبيمينه, ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبلالجبل) متفق عليه وصدقة السر أفضل من صدقة العلانية لقول الله تعالىتعالى: {إنإن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكملكم, ويكفر عنكم من سيئاتكمسيئاتكم} [البقرةالبقرة: 271271]. وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قالقال: (سبعةسبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم رجلا تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينهيمينه) متفق عليه وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- : (أنأن صدقة السر تطفئ غضب الربالرب) ويستحب الإكثار منها في أوقات الحاجاتالحاجات, لقول الله تعالىتعالى: {أوأو إطعام في يوم ذي مسغبةمسغبة} [البلدالبلد: 1414]. وفي شهر رمضان لأن الحسنات تضاعف فيه ولأن فيه إعانة على أداء الصوم المفروض ومن فطر صائما كان له مثل أجره وتستحب الصدقة على ذي القرابة لقول الله تعالىتعالى: {يتيمايتيما ذا مقربةمقربة} [البلدالبلد: 1515]. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : (الصدقةالصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم اثنتاناثنتان, صدقة وصلةوصلة) وهذا حديث حسن (وسألتوسألت زينب امرأة عبد الله بن مسعود رسول الله - صلى الله عليه وسلم- هل ينفعها أن تضع صدقتها في زوجها وبني أخ لها يتامى؟يتامى؟ قالقال: نعم لها أجران أجر القرابة وأجر الصدقةالصدقة) رواه النسائي وتستحب الصدقة على من اشتدت حاجتهحاجته, لقول الله تعالىتعالى: {أوأو مسكينًا ذا متربةمتربة} [البلدالبلد: 1616].
فصل:
فصل:
والأولى أن يتصدق من الفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه على الدوام لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (خيرخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعولتعول) متفق عليهعليه, فإن تصدق بما ينقص عن كفاية من تلزمه مؤنته ولا كسب له أثم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (كفىكفى بالمرء إثما أن يضيع من يمونيمون) ولأن نفقة من يمونه واجبةواجبة, والتطوع نافلة وتقديم النفل على الفرض غير جائز فإن كان الرجل وحده أو كان لمن يمون كفايتهم فأراد الصدقة بجميع ماله وكان ذا مكسبمكسب, أو كان واثقا من نفسه يحسن التوكل والصبر على الفقر والتعفف عن المسألةالمسألة, فحسن لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- (سئلسئل عن أفضل الصدقة فقالفقال: جهد من مقل إلى فقير في السرالسر) وروي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ قالقال: (أمرناأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن نتصدق فوافق ذلك مالا عنديعندي, فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما فجئته بنصف مالي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ما أبقيت لأهلك؟لأهلك؟ قلتقلت: أبقيت لهم مثلهمثله, فأتاه أبو بكر بكل ما عنده فقال لهله: ما أبقيت لأهلك؟لأهلك؟ قالقال: الله ورسوله فقلتفقلت: لا أسابقك إلى شيء بعده أبداأبدا) فهذا كان فضيلة في حق أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ لقوة يقينه وكمال إيمانهإيمانه, وكان أيضا تاجرا ذا مكسب فإنه قال حين وليولي: قد علم الناس أن كسبي لم يكن ليعجز عن مؤنة عيالي أو كما قال ـ رضي الله عنه ـ وإن لم يوجد في المتصدق أحد هذين كره لما روى أبو داود عن جابر بن عبد الله قالقال: (كناكنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذ جاء رجل بمثل بيضة من ذهبذهب, فقال يا رسول الله أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثم أتاه من قبل ركنه الأيمن فقال مثل ذلكذلك, فأعرض عنه ثم أتاه من قبل ركنه الأيسر فقال مثل ذلكذلك, فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثم أتاه من خلفه فأخذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فحذفه بها فلو أصابته لأوجعته أو لعقرتهلعقرته, وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : يأتي أحدكم بما يملك ويقولويقول: هذه صدقة ثم يقعد يستكف الناس خير الصدقة ما كان عن ظهر غنىغنى) فقد نبه النبي - صلى الله عليه وسلم- على المعنى الذي كره من أجله الصدقة بجميع ماله وهو أن يستكف الناسالناس, أي يتعرض لهم للصدقة أي يأخذها ببطن كفه يقاليقال: تكفف واستكف إذا فعل ذلك وروى النسائي (أنأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أعطى رجلا ثوبين من الصدقة ثم حث على الصدقةالصدقة, فطرح الرجل أحد ثوبيه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : ألم تروا إلى هذا دخل بهيئة بذة فأعطيته ثوبينثوبين, ثم قلتقلت: تصدقوا فطرح أحد ثوبيه خذ ثوبك وانتهرهوانتهره) ولأن الإنسان إذا أخرج جميع ماله لا يأمن فتنة الفقر وشدة نزاع النفس إلى ما خرج منه فيندمفيندم, فيذهب ماله ويبطل أجره ويصير كلا على الناس ويكره لمن لا صبر له على الإضافة أن ينقص نفسه من الكفاية التامة والله أعلمأعلم.
[[تصنيف:المغني]]
|