الفرق بين المراجعتين لصفحة: «أسد الغابة في معرفة الصحابة/المقدمة»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
ط تنسيق؛ حذف تصنيف
 
سطر 1:
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والحمد لله المنزه عن أن يكون له نظراء وأشباه، المقدس فلا تقرب الحوادث حماه، الذي اختار الإسلام ديناً، وارتضاه، فأرسل به محمد -صلى الله عليه وسلم{{ص}}-، واصطفاه، وجعل له أصحاباً فاختار كلاً منهم لصحبته واجتباه، وجعلهم كالنجوم بأيهم اقتدى الإنسان اهتدى إلى الحق واقتفاه، فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة توجب لهم رضاه، أحمده على نعمه كلها حمداً يقتضي الزيادة من نعمه، ويجزل لنا النصيب من قسمه.
 
أما بعد، فلا علم أشرف من علم الشريعة فإنه يحصل به شرف الدنيا والآخرة، فمن تحلى به فقد فاز بالصفقة الرابحة، والمنزلة الرفيعة الفاخرة، ومن عري منه فقد حظي بالكرة الخاسرة.
 
والأصل في هذا العلم كتب الله، عز وجل، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}-، فأما الكتاب العزيز فهو متواتر مجمع عليه غير محتاج إلى ذكر أحوال ناقليه، وأما سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- فهي التي تحتاج إلى شرح أحوال رواتها وأخبارهم.
 
وأول رواتها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- ولم يضبطوا ولا حفظوا في عصرهم كما فعل بمن بعدهم من علماء التابعين وغيرهم إلى زماننا هذا؛ لأنهم كانوا مقبلين على نصرة الدين وجهاد الكافرين إذ كان المهم الأعظم؛ فإن الإسلام كان ضعيفاً وأهله قليلون، فكان أحدهم يشغله جهاده ومجاهدة نفسه في عبادته عن النظر في معيشته والتفرغ لمهم، ولم يكن فيهم أيضاً من يعرف الخط إلا النفر اليسير، ولو حفظوا ذلك الزمان لكانوا أضعاف من ذكره العلماء، ولهذا اختلف العلماء في كثير منهم؛ فمنهم من جعله بعض العلماء من الصحابة، ومنهم من لم يجعله فيهم، ومعرفتهم أمورهم وأحوالهم وأنسابهم وسيرتهم مهم في الدين.
 
ولا خفاء على من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أن من تبوأ الدار والإيمان من المهاجرين والأنصار السابقين إلى الإسلام والتابعين لهم بإحسان الذين شهدوا الرسول -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- وسمعوا كلامه وشاهدوا أحواله ونقلوا ذلك إلى من بعدهم من الرجال والنساء من الأحرار والعبيد والإماء أولى بالضبط والحفظ، وهم الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون بتزكية الله، سبحانه وتعالى لهم وثنائه عليهم، ولأن السنن التي عليها مدار تفصيل الأحكام ومعرفة الحلال والحرام إلى غير ذلك من أمور الدين، إنما ثبتت بعد معرفة رجال أسانيدها ورواتها، وأولهم والمقدر عليهم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}-؛ فإذا جهلهم الإنسان كان بغيرهم أشد جهلاً، وأعظم إنكاراً، فينبغي أن يعرفوا بأنسابهم وأحوالهم هم وغيرهم من الرواة، حتى يصح العمل بما رواه الثقات منهم، وتقوم به الحجة؛ فإن المجهول لا تصح روايته، ولا ينبغي العمل بما رواه، والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلا في الجرح والتعديل؛ فإنهم كلهم عدول لا يتطرق إليهم الجرح؛ لأن الله -عز وجل- ورسوله زكياهم وعدلاهم، وذلك مشهور لا نحتاج لذكره، ويجيء كثير منه في كتابنا هذا، فلا نطول به هنا.
 
وقد جمع الناس في أسمائهم كتباً كثيرة، ومنهم من ذكر كثيراً من أسمائهم في كتب الأنساب والمغازي وغير ذلك، واختلفت مقاصدهم فيها، إلا أن الذي انتهى إليه جمع أسمائهم الحافظان أبو عبد الله بن منده وأبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهانيان، والإمام أبو عمر بن عبد البر القرطبي -رضي الله عنهم، وأجزل ثوابهم، وحمد سعيهم، وعظم أجرهم وأكرم مآبهم- فلقد أحسنوا فيما جمعوا، وبذلوا جهدهم وأبقوا بعدهم ذكراً جميلاً؛ فالله تعالى يثيبهم أجراً جزيلاً؛ فإنهم جمعوا ما تفرق منه.
سطر 33:
وقد ذكر ابن منده، وأبو نعيم، وأبو موسى في آخر الرجال والنساء جماعة من الصحابة والصحابيات لم تعرف أسماؤهم؛ فنسبوهم إلى آبائهم؛ فقالوا: ابن فلان، وإلى قبائلهم وإلى أبنائهم، وقالوا: فلان عن عمه، وفلان عن جده وعن خاله، وروى فلان عن رجل من الصحابة؛ فرتبتهم أولاً بأن ابتدأت بابن فلان، ثم بمن روى عن أبيه؛ لأن ما بعد الباء في ابن نون، وما بعدها في أبيه ياء، ثم بمن روى عن جده، ثم عن خاله، ثم عن عمه؛ لأن الجيم قبل الخاء، وهما قبل العين، ثم بمن نسب إلى قبيلة، ثم بمن روى عن رجل من الصحابة؛ ثم رتبت هؤلاء أيضاً ترتيباً ثانياً؛ فجعلت من روى عن ابن فلان مرتبين على الآباء، مثاله: ابن الأدرع أقدمه على ابن الأسقع، وأقدمهما على ابن ثعلبة، وأرتب من روى عن أبيه على أسماء الآباء، مثاله: إبراهيم عن أبيه أجعله قبل الأسود عن أبيه، وجعلت من روى عن جده على أسماء الأحفاء، مثال: أقدم جد الصلت على جد طلحة وجعلت من روى عن خاله على أسماء أولاد الأخوات، مثاله: أقدم خال البراء على خال الحارث، ومن روى عن عمه جعلتهم على أسماء أولاد الإخوة، مثاله: عم أنس مقدم على عم جبر، ومن نسب إلى قبيلته ولم يعرف اسمه جعلتهم مرتبين على أسماء القبائل؛ فإنني أقدم الأزدي على الخثعمي.
 
وقد ذكروا أيضاً جماعة لم يعرفوا إلا بصحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- فرتبتهم على أسماء الراوين عنهم، مثاله: أنس بن مالك عن رجل من الصحابة أقدمه على ثابت بن السمط عن رجل من الصحابة، وإن عرفت في هذا جميعه اسم الصحابي ذكرت اسمه؛ ليعرف ويطلب من موضعه.
 
ورأيت جماعة من المحدثين إذا وضعوا كتابا على الحروف يجعلون الاسم الذي أوله "لا"، مثل: لاحق ولا شر في باب مفرد عن حرف اللام، وجعلوه قبل الياء، فجعلتها أنا من حرف الله في باب اللام مع الألف فهو أصح وأجود، وكذلك أفعل في النساء سواء.
سطر 45:
وأشرح الألفاظ الغريبة التي ترد في حديث بعض المذكورين في آخر ترجمته.
 
وأذكر في الكتاب فصلاً يتضمن ذكر الحوادث المشهورة للنبي -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- وأصحابه، كالهجرة إلى الحبشة، وإلى المدينة، وبيعة العقبة، وكل حادثة قتل فيها أحد من الصحابة؛ فإن الحاجة تدعو إلى ذلك؛ لأنه يقال: أسلم فلان قبل دخول رسول الله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- دار الأرقم، أو وهو فيها، وهاجر فلان إلى الحبشة، وإلى المدينة، وشهد بدراً، وشهد بيعة العقبة، وبيعة الرضوان، وقتل فلان في غزوة، كذا أذكر ذلك مختصراً؛ فليس كل الناس يعرفون ذلك ففيه زيادة كشف.
 
وأذكر أيضاً فصلاً أضمنه أسانيد الكتب التي كثر تخريدي منها؛ لئلا أكرر الأسانيد في الأحاديث طلباً للاختصار.
 
وقد ذكر بعض مصنفي معارف الصحابة جماعة ممن كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} ولم يره، ولم يصحبه ساعة من نهار، كالأحنف بن قيس وغيره، ولا شبهة في أن الأحنف كان رجلاً في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- ولم يره؛ ودليل أنه كان رجلاً في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- قدومه على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في وفد أهل البصرة، وهو رجل من أعيانهم، والقصة مشهورة إلا أنه لم يفد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- ولم يصحبه، فلا أعلم لم ذكروه وغيره ممن هذه حاله? فإن كانوا ذكروهم لأنهم كانوا موجودين على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- مسلمين فكان ينبغي أن يذكرو كل من أسلم في حياته ووصل إليهم اسمه، لأن الوفود في سنة تسع وسنة عشر قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- من سائر العرب بإسلام قومهم؛ فكان ينبغي أن يذكروا الجميع قياساً على من ذكروه.
 
وأذكر فيه في فصل جميع ما في هذا الكتاب من الأنساب، وجعلتها على حروف المعجم، ولم أذكر من الأنساب إلا ما في هذا الكتاب، لئلا يطول ذلك، وإنما فعلت ذلك؛ لأن بعض من وقف عليه من أهل العلم والمعرفة أشار به ففعلته، وليكون هذا الكتاب أيضاً جامعاً لما يحتاج إليه الناظر فيه غير مفتقر إلى غيره. وما يشاهده الناظر في كتابي هذا من خطأ ووهم فليعلم أني لم أقله من نفسي، وإنما نقلته من كلام العلماء وأهل الحفظ والإتقان، ويكون الخطأ يسيراً إلى ما فيه من الفوائد والصواب، ومن الله سبحانه استمد الصواب في القول والعمل، فرحم الله امرأ أصلح فاسده، ودعا لي بالمغفرة والعفو عن السيئات، وأن يحسن منقلبنا إلى دار السلام عند مجاورة الأموات والسلام.
سطر 73:
أخبرنا بجميع "الجامع الصحيح" تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، -رضي الله عنه- أبو عبد الله محمد بن محمد بن سرايا بن علي، وأبو الفرج محمد بن عبد الرحمن بن أبي العز الواسطي، وأبو بكر مسمار بن عمر بن العويس النيار البغدادي، وأبو عبد الله الحسين بن أبي صالح بن فناخسرو الديلمي التكريتي الضرير، قالوا: أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي، قال: أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد الحموي السرخسي، قال: أخبرنا محمد بن يوسف الفربري، أخبرنا محمد بن إسماعيل.
 
فإذا قلت: أخبرنا أحد هؤلاء أو كلهم بإسنادهم عن البخاري، وذكرت إسناده إلى النبي -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- فهو بهذا الإسناد.
 
صحيح مسلم بن الحجاج
سطر 147:
فصل نذكر فيه من يطلق عليه اسم الصحبة
 
قال الإمام أبو بكر أحمد بن علي الحافظ بإسناده عن سعيد بن المسيب أنه قال: الصحابة لا نعدهم إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين.
 
قال الواقدي: ورأينا أهل العلم يقولون: كل من رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- وقد أدرك الحلم فأسلم، وعقل أمر الدين ورضيه، فهو عندنا ممن صحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- ولو ساعة من نهار، ولكن أصحابه على طبقاتهم وتقدمهم في الإسلام.
 
وقال أحمد بن حنبل: أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- كل من صحبه شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه.
 
وقال محمد بن إسماعيل البخاري: من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه.
 
وقال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب: لا خلاف بين أهل اللغة في أن الصحابي مشتق من الصحبة وأنه ليس مشتقاً على قدر مخصوص منها؛ بل هو جار على كل من صحب قليلاً كان أو كثيراً، وكذلك جميع الأسماء المشتقة من الأفعال ولذلك يقال: صحبت فلاناً حولاً وشهراً ويوماً وساعة، فيوقع اسم الصحبة لقليل ما يقع عليه منها وكثيره، قال: ومع هذا فقد تقرر للأمة عرف، أنهم لا يستعملون هذه التسمية إلا فيمن كثرت صحبته، ولا يجيزون ذلك إلا فيمن كثرت صحبته، لا على من لقيه ساعة أو مشى معه خطاً، أو سمع منه حديثاً؛ فوجب لذلك أن لا يجري هذا الاسم إلا على من هذه حاله، ومع هذا فإن خبر الثقة الأمين عنه مقبول ومعمول به، وإن لم تطل صحبته ولا سمع منه إلا حديثاً واحداً، ولو رد قوله أنه صحابي لرد خبره عن الرسول.
سطر 159:
وقال الإمام أبو حامد الغزالي: لا يطلق اسم الصحبة إلا على من صحبه، ثم يكفي في الاسم من حيث الوضع الصحبة ولو ساعة، ولكن العرف يخصصه بمن كثرت صحبته.
 
قلت: وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- على ما شرطوه كثيرون؛ فإن رسول الله شهد حنيناً ومعه اثنا عشر ألفاً سوى الأتباع والنساء، وجاء إليه هوازن مسلمين فاستنفذوا حريمهم وأولادهم، وترك مكة مملوءة ناساً، وكذلك المدينة أيضاً، وكل من اجتاز به من قبائل العرب كانوا مسلمين؛ فهؤلاء كلهم صحبة، وقد شهد معه تبوك من الخلق الكثير ما لا يحصيهم ديوان، وكذلك حجة الوداع، وكلهم له صحبة، ولم يذكروا إلا هذا القدر، مع أن كثيراً منهم ليست له صحبة، وقد ذكر الشخص الواحد في عدة تراجم، ولكنهم معذورون، فإن من لم يرو ولا يأتي ذكره في رواية كيف السبيل إلى معرفته!.
 
وهذا حين فراغنا من الفصول المقدمة على الكتاب، ثم نخوض غمرته فنقول: نبدأ بذكر سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- تبركاً باسمه، وتشريفاً للكتاب بذكره المبارك، ولأن معرفة المصحوب ينبغي أن تقدم على معرفة الصاحب، وإن كان أظهر من أن يعرف.
 
لقد ظهرت فما تخفى على أحد إلا على أحد لا يعرف القمرا
سطر 169:
محمد رسول الله
 
{{ص}}
صلى الله عليه وسلم
 
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو القاسم، سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم{{ص}}.
 
فأما ما بعد عدنان من آبائه إلى إسماعيل بن إبراهيم الخليل -صلى الله عليهما وسلم- ففيه اختلاف كثير في العدد والأسماء، لا ينضبط ولا يحصل منه غرض فتركناه لذلك، ومضر وربيعة هم صريح ولد إسماعيل باتفاق جميع أهل النسب، وما سوى ذلك فقد اختلفوا فيه اختلافاً كثيراً، وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة القرشية الزهرية، تجتمع هي وعبد الله في كلاب.
 
خرج عبد المطلب بابنه عبد الله إلى وهب بن عبد مناف، فزوجه ابنته آمنة، وقيل كانت آمنة في حجر عمها وهيب بن عبد مناف، فأتاه عبد المطلب، فخطب إليه ابنته هالة بنت وهيب لنفسه، وخطب على ابنه عبد الله ابنة أخيه آمنة بنت وهب، فتزوجا في مجلس واحد فولدت هالة لعبد المطلب حمزة.
 
أخبرنا عبيد الله بن أحمد بن علي بن جعفر بإسناده عن يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: وكانت آمنة بنت وهب تحدث أنها أتيت حين حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فقيل لها: إنك حملت بسيد هذه الأمة فسميه محمداً.. فلما وضعته أرسلت إلى جده عبد المطلب تقول: قد ولد لك الليلة ولد فانظر إليه، فلما جاءها أخبرته بالذي رأت.
 
وكان أبوه عبد الله قد توفي وأمه حامل به، وقيل: توفي وللنبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} ثمانية وعشرون شهراً وقيل: كان له سبعة أشهر، والأول أثبت، وكانت وفاته بالمدينة عند أخواله بني عدي بن النجار، وكان أبوه عبد المطلب بعثه إلى المدينة يمتار تمراً، فمات، وقيل: بل أرسله إلى الشام في تجاره فعاد من غزة مريضاً فتوفي بالمدينة، وكان عمره خمساً وعشرين سنة ويقال: كان عمره ثمانياً وعشرين سنة.
 
وإنما قيل لبني عدي أخواله لأن أم عبد المطلب سلمى بنت زيد، وقيل بنت عمرو بن زيد، من بني عدي بن النجار.
سطر 187:
وكان عبد الله والزبير وأبو طالب إخوة لأب وأم؛ أمهم فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم.
 
وورث النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} من أبيه أم أيمن وخمسة أجمال وقطيع غنم، وسيفاً مأثوراً وورقاً، وكانت أم أيمن تحضنه.
 
قال: أخبرنا ابن إسحاق قال: حدثني المطلب بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن جده قيس بن مخرمة قال: ولدت أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- عام الفيل كنالدتين قيل: وكان مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} يوم الاثنين لعشر ليال خلون من ربيع الأول، ويقال لليلتين خلتا منه، وقيل لثمان خلون منه عام الفيل، وذلك لأربعين سنة مضت من ملك كسرى أنوشروان بن قباذ، وكان ملك أنوشروان سبعاً وأربعين سنة وثمانية أشهر.
 
ولما ولد ختنه جده عبد المطلب في اليوم السابع، وقيل: ولد مختوناً مسروراً، وقد استقصينا ذكر آبائه وأسمائهم وأحوالهم في الكامل في التاريخ فلا نطول بذكره هنا؛ فإننا نقصد ذكر الجمل لا التفصيل.
 
ولما ولد رسول الله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- التمسوا له الرضعاء، فاسترضع له امرأة من بني سعد بن بكر بن هوازن بن منصور، يقال لها: حليمة بنت أبي ذؤيب واسمه الحارث، فليطلب خبرها من ترجمتها، ومن ترجمة أخته من الرضاعة: الشيماء، فقد ذكرناهما.
 
قال ابن إسحاق: قالت حليمة: "فلم نزل يرينا الله البركة ونتعرفها تعني برسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} حتى بلغ سنتين، فقد منا به على أمه ونحن أضن شيء به مما رأينا فيه من البركة؛ فلما رأته قلنا لها: دعينا نرجع به هذه السنة الأخرى فإنا نخشى عليه وباء مكة، فسرحته معنا، فأقمنا به شهرين أو ثلاثة؛ فبينا هو خلف بيوتنا مع أخ له إذ جاء أخوه يشتد، فقال: أخي القرشي قد جاء رجلان فأضجعاه وشقا بطنه، فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه، فنجده قائماً ممتقعاً لونه، فاعتنقه أبوه وقال: أي بني، ما شأنك? فقال: جاءني رجلان عليهما ثياب بياض فشقا بطني فاستخرجا منه شيئاً ثم رداه فقال أبوه: لقد خشيت أن يكون قد أصيب، فلنرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوف، قالت: فاحتملناه؛ فقالت أمه: ما ردكما به فقد كنتما عليه حريصين? فقلنا: إن الله قد أدى عنا وقضينا الذي علينا، وإنا نخشى عليه الأحداث، فقالت: أصدقاني شأنكما، فأخبرناها خبره، فقالت: أخشيتما عليه الشيطان? كلا، والله، إني رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاءت له قصور الشام، فدعاه عنكما".
 
وأرضعته أيضاً ثويبة مولاة أبي لهب أياماً قبل حليمة بلبن ابن لها يقال له مسروح، وأرضعت قبله حمزة عمه، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد، ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} كان يبعث إلى ثويبة بصلة وكسوة حتى توفيت منصرفه من خيبر سنة سبع، فسأل عن ابنها مسروح فقيل: توفي قبلها، فقال: هل ترك من قرابة? فقيل: لم يبق له أحد.
 
ذكر وفاة أمه وجده
سطر 203:
وكفالة عمه أبي طالب له
 
والإسناد عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: قدمت آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} برسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} على أخواله بني عدي بن النجار المدينة، ثم رجعت فماتت بالأبواء ورسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ابن ست سنين، وقيل: ماتت بمكة ودفنت في شعب أبي دب، والأول أصح.
 
قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} مع جده عبد المطلب قال: فحدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله قال: كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة، وكان لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالاً له، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} يأتي حتى يجلس عليه، فيذهب أعمامه يؤخرونه، فيقول عبد المطلب: دعوا ابني، ويمسح على ظهره، ويقول: أن لابني هذا لشأناً، فتوفي عبد المطلب، والنبي ابن ثمان سنين، وكان قد كف بصره قبل موته.
 
وكان عبد المطلب أول من خضب بالوسمة، ولما حضره الموت جمع بنيه وأوصالهم برسول الله صلى الله عليه وسلم،{{ص}}، فاقترع الزبير وأبو طالب أيهما يكفل رسول الله صلى الله عليه وسلم،{{ص}}، فأصابت القرعة أبا طالب فأخذه إليه، وقيل: بل اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} على الزبير، وكان ألطف عميه به، وقيل: أوصى عبد المطلب أبا طالب به، وقيل: بل كفله الزبير حتى مات، ثم كفله أبو طالب بعده، وهذا غلط، لأن الزبير شهد حلف الفضول بعد موت عبد المطلب، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} يومئذ نيف وعشرون سنة.
 
وأجمع العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} شخص مع عمه أبي طالب إلى الشام بعد موت عبد المطلب بأقل من خمس سنين؛ فهذا يدل على أن أبا طالب كفله؛ ثم إن أبا طالب سار إلى الشام وأخذ معه رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وكان عمره اثنتي عشرة سنة وقيل: تسع سنين والأول أكثر، فرآه بحيرا الراهب، ورأى علائم النبوة، وكانوا يتوقعون ظهور نبي من قريش، فقال لعمه: ما هذا منك? قال: ابني، قال: لا ينبغي أن يكون أبوه حياً، قال: هو ابن أخي، قال: إني لأحبسه الذي بشر به عيسى؛ فإن زمانه قد قرب فاحتفظ به، فرده إلى مكة.
 
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} شهد مع عمومته حرب الفجار، يوم نخلة، وهو من أعظم أيام الفجار. والفجار حرب كانت بين قريش ومعها كنانة، وبين قيس وقد ذكرناه في الكامل، وهو من أعظم أيام العرب، وكان يناولهم النبل ويحفظ متاعهم، وكان عمره يومئذ نحو عشرين سنة أو ما يقاربها.
 
وقيل: إنه شهد يوم شمطة أيضاً وهو من أعظم أيام الفجار وكانت الهزيمة فيه على قريش وكنانة، قال الزهري: لم يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} هذا اليوم، ولو شهده لم تنهزم قريش، وهذا ليس بشيء؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} قد انهزم أصحابه عنه يوم أحد، وكثر القتل فيهم.
 
ذكر تزوج رسول الله
سطر 219:
خديجة وذكر أولاده
 
قال: وأخبرنا يونس عن ابن إسحاق قال: وكانت خديجة بنت خويلد امرأة ذات شرف ومال، تستأجر له الرجال، أو تضاربهم بشيء تجعله لهم منه، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته، وكرم أخلاقه، بعثت إليه، فعرضت عليه أن يخرج في مالها إلى الشام مع غلام لها يقال له: ميسرة، فقبله منها رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وخرج في مالها إلى الشام، فرآه راهب اسمه نسطور، فأخبر ميسرة أنه نبي هذه الأمة، ثم باع رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} واشترى ما أراد، ثم أقبل قافلاً، فلما قدم مكة على خديجة بمالها باعته فأضعف أو قريباً، وحدثها ميسرة عن قول الراهب، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أني قد رغبت فيك، لقرابتك مني، وشرفك وأمانتك، وحسن خلقك، وصدق حديثك، وعرضه عليه نفسها، فخطبها وتزوجها على اثنتي عشرة أوقية ونش الأوقية وأربعون درهماً. وقد ذكرنا ذلك في ترجمة خديجة -رضي الله عنها-.
 
وولد له من الولد بناته كلهن، وأولاده الذكور كلهم من خديجة إلا إبراهيم؛ فأما البنات فزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة -رضي الله عنهن- وأما الذكور فالقاسم، وبه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} يكنى، والطاهر والطيب وقيل: القاسم والطاهر، وعبد الله وهو الطيب؛ لأنه ولد في الإسلام، وقيل: القاسم وعبد الله وهو الطاهر والطيب، فمات القاسم بمكة وهو أول من مات من ولده، ثم عبد الله قاله الزبير بن بكار. وقد ذكرت في خديجة وفي بناته -رضي الله عنهن- أكثر من هذا.
 
ولما تزوج خديجة كان عمره خمساً وعشرين سنة، وكانت هي ابنة أربعين سنة، وقيل: غير ذلك.
سطر 229:
ووضع رسول الله الحجر الأسود
 
قال ابن إسحاق: كانت الكعبة رضماً فوق القامة، فأرادت قريش أن يهدموها ويرفعوها ويسقفوها، وكانوا يهابون هدمها، فاتفق أن نفراً من قريش سرقوا كنز الكعبة، وكان يكون في جوف الكعبة، وكان البحر قد ألقى سفينة إلى جدة لرجل من الروم، فتحطمت، فأخذوا خشبها فأعدوه لسقفها، فاجتمعت قريش على هدمها، وذلك بعد الفجار بخمس عشرة سنة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} إذ ذاك ابن خمس وثلاثين سنة، فلما أجمعوا على هدمها قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، وهو جد سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب، فتناول حجراً من الكعبة فوثب من يده فرجع إلى موضعه، فقال: يا معشر قريش، لا تدخلن في بنيانها من كسبكم إلا طيباً، ولا تدخلوا فيها مهر بغي، ولا رباً ولا مظلمة.
 
وقيل: إن الوليد بن المغير قال هذا.
 
فهدموها واقتسمت قريش عمارة البيت، فكان الباب لبني عبد مناف وبني زهرة، وكان ما بين الركن الأسود واليماني لبني مخزوم وتيم وقبائل من قريش، وكان ظهرها لسهم وجمح، وكان شق الحجر لبني عبد الدار وبني أسد، وبني عدي بن كعب؛ فبنوا حتى بلغ البناء موضع الركن، فكانت كل قبيلة تريد أن ترفعه حتى تجاذبوا وتخالفوا وأعدوا للقتال، فبقوا أربع ليال أو خمس ليال، فقال أبو أمية المخزومي: يا معشر قريش، اجعلوا بينكم أول من يدخل من باب المسجد، فلما توافقوا على ذلك ورضوا به، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فقالوا: هذا الأمين قد رضينا به، فلما انتهى إليهم أخبروه الخبر، فقال: هلموا ثوباً، فأتوه به، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} الركن فيه بيده، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوا جميعاً، فرفعوه حتى إذا بلغوا به موضعه، وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بيده، ثم بنى عليه.
 
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} يسمى في الجاهلية: الأمين، قبل أن يوحى إليه.
 
وقيل: كان سبب بنائها أن السيل ملأ الوادي، ودخل الكعبة فتصدعت، فبنتها قريش.
 
وقيل: إن الذي أشار بأول من يدخل أبو حذيفة بن المغيرة، وكانت هذه فضيلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} على سائر قريش، ومما قدمه الله قبل المبعث من الكرامة.
 
ذكر المبعث
 
قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم،{{ص}}، وله أربعون سنة، وذلك في ملك أبرويز بن هرمز بن كسرى أنوشروان ملك الفرس.
 
وقال ابن المسيب: بعثه الله، عز وجل، وله ثلاث وأربعون سنة، فأقام بمكة عشراً وبالمدينة عشراً.
سطر 253:
قال أبو عمر: بعثه الله، عز وجل، نبياً يوم الاثنين لثمان من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من عام الفيل.
 
أخبرنا أبو جعفر عبيد الله بن أحمد بإسناده عن يونس عن ابن إسحاق، حدثني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان بن جارية الثقفي -وكان واعية- عن بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} حين أراد الله كرامته وابتدأه بالنبوة؛ فكان لا يمر بحجر ولا شجر إلا سلم عليه وسمع منه، فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} خلفه، وعن يمينه وشماله، فلا يرى إلا الشجر وما حوله من الحجارة، وهي تقول: السلام عليك يا رسول الله.
 
وأخبرنا غير واحد بإسنادهم عن محمد بن إسماعيل، أخبرنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أنها قالت: "أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم؛ كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء؛ فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه -وهو التعبد- الليالي ذوات العدد، حتى جاءه الحق، وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ قال: فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: "اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم" فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} يرجف فؤاده، فدخل على خديجة، وذكر الحديث في ذهابها إلى ورقة بن نوفل.
 
وروي عن جابر بإسناد صحيح: أن أول ما نزل من القرآن "يا أيها المدثر".
 
أخبرنا أبو جعفر بإسناده عن يونس، عن ابن إسحاق قال: فابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بالتنزيل يوم الجمعة في رمضان بقول الله، عز وجل، "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" إلى آخر الآية. وقال تعالى: "وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان" وذلك ملتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} والمشركين يوم بدر صبيحة الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان.
 
وقال يونس عن بشر بن أبي حفص الكندي الدمشقي قال: حدثني مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال لبلال: "لا يغادرنك صيام يوم الاثنين، فإني ولدت يوم الاثنين، وأوحي إلي يوم الاثنين، وهاجرت يوم الاثنين".
 
ثم إن جبريل عليه السلام علم رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} الوضوء، والصلاة ركعتين، فأتى خديجة فأخبرها، فتوضأت وصلت ركعتين معه، وقيل: كانت الصلاة الضحى والعصر.
 
ثم دعا الناس إلى الإسلام، وقد ذكرنا أول من أسلم في أبي بكر، وعلي، وزيد بن حارثة، واستجاب له نفر من الناس سراً حتى كثروا فظهر أمرهم، والوجوه من كفار قريش غير منكرين لما يقول، وكان إذا مر بهم يقولون: "إن محمداً يكلم من السماء" فلم يزالوا كذلك، حتى أظهر عيب آلهتهم، وأخبرهم أن آباءهم ماتوا على الكفر والضلال، وأنهم في النار، فعادوه وأبغضوه، وآذوه، وكان أصحابه إذا صلوا انطلقوا إلى الأودية وصلوا سراً، ولما أظهرت قريش عداوته حدب عليه أبو طالب عمه ونصره ومنعه، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لما خاف كفار قريش، اختفى هو ومن معه في دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي إلى أن أسلم عمر فخرجوا، ووثبت قريش على من فيها من المستضعفين فعذبوهم، وذكرنا ذلك في أسمائهم مثل: بلال، وعمار، وصهيب وغيرهم، ثم إن المسلمين هاجروا إلى الحبشة هجرتين على ما نذكره، إن شاء الله تعالى، وأرادت قريش قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وأن يترك أبو طالب بينهم وبينه، فلم يفعل؛ فكتبوا صحيفة. على أن يقاطعوا بني هاشم وبني المطلب ومن أسلم معهم ولا يناكحوهم ولا يبايعونهم ولا يكلموهم ولا يجلسوا إليهم؛ على ما نذكره، إن شاء الله تعالى.
 
ذكر وفاة خديجة وأبي طالب
سطر 271:
وذهاب رسول الله إلى الطائف وعوده
 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}}: "مازالت قريش كاعة عني حتى مات عمي أبو طالب". وفي السنة العاشرة أول ذي القعدة وقيل: النصف من شوال توفي أبو طالب وكان عمره بضعاً وثمانين سنة، ثم توفيت بعده خديجة بثلاثة أيام، وقيل بشهر، وقيل: كان بينهما شهر وخمسة أيام، وقيل: خمسون يوماً ودفنها رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بالحجون، ولم تكن الصلاة على الجنائز يومئذ، وقيل: إنها ماتت قبل أبي طالب وكان عمرها خمساً وستين سنة، وكان مقامها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بعد ما تزوجها أربعاً وعشرين سنة وستة أشهر، وكان موتها قبل الهجرة بثلاث سنين وثلاثة أشهر ونصف، وقيل: قبل الهجرة بسنة، والله أعلم.
 
قال عروة: ما ماتت خديجة إلا بعد الإسراء، وبعد أن صلت الفريضة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،{{ص}}، ولما اشتد بأبي طالب مرضه دعا بني عبد المطلب فقال: إنكم لن تزالوا بخير ما سمعتم قول محمد واتبعتم أمره؛ فاتبعوه وصدقوه ترشدوا.
 
أخبرنا عبيد الله بن أحمد بإسناده عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: ثم إن خديجة وأبا طالب ماتا في عام واحد؛ فتتابعت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- المصائب، وكانت خديجة وزير صدق على الإسلام، وكان يسكن إليها، ولم يتزوج عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- حتى ماتت.
 
ولما توفيا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} إلى الطائف لثلاث بقين من شوال سنة عشر من المبعث، ومعه مولاه زيد بن حارثة، يدعوهم إلى الإسلام؛ فآذته ثقيف وسمع منهم ما يكره، وأغروا به سفاءهم وذكرنا القصة في عداس وغيره، ولما عاد من الطائف أرسل إلى المطعم بن عدي يطلب منه أن يجيره، فأجاره فدخل المسجد معه، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- يشكرها له، وكان دخوله من الطائف لثلاث وعشرين ليلة خلت من ذي القعدة.
 
ذكر الإسراء
 
أسري برسول الله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وقد اختلفوا في المكان الذي أسري به منه فقيل: المسجد. وقيل: كان في بيته، وقيل: كان في بيت أم هانئ ومن قال هذين قال: المدينة كلها مسجد.
 
واختلفوا في الوقت الذي أسري به، فروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه أسري به ليلة سبع من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة، وقال ابن عباس وأنس: أسري به قبل الهجرة بسنة. وقال السدي: قبل الهجرة بستة أشهر. وقال الواقدي: أسري به لسبع عشرة من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً، وقيل: أسري به في رجب.
 
أخبرنا أبو الفرج محمد بن عبد الرحمن بن أبي العز الواسطي، والحسين بن صالح بن فناخسرو التكريتي وغيرهما، قالوا بإسنادهم عن محمد بن إسماعيل قال: حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا همام بن يحيى، حدثنا قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم{{ص}}- حدثهم عن ليلة أسري به قال: "بينما أن في الحطيم- وربما قال في الحجر- مضطجعاً إذ أتاني آت فقد قال، وسمعته يقول: فشق ما بين هذه إلى هذه فقلت للجارود -وهو إلى جنبي- ما يعني? قال من ثغرة نحره إلى شعرته فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيماناً فغسل قلبي، ثم حشي ثم أعيد، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض، فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة? قال: نعم، يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا، فاستفتح قيل: من هذا? قال: جبريل قيل: ومن معك? قال: محمد -قيل: أو قد أرسل إليه? قال: نعم، قيل: مرحباً، فنعم المجيء جاء".
 
وذكر الحديث في صعوده إلى السماء السابعة إلى سدرة المنتهى قال: "فمررت على موسى فقال لي: بم أمرت? قلت: أمرت بخمسين صلاة كل يوم. قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك؛ قد جربت بني إسرائيل قبلك، فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشراً، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشراً، فرجعت إلى موسى فأخبرته، فقال: إن أمتك لا تطيق ذلك. فلم أزل بين ربي وموسى حتى جعلها خمساً، فقال موسى: إن أمتك لا تطيق ذلك فسله التخفيف، قال: قلت قد سألت ربي حتى استحييت، فلما جاوزت نادى مناد: قد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي".
 
قال أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري قالوا: فرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} الصلاة ركعتين ركعتين ثم أتمت صلاة المقيم أربعاً، وبقيت صلاة المسافر على حالها، وذلك قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} إلى المدينة مهاجراً بشهر.
 
الهجرة إلى المدينة
 
لما بايعت الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} على ما نذكره، إن شاء الله تعالى، أمر أصحابه فهاجروا إلى المدينة، وبقي هو وأبو بكر وعلي فخرج هو وأبو بكر مستخفيين من قريش فقصدا غاراً بجبل ثور، فأقاما به ثلاثة، وقيل أكثر من ذلك؛ ثم سارا إلى المدينة ومعهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر، ودليلهم عبد الله بن اريقط، وكان مقامه بمكة عشر سنين، وقيل ثلاث عشرة سنة، وقيل خمس عشرة سنة، والأكثر ثلاث عشرة سنة. وكان قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} إلى المدينة في قول ابن إسحاق يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، وقال الكلبي: خرج من الغار أول ربيع الأول، وقدم المدينة لاثنتي عشرة خلت منه يوم الجمعة، والله تعالى أعلم.
 
ذكر الحوادث بعد الهجرة
 
أخبرنا أبو الفرج بن أبي الرجاء الأصبهاني، أخبرنا الأديب أبو الطيب طلحة بن أبي منصور الحسين بن أبي ذر الصالحاني، أخبرنا جدي أبو ذر محمد بن إبراهيم سبط الصالحاني، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدثنا ابن أبي حاتم، حدثنا الفضل بن شاذان، حدثنا محمد بن عمرو زنيج، حدثنا أبو زهير، حدثنا الحجاج بن أبي عثمان الصواف عن أبي الزبير عن جابر قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} إحدى وعشرين غزوة بنفسه، شهدت منها تسع عشرة غزوة وغبت عن اثنتين.
 
أخبرنا عبيد الله بن أحمد بن علي بإسناده، عن يونس عن ابن إسحاق قال: فجميع ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بنفسه ست وعشرون غزوة.
 
وأول غزوة غزاها "ودان" وهي الأبواء؛ قال ابن إسحاق: وكان آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} حتى قبضه الله تعالى تبوك، وبالإسناد عن ابن إسحاق قال: وكانت سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وبعوثه فيما بين أن قدم المدينة إلى أن قبضه الله خمسة وثلاثين من بعث وسرية.
 
وفي السنة الأولى من الهجرة بعد شهر من مقدمة المدينة، جعلت الصلاة أربع ركعات، وكانت ركعتين.
 
وفيها صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} الجمعة لما ارتحل من قباء إلى المدينة، صلاها في طريقه في بني سالم وهي أول جمعة صليت، وخطبهم وهي أول خطبة في الإسلام.
 
وفيها بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} مسجده ومساكنه ومسجده قباء.
 
وفيها أري عبد الله بن زيد الأذان، فعلمه بلال المؤذن.
 
وفيها آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بين المهاجرين والأنصار، بعد ثمانية أشهر.
 
وفي السنة الثانية كانت غزوة بدر العظمة في شهر رمضان.
 
وفيها، في شعبان، فرض صوم رمضان، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بزكاة الفطر.
 
وفيها، في شعبان، أيضاً صرفت القبلة عن البيت المقدس إلى الكعبة، وقيل في رجب.
سطر 321:
وفيها فرضت زكاة الفطر قبل العيد بيومين.
 
وفيها ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بالمدينة، وخرج بالناس إلى المصلى، وذبح بيده شاتين، وقيل شاة.
 
وفي السنة الثالثة كانت غزوة أحد في شوال، وفيها، وقيل سنة أربع، حرمت الخمر في ربيع الأول.
 
وفي سنة أربع صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع، وقيل: إن فيها قصرت الصلاة.
 
وفيها رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} اليهودي واليهودية والقصة معروفة.
 
وفيها نزلت آية التيمم.
سطر 333:
وفي سنة خمس نزلت آية الحجاب في ذي القعدة.
 
وفيها زلزلت المدينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}}: "إن الله عز وجل يستعتبكم فأعتبوه" وفيها كانت غزوة الخندق.
 
وفي سنة ست قال أهل الإفك ما قالوا في غزوة بني المصطلق.
سطر 339:
وفيها قال عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين: "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل".
 
وفيها كسفت الشمس، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} صلاة الكسوف وهي أول ما صليت.
 
وفيها في ذي القعدة اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} عمرة الحديبية، وبايع بيعة الرضوان تحت الشجرة.
 
وفيها قحط الناس فاستسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فأتاهم المطر ودام، فقال له رجل: يا رسول الله، انقطعت الطرق وتهدمت المنازل؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}}: "اللهم، حوالينا ولا علينا" فانقشع السحاب عن المدينة.
 
وفيها سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بين الرواحل، فسبق قعود لرجل من العرب القصواء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ولم تكن تسبق قبلها، فاشتد ذلك على المسلمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}}: "حق على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلى وضعه".
 
وفيها أيضاً سابق بين الخيل، فسبق فرس لأبي بكر فأخذ السبق؛ وهذان أول مسابقة كانت في الإسلام.
سطر 353:
وفيها كانت غزوة خيبر.
 
وفيها سم صلى الله عليه وسلم،{{ص}}، سمته امرأة اسمها زينب امرأة سلام بن مشكم، أهدت له شاة مسمومة فأكل منها.
 
وفيها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} الرسل إلى الملوك: كسرى وقيصر والنجاشي وملك غسان وهوذة بن علي، واتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} الخاتم وختم به الكتب التي سيرها إلى الملوك.
 
وفيها حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لحوم الحمر الأهلية، ومتعة النساء يوم خيبر.
 
وفي سنة ثمان عمل منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فخطب عليه، وكان يخطب إلى جزع فحن الجذع حتى سمع الناس صوته، فنزل إليه فوضع يده عليه فسكن، وهو أول منبر عمل في الإسلام.
 
وفيها أقاد رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} رجلاً من هذيل برجل من بني ليث، وهو أول قود كان في الإسلام.
 
وفيها فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} مكة، وحصر الطائف، ونصب عليه المنجنيق وهو أول منجنيق نصب في الإسلام.
 
وفي سنة تسع آلى رسول الله من نسائه، وأقسم أن لا يدخل عليهن شهراً، والقصة مشهورة.
 
وفيها هدم رسول الله مسجد الضرار بالمدينة، وكان المنافقون بنوه، وكان هدمه بعد عود رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} من تبوك.
 
وفيها قدمت الوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} من كل النواحي وكانت تسمى سنة الوفود.
 
وفيها لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بين عويمر العجلاني، وبين امرأته في مسجده بعد العصر في شعبان، وكان عويمر قدم من تبوك فوجدها حبلى.
 
وفيها في شوال مات عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ولم يصل بعدها على منافق، لأن الله أنزل "ولا تصل على أحد منهم مات أبداً".
 
وفيها آمر رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أبا بكر على الحج، فحج بالناس، وأمر علي بن أبي طالب أن يقرأ سورة براءة على المشركين وينبذ إليهم عهدهم، وأن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وهي آخر حجة حجها المشركون.
 
وفي سنة عشر نزلت "يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات" وكانوا لا يفعلونه قبل ذلك.
 
وفيها حج رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} حجة الوداع، وقيل: إنه اعتمر معها، ولم يحج رسول الله بعد الهجرة غيرها.
 
ذكر صفته وشيء من أخلاقه
 
{{ص}}
صلى الله عليه وسلم
 
أخبرنا الحسين بن توحن بن أبوية بن النعمان البارودي، وأحمد بن عثمان بن علي، قالا: أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد الواحد بن محمد النيلي الأصفهاني، أخبرنا أبو القاسم أحمد بن منصور الخليلي البلخي، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد الخزاعي، أخبرنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي، حدثنا محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي، حدثني رجل من ولد أبي هالة زوج خديجة، يكنى: أبا عبد الله، عن ابن أبي هالة، عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: سألت خالي هند بن أبي هالة، وكان وصافاً، عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئاً أتعلق به، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فخماً مفخماً، يتلألأ وجهه تلؤلؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعر، إن انفرقت عقيصته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، سهل الخدين، ضليع الفم، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين السرة واللبة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، رحب الراحة، شثن الكفين والقدمين، سائل الأطراف، أو سائن الأطراف، خمصان، الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء إذا زال زال قلعاً يخطو تكفياً، ويمشي هوناً ذريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعاً، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة يسوق أصحابه، يبدر من لقي بالسلام.
 
قال: وحدثنا محمد بن عيسى، وأحمد بن عبدة الضبي، وعلي بن حجر، وأبو جعفر محمد بن الحسين وهو ابن أبي حليمة، المعنى واحد، قالوا حدثنا عيسى بن يونس، عن عمر بن عبد الله مولى غفرة، حدثنا إبراهيم بن محمد من ولد علي بن أبي طالب قال:
 
كان علي رضي الله عنه إذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال: لم يكن بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد، كان ربعة من القوم، لم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط، كان جعداً رجلاً، ولم يكن بالمطهم ولا بالمكلثم كان في وجهه تدوير أبيض مشرب، أدعج العينين أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتد، أجرد ذو مسربة، شئن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلع كأنما ينحط من صبب، إذا التفت التفت معاً، بين كتفيه خاتم النبوة، وهو خاتم النبيين، أجرأ الناس صدراً وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم{{ص}}.
 
أخبرنا يحيى بن محمد بن سعد الأصفهاني، أخبرنا أبو الطيب طلحة بن أبي منصور الحسين بن أبي الصالحاني، أخبرنا جدي أبو ذر محمد بن إبراهيم سبط الصالحاني الواعظ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر أبو الشيخ، حدثنا محمد بن العباس بن أيوب، حدثنا عبيد بن إسماعيل الهباري من كتابه "ح" قال أبو الشيخ: وحدثنا إسحاق بن جميل حدثنا سفيان بن وكيع قالا: حدثنا جميع بن عمر العجلي، حدثني رجل من بني تميم من ولد أبي هالة زوج خديجة عن ابن أبي هالة عن الحسن بن علي قال: سألت خالي عن دخول النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} فقال: كان دخوله لنفسه مأذوناً له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزءاً لله، عز وجل، وجزءاً لأهله وجزءاً لنفسه، ثم يجعل جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة بالخاصة، ولا يدخر عنهم شيئاً.
 
فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل على قدر فضائلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما يصلحهم والأمة عن مسألتهم وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول: "ليبلغ الشاهد الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغي حاجته؛ فإنه من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبت الله قدميه يوم القيامة" لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون رواداً ولا يتفرقون إلا عن ذواق ويخرجون أدلة.
 
قال: فسألته عن مخرجه: كيف كان يصنع فيه? فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} يخزن لسانه إلا فيما يعنيه أو يعنيهم، ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم، من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره ولا خلقه، ويتفقد أصحابه، ويسأل عما في الناس، يحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهيه. معتدل الأمر غير مختلف، لا يميل مخافة أن يغفلوا ويميلوا، لا يقصر عن الحق ولا يتجاوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.
 
فسألته عن مجلسه فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر الله عز وجل، ولا يوطن الأماكن وينهي عن إيطانها وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب أحد من جلسائه أن أحداً أكرم عليه منه؛ من جالسه أو قاومه لحاجة سايره حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم ينصرف إلا بها، أو بميسور من القول، قد وسع الناس خلقه فصار لهم أباً، وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة وصدق، لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تنثى فلتاته، معتدلين يتواصون فيه بالتقوى، متواضعين يوقرون فيه الكبير ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب.
 
قلت: كيف كانت سيرته في جلسائه? قال:
 
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا فاحش ولا عياب ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يؤيس منه ولا يحبب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لا يعينه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحداً ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه، كأنما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته؛ حتى كان أصحابه يستجلبونهم فيقول: إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه، ولا يقبل الثناء إلى من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام.
 
قال: فسألته كيف كان سكوته? فقال: كان سكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} على أربع: على الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكير؛ فأما تقديره ففي تسوية النظر والاستماع من الناس، وأما تفكيره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم والصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه، وجمع له الحذر في أربعة: أخذه بالحسن ليقتدى به، وتركه القبيح ليتناهى عنه، واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته، والقيام فيما هو خير لهم، وفيما جمع لهم خير الدنيا والآخرة.
 
تفسير غريبه
سطر 471:
ذكر جمل من أخلاقه ومعجزاته
 
{{ص}}
صلى الله عليه وسلم
 
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أعبد الناس، قام في الصلاة حتى تفطرت قدماه، وكان أزهد الناس؛ لا يجد في أكثر الأوقات ما يأكل، وكان فراشه محشواً ليفاً، وربما كان كساء من شعر.
 
وكان أحلم الناس يحب العفو والستر ويأمر بهما، وكان أجود الناس؛ قالت عائشة: "كان عند النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} ستة دنانير فأخرج أربعة وبقي ديناران، فامتنع منه النوم، فسألته فأخبرها، فقالت: إذا أصبحت فضعها في مواضعها، فقال: ومن لي بالصبح" وما سئل شيئاً قط فقال: لا.
 
وكان أشجع الناس؛ قال علي: "كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فكان أقربنا إلى العدو".
 
وكان متواضعاً في شرفه وعلو محله؛ كانت الوليدة من ولائد المدينة تأخذ بيده في حاجتها، فلا يفارقها حتى تكون هي التي تنصرف، وما دعاه أحد إلا قال: لبيك.
سطر 483:
وكان طويل الصمت، ضحكه التبسم، وكان يخوض مع أصحابه إذا تحدثوا، فيذكرون الدنيا فيذكرها معهم، ويذكرون الآخرة فيذكرها معهم.
 
ولم يكن فاحشاً ولا يجزي السيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح؛ قالت عائشة: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً أو قطيعة رحم؛ فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما ضرت امرأة قط، ولا ضرب خادماً، ولا ضرب شيئاً قط إلا أن يجاهد.
 
وقال أنس: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} عشر سنين فما سبني قط ولا ضربني ولا انتهرني ولا عبس في وجهي، ولا أمر بأمر فتوانيت فيه فعاتبني، فإن عتب أحداً من أهله قال: دعوه فلو قدر لكان.
 
وكان أشد الناس لطفاً؛ وقالت عائشة رضي الله عنها: "كان يرقع الثوب ويقم البيت، ويخصف النعل، ويطحن عن خادمه إذا أعيا.
سطر 521:
ذكر لباسه وسلاحه ودوابه
 
{{ص}}
صلى الله عليه وسلم
 
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} يسمي كل شيء له، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} عمامة تسمى: السحاب.
 
وكان يلبس تحت العمامة القلانس اللاطية.
سطر 543:
واسم ترسه: الزلوق، ومغفره: ذو السبوع.
 
وكان له أفراس: المرتجز، كان أبيض، وهو الذي اشتراه من الأعرابي وشهد به خزيمة بن ثابت وقيل: هو غير هذا والله أعلم، وذو العقال، والسكب، وهو أدهم، والشحاء، والبحر، وهو كميت، واللحيف، أهداه له ربيعة بن ملاعب الأسنة، والزاز، أهداه له المقوقس، والظرب، أهداه له فروة الجذامى، وقيل: إن فروة أهدى له بغلة، وكان له فرس اسمه: سبحة؛ راهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فجاء سابقاً، فهش لذلك.
 
وكانت له بغلة اسمها دلدل، أخذها علي بعد النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} فكان يركبها، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم محمد ابن الحنفية، فكبرت وعميت، فدخلت مبطحة، فرماها رجل بسهم فقتلها، وبغلة يقال لها: الإيلية، وكانت محذوفة طويلة فكانت تعجبه؛ فقال له علي: نحن نصنع لك مثلها، فإن أباها حمار وأمها فرس فنهاه أن ينزى الحمير على الخيل.
 
وكان له حمار أخضر اسمه: عفير، وقيل: يعفور.
سطر 561:
والمرتجز: لحسن صهيله، والعقال: داء يأخذ الدواب في أرجلها، وتشدد القاف وتخفف.
 
والسكب قيل: هو الفرس الذي اشتراه صلى الله عليه وسلم{{ص}} من الفزاري بعشر أواق، وأول مشاهده عليه يوم أحد، وقيل إن الذي اشتراه من الفزاري المرتجز، ومعنى السكب الواسع الجري وكذلك البحر، وكان لأبي طلحة الأنصاري.
 
والشحاء: إن صح، فهو الواسع الخطو، واللحيف: فعيل بمعنى فاعل، يلحف الأرض بذنبه لطوله، واللزاز: من اللز، كأنه سمي به لتلززه ودموجه.
سطر 581:
وغفير تصغير أعفر كسويد تصغير أسود، والقياس: أعيفر.
 
والعضباء: المشقوقة الأذن، وقيل: المثقوبة؛ قيل: إن العضباء هي الناقة التي اشتراها صلى الله عليه وسلم{{ص}} من أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- وهاجر عليها، وقيل: بل غيرها.
 
والقصواء: المقطوعة الأذن، وقيل: لم يكن بهما ذلك، وإنما سميتا به، وسميت الركوة بالصادر، لأنها يصدر عنها بالري، سميت باسم من هي من سببه.
سطر 587:
ذكر أعمامه وعماته
 
{{ص}}
صلى الله عليه وسلم
 
كان للنبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} من الأعمام عشرة، ومن العمات خمس؛ فالأعمام: الزبير، وأبو طالب واسمه عبد مناف، وعبد الكعبة درج صغيراً، وأم حكيم البيضاء، وهي توءمة عبد الله أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} تزوجها كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، فولدت له أروى أم عثمان، وعامر بن كريز، وعاتكة بنت عبد المطلب، تزوجها أبو أمية بن المغيرة المخزومي، فولدت له زهيراً وعبد الله ابني أبي أميمة، وهما أخوا أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} لأبيها، وبرة بنت عبد المطلب، تزوجها عبد الأسد بن هلال بن عبد الله المخزومي، فولدت له أبا سلمة بن عبد الأسد، ثم خلف عليها أبو رهم بن عبد العزى أخو حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبدود، من بني عامر بن لؤي، فولدت له: أبا سبره، وأميمة بنت عبد المطلب تزوجها عمير بن وهب بن عبد بن قصي فولدت له طليب بن عمير، وأم هؤلاء جميعاً فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، وهم أشقاء عبد الله بن عبد المطلب.
 
وحمزة بن عبد المطلب أسد الله، وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم،{{ص}}، والمقوم، وحجل واسمه المغيرة وصفية تزوجها الحارث بن حرب بن أمية، ثم خلف عليها العوام بن خويلد فولدت له الزبير، والسائب وعبد الكعبة درج. وأمهم هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وهي ابنة عم آمنة بنت وهب بن عبد مناف، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}}.
 
والعباس بن عبد المطلب، وأمه نتيلة بنت جناب بن كليب بن مالك امرأة من النمر بن قاسط، وضرار بن عبد المطلب مات حدثاً قبل الإسلام، وأمه نتيلة أيضاً.
سطر 607:
ذكر زوجاته وسراريه
 
{{ص}}
صلى الله عليه وسلم
 
أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} خديجة، ولم يتزوج عليها حتى ماتت.
 
ثم تزوج بعدها سودة بنت زمعة؛ قال الزهري: تزوجها قبل عائشة، وهو بمكة، وبنى بها بمكة أيضاً، وقال غيره: تزوج عائشة قبلها، وإنما ابتنى بسودة قبل عائشة لصغر عائشة.
سطر 637:
ومنهن الغفارية رأى بها وضحاً ففارقها.
 
ومنهن أم شريك وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم{{ص}}.
 
وأسماء بنت الصلت السلمية، وليلى بنت الخطيم الأنصارية.
سطر 645:
وأما سراريه فمنهن مارية القبطية، وهي أم ابنه إبراهيم، ومنهن ريحانة بنت عمرو القرظية.
 
ذكر وفاته ومبلغ عمره صلى الله عليه وسلم{{ص}} أخبرنا الحسن بن توحن بن النعمان الباوري اليمني، وأحمد بن عثمان قالا: أخبرنا محمد بن عبد الواحد الأصفهاني، أخبرنا أبو القاسم أحمد بن منصور الخليلي البلخي، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي، أخبرنا أبو سعيد الشاشي؛ أخبرنا أبو عيسى محمد بن عيسى، أخبرنا أبو عمار وقتيبة وغيرهما، قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة الهلالي عن الزهري عن أنس قال: "آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} كشفت الستارة يوم الاثنين، فنظرت إلى وجهه كأنه ورقة مصحف والناس خلف أبي بكر، فأشار إلى الناس أن اثبتوا مكانكم، وأبو بكر يؤمهم، وألقى السجف وتوفي آخر ذلك اليوم.
 
قال أبو عمر: ثم بدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} مرضه الذي مات منه يوم الأربعاء، لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة في بيت ميمونة، ثم انتقل حين اشتد مرضه إلى بيت عائشة، رضي الله عنها، وقبض يوم الاثنين ضحى في الوقت الذي دخل فيه المدينة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول ودفن يوم الثلاثاء حين زاغت الشمس، وقيل: بل دفن ليلة الأربعاء.
 
قالت عائشة: ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} حتى سمعنا صوت المساحي، من جوف الليل ليلة الأربعاء، وصلى عليه علي والعباس وأهل بيته، ثم خرجوا، ثم دخل المهاجرون فصلوا عليه صلى الله عليه وسلم،{{ص}}، ثم الأنصار، ثم النساء، ثم العبيد يصلون عليه أرسالا لم يؤمهم أحد.
 
وغسله علي، والفضل بن العباس، والعباس، وصالح مولاه وهو شقران، وأوس بن خولي الأنصاري وفي رواية أسامة بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، وكان علي يلي غسله والعباس والفضل وقثم، وأسامة وصالح يصبون عليه.
سطر 655:
قال علي: "فما كنا نريد أن نرفع منه عضواً لنغسله إلا رفع لنا" ولم ينزعوا عنه ثيابه، وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة، ونزل في قبره علي، والعباس، والفضل، وقثم، وشقران، وأسمة، وأوس بن خولي.
 
وكان قثم آخر الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم؛{{ص}}؛ ذكر ذلك عن علي وابن عباس، وكان المغيرة يدعي أنه ألقى خاتمه في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فنزل ليأخذه فكان آخرهم عهداً رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ولم يصح ذلك، ولم يحضر دفنه فضلاً عن أن يكون آخرهم عهداً به، وسئل علي عن قول المغيرة فقال: كذب، آخرنا عهداً به قثم، وحفروا له لحداً، وألقى شقران تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} قطيفة كان يجلس عليها.
 
وقال أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} يقول: ما قبض الله نبياً إلا دفن حيث يقبض فرفع فراشه، وحفروا تحته، وبنى أبو طلحة في قبره تسع لبنات، وجعل قبره مسطحاً، ورشوا عليه الماء.
 
قال أنس: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} المدينة أضاء منها كل شيء ولما قبض أظلم منها كل شيء.
 
وكان عمره ثلاثاً وستين سنة، وقيل خمساً وستين، وقيل: ستين سنة، والأول أصح.