الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الرد الأقوم على ما في فصوص الحكم»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
Obayd (نقاش | مساهمات)
 
سطر 6:
'''وسئل:'''
 
ما تقول السادة العلماء أئمة الدين وهداة المسلمين رضي الله عنهم أجمعين في الكلام الذي تضمنه كتاب " فصوص الحكم " وما شاكله من الكلام الظاهر في اعتقاد قائله: أن الرب والعبد شيء واحد ليس بينهما فرق وأن ما ثم غير كمن قال في شعره: أنا وهو واحد ما معنا شيء ومثل: أنا من أهوى ومن أهوى أنا ومثل: إذا كنت ليلى وليلى أنا وكقول من قال: لو عرف الناس الحق ما رأوا عابدا ولا معبودا. وحقيقة هذه الأقوال لم تكن في كتاب الله عز وجل ولا في السنة ولا في كلام الخلفاء الراشدين والسلف الصالحين. ويدعي القائل لذلك: أنه يحب الله سبحانه وتعالى والله تعالى يقول: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } والله سبحانه وتعالى ذكر خير خلقه بالعبودية في غير موضع فقال تعالى عن خاتم رسله صلى الله عليه وسلم{{ص}} { فأوحى إلى عبده ما أوحى } وكذلك قال في حق عيسى عليه السلام { إن هو إلا عبد أنعمنا عليه } وقال تعالى: { لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون } - الآية. فالنصارى كفار بقولهم مثل هذا القول في عيسى بمفرده فكيف بمن يعتقد هذا الاعتقاد: تارة في نفسه وتارة في الصور الحسنة: من النسوان والمردان ويقولون: إن هذا الاعتقاد له سر خفي وباطن حق وإنه من الحقائق التي لا يطلع عليها إلا خواص خواص الخلق. فهل في هذه الأقوال سر خفي يجب على من يؤمن بالله واليوم الآخر وكتبه ورسله أن يجتهد على التمسك بها والوصول إلى حقائقها - كما زعم هؤلاء - أم باطنها كظاهرها؟ وهذا الاعتقاد المذكور هو حقيقة الإيمان بالله ورسوله وبما جاء به أم هو الكفر بعينه؟. وهل يجب على المسلم أن يتبع في ذلك قول علماء المسلمين ورثة الأنبياء والمرسلين أم يقف مع قول هؤلاء الضالين المضلين؟ وإن ترك ما أجمع عليه أئمة المسلمين ووافق هؤلاء المذكورين فماذا يكون من أمر الله له يوم الدين؟. أفتونا مأجورين أثابكم الله الكريم.
 
'''فأجاب شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية رحمه الله'''
سطر 56:
فكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمر
 
وهذه الحال تعرض لكثير من السالكين وليست حالا لازمة لكل سالك ولا هي أيضا غاية محمودة بل ثبوت العقل والفهم والعلم مع التوحيد باطنا وظاهرا كحال نبينا صلى الله عليه وسلم{{ص}} وأصحابه أكمل من هذا وأتم.
 
والمعنى الذي يسمونه الفناء ينقسم ثلاثة أقسام:
سطر 66:
والثاني: أن يفنى عن شهود ما سوى الله وهذا الذي يسميه كثير من الصوفية حال الاصطلام والفناء والجمع ونحو ذلك. وهذا فيه فضيلة من جهة إقبال القلب على الله وفيه نقص من جهة عدم شهوده للأمر على ما هو عليه فإنه إذا شهد أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه وأنه المعبود لا إله إلا هو الذي أرسل الرسل وأنزل الكتب وأمر بطاعته وطاعة رسله ونهى عن معصيته ومعصية رسله فشهد حقائق أسمائه وصفاته وأحكامه خلقا وأمرا: كان أتم معرفة وشهودا وإيمانا وتحقيقا من أن يفنى بشهود معنى عن شهود معنى آخر وشهود التفرقة في الجمع والكثرة في الوحدة وهو الشهود الصحيح المطابق. لكن إذا كان قد ورد على الإنسان ما يعجز معه عن شهود هذا وهذا كان معذورا للعجز لا محمودا على النقص والجهل.
 
والثالث: الفناء عن وجود السوى؛ وهو قول الملاحدة أهل الوحدة كصاحب الفصوص وأتباعه الذين يقولون: وجود الخالق هو وجود المخلوق وما ثم غير ولا سوى في نفس الأمر. فهؤلاء قولهم أعظم كفرا من قول اليهود والنصارى وعباد الأصنام. وأيضا فإن ولاية الله: هي موافقته بالمحبة لما يحب والبغض لما يبغض والرضا بما يرضى والسخط بما يسخط والأمر بما يأمر به والنهي عما ينهى عنه والموالاة لأوليائه والمعاداة لأعدائه كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} أنه قال: { يقول الله تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها؛ فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يسعى؛ ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه؛ وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه } فهذا أصح حديث روي في الأولياء. فالملاحدة والاتحادية يحتجون به على قولهم لقوله: " كنت سمعه وبصره ويده ورجله " والحديث حجة عليهم من وجوه كثيرة: -
 
منها قوله: { من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة } فأثبت معاديا محاربا ووليا غير المعادي وأثبت لنفسه سبحانه هذا وهذا. ومنها قوله: { وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه } فأثبت عبدا متقربا إلى ربه وربا افترض عليه فرائض. ومنها قوله: { ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه } فأثبت متقربا ومتقربا إليه ومحبا ومحبوبا غيره. وهذا كله ينقض قولهم: الوجود واحد. ومنها قوله: { فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به } إلى آخره.
سطر 76:
وما البحر إلا الموج لا شيء ** غيره وإن فرقته كثرة المتعدد
 
لكن هؤلاء الضلال من الفلاسفة والمعتزلة ما قالوا: وجود المخلوق هو وجود الخالق وهؤلاء الملاحدة قالوا: هذا هو هذا؛ ولهذا صاروا يقولون بالحلول من وجه لكون الوجود في كل الذوات أو بالعكس وبالاتحاد من وجه لاتحادهما؛ وحقيقة قولهم هي وحدة الوجود. وفي الحديث وجوه أخرى تدل على فساد قولهم. والحديث حق كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} فإن ولي الله لكمال محبته لله وطاعته لله يبقى إدراكه لله وبالله وعمله لله وبالله؛ فما يسمعه مما يحبه الحق أحبه وما يسمعه مما يبغضه الحق أبغضه وما يراه مما يحبه الحق أحبه وما يراه مما يبغضه الحق أبغضه؛ ويبقى في سمعه وبصره من النور ما يميز به بين الحق والباطل؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} في الحديث المتفق على صحته { اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا وعن يميني نورا وعن يساري نورا وفوقي نورا وتحتي نورا وأمامي نورا وخلفي نورا واجعل لي نورا }.
 
فولي الله فيه من الموافقة لله: ما يتحد به المحبوب والمكروه والمأمور والمنهي ونحو ذلك فيبقى محبوب الحق محبوبه ومكروه الحق مكروهه ومأمور الحق مأموره وولي الحق وليه وعدو الحق عدوه؛ بل المخلوق إذا أحب المخلوق محبة تامة حصل بينهما نحو من هذا حتى قد يتألم أحدهما بتألم الآخر ويلتذ بلذته. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} { مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر }
 
ولهذا كان المؤمن يسره ما يسر المؤمنين ويسوءه ما يسوءوهم ومن لم يكن كذلك لم يكن منهم. فهذا الاتحاد الذي بين المؤمنين: ليس هو أن ذات أحدهما هي بعينها ذات الآخر ولا حلت فيه بل هو توافقهما واتحادهما في الإيمان بالله ورسوله وشعب ذلك: مثل محبة الله ورسوله ومحبة ما يحبه الله ورسوله. فإذا كان هذا معقولا بين المؤمنين: فالعبد إذا كان موافقا لربه تعالى فيما يحبه ويبغضه ويأمر به وينهى عنه ونحو ذلك مما يحبه الرب من عبده: كيف تكون ذات أحدهما هي الأخرى أو حالة فيها؟
سطر 88:
وأما سائر العباد: فإن الله خالقهم ومالكهم وربهم وخالق قدرتهم وأفعالهم ثم ما كان من أفعالهم موافقا لمحبته ورضاه: كان محبا لأهله مكرما لهم وما كان منها مما يسخطه ويكرهه: كان مبغضا لأهله مهينا لهم. وأفعال العباد مفعولة مخلوقة لله ليست صفة له ولا فعلا قائما بذاته.
 
وقوله تعالى { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } فمعناه: وما أوصلت إذ حذفت ولكن الله أوصل المرمي؛ فإن { النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} كان قد رمى المشركين بقبضة من تراب وقال: شاهت الوجوه } فأوصلها الله إلى وجوه المشركين وعيونهم؛ وكانت قدرة النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} عاجزة عن إيصالها إليهم والرمي له مبدأ وهو الحذف ومنتهى وهو الوصول؛ فأثبت الله لنبيه المبدأ بقوله: { إذ رميت } ونفى عنه المنتهى وأثبته لنفسه بقوله: { ولكن الله رمى } وإلا فلا يجوز أن يكون المثبت عين المنفي؛ فإن هذا تناقض. والله تعالى - مع أنه هو خالق أفعال العباد - فإنه لا يصف نفسه بصفة من قامت به تلك الأفعال؛ فلا يسمي نفسه مصليا ولا صائما ولا آكلا ولا شاربا سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وقول القائل: " ما ثم غير " إذا أراد به ما يريده أهل الوحدة أي ما ثم غير موجود سوى الله: فهذا كفر صريح. ولو لم يكن ثم غير لم يقل: { أغير الله أتخذ وليا } ولم يقل { أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون } فإنهم كانوا يأمرونه بعبادة الأوثان فلو لم يكن غير الله لم يصح قوله: { أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون } ولم يقل: { أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا } ولم يقل الخليل { أفرأيتم ما كنتم تعبدون } { أنتم وآباؤكم الأقدمون } { فإنهم عدو لي إلا رب العالمين } ولم يقل: { إنني براء مما تعبدون } { إلا الذي فطرني فإنه سيهدين } فإن إبراهيم لم يعاد ربه ولم يتبرأ من ربه؛ فإن لم تكن تلك الآلهة التي كانوا يعبدونها هم وآباؤهم الأقدمون غير الله: لكان إبراهيم قد تبرأ من الله وعادى الله وحاشا إبراهيم من ذلك. وهؤلاء الملاحدة في أول أمرهم ينفون الصفات ويقولون: القرآن هو الله أو غير الله. فإذا قيل لهم: غير الله. قالوا: فغير الله مخلوق. وفي آخر أمرهم يقولون: ما ثم موجود غير الله أو يقولون العالم لا هو الله ولا هو غيره. ويقولون: وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه فينكرون على أهل السنة إذا أثبتوا الصفات ولم يطلقوا عليها اسم الغير وهم لا يطلقون على المخلوقات اسم الغير وقد سمعت هذا التناقض من مشايخهم فإنهم في ضلال مبين.
 
وأما قول الشاعر في شعره:
سطر 102:
وأما قول القائل: لو رأى الناس الحق لما رأوا عابدا ولا معبودا: فهذا من جنس قول الملاحدة الاتحادية الذين لا يفرقون بين الرب والعبد؛ وقد تقدم بيان قول هؤلاء وهؤلاء يجمعون بين الضلال والغي بين شهوات الغي في بطونهم وفروجهم وبين مضلات الفتن.
 
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} أنه قال: { إن أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم } حتى يبلغ الأمر بأحدهم إلى أن يهوى المردان ويزعم أن الرب تعالى تجلى في أحدهم ويقولون: هو الراهب في الصومعة؛ وهذه مظاهر الجمال؛ ويقبل أحدهم الأمرد ويقول: أنت الله. ويذكر عن بعضهم أنه كان يأتي ابنه ويدعي أنه الله رب العالمين أو أنه خلق السموات والأرض ويقول أحدهم لجليسه: أنت خلقت هذا وأنت هو، وأمثال ذلك.
 
فقبح الله طائفة يكون إلهها الذي تعبده هو موطؤها الذي تفترشه؛ وعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منهم صرفا ولا عدلا.