الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الرد الأقوم على ما في فصوص الحكم»
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
سطر 6:
'''وسئل:'''
ما تقول السادة العلماء أئمة الدين وهداة المسلمين رضي الله عنهم أجمعين في الكلام الذي تضمنه كتاب " فصوص الحكم " وما شاكله من الكلام الظاهر في اعتقاد قائله: أن الرب والعبد شيء واحد ليس بينهما فرق وأن ما ثم غير كمن قال في شعره: أنا وهو واحد ما معنا شيء ومثل: أنا من أهوى ومن أهوى أنا ومثل: إذا كنت ليلى وليلى أنا وكقول من قال: لو عرف الناس الحق ما رأوا عابدا ولا معبودا. وحقيقة هذه الأقوال لم تكن في كتاب الله عز وجل ولا في السنة ولا في كلام الخلفاء الراشدين والسلف الصالحين. ويدعي القائل لذلك: أنه يحب الله سبحانه وتعالى والله تعالى يقول: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } والله سبحانه وتعالى ذكر خير خلقه بالعبودية في غير موضع فقال تعالى عن خاتم رسله
'''فأجاب شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية رحمه الله'''
سطر 56:
فكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمر
وهذه الحال تعرض لكثير من السالكين وليست حالا لازمة لكل سالك ولا هي أيضا غاية محمودة بل ثبوت العقل والفهم والعلم مع التوحيد باطنا وظاهرا كحال نبينا
والمعنى الذي يسمونه الفناء ينقسم ثلاثة أقسام:
سطر 66:
والثاني: أن يفنى عن شهود ما سوى الله وهذا الذي يسميه كثير من الصوفية حال الاصطلام والفناء والجمع ونحو ذلك. وهذا فيه فضيلة من جهة إقبال القلب على الله وفيه نقص من جهة عدم شهوده للأمر على ما هو عليه فإنه إذا شهد أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه وأنه المعبود لا إله إلا هو الذي أرسل الرسل وأنزل الكتب وأمر بطاعته وطاعة رسله ونهى عن معصيته ومعصية رسله فشهد حقائق أسمائه وصفاته وأحكامه خلقا وأمرا: كان أتم معرفة وشهودا وإيمانا وتحقيقا من أن يفنى بشهود معنى عن شهود معنى آخر وشهود التفرقة في الجمع والكثرة في الوحدة وهو الشهود الصحيح المطابق. لكن إذا كان قد ورد على الإنسان ما يعجز معه عن شهود هذا وهذا كان معذورا للعجز لا محمودا على النقص والجهل.
والثالث: الفناء عن وجود السوى؛ وهو قول الملاحدة أهل الوحدة كصاحب الفصوص وأتباعه الذين يقولون: وجود الخالق هو وجود المخلوق وما ثم غير ولا سوى في نفس الأمر. فهؤلاء قولهم أعظم كفرا من قول اليهود والنصارى وعباد الأصنام. وأيضا فإن ولاية الله: هي موافقته بالمحبة لما يحب والبغض لما يبغض والرضا بما يرضى والسخط بما يسخط والأمر بما يأمر به والنهي عما ينهى عنه والموالاة لأوليائه والمعاداة لأعدائه كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي
منها قوله: { من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة } فأثبت معاديا محاربا ووليا غير المعادي وأثبت لنفسه سبحانه هذا وهذا. ومنها قوله: { وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه } فأثبت عبدا متقربا إلى ربه وربا افترض عليه فرائض. ومنها قوله: { ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه } فأثبت متقربا ومتقربا إليه ومحبا ومحبوبا غيره. وهذا كله ينقض قولهم: الوجود واحد. ومنها قوله: { فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به } إلى آخره.
سطر 76:
وما البحر إلا الموج لا شيء ** غيره وإن فرقته كثرة المتعدد
لكن هؤلاء الضلال من الفلاسفة والمعتزلة ما قالوا: وجود المخلوق هو وجود الخالق وهؤلاء الملاحدة قالوا: هذا هو هذا؛ ولهذا صاروا يقولون بالحلول من وجه لكون الوجود في كل الذوات أو بالعكس وبالاتحاد من وجه لاتحادهما؛ وحقيقة قولهم هي وحدة الوجود. وفي الحديث وجوه أخرى تدل على فساد قولهم. والحديث حق كما أخبر به النبي
فولي الله فيه من الموافقة لله: ما يتحد به المحبوب والمكروه والمأمور والمنهي ونحو ذلك فيبقى محبوب الحق محبوبه ومكروه الحق مكروهه ومأمور الحق مأموره وولي الحق وليه وعدو الحق عدوه؛ بل المخلوق إذا أحب المخلوق محبة تامة حصل بينهما نحو من هذا حتى قد يتألم أحدهما بتألم الآخر ويلتذ بلذته. ولهذا قال
ولهذا كان المؤمن يسره ما يسر المؤمنين ويسوءه ما يسوءوهم ومن لم يكن كذلك لم يكن منهم. فهذا الاتحاد الذي بين المؤمنين: ليس هو أن ذات أحدهما هي بعينها ذات الآخر ولا حلت فيه بل هو توافقهما واتحادهما في الإيمان بالله ورسوله وشعب ذلك: مثل محبة الله ورسوله ومحبة ما يحبه الله ورسوله. فإذا كان هذا معقولا بين المؤمنين: فالعبد إذا كان موافقا لربه تعالى فيما يحبه ويبغضه ويأمر به وينهى عنه ونحو ذلك مما يحبه الرب من عبده: كيف تكون ذات أحدهما هي الأخرى أو حالة فيها؟
سطر 88:
وأما سائر العباد: فإن الله خالقهم ومالكهم وربهم وخالق قدرتهم وأفعالهم ثم ما كان من أفعالهم موافقا لمحبته ورضاه: كان محبا لأهله مكرما لهم وما كان منها مما يسخطه ويكرهه: كان مبغضا لأهله مهينا لهم. وأفعال العباد مفعولة مخلوقة لله ليست صفة له ولا فعلا قائما بذاته.
وقوله تعالى { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } فمعناه: وما أوصلت إذ حذفت ولكن الله أوصل المرمي؛ فإن { النبي
وأما قول الشاعر في شعره:
سطر 102:
وأما قول القائل: لو رأى الناس الحق لما رأوا عابدا ولا معبودا: فهذا من جنس قول الملاحدة الاتحادية الذين لا يفرقون بين الرب والعبد؛ وقد تقدم بيان قول هؤلاء وهؤلاء يجمعون بين الضلال والغي بين شهوات الغي في بطونهم وفروجهم وبين مضلات الفتن.
وفي الحديث عن النبي
فقبح الله طائفة يكون إلهها الذي تعبده هو موطؤها الذي تفترشه؛ وعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منهم صرفا ولا عدلا.
|