الفرق بين المراجعتين لصفحة: «العقيدة الواسطية»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
لا ملخص تعديل
سطر 13:
فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة، أهل السنة والجماعة، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره .
 
ومن الإيمان بالله : الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم{{ص}} من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله سبحانه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير}، فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه، لأنه سبحانه لا سميّ له، ولا كُفُوءَ له، ولا نِدَّ له، ولا يقاس بخلقه، سبحانه وتعالى فإنه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلا وأحسن حديثا من خلقه.
 
ثم رسله صادقون مصدوقون، بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون، ولهذا قال { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِنَ وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين} فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب، وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمىَّ به نفسه بين النفي والإثبات، فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون، فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
سطر 73:
وهذا الباب في كتاب الله كثير، من تدبر القرآن طالباً للهدى منه تبين له طريق الحق .
 
ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ، فالسنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه ، وما وصف الرسول به ربه عز وجل من الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول وجب الإيمان بها .
 
فمن ذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} : ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعوني فأستجب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ ) [متفق عليه].
 
وقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} : ( لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم براحلته ) [الحديث متفق عليه].
وقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} : ( يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخلان الجنة ) [متفق عليه].
وقوله : ( عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غيره ، ينظر إليكم أزلين قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرَجكم قريب ) [حديث حسن].
وقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} : ( لا تزال جهنم يلقى فيها ، وهي تقول : هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها رجله ) وفي رواية : ( عليها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض فتقول قط قط ) [متفق عليه].
 
وقوله : ( يقول تعالى : يا آدم ، فيقول : لبيك وسعديك ، فينادي بصوت : إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار ) [متفق عليه].
سطر 90:
وقوله : ( أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيث ما كنت ) [حديث حسن].
وقوله : ( إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصقن قبل وجهه ولا عن يمينه فإن الله قبل وجهه ، ولكن عن يساره أو تحت قدمه ) [متفق عليه].
وقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} : ( اللهم رب السماوات السبع والأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء خالق الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل والقرآن أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عني الدين وأغنني من الفقر ) [رواه مسلم].
وقوله لما رفع الصحابة أصواتهم بالذكر : ( أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعاً بصيراً قريباً إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ) [متفق عليه].
 
وقوله : ( إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا ) [متفق عليه].
 
إلى أمثال هذه الأحاديث التي يخبر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن ربه بما يخبر به ، فإن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك كما يؤمنون بما أخبر الله به في كتابه، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
 
بل هم الوسط في فرق الأمة ، كما أن الأمة هي الوسط في الأمم ، فهم وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة ، وهم وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية وغيرهم، وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم ، وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بين الرافضة والخوارج .
 
وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان بالله الإيمان بما أخبر به في كتابه وتواتر عن رسوله وأجمع عليه سلف الأمة من أنه سبحانه فوق سماواته على عرشه على خلقه ، وهو سبحانه معهم أينما كانوا يعلم ما هم عاملون ، كما جمع بين ذلك في قوله : { هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير }.
سطر 105:
وكل هذا الكلام الذي ذكره الله - من أنه فوق العرش وأنه معنا - حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف ، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة ، مثل أن يظن أن ظاهر قوله : " في السماء " أن السماء تقله أو تظله ، وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان ، فإن الله قد وسع كرسيه السماوات والأرض ، وهو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره .
 
وقد دخل في ذلك الإيمان بأنه قريب مجيب ، كما جمع بين ذلك في قوله : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب . . . الآية } ، وقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} : ( إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ).
وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته، فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته، وهو عليُّ في دنوه قريب في علوه .
 
ومن الإيمان بالله وكتبه الإيمان بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود، وأن الله تكلم به حقيقة ، وأن هذا القرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم{{ص}} هو كلام الله حقيقة لا كلام غيره .
 
ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة ، بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله تعالى حقيقة ، فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئاً لا إلى من قاله مبلغاً مؤدياً .
سطر 116:
وقد دخل أيضاً فيما ذكرناه من الإيمان به وبكتبه وبملائكته وبرسله الإيمان ، بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة عياناً بأبصارهم كما يرون الشمس صحواً ليس بها سحاب ، وكما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته ، يرونه سبحانه وهم في عرصات القيامة ، ثم يرونه بعد دخول الجنة كما يشاء الله تعالى .
 
ومن الإيمان باليوم الآخر : الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} مما يكون بعد الموت ، فيؤمن بفتنة القبر، وبعذاب القبر ونعيمه.
 
فأما الفتنة : فإن الناس يمتحنون في قبورهم فيقال للرجل : ( ما ربك وما دينك ومن نبيك ؟ ) فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، فيقول المؤمن : ( ربي الله ، والإسلام ديني ، ومحمد صلى الله عليه وسلم{{ص}} نبيي ) وأما المرتاب فيقول : ( هاه هاه لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته ) فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة سمعها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعها الإنسان لصعق .
ثم بعد هذه الفتنة : إما نعيم وإما عذاب ، إلى أن تقوم القيامة الكبرى فتعاد الأرواح إلى الأجساد .
 
وتقوم القيامة التي أخبر الله بها في كتابه وعلى لسان رسوله وأجمع عليها المسلمون، فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غرلا ، وتدنو منهم الشمس ويلجمهم العرق ، فتنصب الموازين فتوزن بها أعمال العباد { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون } ، وتنشر الدواوين - وهي صحائف الأعمال - فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره ، كما قال سبحانه وتعالى : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } ويحاسب الله الخلائق ، ويخلو بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه كما وصف ذلك في الكتاب والسنة ، وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته - فإنه لا حسنات لهم - ولكن تعد أعمالهم فتحصى فيوقفون عليها وُيقَرَّون بها .
 
وفي عرصات القيامة الحوض المورود للنبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل ، آنيته عدد نجوم السماء ، وطوله شهر وعرضه شهر ، من يشرب منه شربة لا يضمأ بعدها أبدا .
 
والصراط منصوب على متن جهنم - وهو الجسر الذي بين الجنة والنار- يمر الناس على قدر أعمالهم ، فمنهم من يمر كلمح البصر ، ومنهم من يمر كالبرق ، ومنهم من يمر كالريح ، ومنهم من يمر كالفرس الجواد ، ومنهم من يمر كركاب الإبل ، ومنهم من يَعْدو عدْواً ، ومنهم من يمشي مشياً ، ومنهم من يزحف زحفاً ، ومنهم من يخطف خطفاً ويلقى في جهنم .
سطر 129:
فإذا عبروا عليه وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض ، فإذا هُذِّبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة .
 
وأول من يستفتح باب الجنة محمد صلى الله عليه وسلم{{ص}} ، وأول من يدخل الجنة من الأمم أمته .
 
وله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في القيامة ثلاث شفاعات :
أما الشفاعة الأولى : فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن يتراجع الأنبياء - آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم - من الشفاعة حتى تنتهي إليه .
وأما الشفاعة الثانية : فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة - وهاتان الشفاعتان خاصتان له -
سطر 138:
ويخرج الله من النار أقواماً بغير شفاعة بل بفضله ورحمته ، ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا فينشيء الله لها أقواماً فيدخلهم الجنة.
 
وأصناف ما تضمنته الدار الآخرة من الحساب والثواب والعقاب والجنة والنار ، وتفاصيل ذلك مذكورة في الكتب المنزلة من السماء والآثار من العلم المأثور عن الأنبياء ، وفي العلم الموروث عن محمد صلى الله عليه وسلم{{ص}} من ذاك ما يشفي ويكفي فمن ابتغاه وجده .
 
وتؤمن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة بالقدر خيره وشره ، والإيمان بالقدر على درجتين ، كل درجة تتضمن شيئين :
سطر 150:
ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله ونهاهم عن معصيته، وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، لا يحب الكافرين ، ولا يرضى عن القوم الفاسقين ، ولا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد .
 
والعباد فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم ، والعبد هو المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمصلي والصائم ، وللعباد القدرة على أعمالهم ولهم إرادة ، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم ، كما قال الله تعالى : { لمن شاء منكم أن يستقيم، وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين } وهذه الدرجة من القدر يكذب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} مجوس هذه الأمة ، ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات حتى سلبوا العبد قدرته واختياره ، ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها .
 
ومن أصول أهل السنة والجماعة : أن الدين والإيمان قول وعمل ، قول القلب واللسان ، وعمل القلب واللسان والجوارح ، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .
سطر 156:
وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر - كما يفعله الخوارج - بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي ، كما قال سبحانه في آية القصاص : { فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف } ، وقال : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم } .
 
ولا يسلبون الفاسق الملي الإسلام بالكلية ، ولا يخلدونه في النار - كما تقوله المعتزلة - بل الفاسق يدخل في اسم الإيمان المطلق ، كما في قوله : { فتحرير رقبة مؤمنة } وقد لا يدخل في اسم الإيمان المطلق ، كما في قوله تعالى : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا } ، وقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن ) .
ونقول : هو مؤمن ناقص الإيمان ، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ، فلا يعطى الاسم المطلق ولا يسلب مطلق الاسم .
 
ومن أصول أهل السنة والجماعة : سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ، كما وصفهم الله به في قوله تعالى : { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم } ، وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} في قوله : ( لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه ) .
 
ويقولون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم ، ويفضلون من أنفق من قبل الفتح - وهو صلح الحديبية - وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل، ويقدمون المهاجرين على الأنصار، ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر - وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر- : ( اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) ، وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة ، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} ، بل لقد رضي الله عنهم ورضوا عنه - وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة –
 
ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ، كالعشرة ، وثابت بن قيس بن شماس ، وغيرهم من الصحابة .
 
ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره ، من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ويثلثون بعثمان ويربعون بعلي رضي الله عنهم ، كما دلت عليه الآثار ، وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة .
 
مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي رضي الله عنهما - بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر - أيهما أفضل فقدم قوم عثمان وسكتوا وربّعوا بعلي، وقدم قوم علياً، وقوم توقفوا ، لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ثم علي ، وإن كانت هذه المسألة - مسألة عثمان وعلي - ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة ، لكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أبو بكر وعمر ثم عثمان ثم علي، ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله .
 
ويحبون أهل بيت رسول الله ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ، حيث قال يوم غدير خم : ( أذكركم الله في أهل بيتي ) ، وقال أيضاً للعباس عمه وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم فقال : ( والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي ) ، وقال : ( إن الله اصطفى بني إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كنانة واصطفى من كنانة قريشاً واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ) .
 
ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أمهات المؤمنين ، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة ، خصوصاً خديجة رضي الله عنها أم أكثر أولاده أول من آمن به وعاضده على أمره وكان لها منه المنزلة العالية ، والصِّدّيقة بنت الصّدّيق رضي الله عنها ، التي قال النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} : ( فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ).
 
ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم ، وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل .
سطر 177:
ويمسكون عما شجر من الصحابة ، ويقولون : إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كاذب ، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغُيِّر عن وجهه ، والصحيح منه هم فيه معذورون إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون .
 
وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره ، بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم إن صدر، حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات مما ليس لمن بعدهم ، وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} إنهم خير القرون ، وأن المُدَّ مِن أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبا ممن بعدهم، ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم{{ص}} الذي هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلى ببلاء في الدنيا كُفِّرَ به عنه ، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف الأمور التي كانوا فيها مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد والخطأ مغفور ، ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح ، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما من الله عليهم به من الفضائل علم يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله .
 
ومن أصول أهل السنة : التصديق بكرامات الأولياء ، وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات ، والمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر فرق الأمة ، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة .
 
ثم من طريقة أهل السنة والجماعة : اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} باطناً وظاهراً ، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، واتباع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} حيث قال : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة ) ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم{{ص}} ، ويؤثرون كلام الله على غيره من كلام أصناف الناس ، ويقدمون هدي محمد صلى الله عليه وسلم{{ص}} على هدى كل أحد ، ولهذا سموا أهل الكتاب والسنة وسموا أهل الجماعة ، لأن الجماعة هي الاجتماع وضدها الفرقة ، وإن كان " لفظ " الجماعة قد صار اسماً لنفس القوم المجتمعين .
والإجماع هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين ، وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين ، والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح ، إذ بعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة .
 
ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة ، ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجارا ، ويحافظون على الجماعات ، ويدينون بالنصيحة للأمة ، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضا ) وشبك بين أصابعه ، وقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) ، ويأمرون بالصبر عند البلاء ، والشكر عند الرخاء ، والرضا بمُرِّ القضاء ، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}}: ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا ) ، ويندبون إلى أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك ، ويأمرون ببر الوالدين، وصله الأرحام، وحسن الجوار، والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل ، والرفق بالمملوك ، وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي والاستطالة على الخلق - بحق أو بغير حق - ويأمرون بمعالي الأخلاق، وينهون عن سفسافها .
 
وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا وغيره فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة ، وطريقتهم هي دين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم{{ص}} ، لكن لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة، وفي حديث عنه أنه قال : ( هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) ، صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشوب هم أهل السنة والجماعة ، وفيهم الصديقون والشهداء والصالحون ومنهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى أولوا المناقب المأثورة، والفضائل المذكورة، وفيهم الأبدال وفيهم أئمة الدين الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ، وهم الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} : ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة ) فنسأل الله أن يجعلنا منهم وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه الوهاب .
والله أعلم