الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مبسوط السرخسي - الجزء الثاني عشر2»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
OKBOT (نقاش | مساهمات)
ط تدقيق إملائي. 88 كلمة مستهدفة حاليًا.
 
سطر 1:
[ 108 ]
في الرجوع ولانه لو رجع كان معيد اللعين الي ملك مولاه لا الي ملك نفسه وبالهبة لم يخرج من ملك ولاه وكذلك ان اعتق لايستطيع الرجوع فيها لان حق الرجوع قد بطل بتبدل نفسه كما قلنا والساقط من الحق يكون متلاشيا لا يتصور عوده. قال حربى وهب لحربي هبة ثم أسلم أهل الدار أو أسلما جميعا وخرجا إلى دار الاسلام فله أن يرجع في هبته لبفاء الملك المستفاد بالهبة فان بالاسلام يتأكد الملك الذى كان قبله ولا يتبدل وكذلك العين علي حالة في يد الموهوب له فان كان عوضه من هبته لم يكن له أن يرجع فيها لحصول ما هو المقصود له بالهبة وهو وصول العوض إليه ثم كتاب الهبة ولله الحمد والمنة والله أعلم قال رحمه الله انتهى شرح الصفار من الفروع من الاستحسان إلى البيوع. بالموثر من المعاني مع الخبر المسموع باملاء الملتمس لرفع الباطل الموضوع. المنفى لاجله المحصور الممنوع عن الاهل والولد والكتاب المجموع الطالب للفرج بالدعاء والخشوع في ظلم الليالي بالبكاء والدموع. مقرونا بالصلاة على سيد أهل الجموع. وعلى آله وأصحابه أهل التقى والخضوع كتاب البيوع قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله تعالي إملاء اعلم بان الله سبحانه وتعالى جعل المال سببا لاقامة مصالح العباد في الدنيا وشرع طريق التجارة لاكسابها لان ما يحتاج إليه كل أحد لا يوجد مباحا في كل موضع وفى الاخذ على سبيل التغالب فساد والله لا يحب الفساد والى ذلك أشار الله سبحانه وتعالى في قوله (يا أيها الذين أمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) والتجارة نوعان حلال يسمى في الشرع بيعا وحرام يسمى ربا كل واحد منهما تجارة فان الله أخبر عن الكفرة انكارهم الفرق بين البيع والربا عقلا فقال عزوجل (ذلك بانهم قالوا انما البيع مثل الربا) ثم فرق بينهما في الحل والحرمة بقوله تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا) فعرفنا أن كل واحد منهما تجارة وان الحلال الجائز منها بيع شرعا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} والناس يتعاملونه فأقر هم عليه وانعقاد هذا البيع بلفظين هما عبارة عن الماضي وهو بقوله بعث واشتريت في محلين كل واحد منهما مال
[ 109 ]
متقوم على طريق الاكتساب حتى ان ما يدخله معنى التبرع كالهبة بشرط العوض لا يكون بيعا ابتداء ولو كان أحد اللفظين عبارة عن المستقبل بان يقول أحدهما بعنى فيقول الآخر بعت أو يقول اشترى سى فيقول الآخر اشتريت لا ينعقد البيع عندنا بخلاف النكاح والشافعي يسوى بينهما باعتبار ان كل واحد منهما عقد تمليك بعوض من الجانبين والفرق لنا من وجهين (أحدهما) أن النكاح يتقدمه خطبة عادة فقوله زوجيني نفسك في مجلس العقد لا يجعل خطبة لان الخطبة قد تقدمته فيجعل أحد شطرى العقد فأما البيع يقع بغتة من غير تقدم استيام فيجعل قوله بعنى استياما فلابد من لفظ العقد بعده (والثانى) ان قوله زوجيني نفسك تفويض للعقد إليها فيجعل قولها زوجت عقدا تاما لان كلام الواحد يصلح للعقد من الجانبين في النكاح إذا كان مأمورا به وفى البيع لا يتأتى مثل هذا لان كلام الواحد لا ينعقد به البيع من الجانبين إذا لم يكن احدهما موليا عليه من الآخر فأما الربا في اللغة هو الزيادة يقال أربى فلان على فلان أي زاد عليه ويسمى المكان المرتفع ربوة لزيادة فيه على سائر الامكنة وفى الشريعة الربا هو الفضل الخالى عن العوض المشروط في البيع لما بينا أن البيع الحلال مقابلة مال متقوم بمال متقوم فالفضل الخالى عن العوض ذا دخل في البيع كان ضد ما يقتضيه البيع فكان حراما شرعا واشتراطه في البيع مفسد للبيع كاشتراط الخمر وغيرها والدليل على حرمة الربا الكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى (وحرم الربا) وقد ذكر الله تعالى لآكل الربا خمسا من العقوبات (أحدها) التخبط قال الله تعالى (لا يقومون الا كما يقوم الذى يتخطبه الشيطان من المس) قيل معناه ينتفخ بطنه يوم القيامة بحيث لا تحمله قدماه وكلما رام القيام يسقط فيكون بمنزله الذى أصابه مس من الشيطان فيصير كالمصروع الذى لا يقدر على أن يقوم وقد ورد بنحوه أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أنه قال يملاء بطنه نارا بقدر ما أكل من الربا والمراد أن يفتضح على رؤس الاشهاد كما أشار إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم في حديث آخر ان لواء ينتصب يوم القيامة لا كلة الربا فيجتمعون تحته ثم يساقون إلى النار (والثانى) المحق قال الله تعالى (يمحق الله الربا) والمراد الهلاك والاستيطال وقيل ذهاب البركة والاستمتاع حتى لا ينتفع هو به ولا ولده بعده (والثالث) الحرب قال الله تعالى (فاذنوا بحرب من الله ورسوله) والمعنى من القراءة بالمد أعلموا الناس أكلة الربا إنكم حرب الله ورسوله بمنزلة قطاع
[ 110 ]
الطريق والقراءة بالقصر اعلموا ان أكلة الربا حرب الله ورسوله (والرابع) الكفر قال الله تعالى (وذروا ما بقى من الربا ان كنتم مؤمنين) وقال تعالى (والله لا يحب كل كفار أثيم) أي كفار باستحلال الربا أثيم فاجر بأكل الربا (والخامس) الخلود في النار قال الله تعالى (ومن عاد فاؤلئك أصحاب النار هم فيما خالدون) والسنة جاءت بتأييد ما قلنا ان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال أكل درهم واحد من الربا أشد من ثلاث وثلاثين زنية يزنيها الرجل من نبت لحمه من حرام فالنار أولى به والمقصود من هذا الكتاب بيان الحلال الذى هو بيع شرعا والحرام الذى هو ربا ولهذا قيل لمحمد لا تصف في الزهد شيئا قال قد صنفت كتاب البيوع ومراده بينت فيه ما يحل ويحرم وليس الزهد الا الاجتناب عن الحرام والرغبة في الحلال ولهذا بدأ الكتاب بحديث رواه عن أبى حنيفة عن عطية العوفى عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال الذهب بالذهب مثل بمثل يدا بيد والفضل ربا والفضة بالفضة مثل بمثل يدا بيد والفضل ربا والحنطة بالحنطة مثل بمثل يدا بيد والفضل ربا والملح بالملح مثل بمثل يدا بيد والفضل ربا والشعير بالشعير مثل بمثل يدا بيد والفضل ربا والتمر بالتمر مثل بمثل يدا بيد والفضل ربا وهذا حديث مشهور تلقته العلماء رحمهم الله تعالى بالقبول والعمل به ولشهرته بدأ محمد ببعضه كتاب البيوع وببعضه كتاب الاجارات وببعضه كتاب الصرف ومثله حجة في الاحكام تجوز به الزيادة على الكتاب عندنا ودار هذا الحديث على أربعة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين عمر بن الخطاب وعبادة بن الصامت وأبى سعيد الخدرى ومعاوية بن أبى سفيان رضى الله عنهم مع اختلاف ألفاظهم ثم الحديث يشتمل على تفسير وحكم ومعنى يتعلق به الحكم في الفرع أما تفسير قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} الذهب بالذهب أي بيع الذهب بالذهب أو بيعوا الذهب بالذهب لان الباء تصحب الاعواض والابدال فانه للالصاق فهو دليل فعل مضمر كقولنا بسم الله وقوله مثل بمثل روى بالرفع والنصب فمعنى الرواية بالرفع بيع الذهب بالذهب مثل بمثل ومعنى الرواية بالنصب بيعوا الذهب بالذهب مثل بمثل والمراد به المماثلة في القدر دون الصفة وان كان مطلق اسم المماثلة يتناولهما ولكنه ذكر هذا الحديث في أول كتاب الصرف وذكر مكان قوله مثل بمثل وزن بوزن فبذلك اللفظ يتبين أن المراد من هذا اللفظ المماثلة في الوزن وبهذا اللفظ يتبين أن المراد قوله وزن بوزن المماثلة قدرا لاوصف وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} يفسر بعضه
[ 111 ]
سطر 12:
[ 112 ]
تعالى عنه مشى إليه فقال يا ابن عباس إلى متى تؤكل الناس الربا أصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ما لم يصحب أسمعت منه ما لم يسمع فقال لا ولكن حدثنى أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال لا ربا الا في النسيئة فقال والله لا آوانى واياك ظل بيت مادمت على هذا القول وقال جابر بن زيد رضى الله تعالى عنه ما خرج بن عباس رضى الله تعالى عنه من الدنيا حتى رجع عن قوله في الصرف والمتعة فان لم يثبت رجوعه فاجماع التابعين رحمهم الله بعده يرفع قوله فهذا معنى قولنا لا يعتد بهذا القول وتأويل حديث أسامة بن زيد رضى الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} سئل عن مبادلة الحنطة بالشعير والذهب بالفضة فقال النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا ربا الا في النسيئه فهذا بناء على ما تقدم من السؤال فكان الرواى سمع قول رسول الله صلي الله عليه وسلم ولم يسمع ما تقدم من السؤال أو لم يشتغل بنقله وأما المعنى فنقول اتفق فقهاء الامصار رحمهم الله علي ان حكم الربا غير مقصود على الاشياء الستة وان فيها معنى يتعدى الحكم بذلك المعنى إلى غيرها من الاموال الا داود من التأخرين وعثمان البتى من المتقدمين فان داود يقول حكم الربا مقصور على هذا الاشياء الستة لانه لا يجوز قياس غير المنصوص علي المنصوص لاثبات الحكم وعند فقهاء الامصار رحمهم الله القياس حجة لتعدية الحكم الثابت بالنص والبتى يقول بأن القياس حجة ولكن من أصله ان لا يجوز القياس على الاصول الا أن يقوم دليل في كل أصل على جواز القياس عليه ولم يعم ذلك الدليل هنا وعند فقهأ الامصار رحمهم الله يجوز القياس علي الاصول الا أن يقوم دليل يمنع القياس على كل أصل ثم قد قام الدليل هنا علي جواز القياس فان مالك بن أنس واسحاق بن إبراهيم الحنظلي رحمهما الله رويا هذا الحديث وذكر في آخره وكذلك كل ما يكال ويوزن فهو تنصيص على تعدية الحكم إلى سائر الاموال وفى حديث ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين ولا الصاع بالصاعين فانى أخشي عليكم الربا أي الربا ولم يرد به عين الصاع وانما أراد به ما يدخل تحت الصاع كما يقال خذ هذا الصاع أي ما فيه ووهبت لفلان صاعا أي من الطعام وفى حديث عامل خيبر رضى الله تعالى عنه انه أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} تمرا جنيا فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} أوكل تمر خيبر هكذا فقال لا ولكني دفعت صاعين من عجوة بصاع من هذا فقال صلي الله عليه وسلم أربيت هلا بعت تمرك
[ 113 ]
بسعلة ثم اشتريت بسلعتك تمرا ثم قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} وكذلك الميزان يعنى ما يوزن بالميزان فتبين بهذا الاثار قيام الدليل على تعدية الحكم من الاشياء الستة لا غيرها وهذا بخلاف قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم ثم لم يجوز قياس ما سوى هذا الخمس على الخمس لان التعليل لتعدية حكم النص إلى غير المنصوص لابطال المنصوص وقد نص في ذلك الحديث على ان الفواسق خمس فلوا اشتغلنا بالتعليل كان أكثر من خمس فيكون ابطالا للمنصوص وهنا ليس في الحديث أن مال الربا ستة أشياء ولكن ذكر حكم الربا في الاشياء الستة فالاشتغال بالتعليل لا يؤدى إلى ابطال المنصوص عليه فلهذا جوزنا ذلك وفائدة تخصيص هذه الاشياء بالذكر أن عامة المعاملات يومئذ كان بها علي ما جاء في الحديث كنا نتبايع في الاسواق بالاوساق والمراد به ما يدخل تحت الوسق مما يكثر الحاجة إليه وهى الاشياء المذكورة ثم اختلفوا بعد ذلك في المعنى الذى يتعدى الحكم به إلى سائر الاموال قال علماؤنا رحمهم الله تعالي الجنسية والقدر عرفت الجنسية بقوله صلي الله عليه وسلم الذهب بالذهب والحنطة بالحنطة. والقدر بقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} مثل بثمل ويعنى بالقدر الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن وظن بعض أصحابنا رحمهم الله تعالى ان العلة مع الجنس الفضل علي القدر وذلك محكى عن الكرخي ولكنه ليس بقوى فانه لا يجوز اسلام قفبز حنطة في قفيز شعير ولا تثبت حرمة النساء الا بوجود أحد الوصفين ولو كانت العلة هي الفضل لما حرم النساء هنا لانعدام الفضل فعرفنا ان العلة نفس القدر مع الجنس وقال مالك رضي الله عنه العلة الاقتيات والادخا مع الجنس وقال ابن سيرين تقارن المنفعة مع الجنس وقال الشافعي رضى الله تعالي عنه في القديم العلة في الاشياء والاربعة الكيل والطعم وقال في الجديد العلة هي الطعم وفى الذهب والفضة العلة الثمنية وهو انهما جوهر الاثمان والجنسية عنده شرط لاتعمل العلة الا عند وجودها ولهذا لا يجعل للجنسية أثرا في تحريم النساء فحاصل المسألة أن بيع كل مكيل أو موزون بجنسه لا يجوز عندنا الا بعد وجود المخلص وهو المماثلة في القدر وأن يكون عينا بعين وعنده بيع كل مطعوم بجنسه وكل ثمن بجنسه حرام الا عند وجود المخلص وهو المساواة في المعيار الشرعي وأن يكون قبضا بقبض في المجلس والحصال ان حرمة البيع في هذه الاموال أصل عنده والجوزا يعارض المساواة في المعيار مع القبض في المجلس وعندنا اباحة البيع في هذه الاموال أصل كما في سائر الاموال والفساد يعارض
[ 114 ]
انعدام المماثلة بوجود الفضل الخالى عن العوض متيقنا به أو موهوما احتياطا والمقصود من التعليل عنده منع قياس غير المطعومات علي المطعومات وغير الثمن علي الثمن بناء علي أصله أن التعليل صحيح لاثبات حكم الاصل والمنع من الحاق غيره به وعندنا التعليل لتعدية حكم النص إلى غير المنصوص فالحكم في المنصوص ثابت بالنص لا بالعلة لان الثابت بالنص مقطوع به والمنع بظاهر النص ثابت فالاشتغال بالتعليل يكون لغوا عندنا وبيان هذا الاصل إذا باع تفاحة بتفاحتين عنده لا يجوز لان الحرمة هي الاصل في بيعها والحل يثبب بعارض بوجود المساواة في المعيار الشرعي ولم يوجد فلا يجوز وعندنا يجوز لانعدام الفضل علي القدر وهو المعيار الشرعي والحرام هو الفضل على القدر ولم يوجد فيجوز لان الجواز أصل في البيع والحرمة تثبت بعارض انعدام المماثلة في القدر وهو المعيار الشرعي وهذا لا معيار له فيجوز العقد ولو باع قفيز جبس بقفيزى جص عندنا لا يجوز لوجود الجنسية والقدر وعنده يجوز لعدم الطعم ولو باع حفنة بحفنتين عنده لا يجوز لكونه مطعوما وقد عدمت المساواة في المعيار الشرعي وعندنا يجوز لعدم الكيل مع الجنس ولو باع منا سكر بمنوى سكر عندنا لا يجوز لوجود الجنس مع القدر وعنده لا يجوز أيضا لوجود الطعم مع الجنس ولو باع مناقطن بمنوى قطن عندنا لا يجوز لوجود الجنسية والقدر وعنده يجوز لعدم الطعم وحجة الشافعي لاثبات أصله ماروى أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} نهى عن بيع الطعام بالطعام الاسواء بسواء وفى رواية قال لا تبيعوا البر بالبر الا سواء بسواء ففى هذا بداية ببيان النهى والمنع لو اقتصر على قوله لا تبيعوا لم يجز بيع أحدهما بالآخر بحال. فبه تبين أن حرمة البيع أصل وان الجواز يعارض المساواة بين ذلك بقوله الاسواء بسواء والمراد المساواة في القدر ثم اسم الطعام يتناول القليل والكثير وما يكال من الاطعمة ومالا يكال فثبت حرمة البيع في جميع ذلك وتبين بهذا أن التعليل بالقدر يوجب تخصيص الاصل المعلل وذلك باطل وكذلك في الحديث المشهور قال الحنطة بالحنطة فهذا اللفظ يتناول القليل والكثير وقوله صلي الله عليه وسلم مثلا بمثل نصب على الحال أي انما يكون بيعا في حالة ما يكون مثلا بمثل والمراد المماثلة في القدر فتبين به أيضا أن الحرمة أصل فيها وأن الحل يعارض المماثلة في القدر وليس المراد بالربا الزيادة فقد قال عمر رضى الله عنه ان آية الربا آخر ما نزل وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} قبل أيبين لنا شأنها وان من الربا أبوابا لا يكدن يخفين على أحد منها السلم في السن فتبين بهذا انه علم ان الاسم غير
[ 115 ]
سطر 24:
[ 116 ]
فإذا ثبت ان العلة هي الطعم والثمنية امتنع قياس غير المطعوم على المطعومات وغير الائمان على الائمان لانعدام العلة فيها ولما جعل الشرع القدر معتبرا في الخلاص عن الربا لا يجوز اعتبار ذلك بعينه في الوقوع في الربا لاستحالة ان يتضمن الشئ حكمين متضادين بل القدر في المقدرات بمنزله العدد في المعدودات والزروع في المزروعات فكما لا يصلح جعل علة ذلك للربا فكذك القدر وحجتنا في المسألة ماروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال بعد ذكر الاشياء الستة بصفة الكيل والوزن فذلك دليل على ان العلة فيها الكيل والوزن وان لم تثبت هذه الزيادة فقوله الحنطة بالحنطة معناه بيع الحنطة بالحنطة والبيع لا يجرى باسم الحنطة فالاسم يتناول الحبة الواحدة ولا يبيعها أحد وانما يعرف ماليتها ولو باعها لم يجوز لانها ليست بمال متقوم فعلم ضرورة أن المراد الحنطة التى هي مال متقوم ولا يعلم ماليتها الا بالكيل فصارت صفة الكيل ثابتة بمقضتي النص وكذلك قوله الذهب بالذهب فالاسم قائم بالذرة ولا يبيعها أحد وانما تعرف ماليتها بالوزن كالشعيرة ونحو ذلك فصارت صفة الوزن ثابتة بمقتضى النص فكأنه قال الذهب الموزون بالذهب والحنطة المكيلة بالحنطة والصفة من اسم العلم يجرى مجرى العلة للحكم كقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في خمس من الابل السائمة شاة وما ثبت بمقضى النص فهو كالمنصوص ألا ترى انه لو قال غصبت من فلان شيئا يلزمه ان يبين مالا متقوما لثوبت صفة المالية بمقتضى الغصب وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا تبيعوا الطعام بالطعام ذكر الطعام عند ذكر البيع فلا يتناول الا الحنطة ودقيقها كمن وكل وكيلا بان يشترى له طعاما فاشترى فاكهة يصير مشتريا لنفسه وهذا لان سوق الطعام الذى يباع فيه الحنطة ودقيقها وبائع الطعام من يبيع الحنطة ودقيقها وهذا من أبواب الكتاب ليس من فقه الشريعة في شئ وأما الكلام في المسألة من حيث الاستدلال فينبنى على معرفة النص فنقول حكم نص الربا وجوب المماثلة في المعيار شرط لجواز العقد ثم ضرورة الفضل لعدم تلك المماثلة وربا لوجوب المماثلة لا كما قاله الخصم ان الحكم حرمة فضل في الذات ثم المماثلة شرط لازالة فضل حرام والدليل على ما قلنا ان النبي صلي الله عليه وسلم قال الحنطة بالحنطة مثل بمثل فقد أوجب المماثلة لجواز القعد ثم جعل الفضل بعد تلك المماثلة بقوله عليه الصلاة والسلام والفضل ربا وفى الحديث الآخر قال لا تبيعوا البر بالبر الا سواء بسواء وبالاجماع المساواة في الكيل فعرفنا ان المراد اشتراط المماثلة لجواز العقد لان الكلام المقيد بالاستثناء يصير عبارة عما وراء المستثنى فيكون
[ 117 ]
المعنى فساد البيع عند عدم المماثلة التى هي واجبة وإذا ثبت ان الحكم وجوب المماثلة ولا يتصور ثبوت الحكم بدون محله عرفنا ان المحل الذى لا يقبل المماثلة لا يكون مال الربا أصلا والحفنة والتفاحة لا تقبل المماثلة بالاتفاق فلم يكن مال الربا والدليل عليه أن صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم{{ص}} ما نص على حكم الربا الا مقرونا بالمخلص فكل علة توحب الحكم في محل لا يقبل المخلص أصلا فهى علة باطلة والطعم بهذا الصفة فانها توجب الحكم في الرمان والسفرجل ولا يتصور فيه المخلص وكذلك قوله لا تبيعوا البر بالبر الاسواء بسواء كلام مقيد بالاستثناء والمستثنى من جنس المستثنى منه لان الاستثناء لاخراج ما لولاه لكان الكلام متناولاله وان كان المستثنى الكثير القابل للماثلة لا يتناوله الحديث أصلا فان قال هو استثناء مقطوع بمعنى لكن أي جعلتموه سواء بسواء فبيعوا أحدهما بالآخر قلنا هذا مجاز ولا يترك العمل بالحقيقة الا عند قيام الدليل وباعتبار الحقيقة يتبين أن حكم النص وجوب المماثلة فيما يختص بمحل قابل للمماثلة والدليل عليه أنه لو باع قفيز حنطة يملكه بقفيز حنطة ارخوة أو قد أكلها السوس يجوز وقد تيقنا بفضل في الذات ومع ذلك جاز العقد لوجود المماثلة في القدر فان قال سقط اعتبار الفضل القائم في الذات لوجود المساواة في القدر قلنا هذا جائز ولكن عند قيام الدليل فإذا أمكن أن يجعل الحكم في الذات وجوب المماثلة والفضل الذى هو ربا بعد تلك المماثلة فلا حاجة بنا إلى اسقاط ما هو موجود حقيقة خصوصا فيما إذا بنى أمره على الاحتياط وهو الربا والذى قال ان الاسم غير عما عليه مقتضي اللغة ممنوع فانه دعوى المجاز أيضا فلا يمكن اثباته أيضا الا بدليل فاما حديث عمر رضى الله عنه فله تأويلان (أحدهما) أن المرادا بقوله وان من الربا أبوابا لا يكدن يخفين على أحد. منها السلم في السن ما كانوا اعتادوا في الجاهلية أن الواحد منهما يسلم في ابنة مخاض فإذا حل الاجل زاده في السن وجعله ابنة لبون ليزيده في الاجل ثم يزيده إلى سن الحقة والجذعة وفي ذلك نزل قوله تعالى (ولا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) فتلك الزيادة خالية عن عوض هو مال ولهذا قال انه من الربا الذى لا يكاد يخفى على أحد (والثانى) أن المراد السلم في الحيوان والحيوان مما يتفاوت والمسلم فيه دين فانما يصير معلوما بذكر الوصف ورأس المال بمقابلة الاوصاف المذكورة عند العقد ثم عند القبض يتمكن التفاوت في المالية بين المقبوض والموصوف عند العقد لا محالة فتلك الزيادة كأنها خالية عن عوض هو مال ولهذا جعل
[ 118 ]
من الربا الذى لا يكاد يخفى على أحد وان سلموا أن حكم النص وجوب المماثلة لا يبقى لهم شئ لان وجوب المماثلة لا تكون الا في محل قابل للمماثلة وان لم يسلموا فالدليل على اثبات هذه القاعدة أن الاموال أنواع ثلاثة متفاوتة في نفسه كالثياب والدواب فلا تجب المماثلة فيها للمبايعة وامثال متقاربة كالسهام ولا تجب الماثلة فيها أيضا للمبايعة وأمثال متساوية كالفلوس الرائجة وتجب المماثلة فيها حيت إذا باع فلسا بغير عينه بفلسين بغير أعيانهما لا يجوز للرسنة فان بيع فلس بفلس جائز بل لوجوب المماثلة فان إحدى الفلسين يبقى بغير شئ لما كانت أمثالا متساوية بصفة الرواج فيكون ذلك ربا وإذا كان كل واحد منهما بعينه فكأن المتعاقدين أعرضا عن الاصطلاح على كونها أمثالا متساوية ولهذا يتعين بالتعيين فتصير أمثلا متقاربة كالجوز والبيض إذا عرفنا هذا فنقول الشرع هنا نص على اشتراط المماثلة في هذه الاموال فسرفنا أنها أمثال متساوية وانما تكون أمثالا متساوية بالجنس والقدر لان كل حادث في الدنيا موجود بصورته ومعناه فانما بطلت المماثلة من هذين الوجهين والمماثلة صورة باعتبار القدر لان المعيار في هذا المقدار كالطول والعرض والمماثلة معنى باعتبار الجنسية ولكن هذه المماثلة لا تكون قطعا الا بشرط وهو سقوط قيمة الجودة منها لجواز أن يكون أحدهما أجود من الآخر وإذا سقطت قيمة الجودة منها صارت أمثالا متساوية قطعا فانما يقابل البعض بالبعض في البيع من حيث الذات فإذا كان في أحد الجانبين فضل كان ذلك الفضل خاليا عن المقابلة كالخيطين إذا تقابلا وأحدهما أطول فتلك الزيادة تكون خاليه عن المقابلة والفضل الخالى عن المقابلة ربا فإذا جعل شرطا في العقد فسد به العقد وهكذا في سائر الاموال الا ان الفضل الخالي عن المقابلة هناك انما يظهر بالشرط حتى لو باع ثوبا بثوب بشرط ان يسلم له مع ذلك ثوبا آخر لا يجوز لان هناك الفضل يظهر بالشرط وهنا يظهر شرعا لوجوب المماثلة فثبت بما قررنا ان العلة لهذا الحكم بالتأثر في ايجاب المماثلة وهو الجنس والقدر وان شرط عمل العلة سقوط قيمة الجودة منها وهذا شرط عرفناه بالنص وهو قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} جيدها ورديها سواء وبدليل مجمع عليه وهو انه لو باع قفيز حنطة جيدة بقفيز حنطة ردية ودرهم لا يجوز وما كان مالا متقوما يجوز الاعتياض عنه كالبيع وانما يجوز الا عتياض عما فسد بتقومه شرعا كالخمر ونحو ذلك فلما لم يجز الاعتياض عن الجودة هنا عرفنا انه لا قيمة للجودة عند المقابلة بالجنس ثم اثبات الحكم بهذا الطريق يكون على موافقة الاصول وعلى
[ 119 ]
سطر 36:
[ 120 ]
من فعل إذا علق به الحكم يصير ذلك الفعل علة لانه انما يكون ذلك الفعل علة إذا كان صالحا له كالزنا والسرقه وإذا كانت الثمنية والطعم ينبئان عن شدة الحاجة فلا يصلحان ان يكونا علة للحرمة والذى قال ان صاحب الشرع نص على الاشياء الاربعة قلنا قد نص على الاشياء الستة وعطف بعضهاعي البعض فينبغي ان تكون العلة في الكل واحدة وذلك الجنس والقدر ثم الكيل والوزن اختلاف عبارة في القدر كلصاع والقفيز ونحوه فاما إذا كانت العلة في النفود الثمنية وفى سائر الاشياء الاربعة الطعم لم يستقيم عطف بعضها على البعض إذ لا موافقة بين الثمنية والطعم والذى قال القدر علة للخلاص لا كذلك قد بينا أن جواز البيع في هذه الاموال أصل فحيث مفسد انما يفسد لوجود العلة المفسدة لذلك فاما جواز باعتبار الاصل لا باعتبار المخلص ولئن كان هذا مخلصا فهو مخلص في حالة التساوى وعلة الربا في حالة الفضل والشئ الواحد يتضمن حكمين في محلين كالنكاح يثبت المحل للمنكوحة والحرمة في أمها وانما جعلنا القدر مخلصا لان الخلاص عن الربا بالمساواة في القدر وذلك لايعرف الا بالكيل والوزن فكذلك الوقوع في الربا بالفضل علي القدر وذلك لايعرف الا بالكيل والوزن وربما يقول بعضهم ان الحفنة مقدرة الا أنه لا يمكن معرفة مقدارها الا بضم أمثالها إليها ولا تخرج به من أن تكون مقدارا كالصرة وهذا فاسد فان المقدر لا يمكن معرفة مقداره فإذا ضم إلى الحنفة أمثالها وكيلت يصير مقدار القفيز معلوما لا مقدار الحفنه بخلاف الصبرة فانها إذا فرقت جزاء وكيلت يصير مقدار الصبرة معلوما فأما علة ربا النساء أحد هذين الوصفين اما الجنس أو القدر ثبت ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بعد الاشياء الستة وإذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئمتم بعد ان يكون يدا بيعد فقد الغي ربا النساء بعد انعدام الجنسية لبقاء أحد الوصفين والشافعي لا يخالفنا فيما هو العلة عنده أيضا وانما يخالفنا في الجنسيه بهاء علي أصله ان الجنسيه شرط لا علة وسنبين هذا الفضل في الفصل الثاني ان شاء الله تعالى وعن إبراهيم قال أسلم ما يكال فيما يوزن وأسلم ما يوزن فيما يكال ولا تسلم بالوزن فيما يوزن ولا ما يكال فيما يكال وإذا اختلف النوعان مما لا يكال ولا يوزن فلا بأس وبه واحدا باثنين يدا بيد ولا بأس به نسيئة وان كان من نوع واحد مما لا يكال ولا يوزن فلا بأس به اثنين بواحد يدا بيد ولا خير في نسيئته ونقول أما قوله أسلم ما يكال فيما يوزن غير مجري على ظاهره بل المراد إذا كان الموزون مما يصلح ان يكون مسلما فيه
[ 121 ]
سطر 42:
[ 122 ]
العلة المحرمة للفضل وقوله ولا بأس به نسيئة هذا غير مجرى على ظاهره ولكن المراد إذا كان ما يجعل مسلما فيه يصير مضبوطا بالوصف على وجه يلتحق بذكر الوصف بذوات الامثال حتى لو أسلم ثوبا في جوهرة أو درة لا يجوز وكذلك في الحيوان عندنا وقوله وان كان من نوع واحد مما لا يكال ولا يوزن فلا بأس به اثنان بواحد يدا بيد هذا مجرى على ظاهره وهو متفق عليه لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا بأس ببيع النجيبة بالابل والفرس بالافراس يدا بيد وقوله لاخير فيه نسيئة هو قول علماؤنا رحمهم الله فان الجنس عندنا يحرم النساء بانفراده حتى لو أسلم ثوبا هروبا في ثوب هروى لا يجوز عندنا وعند الشافعي يجوز وكان مالك رحمه الله يقول إن اختلفا في الصفة يجوز فكأنه يجعل اختلاف الجنس باختلاف الصفة ولو أسلم هرويا في مروى جاز عندنا وعند ابن أبى ليلى لا يجوز فكأنه يجعل اختلاف الجنس باختلاف الاصل فاما إذا اتحد الاصل فالكل عنده جنس واحد أو باعتبار تفارب المنفعة يجعل الهروي والمروى جنسا واحدا وقد نقل ذلك عنه في الحنطة والشعير أيضا أنهما من جنس واحد لتقارب المنفعة لكن هذا بعيد فان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} عطف الشعير على الحنطة ثم. قال (وإذا اختلفا النوعان فكذلك بيان أنهما حنسان) وكذلك المصنوع من أصل لا يكون جنسا للاصل كالقطن مع الثوب فكيف يكون جنسا لمصنوع آخر على هيئة أخرى من ذلك الاصل فعرفنا أن باتحاد الاصل لا تثبت المجانسة وباختلاف الصفة لا تنعدم المجانسة أيضا كما في الاموال الربوية فالحنطة العفنة مع الحنطة الجيدة جنس واحد وكذلك السقى مع التجنبي والفارسي مع الدقل في التمر جنس واحد مع اختلاف الوصف فأما الشافعي فانما بنى مذهبه على ما قلنا أن الجنسية عنده شرط وقد بينا فساد ذلك وعلى سبيل الابتداء يحتج بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالي عنه أن الني صلى الله عليه وسلم{{ص}} جهز جيشا ففرت الابل فأمرني أن اشترى بعيرا ببعيرين إلى أجل وعن على رضى الله تعالى عنه انه باع بعيرا يقال له عصفور بعشرين بعيرا إلى أجل وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما انه باع بعيرا بأربعة أبعرة الي أجل ولان هذا عقد جمع بين بدلين لو قوبل كل واحد منهما بجنسه عينا حل التفاضل بينهما فيجوز اسلام أحدهما في الاخر كالهروي مع المروى وتأثير هذا الكلام أن باعتبار التأجيل في أحد البدلين يظهر التفاوت في المالية حكما والتفاوت في المالية حقيقة أكثر تأثيرا من التفاوت في المالية حكما فإذا كان التفاوت في المالية في هذه
[ 123 ]
الاموال حقيقة لا أثر له في المنع من جواز العقد فالتفاوت حكما أو إلى وهذا لان حكم الربا في خاص من الاموال وجعل الجنسية علة تؤدى إلى تعميم حكم الربا في كل مال فما من مال الا وله جنس فما كانت الجنسية الا نظير المالية ثم لا يجوز جعل المالية علة الربا فكذلك الجنسية وحجتنا في ذلك ماروى عن النبن صلى الله عليه وسلم{{ص}} أنه نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ولا يحمل هذا علي النسيئة من الجانبين لان ذلك يستفاد بنهية صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن بيع الكالئ بالكالئ ولانه إذا قيل باع فلان بعده بالحيوان نسيئة فانما يفهم منه النسيئة في البدل خاصة ومطلق الكلام محمول على ما يتفاهمه الناس وتأويل مارووا من الاثار أنه كان قبل نزول آية الربا وكان ذلك في دار الحرب وعندنا لا يجوز الربا بين المسلم والحربي في دار الحرب فتجهيز الجيش وان كان في دار الاسلام تقل الالات كما لو كان في دار الحرب لعزتها في دار الاسلام يومئذ ولان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} سوى بين الجنسية والقدر في أول الحديث ثم. قال (وإذا اختلفا النوعان فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون بدا بيد فقد أبقى ربا النساء لبقاء ما هو قريبه وهو الجنس فكان ذلك تنصيصا على ثبوب ربا النساء عند وجود الجنسية) لا نهم متى ثبتت المساواة بين الشيئين بالنص ثم خص جنس أحدهما بحكم كان ذلك تنصيصا علي ذلك الحكم في الآخر كالرجل يقول اجعل زيدا وعمرا في العطية سواء ثم يقول اعط زيدا درهما يكون ذلك تنصيصا على أن يعطى عمرا أيضا درهما ولا يستقيم اعتبار ربا النساء بربا الفضل لاتفاقنا على ان ربا النساء أعم حتى يثبت في بيع الحنطة بالشعير وان كان لا يثبت ربا الفضل وليس الجنس كالمالية لان جعل المالية علة تؤدى إلى تعميم الربا في البيوع كلها لان البيع لا يجوز الا في مال متقوم والشرع فصل بين البيع والربا فعرفنا أن المالية ليست بعلة فيه وليس في جعل الجنسية علة تعميم الربا في العقود كلها والقياس على أصول تنعدم فيها الجنسية باطل لان انعدام الحكم عند عدم العلة دليل صحة العلة لا دليل فسادها ولان إسلام الشئ في جنسه يؤدى إلى اخلاء العقد عن الفائدة والى أن يكون الشئ الواحد عوضا ومعوضا والى فضل خال عن العوض مستحق بالبيع وذلك باطل بيانه أنه إذا أسلم ثوبا هرويا في ثوب هروى فانه يلزم تسليم رأس المال في الحال ثم إذا حل لاجل يرد ذلك الثوب بعينه والمقبوض بحكم السلم في حكم عين ما يتناوله العقد فلو جوزنا هذا العقد لم يكن مفيدا شيئا ويكون الثوب الواحد عوضا ومعوضا وإذا أسلم ثوبا هرويا في ثوبين هروبين لو جوزنا
[ 124 ]
ذلك لكان إذا حل الاجل أخذ منه ذلك الثوب بعينه وثوبا آخر فالثوب الآخر يكون فضلا خاليا عن العوض مستحقا بالبيع وهو الربا بعينه قال (واذ أسلم الرجل في الطعام كيلا معلوما وأجلا معلوما وضربا من الطعام وسطا أورديا أو جيدا واشترط المكان الذى يوفيه فيه فهو جائز). قال رحمه الله تعالى (إعلم بان السلم أخذ عاجل بآجل وهو نوع بيع لمبادلة المال بالمال اختص باسم) لاختصاصه بحكم بدل الاسم عليه وهو تعجيل أحد البدلين وتأخير الآخر كالصرف وقيل السلم والسلف بمعنى واحد وانما سمى هذا العقد به لكونه معجلا علي وقته فان أوان البيع ما بعد وجود المعقود عليه في ملك العاقد وانما يقبل السلم في العادة فيما ليس بموجود في ملكه فلكون العقد معجلا على وقته سمى سلما وسلفا والقياس يأبى جوازه لانه بيع المعدوم وبيع ما هو موجود غير مملوك للعاقد باطل فبيع المعدوم أولى بالبطلان ولكنا تركنا القياس بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) وقال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أشهد ان السلم المؤجل في كتاب الله تعالى أنزل فيه أطول آية وتلى هذه الآية والسنة ماروى أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} نهى عن بيع ما ليس عند الاسنان ورخص في السلم ففى هذا دليل أنه جوزه للحاجة مع قيام السبب المعجز له عن التسليم وهو عد وجوده في ملكه ولكن بطريق اقامة الاجل مقام الموجود في ملكه رخصة لان بالوجود في ملكه يقدر على التسليم وبالاجل كذلك فانه يقدر على التسليم إما بالتكسب في المدة أو مجئ أو ان الحصاد في الطعام وفى الحديث عن ابن عباس رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} دخل المدينة فوجدهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال صلواة الله تعالى عليه من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم فقد قررهم علي أصل العقد وبين شرائطه فذلك دليل جواز العقد ثم الشرائط التى يحتاج إلى ذكرها في السلم عند أبى حنيفة سبعة (اعلام) الجنس في المسلم فيه (واعلام النوع) (واعلا القدر) و (اعلام الصفة) و (اعلام الاجل) و (اعلام المكان) الذى يوفيه فيه فيما له حمل ومؤنة واعلام قدر رأس المال فيما يتعلق العقد علي قدره والاصل في هذه الشرائط الحديث الذى روينا فان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أمر باعلام القدر بأن ترك إعلامه يفضي إلى المنازعة التى تمنع البائع عن التسليم والتسلم فدل ذلك عن ان كل جهالة تفضى إلى المنازعة المانعة عن التسليم والتسلم يجب ازالتها بالاعلام وجهالة الجنس تفضى إلى ذلك لانه إذا أسلم في شئ
[ 125 ]
فرب السلم يطالبه باعلا الاشياء والمسلم إليه لا يعطى إلا أدنى الاشياء ويحتج كل واحد منهما على صاحبة بمطلق الاسم فلابد من اعلام الجنس لقطع هذه المنازعة وذلك اعلام النوع فانه إذا أسلم إليه في تمر فالمسلم إليه يعطيه الدقل ورب السلم يطالبه بالفارسي ويحتج كل واحد منهما على صاحبه بمطلق الاسم فلابد من اعلام النوع لقطع هذه المنازعة وكذلك اعلام الصفة لانه إذا أسلم إليه في الحنطة فرب السلم يطالبه بحنطة جيدة والمسلم إليه لا يسلم الا الردئ ويحتج كل واحد منهما باسم الحنطة فلابد من بيان الصفة لقطع هذه الخصومة واعلام القدر منصوص عليه في الحديث وجهالته تفضى إلى المنازعة ولان المقصود بهذا العقد الاسترباح ولا يعرف ذلك الا بمعرفه مقدار الماليه والمالية تختلف باختلاف الجنس والنوع والصفة والقدر فلابد من اعلام ذلك كله ليصير ما هو المقصود لكل واحد منهما معلوما له فأما الاجل فهو من شرائط السلم عندنا وقال الشافعي الاجل يثبت ترفيها لا شرطا حتى يجوز السلم عندنا حالا في الموجود فأما في المعدوم لا يجوز السلم الا مؤجلا واحتج في ذلك بالحديث ورخص في السلم فاثبت في السلم رخصة مطلقة واشتراط التأجيل فيه لا يكون زيادة على النص والمعنى فيه أنه صار معاوضة مال بمال فيكون الاجل فيه ترفيها لا شرطا كالبيع والاجارة وهذا لان المسلم فيه دين وشرط جواز العقد القدرة على التسليم وتسليم الدين بالمثل الموجود في العالم والظاهر من حال العاقل انه لا يقدم علي التزام تسليم مالا يقدر علي تسليمه فإذا قيل السلم فيما هو موجود في العالم فالظاهر انه قادر علي تسليمه وذلك يكفى لجواز العقد وان لم يكن قادرا علي التسليم فيما يدخل في ملكه من رأس المال يقدر علي التحصيل والتسليم ولهذا أوجبنا تسليم رأس المال علي رب السلم أولا قبل قبض المسلم فيه وبهذا فارق الكتابة الحالة. قال (فانى لاأجوز الكتابة الحالة فان العبد يخرج من يد مولاه غير مالك لشئ) فلا يكون قادرا على تسليم البدل وربما يدخل في ملكه بالعقد لا يقدر على التحصيل الا بمدة فلهذا لاأجوزه الا مؤجلا فأما المسلم إليه حر من أهل الملك قبل العقد فالظاهر قدرته على التسليم الا ان يكون معدما في العالم فحينذ لا يقدر علي التسليم الا بوجوده في أوانه فلا يجوز السلم فيه الامؤجلا وحجتنا في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم فقد شرط لجواز السلم اعلام الاجل كما شرط اعلام القدر والمراد بيان أن الاجل من شرائط السلم كالرجل يقول من أراد الصلاة فليتوضأ
[ 126 ]
سطر 57:
[ 127 ]
الا مؤجلا ولم يبين في الكتاب أدنى الاجل في السلم وذكر أحمد بن أبى عمران من أصحابنا رحمهم الله تعالى أن أدنى الاجل فيه ثلاثة أيام اعتبار للاجل بالخيار الذى ورد الشرع فيه بالتقدير بثلاثة أيام وكان أبو بكر الرازي يقول أدنى الاجل فيه أن يكون أكثر من نصف يوم لان المعجل ما كان مقبوضا في المجلس والمؤجل ما يتأخر قبضه عن المجلس ولا يبقى المجلس بينهما في العادة أكثر من نصف يوم ومن مشايخنا رحمهم الله تعالى من قال أدنى الاجل شهرا استدلالا بسمئلة كتاب الايمان إذا حلف المدين ليقضين دينه عاجلا فقضاه قبل تمام الشهر برفى يمينه فإذا كان ما دون الشهر في حكم العاجل كان الشهر فما فوقه في حكم الآجل فاما تعجيل رأس المال فنقول إذا كان رأس المال دراهم أو دنانير يكون التعجيل فيه شرطا قياسا واستحسانا لان الدارهم والدنانير لا يتعينان في العقود فيكون هذا بيع الدين الدين وذلك لا يجوز لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن بيع الكالئ بالكالئ يعنى النسيئة بالنسيئة فاما إذا كان رأس المال عروضا هل يكون التعجيل شرطا القياس أن لا يكون شرطا وفى الاستحسان يكون شرطا وجه القياس ان العروض سلعة تتعين في العقود بخلاف الدراهم فلو لم يشترط التعجيل لا يؤدي إلى بيع الدين بالدين وجه الاستحسان ان السلم أخذ عاجل بآجل والمسلم فيه آجل فوجب أن يكون رأس المال عاجلا ليكون حكمه ثابتا على ما يقتضه الاسم لغة كالصرف والحوالة والكفالة فان هذه العقود تثبت أحكامها بمقتضيات أساميها لغة ومن علماؤنا رحمهم الله تعالي من عبر وقال شرط جواز السلم اعلام قدر رأس المال وتعجيله واعلام المسلم فيه وتأجيله وبعضهم عبر بعبارة أخرى شرط جواز السلم أن يكون المسلم فيه مضبوط الوصف معلوم القدر موجودا من وقت العقد إلى وقت التسليم فاما بيان ما كان الايفاء فيما له حمل ومونة من شرائط جواز السلم في قول أبى حنيفة الآخر وكان يقول أولا ليس بشرط ولكن ان بين مكانا ان تعين ذلك المكان للايفاء وان لم يبين يتعين موضع العقد للايفاء وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وحجتهما في ذلك ان موضع العقد موضع الالتزام فيتعين لايفاء ما التزمه في ذمته كموضع الاستقراض والاستهلاك وهذا لان المسلم فيه دين ومحله الذمة فانما يصير مملوكا لرب السلم في ذلك المكان والتسليم انما يجب في الموضع الذى ثبت الملك له فيه ألا ترى أن من باع حنطة بعينها بالسواد يجب تسليمها موضع الحنطة لانه ملكها في ذلك الموضع ولان أحد البدلين وهو رأس المال يجب (9 ثانى عشر مبسوط)
[ 128 ]
سطر 66:
[ 130 ]
النصف أو الثلث وذلك لا يؤدى إلى جهالة المسلم فيه وان لم يكن معلوم الذرع بخلاف المقدار علي مابينا وانما لم يذكر في جملة الشرائط تعجيل رأس المال في المجلس لانا عددنا الشرائط التى يحتاج إلى ذكرها في العقد وتعجيل رأس المال ليس من ذلك في شئ لان فلك شرط بقاء العقد لاشرط انعقاده صحيحا فان العقد بينهما لازم قبل تعجيل رأس المال مادما في المجلس فلهذا لم يذكره من جملة الشرائط. قال (وإذا شرط طعام قربة بضيها أو أرض خاصة لا يبقى طعامها في أيدى الناس فالسلم فاسد) لما روى أن زيد بن شعبة أسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في التمر فقال أسلمت اليك في تمر حائط فلان فقال صلي الله عليه وسلم أما حائط فلان فلا أسلم إلى في تمر جيد وفى مثله قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} أرأيت لو أذهب الله ثمرته بم يستحل أحدكم مال أخيه لا تسلفوا في الثمار حتى يبدو صلاحها وفى هذا إشارة إلى المعنى وهو ان قدرة العاقد على التسليم عند وجوب التسليم شرط لجواز العقد ولا يعلم قردته على التسليم عند حلول الاجل الا بوجود الثمار في تلك النخلة أو الحائط الذى عينه ووجود ذلك موهوم وبالموهوم لا تثبت القدرة على التسليم وكذلك إذا عين أرضا لا يبقى طعامها في أيدى الناس فقدرته على التسليم عند وجوب التسليم موهوم. قال (ولا بأس بان يأخذ بعض رأس ماله وبعض ما أسلم فيه إذا حل الاجل عندنا) وهو قول ابن عباس رضى الله عنهما وكان عبد الله بن عمر رضى الله عنهما لا يجوز ذلك وبه أخذ ابن أبى ليلى. قال (وإذا أخذ بعض رأس ماله فسد العقد ويسترد ما بقى من رأس المال) لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا تأخذ الا سلمك أو رأس مالك فإذا أخذ بعض كل واحد منهما فلم يأخذ لا هذا ولا ذاك فلا يتمكن منه شرعا ولانه حين أخذ بعض رأس المال فقد اختار فسخ العقد فينفسخ في الكل وحجتنا في ذلك ان أخذ رأس المال إقالة ولو أقاله في الكل جاز فلذلك إذا أقاله البعض يجوز أيضا كما في بيع العين وتأويل الحديث أن النهى عن أخذ شئ آخر سوى رأس المال والمسلم فيه وأنه في هذا الموضع ما أخذ غير رأس المال وغيره المسلم فيه وانما يكون ذلك عند الاستبدال وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال ذلك المعروف الحسن الجميل وكان يكفيه أن يقول جائز وانما ذكر هذا اللفظ لان السلم بدون ثمن المثل يكون عادة والمسلم إليه بندم عند محل الاجل وقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} من أقال نادما بيعته أقال الله عثراته يوم القيامة إلا أنه لو أقاله في الكل فات مقصود رب السلم وهو
[ 131 ]
الربح فأقاله في البعض انتدابا إلى ماندب إليه واستوفى بعض المسلم فيه ليحصلا مقصوده في الربح ففيه النظر لهما وهو المعروف الحسن الجميل. قال (والسلم جائز فيما يكال أو يوزن مما لا ينقطع من أيدى الناس) والاصل فيه ان كل ماكان مضبوطا بوصفه معلوما بقدره موجودا من وقت عقده إلى حين أجله يجوز السلم فيه ومالا فلا وقيل كل ما يمكن أن يؤتى على حصر متقاربة ويكون مقدور التسليم يجوز السلم فيه وقيل كل ما يمكن معرفة كميته اجتهادا وكيفيته ضرورة يجوز السلم فيه والمكيلات والموزونات بهذه الصفة. قال (ولا خير في السلم في الرطبة ولا في الحطب حزما ولا جرزا وأوقارا لان هذا مجهول لايعرف طوله وعرضه وغلظه فان الاوقار تختلف وبسبب هذه الجهالة تتمكن المنازعة بينهما وقد بينا أن كل جهالة تفضي إلى المنازعة فهى مفسده للعقد وان عرف ذلك فهو جائز) معناه إذا بين طول ما تشد به الحزمة أنه ذراع أو شبر فان كان ذلك على وجه لا يتفاوت فحينئذ يجوز السلم لكون المسلم فيه معلوما مقدور التسليم. قال (ولا خير في السلم في جلود الابل والبقر والغنم عندنا) وقال مالك بانه يجوز لانه مقدور التسليم معلوم المقدار بالوزن والصفة بالذكر ولكنا نقول الجلود لا توزن عادة ولكنها تباع عددا وهى عددية متفاوتة فيها الصنير والكبير فلا يجوز السلم فيها وفي الحاصل هذا مبنى على السلم في الحيوان فقد قامت الدلالة لنا على أن السلم في الحيوان لا يجوز فكذلك في أبعاض اليحوان ولهذا لا يجوز السلم في الاكارع والرؤس وكذلك لا يجوز السلم في الادم والورق لانه مجهول فيه الصغير والكبير الا أن يشترط من الورق والصحف والادم ضربا معلوم الطول والعرض والجودة فحينئذ يجوز السلم فيه كالثياب وكذلك الادم إذا كان يباع وزنا فانه يجوز السلم فيه بذكر الوزن إذا كن على وجه لا تتمكن المتنازعة بينهما في التسليم والتسلم. قال (ولا خير في السلم في شئ من الحيوان عندنا) وعند الشافعي يجوز إذا بين الجنس والنوع والصفة وللسن واحتج في ذلك بما روينا من الاثار أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} استقرض بكرا وقضاه رباعيا وقال خيركم أحسنكم قضاء والسلم أقرب إلى الجواز من الاستقراض فإذا ثبت جواز استقراض الحيوان بهذا الحديث ثبت جواز السلم فيه بطريق الاولى والمعنى فيه أنه مبيع معلوم مقدور التسليم فيجوز السلم فيه كالثياب والمكيلات والموزونات وبيان الوصف انه يجوز بيعه عينا والدليل على انه معلوم فانه إذا سمى الابل صار الجنس معلوما وإذا قال حيوان
[ 132 ]
صار النوع معلوما وإذا قال جذع أوثنى يصير السن معلوما وإذا قال ثمين تصير الصفة معلومة واعلام الشئ من الاعيان بهذا الاشياء وشرط جواز العقد اعلام العين ولا يعتبر بعد ذلك جواز نفع في المالية كما في الذبائح والثياب الفاخرة والدليل عليه أن بنى إسرائيل استوصفوا البقرة فوصفها الله تعالى لهم وادركوها بتلك الصفة حيث قالوا الآن جئت بالحق وقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا يصف الرجل الرجل بين يدى امرأته حتى كأنها تنظر إليه فقد جعل الموصوف من الحيوان كالمرئي والدليل عليه انه يثبت في الذمة مهرا وان الدعوى والشهادة في الحيوان تسمع بذكر الصفة فدل أنها تصير معلومة بذكر الوصف بخلاف اللآلئ والجواهر فالسلم في الصغار من اللالئ يجوز وزنا أما الكبار منها فلا يمكن إعلامها لكون المقصود التدوير والصفا والماء وليس لذلك حد معلوم يوقف عليه فإذا بالغ في بيانه يصير بذلك عديم النظير وفي مثله لا يجوز السلم ولهذا لا يثبت مهرا في الذمة وحجتنا في ذلك حديث ابن عباس رضى الله تعالى عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم نهى عن السلم في الحيوان وفى الكتاب. قال (بلغنا عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه) وانما فسر هذا الحديث في أول كتاب المضاربة أن ابن مسعود رضى الله تعالي عنه دفع مالا مضاربة إلى زيد بن خليدة فأسلمها زيد الي عتويس بن عرقوب في قلانص معلومة فقال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه اردد مالنا لا نسلم أموالنا في الحيوان وقد روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه انه قال ان من الربا أبوابا لا يكدن يخفين على أحد منها السلم في السن وقد بينا تأويل آثارهم وما روى انه استقرض بكرا فالمراد استعجل في الصدقة ثم لم تجب الزكاة على صاحبها فردها رباعيا أو استقرض لبيت المال وكما يجوز أن يثبت لبيت المال حق مجهول يجوز أن يثبت ذلك علي بيت المال أيضا والمعنى فيه انه أسلم في مجهول فلا يجوز كما لو أسلم في الحلقات أو الجواهر وهذا لان المسلم فيه مبيع وشرط جواز العقد القدرة على التسليم ولا يوجد ذلك إذا كان المسلم فيه مجهولا وبيان الوصف ان بعد ذكر الاوصاف التى يشترطها الخصم يبقى تفاوت عظيم في المالية فانك تجد فرسين مستويين في السن والصفة ثم تشترى أحدهما بأضعاف ما تشترى به الآخر لتفاوت بينهما في المعاني الباطنة كالهملجة وشدة العدو وكذلك في البعيرين وهذا في بنى آدم لا يخفى فان العبدين والامتين يتساويان في السن والصفة ويختلفان في المالية لتفاوتهما في الذهن
[ 133 ]
والكياسة وفيه يقول القائل رب واحد يعدل الفا زائدا * وألوف تراهم لا يساوون واحدا وكما أن العين مقصود فالمالية أيضا مقصودة بل أكثر لان المقصود هو الاسترباح وذلك بالمالية يكون فإذا كان الحيوان بذكر الاوصاف لا يلتحق بذوات الامثال في معنى المالية قلنا لا يجوز السلم فيها بخلاف الثياب فانها مصنوع بنى آدم فما لم يكن معلوما لهم لا يتمكنون من اتخاذها والثياب إذا نسجت في منوال واحد على هيئة واحدة لا تتفاوت في المالية الا يسيرا ولا معتبر بذلك القدر كالتفاوت بين الجيد والردى في الحنطة في المالية فأما الحيوان مصنوع الله تعالى وذلك يكون على ما يريده فقد يكون علي وجه لا نظير له ولو بالغ فاستقصى في بيان وصفه يصير عديم النظير وذلك لا يجوز السلم فيه بالاتفاق ويوضحه ان أقرب الحيوانات الي الثياب الغنم وما هو المقصود من الغنم غير مرئى بل هو تحت الجلد ويقع فيه تفاوت عظيم وما هو المقصود في الثياب ظاهر مرئى وقد ذكر عمرو بن أبى عمرو عن محمد رحمهما الله تعالى قال قلت له انمالا يجوز السلم في الحيوان لانه غير مضبوط بالوصف. قال (لافانا نجوز السلم في الذبائح ولا نجوز في العصافير) ولعل ضبط العصا فير بالوصف أهون من ضبط الذبائح ولكنه للسنة وانما ذكر الله تعالى لبنى إسرائيل الاوصاف الظاهرة وذلك يمكن أعلامه عندنا ثم كان المقصود التشديد عليهم لما استقصوا في الاستيصاف هكذا قاله ابن عباس رضي الله عنه وانما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن الاستيصاف لخوف الفتنة وذلك يقع بالاوصاف الظاهرة وكذلك سماع الدعوى والشهادة لان الاوصاف الظاهرة منها تصير معلومة وثبوتة في الذمة مهر الكون النكاح مبنيا على التوسع فان المقصود به شئ آخر سوى المالية بخلاف السلم ولهذا يجوز من غير بيان الوصف هناك. قال (ولا بأس السلم في الثياب كلها بعد ان يشترط ضربا معلوما وطولا وعرضا بذارع معلوم واجلا وصفة معلومة) لان مقدار المالية بذكر هذه الاوصاف يصير معلوما عادة والتفاوت الذى يقع بعد هذا يسير واليسير من التفاوت غير معتبر لانه لا يتمكن بسببه منازعة مانعة من التسليم والتسلم ولا يشترط الوزن بخلاف الحرير فانه إذا أسلم في الحرير ينبغى أن يشترط الوزن لان قيمة الحرير تختلف باختلاف الوزن وينبغى ان يشترط الطول والعرض مع الوزن لان المسلم إليه ربما يأتي وقت حلول الاجل يقطع الحرير بذلك الوزن ونحن نعلم يقينا انه
[ 134 ]
لم يرد به قطع الحرير. قال (وكل شئ ينقطع من أيدى الناس فلا خير في السلم فيه) وهذه المسألة على أربعة أوجه (أحدها) أن يكون المسلم فيه موجودا عند العقد منقطعا عن أيدى الناس عند حلول الاجل فلهذا لا يجوز بالاتفاق لان السلم إليه بالعقد يلتزم التسليم عند حلول الاجل فإذا لم يكن مقدور التسليم عند ذلك لا يجوز العقد (الثاني) ان يكون منقطعا وقت العقد موجودا في أيدى الناس عند حلول الاجل فهذا لا يجوز عندنا ويجوز عند الشافعي (الثالث) أن يكون موجودا عند العقد وعند حلول الاجل ولكنه ينقطع عن أيدى الناس فيما بين ذلك فهذا لا يجوز عندنا وعلى قول مالك والشافعي رحمهما الله (الرابع) أن يكون موجودا من وقت العقد إلى وقت المحل على وجه لا ينقطع فيما بين ذلك فيكون العقد صحيحا بالاتفاق وحجتهم في ذلك حديث عبد الله بن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم دخل المدينة فوجدهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين وربما قال ثلاث سنين فقال من اسلم منكم فليسلم في كيل معلوم ومعلوم أن الثمار الرطبة لا تبقى إلى هذه المدة الطويلة ومع هذا قرهم علي السلم فيها والمعنى فيه وهو ان المسلم فيه معلوم مقدور التسلم عند وجوب التسليم فيجوز العقد كما لو كان موجودا من وقت العقد إلى وقت المحل وبيان الوصف أن وجوب التسليم بحكم العقد عند حلول الاجل وعند ذلك هو موجود في العالم والقدرة على تسليم الدين بوجود جنسه في العالم ولا معنى لقول من يقول من الجائز أن يموت المسلم إليه عقيب العقد فيحل الاجل لان هذا موهوم ولا يبنى العقد على الموهومات الا ترى أن اعتبار هذا الموهوم يؤدى إلى الحلول أو جهالة الاجل وذلك مبطل لعقد السلم وان كان موجودا في الحال فدل أنه لا يعتبر ذلك وكذلك ان كان ينقطع فيما وراء ذلك المحل يجوز العقد وان كان يتوهم أن يتأخر التسليم إلى ان ينقطع وليس هذا نظير مالو عين مكيالا أو قيما تخالف مابين الناس لان بطلان العقد ليس باعتبار هلاك ما عينه بل باعتبار جهالة قدر المسلم فيه كتعيين المسلم فيه لا لانه يتوهم أو يصيب ثمار تلك النخلة آفة والدليل أن وجود السلم فيه في مكان العقد ليس بشرط بجواز العقد فكذلك في زمان العقد لا التسليم لا يتأتى الا بمكان أو زمان فكل يسقط اعتبار وجوده في مكان العقد فكذلك في زمان العقد وحجتنا في ذلك قوله صلي الله عليه وسلم لا تسلفوا في الثمار حتى يبدو صلاحها وفى الحديث المعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ولم يرد به النهى عن بيعها سلما والمعنى فيه أن قدرة العاقد
[ 135 ]
سطر 90:
[ 138 ]
صفة السمن والهزال معلومة وبخلاف الشحم والالية فالتفاوت فيهما من حيث القلة والكثرة وبذكر الوزن يزول ذلك وعلى هذا الطريق منزوع العظم سواء وهو الاصح. قال (ولاخير في السلم في السمك الطرى في غير حينه) لانه ينقطع عن أيدي الناس ولانه مختلف فالنكتة الاولى تدل علي أنه إذا أسلم في حينة يجوز والنكتة الثانية تمنع من ذلك وحاصل الجواب أن السلم فيه في غير حينه لا يجوز وزنا ولا عددا وفى حينه يجوز وزنا ولا يجوز عددا لان فيه الصغير والكبير الا أن الناس اعتادوا بيعه وزنا والتفاوت في المالية ينعدم بذكر الوزن وأبو حنيفة يفرق بين هذا وبين السلم في اللحم لما بينا أن العظم ليس بمقصود من اللحم حتى يجرى المماكسة في نزعه فانه يشتمل على السمن والهزال وذلك لا يوجد في السمك وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله ان الكبار من السمك الذى يقطع لا يجوز السلم فيها وزنا بمنزلة السلم في اللحم فانه إذا كان يقطع تجرى المماكسة في نزع العظم منه وتختلف رغائب الناس باختلاف الموضع منه فاما السمك المالح فلا بأس بالسلم فيه وزنا معلوما ولا خير فيه عددا أما الصغار منه فانه يباع وزنا ولا سمن له وهو مما لا ينقطع عن أيدى الناس فيجوز السلم فيه وزنا وفي الكبار لا يجوز السلم عددا للتفاوت ويجوز وزنا وعن أبى يوسف أنه لا يجوز ذلك بخلاف اللحم فهناك يتمكن من اعلام موضع الخبث أو الطهر ولا يتأتى ذلك في السمك فلا يجوز السلم فيه وزنا. قال (وإذا أسلم في الجذوع ضربا معلوما وسمى طوله وغلظه وأجله والمكان الذى يوفيه فيه فهو جائز) لانه مذروع معلوم كالثياب وكذلك الساج وصنوف العيدان والخشب والقصب واعلام الغلظ في القصب باعلام ما يسد به الظن بشبر أو ذراع أو نحو ذلك فعند ذلك لا تجرى المنازعة بينهما. قال (وإذا استصنع الرجل عند الرجل خفين أو قلنسوة أو طستا أو كوزا أو آنية من أواني النحاس فالقياس ان لا يجوز ذلك) لان المستصنع فيه مبيع وهو معدوم وبيع المعدوم لا يجوز لنهية صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن بيع ما ليس عند الانسان ثم هذا في حكم بيع العين ولو كان موجودا غير مملوك للعاقد لم يجز بيعه فكذلك إذا كان معدوما بل أولى ولكنا نقول نحن تركنا القياس لتعامل الناس في ذلك فانهم تعاملوه من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} إلى يومنا هذا من غير نكير منكر وتعامل الناس من غير نكير أصل من الاصول كبير لقوله صلي الله عليه وسلم ما رأه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا تجتمع أمتى علي ضلالة
[ 139 ]
وهو نظير دخول الحمام بأجر فانه جائز لتعامل الناس وان كان مقدار المكث فيه وما يصب من الماء مجهولا وكذلك شرب الماء من السقا بفلس والحجامة بأجر جائز لتعامل الناس وان لم يكن له مقدار فما يشترط أن يصنع من الكنة على ظهره غير معلوم وفي الحديث أن النبي صلي الله عليه وسلم استصنع خاتما واستصنع المنبر فإذا ثبت هذا يترك كل قياس في مقابلته وكان الحاكم الشهيد يقول الاستصناع مواعدة وانما ينعقد العقد بالتعاطي إذا جاء به مفروغا عنه ولهذا ثبت فيه الخيار لكل واحد منهما والاصح انه معاقدة فانه أجرى فيه القياس والاستحسان والمواعيد تجوز قياسا واستحسانا ثم كان أبو سعيد البردعى يقول المعقود عليه هو العمل لان الاستصناع اشتغال من الصنع وهو العمل فتسمية العقد به دليل على أنه هو المعقود عليه والاديم والصرم فيه بمنزلة الآلة للعمل والاصح أن المعقود عليه المستصنع فيه وذكر الصنعة لبيان الوصف فان المعقود هو المستصنع فيه ألا ترى انه لو جاء به مفروغا عنه لامن صنعته أو من صنعته قبل العقد فأخذه كان جائزا والدليل عليه أن محمدا قال إذا جاء به مفروغا عنه فللمستصنع الخيار لانه اشترى شيئا لم يره وخيار الرؤية انما يثبت في بيع العين فعرفنا أن البيع هو المستصنع فيه. قال (وإذا عمله الصانع فقبل أن يراه المستصنع باعه يجوز بيعه من غيره) لان العقد لم يتعين في هذا بعد ولكن إذا أحضره ورآه المستصنع فهو بالخيار لانه اشترى ما لم يره وقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه وعن أبى يوسف قال إذا جاء به كما وصفه له فلا خيار للمستصنع استحسانا لدفع الضرر عن الصانع في افساد أديمه وآلاته فربما لا يرغب غيره في شرائه على تلك الصفة فلدفع الضرر عنه قلنا بانه لا يثبت له الخيار وفرق في ظاهر الرواية بين هذا والسلم. وقال لا فائدة في اثبات الخيار في السلم لان المسلم فيه دين في الذمة وإذا رد المقبوض عاد دينا كما كان وهنا اثبات الخيار مقيد لانه مبيع عين فبرده ينفسخ العقد ويعود إليه رأس ماله ويوضح الفرق أن اعلام الدين بذكر الصفة إذ لا يتصور فيه المعاينة فقام ذكر الوصف في المسلم فيه مقام الرؤية في بيع العين فاما إعلام العين فتمامه بالرؤية والمستصنع فيه مبيع عين فلهذا يثبت فيه خيار الرؤية. قال (فان ضرب لذلك أجلا وكانت تلك الصناعة معروفة فهو سلم) في قول ابى حنيفة تعتبر فيه شرائط السلم من قبض رأس المال في المجلس ولا خيار فيه لرب السلم إذا أحضره المسلم إليه وهو عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى استصناع علي حاله لانه بدون ذكر الا حل عقد
[ 140 ]
سطر 102:
[ 142 ]
بالسلم في العصير في حينه وزنا أو كيلا) لانه يوزن أو يكال كاللبن وكذلك الخل لا بأس بالسلم فيه كيلا معلوما أو وزنا معلوما لانه يكال ويوزن واعلام المقدار بذكر كل واحد منهما محصل والاصل ان ما عرف كونه مكيلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فهو مكيل أبدا وان اعتاد الناس بيعه وزنا وما عرف كونه موزونا في ذلك الوقت فهو موزون أبدا وما لم يعلم كيف كان يعتبر فيه عرف الناس في كل موضع ان تعارفوا فيه الكيل والوزن جميعا فهو مكيل وموزون وعن أبى يوسف ان المعتبر في جميع الاشياء العرف لانه نما كان مكيلا في ذلك الوقت أو موزونا في ذلك الوقت باعتبار العرف لا بنص فيه من رسول الله صلي الله عليه وسلم ولكنا نقول تقرير رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} إياهم علي ما تعارفوه في ذلك الشئ بمنزلة النص منه فلا يتغير بالعرف لان العرف لا يعارض النص قال (وان أسلم في تمر ولم يسم فارسيا ولاد قلا لم يجز) لان التمر أنواع فبدون ذكر النوع لا تنقطع المنازعة فان اشترط فارسيا فلا بد من أن يشترط جيدا أو وسطا أو رديا لان كل نوع من التمر يشتمل على هذه الاوصاف الثلاثة والمالية تختلف بجنسها. قال (ولا خير في السلم في شئ من الطيور ولا في لحومها) لان آحادها تختلف في المالية فكانت عددية متفاوتة وهما فرقا بين هذا وبين السلم في اللحم لان هناك يمكن اعلام المسلم فيه بذكر الموضع ولا يتأنى ذلك في لحوم الطير وعن أبى يوسف قال ما لا تتفاوت آحاده في المالية كالعصافير ونحوها يجوز السلم في لحومها. قال (ولا خير في السلم في شئ من الجواهر واللؤلؤ أما الصغار من اللآلئ التى تباع وزنا وتجعل في الادوية يجوز السلم فيها وزنا واما الكبار منها تتفاوت آحادها في المالية وهى عددية متفاوتة لا يمكن اعلام ما هو المقصود منها فلا يجوز السلم فيها. قال (ولا بأس بالسلم في الجص والنورة كيلا) لانه كيل معلوم وهو مقدور التسليم في كل وقت. قال (ولا خير في السلم في الزجاج الا أن يكون مكسورا فيشترط وزنا معلوما وكذلك جوهر الزجاج فانه موزون معلوم على وجه لا تفاوت فيه اما الاواني المتخذة من الزجاج فهى عددية متفاوتة فلا يجوز السلم فيها بذكر العدد ولا بذكر الوزن) لان ذلك لا يوزن ولا تعلم ماليته بوزنه الا أن يكون شيئا معروفا يعلم انه لا يتفاوت في المالية كالمكاحل والمطابق فان آحاد ذلك لا تختلف في المالية إنما تختلف أنواعه وكل نوع منه معلوم عند اهل الصنعة فيجوز السلم فيه بذكر العدد. قال (وإذا أسلم الرجل إلى رجل ألف درهم في طعام خمسمائة من ذلك كانت دينا عليه وخمسمائة
[ 143 ]
سطر 114:
[ 146 ]
أبى حنيفة الثلث كثير فان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال لسعد رضى الله تعالى عنه والثلث كثير فإذا وجد الثلث زيوفا فرده يبطل العقد بقدره ووجه هذه الرواية ان قلة الشئ وكثرته تتبين بالمقابلة فان العشرة بمقابلة الدرهم كثيرة وبمقابلة المائة قليلة فإذا كانت الزيوف دون النصف قلنا إذا قوبلت الزيوف بالجياد فالزيوف قليلة وان كانت أكثر من النصف فهى كثيرة عند المقابلة بالجياد فإذا كان النصف سواء ففى رواية كتاب البيوع قال هذا كثير لا يقابله ما هو أكثر منه لتتبين قلته بالمقابلة وفى كتاب الصرف قال الشرط كثرة المردود ولا تتبين كثرته إذا لم يكن ما يقابله أقل منه وقد كان العقد صحيحا في الكل فلا تنتقض بالشك وكذلك حكم الصرف في جميع ما ذكرنا. قال (رجل أسلم الي رجل في طعام وأخذ منه كفيلا بالمسلم فيه ثم صالح الكفيل علي رأس ماله وذلك دين) فالصلح موقوف علي اجازة المسلم إليه في قول ابى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى فان اختار رد رأس المال جاز وان رد الصلح بطل واسترد الكفيل دراهمه وطالب رب السلم بطعام السلم أيهما شاء وعند أبى يوسف الصلح جائز بين الكفيل ورب السلم ويرجع الكفيل على المسلم إليه بطعام السلم وهذا إذا كان رأس المال دراهم أو دنانير فان كان رأس المال عروضا لا يجوز الصلح بالاتفاق لانه إذا كان رأس المال ثوبا فاما ان يصح الصلح عن ذلك الثوب بعينه وهو باطل لانه ملك المسلم إليه فلا يكون الكفيل قادرا علي تسليمه واما أن يصح علي ثوب غيره وهو باطل أيضا لانه يكون استبدالا برأس المال وكذلك الصلح على قيمة ذلك الثوب يكون استبدالا فلا يجوز فاما إذا كان رأس المال دراهم أو دنانير فالخلاف فيه يتحقق وجه قول ابى يوسف وهو أن صلح الكفيل عن المسلم فيه على رأس المال كالصلح عن سائر الديون على أي بدل كان بدليل جواز ذلك من الاصل ثم الكفيل في سائر الديون لو صالح على بدل جاز صلحه ورجع علي المكفول عنه بما كفل عنه فكذلك الكفيل بالسلم ادا صالح على رأس المال وهذا لان الكفيل مطلوب بالمسلم فيه كالاصيل إذا كان قادرا علي تسليم رأس المال إليه وبهذا فارق مالو كان رأس المال عينا في يد المسلم إليه لان الكفيل لا يقدر على تسليمه ولو صالح علي قيمته كان مستبدلا لامسترد الرأس المال ولا يقال في هذا الصلح تمليك طعام السلم من الكفيل لان تمليك الدين من غير من عليه الدين في سائر الديون لا يجوز الصلح أيضا ثم جاز الصلح مع الكفيل في سائر الديون عرفنا انه ليس بتمليك الدين ولكن يعقد الكفالة كما وجب للطالب على الكفيل
[ 147 ]
سطر 123:
[ 149 ]
الابتداء لو اختار المشاركة معه كان صاحب الثوب بالخيار بين أن يعطيه خمسة وعشرين درهما وبين أن يعطيه نصف الثوب لان من حجته أن يقول مبنى الصلح علي التجوز بدون الحق انما توصلت إلى نصيبي لانى رضيت بدون حقى بخلاف مااذا اشترى بنصيبه ثوبا وهذا فرق معروف في كتاب الصلح وكذلك لو كان بالسلم كفيل فصالح أحد صاحب السلم مع الكفيل علي رأس ماله فهو كالصلح مع الاصيل على الخلاف الذى بينا. قال (وإذا أسلم الرجل إلى رجل دراهم في طعام ثم صالحه على رأس ماله ثم أراد أن يشترى برأس ماله شيئا قبل أن يقبضه) في القياس له ذلك وهو قول زفر لان عقد السلم ارتفع بالفسخ بقى رأس المال في ذمته بحكم القبض لا بحكم العقد وهو دين لا يستحق قبضه في المجلس فيجوز الاستبدال به كسائر الديون الا ترى أن السلم لو كان فاسدا كان له أن يستبدل برأس المال قبل الاسترداد لهذا المعنى واستحسن علماؤنا رحمهم الله فقالوا لا يجوز ذلك لحديث أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال إذا أسلمت في شئ فلا تصرفه في غيره فلو جوزنا هذا كان صرافا حقه من طعام السلم إلى شئ آخر بهذا الطريق وفي الحديث المعروف لا تأخذ الاسلمك أو رأس مالك وبهذا الطريق نأخذ شيئا آخر غير رأس المال وغير المسلم فيه وذلك غير جائز ثم حال رب السلم مع المسلم إليه بعد الفسخ كحال المسلم إليه مع رب السلم حال قيام العقد قبل قبض رأس المال فكما لا يجوز الاستبدال هناك فكذلك لا يجوز هنا وبه فارق السلم الفاسد من الاصيل لانه ماكان موجبا تسليم رأس المال ليعتبر الانتهاء بالابتداء وهنا العقد كان موجبا تسليم رأس المال فاعتبرنا حال الفسخ بحال العقد في المنع من الاستبدال. قال (وإذا أسلم دراهم ودنانير في طعام وقد علم وزن أحدهما ولم يعلم وزن الآخر فلا خير فيه) عند أبى حنيفة وجائز عندهما لان اعلام قدر رأس المال عندهما ليس بشرط والاشارة إلى العين تكفى وعند أبى حنيفة اعلام القدر فيما يتعلق العقد على قدره شرط فإذا لم يعلم وزن احدهما بطل العقد في حصته لانعدام شرط الجواز فيبطل في حصة الآخر أيضا لاتحاد الصفقة أو لجهالة حصة الآخر والسلم في المجهول لا يصح ابتداء. قال (وإذا أسلم عشرة دراهم في ثوبين أحدهما هروى والآخر مروى فما لم تتبين حصة كل واحد منهما من رأس المال لا يجوز العقد) عند أبى حنيفة كما في الحنطة والشعير لان الانقسام باعتبار القيمة وطريق معرفته الحرز فلا يتيقن بحصة كل واحد من الثوبين الا بالقسمة وان كانا موصوفين بصفة واحدة ففى القياس كذلك لان الثياب
[ 150 ]
سطر 132:
[ 152 ]
وذكر الحسن عن زفر رحمهما الله تعالى انه لا يجوز فعلى رواية ابن شجاع قال كل دين لا يجوز قبضه في المجلس ويجوز التأجيل فيه فأخذ الرهن والكفيل به صحيح للتوثيق والمسلم فيه بهذه الصفة بخلاف رأس المال وبدل الصرف وعلى الرواية الاخرى قال كل دين لا يجوز الاستبدال به قبل القبض فأخذ الرهن والكفيل به لا يجوز لان في الكفالة اقامة ذمة الكفيل مقام ذمة الاصيل فيكون في معنى الاستبدال من حيث المحل والحوالة كذلك وفي الرهن يصير مستوفيا بالهلاك والرهن ليس من جنس الدين فكان هذا استبدالا فعلى هذا لا يجوز الرهن بالمسلم فيه ورأس المال وبدل الصرف وحجتنا في ذلك ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} انه اشترى من يهودى طعاما نسيئة ورهنه درعه وشراء الطعام نسيئة يكون سلما وقد روى عن ابن عباس رضي الله تعالي عنهما أنه جوز الرهن بالسلم واستدل فيه بقوله تعالى (يا أيها الذى آمنوا إذا تداينتم بدين إلى قوله تعالى فرهان مقبوضة) والمعنى فيه أن عند هلاك الرهن يصير مستوفيا عين حقه لا مستبدلا فان عين الرهن لا تكون مملوكة للمرتهن ولهذا لو كان الرهن عبدا فمات كان كفنه علي الراهن وانما يصير مستوفيا دينه من ماليته والاعيان باعتبار صفة المالية جنس واحد ولهذا لو ارتهن أحد الشريكين بنصيبه من الدين فهلك الرهن يرجع شريكه عليه بنصف نصيبه من الدين وإذا ثبت انه استيفاء لااستبدال جاز الرهن بكل دين يجب استيفاؤه وفى الحوالة والكفالة لاشك فان المستوفي من الكفيل والمحتال عليه كالمستوفي من الاصيل في انه عين حق الطالب لا بدله. قال (وإذا أسلم في شئ من الثياب واشترط طوله وعرضه بذراع رجل معروف لم يجز كما في المكيل إذا عين المكيال) وهذا لان مقدار المسلم فيه بالذراع المعروف وربما يموت ذلك الرجل فيتعذر تسليم المسلم فيه إذا حل الاجل وإذا اشترط كذا وكذا ذراعا فهو جائز وله ذراع وسط لان مطلق التسمية تنصرف الي المتعارف كمطلق تسمية الدراهم في الشراء تنصرف الي نقد البلد والمتعارف الذراع الوسط ويسمى المكسرة وسمى لذلك لانه كسره من ذراع قبضة الملك وان الذراع الوسط سبع قبضات وهى تسع مسببات ومعرفة هذا في كتاب العشر والخراج. قال (وإذا أسلم في الحرير وزنا ولم يشترط الطول والعرض لم يجز) لان المالية لا تصير معلومة الا ببيان الطول والعرض في الثياب ولانه لو جاز هذا لكان يأتيه بقطاع الحرير بذلك الوزن الذى سمى فيجبر على أخذه ونحن نعلم انه لم يقصد ذلك فلهذا لا يجوز ما لم يبين
[ 153 ]
سطر 138:
[ 154 ]
وأرد عليك درهما لان الذرع في الثوب صفة ولا رأس المال لا ينقسم علي ذرعان الثوب باعتبار الاجزاء فلم تكن حصة الذرع معلومة من رأس المال فلا تجوز الاقالة فيه أما في المقدارت لو أسلم عشرة درالاهم في عشرة أقفزة حنطة وسط فأتاه بطعام جيد وقال خذ هذا وزدنى درهما فانه لا يجوز لان الدرهم الزائد بمقابلة الجودة ولاقيمة للجودة في الاموال الربوية ألا ترى انه لو باع قفيز حنطة جيدة بقفيز وسط ودرهم لا يجوز وهذا في معنى ذلك فانه يأخذ هذا القفيز الجيد عوضا عن الوسط الذى له في ذمته وعن الدرهم الزائد ولو أتاه باحد عشر قفيزا وقال خذ هذا وزدنى درهما جاز لان الدرهم الزائد بمقابلة القفيز الزائد وهو جائز ولو أتاه بعشرة أقفزة رديئة فقال خذ هذا وأرد عليك درهما لا يجوز لانه لاقيمة للصفة فكيف تستقيم الاقالة على القيمة فيه ولو أتاه بتسعة أقفزة وقال خذ هذا وأرد عليك درهما يجوز بخلاف الثوب لان رأس المال ينقسم على القفيزين باعتبار الاجزاء فحصة القفيز من رأس المال معلومة بخلاف ذرعان الثوب وعن أبى يوسف أنه يجوز في الفصول كلها ذكر قوله في كتاب الصلح لان رب السلم يزيد في رأس المال فتلحق الزيادة باصل العقد أو المسلم إليه يحط شيئا من رأس المال والحط أيضا يلتحق بأصل العقد لا أن يكون بمقابلة الصفة أو يكون فيه اقالة العقد في شئ ثم المسلم إليه أجنبي في قضاء الدين إذا أتى بالاجود ورب السلم أحسن إليه حين تجوز بالرديئ فإذا أمكن تحصيل مقصود هما بهذا الطريق وجب حمل تصرفهما عليه عملا بقوله تعالى (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) ولكنا نقول هذا إذا لم ينصا على النص والمقابلة أما إذا نصا على ذلك لا يمكن حمل فعلهما على التبرع كما لو باع درهما بدرهمين لا يجوز ولا يجعل أحد الدرهمين هبة وذكر أبو سليمان عن أبى يوسف رحمهما الله أن أبا حنيفة جوز ذلك في الثياب ولم يجوزه في الطعام وهذه الرواية تخالف رواية محمد في الثوب إذا أتاه بأردئ مما شرط أو بأنقص مما شرط والاعتماد على رواية محمد. قال (وإذا اختلفا في السلم فقال الطالب شرطت لى جيدا وقال المطلوب شرطت لك وسطا أو قال الطالب أسلمت اليك في حنطة وقال المطلوب أسلمت إلى في شعير تحالفا وترادا) وحكم التحالف ثابت بالسنة بخلاف القياس فان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا وفى حديث آخر قال إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بعينها فالقول ما يقوله البائع أو يترادان وسنقرر هذا في باب التحالف ان شاء الله تعالى فنقول الان إذا اختلفا
[ 155 ]
سطر 165:
[ 163 ]
له من كل واحد منهما النصف لان الواو للعطف ومطلق العطف يوجب الاشتراك على المساواة بين المعطوف والمعطوف عليه الا أنه إذا كان قال الف مثقال فعليه خمسمائة مثقال ذهب وخمسمائة مثقال فضة لانه فسر المثاقيل بالذهب والفضة وان قال ألف من الدراهم والدنانير فعليه خمسمائة دينار بالمثاقيل وخمسمائة درهم وزن سبعة لانه هو المتعارف في وزن الدراهم فينصرف إليه وكل ما يصلح أن يكون عوضا في البيع يصلح ذلك في الاجارة أيضا لان المنافع في حكم الاموال أو بالعقد يثبت لها حكم المالية حتى لا يثبت الحيوان دينا فيه في الذمة لاحالا ولا مؤجلا كما في البيع ويثبت المكيل والموزون حالا ومؤجلا والثياب المرصوفة فيه تثبت مؤجلة لاحالة لان استقراض الثياب لا يجوز والسلم فيها صحيح والقرض لا يكون الا حالا والسلم لا يكون الا مؤجلا فعرفنا أنها تثبت في الذمة مؤجلة لاحالة لان استقراض الثياب لا يجوز عوضا عما هو مال واما الحيوان لا يجوز استقراضه ولا السلم فيه فعرفنا أنه لا يثبت في الذمة مؤجلا ولا حالا بدلا عما هو مال قال (وإذا أسلم إليه عشرة دراهم في عشرين مختوم شعير أو عشرة مخاتيم حنطة بالشك أنه يعطيه أيهما شاء فلا خير فيه) لان المسلم فيه مبيع وهو مجهول حين ادخل حرف أوبين الحنطة والشعير ومثل هذه الجهالة في بيع العين يمتنع جواز العقد فغى السلم أولى وكذلك لو قال ان اعطيتني إلى شهر فكذا أو ان أعطيتني الي شهرين فكذا فهو فاسد لجهالة المعقود عليه عند لزوم العقد أما جنسا وإما قدرا لان النبي صلي الله عليه وسلم نهي عن صفقتين في صفقة وعن شرطين في بيع وتفسير ذلك هذا ونحوه قال (ولا يستطيع رب السلم أن بييع ما أسلم فيه قبل القبض) لان المسلم فيه مبيع وبيع المبيع قبل القبض لا يجوز لحديث عمر وابن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} نهى عن بيع ما لم بقبض ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} غياث بن أسد رضي الله عنه قاضيا وأميرا قال انهم عن أربعة عن بيع ما لم بقبضوا وعن ربح ما لم يضمنوا وعن شرطين في بيع وعن بيع وسلف ولان العين أقبل للتصرف من الدين ثم المبيع العين إذا كان منقولا لا يجوز التصرف فيه قبل القبض لبقاء الغرر في الملك المطلق للتصرف فإذا كان دينا أولى وذلك الغرر هنا قائم فان الدين ينوي بفوات محله يعنى إذا مات المديون مفلسا ولهذا تبطل الحوالة فكما لا بيع المسلم فيه قبل القبض لا يشرك فيه شريكا ولا يوليه أحدا لان التولية تمليك ما يملك بمثل ما ملك به والا شراك تمليك مثل ما ملكه بمثل
[ 164 ]
سطر 171:
[ 165 ]
مفصولا ومعنى هذا انه أقر بكون المال دينا في ذمته بقوله له على ألف درهم ثمن جارية غير معينة وثمن الجارية التى هي غير معينة لا يكون واجبا الا بالقبض لان التى هي غير معينة في حكم المستهلكة وثمن الجارية المستهلكة لا يكون واجبا الابعد القبض فعرفنا أنه أقر بالقبض ثم رجع بخلاف قوله ابتعت فهنالك ما أقر بان المال واجب في ذمته انما أقر بالابتياع وذلك لا يكون اقرارا بالقبض وبخلاف قوله ثمن هذه الجارية لانه انما أقر بوجوب المال عليه بمقابلة جارية معينة وثمن الجارية المعينة يكون واجبا قبل القبض يوضحه انه أقر بالمال وادعي لنفسه أجلا غير متناه فان المشترى لا يلزمه تسليم الثمن الا بعد احضار البائع المبيع وما من جارية يحضرها البائع الا وللمشترى أن يقول المبيعة غيرها ولو ادعى لنفسه أجلا معلوما كشهر أو سنة لم يقبل قوله في ذلك وصل أو فصل فهنا أولي بخلاف الجارية المعينة فان هناك ما ادعى لنفسه أجلا لأنها حاضرة وانما أقر علي نفسه بالمال بشرط أن يسلم له تلك الجارية ألا ترى أن المقر له لو قال الجارية جاريتك ما بعتها ولى عليك ألف درهم يلزمه المال ولو قال الجارية جاريتي ولي عليك المال لم يلزمه شئ لانه لم يسلم له شرطه. قال (وإذا أسلم الرجل إلى رجل في كرحنطة فأعطاه كرابغير كيل فليس له ان يبيعه ولا يأكله حتى يكتاله لان المسلم فيه مبيع وانما اشتراه رب السلم بذكر الكر فلا يتصرف فيه حتى يكتاله والاصل فيه ماروى أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} نهى عن بيع الطعام حتى يجرى فيه صاعان صاع البائع وصاع المشترى يعنى إذا اشتراه بشرط الكيل فليس له ان يكتفى بكيل البائع ولا يتصرف فيه بعد القبض حتى يكيله وهذا لانه انما بملك المعقود عليه والمعقود عليه القدر المسمى ولا يعلم ذلك الا بالكيل ألا ترى أنه لو كاله فوجده أزيد يلزمه رد الزيادة وتصرفه من حيث الاكل والبيع بحكم الملك فما لم يتعين ملكه بمعرفة المقدار لم يكن له ان يتصرف فيه وان هلك عنده وهو مقر بأنه كرواف فهو مستوف لانه قبضه على وجه التملك بعقد السلم فيصير مضمونا عليه بالقبض وقد هلك عنده فيلزمه مثله وقد أقر أنه كان كرا فيصير مستوفيا بطريق المقاصة لان ما في المقاصة آخر الدينين قضاء عن أولهما وآخره دين المسلم إليه فيصير رب السلم مقتضيا طعام السلم به ولان القبض تلاقى العين واستيفاء الدين لا يكون الا من العين فإذا أقر أنه كان كرا فقد علمنا انه بقبضه صار مستوفيا لحقه وهذا الحكم في كل مكيل وموزون فأما في المذروعات له أن يتصرف قبل الذرع لان الذرع
[ 166 ]
سطر 219:
[ 181 ]
بينهما وبهذا يقع الفرق بين هذا وبين ما تقدم من الفصول ولكن بهذا التقرير لا يتضح الفرق في جميع الفصول فان بيع دهن الجوز بالجوز لا يجوز الا بطريق الاعتبار والجوز ليس بمقدر ولهذا يجوز بيع جوزة بجوزتين ولكن نقول اللحم في شراء الحيوان غير مقصود وانما المقصود منه الدر والنسل والاسامة ليزداد عينها بالسمن فأما اللحم آخر المقاصد من الحيوان وانما تعتبر المجانسة بما في الضمن إذا كان مقصودا والدليل عليه أن المالية في الحيوان لا تختلف باختلاف اللحم فقد نرى فرسين أو نجبين يتساويان في اللحم و يتفاوتان في القيمة تفاوتا فاحشا والبيع مبادلة مال بمال فإذا كانت مالية الحيوان لا تعرف بمقدار اللحم لا يعتبر ذلك في البيع قبل الذبح بخلاف جميع ما تقدم فالمالية هنا تخلف باختلاف مقدار الدقيق في الحنطة والدهن في السمسم والجوز ونحو ذلك نوضحه ان اللحم في الحيوان وان كان موجودا حقيقة فهو كالمعدوم حكما حتي لو أخذ بضعة من لحم الحيوان لا يباح تناولها عرفنا أن مقصود اللحم حاصل الذبح حكما فلا يعتبر قبله وعلى هذا الحرف نقول في مسألة الصوف واللبن الجواب قولهم جميعا فانه مال موجود قبل الفصل ألا ترى انه مفصل من الحيوان فيجوز الانتفاع به وهذا لانه لاحياة في الصوف واللبن فكان الحال فيهما قبل الذبح وبعد الذبح سواء وعلي الطريق الاول هو على الخلاف كما ذكره الطحاوي لان مالية الشاة لا تعرف بما على ظهرها من الصوف ولا بما في ضرعها من اللبن كما لا تعرف ماليه الحيوان بمقدار اللحم فان باع لحم شاة بالبقر والابل جاز عندنا وعلى قول زفر والشافعي رحمهما الله لا يجوز بيع اللحم بالحيوان أصلا لحديث سعيد بن المسيب رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} نهى عن بيع اللحم بالحيوان وروى أن جزورا نحر على عهد أبى بكر رضى الله تعالى عنه فجاء رجل بعناق وقال اعطوني بهذا العنان قطعة من هذا اللحم فقال أبو بكر رضى الله عنه هذا لا يصلح ولكنا نقول هما جنسان مختلفان فيجوز بيع أحدهما بالآخر كيف ماكان يدا بيد كما يجوز بيع الشاة بالبقر والاصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وإذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون يدا بيد والمراد بالنهي عن بيع الحيوان إذا كان أحدهما نسيئة فقد ذكر ذلك في بعض الروايات وبه نقول فان السلم في كل واحد منهما لا يجوز عند أبى حنيفة وتأويل حديث أبى بكر رضى الله عنه أن ذلك البعير كان من ابل الصدقة فكره أبو بكر رضى الله عنه بيع لحمه لانه انما نحر ليتصدق به على الفقراء فلهذا قال
[ 182 ]
سطر 231:
[ 185 ]
هذا فساد فقد جوزتم بيع الحنطة الرطبة بالحنطة الرطبة كيلا بكيل والرطوبة صفة حادثة بصنع العباد كالقلي (قلنا) الحنطة في الاصل تخلق رطبة ويكون مال الربا على هذه الصفة فإذا بلت بالماء عادت إلى تلك الصفة فإذا وجدت المماثلة علي الوجه الذى صارت مال الربا جاز العقد وهى لاتخلق في الاصل مقلوة حتى يكون هذا إعادة الي تلك الصفة فيها فأما بيع الرطب بالتمر كيلا بكيل يجوز في قول أبى حينفة ولايجوز في قول أبى يوسف ومحمد والشافعي رحهما الله لحديث سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} أينقص إذا جف قالوا نعم فقال عليه الصلاه والسلام فلا إذا وفي حديث ابن عمر رضى الله عنه ان النبي عليه السلام نهى عن بيع الرطب بالتمر كيلا وعن بيع العنب بالزبيب كيلا ثم في قوله عليه السلام أينقص إذا جف إشارة إلى أنه يشترط لجواز العقد المماثلة في أعدل الاحوال وهو ما بعد الجفاف ولا يعرف ذلك بالمساواة في الكيل في الحال فهذا الحديث دليل الشافعي رضى الله عنه أيضا في المسألة الاولى من هذا الوجه واعتبار المماثلة في أعدل الاحوال صحيح كما في بيع الحنطة بالدقيق فانه لا يجوز لتفاوت بينهما بعد الطحن ولان العقد جمع بين البدلين أحدهما على هيئة الادخار والآخر ليس علي هيئة الادخار ولا يتماثلان عند التساوى في الصفة فلا يجوز بيع المقلية بغير المقلية وهذا بخلاف الجودة والرداءة فالرداءة من نوع العيب والرطوبة في الرطب ليس بعيب فان العيب ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة فأما مالا يخلو عن أصل الفطرة السليمة لا يكون عيبا كالصغير في الآدمى وانعدام العقل بسببه وهذا بخلاف الحديث مع العتق وكل واحد من البدلين هناك علي هيئة الادخار ثم الحديث إذا عتق لا يظهر فيه التفاوت الاشئ يسير لا يمكن التحرز عنه وذلك عفو كالتراب في الحنطة ودخل أبو حنيفة بغداد فسئل عن هذه المسألة كانوا أشد يدا عليه لمخالفته الخبر فقال الرطب لا يخلو إما أن يكون تمرا أو ليس بتمر فان كان تمرا جاز العقد عليه لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} التمر بالتمر وان لم يكن تمرا جاز لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وإذا اختلف النوعان فبيوا كيف شئتم فاورد عليه حديث سعد رضي الله تعالى عنه فقال مدار هذا الحديث على زيد بن أبى عياش وزيد بن أبى عياش لا يقبل حديثه واستحسن منه أهل الحديث هذا الطعن حتى قال ابن المبارك كيف يقال أبو حنيفة لايعرف الحديث وهو يقول زيد بن أبى عياش ممن لا يقبل حديثه وهذا الكلام في المناظرة يحسن لدفع شغب
[ 186 ]
الخصم ولكن الحجة لا تتم بهذا لجواز أن يكون هنا قسما ثالثا كما في المقلية بغير المقلية ولكن الحجة لابي حنيفة الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} التمر بالتمر مثل بمثل يد بيد كيل بكيل وقد بينا أن التمر اسم للثمره الخارجة من النخيل حين تنعقد صورتها إلى أن تدرك وما يتردد عليها من الاوصاف باعتبار الاحوال لا يوجب تبدل اسم العين كالآدمي يكون صيبا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا فإذا ثبت ان الكل تمر يراعى وجود المماثلة حالة العقد علي الصفة التى دخلت في العقد لان اعتبار المماثلة سبب المقابلة وذلك يكون عند العقد وما كان اعتبار السماواة الا نظير الاجود فكما لا يعتبر التفاوت في ذلك فكذلك في هذا وقد تحققت المساواة بينهما في الكيل في الحال لان الرطوبة التى في الرطب مقصودة وهى شاغلة للكيل فلا يظهر التفاوت الابعد ذهابها بالجفاف فلا يتبين به أن التفاوت كان موجودا وقت العقد بخلاف الحنطة بالدقيق فان بالطحن تتفرق الاجزاء ولا يفوت جزء شاغل للكيل فتبين بالتفاوت بينهما بعد الطحن أنهما لم يكونا متساويين عند العقد وكذا المقلية بغير المقلية فان بالقلى لا يفوت جزء شاغل للكيل انما تنعدم اللطافة التى كانت بها الحنطة منبتة ولما ظهر التفاوت بعد القلي عرفنا أن هذا التفاوت كان موجودا عند العقد ثم صاحب الشرع أسقط اعتبار التفاوت في الجودة بقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} جيدها ورديئها سواء واعتبر التفاوت بين النقد والنسيئة حتى شرط اليد باليد وصفة الجودة لا تكون حادثة يصنع العباد والنقاوة بين النقد والنسيئة حادث بصنع العباد وهو اشتراط الاجل فصار هذا أصلا ان كل تفاوت ينبنى علي صنع العباد فذلك مفسد للعقد وفى المقلوة بغير المقلوة والحنطة بالدقيق بهذه الصفة وكل تفاوت ينبنى على ما هو ثابت بأصل الخلقة من غير صنع العباد فهو ساقط الاعتبار والتفاوت بين الرطب والتمر بهذه الصفه فلا يكون معتبرا كالتفاوت بين الجيد والردنى. قال (وبيع العنب بالزبيب كبيع الرطب بالتمر) فاما بيع الحنطة المبلولة باليابسة أو الرطبة باليابسة يجوز في قول أبى حينفة وفي قول محمد لا يجوز وذكر في نسخ أبى حفص قول أبى يوسف كقول أبى حنيفة رحمهما الله تعالي وهو قوله الآخر فاما قوله الاول كقول محمد فأبو حنيفة مر علي أصله وهو اعتبار المساواة في الكيل عند العقد ومحمد مر على أصله وهو اعتبار المماثلة في أعدل الاحوال كما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في حديث سعد رضى الله تعالي عنه وذلك لا يوجد في الحنطة الرطبه والمبلولة بعد الجفوف وأبو يوسف يقول القياس ماقاله أبو حنيفة ولكن تركت القياس في الرطب بالتمر للحديث والمخصوص
[ 187 ]
من القياس بالاثرلا يلحق به الا ما كان في معناه من كل وجه والحنطة الرطبة ليست في معنى الرطب من كل وجه الرطوبة في الرطب مقصودة وفى الحنطة غير مقصودة بل هو عيب فلهذا أخذت فيه بالقياس وأبو حنيفة يقول تأويل الحديث ان صح ان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} سئل عن بيع الرطب بالتمر نسيئة وقد نقل ذلك في بعض الروايات وفائدة قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أينقص إذا جف أن الرطب إذا جف ينقص الا أن يحل الاجل فلا يكون هذا التصرف مفيدا وكان السائل وصيا ليتيم فلم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في ذلك التصرف منفعة لليتيم باعتبار النقصان عند الجفوف فمنع الوصي منه علي طريق الاشفاق لا على وجه بيان فساد العقد فاما الحنطة المبلولة بالمبلولة تجوز عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالي لما قلنا ولا يجوز عند محمد وكذلك الزبيب المنقع بالمنقع والتمر المنقع بالمنقع ومحمد يفرق بين هذه الفصول وبين بيع الرطب بالرطب فيقول هناك التفاوت يظهر بعد خروج البدلين عن الاسم الذى عقد به العقد فلا يكون ذلك تفاوتا في المعقود عليه وهذه الفصول تظهر التفاوت بعد الجفوف مع بقاء البدلين على الاسم الذى عقد به العقد فبهذا الحرف يتضح مذهبه في هذه الفصول ثم ذكر بيع الحنطة المقلية بغير المقلية وقد بينا الحكم فيه وأهل الادب طعنوا عليه في هذا اللفظ فقالوا انما يقال حنطة مقلوة فاما المقلية المبعضة يقال قلاه يقلية إذا أبغضه ولكنا نقول محمد كان فصيحا في اللغة الا انه رآى استعمال العوام هذا اللفظ في الحنطة ومقصود بيان الاحكام لهم فاستعمل فيه اللغة التى هي معروفة عندهم وما كان يخفى عليه هذا الفرق ولا يجوز الحنطة بالسويق متساويا ولا متفاضلا الا أن تكون الحنطة أكثر ومع السويق فضة أو ذهب فيكون ما معه بفضل الحنطة لان الصحة مقصود المتعاقدين ومتى أمكن تحصيل مقصودهما بطريق جائز شرعا يحمل مطلق كلامهما عليه ويجعل كأنهما صرحا بذلك كما لو باع نصف عبد مشترك بينه وبين غيره يجوز البيع وينصرف تسمية النصف مطلقا إلى نصيبة خاصة وكذا لو قال لرجل أوصيت لك بثلثي يجوز ويحمل على ايجاب ثلث المال لانه عرف أنه مقصوده فهذا مثله والاصل فيه قوله تعالى فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وقال النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} لاتظنن بكلمة خرجت من فم أخيك المسلم سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا ولو أسلم ثوبا فوهيا في ثوب مروى ويجعل من المسلم إليه فضل دراهم أو متاع جاز لان ما بخص الدراهم أو المتاع من الثوب الفوهى يكون مبيعا وما
[ 188 ]
سطر 243:
[ 189 ]
يتعلق العقد على قدره قد سبق بيانه ولا بأس بأن يشسترى الرجل الشاة الحية بالشاة المذبوحة يدا بيد لانه بيع عددي فهورى فالشاة الحية لا توزن ولا خير فيه نسيئة لان النسيئه ان كانت في الشاه الحية فهو سلم في الحيوان وان كانت في البدل الاخر فهو سلم في اللحم ولو كانتا شاتين مذبوحتين قد سلختا اشتراهما رجل بشاة مذبوحة لم تسلخ كان ذلك جائزا أيضا لان الثمل من لحم الشاة بمقابلته من الشاتين والباقى من لحم الشاتين بازاء الجلد والسقط فيجوز ذلك ويحمل مطلق كلامهما عليه لتحصيل مقوصدهما ولو كانت الشاة ليس معها جلد كان ذلك فاسدا لان العقد اشتمل على اللحم فقط من الجانبين واللحم موزون فإذا وجدت الجنسية والوزن حرم التفاضل. قال (ولا بأس بكر حنطة وكر شعير بثلاثة أكرار حنطة وكر شعير يدا بيد) فيتكون حنطة هذا بشعير هذا وشعير هذا بحنطه هذا عندنا استحسانا والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله وكذلك لو باع مد عجوة وزبيب بمدى عجوة وزبيب أو باع دينارا ودرهما بدرهمين ودينارين فأما إذا باع درهما جيدا ودرهما زيفا بدرهمين جيدين يجوز عند أصحابنا رحمهم الله وعند الشافعي لا يجوز وكذلك لو باع دينارا نيسابوريا أو دينارا هرويا بدينارين نسابوريين أو هرويين وهذا بناء على الاصل الذى تقدم فان عند الشافعي رحمه الله للجودة قيمه في الاموال الربوية عند المقابلة بجنسها فانما ينقسم الدرهمان الجيد ان على الجيد والزيف باعتبار القيمه فيصيب الجيد أكثر من وزنه والزيف أقل من وزنة وذلك ربا وعندنا لاقيمة للجودة في الاموال الربوية عندا لمقابلة بجنسها فالمقابلة باعتبار الاجزاء ويجوز العقد لوجود المساواة في الوزن عملا بقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} الذهب بالذهب مثل بمثل والفضه بالفضة مثل بمثل يد بيد وبقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} جيدها ورديئها سواء وأما الكلام في الفصل الثاني فوجه القياسن فيه ان العقد متى اشتمل على أعواض من أجناس مختلفه ينقسم البعض على البعض باعتبار القيمه كما لو باع عبدا أو ثوبا بجارية وحمار وهذا لان الانقسام يكون على وجه يعتدل فيه النظر من الجانبين حال بقاء العقد وحال انفساخه في البعض يعارض وانما يكون ذلك في الانقسام باعتبار القيمه وأما في صرف الجنس إلى خلاف الجنس يتضرر أحدهما عند انفساخ العقد في اللبعض بعارض والدليل عليه انه لو باع قفيز تمر بقفيرى تمر لا يجوز ولا يجعل التمر من كل جانب بمقابلة القوى من الجانب الآخر ولو باع منامن لحم بنوى لحكم لا يجوز ولا يجعل اللحم من كل جانب بمقابلة العظم من الجانب الآخر حتى يجوز ولو اشترى عبدا بالف
[ 190 ]
درهم نسيئه ثم باعه من البائع مع عبد آخر بالف وخمسمائه لا يجوز العقد فيما اشتراه لانه اشترى ما باع باقل مما باع وتصحيح العقد هنا يمكن بان يجعل بمقابلة العبد الاول من الثمن الثاني مثل الثمن الاول والباقى بازاء الآخر ومع ذلك اعتبر الانقسام بالقيمة فهذا مثله يدل عليه ان في الاموال الربوية يصرف الجنس إلى الجنس لا إلى خلاف الجنس فانه إذا باع ثوبا وعشرة بثوب وعشرة بشرط قبض الدراهم في المجلس لانه يجعل صرفا في حق الدراهم ووجه الاستحسان الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فإذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم بعد ان يكون يدا بيد وقد اشتمل العقد هنا على نوعين مختلفين فينبغي أن يجوز العقد كيف شاء المتعاقدان والمعنى فيه ما بينا ان تحصيل مقصود المتعاقدين ممكن بطريق شرعى وهو صرف الجنس إلى خلاف الجنس فيجب المصير إليه ويجعل ذلك كالمصرح به وهذا لان الانقسام في سائر المعاوضات باعتبار القيمة ليس بمقتضى العقد بل للمعاوضة والمساوات إذا ليس صرف البعض أولى من البعض فيصير الانقسام والوزيع باعتبار القيمة للمعاوضة وذلك غير موجود هنا لانه لو صرف الجنس الي الجنس فسد العقد ولو صرف الجنس الي خلاف الجنس صح العقد ولا معاوضة بين الجائز والفاسد فالجائز مشروع باصله ووصفه والفاسد مشروع بأصله حرام بوصفه فإذا لم تتحقق المعاوضة على وجه المساوات لا يصار إلى الانقسام باعتبار القيمة ولكن يترجح ما هو مشروع من كل وجه عل ما هو مشروع من وجه دون وجه بخلاف النوى مع التمر فالتمر والنوى كله مكيل من جنس واحد ولو صرح بصرف التمر إلى النوى لم يجز العقد وكذلك العظم مع اللحم لانه مركب فيه خلقه كالنوى في التمر فإذا كان عند التصحيح لا يصح العقد فعند الاطلاق لا يحمل عليه أيضا فاما مسألة العبدين (قلنا) فصل المعاوضة يتحقق هناك لان جهات الجواز اتكثر فانه ان جعل بمقابلته مثل الثمن الاول يجوز وكذلك ان جعل بمقابلته أكثر من الثمن الاول فلكثر جهات الجواز يتحقق معنى المعاوضة ويجب المصير إلى الانقسام باعتبار القيمة وهنا لاوجه للجواز الا واحد وهو صرف الجنس إلى خلاف الجنس يوضحه ان شرط الجواز هناك ان لا يكون الثمن الثاني أقل من الثمن الاول فكأنهما ولو صرحا بهذا لم يصر مقدار الثمن معلوما فلا يجوز العقد فان قيل المعاوضة هنا تتحقق أيضا فانه إذا جعل الدراهم بمقابلة الدينارين يجوز وان جعل نصف درهم والنصف الباقي بمقابلة الدينار ونصف ونصف دينار بمقابلة نصف الدينار والباقي بمقابلة درهم ونصف يجوز أيضا (قلنا) نعم
[ 191 ]
سطر 252:
[ 192 ]
لان في المسلم فيه لا تعتبر المماثلة وانما يعتبر الاعلام على وجه لا يبقى بينهما منازعة في التسليم وذلك يحصل بذكر الوزن كما يحصل بذكر الكيل وبهذه المسألة يتبين الجواب عن الاشكال الذى ذكرنا في مسألة علة الربا على من علل في مسألة بيع الحفنة بالحفنتين انه انما جاز لان للجودة من الحفنة فيما عند مقابلتها بجنسها لان سقوط قيمة الجودة باعتبار كون المال من ذوات الامثال والمماثلة بالمعيار ولا معيار للحفنة بخلاف القفيز فزد على هذا الكلام مسألة الغصب وهو أن يقال لا قيمة للجودة من الحفة أيضا حتى إذا غصب حفنة من حنطة وذهبت جوتها عنده فاستردها صاحبها لم يكن له أن يضمن الغاصب النقصان لانا نقول لاقيمة للجودة منها لانها موزونة لا لانها مكيلة وكما ان اعتبار بالكيل يسقط قيمة الجودة فكذالك باعتبار الوزون الا ان الشرع أسقط اعتبار الوزن في الحنطة في حكم الربا حيث نص علي المماثلة فيه كيلا بقوله صلي الله عليه وسلم الحنطة بالحنطة كيل بكيل فلذا جوزنا بيع الحفنة بالحفنتين ولم يجعل للجودة من الحفنة قيمة في الغصب لانها موزونة كما جوزنا السلم في الحنطة بذكر الوزون. قال (ولا خير في شراء التمر علي رؤس النخل بالتمر كيلا أو مجازفة عندنا) وقال الشافعي يجوز شراء التمر علي رؤس النخل بتمر مجذوذ على الارض خرصا فيما دون خمسة أوسق ولا يجوز فيما زاد على خمسة أوسق وله في مقدار خمسة أوسق قولان وحجته في ذلك حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم نهي عن المزابنة ورخص في العرايا وهى أن تباع بخرصها فيما دون خمسة أوسق والدليل على ان المراد بالعراية التى رخص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ما قلنا قول زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه فانه لما سئل ما عرايا كم هذه قال ان الرطب ليأتينا ولم يكن في أيدينا بعد نبتاعه به وعندنا فضالات من التمر فرخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أن يتباع بخرصها تمرا فنأكل مع اليابس الرطب ولان ما علي رؤس النخل لا يتأتى فيها الكيل فأقام الشرع الخرص فيها مقام الكيل للحاجة تيسيرا بخلاف ما إذا كانا موضوعين على الارض وهذه الحاجة في القليل دون الكثير والتفاوت مع الخوص ينعدم أو يقل في القليل ويكثر في الكثير والفرق بين التفاوت الكثير واليسير في التبرع أصل حتى أن الزيادة تدخل في الكيلين يجعل عفوا بخلاف ما زاد علي ذلك وحجتنا في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} التمر بالتمر كيل بكيل وما علي رؤس النخل تمر فلا يجوز بيعه بالتمر الاكيلا بكيل وهذا الحديث عام متفق على قبوله فيترجح على الخاص المختلف
[ 193 ]
سطر 261:
[ 195 ]
لان المشترى يستعصى في الحلب والبائع يطالبه بترك داعية اللبن وكذلك بيع أولادها في بطونها لا يجوز لمعنى الغرور وانعدام المالية والتقوم فيه مقصودا قبل الانفصال وعجز البائع عن تسليمه واستدل بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن بيع حبل الحبلة منهم من يروى بالكسر الحبلة فيتناول بيع الحمل ومنهم من يروى بالنصب الحبلة فيكون المراد بيع ما يحمل هذا الحمل بأذن ولدت الناقة ثم حبلت ولدها فالمراد بيع حمل ولدها وقد كانوا في الجاهلية يعتادون ذلك فأبطل ذلك كله رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بنهيه عن بيع المضامين والملاقيح وعن بيع حبل الحبلة قيل المضامين ما تتضمنه الاصلاب والملاقيح ما تتضمنه الارحام وقيل على عكس هذا المضامين ما تضمه الارحام والملاقيح ما تضمه الاصلاب وكذلك شراء أصوافها علي ظهورها لان الصوف قبل الجزاز وصف للحيوان وليس بمال متقوم في نفسه ولان المنازعة بينهما يتمكن في التسليم فان المشترى يستعصى في الجزاز والبائع يمنعه من ذلك وعن أبى يوسف رحمه الله أنه جوز ذلك لان الصوف عين مال ظاهر وقاسه ببيع قوائم الخلاف وذلك جائز والفرق بينهما على ظاهر الرواية ان النمو في أغصان الشجرة يكون من رأسهالا من أصلها فلا يختلط ملك البائع بملك المشترى وأما النمو في الصوف يكون من أصله وذلك يتبين فيما إذا حصب الصوف على ظهر الشاة ثم تركه حتى نما فالحصوب يكون على رأسه لافي أصله فيختلط ملك البائع بملك المشترى مع أن ما يكون متصلا بحيوان فهو وصف محض بخلاف ما يكون متصلا بالشجرة فهو عين مال مقصود من وجه فيجوز بيعه لذلك. قال (وكل شئ اشتراه من الثمار على رأس الشجر بصنف من غيره يدا بيد فلا بأس به وشراء الثمار قبل أن تصير منتفعا بها لا يجوز) لانه إذا كان بحيث لا يصلح لتناول بنى آدم أو علف الدواب فهو ليس بمال متقوم فان صار منتفعا به ولكن لم يبد صلاحه بعد بأن كان لا يأمن العاهة والفساد عليه فاشتراه بشرط القطع يجوز وان اشتراة بشرط الترك لا يجوز وان اشتراه مطلقا يجوز عندنا لان مطلق العقد يقتضى تسليم المعقود عليه في الحال فهو وشرط القطع سواء وعند الشافعي لا يجوز هذا العقد انهى النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن بيع الثمار حتى يبد وصلاحها أو قال حتى يرهى أو قال حتى تؤمن العاهة وتأويله عندنا في البيع بشرط الترك بدليل قوله أرأيت لو أذهب الله تعالى الثمرة بما يستحل أحدكم مال أخيه المسلم وانما يتوهم هذا إذا اشتري بشرط الترك الي أن يبدو صلاحها أما إذا اشتراها بعد ما بد اصلاحها الا أنها لم تدرك بعد شرط القطع
[ 196 ]
يجوز وكذلك مطلقا ويؤمر بأن يقطعها في الحال مقتضي مطلق العقد وعند الشافعي رمه الله يتركها إلى وقت الادراك لانه هو المتعارف بين الناس ولو اشتراها بشرط الترك فالعقد فاسد عندنا جائز عند الشافعي رحمه الله لانه متعارف بين الناس ومن الشرائط في العقود ما يجوز العرف كما إذا اشترى نعلا وشراكين بشرط أن يحذوها البائع ولكنا نقول ان كان بمقابلة منفعة الترك شئ من البدل فهذه اجارة مشروطة في البيع وان لم يكن فهى اعارة مشروطة في البيع وقد ورد الشرع بالنهي عن ذلك حيث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن صفقتين في صفقة وعن بيع وشرط وعن بيع وسلف وكل عرف ورد النص بخلافه فهو غير معتبر ثم ان الثمار على رؤس الاشجار تزداد وهذه الزيادة تحدث من ملك البائع بعد البيع فكأنه ضم المعدوم إلى الموجود واشتراهما فكان باطلا وفصل النعل مستحسن من القياس ولا يتمكن في ذلك الشرط شراء المعدوم فاما إذا تناهى عظم الثمار وصار بحيث لا يزداد ذلك ولكن لم ينضج فان اشتراه بشرط القطع أو مطلقا يجوز وان اشتراه بشرط الترك ففى القياس العقد فاسد وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله لما قلنا وجوز محمد العقد في هذا الفصل استحسانا لانه شرط متعارف ومدة الترك يسيره وقد يتحمل اليسير فيما لا يتحمل فيه الكثير مع أنه لا يؤخذ للزيادة من ملك البائع بعد هذا ولكن الشمس تنضجه بتقدير الله ويأخذ اللون من القمر بتقدير الله والطعم من الكواكب بتقدير الله فلم يبق فيه الاعمل لشمس والقمر والكواكب فلهذا قال محمد أستحسن أن أجوزه بخلارف ما قبل ان يتناهى عظمه فان اشتراه مطلق ثم تركه إلى وقت الادراك فهو على قياس ما قدمنا من التفصيل في الفصل الافى فصلين (أحدهما) ان هناك لو استأجر الارض مدة معلومة يجوز وهنا لو استأجر الاشجار مدة معلومة لا يجوز بحال لان استئجار الارض بالدراهم صحيح واستئجار الاشجار لا يجوز بحال (والثانى) ان هناك لو استأجر الارض إلى وقت الادراك يلزمه أجر المثل ولا يطيب له الفضل وهنا لا يلزمه شئ من الاجرو يطيب له الفضل لان استئجار الاشجار لا يجوز له بحال فلا ينعقد العقد عليهما فاسدا أيضا وبدون انعقاد العقد لا يجب الاجر وإذا صار العقد لغوا بقى مجرد الاذن والترك متى كان بأذن البائع فالفضل يطيب له ولم يذكر فصلا آخر في الكتاب وهو مااذا صار بعض الثمار منتفعا به ولم يخرج البعض بعد أو لم يصر منتفعا به ولم يخرج البعض أو لم يصر منتفعابه
[ 197 ]
كالتين ونحوه فاشترى الكل فظاهر المذهب ان هذا العقد لا يجوز عندنا خلافا لمالك فانه يقول وجود صفة المالية والتقوم في شئ مما هو المقصود يجعل كوجوده في الكل للحاجة إلى ذلك كما ان في باب الاجارة يجعل وجود جزء من المنفعة كوجود الكل في حق جواز العقد أو يجعل ما خرج أصلا وما لم يخرج منه جعل تبعا له في حق جواز العقد لتعامل الناس ولكنا نقول جمع في العقد بين المعدوم والموجود والمعدوم لا يقبل البيع وحصة الموجود من البدل غير معلوم فلا يجوز العقد وجعل المعدوم حقيقة موجودا حكما للضرورة وذلك فيما لا يقبل العقد بعد الوجود حقيقة فأما الثمار تقبل العقد بعد الوجود قال رضى الله عنه وكان شيخنا الامام شمس الائمة يفتى يجواز هذا البيع في الثمار والباذنجان والبطيخ وغير ذلك وهكذا حكى عن الشيخ الامام أبى بكر محمد بن الفضل قال أجعل الموجود أصلال في العقد وما يحدث بعد ذلك تبعا قال أستحسن فيه لتعامل الناس فانهم تعاملوا بيع ثمار الكرم بهذه الصفة ولهم في ذلك عادة ظاهرة وفي نزع الناس عن عادتهم حرج بين. قال وقد رأيت رواية في هذا عن محمد وهو في بيع الورد على الاشجار فان الورد مثلا حق ثم جوز البيع في الكل مطلقا بهذا الطريق قال الشيخ الامام ولكن الاول عندي أصح لان المصير إلى هذا الطريق عند تحقق الضرورة ولا ضرورة في الباذنجان والبطيخ فانه يمكنه ان يبع أصولها حتى يكون ما يحدث من ملك المشترى له وفي الثمار كذلك فانه يمكنه ان يشترى الموجود المنتفع به ببعض الثمن ثم يؤخر العقد فيما بقى إلى ان يصير منتفعا به أو يشترى الموجود بجميع الثمن ويحل للبائع ان ينتفع بما يحدث فيحصل مقصودهما بهذا الطريق. (قال وان اشترى طعاما بطعام مثله فجعله له وترك الذى اشترى ولم يقبض حتى افترقا فلا بأس به عندنا) وقال الشافعي يبطل البيع والتقابض في المجلس في بيع الطعام بالطام من جنسه أو من خلاف جنسه ليس بشرط عندنا وقال الشافعي هو شرط عندي واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في الاشياء الاربعة يدا بيد والمراد به الفبض ألا ترى ان هذا اللفظ في الذهب والفضة أفادشرط القبض ثم قال في آخر الحديث وإذا اختلفا النوعان فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون يدا بيد وهذا ينصرف إلى جميع ما سبق ثم فهم منه في بيع الذهب والفضة شرط القبض في المجلس فكذلك في الاشياء الاربعة ولان العقد جمع بين بدلين لو قوبل كل واحد منهما بجنسه عينا يحرم التفاضل بينهما فيشترط القبض فيه في المجلس كبيع الذهب والفضة وهذا
[ 198 ]
لان بالاتفاق يحرم النساء هنا مع اختلاف الجنس وليس ذلك للتفاوت في المالية لان حقيقة التفاضل عند اختلاف الجنس يجوز فعرفنا ان حرمة النساء لوجوب القبض في المجلس ولنا في المسألة طريقان (أحدهما) ان القبض حكم للعقد فلا يشترط اقترانه بالعقد كالملك فانه يجوز ان يتأخر عن حالة العقد بخيار شرط أو نحوه وهذا لان حكم الشئ يعقبه ولا يقترن به وانم يقترن بالشئ شرطه والقبض في كل بيع انما يستحق العقد فيكون حكم العقد لاشرطه وساعات المجلس انما تجعل كحالة العقد فيما هو شرط العقد فأما في الحكم مجلس العقد وما بعده سواء وهذا بخلاف الصرف فالقبض الذى هو حكم العقد لا يشترط هناك عندنا وانما يشترط التعيين لان التعين شرط العقد بدليل نهى النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن الكالئ بالكالئ والنقود لا تتعين في العقود فكان اشتراط القبض للتعيين وليس أحد البدلين في الصرف بأولى من الآخر بهذا شرطنا القبض فيهما للتعين وفى باب السلم شرطنا القبض في رأس المال للتعيين حتى لا يكون دينا بدين ولكن ما يقابله وهو السلم فيه مؤجل فلا يشترط التعيين فيه بمقتضي العقد ثم قد يرد عقد الصرف والسلم علي ما يتعين بالعتيين الا أنه يشق على كل تاجر معرفة ما يتعين ومعرفة مالا يتعين فأقام الشرع اسم الصرف والسلم مقام عدم التعيين في البدلين تيسيرا علي الناس والطريقة (الثانية) ما علل في الكتاب وقال لانه حاضر ليس له أجل ومعنى هذا أن الحرمة باعتبار فضل في المالية حقيقة أو حكما باشتراط الاجل وذلك لا يوجد هنا فالتجار لا يفصلون في المالية بين المقبوض في المجلس وبين غير المقبوض بعد أن يكون حالا وإذا لم يتمكن فضل خالي عن المقابلة كان العقد جائزا كما في بيع العبيد والدواب بجنسه أو بغير جنسه وأما الصرف والسلم فقد اختصا باسم شرعا واختصاصهما باسم لاختصاصهما بحكم يقتضيه ذلك الاسم وهو صرف ما في يدكل واحد منهما إلى يد صاحبه بالقبض في المجلس ولهذا شرطنا ذلك مع اختلاف الجنس والسلم أخذ عاجل بآجل فشرطنا التعجيل في أحد البدلين بمقتضي الاسم وقد يوخذ حكم العقد من اسمه كالكفالة والحوالة والنكاح فاما هذا البيع كسائر البيوع في الاسم وكل واحد من العوضين فيه يتعين بالتعيين فيكون حكم العقد فيه استحقاق التسليم لا وجوب القبض في المجلس كما في سائر البيوع وقد بينا في أول الكتاب ان المراد من قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} يدا بيد أي عين بعين لان التعيين بالاشاره باليد كما أن القبض يكون باليد فيصلح ذكر اليد كناية عنهما ولكن لو كان مراده القبض لقال من يد إلى
[ 199 ]
سطر 285:
[ 203 ]
بورقكم هذه إلى المدينة) الآية ومن دفع إلى آخر دراهم ليشترى بها شيئا فان المدفوع إليه يكون وكيلا من جهة الدافع ورى عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه دفع إلى حكيم ابن حزام أو إلى عروة البارقى رضى الله عنهما دينارا ليشترى له به أضحية فدل أن التوكيل جائز في البيع فكذلك في السلم لان السلم نوع بيع على ما عرف وكذلك الناس تعاملوامن لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} إلى يومنا هذا التوكيل في البيع والسلم جميعا فإذا عرفنا هذا فنقول الوكيل في السلم كالعاقد لنفسه في حقوق العقد حتى تتوجه عليه المطالبة بتسليم رأس المال دون الموكل وكذلك حق قبض المسلم فيه عند حلول الاجل يكون للوكيل دون الموكل وهذا عندنا وعند الشافعي رحمه الله ذلك للموكل كله وعليه وأصل المسألة في البيع فان حقوق العقد في البيع والشراء تتعلق بالوكيل عندنا وعند الشافعي رحمه الله بالموكل. قال (لان الوكيل سفير ومعبر عنه بمنزلة الرسول فإذا عقد العقد خرج من السوط وصار في الحكم كأن الموكل عقد بنفسه) ألا ترى أن ما هو حكم العقد وهو الملك يثبت للموكل دون الوكيل فكذلك في سائر أحكامه وشبه هذا بالوكيل بالنكاح فانه لا يتوجه عليه المطالبة بالصداق ولا يكون له حق قبض المعقود عليه بل ذلك كله للموكل والجامع بينهما أن كل واحد منها عقد معاوضة فتتعلق أحكامه بمن قصد تحصيله لنفسه دون من عبر عنه ولنا أن العاقد هو الوكيل وسبب تعلق حقوق العقد بالمرء مباشرته العقد وثبوت الحكم باعتبار السبب فإذا كان هو العاقد حيقيقة وحكما تتعلق حقوق العقد به كما لو باشر العقد لنفسه وهذا لان ولايته مباشرة العقد باعتبر أهليته وباعتبار كون ما هو ركن العقد وهو الكلام من خالص حقه وذلك لا يختلف بماشرته لنفسه أو لغيره ونفوذه شرعا باعتبار ولايته الاصلية لا أن يثبت له بأمر الموكل اياه ولاية لم تكن ثابتة من قبل هذا لبيان أنه عاقد حقيقة وشرعا ومن حيث الحكم فلانه مستغن عن اضافة العقد إلى الموكل ولو كان معبرا عنه لم يستغن عن ذكره عند العقد فثبت أنه عاقد حكما مباشر للعقد بخلاف لرسول فانه عبارة عن مبلغ الامر إلى من أرسل إليه ولا يستغنى عن الاضافة إليه وكذلك الوكيل بالنكاح فانه لا يستغنى عن اضافة العقد إلى الموكل حتى لو قال تزوجتك كان النكاح له دون الموكل فاما حكم العقد وهو الملك ففيه طريقان (أحدهما) أنه يثبت للوكيل ثم ينتقل منه إلى الموكل من ساعته كما اتفقا عليه بالتوكيل السابق ومباشرته السبب تستدعي ثبوت الحكم الا أنه يستقر له فيثبت أو لاله
[ 204 ]