الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مبسوط السرخسي - الجزء الثاني والعشرون»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
OKBOT (نقاش | مساهمات)
ط تدقيق إملائي. 88 كلمة مستهدفة حاليًا.
 
سطر 54:
[ 18 ]
بكر محمد بن أبى سهل السرخسي رحمه الله إملاء المضاربة مشتقة من الضرب في الارض وانما سمى به لان المضارب يستحق الربح بسعيه وعمله فهو شريكه في الربح ورأس مال الضرب في الارض والتصرف وأهل المدينة يسمون هذا العقد مقارضه وذلك مروي عن عثمان رضى الله عنه فانه دفع إلى رجل مالا مقارضة وهو مشتق من القرض وهو القطع فصاحب المال قطع هذا القدر من المال عن تصرفه وجعل التصرف فيه إلى العامل بهذا العقد فسمى به وانما اخترنا اللفظ الاول لانه موافق لما في كتاب الله تعالى قال الله تعالى وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله يعنى السفر للتجارة * وجواز هذا العقد عرف باسنة والاجماع فمن السنة ماروى أن العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه كان إذا دفع مالا مضاربة شرط على المضارب أن لا يسلك به بحرا وان لا ينزل واديا ولا يشترى به ذات كبد رطب فان فعل ذلك ضمن فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ذلك فاستحسنه وكان حكيم بن حزام رضي الله عنه إذا دفع مالا مضاربة شرط مثل هذا وروى أن عبد الله وعبيد الله ابنا عمر رضي الله عنهم قدما العراق ونزلا على أبى موسى رضى الله عنه فقال لو كان عندي فضل مال لاكرمتكما ولكن عندي مال من مال بيت المال فابتاعا به فإذا قدمتما المدينة فادفعاه إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه ولكما ربحه ففعلا ذلك فلما قدما على عمر رضى الله عنه أخبراه بذلك فقال هذا مال المسلمين فربحه للمسلمين فسكت عبد الله وقال عبيد الله لا سببيل لك إلى هذا فان المال لو هلك كنت تضمننا قال بعض الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين اجعلهما بمنزلة المضاربين لهما نصف الربح وللمسلمين نصفه فاستصوبه عمر رضى الله عنه وعن القاسم بن محمد قال كان لنا مال في يد عائشة رضى الله عنهما وكانت تدفعه مضاربة فبارك الله لنا فيه لسعيها وكان عمر رضى الله عنه يدفع مال اليتم مضاربة على ما روى محمد رحمه الله وبدا به الكتاب عن حميد بن عبد الله بن عبيد الانصاري عن أبيه عن جده أن عمر رضى الله عنه أعطاه مال يتيم مضاربة وقال لا أدرى كيف كان الشرط بينهما فعمل به بالعراق وكان بالحجاز اليتيم كان يقاسم عمر رضى الله عنه بالربح وفيه دليل جواز المضاربة بمال اليتيم وان للامام ولاية النظر في مال اليتامى وان للمضارب والاب والوصى المسافرة بمال اليتيم في طريق آمن أو مخوف بعد أن كانت القوافل متصلة فقد كان عمر رضى الله عنه اعطى زيد بن خليدة رضى الله عنه مالا مضاربة فاسلمه إلى عتريس بن عرقوب
[ 19 ]
في حيوان معلوم باثمان معلومة إلى أجل معلوم فحل الاجل فاشتد عليه فأتى عتريس عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه يستعين به عليه فذكر ذلك فقال له عبد الله رضى الله عنه خذ رأس مالك ولا تسلمه شيأ مما لنا في الحيوان وفيه دليل جواز المضاربة وفساد السلم وانما اشتد على عتريس بن عرقوب لفساد العقد أيضا فلا يظن به المماطلة في قضاء ما هو مستحق عليه مع قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} خيركم أحسنكم قضاء وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} والناس يتعاملون بالمضاربة بينهم فأقرهم على ذلك وندبهم أيضا إليه على ما قال صلوات الله وسلامه عليه من عال ثلاث بنات فهو أسير فاعينوه يا عباد الله ضاربوه داينوه ولان بالناس حاجة إلى هذا العقد فصاحب المال قد لا يهتدى إلى التصرف المربح والمهتدى إلى التصرف قد لا يكون له مال والربح انما يحصل بهما يعنى المال والتصرف ففى جواز هذا العقد يحصل مقصود هما وجواز عقد الشركة بين أثنين بالمال دليل على جواز هذا العقد لان من جانب كل واحد منهما هناك ما يحصل به الربح فينعقد بينهما شركة في الربح ولهذا لا يشترط التوقيت في هذا العقد ولكل واحد منهما أن ينفرد بفسخه لان انعقاده بطريق الشركة دون الاجارة ولهذا العقد أحكام شتى من عقود مختلفة فانه إذا أسلم رأس المال للمضارب فهو امين فيه كالمودع وإذا تصرف فيه فهو وكيل في ذلك يرجع بما يلحقه من العهدة على رب المال كالوكيل فإذا حصل الربح كان شريكه في الربح وإذا فسد العقد كانت اجارة فاسدة حتى يكون للمضارب أجر مثل عمله وإذا خالف المضارب كان غاصبا ضامنا للمال ولكن المقصود بهذا العقد الشركة في الربح وكل شرط يؤدى إلى قطع الشركة في الربح بينهما مع حصوله فهو مبطل للعقد لانه مفوت لموجب العقد ومن ذلك ما رواه عن إبراهيم رحمه الله انه كان يكره المضاربة بالنصف أو الثلث وزيادة عشرة دراهم قال أرأيت ان لم يربح الا تلك العشرة وهو إشارة إلى ما بينا من قطع الشركة في الربح مع حصوله بان لم يربح الا تلك العشرة وعن إبراهيم رحمه الله في المضاربة والوديعة والدين سواء يتحاصون ذلك في مال الميت وبه نأخذ والمراد مضاربة أو وديعة غير معينة فالامين بالتجهيل يصير ضامنا فهو والدين سواء فاما ما كان معينا معلوما فصاحبه أولى به لان حق الغريم بموت المديون يتعلق بماله الا بما كان امانة في يده لغيره وعن إبراهيم رحمه الله قال في الوصي يعطى مال اليتيم مضاربة وان شاء أبضعه وان شاء تجر إلى غير ذلك وكان خيرا لليتيم فعل لقوله تعالى قل اصلاح لهم خير وقال الله تعالى ولا تقربوا
[ 20 ]
مال اليتيم الا بالتى هي أحسن والاحسن والاصلح في حقه أن يتجر بماله قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} ابتغوا في أموال اليتامى خيرا كيلا تأكلها الصدقة يعنى النفقة فان احتسب بالتصرف فيه أو وجد أمينا يحتسب ذلك والا نفع لليتيم أن يدفعه إليه بضاعة وان لم يجز ذلك وربما لا يرغب في أن يتصرف فيه مجانا فلا بأس بأن يتصرف فيه على وجه المضاربة وهو أنفع لليتيم لما يحصل له من بعض الربح وبما لا يتفرغ الوصي لذلك فيحتاج إلى أن يدفعه مضاربة إلى غيره وإذا جاز منه هذا التصرف مع نفسه فمع غيره أولى وذكر عن على رضى الله عنه قال ليس على من قاسم الربح ضمان وتفسيره أنه المواضعة على المال في المضاربة والشركة وهو مروي عن علي رضى الله عنه قال المواضعة على المال والربح على ما اشترطا عليه وبه أخذنا فقلنا رأس المال أمانة في يد المضارب لانه قبضه باذنه ليتصرف فيه له وعن على رضى الله عنه أنه كان يعطى مال اليتيم مضاربة ويقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} رفع القلم عن ثلاثة عن الغلام حتى يحتلم وعن المجنون حتى يصح وعن النائم حتى يستيقظ وفيه دليل أن ولاية النظر في مال اليتيم للقاضي إذا لم يكن له وصي لعجز اليتيم عن النظر لنفسه واليه أشار على رضى الله عنه فيما استدل به من الحديث وعن الشعبي رحمه الله أنه سئل عن رجل أخذ مالا مضاربة فأنفق في مضاربته خمسمائة ثم ربح قال يتم رأس المال من الربح وبه أخذنا فقلنا للمضارب أن ينفق من مال المضاربة إذا سافر به لان سفره كان لاجل العمل في مال المضاربة فيستوجب النفقة فيه كالمرأة تستوجب النفقة على زوجها إذا زفت إليه لانها فرغت نفسها له فقلنا الربح لا يظهر ما لم يسلم جميع رأس المال لرب المال لان الربح اسم للفضل فما لم يحصل ما هو الاصل لرب المال لا يظهر الفضل قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} مثل المؤمن كمثل التاجر لاتخلص له نوافله ما لم تخلص له فرائضه فالتاجر لا يسلم له ربحه حتى يسلم له رأس ماله وعن الشعبي رحمه الله أنه سئل عن رجل دفع إلى رجل أربعة آلاف درهم مضاربة فخرج بها إلى خراسان وأشهد عند خروجه أن هذا المال مال صاحب الاربعة الآلاف ليس لاحد فيها حق ثم أقبل فتوفى في الطريق فأشهد عند موته أيضا بذلك ثم ان رجلا جاء بصك فيه ألف مثقال مضاربة مع هذا الرجل له بها بينة وهى قبل الاربعة الآلاف بأحد وعشرين سنة فقال عامر رحمه الله أشهد في حياته وعند موته أن المال لصاحب الاربعة الآلاف وبه نأخذ فان حق الآخر صار دينا في ذمته بتجهليه عند موته وقد بينا أن حق الغريم يتعلق بشركة الميت لا بما في يده من الامانة
[ 21 ]
سطر 69:
[ 23 ]
المشترك لا يضمن عند أبى حنيفة رحمه الله إذا هلك المال في يده من غير صنعه وعندهما هو ضامن إذا هلك في يده فما يمكن التحرز عنه فكذلك الحكم في كل مضاربة فاسدة ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة على أن ما رزق الله في ذلك من شئ فللمضارب ربح نصف المال أو قال ربح عشر المال أوقال ربح مائة درهم من رأس المال فهذه مضاربة جائزة لان في هذا المعنى اشتراط جزء شائع من الربح للمضارب إذ لا فرق بين أن يشترط له عشر الربح وبين أن يشترط له ربح عشر المال ولا أجر للمضارب في عمله هنا ان لم يحصل الربح لان عند صحة المضاربة هو شريك في الربح فإذا لم يحصل الربح لم يستحق شيئا لانعدام محل حقه لو قال على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فللمضارب ربح هذه المائة بعينها أو ربح هذا الصنف بعينه من المال فهى مضاربة فاسدة لان هذا الشرط يؤدي إلى قطع الشركة في الربح مع حصوله فمن الجائز أن لا يربح فيما يشترى بتلك المائة والاصل فيه ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} أنه سئل عن المزارعة بما سقت السوانى والماذيانات فافسدها وكان المعنى فيه أن ذلك الشرط يؤدى إلى قطع الشركة بينهما في الخارج مع حصوله فيتعدى ذلك الحكم إلى هذا الموضع بهذا المعنى فان عمل فله أجر مثله لانه أوفي العمل بحكم عقد فاسد وإذا دفع إليه ألف درهم فقال خذ هذه الالف مضاربة بالثلث أو قال بالخمس أو قال بالثلثين فأخذها وعمل بها فهى مضاربة جائزة وما شرطه من ذلك فهو للمضارب وما بقى لرب المال لان المضارب هو الذى يستحق الربح بالشرط فأما رب المال فانما يستحق الربح باعتبار أنه بما ملكه فمطلق الشرط ينصرف إلى جانب من يحتاج إليه وعرف الناس يشهد بذلك والثابت بالعرف من التعيين كالثابت بالنص فكأنه قال الثلثان من الربح لك حتى إذا قال انما عنيت أن الثلثين لي لم يصدق لانه يدعى خلاف ما هو الظاهر المتعارف والقول في المنازعات قول من يشهد له الظاهر وحرف الباء دليل عليه لانه انما يصحب الاعواض فهو دليل على أن بالثلثين لم يستحق الربح عوضا وهو المضارب وأنه في المعنى يستحق الربح عوضا عن عمله فلهذا كان المنصوص عليه للمضارب وكذلك لو قال خذها معاوضة بالنصف أو معاملة بالنصف لان العبرة في العقود للمعانى دون الالفاظ (ألا ترى) أنه لا فرق بين أن يقول بعتك هذا الثوب بألف أو المكيل بألف ولو قال خذها على أن ما رزق الله تعالى فيها من شئ فهو بيننا ولم تزد على هذا فهو مضاربة جائزة بالنصف لان كلمة بين تنصيص على الاشتراك ومطلق الاشتراك
[ 24 ]
سطر 99:
[ 33 ]
* (باب المضاربة بالعروض) * (قال رحمه الله) ذكر عن إبراهيم والحسن رحمهما الله قالا لا تكون المضاربة بالعروض انما تكون بالدراهم والدنانير وبه نأخذ وقال مالك رحمه الله المضاربة بالعروض صحيحة لان العرض مال متقوم يستريح عليه بالتجارة عادة فيكون كالنقد فيما هو المقصود بالمضاربة وكما يجوز بقاء المضاربة بالعرض يجوز ابتداؤها بالعروض ولكنا نستدل بنهي النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن ربح مال يضمن والمضاربة بالعروض تؤدى إلى ذلك لانها أمانة في يد المضارب وربما ترتفع قيمتها بعد العقد فإذا باعها حصل الربح واستحق المضارب نصيبه من غير أن يدخل شئ في ضمانه بخلاف النقد فانه يشتري بها وانما يقع الشراء بثمن مضمون في ذمته فما يحصل له يكون ربح ما قد ضمن * توضيحه ان الربح هنا لما كان يحصل بمجرد البيع يصير في المعنى كانه استاجره لبيع هذه العروض باجرة مجهولة وفى النقد الربح لا يحصل الا بالشراء و البيع جميعا فتكون شركة ولان تقدير المضاربة بالعروض كانه قال بع عرضى هذا على أن يكون بعض ثمنه لك ولو قال على ان جميع ثمنه لك لم يجز فكذلك البعض وإذا كان رأس المال نقدا يصير كانه قال اشتر بهذه الالف وبع على أن يكون بعض ثمنه لك ولو قال على أن جميع ثمنه لك صح فكذلك البعض * توضيحه ان الربح في المضاربة لا يظهر الا بعد تحصيل رأس المال ورأس المال إذا كان عرضا فطريق تحصيله وطريق معرفة قيمته الحزر والظن فلا يتيقن بالربح في شئ ليقسم بينهما بخلاف النقود فان كان رأس المال مكيلا أو موزونا من غير النقود فالمضاربة فاسدة أيضا عندنا وقال ابن أبى ليلى رحمه الله هي جائزة لانها من ذوات الامثال فيمكن تحصيل رأس المال بمثل المقبوض ثم قسمة الربح بينهما ولان المكيل والموزون يجوز الشراء بهما ويثبت دينا في الذمة ثمنا فيكون ذلك بمنزلة النقود في أن المضارب انما يستحق الربح بالضمان وحجتنا في ذلك أن المكيل والموزون يتعين في العقد كالعروض وأول التصرف بهما يكون بيعا وقد يحصل بهذا البيع ربح بان يبعيه ثم يرخص سعره بعد ذلك فيظهر ربحه بدون الشراء فيكون هذا استئجار للبيع باجرة مجهولة وذلك باطل كما في العروض فان اشترى وباع فربح أو وضع فالربح لرب المال والوضيعة عليه ولا ضمان على المضارب وله أجر مثله فيما عمل كما هو الحكم في المضاربة الفاسدة وقد بينا حكم المضاربة بالفلوس والنبهرجة والستوقة الزيوف والتبر زاد هنا فقال (ألا ترى) أن رجلا
[ 34 ]
سطر 105:
[ 35 ]
من شئ فهو بينهما فصاد بها سمكا كثيرا فجميع ذلك للذي صاد لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} الصيد لمن أخذ ولان الآخذ هو المكتسب دون الآلة فيكون الكسب له وقد استعمل فيه آلة الغير بشرط العوض لصاحب الآلة وهو مجهول فيكون له أجر مثله على الصياد وكذلك لو دفع إليه دابة يستقي عليها الماء ويبيع عليها أو لينقل عليها الطين ليبيعه أو ما أشبه ذلك بخلاف ما إذا أمره أن يؤاجر الدابة فالغلة هناك لصاحب الدابة وللعامل أجر مثله وقد تقدم بيان هذا في الاجارة انه إذا آجر الدابة فالاجر بمقابلة منافعها والعامل وكيل لصاحبها وإذا استعملها العامل في نقل شئ عليها وبيع ذلك فهو لنفسه ولو دفع إلى حائك غزلا على أن يحوكه سبعة في أربعة ثوبا وسطا على أن الثوب بينهما نصفان فهذا فاسد وهو في معنى قفيز الطحان وقد بينا ما فيه من اختيار بعض المتأخرين رحمهم الله باعتبار العرف في ذلك في بعض البلدان في كتاب الاجارة والثوب لصاحب الغزل وللحائك أجر مثله وإذا دفع إلى رجل أرضا بيضاء على أن يبني فيها كذا كذا بيتا وسمى طولها وعرضها وكذا كذا حجرة على أن ما بنى من ذلك فهو بينهما نصفان وعلى أن أصل الدار بينهما نصفان فبنى فيها كما شرط فهو فاسد لانه أمر بان يجعل أرضه مساكن بآلات نفسه فيكون مشتريا بالآلات وهى مجهولة وقد جعل العوض نصف ما يعمل لنفسه من المساكن وذلك فاسد وقد قررنا في الاجارات أن هذا المعنى في الارض يدفعها إليه ليغرسها أشجارا على أن تكون الارض والشجر بينهما نصفين فهو في البناء كذلك ثم جميع ذلك لرب الارض وعليه للثاني قيمة ما بنى لانه يصير قابضا له بحكم العقد الفاسد فان بناء الغير له بامره كبنائه بنفسه فعليه ضمان القيمة لما تعذر رد العين باعتبار انه صار وصفا من أوصاف ملكه وللعامل أجر مثله فيما عمل لانه أقام العمل له وقد ابتغى من عمله عوضا فإذا لم ينل ذلك استوجب أجر المثل ولو دفع إليه أرضا على أن يبنى فيها دسكرة ويؤاجرها على ان ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما نصفان فبناها كما أمره فاجرها فأصاب مالا فجميع ما أصاب من ذلك فهو للبانى والبناء له لان صاحب الارض هنا شرط البناء لنفسه فيكون الثاني عاملا لنفسه في البناء وإذا كان البناء ملكا له فعليه البناء أيضا وانما يستأجر البيوت للسكنى وذلك باعتبار البناء ولهذا لو انهدم جميع البناء لم يكن على المؤاجر للمستأجر أجر بعد ذلك فلهذا كان الاجر كله لصاحب البناء ولرب الارض أجر مثل أرضه على البانى لانه أجر الارض بنصف ما يحصل من غلة البناء وهى مجهولة وقد استوفى منفعة الارض
[ 36 ]
سطر 111:
[ 37 ]
لا يفسد المضاربة غير أنى أكره أن يقول بعه وخذ الثمن مضاربة على أن الربح بيننا نصفان لان بيع العبد ليس من المضاربة وقد صار كأنه شرط فيها فلهذا كره فان شبهة الشئ كحقيقته في وجوب التحرز عنه قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} من اتقى الشبهات سلم له دينه ولو شرط على المضارب في المضاربة منفعة له سوى ما يحصل به الربح كان ذلك الشرط فاسدا فكذلك شرط بيع العبد لما صار في معنى ذلك ولكنه ينبغى أن يأمره بييعه ولا يذكر المضاربة فإذا قبض الثمن أمره ان يعمل به مضاربة وكذلك هنا الحكم في جميع العروض من المكيلات والموزونات ولو باع المضارب العبد بعشرة اكرار حنطة وعمل بها فهذا في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله مضاربة فاسدة لانه وكيل بالبيع مطلقا ومن أصل أبى حنيفة ان الوكيل بالبيع يملك البيع بالمكيل والموزون فلا يصير هو ضامنا ولكنه يصير كانه دفع إليه الحنطة مضاربة فتكون المضاربة فاسدة وجميع ما ربح لرب المال وللمضارب أجر مثله فيما عمل بالثمن لانه في بيع العبد معين وانما يصير أجيرا باعتبار المضاربة وأوان ذلك بعد قبض الثمن وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله المضارب ضامن لقيمة العبد وجميع ما ربح له لان عندهما الوكيل بالبيع لا يملك البيع الا بانقود فإذا باع بالحنطة كان مخالفا ضامنا لقيمة العبد كالغاصب فإذا ضمن القيمة بعد البيع من جهته والحنطة التى قبضها له بمقابلة العبد فانما ربح على مال نفسه ولا يتصدق بالفضل لانه ربح ما قد ضمن فان قيل عند أبى حنيفة ينبغى أن يكون الجواب كذلك لانه قال اعمل بثمنه مضاربة فبهذا اللفظ ينبغى أن تنفد الوكالة بالبيع بما يصلح أن يكون رأس المال في المضاربة وهو النقد قلنا لا كذلك فكون المضاربة بالعروض والمكيل فاسدة من الدقائق قد خفى ذلك على بعض العلماء فلعله خفى ذلك على صاحب المال أيضا أو كان ممن يعتقد جواز المضاربة بها فمطلق الوكالة لا يتقيد بمثل هذا الكلام المحتمل ولو باعه بمائة درهم وقيمته ألف درهم وعمل بها فهى مضاربة جائزة في المائة عند أبى حنيفة رحمه الله وعندهما المضارب ضامن قيمة العبد لرب المال بناء على اختلافهم في الوكيل بالبيع مطلقا يبيع بالغبن الفاحش وإذا كان للرجل دراهم ودنانير واكرار حنطة ودقيق فقال خذ أي أصناف مالى شئت واعمل به مضاربة بالنصف فأخذ المضارب أحد الاصناف فعمل به فان كان أخذ الدنانير والدراهم فعمل بهما فهو جائز على الشرط وان أخذ غيرهما فهو فاسد فإذا اشترى وباع فهو لرب المال وعليه وضيعته وللمضارب أجر مثله لان تعيين
[ 38 ]
سطر 117:
[ 39 ]
يشترون ويبيعون ويستأجر البيوت والدواب للامتعة التي يشتريها لان ذلك من صنع التجار فالمضارب لا يستغنى عن ذلك في تحصيل الربح وللمنافع حكم المال عند العقد والاجارة والا ستئجار تجارة من حيث انه مبادلة مال بمال وله أن يسافر به وروى أصحاب الاملاء عن أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهم الله انه ليس له أن يسافر به ما لم يأذن له فيه صاحب المال لان فيه تعريض المال للهلاك وجه ظاهر الرواية ان اشتقاق المضاربة من الضرب في الارض وانما يتحقق ذلك بالمسافرة ولان مقصوده تحصيل الربح وانما يحصل ذلك في العادة بالسفر بالمال فيملكه بمطلق عقد المضاربة وقد بينا في الوديعة ان المودع له أن يسافر بمال الوديعة ففى المضارب أولى وروى عن أبى يوسف رحمه الله انه قال ان دفع المال في مصر وهو من أهل ذلك المصر فليس له أن يسافر به وان دفع المال إليه في غير مصر فله أن يسافر به لان العام الغالب أن الانسان يرجع إلى وطنه ولا يستديم الغربة مع امكان الرجوع فلما أعطاه مع علمه انه غريب في هذا الموضع كان ذلك منه دليل الرضا بالمسافرة بالمال عند رجوعه إلى وطنه وذلك لا يوجد فيما إذا دفع المال إليه وهو مقيم في مصره ولكن هذا التفصيل فيما له حمل ومؤنة بناء على ماروينا عن أبى يوسف رحمه الله في المودع انه لا يسافر بالوديعة إذا كان لها حمل ومؤنة وليس له أن يقرضه لان الاقراض تبرع قال النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قرض مرتين صدقة مرة ولانه ليس في الاقراض تحصيل شئ من مقصود رب المال لان المقبوض بحكم القرض مضمون بمثله لا يتصور فيه زيادة شرط ولا غيره وليس له أن يخلطه بماله لان في الخلط بماله أو بمال غيره ايجاب الشركة في المال المدفوع إليه على وجه لم يرض به رب المال وكذلك لا يدفعه مضاربة لان بالدفع مضاربة سوى غيره بنفسه في حق الغير وهو لا يملك ذلك (ألا ترى) أن الوكيل بالبيع مطلقا لا يوكل به غيره ولانه موجب لغيره شركة في الربح ورب المال لم يرض بالشركة لغيره في ربح ماله ولايشارك به أيضا لان الشركة بمنزلة الدفع مضاربة بل أقوى منه فان قيل أليس ان المضارب بأذن لعبد من مال المضاربة في التجارة ويصح ذلك منه واطلاق التصرف بالاذن في التجارة بمنزلة الدفع مضاربة أو فوقه قلنا قد روى ابن رستم عن محمد رحمهما الله أنه لا يملك الاذن في التجارة بمنزلة الدفع مضاربة والفرق بينهما على ظاهر الرواية ان المأذون لا يصير شريكا في الربح فيكون الاذن في التجارة نظير الابضاع لا نظير الدفع مضاربة والشركة به فان كان قال له اعمل فيه برأيك فله أن يعمل
[ 40 ]
سطر 216:
[ 72 ]
لحاجة نفسه هو عامل لنفسه وهو فيما هو عامل لنفسه لا يستوجب الرجوع على رب المال بما يلحقه من العهدة وانما كان يرجع في مال المضاربة لان سعيه لاجل مال المضاربة وهذا لا يوجد في مال آخر لرب المال فلا يستوجب الرجوع في ذلك بعد هلاك مال المضاربة وإذا ادان المضارب مال المضاربة في غير مصره وربح فيه فأراد أن يتقاضاه وتكون نفقته منه وقال رب المال بل اتقاضاه ولا أريد أن تكون أنت المتقاضى فان رب المال يجبر على ترك التقاضى للمضارب وتكون نفقته على المال لان حق المضارب ثابت في نصيبه من الربح فلا بد من أن يتقاضى حصة من الربح وإذا أخذ ذلك أخذه رب المال منه بحساب رأس المال ثانيا أو ثالثا فتبين أن المضارب متقاض لرب المال وان نفقته في المال فرب المال فيما يسأل يقصد اسقاط حق المضارب وهو لا يتمكن من ذلك وان لم يكن فيه فضل فقال المضارب انا أتقاضاه وتكون نفقتى منه حتى أقبضه وقال رب المال أحلني به أجبر المضارب على أن يحيل به رب المال لانه لا حصة للمضارب في المال هنا ولاحق فهو بمطالبته يريد أن يلزمه نفقة نفسه في مال غيره فلصاحب المال أن يأبى ذلك ويتقاضى بنفسه وإذا اشترى المضارب بمال المضاربة متاعا وفيه فضل أولا فضل فيه فاراد المضارب أن يمسكه حتى يجد به ربحا كثيرا وأراد رب المال أن يبيعه فان كان لا فضل فيه اجبر المضارب على أن يبيعه أو يعطيه رب المال برأس ماله لانه لا حق للمضارب في المال في الحال فهو يريد أن يحول بين رب المال وبين ماله بحق موهوم عسى يحصل له وعسى لا يحصل وفيه اضرار برب المال والضرر مدفوع وان كان فيه فضل وكان رأس المال ألفا والمتاع يساوى ألفين فالمضارب يجبر على بيعه لان في تأخيره حيلولة بين رب المال وبين ماله وهو لم يرض بذلك حين عاقده عقد المضاربة الا أن للمضارب هنا أن يعطى رب المال ثلاثة ارباع المتاع برأس ماله وحصته من الربح ويمسك ربع المتاع وحصته من الربح وليس لرب المال أن يأبى ذلك عليه لان الربح حق والانسان لا يجبر على بيع ملك نفسه لتحصيل مقصود شريكه وكما يجب دفع الضرر عن رب المال يجب دفعه عن المضارب في حصته والطريق الذى يعتدل فيه النظر من الجانبين ما ذكرنا وإذا دفع مالا مضاربة وأمر المضارب أن يعمل في ذلك برأيه أولم يأمره فاستأجر المضارب ببعضه أرضا بيضاء واشترى ببعضه طعاما فزرعه في الارض فهو جائز على المضاربة بمنزلة التجارة لان عمل الزراعة من صنع التجار يقصدون به تحصيل النماء واليه أشار صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم{{ص}}
[ 73 ]