الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مبسوط السرخسي - الجزء الثاني2»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
OKBOT (نقاش | مساهمات)
ط تدقيق إملائي. 88 كلمة مستهدفة حاليًا.
 
سطر 7:
[ 100 ]
الفرق. ولو ان مسافرا ومقيما نسيا صلاة فأم أحدهما صاحبه بعد ما تذكرا فان أم المسافر المقيم جاز وان أم المقيم المسافر لم تجز صلاة المسافر وقد بينا هذا الفرق في كتاب الصلاة ان اقتداء المقيم بالمسافر يجوز بعد خروج الوقت كما يجوز في الوقت لان فرضه لا يتغير بالاقتداء. واقتداء المسافر بالمقيم يجوز في الوقت ولايجوز بعد خروج الوقت لان فرضه يتغير بالاقتداء. ولو أن رجلا صلى مع الامام الفجر فجعل يركع معه ويسجد قبله فعليه أن يسجد سجدتين وصلاته تامة لانه لما سجد قبله ورفع رأسه قبل أن يسجد الامام لم يعتد بهذه السجدة فلما سجد الامام وسجد الرجل ينوى الثانية كانت هذه هي السجدة الاولى في حقه فانما صلى مع الامام ركعتين وترك من كل ركعة سجدة فعليه أن يسجد سجدتين وليس مراده من هذه المسألة أنه سجد قبل الامام ثم سجد الامام قبل أن يرفع هو رأسه لان هناك لا يلزمه قضاء شئ فان الامام لما أدركه في آخر السجدة فقد وجدت المشاركة بينهما في هذه السجدة وليس مراده أنه سجد سجدتين جميعا ورفع رأسه منهما قبل أن يسجد الامام لانه حينئذ لا تجوز صلاته باداء السجدتين فانه في الحقيقة يكون مصليا ركعة فانما عليه أن يصلى أخرى فعرفنا أن مراده مابينا. ولو صلى ركعة وترك منها سجدة ثم صلى ركعة أخرى بسجدتين فهما لهذه الركعة لان الركعة تتقيد بالسجدة الواحدة فقد سجد للركعة الثانية في أوانها فيكون سجوده عن الركعة الثانية وسجدة الركعة الاولى صارت في حكم القضاء لفوات محلها فلا تتأدى بدون النية فان طاف بالبيت أسبوعا ثم صلى ركعتين عند طلوع الشمس أو بعد ما تغيرت الشمس لم يجزئه عندنا عن ركعتي الطواف خلافا للشافعي رضى الله تعالى عنه لحديث جبير بن مطعم رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال لا تمنعوا أحدا يطوف بهذا البيت أي ساعة شاء من ليل أو نهار وليصل لكل أسبوع ركعتين ولكنا نستدل بحديث معوذ بن عفراء رضى الله عنه فاته طاف بعد العصر أسبوعا ثم لم يصل فقيل له في ذلك فقال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن الصلاة في هذه الساعة. وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه انه طاف بعد العصر اسبوعا فقال عطاء ارمقوا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} هل يصلى فرمقوه فلم يصل حتى غربت الشمس. وعن عمر رضى الله تعالى عنه أنه طاف بعد صلاة الفجر اسبوعا ثم خرج من مكة فلما كان بذى طوى وارتفعت الشمس صلى ركعتين ثم قال ركعتان مكان ركعتين ولان ركعتي الطواف تجب بسبب من
[ 101 ]
جهة العبد فهي كالمنذورة وقد بينا أن المنذورة لا تؤدى بعد الفجر قبل طلوع الشمس ولا بعد العصر قبل غروب الشمس وتأويل حديث جبير وليصل كل أسبوع ركعتين في الاوقات التى لا تكره الصلاة فيها. رجل صلى ركعتين تطوعا ثم اقتدى به رجل ثم رعف فانطلق يتوضأ فصلى امامه ركعة أخرى ثم تكلم الذى أحدث فصلى هذا الامام تمام ست ركعات فعلى الرجل الداخل معه أن يقضى أربع ركعات لانه اقتدى بالامام في الشفع الثاني فيصير ملتزما لهذا الشفع والشفع الاول الذى أداه الامام بهذه التحريمة فعليه قضاء الشفعين ثم هو قد أفسد الاقتداء قبل قيام الامام إلى الشفع الثالث وانما يلزمه الشفع الثالث بالقيام إليه كما لو لم يكن اماما له حين قام إليها لم يكن عليه قضاؤها. ولو أن رجلين افتتحا الصلاة معا ينوى كل واحد منهما أن يكون اماما لصاحبه فصلاتهما تامة لان الامام في حق نفسه كالمنفرد فان صلاته لا تنبنى على صلاة غيره فنية كل واحد منهم للامامة ونيته الانفراد سواء وان نوى كل واحد منهما أن يأتم بصاحبه فصلاتهما فاسدة لان كل واحد منهما نوى الاقتداء عند الشروع ونيته الاقتداء بالمقتدى لا تصح ألا ترى أن المسبوق إذا قام إلى قضاء ما فات فاقتدى به انسان لم يصح اقتداؤه وهذا لان المقتدى تبع ويستحيل أن يكون كل واحد منهما تبعا لصاحبه في صلاة واحدة فلهذا تفسد صلاتهما ثم ذكر مسألة المغمى عليه وقد بيناها في كتاب الصلاة وفرق بين الاغماء والنوم فان النوم لا يسقط القضاء وان كان أكثر من يوم وليلة لان النائم في حكم القضاء كالمنتبه ألا ترى أنه إذا نبه انتبه بخلاف المغمى عليه وجعل الجنون كالاغماء فقال إذا جن يوما وليلة أو أقل فعليه قضاء الصلوات وإذا جن أكثر من يوم وليلة فليس عليه قضاء الصلوات وهذا لان الجنون يعجزه عن فهم الخطاب مع بقاء الاهلية للفرض ألا ترى أن فرضه المؤدى يبقى على حاله يعنى حجة الاسلام والصلاة المؤداة حتى لو أفاق قبل مضى الوقت لم يكن عليه اعادة الصلاة فعرفنا أن الجنون إذا قصر فهو كالاغماء فان كان يوما وليلة أو أقل كان عليه قضاء الصلوات وقد ظن بعض أصحابنا أن الجنون إذا استوعب وقت صلاة كاملة لم يكن عليه قضاؤها بخلاف الاغماء قالوا لان الجنون يزيل العقل ألا ترى أن من قال جن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في شئ من عمره كفر وقد أغمى عليه في مرضه ولكن الاصح أنه في حكم الصلاة لا فرق بين الجنون والاغماء كما نص عليه ههنا. رجل نسى صلاتين من يومين
[ 102 ]
سطر 33:
[ 108 ]
الخراساني بالقصر قد انتقض بمثله وهو وطنه ببغداد وان لم يكونا نويا الاقامة بالقصر ولا ببغداد فإذا خرجا من بغداد إلى الكوفة صليا ركعتين لان وطنهما بالقصر كان وطن السكنى وقد انتقض بالخروج منه. ولو أن كوفيا باع داره وخرج مع عياله يريد أن يوطن مكة فلما انتهى إلى الثعلبية بدا له أن يوطن خراسان فمر بالكوفة صلى أربعا لان الوطن الاصلى لا ينقضه الا وطن أصلى مثله ولم يظهر له وطن أصلى في موضع آخر فكانت الكوفة وطنا له فيصلى بها أربعا فان كان أتى مكة ودخلها على عزيمته ثم بدا له أن يرجع إلى خراسان فمر بالكوفة صلى ركعتين لانه لما دخل مكة بأهله وثقله على قصد التوطن بها صار ذلك وطنا أصليا له وانتقض وطنه بالكوفة ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} كان متوطنا بمكة فلما توطن بالمدينة انتقض وطنه بمكة حتى لما دخلها قال أتموا يا أهل مكة صلاتكم فانا قوم سفر فان بدا له أن يرجع إلى اليمن ويمر بمكة صلى أربعا لانها صارت وطنا أصليا له ولم يتخذ بعدها وطنا آخر. ولو أن كوفيا قدم مكة في عيد الاضحى يريد الحج ويريد أن يقيم بمكة سنة فانه يصلى ركعتين حتى يخرج من منى لانه على عزم الخروج منها إلى منى وعرفات فلا يصير مقيما بهذا الدخول حتى يرجع من منى الا أن يكون حين أتاها كان بينه وبين يوم التروية خمسة عشر يوما أو أكثر فحينئذ يصير مقيما ثم بالخروج إلى منى وعرفات لا يصير مسافرا وان بدا له قبل أن يرجع إلى منى أن ينصرف إلى الكوفة بعد ما قضى حجه صلى ركعتين بمكة في المسألة الاولى لانه بعد الرجوع من منى ما دخلها على عزم الاقامة فلا يصير مقيما وان كان انما بدا له هذا بعد ما رجع من منى صلى أربعا حتى يخرج من مكة يريد سفرا لانه صار مقيما بها حين دخلها على عزم الاقامة. ولو أن خراسانيا أوطن الكوفة والحيرة عشرين يوما صلى ركعتين لانه نوى الاقامة في الموضعين وانما تعتبر نية الاقامة في موضع واحد الا أن يكون نوى أن يكون بالليل بالحيرة وبالنهار بالكوفة فحينئذ يصير مقيما إذا انتهى إلى الحيرة لان موضع اقامة المرء حيث يبيت فيه ألا ترى انك تسأل السوقى أين يقيم فيقول في محلة كذا ويشير إلى مبيته وان كان هو بالنهار يكون في السوق. ولو أن كوفيا خرج حاجا ثم رجع إلى الحيرة فنوى بها الاقامة صلى أربعا فان بدا له أن يخرج إلى مكة فلما انتهى إلى النجف وهو على رأس فرسخين بدا له أن يرجع إلى الكوفة فانه يصلى ركعتين ما لم يدخل الكوفة لان الحيرة كانت وطن السكنى
[ 109 ]
سطر 42:
[ 111 ]
* (باب السهو) * (قال) رضى الله عنه رجل أم قوما فنسى ان يتشهد حتى قام إلى الثالثة فعلى القوم أن يقوموا معه لانهم تبع له وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قام من الثانية إلى الثالثة ولم يقعد فسبحوا به فسبح بهم حتى قاموا وان الامام تشهد فنسى بعض من خلفه التشهد حتى قاموا جميعا فعلى من لم يتشهد ان يعود فيتشهد ثم يتبع امامه وان خاف ان تفوته الركعة الثالثة لانه تبع لامامه فيلزمه أن يتشهد بطريق المتابعة وهذا بخلاف المنفرد لان التشهد الاول في حقه سنة وبعد ما اشتغل بفرض القيام لا يعود إلى السنة وهنا التشهد فرض عليه بحكم المتابعة وهذا بخلاف ما إذا أدرك الامام في السجود فلم يسجد معه السجدتين فانه يقضى السجدة الثانية ما لم يخف فوت ركعة أخرى فان خاف فوت ذلك تركها لان هناك هو يقضى تلك الركعة بسجدتيها فعليه أن يشتغل باحراز الركعة الاخرى إذا خاف فوتها وهنا لا يقضى هذا التشهد بعد هذا فعليه أن يأتي به ثم يتبع امامه بمنزلة الذى نام خلف الامام إذا انتبه فانه يأتي بما يأتي به الامام وان سها هذا المقتدى في الركعة الرابعة عن التشهد حين سلم الامام ثم قهقه فعليه الوضوء لصلاة أخرى ومراده أنه سها عن قراءة التشهد لا عن القعدة لانه إذا لم يقعد حتى سلم الامام ثم قهقه هو فعليه استقبال الصلاة وهذا لان القعدة الاخيرة ركن فتركها يفسد الصلاة فأما قراءة التشهد واجب فهو لا يصير خارجا بسلام الامام إذا بقى عليه واجب فضحكه يكون مصادفا حرمة الصلاة فعليه الوضوء لصلاة أخرى لكن لا يلزمه استقبال الصلاة لان ترك الواجب لا يفسد صلاته. ولو أن اماما سلم ناسيا وعليه سجدة صلبية ثم اقتدى به رجل صح الاقتداء لان الامام بسلام السهو لم يصر خارجا من الصلاة فان ذهب الامام ولم يسجد فسدت صلاة المقتدى كما فسدت صلاة الامام وان سجد الامام سجد الرجل معه ثم قام إلى قضاء ما سبقه به فان قيد الركعة بالسجدة قبل أن يسجد الامام فسدت صلاته لانه يتعذر عليه العود إلى متابعته بعد أن صلى ركعة كاملة فقد انفرد في موضع كان عليه الاقتداء فيه. وان كانت السجدة التى تركها الامام سجدة تلاوة وقد قيد هذا الرجل ركعته بالسجدة قبل أن يعود الامام إليها ففي رواية هذا الكتاب قال صلاته تامة ولا يعود إلى متابعته وفى رواية كتاب الصلاة يقول صلاته فاسدة. وجه تلك الرواية ان العود إلى سجدة التلاوة ينقض القعدة كالعود إلى السجدة الصلبية فكان هذا
[ 112 ]
سطر 72:
[ 121 ]
ووجه هذه الرواية أن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} والخلفاء بعده فتحت الامصار ولم يتخذ أحد منهم في كل مصر أكثر من مسجد واحد لاقامة الجمعة ولو جاز اقامتها في موضعين جاز في أكثر من ذلك فيؤدى إلى القول بأن يصلى أهل كل مسجد في مسجدهم وأحد لا يقول بذلك وفي تجويز اقامة الجمعة في موضعين في مصر واحد تقليل الجماعة واقامة الجمعة من أعلام الدين فلا يجوز القول بما يؤدى إلى تقليلها. ووجه الرواية الاخرى أن المصر قد يكون متباعد الجوانب فيشق على الشيوخ والضعفاء التحول من جانب إلى جانب لاقامة الجمعة فلدفع هذه العسر جوزنا اقامتها في موضعين والاصل فيه حديث علي رضى الله عنه حين خرج يوم العيد إلى الجبانة استخلف من يصلى بالضعفة في المسجد الجامع وما ثبت بالضروة يتقدر بقدرها وهذه الضرورة ترتفع بتجويزها في موضعين فلا نجوزها في أكثر من ذلك وجه قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قول النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا جمعة ولا تشريق الا في مصر جامع فانما شرط لاقامة الجمعة المصر الواحد وهذا الشرط في حق كل فريق ولان الحرج مدفوع وفى القول بأنه لا تجوز اقامتها الا في موضع واحد معنى الحرج ومعنى تهييج الفتنة فقد يكون بين أهل مصر واحد اختلاف على وجه لو اجتمعوا في موضع كان ذلك سببا لتهييج الفتنة وقد أمرنا بتسكينها فلهذا جوزنا اقامتها في موضعين وأكثر من ذلك ولو خرج الامام يوم الجمعة إلى الاستسقاء وخرج معه ناس كثير وخلف انسانا فصلى بهم في المسجد الجامع وصلى هو بمن معه الجمعة في الجبانة وهو على غلوة من المصر فصلاة الفريقين جائزة لان فناء المصر في حكم جوف المصر فكان هذا وما لو صلى الامام في جوف المصر سواء ثم المصر كما يشترط لاقامة الجمعة يشترط لاقامة صلاة العيد وهو انما يؤدى في الجبانة على غلوة من المصر أو أكثر من ذلك فكذلك تجوز اقامة الجمعة في مثل هذا الموضع * فان قيل أليس في حق المسافر هذا الموضع في حكم المفازة لا في حكم جوف المصر حتى ان من خرج من أهل هذا المصر على نية السفر يصلى صلاة المسافرين في هذا الموضع ومن قدم مسافرا من أهل هذا المصر فانتهى إلى هذا الموضع صلى صلاة المسافرين أيضا فكذلك في حق اقامة الجمعة ينبغى أن يجعل هذا الموضع بمنزلة المفازة قلنا فناء المصر موضع معد لحوائج أهل المصر باقامتهم في المصر لا باقامتهم في فنائها وانما يتغير فرض المسافر بالاقامة فيعتبر فيه موضع الاقامة وهو ما بين الابنية وأما اقامة صلاة الجمعة والعيدين
[ 122 ]
سطر 81:
[ 124 ]
عليه فكذلك هذا الشروع والمعنى أنه قصد الاسقاط لا الالتزام. ألا ترى أن من شرع في صلاة الجمعة مع الامام ثم تكلم لم يلزمه الا ما يلزمه قبل الشروع وهو أداء الظهر فكذلك هنا. يوضحه أنا لو أوجبنا عليه القضاء فاما أن يقضى مع التكبيرات أو بدون التكبيرات ولا يمكنه أن يقضى مع التكبيرات لان ذلك غير مشروع الا في صلاة العيد والمنفرد لا يتمكن من أداء صلاة العيد ولا يجوز أن يقضيه بدون التكبيرات لان القضاء بصفة الاداء وردوا هذه المسألة إلى الخلاف الذى بينا في كتاب الصوم أن من شرع في صوم يوم النحر ثم أفسده لم يلزمه القضاء في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما يلزمه قضاء يوم آخر وهذا في المعنى متقارب فان أبا حنيفة رحمه الله يقول لا يلزمه القضاء بغير صفة الاداء ولا يمكن ايجاب القضاء عليه بصفة الاداء وهما يعتبران الاصل لايجاد القضاء بدون الصفة فكذلك هنا ثم ذكر باب التكبير في أيام التشريق ولم يذكر فيه من المسائل إلا ما بينا في كتاب الصلاة وذكر باب صلاة الخوف أيضا ومسائله عين ما بينا في كتاب الصلاة الا أنه نص هنا على قول أبى يوسف رحمه الله أنه لا تجوز صلاة الخوف بصفة الذهاب والمجئ اليوم انما كان ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} خاصة وهذا القول لم يذكره في كتاب الصلاة وقد بينا المسألة هناك ثم ذكر أن الامام لو رعف في الركعة الثانية فقدم رجلا من الطائفة الثانية فانه يصلى بقية صلاة الامام ثم ينفتل هو ومن خلفه فيقومون بازاء العدو وهذا لا يشكل في حق القوم لانهم الطائفة الثانية فأوان انصرافهم من الصلاة إلى العدو عند تمام صلاة الامام فأما في حقه فنقول هو خليفة الامام في اتمام بقية صلاته وقد فعل ففيما وراء ذلك هو من جملة الطائفة الثانية فلهذا ينصرف مع الطائفة الثانية ثم يعود معهم لاتمام صلاته والله سبحانه وتعالى أعلم * (باب صلاة المريض) * (قال) ولو أن مريضا يصلى بالايماء فأم قوما يومئون وقوما يسجدون فانه تجوز صلاته وصلاة من هو في مثل حاله ولا تجوز صلاة من يسجد الا على قول زفر رحمه الله تعالى وقد بينا هذا في كتاب الصلاة أن المقتدى يبنى صلاته على صلاة الامام ويجوز بناء الضعيف على الضعيف ولا يجوز بناء القوى على الضعيف ثم فرع على هذا الاصل هنا فقال إذا كان
[ 125 ]
الامام مستلقيا يومئ ايماء وخلفه من يومئ مستلقيا ومن يومئ قاعدا فانه تجوز صلاته وصلاة من هو في مثل حاله ولا تجوز صلاة القاعد لما فيه من بناء القوى على الضعيف فان حال المستلقى في الايماء دون حال القاعد. ألا ترى أنه لا يجوز الايماء مستلقيا ممن يقدر على القعود في الناقلة ولا في المكتوبة وبهذا الحرف يفرق أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى بين هذا وبين اقتداء القائم بالقاعد الذى يركع ويسجد فانهما يجوزان هناك لان حال الامام قريب من حال المقتدى حكما ألا ترى انه يجوز اداء النفل قاعدا مع القدرة على القيام مع أن أبا يوسف رحمه الله تعالى ذكر في الامالى ان القياس أن لا يجوز اقتداء القائم بالقاعد وانما جوزنا ذلك بخلاف القياس بالسنة فان آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بأصحابه في المسجد كان هو قاعدا وهم خلفه قيام والمخصوص من القياس بالاثر لا يلحق به الا ما يكون في معناه من كل وجه وهذا ليس في معنى المنصوص من كل وجه على مابينا فهلذا أخذنا فيه بالقياس. ولو افتتح المكتوبة وهو صحيح مع الامام قاعدا ثم قام فلم يعد التكبير فصلاته فاسدة وكذلك لو مرض بعد ما كبر ولم يستطع القيام الا أن يعيد التكبير بعد ان يقوم أو بعد ما يعجز عن القيام لان القيام شرط عند التحرم في حق من يقدر عليه وقد انعدم ذلك فلم تنعقد تحريمته للمكتوبة الا ان يجدد التكبير لها بعد العجز وهو نظير مالو افتتح صلاة الظهر قبل زوال الشمس ثم زالت الشمس فأداها لم يجزه عن المكتوبة لانعدام شرطها وهو الوقت عند الافتتاح الا ان يجدد التكبير بعد زوال الشمس فهذا مثله والله سبحانه وتعالى أعلم * (باب الصلاة على الجنازة) * (قال) رضى الله عنه ولو أن رجلا صلى على جنازة وهو مريض قاعدا وصلى القوم معه قياما فانه يجزئهم في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ولا يجزى في قول محمد وزفر رحمهما الله تعالى لان القيام فرض في حق من يقدر عليه في صلاة الجنازة كما هو فرض في سائر المكتوبات وقد بينا اقتداء القائم بالقاعد انه على الاطلاق في سائر المكتوبات وكذلك اقتداء القائم بالقاعد في التطوعات كالقيام في شهر رمضان فانه على الخلاف فكذلك في صلاة الجنازة الا أن معنى قول محمد رحمه الله تعالى ههنا لا يجزى أنه لا يجزى
[ 126 ]
سطر 90:
[ 127 ]
على الجنازة بغير طهارة بمنزلة الدعاء ولكن لكونها صلاة تسمية شرطنا فيها نوع طهارة وفى هذا المعنى لا فرق بين الامام والقوم. وعلى هذا قال لو كان جنبا في المصر تيمم وصلى عليها أيضا لانها بمنزلة الدعاء وذلك صحيح من الجنب الا أنه أمره بان يتيمم لها كما تيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لرد السلام في حديث معروف بيناه في الصلاة. فان تيمم وصلى على الجنازة ثم أتى بجنازة أخرى فان تمكن من أن يتوضأ فلم يفعل أعاد التيمم للصلاة على الجنازة ثانيا لانه لما تمكن من استعمال الماء فقد انتهى تيممه الاول ولو لم يتمكن من ذلك وخاف ان اشتغل بالوضوء أن تفوته الصلاة على الجنازة ثانيا فعلى قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يصلى عليها بذلك التيمم وعلى قول محمد رحمه الله تعالى يعيد التيمم على كل حال لان تيممه الاول كان لحاجته إلى احراز الصلاة على الجنازة الاولى وقد حصل مقصوده بالفراغ منها فانتهى حكم ذلك التيمم ثم حدثت له حاجة جديدة إلى احراز الصلاة على الجنازة الثانية فيلزمه أن يتيمم لها لان الثابث بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة ويتجدد بتجديدها وقاس بما لو تمكن من الوضوء بين الصلاتين وجه قولهما أن المعنى الذى لاجله جوزنا الصلاة على الجنازة الاولى بالتيمم قائم بعد وهو خوف الفوت فيبقى تيممه ببقاء المعنى بخلاف ما إذا تمكن من الطهارة بين الصلاتين. يوضحه ان التيمم بعد ما صح لا ينتقض الا بالقدرة على استعمال الماء وهو لم يقدر على استعمال الماء بالفراغ من الصلاة على الجنازة الاولى إذا كان يخاف فوت الثانية بخلاف ما إذا تمكن من الطهارة بينهما وإذا ثبت أنه غير متمكن من استعمال الماء كان فرض استعمال الماء ساقطا عنه فيكون وجود الماء وعدمه في حقه سواء. وان صلى على جنازة فكبر تكبيرة ثم جئ باخرى فوضعت إلى جنبها فان كبر الثانية ينوى الصلاة على الاولى أو عليهما أو لانية له فهو في الصلاة على الاولى على حاله يتمها ثم يستقبل الصلاة على الجنازة الثانية لانه نوى ما هو موجود وعند عدم النية يكون فعله مما هو مستحق عليه والمستحق عليه اتمام الصلاة على الاولى وان كبر ينوى الصلاة على الجنازة الثانية فهو رافض للاولى شارع في الصلاة على الجنازة الثانية لان الصلاة على كل جنازة فرض على حدة ومن كان في فريضة فكبر ينوى فريضة أخرى كان رافضا للاولى شارعا في الثانية فهذا مثله. ولو أن امرأة حائضا انقطع عنها الدم في مصر فتيممت فصلت على جنازة فان كانت أيامها عشرا فذلك يجزئها لانا تيقنا بخروجها من الحيض بمضي أيامها وانما بقي عليها الاغتسال فقط فهى بمنزلة الجنب في ذلك وكذلك
[ 128 ]
سطر 96:
[ 129 ]
حكم الاخراج من الكفن لان ذلك نوع بأس لا يجوز الاقدام عليه الا عند تحقق الضرورة. يوضحه أن ذلك القليل يتأدى فرض الغسل فيه بدون استعمال ماء جديد بأن تحول البلة من موضع آخر إليه على ماروى أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} اغتسل ثم رأى لمعة على بدنه فغسلها بحمة أي أخذ البلة منها فغسل تلك اللمعة فإذا ثبت أنه لا يجب عليهم استعمال ماء جديد في غسله كان هذا ومالو فرغوا من غسله سواء فلا يجوز اخراجه من الكفن بخلاف ما إذا بقى عضو أو أكثر منه. ولو خرج شئ من الميت بعد ما غسل فانه يغسل ذلك عنه على سبيل اماطة الاذى ولا يعاد غسله لان الميت لا يحدث ولا يجنب. ولو أن صبيا حمل في سفط على دابة فصلوا عليها وهو على الدابة لم تجزهم صلاتهم لانهم أمروا بالصلاة على الجنازة وهم انما صلوا على الدابة هذا استحسان وفي القياس يجوز وهو نظير القياس والاستحسان فيما إذا كان المصلى على الدابة فان في القياس يجوز لان الصلاة على الميت دعاء ودعاء الراكب والنازل سواء وفى الاستحسان لا يجوز لان الركن في الصلاة على الجنازة التكبيرات والقيام فكما لاتتأدى بدون التكبيرات لاتتأدى بدون القيام من غير عذر وإذا ثبت هذا فيما إذا كان المصلى على الدابة فكذلك إذا كان الميت على الدابة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب * (باب الصلاة بمكة) * (قال) رضى الله عنه رجل أهل بعمرة ثم صلى مع الامام بعرفة الظهر ثم أهل بحجة ثم صلى العصر معه لم يجزه الا أن يصلى الصلاتين معه جميعا وهو مهل بالحج في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وذكر في اختلاف زفر ويعقوب رضى الله عنهما أن على قول زفر رضى الله عنه يجزئه وهو قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ففيه روايتان عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى وهكذا عن أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى فيه روايتان وجه الرواية التي قال يجوز ان التغير انما حصل في العصر من حيث انه معجل على وقته ولاتغير في الظهر لانه مؤدى في وقته فانما يشترط الاحرام بالحج فيما وقع فيه التغير ولان الاحرام بالحج شرط الجمع بين الصلاتين وانما يحصل الجمع باداء العصر دون الظهر وجه الرواية الاخرى أن من شرط صحة العصر في هذا اليوم تقديم الظهر عليه على وجه الصحة بدليل أنه لو صلى الظهر ثم العصر وكان اليوم يوم غيم ثم تبين أنه صلى الظهر قبل الزوال والعصر بعد الزوال لم يجزه
[ 130 ]
العصر وكذلك لو صلى الظهر ثم جدد الوضوء ثم صلى العصر ثم تبين أنه صلى الظهر بغير وضوء لم يجزه العصر فثبت أن من شرط صحة العصر تقديم الظهر عليه والاحرام بالحج شرط لاداء العصر فيشترط لاداء الظهر أيضا كالخطبة يوم الجمعة فانه لما كان من شرط صحة الجمعة تقدم الخطبة والسلطان شرط لاقامة الجمعة كان شرطا لاقامة الخطبة أيضا. يوضحه أن الجمع بين الصلاتين للحاجة إلى امتداد الوقوف وانما يحتاج إلى ذلك المحرم بالحج فيشترط الاحرام بالحج لهذا الجمع ثم الجمع انما يحصل بهما جميعا فيشترط الاحرام فيهما. ولو أن أمير الموسم جمع بمكة وهو مسافر جاز لانه فوض إليه أمر المسلمين فلا يكون هو دون القاضى وصاحب الشرط في اقامة الجمعة بمكة ولو صلى بهم بمنى لم يجزهم لانه مسافر أمر باقامة المناسك ومن أمر باقامة الجمعة وحقيقة الفرق أن مكة مصر وأهلها يحتاجون إلى اقامة الجمعة فمن كان ذا سلطان فهو يملك اقامة الجمعة مسافرا كان أو مقيما وأما أهل منى فلا يحتاجون إلى اقامة الجمعة لانه ليس عليهم ذلك فلا يكون لامير الموسم أن يقيم الجمعة بمنى فان كان أمير مكة أو أمير الحجاز أو الخليفة حج بنفسه ففي اقامة الجمعة له بمنى خلاف قد بيناه في كتاب الصلاة. فان صلى الظهر والعصر بعرفات ولم يخطب أجزأه لان هذه خطبة وعظ وتذكير وتعليم لبعض ما يحتاج إليه في ذلك الوقت فتركه لا يمنع جواز الصلاة كالخطبة في صلاة العيد بخلاف الخطبة في الجمعة فانه بمنزلة شطر الصلاة على ما قال ابن عمر رضى الله عنه وانما قصرت الجمعة لمكان الخطبة ثم ينبغي للامام أن يخطب في الحج ثلاث خطب خطبة قبل يوم التروية بيوم يخطبها بمكة بعد الظهر وخطبة بعرفات بعد زوال الشمس يوم عرفة قبل صلاة الظهر وخطبة في اليوم الثاني من أيام النحر وهو يوم القر كما روى في حديث عبد الله بن قرظ أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال أفضل الايام عند الله تعالى يوم النحر ثم يوم القر يريد اليوم الثاني من أيام النحر سمى بهذا الاسم لان الحاج يقرون فيه بمنى وهذه الخطبة بعد الظهر وقال زفر رحمه الله تعالى يخطب ثلاث خطب خطبة يوم التروية وخطبة يوم عرفة وخطبة يوم النحر وما قلناه أحسن لان في يوم التروية هم يخرجون من مكة إلى منى فلا يتفرغون لسماع الخطبة فينبغي أن يخطب قبل التروية بيوم يعلمهم في هذه الخطبة الخروج من مكة إلى منى ثم من منى إلى عرفات ثم يخطب يوم عرفة يعلمهم في هذه الخطبة كيفية الوقوف بعرفات والافاضة إلى المزدلفة والوقوف بالمزدلفة والرمي والذبح
[ 131 ]
سطر 126:
[ 139 ]
فان سكن هذا وانفجر الذى كان سكن وهو في خلال الصلاة فانه يمضى على صلاته قال لان هذا بمنزلة جرح واحد يعني في حكم الطهارة لان طهارته وقعت لهما جميعا ثم حقيقة المعنى فيه ان الذى انفجر كان ساكنا حين توضأ فيجعل بمنزلة مالو لم يسكن أصلا فتبقى طهارته ما بقى الوقت. ولو توضأ وصلى ثم رقأ بعد الفراغ من الصلاة لم تفسد صلاته لانه أتم الصلاة بطهارة ذوى الاعذار والعذر قائم فزوال العذر بعد الفراغ لا يفسد صلاته بخلاف ما إذا زال العذر في خلاف الصلاة وهو نظير المتيمم يجد الماء في خلال الصلاة أو بعد الفراغ منها وعلى هذا حكم المستحاضة والمبطون الذى لا ينقطع استطلاق بطنه ومن به سلس البول أو سقوط الدود أو انفلات الريح فان طهارة هؤلاء تتقدر بالوقت لاجل العذر فان كان مع المستحاضة ثوبان أحدهما طاهر والآخر غير طاهر فلها ان تصلى في أيهما شاءت إذا كان الطاهر يفسد إذا لبسته اما إذا صلت في الطاهر منهما فلا يشكل لان مالا يمكن الاحتراز عنه عفو واليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في قوله لفاطمة بنت قيس صلى وان قطر الدم على الحصير قطرا وكذلك ان صلت في الثوب الآخر لانه لا فائدة في لبس الطاهر منهما لانه يتنجس بما يصيبه من الدم وتجعل صلاتها في الثوب النجس جاثزة فالصلاة في الثوب النجس جائزة عند العجز عن ادائها في الثوب الطاهر ولا تجوز ان نلزمها بتنجيس الثوب الطاهر فلهذا جوزنا صلاتها في أي الثوبين لبسته والله أعلم بالصواب * (باب المستحاضة) * (قال) رضى الله عنه ولو ان امرأة كانت تحيض في غرة كل شهر خمسا فتقدم حيضها في شهر خمسة أيام ثم انقطع عنها الدم ولم تر في خمستها شيئا فهذا المتقدم لا يكون حيضا في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى نص عليه في هذا الموضع وفي كتاب الصلاة أطلق الجواب فقال المتقدم يكون حيضا وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى والمسألة في الحاصل على ثلاثة أوجه في وجه يكون المتقدم حيضا بالاتفاق وفي وجه آخر اختلفوا فيه وفي وجه اختلفت الروايات عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى اما الوجه الاول وهو ما إذا رأت قبل ايامها مالا يكون حيضا بانفراده كيوم أو يومين ورأت في أيامها ما يكون حيضا بانفراده بان رأت خمستها أو ثلاثة في خمستها فالكل حيض لان المتقدم لا يستقل بنفسه فيجعل تبعا لايامها
[ 140 ]
سطر 132:
[ 141 ]
فعلى قول محمد رحمه الله تعالى لا تكون أيام اقرأئها حيضا أيضا لانه لا يرى ختم الحيض بالطهر وقد بينا هذا في كتاب الحيض. والنفساء إذا ولدت فرأت الدم خمسة عشر يوما ثم انقطع خمسة عشرة يوما ثم رأته في تمام أربعين يوما فهذا كله نفاس عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان الاربعين للنفاس بمنزلة العشرة للحيض فكما ان من أصله ان الطهر المتخلل بين الدمين في مدة العشرة لا يصير فاصلا فكذلك الطهر المتخلل بين الدمين في مدة الاربعين لا يكون فاصلا في النفاس وعندهما نفاسها خمسة عشر يوما لان الطهر خمسة عشر كما يصلح للفصل بين الحيضين يصلح للفصل بين الحيض والنفاس. وان رأت الدم أكثر من أربعين يوما فهى مستحاضة في الزيادة على الاربعين إذا كانت مبتدأة في النفاس وان كانت صاحبة عادة فهى مستحاضة في الزيادة على أيام عادتها المعروفة لان الاربعين أكثر مدة النفاس كما ان العشرة أكثر مدة الحيض وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} المستحاضة تدع الصلاة في أيام اقرائها. ولو أن امرأة ولدت في غرة شهر رمضان فصامت رمضان كله ثم جاءت بولد بعد رمضان بخمسة أشهر ونصف فانها تقضى صوم خمسة عشر يوما وصلاة خمسة عشر يوما إذا كانت اغتسلت في غرة شوال لان أدنى مدة الحمل ستة أشهر فقد تيقنا انها حبلت في النصف من رمضان والحامل كما لا تحيض لا تكون نفساء فان النفاس أخو الحيض فإذا تيقنا بخروجها من النفاس في النصف من شهر رمضان جاز صومها في النصف الآخر فعليها قضاء النصف الاول وهو خمسة عشر يوما وهي لم تصل في النصف الاخير من رمضان بعد ما حكمنا بطهرها فعليها قضاء خمسة عشر يوما فان كانت اغتسلت يوم الفطر وصامت شوال وصلت ثم جاءت بولد لخمسة أشهر ونصف بعد ذلك فانما تقضى يوما واحدا وهو يوم الفطر لانه لا يجوز صومها فيه من القضاء وعليها قضاء صلاة خمسة عشر يوما لانا حكمنا بطهرها حين حملت وقد أخرت الاغتسال بعد ذلك خمسة عشر يوما فعليها قضاء تلك الصلوات. والعجوز الكبيرة إذا رأت الدم كانت حائضا في ظاهر الرواية وكان محمد بن مقاتل رحمه الله تعالى يقول بعد ما حكم باياسها إذا رأت الدم لا يكون ذلك حيضا لان ذلك مستنكر مرئى في غير وقته فلا يكون حيضا بمنزلة ما تراه الصغيرة جدا وجه ظاهر الرواية أن مبنى الحيض على الامكان وفيما رأته العجوز امكان جعله حيضا ثابت بخلاف ما تراه الصغيرة جدا فانه ليس فيه امكان جعله حيضا لانه إذا جعل ذلك حيضا فلا بد من أن يحكم ببلوغها
[ 142 ]
سطر 141:
[ 144 ]
* (الفصل الاول في عدد الركعات) * فانها عشرون ركعة سوى الوتر عندنا وقال مالك رحمه الله تعالى السنة فيها ستة وثلاثون قيل من أراد ان يعمل بقول مالك رحمه الله تعالى ويسلك مسلكه ينبغى ان يفعل كما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يصلى عشرين ركعة كما هو السنة ويصلى الباقي فرادى كل تسليمتين أربع ركعات وهذا مذهبنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا بأس بأداء الكل جماعة كما قال مالك رحمه الله تعالى بناء على أن النوافل بجماعة مستحب عنده وهو مكروه عندنا (قال) والشافعي رحمه الله تعالى قاس النفل بالفرض لانه تبع له فيجرى مجرى الفرض فيعطى حكمه ولنا ان الاصل في النوافل الاخفاء فيجب صيانتها عن الاشتهار ما أمكن وفيما قاله الخصم إشهار فلا يعمل به بخلاف الفرائض لان مبناها على الاعلان والاشهار وفى الجماعة اشهار فكان أحق. يوضح ما قلنا ان الجماعة لو كانت مستحبة في حق النوافل لفعله المجتهدون القائمون بالليل لان كل صلاة جوزت على وجه الانفراد وبالجماعة كانت الجماعة فيها أفضل ولم ينقل أداؤها بالجماعة في عصره صلى الله عليه وسلم{{ص}} ولا في زمن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ولا في زمن غيرهم من التابعين فالقول بها مخالف للامة اجمع وهذا باطل * (الفصل الثاني انها تؤدى بجماعة أم فرادى) * ذكر الطحاوي في اختلاف العلماء عن المعلى عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى وذكر أيضا عن مالك رحمه الله تعالى انهما قالا ان أمكنه اداؤه في بيته صلى كما يصلى في المسجد من مراعاة سنة القراءة وأشباهه فيصلى في بيته وقال الشافعي رحمه الله تعالى في قوله القديم أداء التراويح على وجه الانفراد لما فيها من الاخفاء أفضل وقال عيسى بن أبان وبكار بن قتيبة والمزنى من أصحاب الشافعي وأحمد بن عمران رحمهم الله تعالى الجماعة أحب وأفضل وهو المشهور عن عامة العلماء رحمهم الله تعالى وهو الاصح والاوثق ويدل عليه ماروى في حديث أبي ذر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} خرج لما بقي سبع من شهر رمضان فصلى بهم حتي مضي ثلث الليل ولم يخرج في الليلة السادسة ثم خرج في الليلة الخامسة وصلى بنا حتى مضى شطر الليل فقلنا لو نفلتنا يارسول الله فقال عليه الصلاة والسلام من صلى مع الامام حتى ينصرف كتب الله له ثواب تلك الليلة ثم خرج من الليلة الرابعة
[ 145 ]
وصلى بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح يعنى السحر وذكر الطحاوي رحمه الله تعالى في اختلاف العلماء وقال لا ينبغي أن يختار الانفراد على وجه يقطع القيام في المسجد فالجماعة من سنن الصالحين والخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين حتى قالوا رضى الله تعالى عنهم نور الله قبر عمر رضى الله تعالى عنه كما نور مساجدنا والمبتدعة أنكروا أداءها بالجماعة في المسجد فأداؤها بالجماعة جعل شعار للسنة كاداء الفرائض بالجماعة شرع شعار الاسلام * (الفصل الثالث في بيان كونها سنة متوارثة أم تطوعا مطلقة مبتدأة) * أختلفوا فيها وينقطع الخلاف برواية الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أن التراويح سنة لا يجوز تركها لان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} أقامها ثم بين العذر في ترك المواظبة على أدائها بالجماعة في المسجد وهو خشية أن تكتب علينا ثم واظب عليها الخلفاء الراشدون رضى الله عنهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى وأن عمر رضى الله عنه صلاها بالجماعة مع أجلاء الصحابة فرضى به علي رضى الله عنه حتى دعا له بالخير بعد موته كما ورد وأمر به في عهده (قال) ولو صلى انسان في بيته لا يأثم هكذا كان يفعله ابن عمر وابراهيم والقاسم وسالم الصواف رضي الله عنهم أجمعين بل الاولى أداؤها بالجماعة لما بينا * (الفصل الرابع في الانتظار بعد كل ترويحتين) * وهو مستحب هكذا روى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى لانها انما سميت بهذا الاسم لمعنى الاستراحة وأنها مأخوذة عن السلف وأهل الحرمين فان أهل مكة يطوفون سبعا بين كل ترويحتين كما حكينا عن مالك رحمه الله تعالى ولو استراح امام بعد خمس ترويحات قال بعض الناس لا بأس به وهذا ليس بشئ لما فيه من المخالفة لاهل الحرمين والصحيح هو الانتظار والاستراحة بين كل ترويحتين على ما حكينا * (الفصل الخامس في كيفية النية) * واختلفوا فيها والصحيح ان ينوى التراويح أو السنة أو قيام الليل ولو نوى مطلق الصلاة لا تجوز عن التراويح لانها سنة والسنة لا تتأدى بنية مطلقة أو بنية التطوع فانه روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى في ركعتي الفجر انها لا تجوز بمطلق النية ونية التطوع فلو كان
[ 146 ]
سطر 156:
[ 149 ]
باقيا وقال بعضهم تقضى ما لم يأت وقتها في الليلة المستقبلة وقال بعضهم تقضى مادام الشهر باقيا وقال آخرون لا تقضى أصلا كسنة المغرب وغيرها من السنن في غير وقتها الا سنة الفجر في قول محمد رحمه الله تعالى على ما عرف في الاصل وقالوا جميعا انها لا تقضى بجماعة ولو كانت مما تقضى لكانت تقضى على صفة الاداء * (الفصل الثاني عشر في امامة الصبى في التراويح) * جوزها مشايخ خراسان رحمهم الله تعالى ورضى عنهم ولم يجوزها مشايخ العراق رحمهم الله تعالى ورضى الله عنهم والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (بسم الله الرحمن الرحيم) * (كتاب الزكاة) * (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله تعالى الزكاة في اللغة عبارة عن النماء والزيادة ومنه يقال زكا الزرع إذا نما فسميت الزكاة زكاة لانها سبب زيادة المال بالخلف في الدنيا والثواب في الآخرة قال الله تعالى وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وقيل أيضا انها عبارة عن الطهر قال الله تعالى قد أفلح من تزكى أي تطهر وانما سمى الواجب زكاة لانها تطهر صاحبها عن الآثام قال الله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وهى فريضة مكتوبة وجبت بايجاب الله تعالى فانها في القرآن ثالثة الايمان قال الله تعالى فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وفي السنة هي من جملة أركان الدين الخمس قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} بنى الاسلام على خمس شهادة أن لا اله الا الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا * فاصل الوجوب ثابت بايجاب الله تعالى وسبب الوجوب ما جعله الشرع سببا وهو المال قال الله تعالى خذ من أموالهم صدقة ولهذا يضاف الواجب إليه فيقال زكاة المال والواجبات تضاف إلى أسبابها ولكن المال سبب باعتبار غنى المالك قال النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} لمعاذ رضى الله عنه أعلمهم ان الله تعالى فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم والغنى لا يحصل الا بمال مقدر وذلك هو النصاب الثابت ببيان صاحب الشرع والنصاب انما يكون سببا باعتبار صفة النماء فان
[ 150 ]
الواجب جزء من فضل المال قال الله تعالى ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو أي الفضل فصار السبب النصاب التامي ولهذا يضاف إلى النصاب والى السائمة يقال زكاة السائمة وزكاة التجارة والدليل عليه أن الواجب يتضاعف بتضاعف النصاب * فان قيل الزكاة تتكرر في النصاب الواحد بتكرر الحول ثم الحول شرط وليس بسبب * قلنا التكرر باعتبار تجدد النمو فان النماء لا يحصل الا بالمدة فقدر ذلك الشرع بالحول تيسيرا على الناس فيتكرر الحول بتجدد معنى النمو ويتجدد وجوب الزكاة باعتبار تجدد السبب إذا عرفنا هذا فنقول بدأ محمد رحمه الله تعالى الكتاب بزكاة المواشى وانما فعل ذلك اقتداء بكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فانها كانت مبتدأة كلها بزكاة المواشى وقيل لان قاعدة هذا الامر كان في حق العرب وهم كانوا أرباب المواشى وكانوا يعدونها من أنفس الاموال وقيل لان زكاة السائمة مجمع عليها فبدأ بما هو المجمع عليه ليرتب عليه المختلف فيه (قال) وليس في أربع من الابل السائمة صدقة لحديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال من لم يكن عنده الا أربع من الابل فلا زكاة عليه وإذا كانت خمسا ففيها شاة على هذا اتفقت الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وأجمعت الامة وقيل المعنى فيه أنه العبرة للقيمة في المقادير فان الشاة تقوم بخمسة دراهم في ذلك الوقت وبنت المخاض بأربعين درهما فايجاب الزكاة في خمس من الابل كايجاب الزكاة في مائتي درهم وان أدنى الاسباب التى تجب فيها الزكاة من الابل بنت مخاض وفى العشر شاتان وفى خمسة عشر ثلاث شياه وفى عشرين أربع شياه وفى خمس وعشرين بنت مخاض وعلى هذا اتفقت الآثار وأجمع العلماء رحمهم الله تعالى الا ما روى شاذا عن علي رضى الله عنه انه قال في خمس وعشرين خمس شياه وفى ست وعشرين بنت مخاض قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى وهذا غلط وقع من رجال علي رضى الله عنه أما علي رضى الله عنه فانه كان أفقه من أن يقول هكذا لان في هذا موالاة بين الواجبين بلا وقص بينهما وهو خلاف أصول الزكاة فان مبنى الزكاة على أن الوقص يتلو الواجب وعلى أن الواجب يتلو الوقص وفى ست وثلاثين بنت لبون وفى ست وأربعين حقة وفى احدى وستين جذعة وهي أعلى الاسنان التى تؤخذ في زكاة الابل لان ما بعدها ثنى وسديس وبازل وبازل عام وبازل عامين ولا يجب شئ من ذلك في الزكاة لنهى النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} السعاة عن أخذ كرائم أموال الناس وبنت المخاض التى تم لها سنة وطعنت في الثانية سميت به لمعنى في أمها فانها صارت مخاضا
[ 151 ]
أي حاملا قال الله تعالى فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة وبنت اللبون التى تم لها سنتان وطعنت في الثالثة سميت به لمعنى بها في أمها فانها لبون بولادة أخرى والحقة التى لها ثلاث سنين وطعنت في الرابعة سميت به لمعني فيها وهو أنه حق لها أن تركب ويحمل عليها والجذعة التى تم لها أربع سنين وطعنت في الخامسة سميت به لمعنى في أسنانها معروف عند أرباب الابل ثم بعد ذلك يزاد القدر بزيادة الابل فيجب في ست وسبعين بنتا لبون وفى احدى وتسعين حقتان إلى عشرين ومائة وعلى هذا اتفقت الآثار وأجمع العلماء رحمهم الله تعالى ثم الاختلاف بينهم بعد ذلك فالمذهب عندنا استئناف الفريضة بعد مائة وعشرين فإذا بلغت الزيادة خمسا ففيها حقتان وشاة إلى مائة وثلاثين ففيها حقتان وشاتان وفي مائة وخمس وثلاثين حقتان وثلاث شياه وفى مائة وأربعين حقتان وأربع شياه وفى مائة وخمس وأربعين حقتان وبنت مخاض إلى مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق ثم تستأنف الفريضة فيجب في مائة وخمس وخمسين ثلاث حقاق وشاة وفى مائة وستين ثلاث حقاق وشاتان وفى مائة وخمس وستين ثلاث حقاق وثلاث شياه وفى مائة وسبعين ثلاث حقاق وأربع شياه وفى مائة وخمس وسبعين ثلاث حقاق وبنت مخاض وفى مائة وست وثمانين ثلاث حقاق وبنت لبون وفي مائة وست وتسعين اربع حقاق إلى مائتين فان شاء أدى عنها أربع حقاق عن كل خمسين حقة وان شاء خمس بنات لبون عن كل أربعين بنت لبون ثم تستأنف كما بينا وقال مالك رحمه الله بعد مائة وعشرين يجب في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة والاوقاص تسع تسع فلا يجب في الزيادة شئ حتى تكون مائة وثلاثين ففيها حقة وبنت لبون لانها مرة خمسون ومرتين أربعون وفى مائة وأربعين حقتان وبنت لبون وفى مائة وخمسين ثلاث حقاق وفى مائة وستين أربع بنات لبون وفى مائة وسبعين حقة وثلاث بنات لبون وفى مائة وثمانين حقتان وبنتا لبون وفى مائة وتسعين ثلاث حقاق وبنت لبون إلى مائتين فان شاء أدى أربع حقاق وان شاء خمس بنات لبون وقال الشافعي رضى الله عنه مثل قول مالك رضى الله عنه الا في حرف واحد وهو ان عند الشافعي رحمه الله تعالى إذا زادت الابل على مائة وعشرين واحدة ففيها ثلاث بنات لبون إلى مائة وثلاثين ثم مذهبه كمذهب مالك رحمه الله تعالى وعند مالك لا يجب شئ حتى تكون الابل مائة وثلاثين وحجتهما في ذلك ما روى عن عبد الله بن عمر وأنس ابن مالك رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} كتب كتاب الصدقة وقربه
[ 152 ]
بقراب سيفه ولم يخرجه إلى عماله حتى قبض فعمل به أبو بكر وعمر رضى الله عنهما حتى قبضا وكان فيه إذا زادت الابل على مائة وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة الا أن مالكا رحمه الله حمله على الزيادة التى يمكن اعتبار المنصوص عليه فيها وذلك لا يكون فيما دون العشرة والشافعي رحمه الله تعالى يقول ان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} قد علق هذا الحكم بنفس الزيادة وذلك بزيادة الواحدة فعندها يوجب في كل أربعين بنت لبون وهذه الواحدة لتعيين الواجب بها فلا يكون لها حظ من الواجب واستدل عليه بالحديث الذى ذكره أبو داود وابن المبارك رحمهما الله تعالى بالاسناد ان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال إذا زادت الابل على مائة وعشرين واحدة ففيها ثلاث بنات لبون وهذا نص في الباب والمعنى فيه ان الواجب في كل مال من جنسه فان الواجب جزء من المال الا ان الشرع عند قلة الابل أوجب من خلاف الجنس نظرا للجانبين فان خمسا من الابل مال عظيم ففي اخلائه عن الواجب اضرار بالفقراء وفي ايجاب الواحدة اجحاف بارباب الاموال وكذلك في ايجاب الشقص فان الشركة عيب فأوحب من خلاف الجنس دفعا للضرر وقد ارتفعت هذه الضرورة عند كثرة الابل فلا معنى لايجاب خلاف الجنس ومبنى الزكاة على ان عند كثرة العدد وكثرة المال يستقر النصاب والوقص والواجب على شى معلوم كما في زكاة الغنم عند كثرة العدد يجب في كل مائة شاة ثم أعدل الاسنان بنت اللبون والحقاق فان أدناها بنت المخاض وأعلاها الجذعة والاعدل هو الاوسط وكذلك أعدل الاوقاص هو العشر فان الاوقاص في الابتداء خمس وفى الانتهاء خمسة عشر فالمتوسط هو العشر وهو الاعدل فلهذا أوجبنا في كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة (ولنا) حديث قيس بن سعد رحمهما الله تعالى قال قلت لابي بكر محمد بن عمر وبن حزم رضى الله تعالى عنهم أخرج لى كتاب الصدقات الذى كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لعمرو بن حزم فأخرج كتابا في ورقة وفيه إذا زادت الابل على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة فما كان أقل من خمس وعشرين ففيها الغنم في كل خمس ذود شاة وروي بطريق شاذ إذا زادت الابل على مائة وعشرين فليس في الزيادة شئ حتى تكون خمسا فإذا كانت مائة وخمسا وعشرين ففيها حقتان وشاة وهذا نص ولكنه شاذ والقول باستقبال الفريضة بعد مائة وعشرين مشهور عن علي وابن مسعود رضى الله عنهما ثم نقول وجوب الحقتين في مائة وعشرين ثابت باتفاق الآثار واجماع الامة فلا يجوز
[ 153 ]
سطر 171:
[ 154 ]
منهما من أهل وجوب الزكاة عليه تجب الزكاة إذا استجمعت شرائط الخلطة وذلك باتحاد البئر والدلو والراعي والمرعى والكلب وحجته الحديث المشهور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} قل لا يجمع بين منفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان بين الخليطين فانهما يتراجعان بينهما بالسوية قال يحيى بن سعيد القطان والخليطان ما اجتمعا في الدلو والحوض والراعي وقد نهى صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن التفريق بين المجتمع وهذا النصاب مجتمع فلا يفرق واعتبر الخلطة في اثبات التراجع والتراجع انما يكون بعد وجوب الزكاة فدل أن للخلطة تأثيرا في وجوب الزكاة والمعنى أن هذا نصاب تام مملوك لمن هو أهل لوجوب الزكاة عليه فتجب فيه الزكاة كما ادا كان لواحد بخلاف ما إذا كان أحد الشريكين ذميا أو مكاتبا لانه ليس من أهل وجوب الزكاة عليه وهذا لان بسبب الخلطة تخف المؤنة على كل واحد منهما ولخفة المؤنة تأثير في وجوب الزكاة ولهذا وجبت في السائمة دون العلوفة وأوجب صاحب الشرع فيما سقت السماء العشر وفيما يسقى بالغرب والدالية نصف العشر (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وسائمة المرء إذا كانت أقل من أربعين من الغنم فليس فيها الزكاة وهنا سائمة كل واحد منهما أقل من أربعين والمعنى فيه أن غنى المالك بملك النصاب معتبر لايجاب الزكاة قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا صدقة الا عن ظهر غنى وكل واحد منهما ليس بغنى بما يملك بدليل حل أخذ الصدقة له فلا يجب عليه الزكاة ولانه من نصيب شريكه أبعد من المكاتب من كسبه فللمكاتب حق ملك في كسبه وليس للشريك في نصيب شريكه حق الملك فإذا لم تجب الزكاة على المكاتب باعتبار كسبه فلان لا تجب على كل واحد من الشريكين باعتبار ملك صاحبه كان أولى (وأما الحديث) فدليلنا لان المراد به الجمع والتفريق في الملك لا في المكان لا جماعنا على أنه إذا كان في ملك رجل واحد نصاب كامل في أمكنة متفرقة يجمع فدل أن المتفرق في الملك لا يجمع في حكم الصدقة ونحن نقول بالتراجع بين الخليطين فان مائة وعشرين من الغنم إذا كانت لرجلين لاحدهما أربعون للآخر ثمانون فحال الحول فجاء المصدق وأخذ من عرضها شاتين يرجع صاحب الكثير على صاحب القليل بثلث شاة ثم في الحول الثاني انما يجب شاة في نصيب صاحب الكثير خاصة دون صاحب القليل لان نصابه قد نقص عن الاربعين فإذا أخذ المصدق شاة رجع صاحب القليل على صاحب الكثير بثلث شاة فهذا هو معنى التراجع
[ 155 ]
واعتبار النصاب دون غنى المالك في حكم الزكاة لا يجوز كما إذا كان أحد الشريكين ذميا أو مكاتبا وبه يبطل اعتبارهم خفة المؤنة (قال) وإذا كان عشر من الابل بين رجل وبين عشرة نفر كل بعير بينه وبين أحدهم فعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى يجب عليه شاة وعلى قول زفر رحمه الله تعالى لا يجب شئ. زفر يقول كل بعير غير محتمل للقسمة فلم يجتمع في ملكه نصاب تام وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول لو كان شريكه فيها رجلا واحدا تجب عليه الزكاة فتعدد الشركاء لا ينقص ملكه ولا يعدم صفة الغنى في حقه بل هو غنى بملك خمس من الابل فتلزمه الزكاة (قال) وإذا وجبت الفريضة في الابل ولم يوجد ذلك السن ووجد أفضل من ذلك أو دونه أخذ المصدق قيمة الواجب ان شاء وان شاء أخذ ما وجد ورد فضل القيمة ان كان أفضل فان كان دونه أخذ فضل القيمة دراهم والكلام في هذه المسألة يشتمل على فصول أحدها ان جبران ما بين السنين غير مقدر عندنا ولكنه بحسب الغلاء والرخص وعند الشافعي رحمه الله تعالى يتقدر بشاتين أو بعشرين درهما واستدل بالحديث المعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال من وجب في أبله بنت لبون فلم يجد المصدق فيها الا حقة أخذها ورد شاتين أو عشرين درهما مما استيسر عليه وان لم يجد الا بنت مخاض أخذها وأخذ شاتين أو عشرين درهما مما استيسر عليه ولكنا نقول انما قال النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} ذلك لان تفاوت ما بين السنين في زمانه كان ذلك القدر لا أنه تقدير شرعى بدليل ما روى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه انه قدر جبران ما بين السنين بشاة أو عشرة دراهم وهو كان مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فما كان يخفى عليه هذا النص ولا يظن به مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وانما يحمل على ان تفاوت ما بين السنين في زمانه كان ذلك القدر ولانا لو قدرنا تفاوت ما بين السنين بشئ أدى إلى الاضرار بالفقراء أو الاجحاف بأرباب الاموال فانه إذا أخذ الحقة ورد شاتين فربما تكون قيمتهما قيمة الحقة فيصير تاركا للزكاة عليه معنى وإذا أخذ بنت مخاض وأخذ الشاتين فقد تكون قيمتهما مثل قيمة بنت اللبون فيكون آخذا للزكاة باخذهما وبنت المخاض تكون زيادة وفيه اجحاف بأرباب الاموال (الفصل الثاني) إذا وجب عليه في ابله بنت مخاض فلم توجد ووجد ابن اللبون فعندنا لا يتعين أخذ ابن اللبون وعند الشافعي رحمه الله تعالى يتعين وهو رواية عن أبى يوسف
[ 156 ]
رحمه الله تعالى في الامالى واستدلا في ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في خمس وعشرين من الابل بنت مخاض فان لم تكن فابن لبون ذكر عين رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ابن اللبون عند عدم ابنة مخاض ولكنا نقول انما اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بهذا المعادلة في المالية معنى فان الاناث من الابل أفضل قيمة من الذكور والمسنة أفضل قيمة من غير المسنة فاقام رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} زيادة السن في المنقول إليه مقام زيادة الانوثة في المنقول عنه ونقصان الذكورة في المنقول إليه مقام نقصان السن في المنقول عنه ولكن هذا يختلف باختلاف الاوقات والامكنة فلو عينا أخذ ابن اللبون من غير اعتبار القيمة أدى إلى الاضرار بالفقراء أو الاجحاف بارباب الاموال (الفصل الثالث) ان أداء القيمة مكان المنصوص عليه في الزكاة والصدقات والعشور والكفارات جائز عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى فظن بعض أصحابنا أن القيمة بدل عن الواجب حتى لقبوا هذه المسألة بالابدال وليس كذلك فان المصير إلى البدل لا يجوز الا عند عدم الاصل وأداء القيمة مع قيام عين المنصوص عليه في ملكه جائز عندنا (حجته) في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في أربعين شاة شاة وهذا بيان لما هو مجمل في كتاب الله تعالى لان الايتاء منصوص عليه والمؤتي غير مذكور فالتحق بيانه بمجمل الكتاب فصار كأن الله تعالى قال وآتوا الزكاة من كل أربعين شاة شاة فتكون الشاة حقا للفقير بهذا النص فلا يجوز الاشتغال بالتعليل لابطال حقه من العين والمعنى فيه ان هذا حق مالى مقدر باسنان معلومة شرعا فلا يتأدى بالقيمة كالهدايا والضحايا أو يقال قربة تعلقت بمحل عين فلا يتأدى بغيره كالسجود لما تعلق بالجبهة والانف لم يتأد بالخد والذقن وجواز أداء البعير عن خمس من الابل عندي باعتبار النص لا باعتبار القيمة فان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال خذ من الابل الابل الا أنه عند قلة الابل أوجب من خلاف الجنس للتيسير على أرباب الاموال فإذا سمحت نفسه بأداء البعير فقد ترك هذا التيسير فجاز باعتبار النص لا باعتبار القيمة (ولنا) قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة فهو تنصيص على ان المأخوذ مال وبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لما ذكر للتيسير على أرباب المواشى لا لتقييد الواجب به فان أرباب المواشى تعز فيهم النقود والاداء مما عندهم أيسر عليهم ألا ترى أنه قال في خمس من الابل شاة وكلمة في حقيقة للظرف وعين الشاة لا توجد في الابل فعرفنا أن المراد قدرها
[ 157 ]
من المال ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في ابل الصدقة ناقة كوماء فغضب على المصدق وقال ألم انهكم عن أخذ كرائم أموال الناس فقال الساعي أخذتها ببعيرين من ابل الصدقة وفي رواية قال ارتجعتها ببعيرين فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وأخذ البعير ببعيرين انما يكون باعتبار القيمة وقال معاذ رضى الله عنه في خطبته باليمن أئتونى بخميس آخذ منكم مكان الصدقة أو قال مكان الذرة والشعير وذلك لا يكون الا باعتبار القيمة والمعنى فيه أنه ملك الفقير مالا متقوما بنية الزكاة فيجوز كما لو أدى بعيرا عن خمس من الابل وهذا لان المقصود اغناء الفقير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} اغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم والاغناء يحصل باداء القيمة كما يحصل بأداء الشاة وربما يكون سد الخلة بأداء القيمة أظهر ولا نقول بان الواجب حق الفقير ولكن الواجب حق الله تعالى خالصا ولكنه مصروف إلى الفقير ليكون كفاية له من الله تعالى عما وعدله من الرزق فكان المعتبر في حق الفقير أنه محل صالح لكفايته له فكان هذا نظير الجزية فانها وجبت لكفاية المقاتلة فكان المعتبر في حقهم أنه محل صالح لكفايتهم حتى تتأدى بالقيمة بخلاف الهدايا والضحايا فان المستحق فيها اراقة الدم حتى لو هلك بعد الذبح قبل التصدق به لم يلزمه شئ واراقة الدم ليس بمتقوم ولا معقول المعنى والسجود على الخد والذقن ليس بقربة أصلا حتى لا يتنفل به ولا يصار إليه عند العجز وما ليس بقربة لايقام مقام القربة فاما التصدق بالقيمة فقربة وفيه سد خلة الفقير فيحصل به ما هو المقصود * (الفصل الرابع) ان ظاهر ما ذكر في الكتاب يدل على ان الخيار في هذه الاشياء إلى المصدق يعين أيها شاء وليس كذلك بل الخيار إلى صاحب المال ان شاء أدى القيمة وان شاء أدى سنا دون الواجب وفضل القيمة وان شاء أدى سنا فوق الواجب واسترد فضل القيمة حتى إذا عين شيئا فليس للساعي أن يأبى ذلك لان صاحب الشرع اعتبر التيسير على أرباب الاموال وانما يتحقق ذلك إذا كان الخيار لصاحب المال (قال) وليس في الحملان والفصلان والعجاجيل زكاة في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يجب فيها واحدة منها وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى وقال زفر رحمه الله تعالى يجب فيها ما يجب في المسان وهو قول مالك رحمه الله تعالى وذكر الطحاوي في اختلاف العلماء عن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال دخلت على أبى حنيفة رحمه الله تعالى فقلت ما تقول فيمن ملك أربعين حملا فقال فيها شاة مسنة فقلت ربما تأتى قيمة الشاة على أكثرها أو
[ 158 ]
على جميعها فتأمل ساعة ثم قال لا ولكن تؤخذ واحدة منها فقلت أو يؤخذ الحمل في الزكاة فتأمل ساعة ثم قال إذا لا يجب فيها شئ فأخذ بقوله الاول زفر رحمه الله تعالى وبقوله الثاني أبو يوسف وبقوله الثالث محمد رحمه الله تعالى وعد هذا من مناقبه حيث تكلم في مسألة في مجلس بثلاثة أقوال فلم يضع شئ منها فاما زفر رحمه الله تعالى فاستدل بقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في خمس من الابل السائمة شاة وهذا اسم جنس يتناول الصغار والكبار كاسم الآدمي ولان بالاجماع لو كانت واحدة منها بنت مخاض تجب شاة فيها ولا تجب الشاة في تلك الواحدة بل في الكل فإذا جاز ايجاب أربعة أخماس شاة باعتبار أربعة من الفصلان جاز ايجاب الشاة باعتبار خمس من الفصلان وهذا لان زيادة السن عفو لارباب الاموال لا يزداد بها الواجب فكذلك نقصان السن عفو في حق الفقراء لا ينتقص به الواجب (وحجتنا) قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} إياكم وكرائم أموال الناس وقال لا تأخذوا من حزرات (1) أموال الناس شيئا وايجاب المسنة في الصغار يؤدي إلى هذا ثم ربما تكون قيمة المسنة آتية على أكثر النصاب والواجب قليل من الكثير فأخذ المسنة من الصغار فيه اجحاف بأرباب الاموال بخلاف ما إذا كانت الواحدة مسنة فانه هو الاصل والصغار تبع له وقد ثبت الحكم في المحل تبعا وان كان لا يجوز أثباته مقصودا كالشرب والطريق في البيع وأبو يوسف رحمه الله تعالى استدل بحديث أبى بكر رضى الله تعالى عنه قال لو منعوني عناقا مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لقاتلتهم عليه فدل أن للعناق مدخلا في الزكاة ولا يكون ذلك الا من الصغار ثم اعتبر نقصان العين بنقصان الوصف فان كل واحد منهما ينقص المالية ولا يعدمها ونقصان الوصف لا يسقط الزكاة أصلا حتى ان في العجاف والمهازيل تجب الزكاة من جنسها فكذلك نقصان السن * ولنا حديث سويد بن غفلة قال أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فتبعته فسمعته يقول في عهدي أن لا آخذ من راضع اللبن شيئا وقال عمر رضي الله تعالى عنه للساعي عد عليهم السخلة ولو جاء بها الراعى يحملها على كتفه ولا تأخذها منهم فقد نهى عن أخذ الصغار عند الاختلاط والمعنى فيه أن هذا حق الله تعالى تعلق بأسنان معلومة فلا مدخل للصغار فيها مقصودا كالهدايا والضحايا وهذا لان الاسنان التى اعتبرها صاحب الشرع لا تؤخذ في
(1) هو بفتحات جمع حزرة بالحاء المهملة وتقديم الزاى المنقوطة على الراء في اللغة المشهورة ذكره ابن الاثير في النهاية وحرزة المال حياره وفي ديوان الادب وهو في الاصل كانه الشئ المحبوب للنفس اه‍ مصححه
[ 159 ]
الصغاروبه فارق العجاف فان تلك الاسنان تؤخذ فيها مع العجف وصاحب الشرع اعتبر السن في المأخوذ وحديث أبى بكر رضى الله تعالى عنه محمول على أنه قال ذلك على سبيل المبالغة والتمسك ألا ترى أنه قال في بعض الروايات والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لقاتلتهم عليه وهذا لا يدل على ان للعقال مدخلا في الزكاة ثم اختلفت الروايات عن أبى يوسف في الفصلان فروى محمد عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى أنه لا يجب فيها الزكاة حتى تبلغ عددا لو كانت كبارا تجب فيها الواحدة وذلك بان تبلغ خمسا وعشرين ثم ليس في الزيادة شئ حتى تبلغ ستا وسبعين فحينئذ يجب ثنتان منها إلى مائة وخمس وأربعين فحينئذ يجب ثلاث منها قال محمد رحمه الله تعالى وهذا غير صحيح فان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أوجب في خمس وعشرين واحدة من مال اعتبر قبله أربعة نصب وأوجب في ست وسبعين ثنتين في موضع اعتبر ثلاثة نصب بينها وبين خمس وعشرين ففى المال الذي لا يمكن اعتبار هذه النصب ولو أوجبنا كان بالرأى لا بالنص وجه قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ان تعيين الواجب بالنص كان باعتبار العدد والسن وقد تعذر اعتبار احدهما وهو السن في الفصلان فبقى الآخر وهو العدد معتبرا وروى الحسن بن أبى مالك عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى قال يجب في خمس فصلان الاقل من واحد منها ومن شاة وفى العشر الاقل من واحد منها ومن شاتين وفى الخمسة عشر الاقل من واحد منها ومن ثلاث شياه وفى العشرين الاقل من واحد منها ومن أربع شياه وفى خمس وعشرين واحدة ووجهه ان في الكبار الواجب في الخمس شاة للتيسير حتى لو أدى واحدة منها جاز وكذلك ما بعدها إلى خمس وعشرين فكذلك في الصغار يؤخذ على ذلك القياس وروى ابن سماعة عن أبى يوسف في الخمس خمس فصيل وفي العشر خمسا فصيل وهكذا إلى خمس وعشرين فكأنه اعتبر البعض بالجملة في هذه الرواية وكثير من أصحابنا رحمهم الله تعالى خرجوا قول أبى يوسف رحمه الله تعالى في هذه المسألة على قياس ما ذكر محمد رحمه الله تعالى في الزيادات في زكاة المهازيل فقالوا إذا ملك خمسا من الفصلان نظر إلى قيمة بنت مخاض والشاة فان كان قيمة بنت المخاض خمسين وقيمة الشاة عشرة فنقول لو كانت الواحدة بنت المخاض لكان يجب فيها شاة تساوى عشرة وذلك بمعنى خمس قيمة بنت المخاض ثم ينظر إلى قيمة أفضلهن فان كانت عشرين يجب فيها شاة تساوى أربعة دراهم ليكون بمعنى خمس
[ 160 ]
أفضلهن فهذا هو الايجاب في الصغار على قياس الايجاب في الكبار. وإذا كان على صاحب السائمة دين يحيط بقيمتها فلا زكاة عليه فيها عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى تجب الزكاة لان وجوب الزكاة باعتبار ملك النصاب الكامل النامى والمديون مالك لذلك فان دين الحر الصحيح يجب في ذمته لاتعلق له بماله ولهذا مالك التصرف فيه كيف شاء وصفة النماء بالاسامة ولم ينعدم ذلك بسبب الدين ثم الدين مع الزكاة حقان اختلفا محلا ومستحقا وسببا فوجوب أحدهما لا يمنع وجوب الآخر كالدين مع العشر (ولنا) حديث عثمان رضى الله عنه حيث قال في خطبته في رمضان الا ان شهر زكاتكم قد حضر فمن كان له مال وعليه دين فليحتسب ماله بما عليه ثم ليزك بقية ماله ولم ينكر عليه أحد من الصحابة رضى الله عنهم فكان اجماعا منهم على أنه لا زكاة في القدر المشغول بالدين ثم المديون فقير ولهذا تحل له الصدقة مع تمكنه من ماله والصدقة لا تحل لغنى ولا تجب الا على الغنى. قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا صدقة الا عن ظهر غنى وهذا لان الواجب اغناء المحتاج والخطاب بالاغناء لا يتوجه الا على الغنى ومن كان مستحقا للمواساة شرعا لا يلزمه أن يواسى غيره والشرع لا يرد بما لا يفيد ولا فائدة في أن يأخذ شاة من سائمة الغير صدقة ويعطى شاة من سائمته ولان ملكه في النصاب ناقص فان صاحب الدين يستحقه عليه من غير قضاء ولا رضا وذلك انه عدم الملك كما في الوديعة والمغصوب فلان يكون دليل نقصان الملك كان أولى وقد جعل مال المديون في حكم الزكاة كالمملوك لصاحب الدين حيث يجب عليه الزكاة بسببه ومحمد رحمه الله تعالى أشار في الكتاب إلى هذا وقال ايجاب الزكاة في مال المديون يؤدى إلى تزكية مال واحد في حول واحد مرارا. بيانه فيمن له عبد للتجارة يساوي ألف درهم باعه بالف نسيئة ثم باعه المشترى من آخر حتى تداولته عشر من الابدي فعنده يجب على كل واحد منهم زكاة الالف إذا تم الحول والمال في الحقيقة ليس الا العبد حتى إذا أقيلت البيوع رجل العبد إلى الاول ولم يبق لاحد سواه شئ وروى ابن المبارك عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان الدين يمنع وجوب العشر وبعد التسليم فالعشر مؤنة الارض النامية كالخراج لا معتبر فيه بغني المالك فان أصل المالك فيه غير معتبر عندنا حتى يجب في الارض الموقوفة وأرض المكاتب بخلاف الزكاة فان وجوبها في المال النامى بواسطة غنى المالك وذلك ينعدم بسبب الدين فان لحقه دين في خلال الحول قال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا ينقطع به الحول
[ 161 ]
سطر 197:
[ 162 ]
كالمشترى من الوكيل إذا أقبض الموكل الثمن وهذا لان الساعي يقبض ليصرف إلى الفقراء فهو كفى الساعي هذه المؤنة وأوصلها إلى محلها فلم يبق عليه سبيل (ولنا) ان هذا حق مالى يستوفيه الامام بولاية شرعية فلا يملك من عليه اسقاط حقه في الاستيفاء كمن عليه الجزبة إذا صرف بنفسه إلى المقاتلة ثم تقرير هذا الكلام من وجهين احدهما ان الزكاة محض حق الله تعالى فانما يستوفيه من يعين نائبا في استيفاء حقوق الله تعالى وهو الامام فلا تبرأ ذمته الا بالصرف إليه وعلى هذا نقول وان علم صدقه فيما يقول يؤخذ منه ثانيا ولا يبرأ بالاداء إلى الفقير فيما بينه وبين ربه وهو اختيار بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى أن للامام رأيا في اختيار المصرف فلا يكون له ان يبطل رأى الامام بالاداء بنفسه. والطريق الآخر أن الساعي عامل للفقير وفى المأخوذ حق الفقير ولكنه مولى عليه في هذا الاخذ حتى لا يملك المطالبة بنفسه ولا يجب الاداء بطلبه فيكون بمنزلة دين لصغير دفعه المديون إليه دون الوصي وعلى هذا الطريق يقول يبرأ بالاداء فيما بينه وبين ربه وظاهر قوله في الكتاب لم يصدق في ذلك إشارة إلى ذلك وهو أنه إذا علم صدقه لم يتعرض له وهذا لان الفقير من أهل أن يقبض حقه ولكن لا يجب الايفاء بطلبه فجعل الساعي نائبا عنه كان نظرا من الشرع له فإذا أدى من عليه من غير مطالبة إليه حصل به ما هو المقصود بخلاف الصبي فانه ليس من أهل أن يقبض حقه فلا يبرأ بالدفع إليه (قال) ولا زكاة على الصبي والمجنون في سائمتهما عندنا وهو قول على وابن عباس رضى الله تعالى عنهما قالا لا تجب الزكاة على الصبي حتي تجب الصلاة عليه وعند الشافعي رحمه الله تعالى تجب الزكاة في مالهما ويؤديها الولى وهو قول ابن عمر وعائشة رحمهما الله تعالى وكان ابن مسعود رحمه الله تعالى يقول يحصى الولى أعوام اليتم فإذا بلغ أخبره وهو إشارة إلى أنه تجب عليه الزكاة وليس للولى ولاية الاداء وهو قول ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى حتى قال إذا أداه الوالى من ماله ضمن واستدل الشافعي رحمه الله تعالى بقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ابتغوا في أموال اليتامي خيرا كيلا تأكلها الصدقة أو قال تأكلها الزكاة وذلك دليل وجوب الزكاة في ماله. والمعنى ان هذا حق مالى مستحق يصرف إلى أهل السهمان شرعا فالصغر لا يمنع وجوبه كالعشر وصدقة الفطر وبالصرف إلى أهل السهمان يتبين أنه حق مستحق لهم والصغر لا يمنع وجوب حق العباد وان كان بطريق الصلة كالنفقة ولا فرق بينهما فالنفقة صلة وجبت للمحاويج الماسين له في القرابة والزكاة صلة للمحاويج
[ 163 ]
الماسين له في الملة فإذا ثبت الوجوب كان للولى ولاية الاداء من ماله لان هذا مما تجرى فيه النيابة في أدائه حتي ان بعد البلوغ يتأدى بأداء وكيله والولى نائب عن الصبى وبه فارق العبادات البدنية فلا تجرى فيه النيابة في أدائها (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} رفع القلم عن ثلاث عن الصبى حتى يحتلم وعن النائم حتى ينتبه وعن المجنون حتى يفيق وفى ايجاب الزكاة عليه اجراء القلم عليه فان الوجوب يختص بالذمة ولا يجب في ذمة الولى فلا بد من القول بوجوبه على الصبي وفيه يوجد الخطاب عليه والمراد بقوله كيلا تأكلها الصدقة أي النفقة الا ترى انه أضاف الاكل إلى جميع المال والنفقة هي التى تأتي على جميع المال دون الزكاة والمعنى فيه أنها عبادة محضة فلا تجب على الصبى كسائر العبادات وتفسير الوصف أنها أحد أركان الدين والمقصود من أصل الدين معنى العبادة فكذلك ما هو من أركان الدين وهذا لان المتصدق يجعل ماله لله تعالى ثم يصرفه إلى الفقير ليكون كفاية له من الله تعالى قال الله تعالى وهو الذى يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وقال من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا ويجعل المال له خالصا يكون عبادة خالصة ولهذا يحصل به التطهير وبه تبين انه ليس فيه حق العباد لان الشركة تنافى معنى العبادة وإذا ثبت انه عبادة فلابد فيه من نية وعزيمة ممن هي عليه عند الاداء وولاية الولى على الصبى نثبت من غير اختياره شرعا ومثل هذه الولاية لا تتأدى بها العبادة بخلاف ما إذا وكل بالاداء بعد البلوغ فتلك نيابة عن اختيار وقد وجدت النية والعزيمة منه وبه فارق صدقة الفطر فان وجوبها لمعني المؤنة حتى تجب على الغير بسبب الغير وفيه حق للاب فانا لو لم نوجب في ماله احتجنا إلى الايجاب على الاب كما إذا لم يكن للصبى مال بخلاف الزكاة وبه فارق العشر فانه مؤنة الارض النامية كالخراج وكذلك النفقة وجوبها لحق العبد بطريق المؤنة بخلاف الزكاة * ثم المجنون الاصلى لا ينعقد الحول على ماله حتى يفيق فان كان جنونه طارئا فقد ذكر هشام في نوادره أن على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى العبرة لاكثر الحول فان كان مفيقا في أكثر الحول تجب الزكاة والا فلا وجعل هذا نظير الجزية فان الذمي إذا مرض في بعض السنة فان كان صحيحا في أكثر السنة تلزمه الجزية وان كان مريضا في أكثر السنة لم تلزمه الجزية. وقال محمد رحمه الله تعالى ان كان مفيقا في جزء من السنة في أوله أو آخره قل أو كثر تلزمه الزكاة هكذا روى ابن سماعة عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى وجعل هذا نظير الصوم فالسنة للزكاة كالشهر للصوم والافاقة في جزء من الشهر
[ 164 ]
كالافاقة في جميعه في وجوب صوم جميع الشهر فهذا كذلك وروى الحسن بن زياد عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن المجنون إذا أفاق ينعقد الحول على ماله ولكن المراد بهذا المجنون المجنون الاصلى فقد ذكر بعده في كتاب الحسن رحمه الله تعالى إذا اعترض جنونه ان كان مفيقا في جزء من آخر السنة تلزمه الزكاة وان تم الحول وهو مجنون فقد انقطع حكم ذلك الحول ففى هذه الرواية اعتبر الافاقة في آخر السنة لان الوجوب عندها يكون (قال) ولا زكاة على المكاتب في كسبه لانه مصرف للزكاة بقوله تعالى وفى الرقاب ولانه ليس بغنى بكسبه فانه لا يملك كسبه حقيقة لان الرق المنافى للملك موجود فيه وبدون الملك لا تثبت صفة الغنى والمال النامي سبب لوجوب الزكاة بواسطة غنى المالك فبدون هذه الواسطة لا يكون سببا كشراء القريب إعتاق بواسطة الملك وبدونه لا يكون إعتاقا وهوما إذا اشتراه لغيره وأما العبد المأذون فان كان عليه دين محيط بكسبه فلا زكاة فيه على أحد عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان المولى لا يملك كسبه وكذلك عندهما لان المولى وان كان يملك كسبه فهو مشغول بالدين والمال المشغول بالدين لا يكون نصاب الزكاة وان لم يكن عليه دين فكسبه لمولاه وعلى المولى فيه الزكاة إذا تم الحول (قال) وإذا كان عند الرجل من السائمة مقدار ما يجب فيه الزكاة فاستفاد من ذلك الجنس في خلال الحول بشراء أو هبة أو ميراث ضمها إلى ما عنده وزكاها كلها عند تمام الحول عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى يعتبر للمستفاد حول جديد من حين ملكه فإذا تم الحول وجبت فيه الزكاة سواء كان نصابا أو لم يكن (وحجته) قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا زكاة في مال حتى يحول فيه الحول والمراد الحول المعهود وهو اثنا عشر شهرا والمعنى فيه ان المستفاد أصل في الملك لانه أصل في سببه فيكون أصلا باعتبار الحول فيه كالمستفاد من خلاف الجنس بخلاف الاولاد والارباح فانها متولدة من العين فيسرى إليها حكم العين وانما لم يعتبر فيه النصاب لان اعتبار النصاب ليحصل الغنى به للمالك وذلك حاصل بالنصاب الاول فبالزيادة بعده يزداد الغنى وذلك حاصل بالقليل والكثير واعتبار الحول لحصول النماء من المال حتى ينجبر بالنماء النقصان الحاصل بأداء الزكاة والمستفاد من هذا كاصل المال (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} اعلموا أن من السنة شهرا تؤدون فيه زكاة أموالكم فما حدث بعد ذلك من مال فلا زكاة فيه حتى يجئ رأس السنة فهذا يقتضى ان عند مجئ رأس السنة تجب الزكاة في الحادث كما تجب في الاصل وان وقت
[ 165 ]
الوجوب فيهما واحد ثم الضم في خلال الحول بالعلة التى بها يضم في ابتداء الحول فضم بعض المال إلى البعض في ابتداء الحول باعتبار المجانسة دون التوالد فكذلك في خلال الحول ولو كان هذا مما يسرى بعلة التوالد لكان الاولى أن يسرى إلى الحادث بعد الحول لتقرر الزكاة في الاصل ثم ما بعد النصاب الاول بناء على النصاب الاول وتبع له حتى يسقط اشتراط النصاب فيه فكذلك يسقط اعتبار الحول فيه ويجعل حؤل الحول على الاصل حؤلا على التبع وتحريره ان كل مال لا يعتبر فيه كمال النصاب لايجاب حق الله عزوجل لا يعتبر فيه الحول كالمستخرج من المعادن واما الحديث قلنا حؤل الحول عبارة عن آخر جزء منه وقد حال ذلك على المستفاد إذ حؤل الحول على الاصل يكون حؤلا على التبع معنى فان كان انما استفادها بعد تمام الحول فلا زكاة فيها لانعدام حؤل آخر جزء من الحول عليها وان كانت الفائدة من غير جنس ما عنده من السائمة لم يضمها إلى ما عنده لانها لو كانت موجودة في أول الحول لم يضمها إلى ما عنده فكذلك إذا وجدت في خلال الحول كما لو كانت الفائدة من غير السائمة (قال) وإذا لم تكن الابل أو البقر أو الغنم سائمة فلا زكاة فيها وذلك كالحوامل والعوامل وقال مالك رحمه الله تعالى فيها الزكاة لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في خمس من الابل شاة ثم وجوب الزكاة باعتبار الملك والمالية شكرا لنعمة المال وذلك لا ينعدم بالاستعمال بل يزداد الانتفاع بالمال بالاستعمال (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في خمس من الابل السائمة شاة والصفة متى قرنت بالاسم العلم تنزل منزلة العلم لايجاب الحكم والمطلق في هذا الباب بمنزلة المقيد لانهما في حادثة واحدة وحكم واحد وعن أبن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال ليس في الحوامل والعوامل صدقة وفى الحديث المعروف ان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال ليس في الجبهة ولا في النخة ولا في الكسعة صدقة وفسر عبد الوارث ابن سعيد الجبهة بالخيل والنخة بالابل العوامل وقال الكسائي رحمه الله تعالى النخة بضم النون وفسرها بالبقر العوامل وقال أبو عمرو غلام ثعلب هو من النخ وهو السوق الشديد وذلك انما يكون في العوامل ثم مال الزكاة ما يطلب النماء من عينه لامن منافعه ألا ترى إلى دار السكنى وعبد الخدمة لا زكاة فيهما والعوامل انما يطلب النماء من منافعها وكذلك ان كان يمسكها للعلف في مصر أو غير مصر فلا زكاة فيها لان المؤنة تعظم على صاحبها ووجوب الزكاة في السائمة باعتبار خفة المؤنة فلا تجب عند كثرة المؤنة لان لخفة المؤنة تأثيرا في
[ 166 ]
ايجاب حق الله تعالى قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} ما سقته السماء ففيه العشر وما سقى بغرب أو دالية ففيه نصف العشر وان كان يسيمها في بعض السنة ويعلفها في بعض السنة فالعبرة لاكثر السنة لان أصحاب السوائم لا يجدون بدا من أن يعفوا سوائمهم في زمان البرد والثلج فجلعنا الاقل تابعا للاكثر وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان علفها بقدر ما يتبين فيه مؤنة علفه أكثر مما كانت سائمة فلا زكاة فيها (قال) والصدقة واجبة في ذكر ان السوائم واناثها لان النصوص جاءت باسم الابل والبقر والغنم وذلك يتناول الذكور والاناث ثم طلب النماء من العين متحقق في كل نوع اما من الاولاد إذا كن اناثا بان يستعار لها فحل أو من السمن إذا كانوا ذكورا فانها مأكولة اللحم (قال) وإذا باع السائمة قبل الحول بيوم بجنسها أو بخلاف جنسها انقطع الحول عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى إذا باعها بخلاف جنسها فكذلك وإذا باعها بجنسها لم ينقطع الحول وقال الشافعي رحمه الله تعالى في القديم سواء باعها بجنسها أو بخلاف جنسها لم ينقطع الحول لان الحكم الثابت في الاصل وهو غنى المالك به يبقى ببقاء البدل وقاسه بعروض التجارة وزفر رحمه الله يقول إذا باعها بجنسها فحكم الزكاة في البدل لا يخالف حكم الزكاة في الاصل وإذا باعها بخلاف جنسها فحكم الزكاة في البدل يخالف حكم الزكاة في الاصل ولا يمكن ابقاء ما كان ثابتا ببقاء البدل فوجب القول بالاستئناف ألا ترى ان في ابتداء الحول يضم الجنس إلى الجنس ولا يضم إلى خلاف الجنس فكذلك في أثناء الحول ينبني عند المجانسة ويستقل عند اختلاف الجنس (ولنا) ان وجوب الزكاة في السائمة باعتبار العين حتى يعتبر نصابه من العين والنماء فيه مطلوب من العين والعين الثاني غير الاول بخلاف مال التجارة فان المعتبر فيه صفة المالية دون العين حتى يعتبر النصاب من قيمته ثم الاستبدال يحقق ما هو المقصود من مال التجارة وهو الاسترباح ويضاد ما هو المقصود بالسائمة لان مقصود أصحاب السوائم استبقاؤها في ملكهم عادة وذلك ينعدم بالاستبدال فيكون نظير ترك الاسامة فيها وكذلك ان باعها بدراهم يريد به الفرار من الصدقة أولا يريد به ذلك فلا زكاة عليه الا بحول جديد ولم يبين في الكتاب انه هل يكره له هذا الصنيع فعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لا يكره وعلى قول محمد رحمه الله تعالى يكره وهو نظير اختلافهم في الاحتيال لا بطال الشفعة ولا سقاط الاستبراء محمد رحمه الله تعالى يقول الزكاة عبادة محضة والفرار من العبادة ليس من أخلاق المؤمنين وأبو يوسف رحمه الله تعالى
[ 167 ]
يقول هذا امتناع من التزام الحق مخافة ان لا يخرج منه إذا التزمه فلا يكون مكروها كمن امتنع من جمع المال حتي لا يلزمه حج أو زكاة وهذا لان المذموم منع الحق الواجب وليس في هذا الاستبدال من منع الحق الواجب شئ (قال) وان حال الحول على سائمته وعنده نصاب من الدراهم فزكى السائمة ثم باعها بدراهم ثم تم الحول على الدراهم التى كانت عنده لم يزك معها أثمان الابل في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ويزكيها في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى قالا الضم لعلة المجانسة وهى موجودة في ثمن الابل السائمة وأداء الصدقة عن أصله لايمنع ضم الثمن إلى ما عنده كمن أدى صدقة الفطر عن عبد الخدمة ثم باعه بدراهم أو أدى عشر الطعام عن الخارج من أرضه ثم باعه بدراهم أو جعل السائمة علوفة بعد أداء الزكاة عنها ثم باعها بدراهم وأبو حنيفة رحمه الله تعالى استدل بقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لاثنافي الصدقة غير ممدود وإيجاب الزكاة في ثمن السائمة في هذا الحول بعد ما أدى الزكاة عن أصلها يؤدى إلى الثنافي الصدقة ولان وجوب الزكاة باعتبار صفة المالية وانما يبقى بالثمن المالية التى كانت له بملك الاصل الا أن يتجدد له ملك المالية وانما يتجدد له بالبيع ملك العين والعين بدون صفة المالية لا زكاة فيها ثم زيادة الزكاة باعتبار زيادة الغنى ولم يستفد ذلك بالبيع لانه كان غنيا باصل هذا المال حقيقة وشرعا بخلاف المستفاد بهبة أو وراثة فقد استفاد به زيادة الغني وبخلاف أداء صدقة الفطر عن عبد الخدمة فالمالية غير معتبرة فيه حتي تجب عن الحر والعبد المستغرق بالدين وان كانت مالية مستحقة بخلاف الزكاة ولا معتبر للحول فيه حتى لو ملك عبدا ليلة الفطر أدى عنه صدقة الفطر والعشر كذلك لا معتبر بالحول فيه ووجوبه ليس باعتبار المالية بل هو مؤنة الارض النامية ثم هو لم يكن غنيا بما عنده من الطعام حتى إذا بقى في ملكه أحوالا لا شئ فيه فالبيع أفاده الغنى شرعا وكذلك السائمة إذا جعلها علوفة فقد خرج من أن يكون غنيا بها شرعا فبالبيع استفاد صفة الغنى فهو والمستفاد بالهبة سواء بخلاف ما نحن فيه على ما بينا (قال) وإذا قتل الرجل فقضى على عاقلة القاتل لولده بالدية من الابل ثم قبضها بعد الحول فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول من حين يقبضها لان وجوب الزكاة في الابل بصفة الاسامة وما يكون في الذمة لا يكون سائمة ولان الدية على العاقلة ليست بدين على الحقيقة حتى لا يستوفى من تركة من مات منهم فالملك للوارث يحصل بالقبض حقيقة وكذلك لو تزوج امرأة على ابل بغير أعيانها لم يكن عليها فيها زكاة
[ 168 ]
سطر 218:
[ 169 ]
الحول وما نوى كان حديث النفس وقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} ان الله تجاوز لامتي عما حدثوا به أنفسهم ما لم يعملوا أو يتكلموا ثم الاستعمال فعل وذلك لا يحصل بالنية ما لم يفعل ألا ترى أن من نوى في عبد الخدمة أن يكون للتجارة لا يصير للتجارة ما لم يتجر فيه بخلاف ما إذا كان للتجارة فنواه للخدمة لانه نوى ترك التجارة وهو تارك لها فاقترنت النية بالعمل وهو نظير الكافر ينوى الاسلام لا يصير مسلما ما لم يأت بكلمة الشهادة والمسلم لو نوى أن يكفر والعياذ بالله صار كافرا بنيته ترك الاسلام (قال) رجل له عشر من الابل السائمة فحال عليها حولان فعليه للسنة الاولى شاتان وللسنة الثانية شاة ولم يبين في الكتاب أنه هل يأثم بما صنع فكان أبو الحسن الكرخي رحمه الله تعالى يقول هو آثم بتأخير الاداء بعد الوجوب وهكذا ذكره في المنتقى. وروى عن محمد رحمه الله تعالى أنه قال من أخر أداء الزكاة من غير عذر لم تقبل شهادته وفرق محمد رحمه الله تعالى على مذهبه بين الزكاة والحج فقال في الزكاة حق الفقراء وفي تأخير الاداء اضرار بهم ولا يسعه ذلك بخلاف الحج وكان أبو عبد الله البلخى يقول يسعه التأخير في الزكاة لان الامر به مطلق عن الوقت وهكذا رواه هشام عن أبى يوسف رحمه الله تعالى وفرق على قوله بين الزكاة وبين الحج وقال أداء الحج يخنص بوقت وفى التأخير عنه تفويت لانه لا يدرى هل يبقى إلى السنة الثانية أم لا وليس في تأخير الزكاة تفويت فكل وقت صالح لادائها ثم على السنة الاولى وجب عليه شاتان فانتقص بقدرهما من العشر فلا يلزمه في الثانية الاشاة وهذا عندنا وعلى قول زفر رحمه الله تعالى يلزمه شاتان للسنة الثانية فان دين الزكاة عنده لا يمنع وجوب الزكاة قال لانه دين وجب لله تعالى كالنذور والكفارات والفقه فيه أنه ليس بدين على الحقيقة حتى يسقط بموته قبل الاداء. وكان البلخي يفرق على أصل زفر رحمه الله تعالى بين دين الزكاة عن الاموال الظاهرة والباطنة فقال في الاموال الظاهرة للساعي حق المطالبة بها فكان نظير دين العباد بخلاف الاموال الباطنة وقيل لابي يوسف رحمه الله تعالى ما حجتك على زفر رحمه الله تعالى فقال ما حجتى على رجل يوجب في مائتي درهم أربعمائة درهم ومراده إذا ملك مائتي درهم فحال عليها ثمانون حولا. ثم دين الزكاة عن الاموال الباطنة بمنزلته عن الاموال الظاهرة فان المصدق كان يأخذ منها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} والخليفتين من بعده رضى الله عنهما حتى فوض عثمان رضى الله عنه الاداء إلى أرباب الاموال لما خاف المشقة
[ 170 ]
والحرج في تفتيش الاموال عليهم من سعاة السوء فكان ذلك توكيلا منه لصاحب المال بالاداء فنفذ توكيله لانه كان عن نظر صحيح وقد تثبت المطالبة به للمصدق إذا مر بالمال عليه في سفره فلهذا منع وجوب الزكاة وعن أبي يوسف رحمه الله أن دين الزكاة عن المال القائم يمنع وجوب الزكاة وعن المال المستهلك لا يمنع وجوب الزكاة لان المال القائم يتصور ان يمر به على العاشر حتى يثبت له حق الاخذ بخلاف المستهلك (قال) وان كانت الابل خمسا وعشرين فعليه للحول الاول بنت مخاض وللحول الثاني أربع شياه لما بينا (قال) رجل له أربع وعشرون فصيلا ونافة مسنة فعليه فيها بنت مخاض لان الصغار تبع للمسنة تعد معها كما قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} وتعد صغارها وكبارها وهذا لان ما هو الواجب موجود في ماله فإذا أوجبنا لم يخرج الواجب من أن يكون جزأ من النصاب بخلاف ما إذا كان الكل صغارا. فان كان له خمس وسبعون فصيلا وناقة مسنة فعلى قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا يجب الا تلك الواحدة لان الوجوب باعتبارها وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى يجب تلك الواحدة مع فصيل لانه يوجب في الصغار منها وقد بينا هذا (قال) رجل له ابل سائمة قد اشتراها للتجارة فعليه فيها زكاة التجارة عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى فيها زكاة السائمة الا أن لا يكون نصاب السائمة تاما فحينئذ عليه زكاة التجارة إذا كانت القيمة نصابا ولا خلاف في أنه لا تلزمه الزكاتان جميعا لان وجوب كل واحد منهما باعتبار صفة المالية ثم قال الشافعي رحمه الله تعالى زكاة السائمة أقوى لان وجوبها باتفاق الامة والنصوص الظاهرة والضعيف لا يعارض القوى فإذا أمكن ايجاب زكاة السائمة لا تظهر زكاة التجارة وفى ترجيح زكاة السائمة منفعة للفقراء لان الساعي يأخذها وزكاة التجارة مفوض أداؤها إلى من وجبت عليه وربما لا يؤدى وعلماؤنا رحمهم الله تعالى قالوا ان بنية التجارة ينعدم ما هو المقصود بالسوم وما لاجله أوجب زكاة السائمة لان النماء في السائمة مطلوب من عينها وذلك لا يحصل الا باستبقاء الملك فيها وبنية التجارة ينعدم هذا فكانت سائمة صورة لا معنى وهو مال التجارة صورة ومعنى فترجح زكاة التجارة لهذا وحق الاخذ ثابت للساعي سواء أوجب فيها زكاة السائمة أو زكاة التجارة فانه مال ظاهر يحتاج صاحبه إلى حماية الامام وثبوت حق الاخذ باعتبار الحاجة إلى الحماية بخلاف سائر أموال التجارة حتى إذا احتاج إلى الحماية فيها بالمرور على العاشر كان له أن يأخذ الزكاة منها
[ 171 ]
(قال) وان كانت السائمة بين رجل مسلم عاقل وبين صبى أو مجنون أو كافر فعلى الرجل المسلم العاقل زكاة نصيبه لو بلغ نصابا ولا شئ على الآخر لما بينا أن حالة الاختلاط معتبرة بحالة الانفراد (قال) وإذا ذهب العدو بالسائمة أو غصبها غاصب ثم رجعت إلى صاحبها بعد سنين فلا زكاة عليه لما مضى عندنا. وقال زفر رحمه الله تعالى كذلك في الذى ذهب بها العدو لانهم ملكوها بالاحراز وفى المغصوب المجحود تلزمه الزكاة لما مضى إذا وصلت إلى يده. وقال الشافعي رحمه الله تعالى يلزمه فيها الزكاة لما مضي إذا وصلت إلى يده بناء على أصله أنهم لا يملكون أموالنا بالاحراز. وجه قولهما ان وجوب الزكاة في السائمة باعتبار الملك دون اليد. ألا ترى أن ابن السبيل تلزمه الزكاة لما مضى إذا وصلت يده إلى الاموال لقيام ملكه فيها فكذلك في المغصوب فان بالغصب تنعدم اليد بالمغصوب منه دون الملك. وجه قولنا حديث على رضى الله تعالى عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال لا زكاة في مال الضمار ومعناه مال يتعذر الوصول إليه مع قيام الملك من قولك بعير ضامر إذا كان نحيفا مع قيام الحياة فيه وان عمر بن عبد العزيز في خلافته لما أمر برد أموال بيت المال على أصحابها قيل أفلا نأخذ منهم زكانها لما مضى قال لا فانها كانت ضمارا والمعنى فيه أن وجوب الزكاة في السائمة كان باعتبار معنى النماء وقد انسد على صاحبها طريق يحصل النماء منها بجحود الغاصب اياها فانعدم مالا جله كان نصاب الزكاة بخلاف ابن السبيل فان النماء يحصل له بيد ثانية كما يحصل بيده فكان نصاب الزكاة لهذا وكذلك الضالة وما سقط منه في البحر من مال التجارة إذا وصلت يده إليه بعد الحول فليس عليه الزكاة لما مضي لان معنى المالية في النمو والانتفاع وذلك منعدم فكان مستهلكا معنى وان كان قائما صورة وكذلك الدين المجحود وأطلق الجواب فيه في الكتاب وروى هشام عن محمد رحمهما الله تعالى قال ان كان معلوما للقاضى فعليه الزكاة لما مضى لتمكنه من الاخذ بعلم القاضى. وجه رواية الكتاب أنه لا زكاة عليه سواء كانت له بينة أو لم تكن له بينة إذ ليس كل شاهد يعدل ولا كل قاض يعدل وفى المحاباة بين يديه في الخصومة ذل فكان له أن لا يذل نفسه وكثير من أصحابنا رحمهم الله تعالى قالوا إذا كانت له عليه بينة تلزمه الزكاة لما مضى لان التقصير جاء منه. وروي ابن سماعة عن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالي ان المديون إذا كان يقر معه سرا ويجحد في العلانية فليس عليه
[ 172 ]
سطر 230:
[ 173 ]
فقال عمر رضى الله عنه للساعي عد عليهم السخلة وان جاء بها الراعي يحملها على كتفه ألسنا تركنا لكم الربى والاكيلة والماخض وفحل الغنم وذلك عدل بين خيار المال ورذاله فبقول عمر رضى الله عنه أخذنا وقلنا لا تؤخذ الربى وهى التى تربى ولدها ولا الا كيلة وهى التى تسمن للاكل قال يونس رحمه الله تعالى هي الاكولة وأما الاكيلة فهي التى تكثر تناول العلف ولكن في عادة العوام أنهم يسمون التى تسمن للاكل الاكيلة ومقصود محمد رحمه الله تعالى تعليم العوم فاختار ما كان معروفا في لغتهم ليكون أقرب إلى أفهامهم مع ما فيه من اتباع الاثر الا أن يشكل عليه هذه اللغة والماخض هي التى في بطنها ولد وفحل الغنم ظاهر لا يؤخذ من ذلك شئ لانها من أعز الاموال عند أرباب المواشى. وقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} أياكم وكرائم أموال الناس ثم كما نظرنا لارباب الاموال في ترك الاخذ من الكرائم نظرنا للفقراء في ترك الاخذ من الصغار والعجاف مع عدها عليهم ليعتدل النظر من الجانبين (قال) وإذا وجبت الصدقة في السائمة ثم باعها صاحبها جاز بيعه عندنا ولم يجز في قدر الزكاة عند الشافعي رحمه الله تعالى قولا واحدا وله فيما وراء ذلك قولان. وحجته أن نصاب الزكاة صار مشغولا بحق الفقراء فيمتنع على صاحبها بيعها كالعبد المديون والنصاب لوجوب الزكاة فيه يصير كالمرهون بما وجب فيه وبيع المرهون لا يجوز. وعلماؤنا رحمهم الله تعالى استدلوا بحديث حكيم ابن حزام رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} دفع إليه دينارا وأمره أن يشترى به أضحية فاشترى شاة بالدينار ثم باعها بدينارين فاشترى شاة أخرى بدينار وجاء بالشاة والدينار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بارك الله لك في صفقتك فقد جوز بيع الاضحية بعد ما وجب حق الله تعالى فيها فصار هذا أصلا لنا أن تعلق حق الله تعالى في المال لايمنع جواز البيع فيه والمعنى ان البيع يعتمد الملك والقدرة على التسليم وملكه باق بعد وجوب الزكاة فيها وقدرته على التسليم باعتبار يده ولم يختل ذلك بوجوب الزكاة فيه فكان بيعه نافذا بخلاف المرهون فان اليد هناك مستحقة عليه للمرتهن فلم يكن مقدور التسليم له بخلاف العبد المديون فان ماليته مستحقة عليه للغريم بدينه وجواز البيع باعتبار المالية ثم الزكاة في المال لا تتعلق بالمال تعلقا يتعين فيه حتى ان لصاحب المال اختيار الاداء من موضع آخر فهو نظير تعلق حق أولياء الجناية برقبة الجاني وذلك لا يمنع صحة بيع المولى فيه كما قلنا فكذلك هذا (قال) وإذا حضر المصدق بعد البيع فالقياس أن يأخذ
[ 174 ]
الصدقة من البائع ولا سبيل له على عين السائمة لانها صارت مملوكة للمشترى ولا زكاة عليه ولكن البائع صار متلفا محل حق الفقراء فيضمنه ولكن استحسن فقال ان حضر المصدق قبل أن يتفرقا عن المجلس فله الخيار ان شاء أخذ الصدقة من العين ورجع المشترى على البائع بحصته من الثمن وان شاء أخذ من البائع وان حضر بعد التفرق أخذ الصدقة من البائع ولا سبيل له على العين وهذا لان العلماء رحمهم الله تعالى اختلفوا في زوال الملك قبل التفرق وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} البيعان بالخيار ما لم يتفرقا يدل على عدم زوال ملك البائع والساعى مجتهد فان شاء اعتبر ظاهر الحديث وأخذ الصدقة من العين وان شاء اعتمد القياس الظاهر أن عقد البيع يوجب زوال الملك بنفسه وأخذ الصدقة من البائع وذكر ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى ان العبرة بنقل الماشية فان حضر بعد ما نقلها المشترى لم يأخذ شيئا وان حضر قبل ان ينقلها يخير لانها انما تصير داخلة في ضمان المشتري حقيقة بالنقل حتى إذا هلكت قبل النقل ثم استحقت لم يضمن المشترى شيئا بخلاف ما بعد النقل وهذا بخلاف العشر فان صاحب الطعام إذا باعه ثم حضر المصدق فله أن يأخذ العشر من العين تفرقا أولم يتفرقا نقله المشترى أولم ينقله لان الواجب عشر الطعام بعينه ولا معتبر بالملك فيه وفى الزكاة الوجوب على المالك حتى لا تجب الا باعتبار المالك فلهذا افترقا (قال) وإذا نفقت السائمة كلها بعد حؤل الحول عليها سقطت الزكاة عنها وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان هلكت بعد التمكن من الاداء ضمن صاحبها الزكاة فاما قبل التمكن فلا ضمان وله قولان في وجوب الزكاة قبل التمكن من الاداء قال في كتاب الام لا تجب الزكاة الا بثلاث شرائط كمال النصاب وحولان الحول والتمكن من الاداء وقال في الاملاء التمكن شرط الضمان لا شرط وجوب الزكاة. وحجته أن هذا حق مالى وجب بايجاب الله تعالى فلا يسقط بهلاك المال بعد التمكن من الاداء كصدقة الفطر واستدل بالحج فانه ان كان موسرا وقت خروج القافلة من بلده ثم هلك ماله لا يسقط عنه الحج ولان أكثر ما في الباب ان قدر الزكاة أمانة في يده وهو مطالب شرعا بالاداء بعد التمكن منه فإذا امتنع بعد توجه المطالبة عليه صار ضامنا كسائر الامانات والخلاف ثابت فيما إذا طالبه الفقير بالاداء والحق ثابت للفقير فإذا امتنع بعد وجوب الطلب ممن له الحق صار ضامنا (وحجتنا) فيه ان محل الزكاة هو النصاب والحق لا يبقى بعد فوات محله كالعبد الجاني
[ 175 ]
سطر 239:
[ 176 ]
قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يجعل الهالك من الوقص دون النصاب حتي لا يسقط شئ من الزكاة إذا لم ينقص من النصاب ومحمد وزفر رحمهما الله تعالى يجعلان الهالك من الكل حتى إذا كان له تسع من الابل فحال الحول فهلك منها أربع فعليه في الباقي شاة عند أبى حنيفة وأبى يوسف وعند محمد وزفر رحمهم الله تعالى في الباقي خمسة اتساع شاة (حجتهما) قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في خمس من الابل السائمة شاة إلى تسع أخبر أن الوجوب في الكل والمعنى يشهد له فان المال النامى لا يخلو عن الزكاة وما زاد على النصاب مال نام لا يجب بسببه زيادة فعرفنا أن الوجوب في الكل وهو نظير مالو شهد له ثلاثة نفر بحق فقضى به القاضى فان القضاء يكون بشهادة الكل وان كان القاضى يستغنى عن الثالث وإذا ثبت أن الوجوب في الكل فما هلك يهلك بزكاته وما بقى يبقى بزكاته كالمال المشترك وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى استدلا بحديث عمرو بن حزم رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال في خمس من الابل السائمة شاة وليس في الزيادة شئ حتى يكون عشرا فهذا تنصيص على أن الواجب في النصاب دون الوقص والمعنى فيه أن الوقص تبع للنصاب والنصاب باسمه وحكمه يستغنى عن الوقص والوقص لا يستغنى باسمه وحكمه عن النصاب والمال متى اشتمل على أصل وتبع فإذا هلك منه شئ يصرف الهلاك إلى التبع دون الاصل كمال المضاربة إذا كان فيها ريح فهلك شى منها يصرف الهلاك إلى الربح دون رأس المال فكذا هذا ثم الاصل عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن أول النصاب يجعل أصلا وما بعده بناء وتبعا فيجعل الهلاك فيما زاد على أول النصاب كأنه لم يكن في ملكه الا أول النصاب وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى هو كذلك ما لم يأت نصاب آخر فإذا أتى نصاب آخر فحيئنذ يجعل آخر النصاب أصلا. وبيانه أن من له خمس وثلاثون من الابل فحال الحول ثم هلك خمسة عشر فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى في الباقي أربع شياه وما هلك صار كان لم يكن وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى في الباقي أربعة أخماس بنت مخاض لانه يجعل آخر النصاب أصلا والهالك فيما زاد عليه يصير كان لم يكن وعند محمد رحمه الله تعالى في الباقي أربعة اسباع بنت مخاض لان بنت المخاض واجبة في الكل عنده فيسقط حصة ما هلك ويبقى حصة ما بقى (قال) وتعجيل الزكاة عن المال الكامل الموجود في ملكه من سائمة أو غيرها جائز عن سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك والكلام في هذه المسألة في فصول (أحدها)
[ 177 ]
في جواز التعجيل. فان مالكا رحمه الله تعالى لا يجوز التعجيل أصلا ويعتبر العبادة المالية بالعبادة البدنية ويقول أداء الزكاة اسقاط الواجب عن ذمته فلا يتصور قبل الوجوب (ولنا) ماروى عن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} انه استسلف من العباس صدقة عامين ثم بكمال النصاب حصل الوجوب على أحد الطريقين لاجتماع شرائط الزكاة من النصاب النامى وغنى المالك وحولان الحول تأجيل وتعجيل الدين المؤجل صحيح وعلى الطريق الآخر ان سبب الوجوب قد تقرر وهو المال والاداء بعد تقرر سبب الوجوب جائز كالمسافر إذا صام في رمضان والرجل إذا صلى في أول الوقت جاز لوجود سبب الوجوب وان كان الوجوب متأخرا أو لان تأخر الوجوب لتحقق النماء فإذا تحقق استند إلى أول السنة فكان التعجيل صحيحا ولهذا قلنا ان تعجيل الزكاة قبل كمال النصاب لا يجوز لان سبب الوجوب لا يتحقق الا بعد كمال النصاب وبعد كمال النصاب يجوز التعجيل لسنتين عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز الا لسنة واحدة فان التعجيل عنده على آخر الحول لا على أوله قال ألا ترى ان التعجيل قبل كمال النصاب لا يجوز لان الحول غير منعقد عليه فكذلك الحول الثاني بعد كمال النصاب (ولنا) حديث العباس رضى الله عنه والمعنى فيه ان ملك النصاب سبب لوجوب الزكاة في كل حول ما لم ينتقص عنه وجواز التعجيل باعتبار تمام السبب وفى ذلك الحول الثاني كالحول الاول بخلاف ما قبل كمال النصاب. ثم بعد كمال النصاب يجوز التعجيل عن النصب عندنا وعلى قول زفر رحمه الله لا يجوز التعجيل الا عن النصاب الموجود في ملكه حتى إذا كان له خمس من الابل فعجل أربع شياه ثم تم الحول في ملكه عشرون من الابل عندنا يجوز التعجيل عن الكل وعند زفر رحمه الله تعالى لا يجوز الا عن زكاة الخمس قال لان جواز التعجيل بعد وجود ملك المال بدليل النصاب الاول (وحجتنا) فيه أن ملك النصاب كما هو سبب لوجوب الزكاة فيه عند كمال الحول فهو سبب لوجوب الزكاة فيه في نصب يملكها عند كمال الحول فإذا جعل الملك الحاصل في خلال الحول كالموجود في أوله في وجوب الزكاة فكذلك في جواز التعجيل يجعل المستفاد في خلال الحول كالموجود في أوله. وإذا لم يجب عليه الزكاة عند كمال الحول لهلاك ماله فليس له أن يسترد من الفقير ما أداه إليه عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى له ان يسترد المال من الفقراء الذين دفع إليهم ان بين له أنه يعطي معجلا وان أطلق عند الاداء لم يكن له ان يرجع عليه وقال إذا بين له أنه يعطيه ما يستحقه
[ 178 ]
عليه بوجوب الزكاة فإذا لم يثبت الاستحقاق كان له أن يرجع عليه كمن قضى دين انسان ثم انفسخ السبب الموجب للدين (ولنا) ان المتصدق يجعل ما يؤدية لله تعالى خالصا ثم يصرفه إلى الفقراء ليكون كفاية لهم من الله تعالى وقد تم ذلك بالوصول إلى يد الفقير فلا يرجع عليه بشئ بل ان وجبت الزكاة كان مؤديا للواجب وان لم تجب كان متنفلا كما لو أطلق الاداء (قال) وينظر في السائمة إلى كمال النصاب فتجب الزكاة فيه وان كانت قيمتها ناقصة عن مائتي درهم وينظر إلى قيمتها ان أراد بها التجارة فان كانت أقل من مائتي درهم لم تجب الزكاة وان كان العدد كاملا لان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} اعتبر في السائمة كمال العدد دون القيمة ولان النماء في السائمة مطلوب من عينها وفى مال التجارة انما يطلب النماء من ماليتها فاعتبرنا النصاب في الموضعين من حيث يطلب النماء فإذا كانت قيمتها أقل من مائتي درهم لم تجب فيها زكاة التجارة لنقصان النصاب ولا زكاة السائمة وان كان العدد كاملا لان النصاب فيها غير معتبر من حيث العدد * فان قيل إذا لم تجب فيها زكاة التجارة صار وجود نية التجارة كعدمها فتجب زكاة السائمة. قلنا نية التجارة معتبرة في اخراجها من أن تكون سائمة معنى على ما بينا والصورة بدون المعنى لا تكفي لايجاب الزكاة (قال) وإذا اشترى الابل للتجارة فلما مضت طائفة من الحول بداله فجعلها سائمة فرارا من الصدقة فلا زكاة عليه حتى يحول عليها الحول من حين جعلها سائمة لانه نوى ترك التجارة فيها وهو تارك لها في ذلك الوقت حقيقة فاقترنت النية بالفعل وزكاة السائمة ليست من جنس زكاة التجارة فلا يمكن بناء أحدهما على الآخر فقلنا باستئناف الحول من حين جعلها سائمة (قال) ويؤخذ من بني تغلب صدقة سائمتهم ضعف ما يؤخذ من المسلم إذا بلغت مقدار ما يجب في مثله الصدقة على المسلم وبنو تغلب قوم من النصارى من العرب كانوا بقرب الروم فلما أراد عمر رضى الله عنه أن يوظف عليهم الجزية أبوا وقالوا نحن من العرب نأنف من أداء الجزية فان وظفت علينا الجزية لحقنا باعدائك من الروم وان رأيت أن تأخذ منا ما يأخذ بعضكم من بعض وتضعفه علينا فعلنا ذلك فشاور عمر رضى الله عنه الصحابة في ذلك وكان الذى يسعى بينه وبينهم كردوس التغلبي فقال يا أمير المؤمنين صالحهم فانك ان تناجزهم لم تطقهم فصالحهم عمر رضى الله عنه على أن يأخذ منهم ضعف ما يؤخذ من المسلمين ولم يتعرض لهذا الصلح بعده عثمان رضى الله عنه فلزم أول الامة وآخرها * فان قيل أليس أن عليا رضى الله عنه أراد أن ينقض
[ 179 ]
صلحهم حين رآهم قلوا وذلوا * قلنا قد شاور الصحابة رضي الله عنهم في ذلك ثم اتفق معهم على أنه ليس لاحد ان ينقض هذا الصلح وذكر محمد رحمه الله تعالى في النوادر أن صلحهم في الابتداء كان ضغطة ولكن تأيد بالاجماع وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ان ملكا ينطق على لسان عمر رضى الله عنه وقال أينما دار عمر رضى الله عنه فالحق يدور معه إذا عرفنا هذا فنقول لا يؤخذ من المسلم مما دون النصاب شئ فكذلك منهم يؤخذ من النصاب من المسلم ما قدره الشرع في كل مال فيؤخذ منهم ضعف ذلك لان الصلح وقع على هذا ويؤخذ من نسائهم مثل ما يؤخذ من رجالهم. وروى الحسن بن زياد عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنها لا تؤخذ من نسائهم قال لانها بدل عن الجزية ولا جزية على النساء وجه ظاهر الرواية أن هذا مال الصلح والنساء فيه كالرجال قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} لمعاذ رضي الله تعالى عنه خذ من كل حالم وحالمة دينارا أو عدله معا فرية وهو نظير الدية على العاقلة لا شئ منها على النساء فان صالحت امرأة عن قصاص علي مال أخذت به وهذا لان الوفاء بالعهد واجب من الجانبين والعهد على أن يضعف عليهم ما يؤخذ من المسلمين والصدقة تؤخذ من المسلمات كما تؤخذ من الرجال فكذلك في حقهم. ولا يؤخذ من صبيانهم شى ء لانه لا تؤخذ الصدقة من سوئم الصبيان من المسلمين فكذلك منهم. أما مواليهم فلا تؤخذ منهم الصدقة ولكن توضع على رؤسهم الجزية بمنزلة سائر الكفار فان ظاهر قوله تعالى حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون يتناول كل كافر الا أنه خص من هذا الظاهر بنو تغلب باتفاق الصحابة رضى الله تعالى عنهم وانما يتناول هذا الاسم من كان منهم نسبا لاولاء فبقيت مواليهم على حكم ظاهر الآية * فان قيل أليس أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال مولى القوم من أنفسهم * قلنا المراد مولى بنى هاشم في حرمة الصدقة عليهم كرامة لهم. ألا ترى أن موالى بنى تغلب لا يكونون أعلى حالا من موالى المسلمين ومولى المسلمين إذا كان ذميا توضع عليه الجزية فمولى التغلبي أولى (قال) وما أخذ من صدقات بني تغلب يوضع موضع الجزية لان عمر رضى الله تعالى عنه لما صالحهم قال هذه جزية فسموها ما شئتم معناه جزية في حقنا فنضعه موضع الجزية ولانه ليس بصدقة حقيقة لان الصدقة اسم لما يتقرب به إلى الله عزوجل وهو ليس بأهل لهذا التقرب وهو جزية معنى فالجزية اسم لمال مأخوذ بسبب الكفر على وجه العقوبة والتضعيف عليهم بهذه الصفة حتى يسقط إذا أسلموا فلهذا يوضع موضع الجزية
[ 180 ]
(قال) وإذا ظهر الخوارج على بلد من بلاد أهل العدل فاخذوا منهم صدقة أموالهم ثم ظهر عليهم الامام لم يأخذ منهم ثانيا لانه عجز عن حمايتهم والجباية تكون بسبب الحماية وهذا بخلاف التاجر إذا مر على عاشر أهل البغي فعشره ثم مر علي عاشر أهل العدل يعشره ثانيا لان صاحب المال هو الذي عرض ماله حين مر به عليه فلم يعذر وهناك صاحب المال لم يصنع شيئا ولكن الامام عجز عن حمايته فلهذا لا يأخذ ولكن يفتى فيما بينه وبين الله تعالى بالاداء ثانية لانهم لا يأخذون أموالنا على طريق الصدقة بل على طريق الاستحلال ولا يصرفونها إلى مصارف الصدقة فينبغي لصاحب المال أن يؤدى ما وجب عليه لله تعالى فانما أخذوا منه شيئا ظلما وكذلك ان أخذوا من أهل الذمة في ذلك البلد خراج رؤسهم لم يأخذهم الامام بما مضى لعجزه عن حمايتهم. فأما ما يأخذ سلاطين زماننا هؤلاء الظلمة من الصدقات والعشور والخراج والجزية فلم يتعرض له محمد رحمه الله تعالى في الكتاب وكثير من أئمة بلخ يفتون بالاداء ثانيا فيما بينه وبين الله تعالى كما في حق أهل البغى لعلمنا أنهم لا يصرفون المأخوذ مصارف الصدقة وكان أبو بكر الاعمش يقول في الصدقات يفتون بالاعادة فأما في الخراج فلا لان الحق في الخراج للمقاتلة وهم المقاتلة حتى إذا ظهر عدو ذبوا عن دار الاسلام فأما الصدقات فللفقراء والمساكين وهم لا يصرفون إلى هذه المصارف والاصح أنه يسقط ذلك عن جميع أرباب الاموال إذا نووا بالدفع التصدق عليهم لان ما في أيديهم من أموال المسلمين وما عليهم من التبعات فوق مالهم فلو ردوا ما عليهم لم يبق في أيديهم شئ فهم بمنزلة الفقراء حتى قال محمد بن سلمة يجوز أخذ الصدقة لعلى بن عيسى بن يونس بن ماهان والى خراسان وكان أميرا ببلخ وجب عليه كفارة يمين فسأل عنها الفقهاء عما يكفر به فأفتوه بصيام ثلاثة أيام فجعل يبكى ويقول لحشمه انهم يقولون لى ما عليك من التبعات فوق مالك من المال وكفارتك كفارة يمين من لا يملك شيئا وكذلك ما يؤخذ من الرجل من الجبايات إذا نوى عند الدفع أن يكون ذلك من عشره وزكاته جاز على الطريق الذى قلنا (قال) وتقسم صدقة كل بلد على فقراء بلادهم ولا يخرج إلى غيرهم لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لمعاذ رضى الله تعالى عنه خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم ولان لفقراء تلك البلدة حق القرب والمجاورة واطلاعهم على أرباب أموالها أكثر فالصرف إليهم أولى لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أدناك فادناك ولما سأله رجل فقال ان لى جارين أيهما أبر فقال إلى أقربهما منك بابا وان أخرجها إلى غيرهم جاز
[ 181 ]
وهو مكروه وللشافعي رحمه الله تعالى قول انه لا يجوز لحديث معاذ رضى الله تعالى عنه من نقل عشره وصدقته من مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته فعشره وصدقته في مخلاف عشيرته أي مردودة عليهم (ولنا) ظاهر قوله تعالى انما الصدقات للفقراء وتخصيص فقراء البلدة ليس لمعنى في أعيانهم فلا يمنع جواز الصرف إلى غيرهم لان ما هو المقصود وهو سد خلة المحتاج قد حصل وقول معاذ رضى اله تعالى عنه محمول على بيان الاولى. ألا ترى أنه حين كان باليمن كان ينقل الصدقة إلى المدينة على ما قال في خطبته وأنفع لمن في المدينة من المهاجرين والانصار وانما كان ينقل إلى المدينة لان فقراءها كانوا اشرف الفقراء حيث هجروا أوطانهم وهاجروا لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وتعلم أحكام الدين وعلى هذا روى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى انه إذا كان لصاحب المال قرابة محتاجون في بلدة أخرى فلا بأس بأن يصرف الصدقة إليهم وهو أفضل له لما فيه من صلة الرحم مع اسقاط الفرض عن نفسه (قال) ومن كان في عسكر الخوارج سنين فلم يؤد صدقة ماله ثم تاب لم يؤخذ بها لانه لم يكن تحت حماية الامام حين وجبت عليه فحكمه كان لا يجرى عليه وعليه أن يؤدى فيما بينه وبين الله تعالى لان الحق قد لزمه بتقرر سببه فلا يسقط عنه الا بالاداء وصارت الاموال الظاهرة في حقه حين لم يثبت للامام حق الاخذ منها كالاموال الباطنة (قال) والعاشر يأخذ الصدقة من رسول أهل البغى إذا مر عليه كما يأخذها من المسلم لان أهل البغى مسلمون كما قال الله تعالى وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا إلى قوله فان بغت احداهما على الاخرى. وقال علي رضي الله عنه اخواننا بغوا علينا وانما يأخذ من سائر المسلمين ما لزمهم من الزكاة من المال الممرور به عليه فكذلك من أهل البغى (قال) ومن أسلم في دار الحرب وأقام في تلك الدار سنين فان عرف وجوب الزكاة عليه فلم يؤدها ثم خرج الينا لم يؤخذ بها لانه لم يكن تحت حماية الامام في ذلك الوقت ولكنه يفتى بأدائها فيما بينه وبين الله تعالى وإذا لم يعلم بوجوب الزكاة عليه فليس عليه أداؤها الا على قول زفر رحمه الله تعالى والقياس ما قاله لانه بقبول الاسلام صار قابلا لاحكامه وجهله عذر في دفع المأثم لا في اسقاط الواجب بعد تقرر سببه ولكنا استحسنا وقلنا توجه خطاب الشرع يتوقف على البلوغ إليه. ألا ترى أن أهل قباء كانوا يصلون إلى بيت المقدس بعد تحول القبلة إلى الكعبة وجوز لهم ذلك لانه لم يبلغهم وهذا لان التكليف بحسب الوسع ولا وسع في حق العمل
[ 182 ]
به قبل البلوغ إليه فصار كان الخطاب غير نازل في حقه وهذا لان الخطاب غير شائع في دار الحرب لان أحكام الاسلام غير شائعة في دار الحرب لقيام الشيوع مقام الوصول إليه (قال) وإذا حلف الرجل انه قد أدى صدقة ماله إلى المصدق الذى كان في تلك السنة فكف عنه المصدق ثم أطلع على كذبه بعد سنين أخذه بتلك الصدقة لان السبب المثبت لحق الاخذ له قد تقرر فلا يسقط باليمين الكاذبة كسائر حقوق العباد والتأخير ليس بمسقط حق الاخذ بعد ثبوته فلهذا أخذه بالصدقة والله أعلم * (باب زكاة الغنم) * (قال) رحمه الله تعالى الاصل في وجوب الزكاة في الغنم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} مامن صاحب غنم لا يؤدى زكاتها الابطح لها يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها وقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة وعلى عاتقه شاة تيعر يقول يا محمد يا محمد فاقول لا أملك لك من الله شيئا ألا قد بلغت إذا عرفنا هذا فنقول ليس في اقل من أربعين من الغنم السائمة صدقة فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى مائة وعشرين فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلثمائة ثم ليس في الزيادة شئ إلى أربعمائة فبعد ذلك في كل مائة شاة وقال الحسن بن حى رحمه الله تعالى إذا زادت على ثلثمائة ففيها أربع شياه وفى أربعمائة خمس شياه (وحجتنا) حديث أنس رضى الله عنه ان أبا بكر الصديق رضى الله عنه كتب كتاب الصدقات الذى كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وفيه وفي أربعين من الغنم شاة وفى مائة وواحدة وعشرين شاتان وفى مائتين وواحدة ثلاث شياه إلى أربعمائة ففيها أربع شياه وقد بينا ان طريق معرفة النصب لا تكون بالرأى والاجتهاد بل بالنص (قال) ولا تؤخذ الجذعة من الغنم في الصدقة وانما يؤخذ الثنى فصاعدا والجذعة هي التى تم لها حول واحد وطعنت في الثانية والثنى الذى تم له سنتان وطعن في الثالثة وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى انه لا يؤخذ من المعز الا الثنى فاما من الضأن فتؤخذ الجذعة وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وهو الذى ذكره الطحاوي في مختصره قال ولا يؤخذ في زكاة الغنم الا ما يجزى في الضحايا. وجه تلك الرواية قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} انما حقنا في الجذعة والثنى ولان الجذعة
[ 183 ]
من الضأن تجزى في الضحايا وهى أدعى للشروط من الاخذ في الزكاة فجواز التضحية بها يدل على أخذها في الزكاة بطريق الاولى. وجه ظاهر الرواية حديث علي رضى الله عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا يؤخذ في الزكاة الا الثنى فصاعدا ثم ما دون الثنى قاصر في نفسه. الا ترى انه لا يجوز أخذه من المعز ولا يؤخذ في الزكاة الا البالغ كما لا يؤخذ من المعز ما دون الثنى وكذلك في الضأن وهو القياس في الاضحية أيضا ولكن ترك لنص خاص ورد فيه وذلك إذا كان سمينا لو اختلط بالثنيات لا يمكن تمييزه قبل التأمل ومثل هذا يقارب الثنى فيما هو المقصود باراقة الدم وهنا ما دون الثنى لا يقارب الثنى فيما هو المقصود باراقة الدم من كل وجه فان منفعة النسل لا تحصل به (قال) ويجوز في زكاة الغنم أخذ الذكور والاناث عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يؤخذ الذكر الا إذا كان النصاب كله ذكورا لان منفعة النسل لا تحصل به ويجوز في زكاة الذكور لان الواجب جزء من النصاب (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في أربعين شاة شاة واسم الشاة يتناول الذكر والانثى جميعا بالدليل الموجب فيه (قال) فان اختلط المعز بالضأن فلا خلاف ان نصاب البعض يكمل بالبعض ثم لا يوخذ الا الوسط عندنا وذلك الا دون من الا رفع والارفع من الادون ذكره في المنتقى وكذلك في البقر مع الجواميس وللشافعي فيه قولان في أحدهما يقول يؤخذ من جنس الاغلب منهما لان المغلوب لا يظهر في مقابلة الغالب وفى القول الآخر تقوم واحدة من الا رفع والاخرى من الادون ثم ينظر إلى نصف القيمتين فيوخذ واحدة بتلك القيمة قال وهو العدل وبه يتم النظر من الجانبين (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا تأخذوا من حزرات أموال الناس وخذوا من حواشى أموالهم والاخذ من الحواشى فيما قلنا (قال) والمتولد من الظبي والغنم يكون نصابا إذا كانت الام نعجة وكذلك المتولد من البقر الوحشى والبقر الاهلى عندنا العبرة للام وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا تجب فيه الزكاة لانه تجاذبه جانبان أحدهما يوجب والآخر لا يوجب والاصل عدم الوجوب والوجوب بالشك لا يثبت ولكنا نقول المتولد من جنس الام يشبهها عادة ويتبعها في الحكم حتى يكون لمالك الام وحتى يتبع الولد الام في الرق والحرية وهذا لما عرف ان ماء الفحل يصير مستهلكا بمائها فالولد يكون منها (قال) رجل تزوج امرأة على غنم سائمة ودفعها إليها وحال الحول ثم طلقها قبل الدخول بها فعليها زكاة النصف ولا شئ على
[ 184 ]
سطر 266:
[ 185 ]
والتفريق في الملك لا في المكان وقد تقدم بيان هذا وبينا تفسير قوله وما كان بين الخليطين فانهما يتراجعان بينهما بالسوية ونزيده وضوحا فنقول المراد إذا كان بين رجلين احدى وستون من الابل لاحدهما ست وثلاثون وللآخر خمس وعشرون فان المصدق يأخذ منها بنت لبون وبنت مخاض ثم يرجع كل واحد منهما على صاحبه بنصف ما أخذ من ماله بزكاة صاحبه وحمله على هذا أولى فان التراجع على وزن التفاعل فينبغي أن يثبت من الجانبين في وقت واحد وذلك فيما قلنا (قال) والشريك المفاوض والعنان وغير ذلك كلهم سواء في حكم الصدقة لان وجوبها باعتبار حقيقة الملك وغنى المالك به ولا ملك للشريك في نصيب شريكه مفاوضا كان أو غيره (قال) وإذا مر المسلم على العاشر بالماشية وغيرها من الاموال فقال ليس شئ من هذا للتجارة وحلف على ذلك لا يأخذ منه شيئا لانه أمين فيما يلزمه من الزكاة فإذا أنكر وجوبها عليه فالقول قوله مع يمينه والعاشر لا يأخذ الا الزكاة ووجوب الزكاة بصفة الاسامة أو التجارة وما يمر به على العاشر لا يكون سائمة وقد انتفى صفة التجارة في حقه بحلفه فلا يأخذ منه شيئا وكذلك الذمي والتغلبي لانهما من أهل دارنا فمرورهما على العاشر قد يكون بغير مال التجارة كما يكون بمال التجارة كالمسلم وأما الحربى فلا يصدق في ذلك ويؤخذ منه العشر لان الاخذ منهم بطريق المجازاة وهم لا يصدقون في هذا من يمر به منا عليهم فكذلك نحن لا نصدقهم ولان الحربى في دارنا لا يدخل الا على قصد التجارة لانه ليس من أهل دارنا فما معه يكون للتجارة فلهذا أخذ منه (قال) رجل مات بعد ما وجبت عليه الصدقة في سائمته فجاء المصدق وهى في يد الورثة فليس له أن يأخذ منهم صدقتها الا أن يكون الميت أوصى بذلك فحينئذ يأخذ من ثلث ماله وقال الشافعي رحمه الله تعالى يأخذ الصدقة من جميع ماله أوصى أولم يوص. وحجته قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في حديث الخثعمية أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت تقضيه قالت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فدين الله أحق فقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} دين الله بدين العباد ثم دين العباد يقضى من التركة بعد الوفاة مقدما على الميراث فكذلك دين الله تعالى وهذا الفقه وهو أن هذا حق كان مطالبا به في حال حياته وتجرى النيابة في ايفائه فيستوفى من تركته بعد وفاته كديون العباد. وتقريره ان المال خلف عن الذمة بعد الموت في الحقوق التي تقضي بالمال والوارث قائم مقام المورث في أداء ما تجرى
[ 186 ]
النيابة في أدائه. ألا ترى أن بعد الايصاء يقوم مقامه في الاداء فكذلك قبله (وحجتنا) قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} يقول ابن آدم مالى مالى وهل لك من مالك الا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت وما سوى ذلك فهو مال الوارث وهذا يقتضى ان ما لم يمضه من الصدقة يكون مال الوارث بعد موته وبه علل في الكتاب قال لانها خرجت من ملكه الذى كان له يعنى ان المال صار ملك الوارث ولم يجب على الوارث شئ ليؤخذ ملكه به وهذا لان حقوق الله تعالى مع حقوق العباد إذا اجتمعا في محل تقدم حقوق العباد على حقوق الله تعالى. ثم الواجب عليه فعل الايتاء وفعل الايتاء لا يمكن إقامته بالمال ليقوم المال فيه مقام الذمة بعد موته والوارث لا يمكن أن يجعل نائبا في أداء الزكاة لان الواجب ما هو عبادة ومعني العبادة لا يتحقق الابنية وفعل ممن يجب عليه حقيقة أو حكما وخلافة الوارث المورث تكون جبرا من غير اختيار من المورث وبه لا تتأدى العبادة واستيفاء الواجب لا يجوز الا من الوجه الذى وجب فإذا لم يمكن استيفاؤه من ذلك الوجه لا يستوفى الا أن يكون أوصى فحينئذ يكون بمنزلة الوصية بسائر التبرعات تنفذ من ثلثه ويظهر بما ذكرنا الفرق بين ديون الله تعالى وبين ديون العباد إذا تأملت. فان كان موت صاحب السائمة في وسط الحول ينقطع به حكم الحول عندنا لخروجها عن ملكه كما لو باعها. وقال الشافعي رحمه الله تعالى يبنى على حوله فإذا تم فعلى الوارث الزكاة قال لان ملك الوارث بناء على ملك المورث وليس بابتداء ملك بدليل ثبوت حق الرد بالعيب وغيره ولكنا نقول صفة المالكية للوارث متجددة وفى حكم الزكاة المالك معتبر فلتجدد صفة المالكية قلنا يستقبل الحول في ملك الوارث والله سبحانه وتعالى أعلم * (باب زكاة البقر) * (الاصل في وجوب الزكاة في البقر) حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في مانعي الزكاة لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة وعلى عاتقه بعير له رغاء فيقول يا محمد يا محمد فاقول لا أملك لك من الله شيئا ألا قد بلغت ولا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة وعلى عاتقه بقرة لها ثغاء فيقول يا محمد يا محمد فاقول لا أملك لك من الله شيئا ألا قد بلغت ولا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة وعلى عاتقه فرس لها حمحمة فيقول يا محمد يا محمد فاقول لا أملك لك من الله شيئا ألا
[ 187 ]
قد بلغت إذا عرفنا هذا فنقول ليس فيما دون ثلاثين بقرة سائمة صدقة وفي ثلاثين منها تبيع أو تبيعة وهي التى لها سنة وطعنت في الثانية وفى أربعين منها مسنة وهى التى تم لها سنتان وبهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} معاذ بن جبل رضى الله عنه حين بعثه إلى اليمن واختلفت الروايات فيما زاد على الاربعين فقال في كتاب الزكاة وما زاد على الاربعين ففى الزيادة بحساب ذلك ولم يفسر هذا الكلام وفي كتاب اختلاف أبى حنيفة وابن أبى ليلى رحمهما الله تعالى قال إذا كان له إحدى وأربعون بقرة فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى عليه مسنة وربع عشر مسنة أو ثلث عشر تبيع وهذا يدل على انه لانصاب عنده في الزيادة على الاربعين فانه تجب فيه الزكاة قل أو أكثر بحساب ذلك وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه لا يجب في الزيادة شئ حتى تبلغ خمسين ففيها مسنة وربع مسنة أو ثلث تبيع وروى أسد بن عمرو عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه ليس في الزيادة شئ حتى تكون ستين ففيها تبيعان وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعي رحمهما الله تعالى ثم لا خلاف أنه ليس في الزيادة شئ إلى سبعين ثم بعد ستين الاوقاص تسع تسع وان الواجب في كل ثلاثين تبيع وفى كل أربعين مسنة حتى إذا كانت سبعين ففيها مسنة وتبيع وفي ثمانين مسنتان وفى تسعين ثلاثة أتبعة وفى المائة مسنة وتبيعان وفى مائة وعشر مسنتان وتبيع وفى مائة وعشرين ان شاء أدى ثلاث مسنات وان شاء أدى أربعة أتبعة فانها ثلاث مرات أربعون وأربع مرات ثلاثون. وجه قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى حديث معاذ ان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال لا تأخذوا من أوقاص البقر شيئا وفسروا الاوقاص بما بين الاربعين إلى الستين ولان مبنى زكاة السائمة على أنه لا يجب فيها الاشقاص دفعا للضرر عن أرباب الاموال حتى ان في الابل عند قلة العدد أوجب من خلاف الجنس تحرزا عن ايجاب الشقص فكذلك في زكاة البقر لا تجوز الاشقاص لانها عيب. ووجه رواية الحسن رحمه الله تعالى ان الاوقاص في البقر تسع تسع بدليل ما قبل الاربعين وبعد الستين فكذلك فيما بين ذلك لانه يلحق بما قبله أو بما بعده ووجه الرواية الاخرى أن نصب النصاب بالرأى لا يكون وانما يكون طريق معرفته النص ولا نص فيما بين الاربعين إلى الستين فإذا تعذر اعتبار النصاب فيه أوجبنا الزكاة في قليله وكثيره بحساب ما سبق وحديث معاذ رضى الله عنه المراد به حال قلة العدد في الابتداء فان الوقص في الحقيقة اسم لما لم يبلغ نصابا وذلك
[ 188 ]
في الابتداء يكون وقيل المراد بالاوقاص الصغار وهى العجاجيل وبه نقول انه لا شئ فيها (قال) والجواميس بمنزلة البقر وقد بينا هذا فيما سبق من زكاة الغنم (قال) وذكورها وإناثها في الصدقة سواء وكذلك في الاخذ لافرق بين الذكور والاناث في زكاة البقر بخلاف زكاة الابل فانه لا يؤخذ فيها الا الاناث وهذا لتقارب ما بين الذكور والاناث في الغنم والبقر وتباين ما بينهما في الابل وقد بينا هذا في زكاة الابل. فأما الخيل السائمة إذا اختلط ذكورها وإناثها ففيها الصدقة في قول ابى حنيفة رحمه الله تعالى ان شاء صاحبها أدى عن كل فرس دينارا وان شاء قومها وأدى عن كل مائتي درهم خمسة دراهم وعند أبى يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالى لا شئ فيها. فان كانت إناثا كلها فعن أبى حنيفة رحمه الله تعالى فيه روايتان ذكرهما الطحاوي رحمه الله تعالى وان كانت ذكورا كلها فليس فيها شئ الا في رواية عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى ذكرها في كتاب الآثار. وجه قولهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة وفى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال عفوت لامتي عن صدقة الخيل والرقيق الا ان في الرقيق صدقة الفطر ولانه لا يثبت للامام حق الاخذ بالاتفاق ولا يجب من عينها شئ ومبنى زكاة السائمة على أن الواجب جزء من العين وللامام فيه حق الاخذ بدليل سائر الحيوانات واحتج أبو حنيفة رحمه الله تعالى بحديث ابن الزبير عن جابران رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال في كل فرس سائمة دينار أو عشرة دراهم وليس في المرابطة شئ وان عمر بن الخطاب رضى الله عنه كتب إلى أبى عبيدة بن الجراح رضى الله عنه وأمره بأن يأخذ من الخيل السائمة عن كل فرس دينارا أو عشرة دراهم ووقعت هذه الحادثة في زمن مروان فشاور الصحابة رضى الله عنهم فروى أبو هريرة ليس على الرجل في عبده ولا في فرسه صدقة فقال مروان لزيد بن ثابت ما تقول يا أبا سعيد فقال أبو هريرة عجبا من مروان أحدثه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وهو يقول ماذا تقول يا أبا سعيد قال زيد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وانما أراد فرس الغازى فاما ما حبست لطلب نسلها ففيها الصدقة فقال كم فقال في كل فرس دينار أو عشرة دراهم والمعنى فيه انه حيوان سائم في أغلب البلدان فتجب فيه زكاة السائمة كالابل والبقر والغنم الا أن الآثار فيها لم تشتهر لعزة الخيل ذلك الوقت وما كانت الا معدة للجهاد وانما لم يثبت أبو حنيفة رحمه الله تعالى للامام ولاية الاخذ لان الخيل مطمع كل طامع فانه سلاح والظاهر انهم إذا علموا به لا يتركونه
[ 189 ]
لصاحبة وانما لم يؤخذ من عينه لان مقصود الفقير لا يحصل به لان عينه غير مأكول اللحم عنده وأما الاناث قال في إحدى الروايتين التى ذكرها الطحاوي رحمه الله تعالى أنه لا شئ فيها لان معنى النماء فيها من حيث النسل وذلك لا يحصل بالاناث المفردات وفى الاخرى قال يمكن أن يستعار لها فحل فيحصل النماء من حيث النسل واما في الذكور المنفردين لا شئ فيها في ظاهر الرواية لان معنى النسل لا يحصل بها وبزيادة السن لا تزداد القيمة في الخيل بخلاف سائر الحيوانات ومعنى السمن غير معتبر لان عينه غير مأكول عنده فلهذا قال لانعدام النماء لا شئ عليه فيها وفى رواية الآثار جعل هذا قياس سائر أنراع السائمة فان بسبب السوم تخف المؤنة على صاحبها وبه يصير مال الزكاة فكذلك في الخيل (قال) وليس في الحمير والبغال السائمة صدقة لان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال حين سئل عن البغال والحمير لم ينزل على فيها الا هذه الآية الجامعة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ولانها لاتسام في غالب البلدان مع كثرة وجودها والنادر لا يعتبر انما يعتبر الحكم العام الغالب فلهذا لا تجب فيها زكاة السائمة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب * (باب زكاة المال) * (قال) وليس في أقل من مائتي درهم زكاة فإذا بلغت مائتي درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم لحديث عمرو بن حزم رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أنه قال في الورقة ليس فيها صدقة حتى تبلغ مائتي درهم فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم وحين بعث معاذا رضى الله تعالى عنه إلى اليمن قال ليس فيما دون مائتي درهم من الورق شئ وفى مائتين خمسة وما زاد على المائتين فليس فيه شئ حتى تبلغ أربعين ففيها درهم مع الخمسة وفى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وهكذا في كل أربعين درهما درهم وهو قول عمر ابن الخطاب رضى الله تعالى عنه وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي يجب في الزيادة بحساب ذلك قل أو كثر حتى إذا كانت الزيادة درهما ففيها جزء من أربعين جزأ من درهم وهو قول على وابن عمر وابراهيم النخعي رحمهما الله تعالى وقال طاووس اليماني رحمه الله تعالى لا يجب في الزيادة شئ حتى تبلغ مائتي درهم ويجب في كل مائتي درهم خمسة دراهم واحتجوا بحديث على بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} أنه قال في مائتي درهم خمسة دراهم وما زاد
[ 190 ]
فبحساب ذلك ولان نصب النصاب لا يكون الا بالتوقيف ولم يشتهر الاثر باعتبار نصيب المائتين ثم اعتبار النصاب في الابتداء لحصول الغنى للمالك به ففى الزيادة المعتبر زيادة الغنى وذلك حاصل بالقليل والكثير واحتج أبو حنيفة بحديث عمرو بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال وفى كل مائتي درهم خمسة دراهم وفي كل أربعين درهما درهم ولم يرد به في الابتداء فعلم أن المراد به بعد المائتين وفى حديث معاذ رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال له لا تأخذ من الكسور شيئا وفى مائتي درهم خمسة دراهم فما زاد على ذلك ففى كل أربعين درهما درهم وقاس بالسوائم ففيها وقص بعد النصاب الاول وكذلك في النقود بعلة أن الزكاة واجبة في الكل على وجه يحصل به النظر للفقراء وأرباب الاموال وحديث على رضى الله تعالى عنه لم ينقله أحد من الثقات مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فالمصير إلى مارويناه أولى (قال) وليس في أقل من عشرين مثقالا من المذهب زكاة لحديث عمرو بن حزم قال فيه وفى الذهب ما لم تبلغ قيمته مائتي درهم فلا صدقة فيه والدينار كان مقوما بعشرة دراهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فذلك تنصيص على أنه لا شئ في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا ففيه نصف مثقال ثم ليس في الزيادة شئ حتى تبلغ أربعة دنانير ففي قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى فيها قيراطان وهكذا في كل أربعة مثاقيل. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى فيما زاد بحساب ذلك هذا والدراهم سواء كما بينا وكذلك زكاة مال التجارة يجب بالقيمة والكلام فيه في فصول (أحدها) أن الزكاة تجب في عروض التجارة إذا حال الحول عندنا. وقال مالك رحمه الله تعالى إذا باعها زكى لحول واحد وان مضى عليها في ملكه أحوال وقال نفاة القياس لا شئ فيها والدليل على وجوب الزكاة فيها حديث سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} كان يأمرنا باخراج الزكاة من الرقيق وفى كل مال يتبعه وفي حديث أبي ذر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال وفى البر صدقة إذا كان للتجارة وفي حديث عمر رضى الله عنه انه قال لحماس ما مالك يا حماس فقال ضأن وأدم قال قومها وأد الزكاة من قيمتها والدليل على اعتبار الحول قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ثم معنى النماء مطلوب في أموال التجارة في قيمتها كما أنه مطلوب في السوائم من عينها وكما يتجدد وجوب الزكاة في السوائم باعتبار كل حول يتجدد النماء بمضيه فكذك في مال التجارة ويعتبر أن
[ 191 ]
سطر 287:
[ 192 ]
والفضة فخلقا جوهرين للاثمان لمنفعة التقلب والتصرف فكانت معدة للنماء على أي صفة كانت فتجب الزكاة فيها (قال) والحلى عندنا نصاب للزكاة سواء كان للرجل أو للنساء مصوغا صياغة تحل أو لا تحل. وللشافعي رحمه الله تعالى في حلى النساء قولان في أحد القولين لا شئ فيه وهو مروى عن عمر وعائشة رحمهما الله تعالى قال انه مبتذل في مباح فلا يكون مال الزكاة كمال البذلة بخلاف حلى الرجال فانه مبتذل في محظور وهذا لان الحظر شرعا يسقط اعتبار الصنعة والابتذال حكما فيكون مال الزكاة بخلاف ما إذا كان مباحا شرعا وهو نظير ذهاب العقل يسقط اعتباره شرعا بخلاف ذهاب العقل بسبب شرب دواء فانه لا يسقط اعتباره شرعا (ولنا) حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} رأى امرأتين تطوفان بالبيت وعليهما سواران من ذهب فقال أتؤديان زكاتهما فقالتا لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أتحبان أن يسوركما الله بسوارين من نار فقالتا لا فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} أديا زكاتهما والمراد الزكاة دون الاعارة لانه ألحق الوعيد بهما وذلك لا يكون الا بترك الواجب والاعارة ليست بواجبة وفى حديث أم سلمة أنها كانت تلبس أوضاحا لها من ذهب فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أكنز هي فقال ان أديت منها الزكاة فليست بكنز والمعنى فيه أن الزكاة حكم تعلق بعين الذهب والفضة فلا يسقط بالصنعة كحكم التقابض في المجلس عند بيع أحدهما بالآخر وجريان الربا وبيان الوصف أن صاحب الشرع ما اعتبر في الذهب والفضة مع اسم العين وصفا آخر لايجاب الزكاة فعلى أي وجه أمسكهما المالك للنفقة أو لغير النفقة تجب عليه الزكاة ولو كان للابتذال فيهما عبرة لم يفترق الحال بين أن يكون محظورا أو مباحا كما في السوائم إذا جعلها حمولة ثم الابتذال هاهنا لمقصود الحمل زائد لا يتعلق به حياة النفس أو المال فلا تنعدم به صفة التنمية الثابتة لهذين الجوهرين باعتبار الاصل (قال) وان كان له عشرة مثاقيل ذهب ومائة درهم ضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا يضم أحدهما إلى الآخر بل يعتبر كمال النصاب من كل واحد منهما على حدة لانهما جنسان مختلفان فلا يضم أحدهما إلى الآخر ليكمل النصاب كالسوائم وبيان الوصف من حيث الحقيقة غير مشكل ومن حيث المعنى أنه لا يجرى بينهما ربا الفضل (ولنا) حديث بكير بن عبد الله بن الاشج رضى الله عنه قال من السنة أن يضم الذهب إلى الفضة لايجاب الزكاة ومطلق السنة ينصرف إلى
[ 193 ]
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ولانهما مالان يكمل نصاب أحدهما بما يكمل به نصاب الآخر فيكمل نصاب أحدهما بالآخر كالسود مع البيض والنيسابوري من الدنانير مع الهروي وبيان الوصف ان نصاب كل واحد منهما يكمل بمال التجارة وهذا لانهما وان كانا جنسين مختلفين صورة ففى حكم الزكاة هما جنس واحد حتى يتفق الواجب فيهما فيتقدر بربع العشر على كل حال ووجوب الزكاة فيهما باعتبار معنى واحد وهو المالية القائمة باعتبار أصلهما فإذا وجبت الزكاة عند ضم أحدهما إلى الآخر اختلفت الرواية فيما يؤدى فروى الحسن بن أبى مالك عن أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى انه يؤدى من مائة درهم درهمين ونصفا ومن عشرة مثاقيل ذهب ربع مثقال وهو احدى الروايتين عن أبى يوسف رحمه الله تعالى ووجهه أنه أقرب إلى المعادلة والنظر من الجانبين وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى في رواية أخرى أنه يقوم أحدهما بالآخر ثم يؤدى الزكاة من نوع واحد وهذا أقرب إلى موافقة نصوص الزكوات. ثم اختلفوا في كيفية الضم فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يضم أحدهما إلى الآخر باعتبار القيمة وقال أبو يوسف ومحمد باعتبار الاجزاء وهو إحدى الروايتين عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى ذكره في نوادر هشام رحمه الله تعالى. وبيان ذلك أنه إذا كان له مائة درهم وخمسة مثاقيل ذهب تساوى مائة درهم أو خمسون درهما وعشرة مثاقيل ذهب تساوى مائة وخمسين درهما فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يضم أحدهما إلى الآخر وتجب الزكاة وعندهما يضم باعتبار الاجزاء وقد ملك نصف نصاب أحدهما وربع نصاب الآخر فلا يجب فيهما شئ ثم عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يعتبر في التقويم منفعة الفقراء كما هو أصله حتى روى عنه أنه إذا كان للرجل مائة وخمسة وتسعون درهما ودينار يساوى خمسة دراهم أنه تجب الزكاة وذلك بأن يقوم الذهب بالفضة. وجه قولهما ان التقويم في النقود ساقط الاعتبار كما في حقوق العباد فان سائر الاشياء تقوم بها ألا ترى ان من ملك أبريق فضة وزنه مائة وخمسون وقيمته مائتا درهم لا يجب فيه الزكاة ولو كان للتقويم عبرة في باب الزكاة من الذهب والفضة لوجبت الزكاة ههنا وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول عما عينان وجب ضم أحدهما إلى الآخر لايجاب الزكاة فكان الضم باعتبار القيمة كعروض التجارة وهذا لان كمال النصاب لا يكون الا عند اتحاد الجنس وذلك لا يكون الاباعتبار صفة المالية دون العين فان الاموال أجناس باعتبار أعيانها جنس واحد
[ 194 ]
باعتبار صفة المالية فيها وهذا بخلاف الابريق فانه ما وجب ضمه إلى شئ آخر حتى تعتبر فيه القيمة وهذا لان القيمة في الذهب والفضة انما تظهر شرعا عند مقابلة أحدهما بالآخر فان الجودة والصنعة لاقيمة لها إذا قوبلت بجنسها لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} جيدها ورديئها سواء فاما عند مقابلة أحدهما بالآخر فيظهر للجودة قيمة. ألا ترى أنه متى وقعت الحاجة إلى تقويم الذهب والفضة في حقوق العباد يقوم بخلاف جنسه فكذا في حقوق الله تعالى وجميع ما ذكرنا في نصاب الذهب والفضة المعتبر فيهما الوزن دون العدد لان في النص ذكر الدرهم والدينار وهو يشتمل على مالا يعلم الا بالوزن من الدوانيق والحبات والمعتبر في الدنانير وزن المثقال وفى الدراهم وزن سبعة وهو أن يكون كل عشرة منها بوزن سبعة مثاقيل وهو الوزن المعروف في الدراهم في غالب البلدان وأصله وهو أنه كان في الجاهلية نوعان من الدراهم يقال لهما مثاقيل وخفاف فلما أرادوا في الاسلام ضرب الدراهم جمعوا أحدهما إلى الآخر وجعلوه درهمين فكان وزن سبعة ولم يبين في الكتاب صفة الدراهم وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أن الزكاة تجب في الجياد من الدراهم والزيوف والنبهرجة والمكحلة والمزيفة قال لان الغالب في كلها الفضة وما يغلب فضته على غشه يتناوله اسم الدراهم مطلقا اما في الستوقة وهو ما يغلب غشه على فضته نظر إلى ما يخلص منه من الفضة فان بلغ وزنه مائتي درهم تجب فيها الزكاة والا فلا ومراده إذا لم تكن للتجارة فان كانت تلك الدراهم للتجارة فالعبرة بقيمتها كما في عروض التجارة وقد ذكر في روايته في الفلوس والدراهم المضروبة من الصفر إذا كان لا يخلص منها فضة فان لم تكن للتجارة فلا شئ فيها وان كانت للتجارة فان بلغت قيمتها مائتي درهم مما يغلب فيها الفضة ففيها الزكاة وكان الشيخ الامام أبو بكر محمد بن الفضل البخاري رحمه الله تعالى يفتى بوجوب الزكاة في المائتين من الدراهم الغطريفية عددا وكان يقول هي من أعز النقود فينا بمنزلة الفضة فيهم ونحن أعرف بنقودنا وهو اختيار شيخنا الامام الحلواني رحمه الله تعالى وهو الصحيح عندي (قال) رجل له على رجل ألف درهم قرض أو ثمن متاع كان للتجارة فحال الحول ووجبت الزكاة عليه لا يلزمه الاداء قبل القبض عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى يلزمه الاداء لان صيرورة المال دينا كان بتصرفه واختياره وذلك غير معتبر في تأخير حق الفقراء فانه كما لا يملك ابطال حقهم لا يملك التأخير ولان هذا مال مملوك كالعين (ولنا) ان
[ 195 ]
سطر 308:
[ 199 ]
* (باب العشر) * (قال) رحمه الله العاشر من ينصبه الامام على الطريق ليأخذ الصدقات من التجار وتأمن التجار بمقامه من اللصوص وقد روى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أراد أن يستعمل أنس بن مالك رحمه الله تعالى على هذا العمل فقال له أتستعملني على المكس من عملك فقال ألا ترضى أن أقلدك ماقلدنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} والذى روى من ذم العشار محمول على من يأخذ مال الناس ظلما كما هو في زماننا دون من يأخذ ما هو حق وهو الصدقة إذا عرفنا هذا فنقول العاشر يأخذ مما يمر به المسلم عليه الزكاة إذا استجمعت شرائط الوجوب لان عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه لما نصب العشار قال لهم خذوا مما يمر به المسلم ربع العشر ومما يمر به الذمي نصف العشر فقيل له فكم نأخذ مما يمر به الحربى فقال كم يأخذون منا فقالوا العشر فقال خذوا منهم العشر. وفي رواية خذوا منهم مثل ما ياخذون منا فقيل له فان لم يعلم كم يأخذون منا فقال خذوا منهم العشر وان عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى كتب إلى عماله بذلك وقال أخبرني به من سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ثم المسلم حين أخرج مال التجارة إلى المفاوز فقد احتاج إلى حماية الامام فيثبت له حق أخذ الزكاة منه لاجل الحماية كما في السوائم يأخذ الامام الزكاة لحاجته إلى حمايته وكما ان المسلم يحتاج إلى الحماية فكذلك الذمي بل أكثر لان طمع اللصوص في أموال أهل الذمة أكثر وأبين (قال) وما يؤخذ من المسلم إذا وجب أخذه من الكافر يضعف عليه كصدقات بنى تغلب فأما أهل الحرب فالاخذ منهم على طريق المجازاة كما أشار إليه عمر رضى الله تعالى عنه ولسنا نعنى بهذا أن أخذنا بمقابلة أخذهم فأخذهم أموالنا ظلم وأخذنا بحق ولكن المراد أنا إذا عاملناهم بمثل ما يعاملوننا به كان ذلك أقرب إلى مقصود الامان واتصال التجارات وإذا لم نعلم كم يأخذون منا نأخذ منهم العشر لان حال الحربي مع الذمي كحال الذمي مع المسلم فان الذمي منا دارا دون الحربى فكما يضعف على الذمي ما يؤخذ من المسلم فكذلك يضعف على الحربى ما يؤخذ من الذمي (قال) فان مر على العاشر بأقل من مائتي درهم لم يأخذ منه شيئا وان علم أن له في منزله مالا لان حق الاخذ انما يثبت باعتبار المال الممرور به عليه لحاجته إلى الحماية وهذا غير موجود فيما في بيته وما مر به عليه لم يبلغ نصابا وهذا إذا كان المار مسلما أو ذميا وقال
[ 200 ]
سطر 317:
[ 202 ]
ان المضارب له حق قوى يشبه الملك فانه شريك في الربح وإذا صار المال عروضا بملك التصرف على وجه لو نهاه رب المال لا يعمل نهيه فكان حضور المضارب كحضور المالك. وجه قوله الآخر أن المضارب أمين في المال كالمستبضع والاجير وانما فوض إليه التجارة في المال لاأداء الزكاة والزكاة تستدعى نية من عليه فان كان قوله الثاني في العبد انه لا يأخذ منه أيضا فلا حاجة إلى الفرق وان لم يرجع في العبد فوجه الفرق ان المأذون يتصرف لنفسه حتى إذا لحقته العهدة لا يرجع به على المولى فكان في أداء ما يجب في كسبه كالمالك بخلاف المضارب فانه نائب في التصرف يرجع بما يلحقه من العهدة على رب المال فلا يكون له ولاية أداء الزكاة (قال) وإذا مر على العاشر بمال ومعه براءة بغير اسمه يقول هذه براءة من عاشر كذا مر به رجل كان هذا المال معه مضاربة في يده فان حلف على ذلك كف عنه لانه أخبر بخبر محتمل وهو أمين فيصدقه على ذلك كما لو قال أديتها إلى المساكين (قال) وان مر به على عاشر الخوارج فعشره لم يحسبه له عاشر أهل العدل قال لان ذلك لا يجزئه من زكاته ومعناه أنهم يأخذون أموالنا بطريق الاستحلال لا بطريق الصدقة ولا يصرفونه مصارف الصدقة وصاحب المال هو الذى عرض ماله للاخذ بالمرور عليه فلا يسقط به حق عاشر أهل العدل في الاخذ منه (قال) ولا يجزى في الزكاة عتق رقبة ولا الحج ولا قضاء دين ميت ولا تكفينه ولا بناء مسجد * والاصل فيه أن الواجب فيه فعل الايتاء في جزء من المال ولا يحصل الايتاء الا بالتمليك فكل قربة خلت عن التمليك لا تجزى عن الزكاة واعتاق الرقبة ليس فيه تمليك شئ من العبد لان العبد يعتق على ملك المولى ولهذا كان الولاء له وكذلك الحج فان ما ينفقه الحاج في الطريق لا يملكه غيره وان أحج رجلا فالحاج ينفق على ملك المحجوج عنه ذلك المال وكذلك قضاء دين الميت فاته لا يملك الميت شيئا وما يأخذه صاحب الدين يأخذه عوضا عن ملكه وكذلك تكفين الميت فانه ليس فيه تمليك من الميت فانه ليس من أهل الملك ولا من الورثة لانهم لانهم لا يملكون ما هو مشغول بحاجة الميت وكذلك بناء المسجد ليس فيه تمليك من أحد (قال) ولا يعطى من الزكاة كافر إلا عند زفر رحمه الله تعالى فانه يجوز دفعها إلى الذمي وهو القياس لان المقصود اغناء الفقير المحتاج على طريق التقرب وقد حصل (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم فذلك تنصيص على الدفع إلى فقراء من
[ 203 ]
سطر 332:
[ 207 ]
قصيل فان قصله المشترى في الحال فالعشر على البائع وان تركه على الارض باذن البائع حتى استحصد فالعشر على المشترى وكذلك كل شئ من الثمار وغيره مما فيه العشر يبيعه صاحبه في أول ما يطلع فان قطعه المشترى فالعشر على البائع وان تركه باذن البائع حتى أدرك فالعشر على المشترى وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى عشر مقدار الطلع والبقل على البائع والزيادة على المشترى * وحاصل مذهب أبى يوسف رحمه الله تعالى ان بانعقاد الحب وادراك الثمار يزداد النماء فيزداد الواجب لا أنه يسقط ما كان واجبا أو يتحول إلى غيره وعند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى الحب هو المقصود فإذا انعقد كان الواجب فيه دون غيره وانعقاده كان في ملك المشترى فلهذا كان العشر عليه (قال) وإذا اشترى أرض عشر أو خراج للتجارة لم يكن عليه زكاة التجارة عندنا. وعند محمد رحمه الله تعالى ان عليه زكاة التجارة مع العشر والخراج وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى ووجهه أن العشر محله الخارج والزكاة محلها عين مال التجارة وهو الارض فلم يجتمعا في محل واحد فوجوب أحدهما لايمنع وجوب الآخر كالدين مع العشر. وجه ظاهر الرواية ان العشر والخراج مؤنة الارض النامية. ألا ترى أنه يقال عشر الارض وخراج الارض وكذلك الزكاة وظيفة المال النامى وهى الارض فكل واحد منهما يجب حقا لله تعالى فلا يجب بسبب ملك مال واحد حقان لله تعالى كما لا تجب زكاة السائمة وزكاة التجارة باعتبار مال واحد وإذا ثبت أنه لا وجه للجمع بينهما قلنا العشر والخراج صار وظيفة لازمة لهذه الارض لا يسقط باسقاط المالك وهو أسبق ثبوتا من زكاة التجارة التي كان وجوبها بنيته. فلهذا بقيت عشرية وخراجية كما كانت (قال) وان اشترى دارا للتجارة فحال عليها الحول زكاها من قيمتها لانه ما تعلق برقبة الدار حق آخر لله تعالى وهى وسائر العروض سواء (قال) ولا يجتمع العشر والخراج في أرض واحدة عندنا وقال ابن أبى ليلى في الارض الخراجية يجب أداء العشر من الخارج منها مع الخراج وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى واستدلا في ذلك بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ما أخرجت الارض ففيه العشر ولان العشر مع الخراج حقان اختلفا محلا ومستحقا وسببا فان الخراج في ذمة المالك مصروف إلى المقاتلة والعشر في الخراج مصروف إلى الفقراء فوجوب أحدهما لا ينفى وجوب الآخر كالدين مع العشر ثم الخراج بمنزلة الاجرة للارض ولهذا لا يجب الا في الاراضي المفتوحة عنوة ووجوب الاجرة لا ينفى وجوب
[ 208 ]
العشر في الخارج. وجه قولنا ما روى عن ابن مسعود رحمه الله تعالى موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال لا يجتمع العشر والخراج في أرض رجل مسلم ولان أحدا من أئمة العدل والجور لم يأخذ العشر من أرض السواد مع كثرة احتيالهم لاخذ أموال الناس وكفى بالاجماع حجة ثم الخراج والعشر كل واحد منهما مؤنة الارض النامية ولا يجتمع المؤنتان بسبب أرض واحدة وسببهما لا يجتمع فان سبب وجوب الخراج فتح الارض عنوة وثبوت حق الغانمين فيها وسبب وجوب العشر اسلام أهل البلدة البلدة طوعا وعدم ثبوت حق الغانمين فيها وبينهما تناف فإذا لم يجتمع السببان لا يثبت الحكمان جميعا (قال) رجل مات وله أرض عشرية قد أدرك زرعها قال يؤخذ منها العشر. وروى ابن المبارك عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى انه لا يؤخذ منها العشر لانها صارت لغير من وجب عليه فهو بمنزلة صدقة السائمة. وجه ظاهر الرواية أن العين هي المقصودة هنا دون الفعل والعين باقية بعد موته فيبقى مشغولا بحق الفقراء بخلاف الزكاة فان الواجب هناك فعل الايتاء والفعل لا يمكن ابقاؤه مستحقا ببقاء المال فلهذا سقط بالموت (قال) رجل له رطبة في أرض العشر وهى تقطع في كل أربعين يوما قال يأخذ منها العشر كلما قطعت وهذا بناء على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى في ايجاد العشر في الرطب فاما عندهما فلا يجب العشر الا فيما له ثمرة باقية على ما نبينه ومقصوده في هذه المسألة ان الحول لا يعتبر لا يجاب العشر وهو ظاهر على مذهب أبى حنيفة رحمه الله تعالى فانه لا يعتبر النصاب لا يجاب العشر واما عندهما فالنصاب معتبر والحول لا يعتبر لان اعتبار الحول لتحقق النماء في السوائم وعروض التجارة والعشر لا يجب الا فيما هو نماء محض فلا حاجة إلى اعتبار الحول فيه (قال) وإذا كان صاحب العنب يبيعه مرة عنبا ومرة عصيرا ومرة زبيبا باقل من قيمته أو باكثر أخذ العشر في جميع ذلك من الثمن إذا لم يكن حابى فيه محاباة فاحشة وهذا على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى فانه يوجب العشر في القليل والكثير وفيما يبقى أولا يبقى أما عندهما فلا يجب العشر فيما دون خمسة أوسق مما يبقى فينظر إلى هذا العنب فان كان مقدارا يكون فيه من الزبيب خمسة أوسق أو أكثر يجب العشر فيؤخذ ذلك من الثمن كما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لان وجوب حق الله تعالى في المال لايمنع صحة البيع من صاحبه وان كان دون ذلك أو كان عنبا رطبا رقيقا لا يصلح الا للماء ولا يتأتي منه الزبيب فلا شئ فيه عندهما
[ 209 ]
سطر 344:
[ 211 ]
* (باب المعادن وغيرها) * اعلم أن المستخرج من المعادن أنواع ثلاثة. منها جامد يذوب وينطبع كالذهب والفضة والحديد والرصاص والنحاس. ومنها جامد لا يذوب بالذوب كالجص والنورة والكحل والزرنيخ. ومنها مائع لا يجمد كالماء والزئبق والنفط. فأما الجامد الذى يذوب بالذوب ففيه الخمس عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى فيما سوى الذهب والفضة لا يجب شئ وفى الذهب والفضة يجب ربع العشر والنصاب عنده معتبر حتى إذا كان دون المائتين من الفضة لا يجب شئ وفى اعتبار الحول له وجهان. حجته قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في الرقة ربع العشر وهو اسم للذهب والفضة. وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} أعطى بلال بن الحارث معادن القبلية وهي يؤخذ منها ربع العشر إلى يومنا هذا والمعنى فيه أنه مباح لم تحرزه يد قط فكان لمن وجده ولا شئ فيه كالصيد والحطب والحشيش وهذا لان الناس في المباحات سواء وانما يظهر التقوم فيها بالاحراز فكانت للمحرز الا أن الزكاة واجبة في الذهب والفضة باعتبار أعيانهما دون سائر الجواهر ولكن يشترط تكميل النصاب والحول على أحد الوجهين وفى الوجه الآخر قال كم من حول مضى على هذا العين قبل أخذه واعتبار الحول لحصول النماء وهذا كله نماء فلا معنى لاعتبار الحول فيه بخلاف الكنز فانه كان في يد أهل الحرب وقد وقع في يد المسلمين بايجاف الخيل والركاب ووجب فيها الخمس ولم يؤخذ لخفاء مكانه حتى ظهر الآن فلهذا يؤخذ منه الخمس فاما الذهب والفضة من المعدن فحادث يحدث بمرور الزمان من غير أن كان في يد أحد فهو كالحطب والحشيش (وأصحابنا) احتجوا بحديث أبى سلمة عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} أنه قال وفى الركاز الخمس واسم الركاز يتناول الكنز والمعدن جميعا لانه عبارة عن الاثبات يقال ركز رمحه في الارض إذا أثبته والمال في المعدن مثبت كما هو في الكنز ولما قيل يارسول الله وما الركاز قال الذهب والفضة الذين خلقهما الله في الارض يوم خلقها. ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} عما يوجد في الخرب العادى قال فيه وفى الركاز الخمس فعطف الركاز على المدفون فعلم أن المراد بالركاز المعدن والمعنى فيه أن هذا مال نفيس مستخرج من الارض فيجب فيه الخمس كالكنز وهذا لان المعنى الذى لاجله وجب الخمس في الكنز موجود في المعدن فان الذهب والفضة
[ 212 ]
تحدث في المعدن من عروق كانت موجودة حين كانت هذه الارض في يد أهل الحرب ثم وقعت في يد المسلمين بايجاف الخيل فتعلق حق مصارف الخمس بتلك العروق فيثبت فيما يحدث منها فكان هذا والكنز سواء من هذا الوجه ثم يستوى ان كان الواجد حرا أو عبدا مسلما أو ذميا صبيا أو بالغا رجلا أو امرأة فانه يؤخذ منه الخمس والباقى يكون للواجد سواء وجده في أرض العشر أو أرض الخراج لان استحقاق هذا المال كاستحقاق الغنيمة ولجميع من سمينا حق في الغنيمة اما سهما واما رضخا فان الصبي والعبد والذمي والمرأة يرضخ لهم إذا قاتلوا ولا يبلغ بنصيبهم السهم تحرزا عن المساواة بين التابع والمتبوع وهنا لا مزاحم للواجد في الاستحقاق حتى يعتبر التفاضل فلهذا كان الباقي له. والذي روى أن عبدا وجد جرة من ذهب على عهد عمر رضى الله عنه فادى ثمنه منه وأعتقه وجعل ما بقى منه لبيت المال. تأويله انه كان وجده في دار رجل فكان لصاحب الخطة ولم يبق أحد من ورثته فلهذا صرفه إلى بيت المال ورأى المصلحة في أن يعطى ثمنه من بيت المال ليوصله إلى العتق * وأما الجامد الذى لا يذوب بالذوب فلا شئ فيه لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا زكاة في الحجر ومعلوم انه لم يرد به إذا كان للتجارة وانما أراد به إذا استخرجه من معدنه فكان هذا أصلا في كل ما هو في معناه * وكذلك الذائب الذى لا يتجمد أصلا فلا شئ فيه لان أصله الماء والناس شركاء فيه شرعا قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلا والنار فما يكون في معنى الماء وهو انه يفور من عينه ولا يستخرج بالعلاج ولا يتجمد كان ملحقا بالماء فلا شئ فيه (قال) وإذا عمل الرجل في المعادن يوما ثم جاء آخر من الغد فعمل فيها حتى أصاب المال أخذ منه خمسه والباقى للثاني دون الاول لان الواجد هو الثاني والمعدن لمن وجده فاما الاول فحافر للارض لا واجد للمعدن وبحفر الارض لا يستحق المعدن وقد جاء في الحديث الصيد لمن أخذه لا لمن أثاره والاول كالمثير والثانى كالأخذ فكان المأخوذ له (قال) وليس في السمك واللؤلؤ والعنبر يستخرج من البحر شئ في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف في العنبر الخمس وكذلك في اللؤلؤ عنده ذكره في الجامع الصغير أما السمك فهو من الصيود وليس في صيد البر شئ على من أخذه فكذلك في صيد البحر وأما العنبر واللؤلؤ فقد احتج أبو يوسف رحمه الله تعالى بما روى أن يعلي بن أمية كتب إلى عمر بن الخطاب
[ 213 ]
سطر 353:
[ 214 ]
الخمس وما بقى فهو له فهذا على وجهين اما ان يكون فيه من علامات الاسلام كالمصحف والدرهم المكتوب عليه كلمة الشهادة فيكون بمنزلة اللقطة فعليه ان يعرفها أو يكون فيه شى ء من علامات الشرك كالصنم والصليب فحينئذ فيه الخمس. لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال ما يوجد في الارض الميتة فهو لقطة تعرف وما يوجد في الخرب العادى ففيه وفى الركاز الخمس ولانه إذا كان فيه شئ من علامات الشرك عرفنا أنه من وضع أهل الحرب وقع في أيدى المسلمين بايجاف الخيل والركاب ففيه الخمس وإذا كان فيه شئ من علامات الاسلام عرفنا أنه من وضع المسلمين ومال المسلم لا يغنم والموجود في باطن الارض كالموجود على ظاهرها فان لم يكن به علامة يستدل بها فهو لقطة في زماننا لان العهد قد تقادم والظاهر أنه لم يبق شئ مما دفنه أهل الحرب ويستوى ان كان الواجد ذميا أو مكاتبا أو صبيا أو حرا أو مسلما وقد بيناه في المعدن فكذلك في اللقطة وكذلك في الركاز (قال) وان وجده في دار رجل فان قال صاحب الدار انا وضعته فالقول قوله لانه في يده وان تصادقا على أنه ركاز ففيه الخمس والباقى لصاحب الخطة سواء كان الواجد ساكنا في الدار بعارية أو اجارة أو شراء وصاحب الخطة هو الذى أصاب هذه البقعة بالقسمة حين افتتحت البلدة فسمى صاحب الخطة لان الامام يخط لكل واحد من الغانمين حيزا ليكون له فان كان هو باقيا أو وارثه دفع إليه والا فهو لاقصي مالك يعرف لهذه البقعة في الاسلام وهذا قول أبى حنيفة ومحمد وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى الباقي للواجد قال أستحسن ذلك وأجعل الموجود في الدار والارض كالموجود في المفازة بعلة ان الواجد هو الذى أظهره وحازه ولا يجوز أن يقال إن الامام قد ملكه صاحب الخطة في القسمة لان الامام عادل في القسمة فلو جعلناه مملكا للكنز منه لم يكن عدلا هذا معنى الاستحسان وإذا لم يملكه بقى على أصل الاباحة فمن سبقت يده إليه كان أحق به فأما وجه قولهما فما روى أن رجلا أتى على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه بألف وخمسمائة درهم وجدها في خربة فقال على ان وجدتها في أرض يؤدي خراجها قوم فهم أحق بها منك وان وجدتها في أرض لا يؤدى خراجها أحد فخمسها لنا وأربعة أخماسها لك وهذا مراد محمد من قوله وهذا قياس الاثر عن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه والمعنى فيه ان صاحب الخطة ملك البقعة بالحيازة فملك ظاهرها وباطنها ثم المشترى منه يملك بالعقد فيملك الظاهر دون الباطن كمن اصطاد سمكة فوجد
[ 215 ]
في بطنها لؤلؤة فهي له بخلاف مالو اشترى سمكة وإذا لم يتملك المشترى عليه بقى على ملك صاحب الخطة ثم الامام مأمور بالعدل بحسب الامكان فما وراء ذلك ليس في وسعه ولا نقول الامام يملكه الكتز بالقسمة بل يقطع مزاحمة سائر الغانمين عن تلك البقعة ويقرر يده فيها وتقرر يده في المحل يوجب ثبوت يده على ما هو موجود في المحل فصار مملوكا له بالحيازة على هذا الطريق (قال) مسلم دخل دار الحرب بأمان فوجد ركازا فان كان وجده في دار بعضهم رده عليه لان ما في الدار في يد صاحب الدار وهو قد ضمن بعقد الامان ان لا يخونهم فعليه الوفاء بما ضمن وان كان وجده في الصحراء فهو له لانه مباح ليس في يد أحد منهم فلا يكون هو في أخذه غادرا بهم كالحطب والحشيش وليس فيه خمس لان الخمس فيما كان وقوعه في يد المسلمين بايجاف الخيل والركاب وذلك غير موجود هنا وان كان المعدن في دار الاسلام للمسلم أو الذمي فهو له وليس فيه خمس في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى فيه الخمس وان كان في أرض المسلم فكذلك الجواب في رواية كتاب الزكاة وفى الجامع الصغير فرق أبو حنيفة رحمه الله بين الموجود في الارض والدار وجه قولهما قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وفى الركاز الخمس وقد بينا أن اسم الركاز يتناول المعدن ثم قاسه بالموجود في الفلاة بعلة انه مال نفيس يستخرج من معدنه وقد كانت عزوفة في يد أهل الحرب وقعت في يد المسلمين بايجاف الخيل والركاب. ولابي حنيفة رحمه الله تعالى طريقان أحدهما ان المعدن جزء من أجزاء ملكه وسائر أجزاء هذه البقعة مملوكة له لا شئ عليه فيها فكذلك هذا الجزء بخلاف الموجود في الفلاة وبخلاف الكنز وعلى هذا الطريق يسوى بين الدار والارض. والطريقة الثانية ان الدار ملكت بشرط قطع حقوق الله تعالى حتى لا يجب فيها خراج ولا عشر إذا كان فيها نخيل يخرج اكرارا من تمر وعلى هذه الطريق يقول في الارض يجب الخمس في المعدن لان الارض ما ملكت بشرط قطع حقوق الله تعالى عنه ألا ترى انه يجب فيها الخراج أو العشر فكذلك الخمس فيما يوجد فيه حق الله تعالى (قال) حربي دخل دارنا بأمان فأصاب كنزا أو معدنا يؤخذ منه كله لان هذا في معنى الغنيمة ولا حق لاهل الحرب في غنائم المسلمين رضخا ولا سهما بخلاف أهل الذمة وان عمل في المعدن باذن الامام أخذ منه الخمس وما بقى فهو له لان الامام شرط له ذلك لمصلحة رأى فيه لمصارف الخمس فعليه الوفاء بما شرط له ألا ترى
[ 216 ]
له لو استعان بهم في قتال أهل الحرب رضخ لهم فهذا مثله (قال) ولا شئ في العسل إذا كان في أرض الخراج وان كان في أرض العشر أو في الجبال ففيه العشر كيف كان صاحبه وذكر الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه ان ماروى في ايجاب العشر في العسل لم يثبت وما روى من أنه لا شئ فيه لم يثبث فهذا منه إشارة إلى انه لا عشر في العسل. ووجهه انه منفصل من الحيوان فلا شئ فيه كالابريسم الذى يكون من دود القز (ولنا) ماروى عن عبد الله بن عمرو بن العاص رحمهما الله تعالى ان بنى سامر قوم من جرهم كانت لهم نحل عسالة فكانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} من كل عشر قرب قربة وكان يحمى لهم واديهم فلما كان في زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه استعمل عليهم سفيان بن عبد الله الثقفي فابوا ان يعطوه شيئا فكتب في ذلك إلى عمر فكتب إليه عمر ان النحل ذباب غيث يسوقه الله تعالى إلى من شاء فان أدوا اليك ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فاحم لهم واديهم والا فخل بينهم وبين الناس فدفعوا إليه العشر. وعن أبي سلمة عن أبى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} كتب إلى أهل اليمن ان في العسل العشر والمعنى فيه ان النحل تأكل من نوار الشجر وثمارها كما قال الله تعالى ثم كلي من كل الثمرات فما يكون منها من العسل متولد من الثمار وفى الثمار إذا كانت في أرض عشرية العشر فكذلك فيما يتولد منها ولهذا لو كانت في أرض خراجية لم يكن فيها شئ فانه ليس في ثمار الاشجار النابتة في أرض الخراج شئ وبهذا فارق دود القز فانه يأكل الورق وليس في الاوراق عشر فكذلك ما يتولد منها (قال) ولا شئ في القير والنفط والملح لانها فوارة كالماء واماما حولها من الارض فقد قال بعض مشايخنا لا شئ فيها من الخراج وان كانت هذه العيون في أرض الخراج لانها غير صالحة للزراعة فكانت كالارض السبخة ومالا يبلغها الماء وكان أبو بكر الرازي رضى الله عنه يقول لا شئ في موضع القير وأما حريمه مما أعده صاحبه لالقاء ما يحصل له فيه يمسح فيوجب فيه الخراج لانه في الاصل صالح للزراعة انما عطله صاحبه لحاجته فلا يسقط الخراج عنه (قال) ولا شئ في الطرفاء والقصب الفارسى لانه لا يستنبت في الجنان بماء ولا يقصد به استغلال الاراضي عادة بل لا يبقى على الارض فانه مفسد لها والعشر انما يجب فيما يقصد به استغلال الاراضي عادة (قال) ولا يسقط فيه الخمس عن الركاز والمعدن وان كان واجده معسرا أو فقيرا لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وفى الركاز الخمس ولانه