الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مبسوط السرخسي - الجزء الحادي عشر2»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
OKBOT (نقاش | مساهمات)
ط تدقيق إملائي. 88 كلمة مستهدفة حاليًا.
 
سطر 1:
 
[ 122 ]
إذا هلكت وهذا بناء على أصلنا فان للمودع أن يسافر بالوديعة عند اطلاق العقد. وعند الشافعي ليس له ذلك لان فيه تعريض المال للهلاك قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} المسافر ومتاعه وماله على قلت الا ما وقى الله تعالى وليس للمودع تعريض الوديعة للتلف وهذا بخلاف الاب والوصى والمضارب فانهم يسافرون للتجارة وطلب الريح. ألا ترى أن هم أن يسافروا بالمال من طريق البحر وليس للمودع حق التصرف والاسترباح في الوديعة ولهذا لا يسافر من طريق البحر. يوضحه ان مقصود المودع أن يكون ماله في المصر محفوظا يتمكن منه متى شاء ويفوت عليه هذا المقصود إذا سافر المودع به. وحجتنا في ذلك أن الامر مطلق فلا يتقيد بمكان دون مكان كما لا يتقيد بزمان وهذا لان من يراعى أمره في شئ يراعى اطلاق أمره كأوامر الشرع والامكنة كلها في صفة الامر سواء إنما الخوف من الناس دون المكان فإذا كان الطريق أمنا كان الحفظ فيه كالحفظ في جوف المصر ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بيان الحالة في ذلك الوقت فان المسلمين كانوا لا يأمنون خارج المدينة لغلبة الكفار ألا ترى أنه فيما أخبر من الامر بعده قال يوشك أن تخرج الظعينة من القادسية إلى مكة لا تخاف الا الله تعالى والذئب على غنمها ولا يجوز أن يتقيد مطلق أمره بالعرف والمقصود لان النص مقدم على ذلك والمقصود مشترك فقد يكون قصده أن يحمل المال إليه خصوصا إذا سافر إلى البلد الذى فيه صاحب المال ولان المودع لا يتعذر عليه الخروج وللسفر في حاجتة بسبب قبول الوديعة وإذا خرج فاما أن يدفع الوديعة إلى غيره فيكون تاركا للنص لانه أمره أن يحفظ بنفسه واما أن يحمل مع نفسه فيكون مخالفا لمقصوده ولا شك ان مراعاة النص أولى من مراعاة المقصود ولهذا قال أبو حنيفة ماله حمل ومؤنة ومالا حمل له ولا مؤنة في ذلك سواء بعدت المسافة أو قربت لمراعاة النص وهو القياس. واستحسن أبو يوسف رحمه الله فقال إذا كان حمل ومؤنة فليس له أن يسافر به لانه يلزم صاحبها مؤنة الرد ولا ولاية له عليه في الزام المؤنة اياه. واستحسن محمد رحمه الله فقال إذا قربت المسافة فله أن يسافر بها وإذا بعدت المسافة فليس له ذلك لانه يعظم الضرر والمؤنة على صاحبها عند بعد المسافة إذا أراد ردها * ولو أودعه وديعة فقال لا تدفعها إلى امرأتك أو عبدك أو ولدك أو أجيرك فانى اتهمهم عليها فدفعها إلى الذى نهاه عنه فهلكت فان كان يجد بدا من الدفع إليه بأن كان سواه أهل وخدم فهو ضامن وان كان لا يجد بدا من ذلك لم يضمن لان شرطه هذا مفيد وقد
[ 123 ]
سطر 19:
[ 128 ]
البائع نصف النقصان لانه كان أمينا في نصفها وقد تعدى بالبيع والتسليم ألا ترى انها لو هلكت كان له أن يضمن البائع نصف قيمتها فكذلك إذا فات جزء منها بالولادة فان لم يعلم ان الجارية لهذا الذى حضر الا بقول المستودعين لم تقبل شهادتهما في ذلك لان البائع منهما مناقض في كلامه والآخر قد تملك عليه المستولد نصيبه أيضا بالضمان فلا تقبل شهادتهما على ابطال ملك ثابت للمستولد عليهما ولكن الجارية أم ولد للمشترى باعتبار الظاهر ويضمن لشريكه نصف قيمتها ونصف عقرها فيدفعه إلى شريكه فيها كما هو الحكم في جارية مشتركة بين شريكين يستولدها أحدهما (فان قيل) كيف يغرم للشريك هنا وهو يأبى ذلك ويزعم انها مملوكة لغيره (قلنا) نعم ولكنه صار مكذبا في زعمه شرعا حين كانت الجارية أم ولد للمشترى فلهذا سقط اعتبار زعمه (وإذا) جحد المستودع ما عنده من الوديعة ثم أودع من ماله عند المودع مثل ذلك وسعه امساكه قصاصا بما ذهب به من وديعته لان المال صار دينا له على المستودع بجحوده وصاحب الحق متى ظفر بجنس حقه من مال المديون يكون له أن يأخذه والاصل فيه قول رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لهند خذى من مال أبى سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف (وقيل) في تأويل قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لصاحب الحق اليد وللسان ان المراد أخذ جنس حقه إذا ظفر به * وكذلك ان كان المال دينا عليه وأنكره ثم أودعه مثله. فأما إذا أودعه شيئا من غير جنس حقه لم يسعه امساكه عنه لان هذا بيع عند اختلاف الجنس فلا ينفرد هوبه والاول استيفاء وصاحب الحق ينفرد بالاستيفاء وحكى عن ابن أبى ليلي رحمه الله التسوية بينهما للمجانسة من حيث المالية ولكنه بعيد فالوديعة عين لا يكون له أن يحبسها باعتبار صفة المالية إذا لم يثبت له حق تملك العين ولا يدخل عليه المرهون لان هناك المرتهن يحبس المرهون بايجاب الراهن ملك اليد له في العين وان كان عند الهلاك يصير مستوفيا دينه باعتبار المالية. ثم عند المجانسة إذا طلب الثاني يمين المودع الاول كان له أن يحلف بالله لا يلزمنى تسليم شئ اليك. فان قال للقاضى حلفه بالله ما استودعته كذا فله ذلك الا أن يؤدى المدعى عليه فيقول قد يودع الرجل غيره شيئا ثم لا يلزمه تسليم شئ إليه فان أدى بهذه الصفة فقد طلب من القاضى أن ينظر له فيجيبه الي ذلك فأما إذا لم يذكر هذا فان القاضي يحلفه كما طلب الخصم بالله ما أودعه ما يدعى ثم لا ينبغى له ان يحلف على ذلك لانه يكون كاذبا في يمينه ولا رخصة في اليمين الكاذبة فطريق التخلص له أن
[ 129 ]
يعرض للقاضى بما ذكرنا أو يحلف ما استودعتني شيئا الا كذا وكذا يستثنى ذلك بكلامه يخفيه من خصمه ومن القاضي ويسعه ذلك لانه مظلوم دافع الضرر عن نفسه غير قاصد إلى الاضرار بغيره إلا ان مجرد نيته لا تكفى لذلك لانه يحتاج إلى اخراجه من جملة ما يتناوله كلامه لولا الاستثناء وذلك يحصل بالنية لان الاستثناء بيان أن كلامه عبارة عما وراء المستثنى فلا يحصل ذلك الا بما يصلح ان يكون ناسخا أو معارضا ومجدر النية لا تصلح لذلك فلهذا شرط التكلم بالاستثناء. وجه ذلك ما لو قرب انسان اذنه من فمه سمع ذلك وفهمه * وأما إذا غاب رب الوديعة ولا يدرى أحى هو أو ميت فعليه ان يمسكها حتى يعلم بموته لانه التزم حفظها له فعليه الوفاء بما التزم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} يقول في العهود وفاء لا غدر فيه بخلاف اللقطة فان مالكها غير معلوم عنده فبعد التعريف التصدق بها طريق لا يصالها إليه وهنا مالكها معلوم فطريق ايصالها الحفط إلى ان يحضر المالك أو يتبين موته فيطلب وارثه ويدفعها إليه * وان مات الرجل وعليه دين وعنده وديعة ومضاربة وبضاعة. فان عرفت بأعيانها فأربابها أحق بها من الغرماء لان حق الغرماء بعد موت المديون يتعلق بماله دون مال سائر الناس وكما كانوا أحق بها في حياة المديون فكذلك بعد موته. وان لم تعرف بأعيانها قسم المال بينهم بالحصص وأصحاب الوديعة والمضاربة والبضاعة بمنزلة الغرماء عندنا * وعلى قول ابن أبى ليلى الغرماء أحق بجميع التركة وأصل المسألة أن الامين إذا مات بجهلا للامانة فالامانة تصير دينا في تركته عندنا لانه بالتجهيل صار متملكا لها فان اليد المجهولة عند الموت تنقلب يد ملك ولهذا لو شهد الشهود بها كان ذلك بمنزلة الشهادة بالملك حتى يقضى القاضى للوارث والمودع بالتمليك فيصير ضامنا ولانه بالتجهيل يصير مسلطا غرماءه وورثته علي أخذها والمودع بمثل هذا التسليط يصير ضامنا كما لو دل سارقا على سرقتها ولانه التزم أداء الامانة ومن أداء الامانة بيانها عند موته وردها على المالك إذا طلب فكما يضمن بترك الرد بعد الطلب يضمن أياضا بترك البيان عند الموت. وابن أبى ليلي يقول هذا كله إذا علم قيامها عند الموت ولا يعرف ذلك ولكنا نقول قد علمنا بقاءها والتمسك بها هو المعلوم واجب ما لم يتبين خلافه * وربما يقول حق الغرماء كان في ذمته ويتحول بالموت إلى ماله وحق أصحاب الامانة لم يكن في ذمته في حياته فكيف يزاحمون الغرماء في ماله بعد موته. ولكنا نقول صار حقهم أيضا دينا قبل
[ 130 ]
سطر 37:
[ 134 ]
اضرار بالآخر (فان قيل) كان ينبغى أن يملك المستعير الاجارة ولا ينقطع حق المعير في الاسترداد بل يصير قيام حق المعير في الاسترداد عذرا في نقض الاجارة (قلنا) لو ملك المستعير الاجارة كان ذلك من مقتضيات عقد المعير وكان صحة العقد بتسليطه فلا يتمكن من نقضه بعد ذلك * وانما لا يشترط إعلام المدة أو المكان في الاعارة لان اشتراط ذلك في المعاوضات لقطع المنازعة وذلك لا يوجد في العارية لانه لا يتمكن بينهما منازعة إذا أراد المعير الاسترداد. ولان المعاوضات يتعلق بها صفة اللزوم وذلك لا يتحقق في غير المعلوم فأما العارية لا يتعلق بها صفة اللزوم فلهذا لا يشترط إعلام المكان ولا إعلام المدة ولا اعلام ما يحمل على الدابة وعند اطلاق العقد للمستعير ان ينتفع بالدابة من حيث الحمل والركوب كما ينتفع بدابة نفسه في قليل المدة وكثيرها ما لم يطالبه المالك بالرد لانه لا يؤاجرها فان آجرها صار غاصبا وكان الاجر له يتصدق به وقد بيناه في كتاب الغصب. وان هلكت بعد ما آجرها كان ضامنا لها فإذا لم يؤاجرها ولكنها هلكت في يده لم يضمن في أقوال علمائنا رحمهم الله سواء هلكت من استعماله أولا وهو قول عمر وعلى وابن مسعود رضوان الله عليهم وقال الشافعي رحمه الله ان هلكت من الاستعمال المعتاد لم يضمن وان هلكت لامن الاستعمال ضمن قيمتها للمالك وهو قول ابن عباس وأبى هريرة رضي الله عنهما. واحتج في ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} العارية مضمونة فقد جعل الضمان صفة للعارية فيقتضي ان يكون صفة لازمة لها كما ان الله تعالى لما جعل القبض صفة للرهن بقوله عز وجل فرهان مقبوضة اقتضى ان يكون ذلك صفة لازمة للرهن. واستعار رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} من صفوان دروعا في حرب هوازن فقال له أغصبا يا محمد قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} لابل عارية مضمونة مؤداة. وكتب في عهد بنى نجران وما تعار رسلي فهلكت على أيديهم فضمانها على رسلي. وقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} على اليد ما أخذت حتى ترد والاخذ انما يطلق في موضع يأخذ المرء لمنفعة نفسه وذلك موجود في العارية وهو المعنى الفقهى أنه لما قبض مال الغير لنفسه لا عن استحقاق تقدم فكان مضمونا عليه كالمغصوب والمقبوض على سوم الشراء والمستقرض. وهذا لانه لما لم يثبت بهذا العقد استحقاق تسليم العين عرفنا انه مقصور علي المنفعة لا يتعدى إلى العين فصار في حق العين كأنه قبضه بغير اذنه بخلاف الاجارة فقد تعدى العقد هناك إلى العين حتى تعلق به استحقاق تسليم العين. وبخلاف
[ 135 ]
الوديعة فان المودع لا يقبض الوديعة لمنفعة نفسه انما يقبضها لمنفعة المالك ولهذا لم يكن عليه مؤنة الرد وهو المعتمد لهم فان قبض العارية يوجب ضمان الرد حال قيام العين فيوجب ضمان القيمة حال هلاك العين كالقبض بطريق الغصب. يقرره أن ضمان الرد انما يلزمه لانه يسقط بالرد ضمان العين عن نفسه ولما لزمه ضمان الرد فعليه أداء ما لزمه ولا يتحقق أداء ذلك الا برد العين عند قيامه ورد القيمة عند هلاك العين ليصير به مؤديا ما لزمه من ضمان الرد وهذا بخلاف ما لو تلف في الاستعمال لان فعله في الاستعمال منقول إلى المالك فانه يستعمل بتسليط المالك فيحصل به الرد معنى * ويجوز ان يكون العين مضمونا عليه ثم يبرأ عن ضمانه بفعل يباشره بتسليط المالك كما لو غصب من غيره شاة فقال له المغصوب منه ضح بها فان هلكت قبل ان يضحي بها ضمنها وان ضحى بها لم يضمن شيئا. ولا يقال قبضه بتسليط المالك أيضا لانه يقبض من يد المالك لنفسه فلا يمكن أن يجعل فعله في القبض كفعل المالك. والدليل عليه أنه لو ضمن للمستحق لم يرجع على المعير ولو كان يد المستعير في العين كيد المعير لرجع عليه بالمودع. وحجتنا في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ليس على المستعير غير المغل ضمان ولا على المستودع غير المغل ضمان والمغل هو الخائن فقد نفى الضمان عن المستعير عند عدم الخيانة والمعنى فيه أنه قبض العين للانتفاع به باذن صحيح فلا يكون مضمونا عليه كالمستأجر. وتأثيره أن وجوب الضمان يكون للجبران وذلك لا يتحقق الابعد تفويت شئ على المالك وبالاذن الصحيح ينعدم التفوت. ألا ترى ان القبض في كونه موجبا للضمان لا يكون فوق الاتلاف ثم الاتلاف بالاذن لا يكون موجبا للضمان فالقبض أولى ولا يجوز أن يجب الضمان هناك باعتبار العقد لان العقد عقد تبرع فلا يكون عقد ضمان كالهبة. والدليل عليه ان ما تناوله العقد وهو المنفعة لا يصير مضمونا بهذا العقد فما لم يتناوله العقد أولى. ولان العقد على المنفعة إذا كان بعوض وهو الاجارة لا يوجب ضمان العين وتأثير العوض في تقدير حكم ضمان العقد فإذا كان العقد على المنفعة مقرونا بالعوض لا يوجب الضمان فالمتعرى عن العوض كيف يوجب الضمان. والدليل عليه أنه لو تلف في الاستعمال لم يضمن ولا يجوز ان يجعل فعله كفعل المالك لانه استعمل لمنفعة نفسه ولكن انما لا يضمن لوجود الاذن من المالك في الاستعمال فكذلك للقبض * وان قال بحكم الاذن من المالك في الاستعمال جعل استعماله
[ 136 ]
كاستعمال المالك فبحكم الاذن في القبض والاعطاء ينبغى أن يجعل قبضه كقبض المالك أيضا ووجوب ضمان الرد على المستعير ليس لما قال بل لان منفعة النقل حصلت له والرد فسخ لذلك النقل فكانت المؤنة على من حصلت له منفعة النقل ولهذا توجب مؤنة الرد على الموصى له بالخدمة أيضا فأما ضمان العين انما يجب علي من فوت شيئا على المالك. بقبضه كالغاصب ولم يوجد ذلك إذا كان القبض باذنه والمقبوض على سوم الشراء انما كان مضمونا ضمان العقد والاذن يقرر ضمان العقد ولان المالك هناك ما رضى بقبضه الا بجهة العقد ففيما وراء العقد كان المقبوض بغير اذنه. والمستقرض كذلك انما كان مضمونا بالعقد والاذن يقرر ضمان العقد وانما لا يرجع المستعير بضمان الاستحقاق لان الرجوع عند الاستحقاق بسبب الغرور أو بسبب العيب وذلك يختص بعقد المعاوضة فانه يقتضى السلامة عن العيب فأما عقد التبرع لا يقتضي ذلك ولهذا لا يرجع الموهوب له بضمان الغرور عندنا (وقوله) بأنه قبض العين لاعن استحقاق تقدم (قلنا) نعم ولكنه قبض العين بحق والموجب للضمان القبض بغير حق لما فيه من التفويت على المالك وكما أن القبض موجب للضمان فالاتلاف كذلك ثم الاتلاف انما يوجب الضمان إذا حصل بغير حق لااذا حصل بغير استحقاق تقدم فالقبض مثله * والمراد من قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} العارية مضمونة ضمان الرد ولانه جعل الضمان صفة للعين وحقيقة ذلك في ضمان الرد لانه يبقى ببقاء الرد وحديث صفوان فقد قيل انه أخذ تلك الدروع بغير رضاه وقد دل عليه قوله أغصبا يا محمد الا أنه إذا كان محتاجا إلى السلاح كان الاخذ له حلالا ثمة شرعا ولكن بشرط الضمان كمن اصابته مخمصة له أن يتناول مال الغير بشرط الضمان (وقيل) كانت الدروع أمانة لا هل مكة عند صفوان فاستعارها رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لحاجته إليها فكان مستعيرا من المودع وهو ضامن عندنا (وقيل) المراد ضمان الرد (وقوله) مؤداة تفسير لذلك كما يقال فلان عالم فقيه يعلم باللفط الثاني أن المراد بالاول علم الفقه (وقيل) كان هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} اشتراط الضمان علي نفسه والمستعير وان كان لا يضمن ولكن يضمن بالشرط كالمودع على ما ذكره في المنتقى ولكن صفوان كان يومئذ حربيا ويجوز بين المسلم والحربي من الشرائط ما لا يجوز بين المسلمين (وقيل) انما قال ذلك تطبيبا لقلب صفوان على ماروى انه هلك بعض تلك الدروع فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} ان شئت غرمناها لك فقال لا فانى اليوم
[ 137 ]
أرغب في الاسلام مما كنت يومئذ ولو كان الضمان واجبا لامره بالاستيفاء أو الابراء (وقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}}) وما يعار رسلي فهلك علي أيديهم أي استهلكوه لانه يقال هلك في يده إذا كان بغير صنعه وهلك على يده إذا استهلكه (وقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}}) على اليد ما أخذت حتى ترد يقتضى وجوب رد العين ولا كلام فيه انما الكلام في وجوب ضمان القيمة بعد هلاك العين * قال (وان استعار الدابة يوما الي الليل ولم يسم ما يحمل عليها لم يضمن إذا هلكت) لانه قبضها باذن صحيح ولكن ان أمسكها بعد مضي اليوم فهو ضامن لها لانه لما وقت فقد بين انه غير راض بقبضه اياها فيما وراء المدة فإذا أمسكها بعد مضى المدة كان ممسكا لها بغير رضا صاحبها فيضمنها كما في المودع إذا طولب بالرد فلم يرد حتى هلكت. وهذا بخلاف المستأجر فانه بعد مضى المدة إذا أمسكها لا يضمنها ما لم يطالبه صاحبها بالرد لان مؤنة الرد هناك ليست على المستأجر ولكنها على المالك فإذا لم يحضر المالك ليأخذها لم يوجد من المستأجر منع يصير به ضامنا. وهنا مؤنة الرد على المستعير فإذا أمسكها بعد مضى المدة فقد وجد منه الامتناع من الرد المتسحق عليه وذلك موجب ضمان المستعار عليه (وإذا لم يؤقت المالك ولكنه أعارها ليحمل عليها الحنطة فجعل ينقل عليها الحنطة أياما فلا ضمان عليه) لان الاذن من المالك مطلق فلا ينعدم حكمه الا بالنهي والمطالبة بالرد ولم يوجد * وان حمل عليها الآجر أو اللبن أو الحجارة فعطبت فهو ضامن لانه خالف ما أمره به نصا فصار غاصبا متسعملا بغير إذنه * وهذا المسألة على أربعة أوجه (أحدها) أن يحمل علها غير ما عينه المالك ولكنه مثل ماعينه في الضرر علي الدابة من جنسه بأن استعارها ليحمل عليها عشرة مخاتيم (3) من هذه الحنطة فحمل عليها عشرة مخاتيم من حنطة أخرى أو ليحمل عليها حنطة نفسه فحمل عليها حنصة غيره فلا ضمان عليه لان التقييد انما يعتبر إذا كان مفيدا وهذا التقييد والتعيين لا يفيد شيئا فان حنطته وحنطة غيره في الضرر عليها سواء (والثانى) أن يخالف في الجنس بأن استعارها ليحمل عليها عشرة أقفزة حنطة فحمل عليها عشرة أقفزة شعير. في القياس يكون ضامنا لانه مخالف فانه عند اختلاف الجنس لا تعتبر المنفعة والضرر. ألا ترى ان الوكيل بالبيع بألف درهم إذا باع بالف دينار لم ينفذ بيعه وفى الاستحسان لا يكون ضامنا لانه لا فائدة للمالك في تعيين الحنطة فان مقصوده دفع زيادة
(3) (مخاتيم) جمع مختوم وهذا الصاع كما في القاموس اه‍ مصححه
سطر 75:
[ 146 ]
المستعير والمستأجر يضمنان بالامساك فانه لو استعار أو استأجر دابة ليركبها إلى مكان كذا فأمسكها في المصر أياما كان ضامنا فكذلك إذا جاوز المكان المشروط فانما ضمناه بامساكها في غير الموضع الذى تناوله الاذن ولا ينعدم الامساك إلا بالرد. فأما المودع يصير ضامنا بالاستعمال لا بالامساك وقد انعدام الاستعمال حين عاد إلى الوفاق. يقول فان أقام صاحبها البينة أنها نفقت تحته في دير عبد الرحمن من ركوبه وأقام المستعير شاهدين أنه قد ردها الي صاحبها أخذت بينة رب الدابة لانها تثبت سبب تقرر الضمان على الراكب وبينة المستعير تنفى ذلك والبينات للاثبات * وإذا نفقت الدابة تحت المستعير ثم أقام رجل البينة انها دابته يقضي القاضي له بالملك لاثباته ذلك بالحجة ولا يسأله البينة أنه لم يبع ولم يهب لان ذلك لا يدعيه أحد والقاضى نصب لفصل لخصومات لا لانشائها فان ادعى ذلك الذى أراد أن يضمنه أوقال أذن لى في عاريتها يحلف على ذلك لانه ادعى عليه ما لو أقربه لزمه فإذا أنكر يستحلفه فان نكل كان نكوله كاقراره فلا يضمن المستحق أحدا وان حلف كان له أن يضمن أيهما شاء لان كل واحد منهما متعد في حقه المعير بالتسليم والمستعير بالقبض والاستعمال فان ضمن المعير لم يرجع على المستعير لانه ملكها من حين وجب عليه الضمان فيتبين انه أعار ملك نفسه وان ضمن المستعير لم يرجع على المعير أيضا لانه ضمن بفعل باشره لنفسهه بخلاف المودع ولانه لم يصر مغرورا من جهة المعير حين لم يشترط المعير لنفسه عوضا بخلاف المستأجر فقد صار مغرورا من جهة الاجر بمباشرته عقد الضمان واشتراط العوض لنفسه. ثم على المستأجر الاجر إلى الموضع الذى نفقت فيه الدابة لانه استوفى المعقود عليه وذلك للاجر دون الملك لان تقوم المنفعة كان بعقده وبه وجب الاجر * ولا بأس بأن يعير العبد التاجر والعبد الذى يؤدى الغلة الدابة. وفى القياس ليس لهما ذلك لانه تبرع والمملوك ليس من أهله فان تبرعه يكون بملك الغير ولانه صار منفك الحجر عنه في التجارة والاعارة ليست من التجارة في شئ * ووجه الاستحسان ان هذا من توابع التجارة فان التاجر لا يجد منه بدالانه إذا أراد الانسان أن يعامله فلابد أن يجلسه في حانوته أو يضع وسادة له وهو اعارة لذلك الموضع منه وقد يستعار منه الميزان أو صنجات الميزان فإذا لم يعر لان يعار منه عند حاجته أيضا * وما يكون من توابع التجارة يملكه المأذون كاتخاذ الضيافة اليسيرة والاهداء إلى المجاهدين بشئ. والاصل فيه ماروى أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} كان يجيب
[ 147 ]
سطر 90:
[ 151 ]
بسم الله الرحمن الرحيم (كتاب الشركة) (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله تعالى إملاء * الاصل في جواز الشركة ما روى أن السائب بن شريك جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فقال أتعرفني فقال صلوات الله وسلامه عليه وكيف لا أعرفك وكنت شريكي وكنت خير شريك لا تدارى ولا تمارى أي لا تداجي ولا تخاصم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} والناس يفعلون ذلك فأقرهم عليه وقد تعامله الناس من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} الي يومنا هذا من غير نكير منكر (ثم) الشركة نوعان ؟ شركة الملك. وشركة العقد (فشركة الملك) أن يشترك رجلان في ملك مال وذلك نوعان. ثابت بغير فعلهما كالميراث. وثابت بفعلها وذلك بقبول الشراء أو الصدقة أو الوصية والحكم واحد وهو أن ما يتولد من الزيادة يكون مشتركا بينهما بقدر الملك وكل واحد منهما بمنزلة الاجنبي في التصرف في نصيب صاحبه (وأما شركة العقد) فالجائز منها أربعة أقسام المفاوضة والعنان وشركة الوجوه وشركة التقبل ويسمى هذا شركة الابدان وشركة الصنائع (فأما العنان) فهو مشتق من قول القائل عن لى كذا أي عرض قال امرؤ القيس فعن لنا سرب كان نعاجه * عذارى دوارفي ملاء مذبل أي عرض. وزعم بعض أهل الكوفة ان هذا شئ أحدثه أهل الكوفة ولم يتكلم به العرب وليس كذلك فقد قال النابغة الجعدى وشاركنا قريشا في نقاها * وفي احسابها شرك العنان (وقيل) هو مأخوذ من عنان الدابة على معنى ان راكب الدابة يمسك العنان باحدى يديه ويعمل بالاخرى وكل واحد من الشريكين يجعل عنان التصرف في بعض المال إلى صاحبه دون البعض أو علي معنى ان للدابة عنانين أحدهما أطول والآخر أقصر فيجوز في
[ 152 ]
سطر 96:
[ 153 ]
صحيحة عندنا خلافا لزفر والشافعي رحمهما الله * وكذلك ان كان رأس مال أحدهما بيضا الآخر سودا لان الشركة في الملك لا تثبت هنا حين كانا لا يختلطان وعلى الرواية التى شرط زفر الخلط جواب هذه الفصل ظاهر على مذهبه وأما على الرواية التى لا يشترط ذلك نقول في هذين الفصلين ربما يظهر الربح لاحدهما دون الآخر بتغيير سعر أحد النقدين وذلك تقتضيه الشركة وعندنا موجب هذا العقد الوكالة وذلك صحيح مع اختلاف النقدين فانهما لو صرحا بالوكالة بأن يشترى أحدهما بهذه الدراهم على ان يكون المشترى بينهما ويشترى الآخر بهذه الدنانير على أن يكون المشترى بينهما كان صحيحا * فكذلك تصح الشركة بهذه الصفة (فأما شركة المفاوضة) فهي جائزة عندنا وقال مالك رحمه الله تعالى لا أعرف ما المفاوضة وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه ان كان في الدنيا عقد فاسد فهو المفاوضة وربما قال انه نوع من القمار فأما مالك رحمه الله فان كان لا يعرفها لغة فقد ببنا اشتقاقها وان كان لا يعرفها شرعا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} تفاضوا فانه أعظم للبركة وقال عليه الصلاة والسلام إذا فاوضتم فأحسنوا المفاوضة * وأما الشافعي رحمه الله فانه ينبنى على مذهبه ان الاصل شركة الملك وما هو موجب المفاوضة قط لا يثبت باعتبار شركة الملك فلهذا أفسدها وقال لانها تتضمن الكفالة بالمجهول للمجهول فان كل واحد منهما يكون كفيلا عن صاحبه فيما يلزمه بجهة التجارة والكفالة للمجهول بالمعلوم باطل فبالمجهول أولى * والذى يقول انه ضرب من القمار فانما يدخل ذلك على مذهب الثوري لانه يقول إذا ورث أحدهما مالا يكون ذلك مشتركا بينهما ولسنا نقول بذلك فلا يدخل ذلك على مذهبنا * وحجتنا في ذلك ان هذه الشركة تتضمن الكفالة والوكالة وكل واحد منهما صحيح مقصودا فكذلك في ضمن الشركة فأما الجهالة بعينها لا تبطل الكفالة ولكن تمكن المنازعة سببا وذلك منعدم هنا لان كل واحد منهما انما يصير ضامنا عن صاحبه ما لزمه بتجارته وعند اللزوم المضمون له والمضمون به معلوم ومثل هذا لا يوجد في شركة العنان فان التوكيل بشراء مجهول الجنس لا يصح مقصودا. ثم صحت شركة العنان وان تضمنت ذلك لان ما يشتريه كل واحد منهما غير مسمى في العقد فكذلك المفاوضة. ومن شروط هذه العقد ان يتساويا في رأس المال ولا يختص أحدهما بملك مال يصلح ان يكون رأس ماله في الشركة من النقود وأن يتساويا في الربح فلا يشترط لاحدهما زيادة على صاحبه لما بينا أن قضية اللفظ المساواة ثم في ظاهر هذه الرواية تصح هذه الشركة
[ 154 ]
من غير خلط المالين والمالان لا يختلطان كالدراهم والدنانير والسود والبيض وزفر رحمه الله لا يجوز هذه الشركة بدون خلط المالين برواية واحدة (قال) لانه لو جاز لكان كل واحد منهما مختصا بملك مال بعد عقد الشركة وذلك لا يجوز في هذه العقد (وقد) روى الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله ان هذه الشركة لا تجوز بمالين لا يختلطان لان المساواة شرط في هذا العقد والمساواة بين الدراهم والدنانير في المالية انما تكون بالتقويم وطريق ذلك الحزر والمساواة شرعا لا تثبت بهذا الطريق كالمساواة التى تشترط في مبادلة الاموال الربوية بجنسها وان كان رأس مال أحدهما بيضا ورأس مال الآخر سودا وبينهما تفاوت في الصرف لا يجوز هذا العقد في ظاهر الرواية لعدم المساواة (وذكر) إسماعيل بن حماد عن أبى يوسف رحمهم الله انه يجوز لانه لا قيمة للجودة في الاموال الربوية إذا قوبلت بجنسها وانما تعتبر المساواة في الوزن قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} جيدها ورديئها سواء * وروى الحسن عن أبى حنيفة ان المفاوضة لا تنعقد الا بلقظ المفاوضة حتى إذا لم يذكر لفظة المفاوضة كان عنانا عاما * والعنان قد يكون عاما وقد يكون خاصا. وتأويل هذا أن أكثر الناس لا يعرفون جميع أحكام المفاوضة فلا يتحقق منهما الرضا بحكم المفاوضة قبل علمهما به ويجعل تصريحهما بالمفاوضة قائما مقام ذلك كله فان كان المتعاقدان يعرفان أحكام المفاوضة صح العقد بينهما إذا ذكرا معنى المفاوضة وان لم يصرحا بلفظها لان المعتبر المعنى دون اللفظ (فأما شركة الوجوه) فهى صحيحة عندنا وباطلة عند الشافعي بناء علي أصله أن الاصل شركة الملك وذلك لا يوجد في شركة الوجوه. وعندنا شركة العقد تصح باعتبار الوكالة وتوكيل كل واحد منهما صاحبه بالشراء على أن يكون المشترى بينهما نصفين أو ثلاثا صحيح فكذلك الشركة التى تتضمن ذلك الا أن في هذا العقد لا يصلح التفاضل في اشتراط الربح بعد التساوى في ملك المشترى لان الذى يشترط له الزيادة ليس له في نصيب صاحبه رأس مال ولا عمل ولا ضمان فاشتراط جزء من ذلك الربح له يكون ربح ما لم يضمن ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن ذلك فان أراد التفاوت في الربح فينبغي أن يشترط التفاوت في ملك المشترى بأن يكون لاحدهما الثلث وللآخر الثلثان حتى يكون لكل واحد منهما الربح بقدر ملكه * وهذه الشركة عندنا تجوز عنانا ومفاوضة الا ان المفاوضة لا تكون الا باعتبار المساواة في المشترى والربح جميعا (فأما شركة التقبل) فهى صحيحة عندنا ولا تصح عند الشافعي رحمه الله بناء على أصله ان شركة الملك أصل ولا يوجد
[ 155 ]
ذلك في هذه الشركة فان الخلط في العمل لا يتحقق. ولكنا نقول جواز الشركة باعتبار الوكالة وتوكيل كل واحد منهما صاحبه بتقبل العمل صحيح فكذلك الشركة والناس تعاملوا بهذه الشركة وشركة الوجوه من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} إلى يومنا هذا من غير نكير وهو الاصل في جواز الشركة. ثم استحقاق الربح في طريق الشركة يكون بالمال تارة وبالعمل أخرى بدليل المضاربة فان رب المال يستحق نصيبه من الربح بماله والمضارب بعمله وذلك العقد شركة الاجارة بدليل انها لا تلزم وانه لا يحتاج فيها إلى بيان المدة فإذا صح عقد الشركة بين اثنين بالمال فكذلك يصح باعتبار العمل لان كل واحد منهما يستحق به الربح وسواء اتفقت الاعمال أو اختلفت عندنا. وقال زفر رحمه الله ان اتفقت الاعمال كالقصارين والصباغين إذا اشتركا يجوز وإذا اختلفت بان يشترك قصار وصباغ لا تجوز الشركة لان كل واحد منهما عاجز عن العمل الذى يتقبله صاحبه فان ذلك ليس من صنعته فلا يتحقق ما هو مقصود الشركة عند اختلاف الاعمال ولكنا نقول جواز هذه الشركة باعتبار الوكالة والتوكيل بتقبل العمل صحيح ممن يحسن مباشرة ذلك العمل وممن لا يحسن لانه لا يتعين على المتقبل اقامة العمل بيده بل له أن يقيم بأعوانه وأجرائه وكل واحد منهما غير عاجز عن ذلك فكان العقد صحيحا (وهذا) النوع من الشركة قد يكون عنانا وقد يكون مفاوضة عند استجماع شرائط المفاوضة ومعنى هذا أنه متى كان مفاوضة فان كل واحد منهما مطالب بما يلتزمه صاحبه بحكم الكفالة ومتى كان عنانا فانما يطالب به من باشر السبب دون صاحبه كما هو حكم الوكالة (إذا) عرفنا هذا فنقول. بدأ الكتاب ببيان شركة العنان وانهما كيف يكتبان كتاب هذه الشركة بينهما والشركة عقد يمتد فيستحب الكتاب في مثله ليكون حكما بينهما فيما يجرى من المنازعة قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) ثم المقصود بالكتاب التوثق والاحتياط فينبغي أن يكتب على أوثق الوجوه ويتحرز فيه من طعن كل طاعن ثم بدأ فقال (هذا ما اشترك عليه فلان وفلان) وبعض أصحاب الشروط عابوا عليه في هذا اللفظ فقال هذا إشارة إلى الصك فالاحوط أن يكتب هذا كتاب فيه ذكر ما اشترك فلان وفلان ولكن محمدا رحمه الله اتبع الكتاب والسنة فيما اختار قال الله تعالى (هذا ما توعدون) وهو إشارة إلى ما هو المقصود من الوعد للابرار والوعيد للفجار ولما اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} عبدا أمر أن
[ 156 ]
يكتب هذا ما اشترى محمد رسول الله من الغد بن خالد بن هوذة اليهودي (ولما) أمر صلى الله عليه وسلم{{ص}} بكتاب الصلح يوم الحديبية كتب على رضى الله تعالى عنه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} هذا ما اصطلح محمد بن عبد الله وسهل بن عمر وعلي أهل مكة * ثم قال (اشتركا على تقوى الله وأداء الامانة) فان هذا العقد عقد أمانة والمقصود تحصيل الربح و ذلك بالتقوى وأداء الامانة يحصل (ثم يبين مقدار رأس مال كل واحد منهما) لان عند القسمة لابد من تحصيل رأس مال كل واحد منهما ليظهر الربح فلابد من إعلام ذلك في كتاب الشركة ليرجعا إليه عند المنازعة * ثم قال (وذلك كله في أيديهما) وهذه إشارة إلى أن رأس المال ليس بغائب ولا دين بل هو عين في أيديهما * ومن الناس من شرط الخلط ومنهم من شرط أن يكون المال في أيديهما جميعا فللتوثق يذكر ذلك ويذكر أنهما يشتريان به ويبيعان جميعا في شئ ويعمل كل واحد منهما فيه برأيه ويبيع بالنقد والنسيئة * وعندنا هذا يملكه كل واحد منهما بمطلق عقد الشركة الا أن من العلماء من يقول لا يملك كل واحد منهما ذلك ما لم يصرحا به في عقد الشركة فللتحرز عن قول هذه القائل يكتب هذا (ثم يذكر فما كان فيه من ربح فهو بينهما على قدر رؤس أموالهما وما كان من وضيعة أو تبعة فكذلك) ولا خلاف ان اشتراط الوضيعة بخلاف مقدار رأس المال باطل واشتراط الربح صحيح عندنا خلافا للشافعي رضي الله تعالى عنه علي ما نبينه وأما مكاتبة علي بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه قال الربح على ما اشترطا والوضيعة على المال وانما يذكر هذا ليكون أبعد عن الاختلاف. ولكن انما يكتب هذا إذا كان الشرط بينهما هكذا ثم قال (اشتركا على ذلك في شهر كذا من سنة كذا) وانما بتبيين التاريخ تنقطع المنازعة حتى لا يدعى احدهما لنفسه حقا فيما اشتراه قبل هذا التاريخ (وكتب) التاريخ في زمن عمر رضى الله تعالي عنه فانه شاور الصحابة رضوان الله عليهم في التاريخ من أي وقت يعتبرونه فمنهم من قال من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ومنهم من قال من وقت مبعثه ومنهم من قال من وقت موته ثم اتفقوا على التاريخ من وقت الهجرة وهو المعروف الذى يتعامل عليه الناس إلى يومنا هذا قال (ولا يجوز أن يفضل احدهما صاحبه في الربح لا في المال العين أو العمل بأيديهما أو في الذى ليس فيه شراء شئ بتأخير فأما في المال العين إذا تساويا في رأس المال واشترطا ان يكون الربح بينهما أثلاثا أو تفاوتا في رأس المال فكان لاحدهما الف وللآخر ألفان واشترطا أن يكون الربح بينهما نصفين يجوز عندنا وعلى قول زفر
[ 157 ]
والشافعي رحمهما الله تعالى لا يجوز. أما عند الشافعي رحمه الله تعالى فلان شركة الملك على مذهبه أصل وفى شركة الملك لا يجوز أن يستحق أحدهما شيئا من برح ملك صاحبه فكذلك في شركة العقد * واعتبر الربح بالوضيعة فهى بينهما على قدر رؤس أموالهما واشتراطهما خلاف ذلك باطل فكذلك الربح ولكنا نقول استحقاق الربح بالشرط فانما يستحق كل واحد منهما بقدر ما شرط له لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} المسلمون عند شروطهم * ثم جواز هذا العقد لحاجة الناس إليه والحاجة ماسة إلى هذا الشرط فقد يكون أحدهما أحذق من الآخر في وجوه التجارة فلا يرضى بأن يساويه صاحبه في استحقاق الربح مع حذاقته وخرق صاحبه * ثم الربح يستحق بالعمل بدون المال وهو في المضاربة فبالعمل مع المال أولي (ثم) الوضيعة هلاك جزء من المال. وكل واحد منهما أمين فيما في يده من مال صاحبه واشتراط الضمان على الامين باطل ألا ترى ان في المضاربة لا يجوز اشتراط شئ من الوضيعة علي المضارب ولهذا يقول زفر رحمه الله ان التساوي في الربح مع التفاضل في رأس المال لا يجوز هنا لانه لو جاز انما يجوز بالقياس علي المضاربة علي معنى ان صاحب الالفين يشترط جزأ من الربح للآخر بعمله فيه ومثل هذا في المضاربة لا يجوز لان المال في أيديهما هنا والعمل مشروط عليهما وفي المضاربة لو شرط العمل على رب المال أو كون المال في يده لا يجوز ولكنا نقول موجب المضاربة التخلية بين المضارب وبين رأس المال فيكون أمينا عاملا فيه وذلك ينعدم بهذا الشرط فأما موجب الشركة ليس هو التخلية بين احدهما والمال فهذا الشرط لا يؤدى إلى ابطال موجب الشركة ليس (ثم) حكم المضاربة هنا ثبت تعبا للشركة وقد يثبت الشئ حكما على وجه لا يجوز اثباته قصدا كالكفالة الثابتة في ضمن المفاوضة * وكذلك في العمل بأيديهما يجوز شرط التفاضل في الربح عندنا للحاجة إلى ذلك فقد يكون أحدهما أحذق في العمل من الآخر * فأما قوله أو في الذى ليس فيه شراء شئ بتأخير فهو إشارة إلى شركة الوجود فان التفاضل في الربح هناك لا يجوز عند اشتراط التساوى في ملك المشترى لان ذلك ربح ما لم يضمن وقد بينا ذلك * وقال (والشريكان في العمل إذا غاب أحدهما أو مرض أو لم يعمل وعمل الآخر فالربح بينهما على ما اشترطا) لما روى ان رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فقال أنا أعمل في السوق ولي شريك يصلى في المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لعلك بركتك منه. والمعنى ان استحقاق الاجر بتقبل العمل دون مباشرته والتقبل كان
[ 158 ]
سطر 141:
[ 168 ]
في ذلك غير أمين ولكن إذا دخل في ملكه ظاهرا مثل ما لزمه صح الزامه اياه وذلك بمباشرة الشراء لا باقراره فكذلك هنا كل واحد منهما في مباشرة الشراء يلزم ذمة صاحبه مثل ما يدخله في ملكه ظاهرا فاما في الاقرار لا يدخل شيئا في ملك شريكه ظاهرا فلا يصدق في الزام شئ في ذمته والقول قول الشريك لانكاره بعد أن يحلف وانما يحلف على العلم لانه استحلاف علي فعل الغير وهو شراء المدعى والحلف على فعل الغير يكون على العلم كما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في حديث القسامة يحلف لكم اليهود خمسين يمينا بالله ما قتلوه ولا علموا له قاتلا. قال (وان أقام البينة على الشراء والقبض ثم ادعى هلاك المتاع فالقول قوله مع يمينه على الهلاك) لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ثم هو أمين في المقبوض من نصيب صاحبه فيكون القول قوله في الهلاك مع يمينه ويتبع شريكه في نصف الثمن لان هلاك المشترى في يد الوكيل إذا لم يمنعه من الموكل كهلاكه في يد الموكل * وكذلك إذا اشتريا متاعا وقبضاه ثم قبضه أحدهما ليبيعه وقال قد هلك فهو مصدق مع يمينه لانه وكيل بالبيع في نصف صاحبه والوكيل بالبيع أمين فيما في يده فالقول في هلاكه قوله مع يمينه. قال (وإذا اشتركا بغير مال على ان ما اشترياه من شئ فهو بينهما نصفين ولاحدهما بعينة ثلثا الربح وللآخر الثلث فالشركة جائزة والشرط باطل) لان أحدهما شرط لنفسه جزأ من ربح ملك صاحبه وهو غير ضامن لشئ من نصيب صاحبه وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن ربح ما لم يضمن ولكن أصل الشركة لا تبطل بالشرط الفاسد فيجوز بيع كل واحد منهما فيما اشترى والربح بينهما نصفين على قدر ملكهما في المشترى. قال (وإذا اشتركا شركة عنان بأموالهما أو بوجوههما فاشترى أحدهما متاعا فقال الشريك الذى لم يشتره هو من شركتنا وقال المشترى هو لى خاصة وانما اشتريته بمالى لنفسي قبل الشركة فالقول قول المشترى) لان الظاهر شاهد له والاصل أن يكون كل أحد عاملا لنفسه ما لم يقم دليل على عمله لغيره ولان سبب الملك له في المشترى ظاهر والآخر يدعى استحقاق بعض ما في يده عليه فكان القول قول المنكر مع يمينه بالله ما هو من شركتنا (فان قيل) قيام عقد الشركة بينهما في هذا النوع دليل ظاهر علي ان المشترى بينهما فهو في قوله اشتريته قبل عقد الشركة يدعى لنفسه تاريخا سابقا في الشراء ومثل هذا التاريخ لا يثبت الا بحجة (قلنا) نعم هذا نوع ظاهر يشهد للآخر ولكن الظاهر
[ 169 ]
سطر 156:
[ 173 ]
ببيع نصف العبد يملك بيع نصف ذلك النصف فلهذا كان جميع الثمن ونصف العبد بينه وبين شريكه نصفين وعندهما لا يمكن تصحيح تصرفه في النصيبين لان الوكيل ببيع نصف العبد لا يبيع نصف ذلك النصف فينصرف بيعه إلى نصيب نفسه لتصحيح تصرفه. قال (رجل اشترى عبدا وقبضه ثم قال لرجل آخر قد اشركتك في هذا العبد على أن تنقد الثمن عنى ففعل كانت هذه الشركة فاسدة) لانه ملكه نصف العبد بيعا بنصف الثمن وشرط فيه أن ينقد جميع الثمن عنه ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن بيع وشرط فيبطل هذا البيع بينهما لمكان الشرط وان نقد عنه الرجل رجع عليه بما نقد عنه لانه قضى دينه بأمره ولا شئ له في العبد لان الاشراك كان فاسداو البيع الفاسد بدون القبض لا يوجب شيئا. قال (رجل اشترى نصف عبد بمائة درهم واشترى رجل آخر نصف ذلك العبد الباقي بمائتي درهم ثم باعاه مساومة بثلثمائة درهم أو بمائتي درهم فالثمن بينهما نصفين ولو باعاه مرابحة بربح مائة درهم أو قال بالعشرة أحد عشر كان الثمن بينهما أثلاثا) وكذلك لو ولياه رجلا برأس المال أو باعاه بوضيعة كذا فالثمن بينهما أثلاثا لان الثمن في بيع المساومة بمقابلة الملك حتى يعتبر الملك هو في المحل دون الثمن الاول حتى لو كان موهوبا أو كان مشترى بعرض لا مثل له يجوز بيعه مساومة فعرفنا ان الثمن بمقابلة الملك وهما يستويان في ملك العبد فيستويان في ثمنه. وأما بيع المرابحة والتولية والوضيعة باعتبار الثمن الاول ألا ترى انه لا تستقيم هذا البيوع في الموهوب والموروث وفى المشتري بعرض لا مثل له والثمن الاول كان أثلاثا بينهما فكذلك الثاني. يوضح الفرق أن في بيع المرابحة لو اعتبرنا الملك في قيمة الثمن دون الثمن الاول كان البيع مرابحة في حق أحدهما وضيعة في حق الآخر وقد نصا على بيع المرابحة في نصيبهما فلابد من اعتبار الثمن الاول كذلك بخلاف بيع المساومة. قال (وإذا اشترك الرجلان شركه عنان في تجارة علي أن يشتريا وبيبعا بالنقد والنسيئة فاشترى أحدهما شيئا من غير تلك التجارة فهو له خاصة لان كل واحد منهما بحكم الشركة يصير وكيل صاحبه والوكالة تقبل التخصيص فإذا خصا نوعا كان كل واحد منهما في شراء ما سوى ذلك كالأجنبي عن صاحبه فيكون مشتريا لنفسه خاصة فأما في ذلك النوع فبيع كل واحد منهما وشراؤه بالنقد والنسيئة ينفذ علي صاحبه لانهما صرحا بذلك وهكذا لو لم يصرحا فان بمطلق التوكيل يملك الوكيل البيع والشراء بالنقد والنسيئة على الموكل فكذلك بمطلق الشركة الا أنه إذا اشترى أحدهما بالنسيئة
[ 174 ]
سطر 177:
[ 180 ]
اقامة ما يقبل ببدنه ولكن له أن يقمه بأعوانه واحزابه وهو يقدر له على ابقاء ما التزمه بهذا الطريق فلهذا كان مطالبا بحكم الكفالة والله سبحانه وتعالى أعلم باب بضاعة المفاوض قال (ولاحد المتفاوضين أن يبيع بضاعة مع رجل وأن يدفع مضاربة وان يودع) وقد بينا ان شريك العنان يملك هذا فالمفاوض أولي لانه أعم تصرفنا منه. قال (وليس له أن يقرض لان الاقراض تبرع) وكل واحد من المتفاوضين انما قام مقام صاحبه في التجارة في مال الشركة دون التبرع ألا ترى انه لا يملك الهبة ولا الصدقة في نصيب صاحبه فالاقتراض في كونه تبرعا كالصدقة أو فوقه قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} الصدقة بعشرة أمثالها والقرض بثمانية عشر. وقيل انما جعل الثواب في القرض أكثر لان ملتمس القرض لا يأتيك الا محتاجا والسائل للصدقه قد يكون محتاجا وقد يكون وغير محتاج (وذكر) الحسن ان على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالي لاحد المتفاوضين أن يقرض مال المفاوضة من رجل ويأخذ منه ما نتحققه به وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى ليس له ذلك وجعل هذا بمنزلة الكفالة من يحث انه متبرع في الاداء ولكن يرجع بمثله كما ان الكفيل متبرع في الالتزام ولكن يرجع بمثل ما يؤدى. ثم من أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان أحد المتفاوضين إذا كفل بمال يلزم شريكه ويجعل معنى المفاوضة في ذلك راجحا لذلك الاقرار وعندهما كفالة أحد المتفاوضين لا يلزم شريكه وجعلا معنى التبرع فيه راجحا لذلك في الاقرار. قال (فان أقر ض أحدهما فهو ضامن نصف ما أقرض لشريكه) لانه متعد في نصيب شريكه بتصرفه في المال علي غير ما هو مقتضى الشركة ولكن لا يفسد ذلك المفاوضة لان المضمون له انما اختص بملك دين وذلك غير مفسد للمفاوضة ما لم يقبضه ولان المقترض مستوجب مثل ذلك عن المستقرض فكانت المساواة بينهما قائمة. قال (وليس له أن يعير دابة بغير رأيه من شركتهما في القياس) لان الاعارة تبرع بالمنفعة بغير بدل فهو كالتبرع بالعين بغير بدل كالهبة وذلك خلاف ما تقتضيه المفاوضة قال (فإذا فعل فعطبت الدابة تحت المستعير كان المعير ضامنا نصف قيمة الدابة لشريكه في القياس) لانه متعد في نصيبه بالتسليم إلى المستعير ولكن استحسن فقال له أن يعير ولا ضمان عليه لان الاعارة من توابع التجارة فان التاجر لا يجد بدامنه
[ 181 ]
سطر 216:
[ 193 ]
ولكنه استحسن فقال هذا من توابع التجارة وهما لا يجد التاجر منه بدا ألا ترى أن العبد المأذن يدعو المجاهدين إلى طعامه ويهدى إليهم المطعوم ليجتمعوا عنده والمأذون غير مالك لشئ من المال انما هو تاجر والمفاوض تاجر مالك لنصف المال فلان يملك ذلك كان أولى وذكر حديث سلمان الفارسى رضى الله عنه قال اهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وأنا عبد قبل ان أكاتب فقبل ذلك منى وحديث الاخرس بن حكيم عن أبيه رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أجاب دعوة عبد وقال أبو سعيد مولي أبى أسيد رضى الله عنه قال عرست وأنا عبد فدعوت رهطا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ورضي الله عنهم فيهم أبو ذر رضى الله عنه وعنهم فأجابوني قال (ولو كسا المفاوض رجلا ثوبا أو وهب له دابة أو وهب له الفضة والذهب والامتعة والحبوب كلها لم يجز في حصة شريكه) لانه تبرع وانما استحسن ذلك في الفاكهة واللحم والخبز واشباه ذلك مما يؤكل لانه اهداء ذلك إلى المجاهدين من صنيع التجار فأما في سائر الاموال الهبة ليس من صنيع التجار والمرجع في معرفة الفرق بينهما إلى العرف. قال (ولو اعار أحدهما دابة فركبها المستعير ثم اختلفا في الموضع الذى ركبها إليه وقد عطبت الدابة فانها صدقة في الاعارة إلى ذلك الموضع وبرئ المستعير من ضمانها) لان اقرار احدهما فيما هو مملوك لهما بحكم المفاوضة كاقرارهما. قال (ولو استعار أحدهما دابة ليركبها إلى مكان معلوم فركبها شريكه فعطبت فهما ضامنان) لان ركوب الدابة تتفاوت فيه الناس وصاحبها انما رضى بركوب المستعير دون غيره فالآخر في ركوبها غاصب ضامن إذا هلكت. وقد بينا أن ما يجب من الضمان على أحدهما بحكم الغصب فالآخر مطالب به فان كان ركبها في حاجتهما فالضمان في مالهما لان منفعة ركوبه ترجع اليهما فيما يجب من الضمان بسببه يكون في مالهما لان الغرم مقابل بالغنم * وان ركب في حاجة نفسه فهما ضامنان لما قلنا الا أنهما ان أذناه من مال الشريك رجع الشريك على الراكب بنصيبه من ذلك لان منفعة الركوب حصلت للراكب فكان قرار الضمان عليه بمنزلة غصب اغتصبه أو طعام اشتراه فأكله وقد أدى الثمن من شركتهما فبقى الثمن دينا عليه * قال (وإذا استعار أحدهما دابة ليحمل عليها طعاما له خاصة لرزقه إلى مقام معلوم فحمل عليها شريكه مثل ذلك إلى ذلك المكان من شركتهما أو لخاصتهما فلا ضمان عليه) من قبل أن التقييد الذى ليس بمفيد لا يكون معتبرا والضرر على
[ 194 ]
سطر 297:
[ 220 ]
في هذه كالدابة اعتبار المنفعة العين بالعين والله سبحانه وتعالى أعلم. (كتاب الصيد) قال (الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله املاء: إعلم بان الاصطياد مباح في الكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا وأدنى درجات صفة الامر الاباحة وقال الله تعالى أحل لكم صيد البحر الآية والسنة قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} الصيد لمن أخذه فعلى هذا بيان ان الاصطياد مباح مشروع لان الملك حكم مشروع فسببه يكون مشروعا وهو نوع اكتساب وانتفاع بما هو مخلوق لذلك فكان مباحا ويستوى ان كان الصيد مأكول اللحم أوغير مأكول اللحم لما في اصطياده من تحصيل المنفعة بجلده أو دفع أذاه عن الناس. والحيوانات نوعان، نوع منها مالادم له فلا يحل تناول شئ منها الا السمك والجراد لان شرط يناول الحيوانات الذكاة شرعا وذلك لا يتحقق له فيما لادم له الا أن السمك والجراد مستثنى بالنص مما شرط فيه الذكاة لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أحلت لنا ميتتان ودمان أما الميتتان فالسمك والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال. وماله دم نوعان مستأنس ومستوحش فالذي يحل تناوله من المستأنس بالاتفاق الانعام وهى الابل والبقر والغنم والدجاج وذلك ثابت بالكتاب قال الله تعالى والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون وقال تعالى جعل لكم الانعام لتركبوا منها ومنها تأكلون وفيما سواها من المتأنس نبينه في موضعه ان شاء الله تعالى. والمستوحش نوعان منها صيد البحر لا يحل تناول شئ منها سوي السمك ومنها صيد البحر ويحل تناولها الا ماله ناب أو مخلب لنهى النبي صلي الله عليه وسلم عن أكل كل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من الطير ولمعنى الخبث فيهما فان من طبعهما الاختطاف والانتهاب فلابد من ظهور أثر ذلك في خلق المتناول للغذاء من الاثر في ذلك كما قال صلي الله عليه وسلم لا ترضع لكم الحمقاء فان اللبن يعدى والمستخبث حرام بالنص لقوله تعالى ويحرم عليهم الخبائت ولهذا حرم تناول الحشرات فانها مستخبثة طبعا وانما أبيح لنا أكل الطيبات قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقاناكم فقد أكرم المؤمنين بهذا الخطاب حيث خاطبهم بما خاطب به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم حيث
[ 221 ]
سطر 303:
[ 222 ]
شرط ولان التذكية انما تكون موجبا للحل إذا حصل من الآدمى فلابد من جعل آلة الصيد نائبا عن الآدمى ليحصل الحل بفعله وذلك لا يكون الا بالارسال واشتراط كونه معلما لتحقق الارسال فيه (والرابع) التسمية (والخامس) امساكه على صاحبه لقوله تعالى فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ومطلق الامر مفيد للوجوب ولا يجب التسمية عند الاكل فعرفنا أن المراد به عند الارسال (والسادس) أن يكون الصيد مما يباح تناوله ويكون ممتنعا ومستوحشا (والسابع) أن لا يتواري عن بصره أولا يقعد عن طلبه حتى يجده لانه إذا غاب عن بصره فلا يدرى لعل موته كان بسبب آخر سوى جرح ما أرسله واليه أشار ابن عباس رضى الله تعالى عنهما بقوله كل ما أممت ودع ما أيمنت والامماء ما رأيته والايماء ما غاب عنك وإذا قعد عن طلبه فلا يدرى لعله لو تبعه وقع في يده حياء وقدر على ذبحه في المذبح وترك ذلك مع القدرة عليه محرم والاصل فيه انه متي اجتمع في الصيد لعل وعسى أن لا يحل تناوله. واليه أشار النبي صلي الله عليه وسلم لعدى بن حاتم رضى الله عنه إذا وقعت رميتك في الماء فلا تأكل فانك لا تدرى أن الماء قتله أو سهمك. إذا عرفنا هذا فنقول كما يشترط فيما أرسله الصياد أن يكون خارجا فكذلك فيما يرمى به وبها الكتاب ببيانه مروى عن إبراهيم رحمه الله إذا خرق المعراض فكل وإذا لم يخرق فلا تأكل والمعراض سهم لا نصل له الا أن يكون رأسه محددا وقيل سهم لاريش له فربما يصيب السهم عرضا يندق ولا يخرج وهو مروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فانه سئل عن صيد المعراض فقال صلوات الله وسلامه عليه ما أصاب بحده فجرح فكل وما أصاب بعرضه فلا تأكل والحرق هو الخرق الا أن لفظة الحرق تستعمل فيما لا حياة له كالثوب ونحوه ولفظة الخرق تسعمل في الحيوان وقد بينا أن الحل باعتبار تسييل الدم النجس وذلك يحصل إذا خرق ولا يحصل إذا دق ولم يخرق فان ذلك في معنى الموقوذة وهو حرام بالنص (وذكر) عن رجل قال كانت لبعض أهل الحى نعامة فضربها انسان فوقذها فألقاها على كناسة وهى حية فسألنا سعيد بن جبير فقال ذكوها وكلوها وبه نقول فان الموقوذة إذا أدرك ذكاتها جازتناو لها لقوله تعالى الا ما ذكيتم ولحصول ما هو المقصود وهو تسييل الدم النجس ومنه دليل اباحة تناول النعامة وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه سئل عن الكلب يقتل الصيد فقال كل وان أكل الكلب منه فلا تأكل فانه
[ 223 ]
امسك على نفسه لانه يضرب حتى يترك الاكل وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله قالوا الكلب إذا أكل من الصيد الذى أخذه يحرم تناوله وقال مالك رحمه الله تعالي لا يحرم وهو أحد قولى الشافعي رضى الله تعالى عنه لحديث أبى ثعلبة الخشنى ان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال في صيد الكلب كل وان أكل الكلب منه ولانه تناول اللحم دون الصيد لانه يقتل الصيد أولا فيخرج من أن يكون صيدا وتناول الكلب من لحم الصيد لا يحرم ما بقى منه على صاحبه كما لو فتش في مخلاة صاحبه وتناول شيئا من القديد من لحم الصيد. وحجتنا في ذلك قوله تعالى فكلوا مما أمسكن عليكم وحين أكل منه فقد تبين انه أمسكه على نفسه لا على صاحبه حين لا يتركه حتى يشبع منه واليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في قوله لعدى ابن حاتم رضى الله عنه فان أكل منه فلا تأكل فانما امسك على نفسه وتأويل حديث أبى ثعلبة الخشنى رضى الله عنه ان صح أنه كان قبل نزول الآية ثم انتسخ أو مراده إذا ولغ في دم الصيد وعندنا ذلك القدر لا يحرم ثم قد بينا ان ثبوت الحل بفعله باعتبار أنه نائب عن صاحبه وينعدم ذلك إذا أكل منه لانه تبين أن سعيه كان لمنفعة نفسه فهو كما لو انعدم الارسال أصلا (ثم) ذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما في البازى يقتل الصيد ويأكل منه قال كل وقال تعليم البازى أن تدعوه فيجيبك ولا تستطيع أن تضربه حتى يترك الاكل وبه نأخذ وفي أحد قولى الشافعي رحمه الله تعالى البازى والكلب إذا أكل من الصيد لا يحل لما بينا أنه يمسك على نفسه وليس بنائب عن صاحبه ولكن الفرق بينهما عندنا علي وجهين (أحدهما) أن جثة الكلب تحتمل الضرب فيمكن أن يضرب ليدع الاكل وجثة البازي لا تحتمل الضرب وقد بينا أن التكليف بحسب الوسع (والثانى) ان الكلب ألوف وعلامته علمه أن يأتي بما يكون مخالفا لطبعه واجابته صاحبه إذا دعاه غير مخالف لطبعه فلا يكون دليلا على علمه بل يكون علامة علمه ترك الاكل عند حاجته إليه لان ذلك خلاف طبعه فإذا أكل منه لم يكن معلما والشرط في صيد الكلب أن يكون معلما والبازى متنفر فأجابته صاحبه إذا دعاه خلاف طبعه فيجعل ذلك علامة علمه دون ترك الاكل فهو وان أكل فهو وان أكل منه فلا يتبين به أنه غير معلم ولكن هذا الفرق لا يتأتى في الفهد والنمر فانه مستوحش كالبازي ثم الحكم فيه وفى الكلب سواء فالمعتمد هو الاول وعن ابن عباس رضي الله عنهما في الكلب يشرب من دم الصيد ولا يأكل منه فقال لا بأس بأكل الصيد وبه نأخذ وكان ابن أبى ليلي رحمه الله يقول يحرم بذلك (15 مبسوط حادى عشر)
[ 224 ]
لان دم الصيد جزء منه كلحمه فتبين شربه من دمه أنه أمسكه على نفسه ولكنا نقول هذا دليل ما حذقه في كونه معلما لانه شرب ما يعلم أن صاحبه لا يرغب فيه ولا يمنعه منه وأمسك عليه ما يعلم رغبته فيه فكان ذلك دليل علمه وامساكه على صاحبه ما يحتاج إليه صاحبه ولا يحرم تناول الصيد بخلاف مالو أكل من لحمه وعن إبراهيم رحمه الله في كلب المجوسى أو بازيه يصيد به المسلم قال لا بأس به لان الصياد مرسل الكلب لا مالك الكلب ومرسل الكلب مسلم من أهل التسمية والكلب آلة الاصطياد فاصطياد المسلم به يوجب الحل فان كان للمجوسي كاصطياده بقوسه وسهمه (وعنه) في الرجل يرسل كلبه فيذهب معه كلب آخر غير معلم فيرد عليه الصيد ويأخذ الصياد معه قال لا يؤكل وبه نأخذ لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لعدى بن حاتم رضى الله تعالى عنه وان شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل فانك انما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك ولان إرسال الكلب من شرائطه الحل والعدامه يوجب الحرمة والصيد صار مأخوذا بالكلبين والاصل انه متى اجتمع موجب الحل وموجب الحرمة يغلب الموجب للحرمة لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ما اجتمع الحلال والحرام في شئ الا غلب الحرام الحلال وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه. قال من رمى صيدا فتردى من جبل فلا يأكله فانى أخاف أن يكون التردي قتله وان رمى طيرا فوقع في ماء فلا تأكله فانى أخاف ان يكون الغرق قتله وبه نأخذ لما روى عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال لعدى بن حاتم رضى الله تعالى عنه إذا وقعت رميتك في الماء فلا تأكل فانك لا تدرى أن الماء قتله أم سهمك ولان التردي موجب للحرمة. فان الله تعالى ذكر جملة المحرمات المتردية وعند اجتماع معنى الموجب للحل ومعنى الموجب للحرمة يغلب الموجب للحرمة وهذا بخلاف مالو رمى طيرا في الهواء فوقع على الارض ومات فانه يؤكل وان كان من الجائز أنه مات بوقوعه على الارض فان ذلك لا يستطاع الا متناع عنه فيكون عفوا والتكليف بحسب الوسع بخلاف الوقوع في الماء والتردى من موضع فانه يستطاع الامتناع عنه ويستوى في ذلك طير الماء و غيره لان طير الماء يعيش في الماء غير مجروح فأما بعد الجرح يتوهم ان يكون الماء قاتلا له كما يتوهم بغيره وهذا بخلاف ما لو ذبح شاة وتردى بعد الذبح من موضع أو وقعت في ماء لان قطع الحلقوم والاوداج زكاة مستقرة فانه يحادى بالموت عليه دون ما يتعرض بعده فأما الرمى ليس بزكاة مستقرة حتى إذا وقع الصيد في
[ 225 ]
يد الرامى حيا لم يحل الا بالذبح فلهذا كان التردي من الجبل والوقوع في الماء محرما له * وعن عبد الله بن يزيد قال سألت سعيد بن المسيب رضى الله تعالى عنه عن شئ كان قومي يصفونه بالبادية ينصبون السنان فيصبح وقد قتل الضبع فقال لي وانك ممن يأكل الضبع قلت ما أكلتها قط فقال رجل عنده حدثنا أبو الدرداء رضى الله تعالى عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} نهى عن أكل كل ذى خطفة وهبة ومجثمة وعن كل ذي ناب من السباع فقال ابن المسيب رضى الله تعالى عنه صدقت. وفي هذا دليل على أن الضبع غير مأكول اللحم وهو مذهبا. وقال الامام الشافعي رحمه الله تعالى ولا باس بأكل الضبع لحديث جابر رضى الله تعالي عنه أن سئل عن الضبع أصيد هو قال نعم فقيل يؤكل لحمه قال نعم فقيل أشئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال نعم. وحجتنا في ذلك الحديث الذى روينا وحديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} نهى عن أكل كل ذى ناب من السباع ومخلب من الطير ولانه ذو ناب يقاتل بنابه فلا يؤكل لحكه كالذئب وتأثيره ما ذكرنا أنه مستخبث باعتبار ما فيه من القصد إلى الاذى والبلادة فيدخل في جملة قوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث. وحديث جابر رضي الله تعالى عنه ان صح فتأويله انه كان في زمن الابتداء ثم انتسخ بنزول الآية وهذا لان الحرمة ثابتة شرعا فما يروى من الحل يحمل على أنه كان قبل ثبوت الحرمة ولا خلاف في أن الضبع صيد بحسب الجزاء على المحرم بقتله عندنا لانه صيد وعنده لانه مأكول اللحم فأما معنى حديث أبى الدرداء رضي الله عنه فالمراد بالخطف ما يختطف بمخلبه من الهواء كالبازي والعقاب والشاهين والمنهبة ما ينتهب بنابه من الارض كالاسد والذئب والفهد والنمر وفي ذكر هذين الموضعين اشاره إلى معنى الحرمة حتى لا يسرى إلى الاكل هذا الخلق الدرئ وفى المحتمة روايتان بالفتح والكسر ومعنى الرواية بالفتح ما يحتم عليه الكلب فيقتله غما لاجرحا فذلك الصيد حرام لانعدام معنى الذكاة فيه ومعنى الرواية بالكسر ما يحتم على الصيود كالذئب والاسد والفهد فانه غير مأكول ومعنى قوله وعن كل ذى ناب من السباع ما يقصد بنابه ويدفع به فأما أصل الناب يوجد لكل صيد فعرفنا ان المحرم ما بينا. وعن إبراهيم رحمة الله تعالى قال كانوا يكرهون كل ذى مخلب من الطير وما أكل الجيف وبه نأخذ لان كل ما يأكل الجيف كالفراق والغراب الابقع مستخبث طبعا فيدخل تحت قوله
[ 226 ]
ويحرم عليهم الخبائث (وعن) هشام بن عروة عن أبيه أنه سئل عن أكل الغراب فقال ومن ياكله بعد ما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فاسقا يريد به الحديث المعروف خمس فواسق يقتلهم المحرم في الحل والحرام وذكر الغراب من جملتها والمراد به ما يأكل الجيف وأما الغراب الزرعى الذى يلتقط الحب فهو طيب مباح لانه غير متسخبث طبعا وقد يألف الآدمى كالحمام فهو والعقعق سواء ولا بأس بأكل العقعق فان كان الغراب بحيث يخلط فيأكل الجيف تارة والحب تارة فقد روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه يكره لانه اجتمع فيه الموجب للحل والموجب للحرمة (وعن) أبى حنيفة رحمه الله تعالى انه لا بأس بأكله وهو الصحيح على قياس الدجاجة فانه لا بأس بأكلها وقد أكلها رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وهى قد تخلط أيضا وهذا لان ما يأكل الجيف فلحمه ينبت من الحرام فيكون خبيثا عادة وهذا لا يوجد فيما يخلط وعن ابن المسيب رضى الله تعالى عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم نهى عن ان تنخع الشاة إذا ذبحت وبه نأخذ ومعناه أن يبالغ الذابح بالذبح حتى يبلغ بالسكين النخاع والنخاع عرق أبيض في عظم الرقبة وفى هذا زيادة ايلام غير محتاج الله والشرع نهى عن ذلك والاصل فيه حديث أبى الاشعث الصبغانى رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال ان الله تعالى كتب الاحسان على كل شئ فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته والنخع ليس من الاحسان في شئ وكان منهيا عنه وروى كراهية ذلك عن عمر وابن عمر رضى الله تعالى عنهما حيت قال عمر رضي الله تعالى عنه لا تجروا العجماء إلى مذبحها برجلها وأحدوا الشفرة وأسرعوا الممر على الاوداج ولا تحفوا (وعن) مكحول رضى الله تعالى عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} إذا ذبح لم ينخع ولم يبد بسلخ حتى تبرد الشاة. وفى هذا دليل على أنه لا بأس للمرء أن يذبح بنفسه وان ذلك ليس من ترك الترحم في شئ بخلاف ما قاله جهال المتقشفة وفيه دليل علي انه ينبغى للذابح أن يتحرز عن زيادة ايلام غير محتاج إليه (وعن) عكرمة رضي الله عنه قال نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} إلى رجل قد أضجع شاة وهو يحد الشفرة وهى ملاحظة فقال عليه الصلاة والسلام أردت أن تميتها موتات. وبه نأخذ فنقول يكره له ان يحد الشفرة بين يديها لما فيه من زيادة ايلام غير محتاج إليه. وضرب عمر رضى الله عنه من رآه يفعل ذلك بالدرة حتى هرب وشردت الشاة ورأى رسول الله صلى
[ 227 ]
الله عليه وسلم رجلا وقد أخذ أذن شاة وهو يجرها إلى المذبح فقال قدها الي الموت قودا رفيقا وفى رواية قال خذ ساقها فان الله يرحم من عباده الرحماء والمعنى أنها تعرف ما يراد بها كما جاء في الخبر أبهبت البهائم الا عن أربعة خالقها ورازقها وحتفها وسفادها فإذا كانت تعرف ذلك وهو يحد الشفرة بين يديها ففيه زيادة ايلام غير محتاج إليه وكذلك إذا لم يحد الشفرة ولكن الشاة لا تحرم بشئ من هذا لان ما هو المطلوب من الذكاة وهى تسييل الدم النجس منها قد وجد والنهى لمعنى في غير المنهى عنه فلا يكون موجبا للحرمة وقد وجد (وعن) رافع بن خديج رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال ما أنهر الدم وأفرى الاوداج فكل ما عدا السن والظفر والعظم فانها مدى الحبشة والمراد بيان آلة الذبح وفيه دليل أنه يشترط للذكاة آلة محددة يحصل بها إنهار الدم وافراء الاوداج والانهار التسييل ومنه سمى النهر لان الماء يسيل فيه والنهار تجرى فيه الشمس بمرأى العين من لعباد والافراء القطع والمراد بالاوداج الحلقوم والمرئ والودجان. وفي هذا بيان ان المطلوب من الذكاة تمييز الطاهر من النجس بتسييل الدم من الحيوان والمراد بما استثنى من السن والظفر المركب لانه باستعمال ذلك يصير قاتلا لا ذابحا فانهما منه وآلة الذبح غير الذابح وانما يحصل بانقطاع الاوداج بالقوة لا بحدة الآلة ألا ترى أنه قال فانها مدى الحبشة وهم انما يعتادون الذبح بسن أنفسهم وظفر أنفسهم وذلك يحرم بالاتفاق فأما في الذبح بالسن المقلوعة والظفر المنزوعة والعظم المنفصل إذا كان محدودا اختلاف نبينه (وعن) عامر قال لا بأس بذبيحة الاخرس إذا كان من أهل الاسلام أو من أهل الكتاب وبه نأخذ فان إشارة الاخرس وتحريكه الشفتين بمنزلة البسملة من الناطق ألا ترى أنه يصير به شارعا في الصلاة كما يكون الناطق شارعا بالتكبير ثم الاهلية للذبح يكون للذابح من أهل تسمية الله تعالى على الخلوص وذلك باعتقاده التوحيد والاخرس معتقد لذلك ثم المحرم بعده الاعراض عن التسمية ولا يتحقق الاعراض من الاخرس فعذره أبلغ من عذر الناسي وإذا كان بعذر النسيان ينعدم الاعراض فبعذر الخرس أولى (وعن) على رضى الله عنه في الرجل إذا ذبح الشاة أو الطير فقطع رأسه قال لا بأس بأكله (وعنه) أنه قال تلك ذكاة وحية أي سريعة (وعن) عمران بن حصين رضى الله عنه أنه سئل عن رجل ضرب عنق بطة بالسيف فسبق فأماته قال يؤكل وبه نأخذ لانه أتى بما هو المحتاج إليه وهو قطع الحلقوم والاوداج وزاد على ذلك الا أنه بداء بالقطع من قبل
[ 228 ]
الحلق حتى أبان رأسه فلا يشك في إباحة أكله ويكره هذا الصنيع لانه زيادة ايلام غير محتاج إليه وان بدأ من قبل القفافان قطع الحلقوم والاوداج قبل أن تموت الشاة حلت فان ماتت قبل أن تقطع الحلقوم والادواج لم تؤكل لان فعل الذكاة بقطع الحلقوم والاوداج عند القدرة وان ماتت بفعل ليس بذكاة شرعا وذلك موجب للحرمة بخلاف مااذا مات قبل قطع الحلقوم والاوداج (وعن) سعيد بن المسيب رضى الله عنه قال الذكاة ما بين اللبة واللحيين وبه نأخذ وقد روى هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} والمراد بيان محل الذكاة عند الاختيار وفيه دليل على ان أعلى الحلق وأوسطه وأسفله سواء في ذلك لان الكل في المعنى المطلوب بالذكاة سواء (وعن) إبراهيم رحمه الله تعالى قال إذا ذبحت فلا تذكر مع اسم الله تعالى شيئا غيره وهكذا نقل عن ابن مسعود رضى الله عنه قال جردوا التسمية عند الذبح والاصل فيه قوله تعالى (فلا تدعوا مع الله أحدا) وان أهل الجاهلية كانوا يذكرون آلهتهم عند الذبح فحرم ذلك الشرع بقوله وما أهل به لغير الله وأمر بتسمية الله تعالى عند الذبح على الخلوص لمخالفة المشركين فلا ينبغى أن يذكر مع اسم الله تعالى غيره وإذا أراد أن يدعو فيقول اللهم تقبل من فلان ينبغى أن يقدم ذلك علي فعل الذبح أو يؤخره عنه فأما مع الحر لا يذكر غير اسم الله تعالى وهو تأويل الحديث ان النبي صلي الله عليه وسلم لما ضحى عن أمته قال هذا عمن شهد لى بالبلاغ الي يوم القيامة انما قال بعد الذبح لامعه (وعن) رافع بن خديج رضى الله عنه أن بعيرا من ابل الصدقة قد ند فرماه رجل بسهم وسمى فقتله فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} ان لها أو ابد كأوابد الوحش فإذا فعلت شيئا من ذلك فافعلوا به كما فعلتم بهذا ثم كلوه. وبه نأخذ فنقول عند تعذر الحل بذكاة الاختيار يثبت الحل بذكاة الاضطرار وذلك بالجرح في أي موضع أصابه ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ان لها أوابد كأوابد الوحش أي أن لها تنفرا واستيحاشا كما يكون الوحش الا ان الالف والوحشي أغلب حاله التوحش فإذا صار ألوفا التحق بما هو ألوف غالبا وإذا توحش التحق بالوحشي غالبا والمراد بابل الصدقة ما يؤخذ بالصدقة أو ما كان ينحر لاطعام المساكين وقد كان ذلك معروفا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} والخلفاء بعده (وعن) عتابة بن رافع بن خديج رضى الله عنه ان بعيرا تردى في نهر بالمدينة فوجئ من قبل خاصرته فأخذ منه ابن عمر رضي الله عنهما عسيرا بدرهمين وفى هذا دليل أن الحل يثبت بذكاة الاضطرار عند تعذر الذكاة بالاختيار وانه لا
[ 229 ]
فرق بين أن يتعذر ذلك بتوحشة بين أن يتعذر سقوطه في مهوى فان ابن عمر رضى الله عنهما مع زهده وتفرده رغب في الشراء منه والعسير تصغير العسير وقد روى عشيراء وهو سواد البطن والاول أصح (وعن) إبراهيم رحمه الله قال إذا تردى بعير في بئر ولم يقدروا أن ينحروه فمن حيث نحر فهو له ذكاة. ففى هذا بيان أن السنة في البعير النحر وفي البقر والغنم الذبح وبه نطق الكتاب قال الله تعالى (فصل لربك وانحر) وقال الله تعالى (ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) وقال الله تعالى (وفديناه بذبح عظيم) والمراد الشاة والذى جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} نحرنا البدنة على عهد رصول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن سبعة والبقرة عن سبعة معناه وذبحنا البقرة عن سبعة ومثل هذا الاضمار مع العطف معلوم في لسان العرب قال القائل * علقتها تبنا وماء باردا * أي وسقيتها ماء باردا لان الماء لا يعلف وعن على رضي الله عنه قال ذكاة السمك والجراد أخذه و مراده بيان أن الذكاة ليست بشرط فيهما بل يثبت الحل فيهما بالاخذ من غير ذكاة ألا ترى أنه لا تثبت الحرمة بكون الآخذ مجوحيا أو وثنيا وما يشترط فيه الذكاة يشترط فيه الاهلية للمذكى وحيث لم يشترط في السمك والجراد عرفنا ان الذكاة فيهما ليست بشرط كما قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} أحلت لنا ميتتان ودمان وسئل علي رضى الله عنه عن الجراد يأخذه الرجل من الارض وفيه الميت وغيره قال كله كله وفي بعض الروايات كله كله اللفظ الاول تكرار للمبالغة والثانى بيان أنه يؤكل كله وبه نأخذ وان الجراد وان وجد ميتا فلا بأس بأكله لان موته لابد أن يكون بسبب فانه بحرى الاصل برى المعاش كما قيل ان بيض السمك إذا انحصر عنه الماء يصير جرادا فإذا مات في البر فقد مات في غير موضع أصله وإذا مات في الماء فقدمات في غير موضع معاشه وذلك سبب لموته والدليل على إباحة أكل الجراد ما روى أن مريم رضى الله عنها سألت لحما هشا فرزقت الجراد وأن عمر رضي الله عنه كان مولعا بأكل الجراد حتى قال يوما في مجلسه ليت لنا قصعة من جراد فنأكله أو قال نقعة (وعن) عمرة قالت خرجت مع وليدة لنا فاشترينا خريتة بقفيز من حنطة فوضعناها في زنبيل فخرج رأسها من جانب وذنبها من جانب فمر بنا على رضى الله عنه فقال لى بكم أخذت فأخبرته فقال ما أطيبه وأرخصه وأوسعه للعيال ففى هذا الحديث دليل على ان الجراد مأكول وبه نأخذ وهو مروى عن ابن عباس رضى الله عنهما فانه سئل عن الخريت فقال فأما نحن فلا نرى به بأسا فأما أهل
[ 230 ]
الكتاب فيكرهونه. وأما الروافض قاتلهم الله تعالى فيأخذون بقول أهل الكتاب ويحرمون الخريت ويدعون قول على رضى الله عنه مع دعواهم محبته وأهل الكتاب يزعمون أن الخريت من جملة الممسوخات وهذا باطل فان الممسوخ لا نسل له ولا يبقى بعد ثلاثة أيام بل الخريت نوع من السمك والسمك مأكول بجميع أنواعه يثبت الحل فيه بالكتاب والسنة قال الله تعالى أحل لكم صيد البحر وقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} أحلت لنا ميتتان ودمان أما الميتتان فالسمك والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال فهذا دليل أنه لا بأس للانسان أن يتكلم مع النساء والاماء بما لا يحتاج إليه فان هذا ليس من جملة ما لا يعنيه فانما الذى لا يعنى المرء مما ورد النهى عنه أن يكون فيه مأثم (وعن) إبراهيم رحمه الله قال ما أطيب إهابه وهو كذلك وقد قيل ان أطيب الاشياء من السمك الذنب وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه أتاه عبد اسود فقال اننى في غنم لا هلى وانى سليل الطريق أفأسقى من لبنها بغير اذنهم فقال لا فقال انى أرمى الصيد فاصمى وأنمى قال كل ما أصميت ودع ما أنميت. قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى الاصماء ما رأيته والانماء ما توارى عنك وبه نأخذ الا أن المراد به إذا توارى عنه وقعد في طلبه فإذا لم يقعد عن طلبه لا يحرم لما بينا أن مالا يستطاع بالامتناع عنه يكون عفوا وفي الحديث دليل انه ليس للراعي أن يسقى من لبن الغنم بغير اذن أهلها فان ابن عباس رضى الله تعالى عنهما نهاه عن ذلك وهذا لان الراعى أمر بالرعى والحفظ والسقى ومن لبنها بمنزلة هبة عنها ولا يجوز له ذلك بدون اذن أهلها والذى جاء في الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} مر براعى الغنم فاستسقاه اللبن تأويله ان ذلك الراعى كان يرعى غنم نفسه أو كان مأذونا من جهة مالكه بذلك وقد عرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا يحل ما امرئ مسلم الا بطيبة من نفسه (وعن) موسى بن طلحة رضى الله تعالى عنه ان اعرابيا أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أزنبا مشويا قال لاصحابه كلوا قال الاعرابي انى رأيت دما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ليس بشئ وقال للاعرابي اذن فكل فقال انى صائم قال صوم ما ذا قال صوم ثلاثة أيام من كل شهر فقال هلا جعلتها البيض وبه نأخذ فنقول الارنب ما كول وقد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} الهدية فيه وأكل منه وأمر أصحابه رضوان الله عليهم بذلك (وقول) الاعرابي انى رأيت دما مراده ما يقول جهال العرب ان الارنبة تحيض كالنساء فبين
[ 231 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أن ذلك ليس بشئ. وفيه دليل علي أنه لا بأس للمهدى ان يأكل من هديته فان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} دعاه الي الا كل وانما بعث ليتمم مكارم الاخلاق فما كان يدعو أحدا إلى مايخالف ذلك وفيه دليل علي أنه إذا دعى إلى طعام وهو صائم لا بأس بأن يمتنع ويقول انى صائم وقد قرره رسول الله عليه وسلم على ما قال حيث قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} صوم ماذا قال صوم ثلاثة أيام من كل شهر وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} يحثهم على ذلك ويقول الحسنة بعشر أمثالها صوم ثلاثة أيام من الشهر كصوم جميع الشهر. وفيه دليل علي أن الافضل أن يكون صومه في الايام البيض لقوله صلي الله عليه وسلم هلا جعلتها البيض والبيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر وعند بعضهم أولها الرابع عشر وآخرها السادس عشر سميت بيضا لطلوع القمر في ليالها من أول الليل إلى آخر الليل فكأن الليل يستوى بالنهار في البياض (وقيل) لما روى ان آدم صلوات الله وسلامه عليه لما أهبط إلى الارض بعد زلته اغبر جسده صام الرابع عشر فابيض ثلث جسده ثم صام الخامس عشر فابيض ثلث آخر ثم صام السادس عشر فابيض جميع جسده وعاد اللون الاول فسميت بيضا لذلك وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه أهدى لها ضب فسالت رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن أكله فكرهه فجاء سائل فأرادت ان تطعمه اياه فقال صلوات الله وسلامه عليه أتطعمين مالا تأكلين. وبهذا نأخذ فنقول لا يحل أكل الضب وقال الشافعي رحمه الله تعالي يحل لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الضب فقال لم يكن من طعام قومي فأجد نفسي تعافه فلا أحله ولا أحرمه. وفي حديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال أكل الضب على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وفى الآكلين أبو بكر رضى الله تعالى عنه كان ينظر إليه ويضحك واعتمادنا على حديث عائشة رضى الله تعالي عنها فيه يبين أن امتناع رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن أكله لحرمته لا لانه كان يعافه ألا ترى أنه نهاها عن التصدق به ولو لم يكن كراهية الا كل للحرمة لامرها بالتصدق به كما أمرها به في شاة الانصاري بقوله أطعموها الاسارى والحديث الذى فيه دليل الاباحة محمول علي أنه كان قبل ثبوت الحرمة. ثم الاصل انه متى تعارض الدليلان أحدهما يوجب الحظر والآخر يوجب الاباحة يغلب الموجب للحظر. وقال بعض المتأخرين رحمهم الله تعالى حرمة الضب لانه من الممسوخات على ماروى أن فريقين من عصاة بنى إسرائيل أخذ
[ 232 ]
أحدهما طريق البحر والآخر طريق البر فمسخ الذين أخذوا طريق البر ضبابا وقردة وخنازير (وروى) هذا الاثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ولكنه غير مشهور. ثم قد بينا أن الممسوخ لا نسل له ولا بقاء فهذا الذى يوجد الآن ليس بممسوخ وان نسخ قوم من جنسه ولكنه من الخبائث ولهذا عافه رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فيدخل تحت قوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث لكونه مستخبثا طبعا كسائر الهوام (وعن) عبد الله بن أبى أوفى قال أصبنا يوم حنين حمرا أهلية فذبحناها وأن القدر لتغلى بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أكفئوها بما فيها ونهى عن أكلهما فقلنا بيننا انما حرمها لانها نهبة لم تخمس فلقيت سعيد بن جبير رضى الله تعالى عنه فذكرت له ذلك فقال بل حرمها البتة. وبه نأخذ فنقول لا يحل تناول الحمار الاهلى وكان بشر المريسى يبيح ذلك وهو قول مالك رحمه الله وقد روى ان عائشة رضى الله عنها سئلت عن ذلك فتلت قوله تعالى قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما الآية (وعن) طاوس قال قلت لجابر بن فهر انكم تزعمون ان لحم الحمار الاهلى حرام قال كان الحكم بن عمرو يقول ذلك عندنا بالبصرة فأتى ذلك الخبر يعنى ابن عباس رضى الله عنهما وفي حديث الجر بن غالب رضى الله عنه انه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فقال لم يبق لى من مالى الا حميرات فقال صلي الله عليه وسلم كل من سمين مالك فانى انما نهيتكم عن خول القرية واعتبر والحمار الاهلى بالحوشى فانه مأكول بالاتفاق وكل حيوان وحشيه مأكول فالاهلي من جنسه مأكول كالابل والبقر وما لا يكون أهليه مأكولا فوحشيه لا يكون مأكولا كالكلب والسنور وحجتنا في ذلك ما روينا من الحديث فيه يتبين أنه ما كان حرمها يوم خيبر لقلة الظهر لانه أمر باكفاء القدور بعد ما صار لحما ليس فيه منفعة الظهر وما حرمها لانها نهبة لم تخمس فانه كان مأكولا فللغانمين حق التناول منه قبل الخمس كالطعام والعلف وما حرمها لانها حول القربة مأخوذ من الحوال متناول الجيف كالجلالة فانه خص الحمر الاهلية بذلك وفى هذا المعنى الحمار وغيره سواء فعرفنا انه حرمها البتة (وقد) روى انه أمر أبا طلحة رضى الله عنه فنادى ألا ان الله تعالى ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الاهلية فانها رجس وروى ابن عمر رضى الله عنهما ان البي صلي الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن متعة النساء وعن الحمار الاهلي ولما بلغ عليا رضى الله عنه فتوى ابن عباس رضى الله عنهما باباحة المتعة فقال له نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن متعة النساء وعن الحمر الاهلية زمن خيبر فترجح الاثار
[ 233 ]
الموجبة للحرمة ثم لا حجة في حديث الحبر رضي الله تعالى عنه فان معنى قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} كل من سمين مالك أي بعه واستنفق ثمنه فقد يقال فلان أكل عقاره والمراد هذا وقال القائل ان لنا أحمرة عجافا * يأكلن كل ليلة إكافا والمراد ثمن الا كاف وما نقلوه عن ابن عباس رضى الله عنهما لا يكاد يصح عنه والمشهور عنه أنه حرم الخيل والبغال والحمير فاستدل لذلك بالاية لتركبوها وزينة على ما تبين وعائشة رضى الله عنها استدلت بعام دخله الخصوص بالاتفاق وقد ثبت النهى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في لحم الحمار فكان دليل الخصوص في هذا العام واعتبار الاهلى بالوحشى ساقط فانه لا مشابهة بينهما معنى والمشابهة صورة لا تكون دليل الحل وقد صح في الاثران النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} أباح تناول الحمار الوحشي كما روى أن أعرابيا اهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} حمارا وحشيا عفيرا أو رجل حمار وحشى فأمر أبا بكر رضى الله تعالى عنه أن يقسمه بين الرفاق * ثم كما ورد الحديث بالامر بالاكفاء للقدر في لحم الحمار فقد ورد مثله في الضب وهو حديث عبد الرحمن بن حسنة قال كنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في سفر فاصابتنا مجاعة ونزلنا في أرض كثيرة الضباب فأخذناها وان القدور لتغلى بها فأمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم باكفاء القدور ومعلوم أن تضييع المال لا يحل فعرفنا أن الامر باكفاء القدور في الموضعين للحرمة (وعن) أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال أكلنا لحم فرس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وعن الحريث قال كنا إذا نتجت فرس اخذنا فلوا ذبحناه وقلنا الامر قريب فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فكتب الينا أن لا تفعلوا فان في الامر تراخى. وبهذين الحديثين يستدل من يرخص في لحم الخيل فانهم كانوا يذبحونه لمنفعة الاكل وهو قول أبى يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالي وأما أبو حنيفة رحمه الله تعالى فانه كان يكره لحم الخيل فظاهر اللفظ في كتاب الصيد يدل على أن الكراهة للتنزيه فانه قال رخص بعض العلماء رحمهم الله في لحم الخيل فأما أنا فلا يعجبنى أكله وما قال في الجامع الصغير أكره لحم الخيل يدل على أنه كراهة التحريم فقد روى أن أبا يوسف رحمه الله تعالي قال لابي حنيفة رحمه الله إذا قلت في شئ أكراهه فما رأيك فيه قال التحريم ثم من أباحه استدل بالتعامل الظاهر ببيع لحم الخيل في الاسواق من غير نكير منكر ولان سؤره طاهر على الاطلاق وبوله بمنزلة بول ما يؤكل لحمه فعرفنا أنه مأكول كالانعام وان
[ 234 ]
روى فيه نهى فلان الخيل كانت قليلة فيهم وكان سلاحا يحتاجون إليه في الحرب فلهذا نهاهم عن أكله لا لحرمته وحجة أبى حنيفة رحمه الله تعالى في ذلك قوله تعالى والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة الآية فقد من الله تعالى على عباده بما جعل لهم من منفعة الركوب والزينة في الخيل ولو كان مأكلو لالكان الاولى بيان منفعة الاكل لانه أعظم وجوه المنفعة وبه بقاء النفوس ولا يليق بحكمة الحكيم ترك أعظم وجوه المنفعة عند اظهار المنة وذكر ما دون ذلك ألا ترى أنه في الانعام ذكر الاكل بقوله تعالى ومنها تأكلون ولانه ضم الخيل إلى البغال والحمير في الذكر دون الانعام والقرآن في الذكر دليل القرآن في الحكم وبنحوه استدل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حين كره لحم الخيل كما روى عنه في الكتاب وفى حديث خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} نهى عن أكل لحم الخيل والبغال والحمير وفي حديث المقدام بن معد يكرب رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال حرام عليكم لحوم البغال والحمير والخيل. وقد بينا أن الدليل الموجب للحرمة يترجح فان ما كان من الرخصة محمول على أنه كان في الابتداء قبل النهى ولان نتاجه غير مأكول وهو البغل لان البغل نتاج الفرس والولد جزء من الام وحكمه حكهما في الحل والحرمة فإذا لم يكن مأكولا عرفنا أن الخيل ليس بمأكول * ثم الخيل تشبه البغال والحمير من حيث أنه ذو حافر أهلى بخلاف الانعام فانها ذوات خف لا ذوات حوافر وقد روى الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى الكراهة في سؤر الفرس كما في لبنه وانما جعل يوله كبول ما يؤكل لحمه لمعنى البلوى فيه فللبلوى تأثير في تخفيف حكم النجاسة ومن قال الكراهة للتنزيه لا للتحريم قال ان الفرس كالآدمي من وجه ومن حيث انه يحصل ارهاب العدوبه ويستحق السهم من الغنيمة والآدمي غير مأكول لكرامته لا لنجاسة والخيل كذلك كره أكلها علي طريق التنزيه لمعنى الكرامة ولهذا جعل الخيل طاهرة السؤر وجعل بوله كبول ما يؤكل لحمه (وعن) إبراهيم رحمه الله تعالى قال لا بأس بثمن كلب الصيد وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} رخص في ثمن كلب الصيد وبه نأخذ فنقول بيع الكلب المعلم يجوز وعلى قول الشافعي رحمه الله لا يجوز بيع الكلب أصلا معلما كان أو غير معلم لما روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} نهى عن ثمن الكب وحلوان الكاهن ومهر البغى وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بقتل الكلاب فلو كانت مالا متقوما لما أمر بذلك ولان
[ 235 ]
الكلب نجس العين بدليل نجاسة سؤره فلا يجوز بيعه كالخنزير ولدليل عليه انه لو كان محل البيع لم يفترق بين المعلم منه وغير المعلم كالفهد والبازى. وحجتنا في ذلك ما رواه إبراهيم من الرخصة وذلك بعد النهى والتحريم فبه يتبين تيسير انتساخ ما روى من النهى وهذا لانهم كانوا ألفوا اقتناء الكلاب وكانت الكلاب فيهم تؤذى الضيفان والغرباء فنهوا عن اقتنائها فشق ذلك عليهم فأمروا بقتل الكلاب ونهوا عن بيعها تحقيقا للزجر عن العادة المألوفة ثم رخص لهم بعد ذلك في ثمن منتفعا به من الكلاب وهو كلب الصيد والحرث والماشية وقد جاء في حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} نهى عن بيع الكلب الا كلب الصيد والحرث والماشية وروى أنه قضى في كلب الصيد بأربعين درهما وفي كلب الحرث بفرق من طعام وفى كلب الماشية بشاة منها (وعن) عثمان رضى الله تعالى عنه أنه قضي علي رجل أتلف كلبا لامرأة بعشرين بعيرا والحديث له قصة معروفة وإذا ثبت أنه مال متقوم وهو منتفع به شرعا جاز بيعه كسائر الاموال وبيان كونه منتفعا به أنه يحل الانتفاع به في حالة الاختيار ويجوز تمليكه بغير عوض في حالة الحياة بالهبة وبعد الموت بالوصية فيجوز تمليكه بالعوض أيضا وبهذا يتبين أنه ليس بنجس العين فان الانتفاع بما هو نجس العين لا يحل في حالة الاختيار كالخمر ولا يجوز تمليكه قصدا بالهبة والوصية. ثم الصحيح من المذهب أن المعلم وغير المعلم إذا كان بحيث يقبل التعليم سواء في حكم البيع حتى ذكر في النوادر لو باع جروا جاز بيعه لانه يقبل التعليم فأما الذى لا يجوز بيعه العقور منه الذى لا يقبل التعليم لانه عين مؤذ غير منتفع به فلا يكون مالا متقوما كالذئب وهكذا يقول في الاسد ان كان بحيث يقبل التعليم ويصطاد به فبيعه جائز وان كان لا يقبل ذلك ولا ينتفع به فحينئذ لا يجوز بيعه والفهد والبازى يقبل التعليم على كل حال فجاز بيعهما كذلك (وعن) جابر بن عبد الله رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} نهى عن بيع الكلب والسنور وقال أبو يسوف رحمه الله ينقض هذا الحديث في السنور حديث النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} أنه كان يصغى لها الاناء فتشرب منه وهو مشهور عنه صلى الله عليه وسلم{{ص}} وحديث عروة عن عائشة رضي الله عنها ان صلى الله عليه وسلم{{ص}} كان يصغى الاناء للهر ليشرب منه ثم يتوضأ. وفي هذا دليل على انها ليست بنجسة وقد نص علي ذلك بقوله انها ليست بنجسة انها من الطوافين عليكم والطوافات ويجوز الانتفاع بها من غير ضرورة وما يكون بهذا الصفة
[ 236 ]
سطر 348:
[ 237 ]
ثم فيما هو المقصود وهو الاكل التسمية فيه ندب وليس بحتم فهذا هو طريق إليه أولي والدليل عليه أنه تحل ذبائح اليهود والنصارى ولو كانت التسمية شرطا لما حلت ذباحهم لانهم وان ذكروا اسم الله تعالى فانهم يريدون غير الله وهو ما يتخذونه معبودا لهم لان النصارى يقولون المسيح ابن الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا ونحن نتبرأ من اله له ولد وحجتنا في ذلك قوله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق ومطلق النهى يقتضي التحريم وأكد ذلك بحرف من لانه في موضع النهى للمبالغة فيقتضى حرمة كل جزء منه والهاء في قوله تعالى وانه لفسق ان كان كناية عن الاكل فالفسق أكل الحرام وان كان كناية عن المذبوح فالمذبوح الذى يسمى فسقا في الشرع يكون حراما كما قال الله تعالى أو فسقا أهل لغير الله به وفى الآية بيان ان الحرمة لعدم ذكر الله تعالى لان التحريم بوصف دليل على أن ذلك الوصف هو الموجب للحرمة كالميتة والموقوذة وبهذا يتبين فساد حمل الآية على الميتة وذبائح المشركين فان الحرمة هناك ليست لعدم ذكر الله تعالي حتى انه وان ذكر اسم الله تعالى لم يحل وقال تعالى فاذكروا اسم الله عليها صواف يعنى عند النحر بدليل قوله تعالي فإذا وجبت جنوبها أي سقطت وقال ابن عباس رضى الله تعالى عنه في تفسير الآية ذكر اسم الله تعالى أن يقول عند الطعن بسم الله والله أكبر وقال الله تعالى فكلوا مما أمسكن عليكم الآية والمراد التسمية عند الارسال فثبت بهذين النصين ان التسمية مأمور بها ومطلق الامر الوجوب وهى من شرائط الحل ثبت بقول النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} لعدى بن حاتم رضى الله تعالى عنه إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله تعالى فكل والمعطوف على الشرط شرط وأكد ذلك بقوله وان شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل فأنت انما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك. فعلل للحرمة بانه لم يسم علي كلب غيره فهو دليل الحرمة إذا لم يسم علي كلب نفسه وشئ من المعنى يشهد له فان ذبيحة الكتابى تحل وذبيحة المجوسي لا تحل وليس بينهما فرق يعقل معناه بالرأى سوى من يدعى التوحيد يصح منه تسمية الله على الخلوص ومن يدعى الاثنين لا يصح منه تسمية الله تعالى على الخلوص فيه يتبين ان التسمية من شرائط الحل أو انما أمرنا بيناء الحكم في حق أهل الكتاب علي ما يظهرون دون ما يضمرون ألا ترى ان تسمية غير الله تعالى علي سبيل التعظيم موجبه للحرمة لقوله تعالى وما أهل به لغير الله فلو اعتبرنا ما يضمرون لم تحل ذبيحتهم وكذلك يستحلفون في المظالم بالله والاستحلاف بغير الله لا يحل
[ 238 ]
فعرفنا أنه يبنى على ما يظهرون ثم انا أمر نا بالتسمية عند الذبح مخالفة للمشركين لانهم كانوا يسمون آلهتم عند الذبح ومخالفتهم واجبة علينا فالتسمية عند الذبح تكون واجبة أيضا بخلاف الطبخ والاكل فانهم ما كانوا يسمون آلهتهم عند ذلك فالامر بالتسمية عند ذلك ندب و كذلك عند الوصف فالامر بالتسمية عند الوصف لم يكن لمخالقتهم فكان ندبا ألا ترى ان في حالة النسيان تقام ملته مقام التسمية كما قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما لمعنى التخفيف وهذا التخفيف يستحقة الناسي دون العامد ولان العامد معرض عن التسمية فلا يجوز أن يجعل مسميا حكما بخلاف الناسي فانه غير معرض بل معذور والفرق بين المعذور وغير المعذور اصل في الشرع في الذبح وغير الذبح ألا ترى أن في اعتبار الذبح في المذبح يفصل بين المعذور وغيره وفى الاكل في الصوم يفصل بين الناسي العامد ولا يعتبر بالمأمور والمزجور فالاكل في الصلاة مزجور ثم سوى فيه بين النسيان والعمد والجماع في الاحرام كذلك ولكن متى اقترن بحالة ما يذكره كهيئة المحرمين والمصلين لا يعذر بالنسيان ومتى لم يقترن بحالة ما يذكره يعذر بالنسيان كالصوم وهنا لم تقترن بحالة ما يذكره وقد يذبح الانسان الطير وقلبه مشتغل بشغل آخر فيترك التسمية ناسيا وعليه يحمل الحديث على انه اذبح على اسم الله تعالى إذا كان ناسيا غير معرض بدليل انه ذكر في بعض الروايات وان تعمد لم يحل وحديث عائشة رضى الله تعالى عنها دليلنا لانها سألت عن الاكل عند وقوع الشك في التسمية فذلك دليله علي أنه كان معروفا عندهم أنه كان معروفا عندهم أن التسمية من شرائط الحل وانما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بالاكل بناء على الظاهر أن المسلم لا يدع التسمية عمدا كمن اشترى لحما في سوق المسلمين يباح له التناول بناء على الظاهر وان كان يتوهم أنه ذبيحة مجوسي * ثم التسمية في الذبح تشترط عند القطع وفى الاصطياد عند الارسال والرمى لان التكليف بحسب الوسع وفى وسعها التسمية عند الرمى وليس في وسعه التسمية عند الاصابة فتقام التسمية عند الارسال والرمى مقامه كما يقام الجرح في المتوحش مقام الذبح في المذبح في الاهلى ولان التسمية تقترن بفعله والقطع من فعله وفي الاصطياد فعله الارسال والرمى وعلى هذا لو أضجع شاة وأخذ السكين وسمى ثم تركها وذبح شاة أخرى وترك التسمية عليها لا يحل ولو رمى سهما إلى صيد وسمى فأصاب صيدا آخر أو أخذ سكينا وسمى ثم تركها وأخذ سكينا أخرى أو أرسل كلبه إلى صيد وسمى وترك ذلك الصيد وأخذ غيره حل وكذلك لو
[ 239 ]
سطر 357:
[ 240 ]
شفير البئر أو جاء به سيل فيعثر به انسان فوقع في البئر فالضمان علي الحافر لانه لم يوجد من بعد فعله فعل معتبر فبقى حكم فعله بخلاف الاول. قال (وإذا توارى الكلب والصيد عن المرسل المسلم ثم وجده المسلم وقد قتله وليس فيه أثر غيره حل تناوله إذا لم يترك الطلب لانه يستطاع الامتناع منه والتوارى عن بصره لا يستطاع الامتناع عنه خصوصا في القناص والمستأجر والطير بعد اصابة السهم ربما يتحامل ويطير حتى يغيب من بصره فيسقط فان كان ترك الطلب إلى عمل آخر حتى إذا كان قريبا من الليل طلبه فوجد الصيد ميتا والكلب عنده والبازى وبه جراحة لا يدرى الكلب جرحه أو غيره لم يحل أكله عندنا . وقال الشافعي رحمه الله تعالى يحل لانه ظهر لموته سبب وهو ما كان منه من إرسال الكلب والبازى والرمى والحكم متى ظهر عقب سببه يحال عليه كما لو جرح انسانا فلم يزل صاحب فراش حتى مات فجعل قاتلا له ولكن نستدل بما روى أن رجلا أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} صيدا فقال عليه الصلاة والسلام من أين لك هذا قال كنت رميته بالامس وكنت في طلبه حتى حال بينى وبينه ظلمة الليل ثم وجدته الليل وفيه من باقى فقال عليه الصلاة والسلام لعل بعض الهوام أعانك على قتله فلا حاجة لى فيه وقال ابن عباس كل ما أصميت ودع ما أنميت والانماء التوارى عن بصرك الا أن قدر ما لا يستطاع الامتناع عنه جعل عفوا فأما ترك الطلب مما يستطاع الامتناع عنه والثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة ثم في المدة القصيرة يؤمن اصابة آفة أخرى اياه ولا يؤمن ذلك إذا ترك الطلب وطالبت المدة ولانه لا يدري فلعله لو لم يترك الطلب وجده حيا فذكاه فمن هذا الوجه يكون تاركا ذكاة الاختيار فيه مع القدرة عليه وان وجده وفيه جراحة أخرى ليس له أن يأكله ترك الطلب أو لم يترك لانه ظهر لموته سببان أحدهما موجب للحل والآخر موجب للحرمة فيغلب كما لو وقعت الرمية في الماء. قال (وإذا أرسل كلبه أو بازيه علي صيد فأخذ ذلك الصيد أو أخذ غيره أو أخذ عددا من الصيود فهو كله حلال مادام على وجه الارسال) لان الارسال قد صح من المسلم موجبا للعمل فما نأخذه من وجه ارساله وهو ممسك له على صاحبه يحل وتعيين الصيد في الارسال ليس يشرط الا على قول مالك رضي الله تعالى عنه فانه يقول التعيين شرط حتى إذا ترك التعيين فهو كترك الارسال وعن ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى قال التعيين ليس بشرط ولكن إذا عين اعتبر تعيينه حتى إذا ترك ذلك وأخذ غيره
[ 241 ]
سطر 378:
[ 247 ]
ولان أحد الابوين ممن تحل ذبيحته فيجعل الولد تابعا له كما إذا كان أحد الابوين مسلما والآخر مجوسيا وهذا لان الصبي يقرب من المنافع ويبعد من المضار والنصرانية إذا قو بلت بالمجوسية فالمجوسية شر فكان اتباع الولد للكتابى أنفع للولد وانما يترجح الموجب للحظر عند المساواة وقد انعدمت المساواة هنا فجعلنا الولد تابعا للكتابى منهما. قال (فأما ذبيحة الصابئ وصيده يحل عند أبى حنيفة رحمه الله ويكره) وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يحل وذكر الكرخي رحمه الله تعالى انه لا خلاف بينهم في الحقيقة ولكن في الصابئين قوم يقرون بعيسى عليه السلام ويقرون الزبور فهم صنف من النصارى فانما أجاب أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يحل ذبائع هؤلاء وفيهم من ينكر النبوات والكتب أصلا وانما يعبدون الشمس وهولاء كعبدة الاوثان وانما أجاب أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى في حق هؤلاء. قال الشيخ الامام رحمه الله تعالى وفيما ذكره الكرخي رحمه الله تعالي عندي نظر فان أهل الاصول لا يعرفون في جملة الصابئين من يقر بعيسى عليه الصلاة والسلام وانما يقرون بادريس عليه الصلاة والسلام ويدعون له النبوة خاصة دون غيره ويعظمون الكواكب فوقع عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنهم يعظمونها تعظيم الاستقبال لا تعظيم العبادة كما يستقبل المؤمنون بالقبلة فقال تحل ذبائحهم ووقع عند) أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى أنهم يعظمونها تظعيم العبادة لها فالحقناهم بعبدة الاوثان وانما اشتبه ذلك لانهم يدينون بكتمان الاعتقاد ولا يستحيون باظهار الاعتقاد البتة وانما احتجاج أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى أولي لان عند الاشتباه يغلب الموجب للحرمة. قال (ولا تؤكل السمكة الطافية فأما ما انحسر عنه الماء أو نبذه فلا بأس بأكله) وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا بأس بأكل السمك الطافي واستدل بقوله تعالى أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم قيل الطعام من السمك ما يوجد فيه ميتا وقال عليه الصلاة والسلام في البحر هو الطهور ماؤه والحل ميتته وقال صلوات الله وسلامه عليه أحلت لنا ميتتان ودمان الحديث وفى حديث أبان بن أبى عياش رضى الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل عن أكل الطافى من السمك فلم يربه بأسا واعتبر السمك بالجراد بعلة أنه لا يشترط فيه الذكاة فيستوى موته بسبب وبغير سبب وحجتنا في ذلك حديث جابر رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال ما انحسر عنه الماء فكل وما طغى فلا تأكل ولا يقال هذا نهى اشفاق لما قيل ان الطافي يورث البرص
[ 248 ]
وهذا لان الاستكثار من السمك يورث البرص الطافئ وغيره سواء وانما بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم مبينا للاحكام دون الطب وحرمة تناول الطافئ مروى عن على وابن عباس رضى الله تعالى عنهم حتى قال على رضى الله تعالي عنه للسماكين لا تبيعوا الطافئ في أسواقنا وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أكل الطافئ حرام ولانه حيوان مات بغير سبب فلا يؤكل كسائر الحيوانات بخلاف الجراد فموته لا يكون الا بسبب على ما بينا أنه بحرى الاصل برى المعاش فان مات في البحر فقد مات في غير موضع معاشه وما مات في البر فقد مات في غير موضع أصله وهذا سبب لهلا كه فوزانه لو مات السمك بسبب. وقد بينا أن الموجب للحرمة من الآثار يترجح على الموجب للحل لقوله عليه الصلاة والسلام الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فدع ما يريبك إلى مالا يريبك ثم جميع أنواع السمك حلال الحريث والمارهيج وغيره في ذلك سواء ولا يؤكل من سوى السمك من حيوانات الماء عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى يؤكل جميع ذلك وله في الضفدع قولان وفى الكتاب ذكر عن ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى قالا لا بأس بصيف البحر كله وقيل الصحيح في مذهب ابن أبى ليلي رحمه الله تعالى ما يؤكل جنسه من صيد البر يؤكل من صيد البحر وما لا يوكل من صيد البر كالخنزير ونحوه لا يؤكل من صيد البر واستدل الشافعي رحمه الله تعالى بالآية والخبر وليس فيهما تقييد السمك من بين صيد الماء وميتاتها وفى حديث أبى سعيد الخدرى رحمه الله تعالى قال كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ورضي الله عنهم في سفر فأصابتنا مجاعة فألقى البحر لنادابة يقال لها عنترة فأكلنا منها وتزودنا فلما رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} سألناه عن ذلك فقال صلوات الله وسلامه عليه هل بقى عندكم شئ فتطعموني وحجتنا في ذلك قوله تعالى أو لحم خنزير ولم يفصل بين البرى والبحري وسئل عليه الصلاة والسلام عن مخ الضفدع يجعل في الدواء فنهى عن قتل الضفادع وقال انها خبيثة من الخبائث فان ثبت بهذا الحديث أن الضفدع مستخبث غير مأكول فقيس عليه سائر حيوانات الماء ومن يقول يؤكل جميع صيد البحر دخل عليه أمر قبيح فانه لا يجد بدا من أن يقول يؤكل انسان الماء وهذا تشنع فعرفنا أن المأكول من المائى السمك فقط وان المراد بقول الله تعالى أحل لكم صيد البحر ما يؤخذ منه طريا ومن قوله تعالى وطعامه متاعا لكم المالح المقدد منه والصحيح من حديث أبى سعيد رضى الله
[ 249 ]
سطر 390:
[ 251 ]
عسلت في أرض رجل فهو لصاحب الارض لانها القت ذلك للترك والقرار في ذلك الموضع فهو بمنزلة طين مجتمع في أرض رجل من السيل يكون له. قال (ما لم يحرزه صاحب الدار بالقبض عليه أو اغلاق باب ليحرزه به بحيث يقدر على أخذه بغير صيد فإذا فعل ذلك فقد تم احرازه) ثم الآخذ انما أخذ صيدا مملوكا فعليه رده على مالكه كمن نصب شبكة فوقع فيها صيد ثم أخذه انسان آخر فعليه رده على صاحب الشبكه (ولو تكسر صيد في أرض انسان فصار بحيث لا يستطيع براحا أو رمى صيدا فوقع في أرض رجل لا يدرى من رماه فأخذه رجل آخر فهو للذى أخذه) لان الاحراز من الآخذ ولم يوجد من جهة صاحب الملك احراز له وان عجز الصيد عن الطيران بما أصابه والمباح انما يملك بالاحراز قال (وكل من اصطاد سمكا من نهر جار لرجل فهو للذى أخذه) لان صاحب النهر ما صار محرزاله بل هو صيد في نهره فالمحرز له من اصطاده وذلك ان كانت أجمة لا يقدر على أخذ صيدها الا بالاصطياد فصاحب الاجمة صار محرزا لما حصل فيها من السمك انما المحرز الآخذ فان كان صاحب الاجمة احتال لذلك حتى أخرج الماء وبقى السمك فهو لصاحب الاجمة لانه صار محرزا بما صنع فالسمك علي اليبس لان يكون صيدا فإذا صار بفعله بحيث يتمكن من أخذه من غير صيد فهو محرزله. قال (وإذا عجز المسلم عن مد قوسه واعانه مجوسي على مده لم يحل الصيد) لا جتماع الموجب للحظر والموجب للحل فان فعل المجوسى من جنس فعل المسلم فتحققت المشاركة بينهما كما لو أخذ مجوسي بيد المسلم فذبح والسكين في يد المسلم قال (وإذا أصاب السهم الصيد فوقع على الارض ومات حل أكله استحسانا) وفى القياس لا يحل لجواز أن يكون مات بوقوعه على الارض. وجه الاستحسان أن هذا مما لا يستطاع الامتناع عنه إذ ليس في وسعه ان يرميه علي وجه يبقى في الهواء ولا يسقط وان وقع في ماء أو على جبل ثم وقع منه على الارض ومات لم يؤكل. وفي الوقوع في المال أثر عن ابن مسعود رضي الله عنه وفى حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال لعدى بن حاتم رضى الله عنه وقد بينا ولان من الجائز أن الماء قتله وهذا يستطاع الامتناع منه وكذلك ان وقع على جبل ثم منه على الارض فهذا مترد ومن الجائز أن التردي قتله وقد قال الله تعالى في جملة المحرمات والمتردية وكذلك كل ما أصابه قبل ان يستقر على مكانه الذى يموت عليه يعنى وقع على شجرة ثم وقع منها على الارض وان مات على ذلك
[ 252 ]
سطر 396:
[ 253 ]
ذلك السهم فأما إذا كان قصد الثاني الاصطياد وسمى فان الصيد يكون له ويحل تناوله ولا فرق بين أن يصيبه سهم أو يرد سهما آخر فيصيبه وقيل بل لا يحل على كل حال لان الحل باعتبار فعل الرامى وجرح الآلة والسهم الذي رماه للثاني ما جرح الصيد والذى جرح الصيد ما رماه الثاني ولا كان مضيه بقوة من رمى به فهو بمنزلة مالو أصاب السهم قصبة محدودة منصوبة في حائط وأصابت تلك القصبة الصيد بحدها فجرحته وذلك غير مأكول فهذا مثله. قال (ولا يحل صيد البندق والحجر والمعراض والعصا وما أشبه ذلك وان جرح) لانه لم يخرق الا ان يكون شيئا من ذلك قد حدده وطوله كالسهم وأمكن أن يرمى به فإذا كان كذلك وخرقه بحده حل لما بينا أن المطلوب بالذكاة تسييل الدم وذلك يحصل بالخرق والبضع فأما الجرح الذى يدق في الباطن ولا يخرق في الظاهر فلا يحصل تسييل الدم به فهو في معنى الموقوذة والموقوذة حرام بالنص المثقل بالحديد وغير الحديد في ذلك سواء وكذلك لو رمى الصيد بالسكين فأصابه بحده وجرحه يؤكل وان أصابه بقفا السكين أو بمقبض السكين لم يؤكل والمزراق كالسهم يخرق ويعمل في تسييل الدم * وان حدد مروة فذبح بها صيدا حل لحصول تسييل الدم بحد الآلة وفى حديث محمد بن صفوان أو صفوان بن محمد رضى الله عنه قال أخذت أرنبتين فذبحتهما بمروة محددة ثم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فجوز لي أكلهما. قال (وما توحش من الاهليات حل بنا يحل به الصيد من الرمى) لما بينا من الخبر أن لها أوابد كاوابد الوحش وقد روى عن محمد في البعير والبقرة إذ أنه في المصر أو خارج المصر فرماه انسان حل به لان يدفع عن نفسه نصيبا له ويخاف فوته وان كان في المصر وأما الشاة إذا مدت في المصر فلا تحل بالرمي لانه يمكنه أخذها في المصر عادة فلم يتحقق العجز عن ذكاة الاختيار يكتفى فيها بذكاة الاضطرار. قال (وإذا أصاب السهم الظلف والقرن فقتله حل أيضا به إذا أدماه ووصلت الرمية إلى اللحم) لان ما هو المقصود وهو تسييل الدم قد حصل وكذلك المتردى في بئر لا يقدر على ذكاته فاينما وجئ منه فأدماه فهو ذكاة لان المعتبر وقوع العجز عن ذكاة الاختيار وقد يتحقق ذلك بالتردى في البئر فهو وماند سواء قال (وان رى صيدا بسيف فأبان منه عضوا ومات أكل الصيد كله الا مابان عنه) لقوله عليه الصلاة والسلام ما أبين من الحى فهو ميت ومراد رسول الله صلى
[ 254 ]
الله عليه وسلم تحريم ما كانوا يعتادونه في الجاهلية فانهم كانوا يقطعون بعض لحم الالية من الشاة وربما لا يقطعون بعض لحم العجز منها فيأكلونه فحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ذلك لان فعل الذكاة لا يتحقق في المبان مقصودا وأصل الشاة حية وبدون الذكاة لا يثبت الحل وهذا المعنى موجود هنا فحكم الذكاة استقر في الصيد بعد ما مات وهذا العضو مبان من حين مات فلا يسرى حكم الذكاة إلى ذلك العضو ولا يمكن اثبات حكم الذكاة في ذلك العضو مقصودا بالابانة كما لو بقى الصيد حيا فلهذا لا يؤكل ذلك العضو وان لم يكن بان ذلك العضو منه أكل كله لان بقاء الاتصال يسرى حكم الذكاة إلى ذلك العضو فيكون حلالا كغيره وان كان تعلق منه بجلدة فان كان بمنزلة ما قد بان منه فلا يؤكل ومراده من ذلك إذا كان بحيث لا يتوهم اتصاله بعلاج فهو المبان سواء وان كان بحيث يتوهم ذلك فهذا جرح وليس بابانة فيؤكل كله ووان قطعه نصفين يؤكل كله لان فعله أثمر ما يكون من الذكاة إذ لا يتوهم بقاؤه حيا بعد ما قطعه نصفين طولا وان قطع الثلث منه مما يلى العجز فأبانه فانه يؤكل الثلثان اللذان مما يلي الرأس ولا يؤكل الثلث مما يلي العجز فان قطع الثلث مما يلي الرأس فابانه فانه يؤكل كله لان ما بين النصف إلى العنق مذبح يريد به أن الاوداج من القلب إلى الدماغ وان قطع الثلث مما يلي العجز لم يستقر فعل الذكاة بهذا حين لم تقطع الادواج وانما استقر بموته وهذا الجرح مبان عنه عند ذلك فأما إذا أبان الثلث مما يلى الرأس فقد استقر حكم الذكاة بقطع الاوداج بنفسه وكذلك ان قده نصفين فقد استفز فعل الذكاة بقطع الاوداج فلهذا يؤكل كله فان أبان طائفة من رأسه فان كان أقل من النصف لم يؤكل ما بان منه لان الرأس ليس بمذبح فهو كما لو أبان جزأ من الذنب وان كان النصف أو أكثر أكل لانه يتقطع الاوداج به فيكون فعله ذكاة بنفسه. قال (ولو ضرب وسمى وقطع ظلفه فان أدماه فلا بأس بأكله وان لم يكن ادماه لم يؤكل) لان تسييل الدم النجس لم يحصل وعلى هذا لو ضرب عنق شاة بسيف فأبانه من قبل الادواج فانه يؤكل وفى الكتاب رواه عن عمران بن حصين رضى الله عنه وقد اساء فيما صنع حين ترك الاحسان في الذبح * واختلف المتأخرون من مشايخنا رحمهم الله فيمن ذبح شاة في المذبح فلم يسل الدم منها وقد يكون ذلك إذا كانت قد أكلت العناب وكان أبو القاسم الصفار رضى الله تعالى عنه يقول لا يحل لا نعدام معنى الذكاة وهو تسييل الدم النجس وقد قال عليه الصلاه والسلام
[ 255 ]
سطر 407:
== [ 256 ] ==
 
لانه يتناول الجيف. ولسنا نأخذ بهذا وقد صح أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يأكل من لحم ادجاج ولو كان فيه أدنى خبث لا متنع رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} من تناوله والذى روى انه كان يحبس الدجاج ثلاثة أيام ثم يذبحها فذلك على سبيل التنزه من غير ان يكون ذلك شرطا في الدجاجة وغيرها مما يخلط وانما يشترط ذلك في الجلالة التى لا تأكل الا الجيف وفى الكتاب قال تحبس أياما على علف طاهر قيل ثلاثة أيام وقيل عشرة أيام والاصلح انها تحبس إلى أن تزول الرائحة المنتنة عنها لان الحرمة لذلك وهو شئ محسوس ولا يتقدر بالزمان لاختلاف الحيوانات في ذلك فيصار فيه إلى اعتبار زوال المضر فإذا زال بالعلف الطاهر حل تناوله والعمل عليه بعد ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم (تم الجزء الحادى عشر ويليه الجزء الثاني عشر وأوله كتاب الذبائح)