الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مبسوط السرخسي - الجزء الخامس»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
OKBOT (نقاش | مساهمات)
ط تدقيق إملائي. 88 كلمة مستهدفة حاليًا.
 
سطر 6:
[ 2 ]
بسم الله الرحمن الرحيم * (باب نكاح البكر) * * (قال) * رضي الله عنه وإذا زوج الرجل ابنته الكبيرة وهى بكر فبلغها فسكتت فهو رضاها والنكاح جائز عليها وإذا أبت وردت لم يجز العقد عندنا وعلى قول ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يجوز العقد وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى احتج بقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ليس للولى مع الثيب أمر فتخصيص الثيب بالذكر عند نفي ولاية الاستبداد للولي بالتصرف دليل على أنه يستبد بتزويج البكر ولان هذه بكر فيملك أبوها تزويجها كما لو كانت صغيرة وهذا لما بينا أن بالبلوغ لا يحدث لها رأي في باب النكاح فان طريق معرفة ذلك التجربة فكان بلوغها مع صفة البكارة كبلوغها مجنونة بخلاف المال والغلام فان الرأي هناك يحدث بالبلوغ عن عقل والدليل عليه أن للاب أن يقبض صداقها بغير أمرها إذا كانت بكرا فإذا جعل في حق قبض الصداق كأنها صغيرة حتى يستبد الاب بقبض صداقها فكذا في تزويجها وحجتنا في ذلك حديث أبي هريرة وأبي موسى الاشعري رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} رد نكاح بكر زوجها أبوها وهي كارهة وفي حديث آخر قال في البكر يزوجها وليها فان سكتت فقد رضيت وان أبت لم تكره وفي رواية فلا جواز عليها والدليل عليه حديث الخنساء فانها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} فقالت ان أبي زوجني من ابن أخيه وأنا لذلك كارهة فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} أجيزي ما صنع أبوك فقالت مالي رغبة فيما صنع أبي فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} اذهبي فلا نكاح لك انكحي من شئت فقالت أجزت ما صنع أبي ولكني أردت ان يعلم النساء ان ليس للآباء من أمور بناتهم شئ ولم ينكر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} مقالتها ولم يستفسر أنها بكر أو ثيب فدل ان الحكم لا يختلف وفي الحديث المعروف البكر تستأمر في نفسها وسكوتها رضاها فدل ان أصل الرضا منها معتبر والشافعي رحمه الله تعالى لا يعمل بهذا الحديث أصلا فانه يقول في حق الاب والجد لا يشترط رضاها
[ 3 ]
سطر 12:
[ 4 ]
سكوتها دليلا على الجواب الذي يحول الحياء بينها وبين ذلك وهو نعم لما فيه من اظهار الرغبة إلى الرجال وكذلك إذا بلغها العقد فلها جوابان أجزت أو رددت فيجعل السكوت دليلا على الجواب الذي يحول الحياء بينها وبين ذلك وهو الاجازة (قال) وكذلك لو ضحكت لان الضحك أدل علي الرضا بالتصرف من السكوت بخلاف مااذا بكت فان البكاء دليل السخط والكراهة وقد قال بعض المتأخرين هذا إذا كان لبكائها صوت كالويل فأما إذا خرج الدمع من عينها من غير صوت البكاء لم يكن هذا ردا بل هي تحزن علي مفارقة بيت أبويها وانما يكون ذلك عند الاجازة وكذلك قالوا ان ضحكت كالمستهزئة لما سمعت لا يكون رضا والضحك الذي يكون بطريق الاستهزاء معروف بين الناس (قال) فان قال قبل النكاح ان فلانا يخطبك وأنا مزوجك اياه فسكتت ثم ذهب فزوجها جاز النكاح لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} كان إذا خطب إليه بنت من بناته دنا من خدرها وقال ان فلانا يخطب فلانة ثم ذهب فزوجها ان سكتت وان نكتت خدرها باصبعها لم يزوجها وفي رواية أن كان يقول ان فلانا يخطب فلانة فان كرهتيه قولى لا فانما طلب منها جواب الرد لا جواب الرضا فدل ان السكوت يكفى للرضا وفى الكتاب لم يشترط تسمية الصداق في الاستئمار وانما اشترط تسمية الزوج لان الظاهر ان اختلاف رغبتها يكون باختلاف الزوج وان الاب لا يقف على مرادها في حق الزوج فاما في حق الصداق فالاب يعلم بمرادها في ذلك وهو صداق مثلها فلا حاجة إلى تسمية ذلك مع ان في أصل النكاح الشرط تسمية الزوجين لا المهر ففي الاستئمار أولى وبعض المتأخرين يقولون لابد من تسمية المهر في الاستئمار لان رغبتها تختلف باختلاف الصداق والقلة والكثرة والذي بيناه في الاب هو الحكم في سائر الاولياء فهذا دليل على ان الاستئمار انما يكون معتبرا من الولي الذي يملك مباشرة العقد فاما الاجنبي إذا استأمرها فسكتت لم يكن له أن يزوجها لان سكوتها لعدم الالتفات إلى استئمار الاجنبي فكأنها قالت مالك وللاستئمار حين لم تكن بسبيل من العقد الا أن يكون الذي استأمرها رسول الولي فحينئذ الرسول قائم مقام المرسل وحكي عن الكرخي رحمه الله تعالى ان سكوتها عند استئمار الاجنبي يكون رضا لانها تستحي من الاجنبي أكثر مما تستحي من الولي (قال) وإذا قالت البكر لم أرض حين بلغني وادعى الزوج رضاها فالقول قولها عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى القول قول الزوج لانه متمسك بما هو الاصل
[ 5 ]
سطر 21:
[ 7 ]
(قال) وإذا مات زوج البكر قبل أن يدخل بها بعد ما خلا بها زوجها أبوها بعد انقضاء العدة كما تزوج البكر لان صفة البكارة قائمة والحياء الذي هو علة قائم فان بوجوب العدة والمهر لا يزول الحياء فلهذا يكتفى بسكوتها وان جومعت بشبهة أو نكاح فاسد لم يجز تزويجها بعد ذلك برضاها ولا يكتفي بسكوتها في هذا الموضع لانها ثيب لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} والثيب تشاور فاما إذا زنت يكتفى بسكوتها عند التزويج عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعند أبي يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالى لا يكتفى بسكوتها لانها ثيب لان الثيب اسم لامرأة يكون مصيبها عائدا إليها مشتق من قولهم ثاب أي رجع والبكر اسم لامرأة مصيبها يكون أول مصيب لها لان البكارة عبارة عن أولية الشئ ومنه يقال لاول النهار بكرة وأول الثمار باكورة والدليل عليه انها تستحق من الوصية للثيب دون الوصية للابكار وإذا كانت ثيبا وجب مشورتها بالنص ولا يجوز الاشتغال بالتعليل مع هذا لانه يكون تعليلا لابطال حكم ثابت بالنص ولان الحياء بعد هذا يكون رعونة منها فانها لما لم تستح من اظهار الرغبة في الرجال على أفحش الوجوه كيف تستحي من اظهار الرغبة على أحسن الوجوه بخلاف حياء البكر لانه حياء كرم الطبيعة وذلك أمر محمود وهذه لو كان فيها حياء انما هو استحياء من ظهور الفاحشة وذلك غير ما ورد فيه النص ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول صاحب الشرع انما يجعل سكوتها رضا لا للبكارة بل لعلة الحياء فان عائشة رضى الله تعالى عنها لما اخبرت أنها تستحي فحينئذ قال سكوتها رضاها وغلبة الحياء هنا موجودة فانها وان أبتليت بالزنا مرة لفرط الشبق أو أكرهت على الزنا لا ينعدم حياؤها بل يزداد لان في الاستنطاق ظهور فاحشتها وهي تستحي من ذلك غاية الاستحياء وهذا الاستحياء محمود منها لانها سترت ما على نفسها وقد أمرت بذلك قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله وقبل هذا الفعل انما كانت لا تستنطق لان الاستنطاق دليل ظهور رغبتها في الرجال فإذا سقط نطقها في موضع يكون النطق دليل رغبتها في الرجال على أحسن الوجوه فلان يسقط نطقها في موضع يكون النطق دليل الرغبة في الرجال على أفحش الوجوه كان أولى بخلاف ما إذا وطئت بشبهة أو بنكاح فاسد لان الشرع أظهر ذلك الفعل عليها حين ألزم المهر والعدة وأثبت النسب بذلك الفعل وهنا الشرع ما أظهر ذلك عليها إذ لم يعلق به شيئا من الاحكام وأمرها بالستر على نفسها فان
[ 8 ]
أخرجت وأقيم عليها الحد فالصحيح أنه لا يكتفي بسكوتها أيضا بعد ذلك وكذلك إذا صار الزنا عادة لها وبعض مشايخنا رحمهم الله تعالى يقول في هذين الفصلين يكتفي بسكوتها أيضا لانها بكر شرعا. ألا ترى أنها تدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ولكن هذا ضعيف فان في الموطؤة بالشبهة والنكاح الفاسد هذا موجود ولا يكتفي بسكوتها فعرفنا ان المعتبر بقاء صفة الحياء ولو زالت بكارتها بالوثبة أو الطفرة أو بطول التعنيس يكتفي بسكوتها عندنا وفي أحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى هي بمنزلة الثب استدلالا بالبيع فانه لو باع جارية بشرط انها بكر فوجدها المشتري بهذه الصفة كان له ان يردها فدل انها ليست ببكر بعدما أصابها ما أصابها ولكنا نقول هي بكر لان مصيبها أول مصيب لها الا انها ليست بعذراء والعادة بين الناس انهم باشتراط البكارة في السرائر يريدون صفة العذرة فلهذا ثبت حق الرد فأما هذا الحكم تعلق بالحياء أو بصفة البكارة وهما قائمان الا ترى ان عائشة رضي الله عنها لما افتخرت بالبكارة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} اشارت إلى هذا المعنى فقال رأيت لو وردت وادبين احداهما رعاها أحد قبلك والاخرى لم يرعها أحد قبلك إلى ايهما تميل فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} إلى التى لم يرعها أحد قبلي فقالت انا ذاك فعرفنا انها ما لم توطأ فهي بكر (قال) وإذا زوج البكر أبوها من رجل وأخوها من رجل آخر بعده فأجازت نكاح الاخ جاز ذلك عليها ولم يجز نكاح الاب وهو بناء على أصلنا ان العقد لا يجوز الا برضاها سواء كان المباشر أبا أو أخا فانما وجد شرط نفوذ نكاح الاخ وهو رضاها بذلك ومن ضرورة رضاها بنكاح الاخ رد نكاح الاب فلهذا يبطل نكاح الاب (قال) وإذا زوجها وليها بغير أمرها فلم يبلغها حتى ماتت هي أو مات الزوج لم يتوارثا لان النكاح لا ينفذ عليها الا برضاها والارث حكم يختص بالنكاح الصحيح المنتهى بالموت ولم يوجد فهو بمنزلة النكاح الفاسد إذا مات فيه أحدهما لم يتوارثا (قال) وان زوجها أبوها وهو عبد أو كافر ورضيت به جاز لان العقد كان موقوفا على اجازتها الا ترى انها لو أذنت في الابتداء نفذ عقده باذنها فكذلك إذا أجازت في الانتهاء ولكن لا نقول سكوتها رضا منها لان العاقد لم يكن وليا لها والحاجة في عقد غير الولي إلى توكيلها لا إلى رضاها والتوكيل غير الرضا فان التوكيل انابة والرضا اسقاط حق الرد فلهذا لا يثبت التوكيل بالسكوت وهذا يبين لك ما قلنا ان الصحيح في استئمار الاجنبي انه لا يكتفي بسكوتها (قال) وإذا زوج البكر
[ 9 ]
وليها بأمرها وزوجت هي نفسها فان قالت هو الاول فالقول قولها وهو الزوج لانها أقرت بملك النكاح له على نفسها واقرارها حجة تامة عليها وان قالت لا أدري أيهما أول ولا يعلم ذلك فرق بينهما لانه لا يمكن تصحيح نكاحهما فان المرأة لا تحل لرجلين بالنكاح وليس أحدهما بأولى من الآخر فيفرق بينها وبينهما لهذا وكذلك لو زوجها وليان بأمرها والثيب والبكر في هذا سواء لما بينا (قال) وإذا زوج البكر وليها فاخبرها بذلك فقالت لا ارضى ثم قالت قد رضيت فلا نكاح بينهما لان العقد قد بطل بينهما بردها فانما رضيت بعد ذلك بالعقد المفسوخ وذلك باطل ولهذا جرى الرسم بتجديد العقد عند الزفاف لانها في المرة الاولى تظهر الرد وغير ذلك لا يحمد منها ثم لا يزال بها أولياؤها يرغبونها حتى رضيت فلو لم يتجدد العقد كانت تزف إلى أجنبي فلهذا استحسنا تجديد العقد عند الزفاف (قال) وإذا استؤمرت في نكاح رجل خطبها فابت ثم زوجها الولي منه فسكتت فهو رضاها لانها لما أبت بطل استئمارها فكأنه زوجها من غير استئمار فيكون سكوتها رضاها وكان محمد بن مقاتل رحمه الله تعالى يقول هنا لا يجوز ولا يكون سكوتها رضا لانها قد صرحت بالسخط فكيف يكون سكوتها بعد ذلك دليل رضاها ولكنا نقول قد يسخط المرء الشئ في وقت ويرضى به في وقت آخر فسخطها قبل العقد لا يمنعنا ان نجعل سكوتها رضا بعد العقد والله أعلم بالصواب * (باب نكاح الثيب) * (قال) قد بلغنا رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ان رجلا زوج ابنته وهي كارهة وهي تريد عم صبيانها ففرق رسول صلى الله عليه وسلم{{ص}} بينها وبين الذي زوجها منه أبوها ثم زوجها عم ولدها وهذه المرأة كانت ثيبا لان الراوي قال وهى تريد عم صبيانها فهذا دليل على ان نكاح الاب الثيب لا ينفذ بدون رضاها وهو مجمع عليه ولا يكون للشافعي في هذا الحديث حجة علينا في البكر لان ضد هذا الحكم في حق البكر مفهوم والمفهوم عندنا ليس بحجة ولانه خص الثيب بالذكر وتخصيص الثيب بالذكر لا يدل على أن الحكم في غيرها بخلافه ثم في هذا الحديث دليل على أن الولي إذا امتنع عن التزويج زوجها الامام فان الاب هنا امتنع من تزويجها ممن أرادت فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بولاية الامامة وفيه دليل على ان اختيار الازواج إليها لا إلى الولي لانها هي التي تعاشر الازواج فانما تحسن
[ 10 ]
سطر 33:
[ 11 ]
تعالى ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن. وقال الشافعي رحمه الله تعالى وهذه أبين آية في كتاب الله تعالى تدل على أن النكاح لا يجوز بغير ولي لانه نهى الولي عن المنع وانما يتحقق المنع منه إذا كان الممنوع في يده وفى حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال أيما امرأة نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل وإذا دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها لا وكس ولا شطط فان تشاجرا فالسلطان ولي من لا ولي له وفي الحديث المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال لا نكاح الا بولي وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح خاطب وولي وشاهدا عدل وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال لا تنكح المرأة المرأة ولا المرأة نفسها وانما الزانية هي التي تنكح نفسها وان عائشة رضي الله عنها كانت تحضر النكاح وتخطب ثم تقول اعقدوا فان النساء لا يعقدن والمعنى فيه أنها ناقصة بنقصان الانوثة فلا تملك مباشرة عقد النكاح لنفسها كالصغيرة والمجنونة وهذا لان النكاح عقد عظيم خطره كبير ومقاصده شريفة ولهذا أظهر الشرع خطره باشتراط الشاهدين فيه من بين سائر المعاوضات فلاظهار خطره تجعل مباشرته مفوضة إلى أولى الرأي الكامل من الرجال لان النساء ناقصات العقل والدين فكان نقصان عقلها بصفة الانوثة بمنزلة نقصان عقلها بصفة الصغر ولهذا قال محمد رحمه الله تعالى ان عقدها يتوقف على اجازة الولي كما ان عقد الصغيرة التي تعقل يتوقف على اجازة الولي وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا ينعقد العقد بعبارتها أصلا كما لا ينعقد التصرف بعبارة الصغيرة عنده والدليل عليه ثبوت حق الاعتراض للاولياء إذا وضعت نفسها في غير كف ء ولو ثبتت لها ولاية الاستبداد بالمباشرة لم يثبت للاولياء حق الاعتراض كالرجل وكذلك تملك مطالبة الولي بالتزويج ولو كانت مالكة للعقد على نفسها لما كان لها ان تطالب الولي به والدليل على اعتبار نقصان عقلها انه لم يجعل إليها من جانب رفع العقد شئ بل الزوج هو الذي يستبد بالطلاق واما من جوز النكاح بغير ولي استدل بقوله تعالى فلا جناح عليهن فيما فعلن في أنفسهن وبقوله تعالى حتى تنكح زوجا غيره وقوله تعالى ان ينكحن أزواجهن اضاف العقد اليهن في هذه الآيات فدل انها تملك المباشرة والمراد بالعضل المنع حسا بأن بحبسها في بيت ويمنعها من ان تتزوج وهذا خطاب للازواج فانه قال في أول الآية وإذا طلقتم
[ 12 ]
النساء وبه نقول ان من طلق امرأته وانقضت عدتها فليس له ان يمنعها من التزوج بزوج آخر واما الاخبار فقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} الايم أحق بنفسها من وليها والايم اسم لامرأة لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا وهذا هو الصحيح عند أهل اللغة وهو اختيار الكرخي رحمه الله تعالى قال الايم من النساء كالاعزب من الرجال بخلاف ما ذكر محمد رحمه الله تعالى ان الايم اسم للثيب وقد بينا هذا في شرح الجامع وقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} ليس للولي مع الثيب أمر وحديث الخنساء حيث قالت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ولكني أردت ان تعلم النساء ان ليس إلى الآباء من أمور بناتهم شئ ولما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أم سلمة رضي الله عنها اعتذرت باعذار من جملتها ان أولياءها غيب فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} ليس في أوليائك من لا يرضي بي قم يا عمر فزوج أمك من رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} خاطب به عمر بن أبي سلمة وكان ابن سبع سنين وعن عمر وعلي وابن عمر رضي الله تعالى عنهم جواز النكاح بغير ولى وان عائشة رضي الله تعالى عنها زوجت ابنة أخيها حفصة بنت عبد الرحمن من المنذر ابن الزبير وهو غائب فلما رجع قال أو مثلي يفتات عليه في بناته فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها أو ترغب عن المنذر والله لتملكنه أمرها وبهذا تبين أن ما رووا من حديث عائشة رضى الله تعالى عنها غير صحيح فان فتوى الراوي بخلاف الحديث دليل وهن الحديث ومدار ذلك الحديث على الزهري وأنكره الزهري وجوز النكاح بغير ولي ثم هو محمول على الامة إذا زوجت نفسها بغير اذن مولاها أو على الصغيرة أو على المجنونة وكذلك سائر الاخبار التي رووا على هذا تحمل أو على بيان الندب ان المستحب أن لا تباشر المرأة العقد ولكن الولي هو الذي يزوجها والمعني فيه أنها تصرفت في خالص حقها ولم تلحق الضرر بغيرها فينعقد تصرفها كما لو تصرفت في مالها وبيان الوصف أن النكاح من الكف ء بمهر المثل خالص حقها بدليل أن لها أن تطالب الولى به ويجبر الولى على الايفاء عند طلبها وهى من أهل استيفاء حقوق نفسها فانما استوفت بالمباشرة حقها وكفت الولى مؤنة الايفاء فهو نظير صاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه فاستوفى كان استيفاؤه صحيحا فكذلك هنا والدليل عليه ان اختيار الازواج إليها بالاتفاق والتفاوت في حق الاغراض والمقاصد انما يقع باختيار الزوج لا بمباشرة العقد ولو كان لنقصان عقلها عبرة لما كان لها اختيار الازواج وكذلك اقرارها بالنكاح صحيح على نفسها ولو كانت بمنزلة الصغيرة ما صح
[ 13 ]
سطر 45:
[ 15 ]
رحمهما الله تعالى أنه قال سألته عن النكاح بغير ولى فقال لا يجوز قلت فان لم يكن لها ولي قال يرفع أمرها إلى الحاكم ليزوجها قلت فان كانت في موضع لا حاكم في ذلك الموضع قال يفعل ما قال سفيان رحمه الله تعالى قلت وما فعل سفيان قال تولى أمرها رجلا ليزوجها ثم قد صح رجوع محمد إلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى في النكاح بغير ولي وعلى ذلك تنبني مسائل الجامع يقول في الكتاب فان طلقها ثلاثا قبل ان يجيز الحاكم أو الولي عقدها يكون هذا ردا للنكاح وهو قول محمد رحمه الله تعالى فاما عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى تصح التطليقات الثلاث ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وعند محمد رحمه الله تعالى لا يقع الطلاق ولكن هذا رد للنكاح الا انه يكره له ان يتزوجها ثانيا قبل ان تتزوج بزوج آخر لاختلاف العلماء واشتباه الاخبار في جواز النكاح بغير ولي ولان ترك نكاح امرأة تحل له خير من ان يتزوج امرة لا تحل له ولكنه لو تزوجها لم يفرق بينهما عنده لان الطلاق لم يكن واقعا عليها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب الوكالة في النكاح) * (قال) وإذا خطب الرجل امرأة على رجل غائب لم يأمره فزوجت نفسها أو زوجها أبوها برضاها فقدم الغائب أو بلغه ذلك فأجاز النكاح فهو جائز عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى هو باطل بناء على أصله ان العقود لا تتوقف على الاجازة وهي مسألة في البيوع معروفة وعندنا تتوقف العقود على الاجازة وكل عقد لو سبق الاذن به ممن يقع له كان صحيحا فانه يتوقف على اجازته فإذا أجازة في الانتهاء جعل ذلك كالاذن في الابتداء ولو عقد هذا العقد باذنه في الابتداء كان صحيحا فكذلك باجازته في الانتهاء وهذا لان ركن العقد هو الايجاب والقبول وذلك من حق المتعاقدين وقد أضافه إلى محل قابل للعقد فيتم به الانعقاد إذ لا ضرر على الغائب في انعقاد العقد وانما الضرر عليه في التزام العقد وقد يتراخي الالتزام عن أصل العقد فتثبت صفة الانعقاد لانه حق المتعاقدين ويتوقف تمامه وثبوت حكمه على اجازة من وقع العقد له دفعا للضرر عنه ولو ان الغائب وكل هذا الحاضر بكتاب كتبه إليه حتى زوجها منه كان صحيحا وكذلك لو كتب إليها يخطبها فزوجت نفسها منه كان صحيحا والاصل فيه ما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} كتب إلى النجاشي يخطب أم حبيبة رضي الله عنها فزوجها
[ 16 ]
النجاشي منه وكان هو وليها بالسلطنة وروى انه زوجها منه قبل ان يكتب به رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فاجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} كتابه وكلاهما حجة لنا على أن النكاح تلحقه الاجازة وان الخطبة بالكتاب تصح وهذا لان الكتاب ممن نأي كالخطاب ممن دنى فان الكتاب له حروف ومفهوم يؤدي عن معنى معلوم فهو بمنزلة الخطاب من الحاضر وكان الحسن بن حي رحمه الله تعالى يقول لا ينعقد النكاح بالكتاب لعظم خطر أمر النكاح وهذا فاسد فان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} كان مأمورا بتبليغ الرسالة بقوله تعالى يا أيها الرسول بلغ وقد بلغ تارة بالكتاب وتارة باللسان فانه كتب إلى ملوك الافاق يدعوهم إلى الدين وكان ذلك تبليغا تاما فكذلك في عقد النكاح الكتاب بمنزلة الخطاب الا انه إذا كتب إليها فبلغها الكتاب فقالت زوجت نفسي منه بغير محضر من الشهود لا ينعقد النكاح كما في حق الحاضر فان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال لا نكاح الا بشهود ولو قالت بين يدي الشهود زوجت نفسي منه لا ينعقد النكاح أيضا لان سماع الشهود كلام المتعاقدين شرط لجواز النكاح وانما سمعوا كلامها هنا لا كلامه ولو كانت حين بلغها الكتاب قرأته على الشهود وقالت ان فلانا كتب الي يخطبني فاشهدوا اني قد زوجت نفسي منه فهذا صحيح لانهم سمعوا كلام الخاطب باسماعها اياهم إما بقراءة الكتاب أو العبارة عنه وسمعوا كلامها حيث أوجبت العقد بين أيديهم فلهذا تم النكاح وهذا بخلاف البيع فان المكتوب إليه إذا قال هناك بعت هذه العين من فلان بكذا جاز وان لم يكن بحضرة الشهود أو كان بحضرتهم ولم يقرأ الكتاب عليهم لان البيع يصح بغير شهود كما في الحاضر الا أنه ذكر في الكتاب في البيع أنه إذا كتب إليه أن بعنى كذا بكذا فقال بعت يتم البيع وقد طعنوا في هذا فقالوا أن البيع لا ينعقد بهذا اللفظ من الحاضر فان من قال لغيره بع عبدك منى بكذا فقال بعت لا ينعقد ما لم يقل الثاني اشتريت لانه لابد في البيع من لفظين هما عبارة عن الماضي بخلاف النكاح فان النكاح ينعقد بلفظين أحدهما عبارة عن الماضي والآخر عن المستقبل والشافعي ومحمد رحمهما الله تعالى سويا بينهما والفرق لعلمائنا رحمهم الله تعالى أن البيع يقع بغتة وفلتة فقوله يعني يكون استياما عادة فلابد من الايجاب والقبول بعده فأما النكاح يتقدمه خطبة ومراودة فقلما يقع بغتة فقوله زوجني يكون أحد شطرى العقد توضيح الفرق أن قوله زوجيني نفسك تفويض للعقد إليها وكلام الواحد في باب النكاح يصلح لاتمام العقد إذا كان الامر مفوضا
[ 17 ]
إليه من الجانبين فيمكن أن يجعل قولها زوجت نفسي عقدا تاما وفي باب البيع كلام الواحد لا يصلح لاتمام العقد من الجانبين وان كان مفوضا إليه من الجانبين فكان قوله بعت منك شطر العقد فلابد من أن ينضم إليه الشطر الثاني ليصح إذا عرفنا هذا فنقول مراد محمد رحمه الله تعالى هنا بيان الفرق بين النكاح والبيع في شرط الشهود دون اللفظ الذي ينعقد به البيع أو نقول بعنى قوله من الحاضر يكون استياما عادة فأما من الغائب إذا كتب إليه فقوله بعني يكو أحد شطري العقد فإذا انضم إليه الشطر الثاني تم البيع فان جاء الزوج بالكتاب مختوما إلى الشهود وقال هذا كتابي إلى فلانة فاشهدوا على ذلك لم يجز ذلك في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى حتى يعلم الشهود ما في الكتاب وهو قول أبي يوسف الاول ثم رجع فقال يجوز ولا يشترط اعلام الشهود بما في الكتاب وأصل الخلاف في كتاب القاضي إلى القاضي عند أبي يوسف رحمه الله تعالى تجوز الشهادة على الكتاب والختم وان كان لا يعلم الشهود ما في الكتاب وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا تجوز لان المشهود به ما في الكتاب لا نفس الكتاب ولكن استحسن أبو يوسف رحمه الله تعالى فقال قد يشتمل الكتاب على شرط لا يعجبهم اعلام الشهود بذلك وإذا كان مختوما يؤمن من الزيادة والنقصان فيه فيكون صحيحا ثم في هذا الكتاب قال يجوز عند أبي يوسف رحمه الله تعالى مختوما كان أو غير مختوم وذكر في الامالي أن الكتاب إذا كان غير مختوم لا يجوز عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى أصلا وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يجوز الا أن يعلم الشهود ما فيه وإذا كان مختوما فحينئذ هل يشترط اعلام الشهود ما فيه فعن أبي يوسف رحمه الله تعالى فيه روايتان وكما ينعقد النكاح بالكتاب ينعقد البيع وسائر التصرفات للمعنى الذي قلنا (قال) ويجوز للواحد أن ينفرد بالعقد عند الشهود على الاثنين إذا كان وليا لهما أو كيلا عنهما وعلى قول زفر رحمه الله تعالى ان كان وليهما جاز وان كان وكيلا لا يجوز أما زفر رحمه الله تعالى يقول النكاح عقد معاوضة فلا يباشره الواحد من الجانبين كعقد البيع وهو قياس يوافقه الاثر وهو ما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح خاطب وولي وشاهدا عدل والشافعي رحمه الله تعالى بنحوه يستدل في الوكيل من الجانبين أنه لا يتم العقد بعبارته لانه لا ضرورة في توكيل الواحد من الجانبين بخلاف ما إذا كان وليا من الجانبين لان في تنفيذ العقد بعبارته ضرورة
[ 18 ]
سطر 69:
[ 23 ]
ولم ير نفسه كفؤا للعرب وحجته في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} الناس سواسية كاسنان المشط لا فضل لعربي على عجمى انما الفضل بالتقوى وهذا الحديث يؤيده قوله تعالى ان اكرمكم عند الله اتقاكم وقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} كلكم بنو آدم طف للصاع لم يملا وقال الناس كابل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة واحدة فهذه الآثار تدل على المساواة وان التفاضل بالعمل ومن أبطا به عمله لم يسرع به نسبه وخطب أبو طيبة امرأة من بني بياضة فابوا ان يزوجوه فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} زوجوا أبا طيبة الا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير فقالوا نعم وكرامة وخطب بلال رضي الله عنه إلى قوم من العرب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} قل لهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} يأمركم ان تزوجوني وان سلمان خطب بنت عمر رضي الله عنه فهم ان يزوجها منه ثم لم يتفق ذلك وحجتنا في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} قريش بعضهم أكفاء لبعض بطن ببطن والعرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة والموالي بعضهم أكفاء لبعض رجل برجل وفي حديث جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال ألا لا يزوج النساء الا الاولياء ولا يزوجن الا من الاكفاء وما زالت الكفاءة مطلوبة فيما بين العرب حتى في القتال بيانه في قصة الثلاثة الذين خرجوا يوم بدر للبراز عتبة وشيبة والوليد فخرج إليهم ثلاثة من فتيان الأنصار فقالوا لهم انتسبوا فانتسبوا فقالوا أبناء قوم كرام ولكنا نريد أكفاءنا من قريش فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فأخبروه بذلك فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} صدقوا وأمر حمزة وعليا وعبيدة بن الحارث رضوان الله عليهم أجمعين بأن يخرجوا إليهم فلما لم ينكر عليهم طلب الكفاءة في القتال ففي النكاح أولى وهذا لان النكاح يعقد للعمر ويشتمل على اغراض ومقاصد من الصحبة والالفة والعشرة وتأسيس القرابات وذلك لا يتم الا بين الاكفاء وفي أصل الملك على المرأة نوع ذلة واليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فقال النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته واذلال النفس حرام قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} ليس للمؤمن ان يذل نفسه وانما جوز ما جوز منه لاجل الضرورة وفي استفراش من لا يكافئها زيادة الذل ولا ضرورة في هذه الزيادة فلهذا اعتبرت الكفاءة والمراد من الآثار التى رواها في أحكام الآخرة وبه نقول ان التفاضل في الآخرة بالتقوى وتأويل الحديث الآخر الندب إلى التواضع وترك طلب الكفاءة لا الالزام وبه نقول ان عند الرضا يجوز العقد ويحكي عن
[ 24 ]
الكرخي رحمه الله تعالى انه كان يقول الاصح عندي ان لا تعتبر الكفاءة في النكاح أصلا لان الكفاءة غير معتبرة فيما هو أهم من النكاح وهو الدماء فلان لا تعتبر في النكاح أولى ولكن هذا ليس بصحيح فان الكفاءة غير معتبرة في الدين في باب الدم حتى يقتل المسلم بالكافر ولا يدل ذلك على أنه غير معتبر في النكاح إذا عرفنا هذا فنقول الكفاءة في خمسة أشياء (أحدها) النسب وهو على ما قال قريش أكفاء بعضها لبعض فأنهم فيما بينهم يتفاضلون وأفضلهم بنو هاشم ومع التفاضل هم أكفاء ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} تزوج عائشة رضى الله تعالى عنها وكانت تيمبة وتزوج حفصة رضى الله تعالى عنها وكانت عدوية وزوج ابنته من عثمان رضي الله تعالى عنه وكان عبشميا فعرفنا أن بعضهم أكفاء لبعض. وروى عن محمد رحمه الله تعالى أنه قال الا أن يكون نسبا مشهورا نحو أهل بيت الخلافة فان غيرهم لا يكافئهم وكانه قال ذلك لتسكين الفتنة وتعظيم الخلافة لا لانعدام أصل الكفاءة والعرب بعضهم أكفاء لبعض فان فضيلة العرب بكون رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} منهم ونزول القرآن بلغتهم وقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} حب العرب من الايمان وقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} لسلمان رضي الله تعالى عنه لا تبغضني قال وكيف أبغضك وقد هداني الله بك قال تبغض العرب فتبغضني ولا تكون العرب كفؤا لقريش والموالي لا يكونون كفؤا للعرب كما قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} والموالي بعضهم أكفاء لبعض وهذا لان الموالي ضيعوا أنسابهم فلا يكون التفاخر بينهم بالنسب بل بالدين كما أشار إليه سلمان رضي الله تعالى عنه حين تفاخر جماعة من الصحابة بذكر الانساب فلما انتهى إلى سلمان رضي الله تعالى عنه قالوا سلمان ابن من فقال سلمان ابن الاسلام فبلغ ذلك عمر رضي الله تعالى عنه فبكى وقال وعمر ابن الاسلام فمن كان من الموالى له أبوان في الاسلام فهو كفؤ لمن له عشرة آباه لان النسبة تتم بالانتساب إلى الاب والجد فمن كان له أبوان مسلمان فله في الاسلام نسب صحيح ومن أسلم بنفسه لا يكون كفؤا لمن له أب في الاسلام ومن أسلم أبوه لا يكون كفؤا لمن له أبوان في الاسلام لان هذا يحتاج في النسبة إلى الاب الكافر وذلك منهى عنه لما روى أن رجلا انتسب إلى تسعة آباء في الجاهلية فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} هو عاشرهم في النار ولكن هذا إذا كان على سبيل التفاخر دون التعريف (والثاني) الكفاءة في الحرية فان العبد لا يكون كفؤا لامرأة حرة الاصل وكذلك المعتق لا يكون كفؤا لحرة الاصل والمعتق أبوه لا يكون كفؤا لامرأة
[ 25 ]
لها أبوان في الحرية وهذا لان الرق أثر من آثار الكفر وفيه معنى الذل فكان هو بمنزلة أصل الدين من الوجه الذي قلنا وقد روى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى ان الذي أسلم بنفسه أو أعتق لو أحرز من الفضائل ما يقابل نسب الآخر كان كفؤا له (والثالث) الكفاءة من حيث المال فان من لا يقدر على مهر امرأة ونفقتها لا يكون كفؤا لها لان المهر عوض بضعها والنفقة تندفع بها حاجتها وهي إلى ذلك أحوج منها إلى نسب الزوج فإذا كانت تنعدم الكفاءة بضعة نسب الزوج فبعجزه عن المهر والنفقة أولى وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى قال إذا كان يقدر على ما يعجله ويكتسب فينفق عليها يوما بيوم كان كفؤا لها وأما إذا كان قادرا على المهر والنفقة كان كفؤا لها وان كانت المرأة صاحبة مال عظيم وبعض المتأخرين اعتبروا الكفاءة في كثرة المال لحديث عائشة رضي الله عنها رأيت ذا المال مهيبا ورأيت ذا الفقر مهينا وقالت ان احساب ذوى الدنيا المال والاصح أن ذلك لا يعتبر لان كثرة المال في الاصل مذموم قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} هلك المكثرون الا من قال بماله هكذا وهكذا يعني تصدق به (والرابع) الكفاءة في الحرف والمروي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن ذلك غير معتبر أصلا وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه معتبر حتى أن الدباغ والحجام والحائك والكناس لا يكون كفؤا لبنت البزاز والعطار وكأنه اعتبر العادة في ذلك وورد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أنه قال الناس أكفاء الا الحائك والحجام ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى قال الحديث شاذ لا يؤخذ به فيما تعم به البلوى والحرفة ليست بشئ لازم فالمرء تارة يحترف بحرفة نفيسة وتارة بحرفة خسيسة بخلاف صفة النسب لانه لازم له وذل الفقر كذلك فان لا يفارقه (والخامس) الكفاءة في الحسب وهو مروي عن محمد رحمه الله تعالى قال هو معتبر حتى أن الذي يسكر فيخرج فيستهزئ به الصبيان لا يكون كفؤا لامرأة صالحة من أهل البيوتات وكذلك أعوان الظلمة من يستخف به منهم لا يكون كفؤا لامرأة صالحة من أهل البيوتات الا أن يكون مهيبا يعظم في الناس وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى قال الذي يشرب المسكر فان كان يسر ذلك فلا يخرج سكران كان كفؤا وان كان يعلن ذلك لم يكن كفؤا لامرأة صالحة من أهل البيوتات ولم ينقل عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى شئ من ذلك والصحيح عنده انه غير معتبر لان هذا ليس بلازم حتى لا يمكن تركه (قال) وإذا وإذا زوجت المرأة نفسها من غير كف ء فللاولياء أن يفرقوا بينهما لانها
[ 26 ]
ألحقت العار بالاولياء فانهم يتعيرون بأن ينسب إليهم بالمصاهرة من لا يكافئهم فكان لهم أن يخاصموا لدفع ذلك عن أنفسهم ولا يكون التفريق بذلك الا عند القاضى لانه فسخ للعقد بسبب نقص فكان قياس الرد بالعيب بعد القبض وذلك لا يثبت الا بقضاء القاضي ولانه مختلف فيه بين العلماء فكان لكل واحد من الخصمين نوع حجة فيما يقول فلا يكون التفريق الا بالقضاء وما لم يفرق القاضي بينهما فحكم الطلاق والظهار والايلاء والتوارث قائم بينهما لان أصل النكاح انعقد صحيحا في ظاهر الرواية فانه لا ضرر على الاولياء في صحة العقد وانما الضرر عليهم في اللزوم فتتوفر عليه أحكام العقد الصحيح فإذا فرق القاضي بينهما كانت فرقة بغير طلاق لان هذا التفريق كان على سبيل الفسخ لاصل النكاح والطلاق تصرف في النكاح فما يكون فسخا لاصل النكاح عندنا لا يكون تصرفا فيه ولان الطلاق إلى الزوج فتفريق القاضي متى كان على وجه النيابة عن الزوج كان طلاقا وهذا التفريق ليس على وجه النيابة عنه فإذا لم يكن طلاقا قلنا لا مهر لها عليه ان لم يكن دخل بها وان كان دخل بها أو خلا بها فلها ما سمى من المهر وعليها العدة لان أصل النكاح كان صحيحا فيتقرر المسمى بالتسليم اما بالدخول أو بالخلوة والمكاتب والمدبر نظير العبد في انه لا يكون كفؤا للحرة لان الرق فيهما فائم قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} المكاتب عبد ما بقى عليه درهم (قال) وإذا تزوجت المرأة غير كف ء فرضى به أحد الاولياء جاز ذلك ولا يكون لمن هو مثله في الولاية أو أبعد منه ان ينقضه الا ان يكون أقرب منه فحينئذ له المطالبة بالتفريق وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى في نوادر هشام إذا رضى أحد الوليين بغير كف ء فللولي الذي هو مثله ان لا يرضى به وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى وكذلك ان كان هذا الولي الراضي هو الذي زوجها والخلاف مع الشافعي انما يتحقق هنا وجه قولهم ان طلب الكفاءة حق جميع الاولياء فإذا رضى منهم واحد فقد أسقط حق نفسه وحق غيره فيصح اسقاطه في حق نفسه دون غيره كالدين المشترك إذا أبرأ أحدهم أو ارتهن رجلان عينا ثم رده أحدهما أو سلم أحد االشفيعين الشفعة أو عفى أحد الوليين عن القصاص يصح في حقه دون غيره وكذلك لو قذف أم جماعة وصدقه أحدهم كان للباقين المطالبة بالحد والدليل عليه انها لو زوجت نفسها من غير كف ء كان للاولياء أن يفرقوا ولم يكن رضاها بعدم الكفاءة مبطلا حق الاولياء فكذلك هنا وحجتنا ان الحق واحد وهو غير محتمل للتجزي لانه ثبت بسبب
[ 27 ]
سطر 87:
[ 29 ]
ويكون النكاح متأكدا في حكم المهر والعدة ولان وجوب العدة لتوهم اشتغال الرحم بالماء عند الفرقة وهذا قائم في العقد الثاني لانه لا تأثير في تجديد العقد في براءة الرحم وقد كان توهم الشغل ثابتا حتى أوجبنا العدة عند الفرقة لاولى وهذا على قول محمد رحمه الله تعالى الزم لانه يلزمها بقية العدة الاولى باعتبار توهم الشغل والعدة لا تتجزي في الوجوب وعلى هذا الاصل لو كانت الفرقة بسبب اللعان أو بخيار البلوغ أو بخيار العتق كله على الاصل الذي بيناه وكذلك ان كان النكاح الاول فاسدا أو كان دخل بها بشبهة ثم تزوجها نكاحا صحيحا في العدة وان كان النكاح الاول صحيحا والثاني فاسدا ففرق بينهما قبل الدخول لا يجب المهر بالاتفاق لان صيرورته قابضا باعتبار تمكنه من القبض شرعا وذلك بالعقد الفاسد لا يكون ألا ترى أن الخلوة في النكاح الفاسد لا توجب المهر والعدة فهنا كذلك العدة الاولى لم تسقط بمجرد العقد الفاسد فبقيت معتدة كما كانت ولا مهر لها عليه إذا فرق بينهما قبل الدخول ولو كان العقد الثاني صحيحا فارتدت ووقعت الفرقة بينهما فهو على هذا الخلاف الذي قلنا لها كمال المهر في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وعند محمد رحمه الله تعالى لا مهر لها لان الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول فلو كان تزوجها في جميع هذه الوجوه بعد انقضاء العدة كان الجواب عندهم كما هو قول محمد وزفر رحمهما الله تعالى في الفصول المتقدمة لانه لم يبق له عليها تلك اليد بعد انقضاء العدة فالتزوج بها وباجنبية أخرى سواء (قال) وإذا تزوجت المرأة رجلا خيرا منها فليس للولى أن يفرق بينهما لان الكفاءة غير مطلوبة من جانب النساء فان الولى لا يعتير بان يكون تحت الرجل من لا تكافئه ولان نسب الولد يكون إلى أبيه لا إلى أمه ألا ترى ان اسمعيل عليه السلام كان من قوم إبراهيم صلوات الله عليه لا من قوم هاجر وكذلك إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} كان من قريش وما كان قبطيا وأولاد الخلفاء من الاماء يصلحون للخلافة (قال) وإذا تسمى الرجل لامرأة بغير اسمه وانتسب لها إلى غير نسبه فتزوجته فالمسألة على ثلاثة أوجه (أحدها) أن يكون النسب المكتوم أفضل مما أظهره بأن أخبرها أنه من العرب ثم تبين أنه من قريش وفي هذا لا خيار لها ولا للاولياء لانها وجدته خيرا مما شرط لها فهو كمن اشترى شيئا على أنه معيب فإذا هو سليم (والثاني) إذا كان نسبه المكتوم دون ما أظهره ولكنه في النسب المكتوم غير كف ء لها بأن تزوج قرشية على أنه من قريش ثم تبين أنه من
[ 30 ]
العرب أو من الموالي وفي هذا لها الخيار وان رضيت هي فللاولياء أن يفرقوا بينهما لعدم الكفاءة (والثالث) ان كان النسب المكتوم دون ما أظهر ولكنه في النسب المكتوم كفؤ لها بأن تزوج عربية على أنه من قريش ثم تبين أنه من العرب وفي هذا ليس للاولياء حق المطالبة بالفرقة بالاتفاق لان حق الخصومة للاولياء لدفع العار عن أنفسهم حتى لا ينسب إليهم بالمصاهرة من لا يكافئهم وهذا غير موجود هنا ولكن لها الخيار ان شاءت اقامت معه وان شاءت فارقته عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى لا خيار لها كما لا يثبت للاولياء لان الحق في المطالبة بالكفاءة وهي موجودة ولكنا نقول شرط لها زيادة منفعة وهو أن يكون ولدها منه صالحا للخلافة فإذا لم تنل هذا الشرط كان لها الخيار كمن اشترى عبدا على أنه كاتب أو خباز فوجده لا يحسنه وهذا لان في الاستفراش ذلا في جانبها والمرأة قد ترضى استفراش من هو أفضل منها ولا ترضى استفراش من هو مثلها فإذا ظهر أنه غرها فقد تبين انعدام تمام الرضا منها فلهذا كان لها الخيار بخلاف الاولياء فان ثبوت الخيار لهم لعدم الكفاءة فقط وللشافعي رحمه الله تعالى في هذه المسألة ثلاثة أقوال قول مثل قولنا وقول مثل قول زفر رحمه الله تعالى وقول آخر أن النكاح باطل لانها زوجت نفسها من رجل هو قرشي ولم يوجد ذلك الرجل ولكنا نقول الاشارة مع التسمية إذا اجتمعا فالعبرة للاشارة لان التعريف بالاشارة أبلغ وبهذا ونحوه نستدل على قلة فقهه فان مثل هذا الجواب لا يعجز عنه غير الفقيه ومن سئل عن طريق فقال اما من هذا الجانب واما من هذا الجانب فيشير إلى الجوانب الاربعة علم أنه لا علم له بالطريق أصلا (قال) وان كانت المرأة هي التي غرت الزوج وانتسبت إلى غير نسبها فلا خيار له فيه إذا علم وهي امرأته ان شاء طلقها وان شاء أمسكها لما بينا أنه لا يفوت عليه شئ من مقاصد النكاح بما ظهر من غرورها لا في حق نفسه ولا في ولده ولانه يتمكن من التخلص منها بالطلاق فلا حاجة إلى اثبات الخيار والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب النكاح بغير شهود) * (قال) بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} انه قال لا نكاح الا بشهود وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله تعالى وكان مالك وابن أبي ليلى وعثمان البتي رحمهم الله تعالى يقولون
[ 31 ]
الشهود ليس بشرط في النكاح انما الشرط الاعلان حتى لو أعلنوا بحضرة الصبيان والمجانين صح النكاح ولو أمر الشاهدين بان لا يظهرا العقد لا يصح وحجتهم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} اعلنوا النكاح ولو بالدف وحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} املاك رجل من الأنصار فقال أين شاهدكم فأتى بالدف فأمر بان يضرب على رأس الرجل وكان لعائشة رضي الله عنها دف تعيره للانكحة وهذا لان حرام هذا الفعل لا يكون الا سرا فالحلال لا يكون الا ضده وذلك بالاعلان لننتفي التهم وحجتنا في ذلك الحديث الذي رويناه ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح خاطب وولي وشاهدان وقال عمر رضي الله عنه لا أوتي برجل تزوج امرأة بشهادة رجل واحد الا رجمته ولان الشرط لما كان هو الاظهار يعتبر فيه ما هو طريق الظهور شرعا وذلك شهادة الشاهدين فانه مع شهادتهما لا يبقى سرا قال القائل وسرك ما كان عند امرئ + + + وسر الثلاثة غير الخفى ولان اشتراط زيادة شئ في هذا العقد لاظهار خطر البضع فهو نظير اشتراط زيادة شئ في اثبات إتلاف ما يملك بالنكاح وانما اختص ذلك من بين سائر نظائره بزيادة شاهدين فكذلك هذا التمليك مختص من بين سائر نظائره بزيادة شاهدين ثم الاصل عندنا ان كل من يصلح ان يكون قابلا للعقد بنفسه ينعقد النكاح بشهادته وكل من يصلح ان يكون وليا في نكاح يصلح ان يكون شاهدا في ذلك النكاح وعلى هذا الاصل قلنا ينعقد النكاح بشهادة الفاسقين ولا ينعقد عند الشافعي رحمه الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا نكاح الا بولي وشاهدي عدل ولكنا نقول ذكر العدالة في هذا الحديث والشهادة مطلقة فيما روينا فنحن نعمل بالمطلق والمقيد جميعا مع انه نكر ذكر العدالة في موضع الاثبات فيقتضى عدالة ما وذلك من حيث الاعتقاد وفي الحقيقة المسألة تنبني على ان الفاسق من أهل الشهادة عندنا وانما لا تقبل شهادته لتمكن تهمة الكذب وفي الحضور والسماع لا تمكن هذه التهمة فكان بمنزلة العدل وعند الشافعي رحمه الله تعالى الفاسق ليس من أهل الشهادة أصلا لنقصان حاله بسبب الفسق وهو ينبنى أيضا على أصل ان الفسق لا ينقص من ايمانه عندنا فان الايمان لا يزيد ولا ينقص والاعمال من شرائع الايمان لا من نفسه وعنده الشرائع من نفس الايمان ويزداد الايمان بالطاعة وينتقص بالمعصية بجعل نقصان الدين بسبب الفسق
[ 32 ]
سطر 99:
[ 33 ]
شاهدة في النكاح وعندنا هي تصلح لذلك وللنساء مع الرجال شهادة أصلية ولكن فيها ضرب شبهة من حيث أنه يغلب الضلال والنسيان عليهن كما أشار الله تعالى في قوله أن تضل احداهما الاخرى فتذكر احداهما الاخرى وبانضمام احدى المرأتين إلى الاخرى تقل تهمة النسيان ولا تنعدم لبقاء سببها وهي الانوثة فلا تجعل حجة فيما يندرئ بالشبهات كالحدود والقصاص فأما النكاح والطلاق يثبت مع الشبهات فهذه الشهادة فيها نظير شهادة الرجل ولا اشكال ان تهمة الضلال والنسيان في شهادة الحضور لا تتحقق فكان ينبغي أن ينعقد النكاح بشهادة رجل وامرأة ولكنا نقول قد ثبت بالنص ان المرأتين شاهد واحد فكانت المرأة الواحدة نصف الشاهد وبنصف الشاهد لا يثبت شئ ولهذا لو شهد رجلان وامرأة ثم رجعوا لم تضمن المرأة شيئا وسنقرر هذه الاصول في موضعها من كتاب الشهادات ان شاء الله تعالى واعتمادنا على حديث عمر رضي الله تعالى عنه حيث أجاز شهادة رجل وامرأتين في النكاح والفرقة (قال) ولو تزوجها بشهادة ابنته أو ابنتها أو بنته منها ينعقد النكاح بالاتفاق لحضور من هو أهل للشهادة فان امتناع قبول شهادة الولد لوالده لا لنقصان حاله بل لتهمة ميل كل واحد منهما إلى صاحبه ولا تتمكن هذه التهمة في انعقاد العقد بشهادتهما (قال) ولو تزوج مسلم نصرانية بشهادة نصرانيين جاز النكاح في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى ولم يجز في قول محمد وزفر رحمهما الله تعالى لان هذا نكاح لا يصح الا بشهود فلا يصح بشهادة الكافرين كالعقد بين المسلمين بخلاف أنكحة الكفار فانها تنعقد بغير شهود وحقيقة المعنى ان هذا السماع شهادة ولا شهادة للكافر على المسلم فلم يصح سماعهما كلام المسلم بطريق الشهادة وشرط الانعقاد سماع البينة كلا شطري العقد ولم يوجد فكان هذا بمنزلة ما لو سمع الشاهدان كلام المرأة دون كلام الزوج ولهما طريقان (أحدهما) ما بينا ان الكافر يصلح أن يكون وليا في العقد ويصلح ان يكون قابلا لهذا العقد بنفسه فيصلح ان يكون شاهدا فيه أيضا كالمسلم وهذا استدلال بطريق الاولى فان الايجاب والقبول ركن العقد والشهادة شرطه فإذا كان يصلح الكافر للقيام بركن هذا العقد بنفسه فلان يقوم بشرطه كان أولى بخلاف ما يجرى بين المسلمين ولان المخاطب بالاشهاد هو الرجل لانه يتملك البضع ولا يتملك الا بشهادة الشهود فاما المرأة تملك المال والشهود ليس بشرط لتملك المال ألا ترى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} كان
[ 34 ]
مخصوصا بالنكاح بغير شهود ثم كان المرأة لا تحتاج إلى الاشهاد عليه إذا ثبت هذا فنقول الرجل قد اشهد عليها من يصلح ان يكون شاهدا عليها بخلاف ما إذا كانت مسلمة وبخلاف ما إذا سمعوا كلامها لانه مخاطب بالاشهاد عليها بالعقد والعقد لا يكون الا بكلام المتعاقدين وسماعهما كلام المسلم صحيح ألا ترى أنه لو تزوجها بشهادة كافرين ومسلمين ثم وقعت الحاجة إلى أداء هذه الشهادة تقبل شهادة الكافرين بالعقد عليها إذا جحدت وعلى الزوج لو كانا اسلما بعد ذلك فظهر ان سماعهما كلام المسلم صحيح فيحصل به الاشهاد عليها بالعقد وهذا بخلاف ما إذا تزوجها بغير شهود فانه لا يجوز ذلك وان كان في دينهم حلالا لان صاحب العقد هو الزوج وهو مسلم مخاطب بالاشهاد فلا يعتبر اعتقادها في حقه (قال) وإذا زوج ابنته بشهادة ابنيه ثم جحد الزوج النكاح وادعاه الاب والمرأة فشهد الابنان بذلك فشهادتهما لا تقبل في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى وعند محمد رحمه الله تعالى تقبل ولو كان الزوج هو المدعى وجحد الاب والمرأة لذلك فشهادة الابنين فيه تكون مقبولة على ابيهما والحاصل ان شهادتهما لاختهما وعلى اختهما تكون مقبولة وشهادتهما على أبيهما فيما يجحده الاب مقبولة فأما إذا شهدا لابيهما فيما يدعيه ان كان الاب فيه منفعة نحو ان يشهدا بعقد تتعلق الحقوق به لا تقبل شهادتهما وان لم يكن للاب فيه منفعة لا تقبل الشهادة عند أبي يوسف رحمه الله تعالى أيضا وعند محمد تقبل واصل المسألة فيما إذا قال لعبده ان كلمك فلان فانت حر فشهدا بنا فلان ان أباهما كلم العبد فان كان الاب يجحد ذلك فشهادتهما مقبولة وان كان الاب يدعى ذلك لا تقبل الشهادة عند أبي يوسف رحمه الله تعالى وعند محمد رحمه الله تعالى تقبل قال لان امتناع قبول شهادة الولد لوالده لتمكن تهمة الميل إليه وايثاره بالمنفعة على غيره وهذا لا يتحقق فيما لا منفعة للاب فيه فقبلت الشهادة جحدها أو ادعاها وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول شهادة الولد لوالده لا تكون مقبولة بالنص وهو قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا تقبل شهادة الولد لوالده وانما تكون شهادة له إذا كان مدعيا بشهادته ولا معتبر بالمنفعة فان جحوده الشهادة يقبل وان كان له فيه منفعة بأن شهدوا عليه ببيع ما يساوي مائة درهم بألف درهم مع أن المنفعة هنا تتحقق فان ظهور صدقه عند القاضي والناس من جملة المنفعة والعاقل يؤثر هذا على كثير من المنافع الدنيوية ثم ذكر في الكتاب وقال محمد رحمه الله تعالى كل شئ للاب فيه منفعة جحد أو ادعى فشهادة ابنيه فيه باطل
[ 35 ]
سطر 114:
[ 38 ]
باب نكاح أهل الذمة (قال) رضى الله تعالى عنه اعلم أن كل نكاح يجوز فيما بين المسلمين فهو جائز فيما بين أهل الذمة لانهم يعتقدون جوازه ونحن نعتقد ذلك في حقهم أيضا فان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال بعثت الي الاحمر والاسود وخطاب الواحد خطاب الجماعة فما توافقنا في اعتقاده يكون ثابتا في حقهم فاما ما لا يجوز بين المسلمين فهو أنواع منها النكاح بغير شهود فانه جائز بين أهل الذمة يقرون عليه إذا أسلموا عندنا. وقال زفر رحمه الله تعالى لا يتعرض لهم في ذلك الا أن يسلموا أو يترافعوا الينا فحينئذ يفرق القاضى بينهم لقوله تعالى وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ولانهم بعقد الذمة صاروا منا دارا والتزموا أحكام الاسلام فيما يرجع إلى المعاملات فيثبت في حقهم ما هو ثابت في حقنا الا ترى ان حرمة الربا ثابتة في حقهم بهذا الطريق فكذلك حرمة النكاح بغير شهود ولكنا نقول نعرض عنهم لمكان عقد الذمة لا لانا نقرهم على ذلك كما نتركهم وعبادة النار والاوثان على سبيل الاعراض لا على سبيل التقرير والحكم بصحة ما يفعلون ولا نعرض عنهم في عقد الربا لان ذلك مستثنى عن عقد الذمة قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} الا من أربى فليس بيننا وبينه عقد ويروى عهد وكتب إلى بنى نجران اما ان تدعوا الربا أو فأدنوا بحرب من الله ورسوله وحجتنا في ذلك ان الاشهاد على النكاح من حق الشرع وهم لا يخاطبون بحقوق الشرع بما هو أهم من هذا ولان النكاح بغير شهود يجوزه بعض المسلمين ونحن نعلم انهم لم يلتزموا أحكام الاسلام بجميع الاختلاف ثم من المنزل ان يترك أهل الكتاب وما يعتقدون الا ما استثني عليهم وان حكم خطاب الشرع في حقهم كانه غير نازل لاعتقادهم خلاف ذلك الا ترى ان الخمر والخنزير يكون مالا متقوما في حقهم ينفذ تصرفهم فيهما بهذا الطريق فكذا ما نحن فيه بخلاف الشرك فان ذلك لم يحل قط ولن يحل قط وإذا انعقد انعقد فيما بينهم صحيحا بهذا الطريق فما بعد المرافعة والاسلام حال بقاء النكاح والشهود شرط ابتداء النكاح لا شرط البقاء فاما إذا تزوج ذمية في عدة ذمي جاز النكاح في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى حتى لا يفرق بينهما وان أسلما أو ترافعا وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يفرق لان النكاح في العدة مجمع على بطلانه فيما بين المسلمين فكان باطلا في حقهم أيضا ولكن لا نتعرض لهم لمكان عقد
[ 39 ]
سطر 132:
[ 44 ]
مثلها لان البضع لا يتملك الا بعوض وقد تعذر إيجاب المسمى فيصار إلى العوض الاصلي وهو قيمة البضع على ما نبينه في باب المهور ان شاء الله تعالى (قال) وتجوز المناكحة بين اليهود والنصارى والمجوس وقد دللنا على جواز أصل المناكحة فيما بينهم ثم هم أهل ملة واحدة وان اختلفت نحلهم لانه يجمعهم اعتقاد الشرك والانكار لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم{{ص}} فتجوز المناكحة فيما بينهم كأهل المذاهب فيما بين المسلمين ولهذا جوزنا شهادة بعضهم على بعض وورثنا بعضهم من بعض ثم المولود بينهما على دين الكتابي من الابوين عندنا تحل ذبيحته ومناكحته للمسلمين ولا يحل ذلك عند الشافعي رحمه الله تعالى لان المعارضة تتحقق بينهما واحدهما يوجب الحرمة والآخر الحل فيغلب الموجب للحرمة لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ما اجتمع الحلال والحرام في شئ الا غلب الحرام الحلال بخلاف ما إذا كان أحدهما مسلما لان الكفر لا يعارض الاسلام على ما بينا ولكنا نستدل بقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه الحديث فقد جعل اتفاق الابوين علة نافلة عن أصل الفطرة فيثبت ذلك فيما إذا اتفق عليه الابوان وفيما اختلفا فيه يبقى على أصل الفطرة ولان حل الذبيحة والمناكحة من حكم الاسلام فإذا كان ذلك اعتقاد أحد الابوين يجعل الولد تبعا له في ذلك كما في نفس الاسلام وهذا لان اليهودية إذا قوبلت بالمجوسية فالمجوسية شر فلا تقع المعارضة بينهما ولكن يترجح جانب التبعية للكتابي لانه يعتقد التوحيد أو يظهره فكان في جعل الولد تبعا له نوع نظر للولد وذلك واجب (قال) وإذا زوج صبية من صبي وهما من أهل الذمة جاز ذلك كما يجوز بين المسلمين لان الولاية ثبتت للاولياء فيما بينهم قال الله تعالى والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ثم ان كان المزوج هو الاب والجد فلا خيار لهما إذا أدركا لشفقة الابوة فان ذلك لا يختلف باختلاف الدين على ما قيل كل شئ يحب ولده حتى الحباري وان كان المزوج غير الاب والجد فلهما الخيار في قول أبي حنيفة ومحمد على ما بينا فيما بين المسلمين (قال) وإذا تزوجت الذمية ذميا فقال وليها هذا ليس بكف ء لم يلتفت إلى قوله لان ذل الشرك وصغار الجزية يجمعهم فلا يظهر مع ذلك نقصان النسب بل هم اكفاء بعضهم لبعض ألا ترى أنهم لو استرقوا كانوا اكفاء ولو اعتقوا كذلك ولو أسلموا كانوا اكفاء فعرفنا أنه لا يظهر التفاوت بينهم فلا يكون للولي ان يخاصم (قال) الا ان يكون شيئا مشهورا يعنى كابنة ملك منهم خدعها حائك أو سايس ونحوه فهنا يفرق
[ 45 ]
بينهما لا لانعدام الكفاءة بل لتسكين الفتنة لان هذا يهيج الفتنة والقاضي مأمور بتسكين الفتنة بينهم كما هو مأمور بذلك بين المسلمين (قال) وإذا تزوج الذمي مسلمة حرة فرق بينهما لقوله تعالى ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} الاسلام يعلو ولا يعلى فاستقر الحكم في الشرع على ان المسلمة لا تحل للكافر وان كان ذلك حلالا في الابتداء فيفرق بينهما ويوجع عقوبة ان كان قد دخل بها ولا يبلغ به أربعين سوطا وتعذر المرأة والذي سعى فيما بينهما وفي حق الذمي لم يذكر لفظ التعذير لانه ينبئ عن معنى التطهير والتوقير قال الله تعالى وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا فلهذا قال يوجع عقوبة وهذا لانه أساء الادب فيما صنع واستخف بالمسلمين وارتكب ما كان ممنوعا منه فيؤدب على ذلك وكان مالك بن أنس رحمه الله تعالى يقول يقتل لانه يصير بهذا ناقضا للعهد حين باشر ما ضمن في العهد أن لا يفعله فهو نظير الذمي إذا جعل نفسه طليعة للمشركين على قوله ولكنا نقول كما ان المسلم بارتكاب مثله لا يصير ناقضا لامانه فالذمي لا يصير ناقضا لامانه فلا يقتل ولكن يوجع عقوبة وكذلك يعذر الذى سعى بينهما لانه أعان على ما لا يحل والاصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لعن الله الراشي والمرتشي والرائش وهو الذي يسعى بينهما وان أسلم بعد النكاح لم يترك على نكاحه لان أضل النكاح كان باطلا فبالاسلام لا ينقلب صحيحا (قال) ولو أسلم الزوج وامرأته من أهل الكتاب بقى النكاح بينهما ولا يتعرض لهما لان ابتداء النكاح صحيح بعد اسلام الرجل فلان يبقى أولى وان كانت من غير أهل الكتاب فهى امرأته حتى يعرض عليها الاسلام فان أسلمت والا فرق بينهما وكذلك ان كانت المرأة هي التى أسلمت والزوج من أهل الكتاب أو من غير أهل الكتاب فهي امرأته حتى يعرض عليه الاسلام فان أسلم والا فرق بينهما ويستوى ان كان دخل بها أو لم يدخل بها عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان كان قبل الدخول تقع الفرقة باسلام أحدهما وان كان بعد الدخول يتوقف وقوع الفرقة بينهما على انقضاء ثلاث حيض ولا يعرض الاسلام على الآخر واستدل في ذلك فقال قد ضمنا بعقد الذمة ان لا نتعرص لهم في الاجبار على الاسلام وذلك يقطع ولاية الاجبار والتفريق عندنا بالاسلام ولكن النكاح قبل الدخول غير متأكد فينقطع بنفس اختلاف الدين إذا كان على وجه يمنع ابتداء النكاح وبعد الدخول النكاح متأكد فلا يرتفع بنفس اختلاف الدين حتى ينضم إليه ما يؤثر
[ 46 ]
سطر 150:
[ 50 ]
بطيب المسلم فإذا ارتدا معا لا يظهر هذا الخبث بالمقابلة لانه تقابل الخبث بالخبث والمعني فيه انه لم يختلف لهما دين ولا دار فيبقى ما كان بينهما على ما كان كما إذا أسلم الكافران معا واعتبار البقاء بالابتداء فاسد فان العدة تمنع ابتداء النكاح ولا تمنع البقاء ولا فرق لان كل واحد منهما يوجب حرمة المحل ولكنها غير متأبدة فان أسلم أحدهما وقعت الفرقة بينهما باصرار الآخر على الردة لظهور خبثه الآن عند المقابلة بطيب الآخر حتى لو كانت المرأة هي التي أسلمت قبل الدخول فلها نصف الصداق وان كان الزوج هو الذي أسلم فلا شئ لها لان الفرقة من جانب من أصر على الردة فان اصراره بعد اسلام الاخر كانشاء الردة (قال) وان أسلم النصراني وامرأته نصرانية ثم تحولت إلى اليهودية فهي امرأته كما لو كانت يهودية في الابتداء وان أسلم وهي مجوسية ثم ارتد عن الاسلام بانت منه لان النكاح بعد اسلامه باق ما لم يفرق القاضى بينهما ألا ترى أنها لو أسلمت كانا على نكاحهما فتفرده بالردة في حال بقاء النكاح موجب للفرقة وكذلك إذا أسلمت المرأة المجوسية ثم ارتدت بانت منه وكذلك لو ارتد الزوج بانت منه وان لم يرتد الزوج ولم تسلم هي حتى مات الزوج كان لها المهر كاملا دخل بها أو لم يدخل بها لان النكاح ينتهي بالموت حين لم يفرق القاضي بينهما فيتقرر به جميع المهر والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب نكاح أهل الحرب) * (قال) رضى الله عنه بلغنا عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه أنه سئل عن مناكحة أهل الحرب من أهل الكتاب فكره ذلك وبه نأخذ فنقول يجوز للمسلم أن يتزوج كتابية في دار الحرب ولكنه يكره لانه إذا تزوجها ثمة ربما يختار المقام فيهم وقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} أنا يرئ من كل مسلم مع مشرك لا تراآى ناراهما ولان فيه تعريض ولده للرق فربما تحبل منه فتسبى فيصير ما في بطنها رقيقا وان كان مسلما وإذا ولدت تخلق الولد باخلاق الكفار وفيه بعض الفتنة فيكره لهذا فان خرج وتركها في دار الحرب وقعت الفرقة بينهما بتباين الدارين حقيقة وحكما قانها من أهل دار الحرب والزوج من أهل دار الاسلام وتباين الدارين بهذه الصفة موجب للفرقة عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يكون موجبا للفرقة حتى إذا أسلم أحد الزوجين وخرج إلى دارنا فان كانت المرأة هي التي خرجت مراغمة وقعت
[ 51 ]
الفرقة بالاتفاق عندنا لتباين الدارين وعنده للقصد إلى المراغمة والاستيلاء على حق الزوج فان خرجت غير مراغمة لزوجها أو خرج الزوج مسلما أو ذميا تقع الفرقة بتباين الدارين عندنا ولا تقع عند الشافعي رحمه الله تعالى واستدل بحديث أبي سفيان رضى الله عنه فانه أسلم بمر الظهران في معسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ثم لم يجدد رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} النكاح بينه وبين امرأته هند ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} مكة هرب عكرمة بن أبي جهل وحكيم بن حزام رضى الله عنهما حتى أسلمت امرأة كل واحد منهما وأخذت الامان لزوجها وذهبت فجاءت بزوجها ولم يجدد رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} النكاح بينهما وان زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} هاجرت إلى المدينة ثم تبعها زوجها أبو العاص بعد سنين فردها عليه بالنكاح الاول والمعني فيه ان اختلاف الدار عبارة عن تباين الولايات وذلك لا يوجب ارتفاع النكاح كاختلاف الولايتين في دار الاسلام الا ترى ان الحربى لو خرج الينا مستأمنا أو المسلم دخل دار الحرب بامان لم تقع الفرقة بينه وبين امرأته وكذلك الخارج من مصر أهل العدل إلى منعة أهل البغي لا تقع الفرقة بينه وبين امرأته وأصحابنا رحمهم الله تعالى استدلوا بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات إلى قوله فلا ترجعوهن إلى الكفار الآية وليس في هذه الآية بيان قصد المراغمة فاشتراطه يكون زيادة على النص وقال الله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر والكوافر جمع كافرة معناه لا تعدوا من خلفتموه في دار الحرب من نسائكم ولما أراد عمر رضى الله عنه ان يهاجر إلى المدينة نادى بمكة الا من أراد ان تئيم امرأته منه أو تبين فليلتحق بى أي فليصحبني في الهجرة والمعنى فيه ان من بقى في دار الحرب في حق من هو في دار الاسلام كالميت قال الله تعالى أو من كان ميتا فاحييناه أي كافرا فرزقناه الهدى الا ترى ان المرتد اللاحق بدار الحرب يجعل كالميت حتى يقسم ماله بين ورثته فكما لا تتحقق عصمة النكاح بين الحي والميت فكذلك لا تتحقق عند تباين الدارين حقيقة وحكما فاما إذا خرج الينا بامان فتباين الدارين لم يوجد حكما لانه من أهل دار الحرب متمكن من الرجوع إليها وكذلك إذا دخل المسلم دار الحرب بامان فهو من أهل دار الاسلام حكما ومنعة أهل البغي من جملة دار الاسلام ومن فيها لا يجعل بمنزلة الميت حكما والدليل عليه انه ما خرج الا قاصدا احراز نفسه من المشركين فلا يعتبر مع ذلك القصد إلى المراغمة ولو كان خروجها على سبيل المراغمة لزوجها وقعت الفرقة
[ 52 ]
بالاتفاق فاما حديث زينب رضي الله عنها فالصحيح انه ردها عليه بالنكاح الجديد وما روى انه ردها عليه بالنكاح الاول أي بحرمة النكاح الاول الا ترى انه ردها عليه بعد سنين والعدة تنقضي في مثل هذه المدة عادة وقد روى ان الكفار تتبعوها وضربوها حتى أسقطت فانقضت عدتها بذلك وعند الشافعي رحمه الله تعالى ان كان لا تقع الفرقة بتباين الدارين تقع بانقضاء العدة واما اسلام أبي سفيان فالصحيح أنه لم يحسن اسلامه يومئذ وانما أجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بشفاعة عمه العباس رضى الله عنه وعكرمة وحكيم بن حزام انما هربا إلى الساحل وكانت من حدود مكة فلم يوجد تباين الدارين وقال الزهري ان دار الاسلام انما تميزت من دار الحرب بعد فتح مكه فلم يوجد تباين الدارين يومئذ فلهذا لم يجدد النكاح بينهما فاما إذا سبى أحد الزوجين تقع الفرقة بينهما بالاتفاق فعندنا لتباين الدارين وعند الشافعي رضى الله عنه للسبى حتى إذا سبيا معا لم تقع الفرقة بينهما لقوله تعالى والمحصنات من النساء الآية معناه ذوات الازواج من النساء الا ما ملكت أيمانكم فانها محللة لكم وانما نزلت الآية في سبايا أوطاس وقد نادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} يؤمئذ الا لا توطأ الحبالى من الفئ حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة وانما سبي أزواجهن معهن والمعنى فيه ان السبي يقتضى صفاء المسبى للسابي ولهذا لا يبقى الدين الذى كان واجبا على المسبي وانما يصفو إذا لم يبق ملك النكاح وهذا لان السبي سبب لملك ما يحتمل التملك ومحل النكاح محتمل للتملك فيصير مملوكا للسابي لانه لو امتنع ثبوت الملك انما يمتنع لحق الزوج وهو ليس بذى حق محترم ألا ترى أنه تسقط به مالكيته عن نفسه وعن ماله ولهذا قلنا لو كانت المسبية منكوحة لمسلم أو لذمي لا يبطل النكاح لان ملك النكاح محترم ولا يدخل عليه القصاص أنه لا يسقط بالسبي لان المستحق بالقصاص الدم وهو ليس بمحتمل للتملك ولان القصاص لا يجب الا لمحترم وحجتنا في ذلك أن السبى سبب لملك الرقبة مالا فلا يكون مبطلا للنكاح كالشراء وهذا لان المملوك في النكاح ليس بمال فلا يثبت فيه التملك بالسبي مقصودا لان تملك البضع مقصودا بسببه يختص بشرائط من الشهود والولي وذلك لا يوجد في السبي فانما يثبت الملك هنا تبعا لملك الرقبة وذلك لا يثبت الا عند فراغ المحل عن حق الغير ونفس السبي ليس بمناف للنكاح ألا ترى أن ملك النكاح لو كان محترما لا يبطل النكاح مع تقرر السبى والمنافي إذا تقرر فالمحترم وغير المحترم فيه سواء كما إذا تقرر بالمحرمية والرضاع ولان السبى لا ينافى ابتداء النكاح فلان
[ 53 ]
سطر 162:
[ 54 ]
تزوجها في عقدة واحدة بطل نكاحهما ولو كان تزوجهما في عقدين جاز نكاح الاولى وبطل نكاح الثانية عندهما وقال محمد والشافعي رحمهما الله تعالى يختار أيتهما شاء ويفارق الاخرى واستدل بحديث غيلان بن سلمة أنه أسلم وتحته ثمان نسوة وأسلمن معه فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} اختر منهن أربعا وفارق سائرهن وقيس بن حارثة رضى الله عنه أسلم وتحته عشر نسوة وأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} ان يختار أربعا منهن والضحاك بن فيروز الديلمي أسلم وتحته اختان فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} اختر أيتهما شئت والمعنى فيه ان هذه حرمة اعترضت في بعض المنكوحات بعد صحة النكاح فتوجب التخيير دون التفريق كما لو طلق احدى نسائه لا بعينها ثلاثا وبيان ذلك ان الانكحة وقعت صحيحة في الاصل لان حرمة الجمع بخطاب الشرع وقد بينا ان حكم هذا الخطاب قاصر عنهم لاعتقادهم بخلاف ذلك ما لم يسلموا ألا ترى أنه لو ماتت واحدة منهن أو بانت ثم أسلم وليس عنده الا أربع منهن جاز نكاحهن سواء ماتت الاولى أو الاخيرة وإذا ثبت ان الانكحة صحيحة كان العقد الواحد والعقود المتفرقة فيه سواء بمنزلة الحربى إذا كان تحته أربع نسوة فسبي وسبين معه فان العقد الواحد والعقود المتفرقة فيه سواء بالاتفاق وان اختلفنا في التفريق أو التخيير وفرق محمد رحمه الله تعالى في السير الكبير بين أهل الحرب وأهل الذمة فقال لو كانت هذه العقود فيما بين أهل الذمة كان الجواب كما قاله أبو حنيفة رحمه الله تعالى لان خطاب الشرع بحكم الشيوع في دار الاسلام يجعل ثابتا في حق أهل الذمة وان كنا لا نتعرض لهم ما لم يسلموا وقد بينا هذا من أصلهما والشافعي رحمه الله تعالى يسوى بين أهل الحرب وأهل الذمة فاما أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى استدلا بقوله تعالى وان تجمعوا بين الاختين فالجمع بين الاختين نكاحا حرام بهذا النص وبنكاح الاولى ما حصل الجمع فوقع نكاحها صحيحا بحكم الاسلام وبنكاح الثانية حصل الجمع فلم يكن نكاحها صحيحا بحكم الاسلام وانما وجب الاعتراض بعد الاسلام بسبب الجمع إذ لا سبب هنا سوى الجمع فتعين الفساد في نكاح من حصل الجمع بنكاحها وكان نكاحها فاسدا بحكم الاسلام دون من لم يحصل بنكاحها الجمع وكان نكاحها صحيحا بحكم الاسلام وان تزوجهما في عقدة واحدة فالجمع حصل بهما ولم يكن ابطال نكاح أحداهما بأولى من الاخرى فبطل نكاحهما بمنزلة الحربية تحت رجلين إذا أسلمت وأسلما معها وكذلك في نكاح الخمس الحرمة بسبب
[ 55 ]
الجمع بين ما زاد على الاربع فانما حصل ذلك بنكاح الخامسة فصرف الفساد إليه أولى وان كان تزوجهن في عقد واحد فالجمع حصل بهن جميعا وهذا بخلاف ما لو ماتت احداهن أو بانت لان الاعتراض بسبب الجمع بعد الاسلام فلابد من بقاء الجمع المحرم بعد الاسلام حتى يجب الاعتراض ولم يبقى ذلك إذا ماتت احدهما أو بانت وهو نظير ما لو تزوج رضيعتين فجاءت امرأة فأرضعتهما بانتا منه ولو أرضعت احداهما فماتت ثم أرضعت الاخرى لم يبطل نكاح الثانية لان الجمع انما يتحقق عند ارضاع الثانية فإذا كانت الاولى في نكاحه تحقق الجمع بين الاختين وان ماتت أو بانت لم يتحقق الجمع بين الاختين وهذا بخلاف المسبيات فان نكاح الاربع هناك وقع صحيحا بحكم الاسلام على الاطلاق لانه حين تزوجهن كان حرا وللحر أن يتزوج أربع نسوة ثم وجب الاعتراض بسبب الرق الحادث فيه وعند حدوث الرق هن مجتمعات مستويات فلهذا استوى العقد الواحد والعقود المتفرقة بمنزلة الرضيعتين إذا ارضعتهما امرأة بانتا منه وأن تزوجهما في عقدين لان الاعتراض وجب بعد صحة النكاح بالاختية العارضة فيهما وهما مستويان في ذلك بخلاف ما تقدم على ما بينا والاحاديث التي رويت فقد قال مكحول ان تلك كانت قبل نزول الفرائض معناه قبل نزول حرمة الجمع فوقعت الانكحة صحيحة مطلقا ثم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} باختيار الاربع لتجديد العقد عليهن أو لما كانت الانكحة صحيحة في الاصل جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ذلك مستثنى من تحريم الجمع ألا ترى أنه قال في بعض الروايات وطلق سائرهن فهذا دليل على أنه لم يحكم بالفرقة بينه وبين ما زاد على الاربع وعلى هذا لو أسلم وتحته بنت وأم فاسلمتا معه فان كان تزوجهما في عقد واحد بطل نكاحهما ثم ان كان لم يدخل بهما فله أن يتزوج البنت دون الام وان كان دخل بهما لم يكن له أن يتزوج واحدة منهما لان الدخول بكل واحدة منهما يوجب حرمة الاخرى بالمصاهرة على التأبيد وان كان دخل بالام فليس له أن يتزوج واحدة منهما لان الام حرمت بعقد البنت والبنت حرمت بالدخول بالام وإن كان دخل بالبنت دون الام فله أن يتزوج البنت دون الام لان بمجرد العقد على الام لا يوجب حرمة البنت وان كان تزوجهما في عقدين فنكاح الاولى جائز ونكاح الثانية فاسد ان لم يدخل بهما وكذلك ان دخل بالاولى فان كان دخل بالثانية فان كانت الاولى بنتا فسد نكاحهما لان الام حرمت بالعقد على البنت
[ 56 ]
سطر 171:
[ 57 ]
وهنا لا يمكن اثبات الفرقة قبل الدخول بدون انقضاء ثلاث حيض لان الزوج ما باشر شيئا بل بل هو مستديم لما كان عليه فلهذا يتوقف انقطاع النكاح على انقضاء ثلاث حيض في الوجهين جميعا وإذا وقعت الفرقة بذلك فان كان قبل الدخول فلا عدة عليها وان كان بعد الدخول والمرأة حربية فكذلك الجواب لان حكم الشرع لا يثبت في حقها فان كانت المرأة هي المسلمة فكذلك عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لانه لا يوجب العدة على المسلمة من الحربى وأصل المسألة في المهاجرة فانها إذا خرجت إلى دار الاسلام مسلمة أو ذمية لم تلزمها العدة في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الا أن تكون حاملا فحينئذ لا تتزوج حتى تضع حملها وان كانت حاملا فلها أن تتزوج في الحال وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تلزمها العدة وحجتهما في ذلك حديث نسيبة أنها لما هاجرت أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أن تعتد والمعنى فيه أن هذه حرة فارقت زوجها بعد الاصابة فتلزمها العدة كالمطلقة في دارنا وهذا لان وجوب العدة عليها لحق الشرع كيلا يجتمع ماء رجلين في رحمها وهي مسلمة مخاطبة بحق الشرع وهذا بخلاف المسبية فانها ليست بحرة وتأثيره أنها حلت للسابي ومن ضرورة الحكم بحلها للسابى الحكم بفراغ رحمها من ماء الزوج بخلاف ما نحن فيه ولا يقال لماذا يجب الاستبراء على السابى لانا نقول كما يجب الاستبراء على السابى إذا كانت ثيبا أو منكوحة فكذلك إذا كانت بكرا أو لم تكن منكوحة فكذا هذا مع ان هذا دليلنا لان بالاستبراء هناك يحصل المقصود فلا حاجة إلى ايجاب العدة عليها بخلاف المهاجرة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى استدل بقوله تعالى ولا جناح عليكم ان تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن فالله تعالى اباح نكاح المهاجرة مطلقا فتقييد ذلك بما بعد انقضاء العدة يكون زيادة وقال الله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر وفي ايجاب العدة تمسك بعصمة الكافرة والمعنى فيه ان هذه الفرقة وقعت بتباين الدارين فلا توجب العدة عليها وكالمسبية هذا لان تباين الدارين حقيقة وحكما مناف للنكاح فيكون منافيا لاثر النكاح فلا تجب العدة لحق الشرع مع وجود المنافى ولا لحق الزوج لانه حربى غير محترم وهو نظير من اشترى امرأته لا تجب العدة لحقه لان الحل الثابت بالملك حقه ولا تجب لحق الشرع لوجود المنافي فاما إذا كانت حاملا فلا نقول تجب العدة عليها ولكنها لا تتزوج ما لم تضع حملها لان في بطنها ولد ثابت النسب من الغير وذلك مانع من النكاح كام الولد إذا حبلت من مولاها ليس له ان يزوجها
[ 58 ]
سطر 177:
[ 59 ]
* (باب الهبة في النكاح) * (قال) رضى الله عنه النكاح بلفظة الهبة والصدقة والتمليك صحح في قول علمائنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا يصح الا بلفظة النكاح والتزويج واستدل بقوله تعالى وامرأة مؤمنه ان وهبت نفسها للنبى الآية فقد جعل النكاح بلفظة الهبة خالصا للرسول صلوات الله عليه دون غيره من المؤمنين وقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} أوصيكم بالنساء خيرا فانهن عندكم عوان اتخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وكلمة الله التي أمرنا بالاستحلال بها الانكاح والتزويج وفي قوله اتخذتموهن بأمانة الله إشارة الا ان هذا العقد غير معقود لمقصود اثبات الملك ولهذا انعقد بلفظة الانكاح والتزويج وهما لابد لان على الملك الا ترى انه لا ينعقد بهما شئ من عقود التمليكات ولكن المقصود بالنكاح مالا يحصى من مصالح الدين والدنيا وألفاظ التمليك لا تدل على شئ من ذلك فلا ينعقد بها هذا العقد وهو معنى قولهم هذا عقد خاص فلا ينعقد بغيره الا ترى ان الشهادة لما شرعت بلفظ خاص لمعنى وهو انها موجبة بنفسها كما أشار الله تعالى إليه في قوله شهد الله انه لا إله الا هو لم يقم لفظ آخر مقام هذا اللفظ حتى لو قال الشاهد احلف لا يصح أداء الشهادة به والدليل عليه ان التزويج هو التعليق والنكاح هو الضم وليس فيهما ما يدل على الملك وليس في التمليك معني التلفيق والضم فلا ينعقد هذا اللفظ بالفاظ التمليك وكيف ينعقد النكاح بهذا اللفظ والفرقة تقع به إذا قال لامرأته وهبت نفسك منك كان بمنزلة لفظ الطلاق مع ان النكاح لا يصح الا بشهود وعند ذكر لفظ الهبة الشهود لا يعرفون انهما أرادا النكاح وحجتنا في ذلك قوله تعالى وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} الآية معناه ان أراد النبي ان يستنكحها فوهبت نفسها منه فقد جعل الله تعالى الهبة جوابا للاستنكاح والاستنكاح طلب النكاح وأما قوله خالصة لك فقد قيل المراد به المرأة يعنى انها خالصة لك فلا تحل لاحد بعدك حتى يكون شريكك في الفراش من حيث الزمان كما قال الله تعالى في آية أخرى وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا والاصح ان المراد هبة خالصة لان قوله ان وهبت يقتضى هبة والكناية تنصرف إلى الثابت بمقتضى الكلام فيكون المعنى هبة خالصة لا يلزمك مهر لها وهذا لك دون المؤمنين. ألا ترى أنه قال
[ 60 ]
قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم يعنى من الابتغاء بالمال والدليل عليه أنه قابل الموهوبة نفسها بالمؤتى مهرها بقوله انا أحللنا لك أزواجك الآية وكذلك قال في آخر الآية لكي لا يكون عليك حرج وهو نص على أن الخصوصية لدفع الحرج عنه وذلك ليس في اللفظ إذ لا حرج عليه في ذكر لفظ النكاح انما الحرج في ابقاء المهر من ان المذكور لفظة الهبة في جانب المرأة لا في جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فعرفنا ان المراد الخصوصية بجواز نكاحه بغير مهر وإمامنا في المسألة علي رضوان الله عليه فان رجلا وهب ابنته لعبيد الله بن الحر بشهادة شاهدين فأجاز ذلك علي رضى الله تعالى عنه والمعنى فيه ان هذا ملك يستباح به الوطئ فينعقد بلفظ الهبة والتمليك كملك اليمين وهذا كلام على سبيل الاستدلال لا على سبيل المقايسة لان صلاحية اللفظ كناية عن غيره وليس بحكم شرعى ليعرف بالقياس بل طريق معرفة ذلك النظر في كلام أهل اللغة وهذه إشارة إلى مذهبهم في الاستعارة لانهم يستعيرون اللفظ لغيره لاتصال بينهما من حيث السببية كما قال الله تعالى انى أراني أعصر خمرا أي عنبا بالعصر يصير خمرا ويسمى المطر سماء لانه ينزل من السماء وما يكون من علو فالعرب تسميه سماء وكذلك النبات يسمى سماء لانه ينبت بسبب المطر فانهم يقولون ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم وإذا ثبت هذا فنقول هذه الالفاظ سبب لملك الرقبة وملك الرقبة في محل ملك المتعة موجب لملك المتعة فللاتصال بينهما سببا يصلح هذا اللفظ كناية عن ملك المتعة والمقصود من النكاح ملك المتعة دون ما سواه من المقاصد ألا ترى أنه يختص به الزوج حتى يجب البدل عليه وسائر المقاصد يحصل لهما وان ملك الطلاق الرافع لهذا الملك يختص به الزوج فعرفنا أن المقصود هو الملك دون ما توهمه الخصم وانما انعقد بلفظ النكاح والتزويج لانهما لفظان جعلا عاما لهذا العقد بالنص واعتبار المعنى في غير المنصوص عليه فأما في المنصوص لا يعتبر المعنى مع أنهما لفظان لا يجاب ملك ما ليس بمال فلهذا لا تأثير لهما في اثبات ملك المال ومتى صار اللفظ كناية عن غيره سقط اعتبار حقيقته وقام مقام اللفظ الذى جعل كناية عنه والشرط سماع الشاهدين اللفظ الذى ينعقد به النكاح فأما وقوفهما على مقصود المتعاقدين ليس بشرط مع أنه إذا قال وهبت ابنتي منك بصداق كذا فالشهود يعلمون أنه أراد النكاح وكما أن الفرقة تحصل بلفظ الهبة تحصل بلفظ الزوجية إذا قال لامرأته تزوجي ونوى به الطلاق يقع ولم يدل ذلك على أنه لا ينعقد به
[ 61 ]
سطر 189:
[ 63 ]
بازاء احتباسها عنده بمنزلة النفقة ومثل هذا يحتمل التعجيل والتأجيل ولكن النكاح كما لا ينعقد الا موجبا لهذا الملك عليها لا ينعقد الا بشرط التعويض فتارة يتعجل العوض بالتسمية وتارة يتأخر إلى التأكد بالدخول أو الفرض بالتراضى أو بالقضاء ألا ترى أن ملك اليمين تارة يثبت بعوض واجب بنفس العقد وتارة بشرط التعويض وان لم يكن واجبا بنفس السبب والدليل عليه أن مهر المثل لا يتنصف بالطلاق قبل الدخول وما كان واجبا بنفس العقد يتنصف كالمسمى وحجتنا في ذلك ما روى أن سائلا سأل ابن مسعود رضى الله تعالى عنه عن هذا فجعل يردده شهرا ثم قال أقول فيه بنفسي فان يك صوابا فمن الله ورسوله وان يك خطأ فمن ابن أم عبد. وفي رواية فمنى ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان أرى لها مهر مثل نسائها لا وكس ولا شطط فقام رجل يقال له معقل بن سنان أو معقل بن يسار وأبو الجراح صاحب الاشجعين رضوان الله عليهم فقال نشهد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} قضى في امرأة منا يقال لها بروع بنت واشق الاشجعية بمثل قضيتك هذه فسر ابن مسعود رضى الله تعالى عنه بذلك سرورا لم يسر قط مثله بعد اسلامه لما وافق قضاؤه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} والذى روى أن عليا رضي الله تعالى عنه رد هذا الحديث وقال ماذا نصنع بقول اعرابي بوال على عقبيه انما رده لمذهب تفرد به وهو أنه كان يحلف الراوي ولم يرد هذا الرجل حتى يحلفه ولسنا نأخذ بذلك والمعنى فيه ان النكاح عقد معاوضة بالمهر فإذا انعقد صحيحا كان موجبا للعوض كالبيع وكما لو زوج الاب ابنته بغير مهر وبيان الوصف قوله تعالى أن تبتغوا بأموالكم يعنى تبتغوا ملك النكاح على النساء بالمال وحرف الباء يصحب الاعواض فدل أن العوض الاصلى هو المهر والدليل عليه أنه يثبت لها حق المطالبة بالفرض والفرض عبارة عن التقدير والمطالبة بالتقدير تنبنى على وجوب الاصل ففى كل موضع لم يجب الاصل بالعقد لا تثبت المطالبة بالتقدير كما في ملك اليمين بطريق الهبة فعرفنا أن أصل الوجوب بالعقد شرعا واليه أشار الله تعالى في قوله قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم أضاف إلى نفسه وبين خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} بالنكاح بغير مهر فذلك دليل على انه في غيره لا ينعقد الا موجبا للمهر واليه أشار أبو سعيد الخدرى رضى الله تعالى عنه بقوله لا نكاح الا بمهر وشهود الا ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} والدليل عليه انها تحبس نفسها لاستيفاء المهر ولا تحبس المبدل الا ببدل واجب
[ 64 ]
وان بعد الدخول بها يجب ولا وجه لانكاره لانه منصوص عليه في القرآن والدخول تصرف في الملك فإذا ثبت الملك بغير عوض لا يجب العوض بالتصرف فيه بعد ذلك ولا معنى لما يقول ان الملك يثبت بشرط التعويض لان هذا العقد لا ينعقد الا بمعاوضة المال اظهارا لخطر هذا الملك وهنا اظهار الخطر انما يظهر إذا وجب البدل بنفس الملك فكما ان الملك لا يحتمل التأخر عن حالة العقد فكذلك وجوب البدل الا في حق من قصر عنه حكم هذا الخطاب وهم أهل الذمة كما بينا والطلاق قبل الدخول مسقط لانه رفع للعقد من الاصل فيكون مسقطا للعوض وسقوط العوض عند وجود المسقط لا يكون دليلا على أنه لم يكن واجبا بالعقد وتنصف المسمي بالطلاق حكم ثبت بالنص بخلاف القياس وكان المعنى فيه أن المسمى تأكد بالتسمية والعقد جميعا فلتأكده لا يسقط كلهه لا بالطلاق ولا بالموت والنفقة ضعيفة من كل وجه لانها لا تجب بالتسمية ولا بنفس العقد وتسقط بالطلاق والموت جميعا ومهر المثل ضعيف من كل وجه لانه غير مسمى في العقد وقوي من وجه لانه واجب بنفس العقد فلقوته من وجه لا يسقط بالموت ولضعفه من وجه يسقط كله بالطلاق قبل الدخول إذا عرفنا هذا فنقول نساؤها اللاتي يعتبر مهرها بمهورهن عشيرتها من قبل أبيها كأخواتها وعماتها وبنات عماتها عندنا وقال ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى أمها وقوم أمها كالخالات ونحو ذلك لان المهر قيمة بضع النساء فيعتبر فيه قرابتها من النساء ولكنا نقول قيمة الشئ انما تعرف بالرجوع إلى قيمة جنسه والانسان من جنس قوم أبيه لا من جنس قوم أمه ألا ترى أن الام قد تكون أمة والبنت تكون قرشية تبعا لابيها فلهذا اعتبر عشيرتها من قبل أبيها ولا يعتبر مهرها بمهر أمها الا أن تكون أمها من قوم أبيها بأن كانت بنت عمه فحينئذ يعتبر مهرها لا لانها أمها بل لانها بنت عم أبيها وانما يعتبر من عشيرتها امرأة هي مثلها في الحسن والجمال والسن والمال والبكارة لان المهور تختلف باختلاف هذه الاوصاف قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} تنكح المرأة لمالها وجمالها الحديث وكذلك يعتبر أن تكون تلك المرأة من بلدتها ولا يعتبر مهرها بمهر عشيرتها في بلدة أخرى لان المهور تختلف باختلاف البلدان عادة وفي الحاصل مهر المثل قيمه البضع وقيمة الشئ انما تعرف بالرجوع إلى نظيره بصفته قال فان فرض لها الزوج بعد العقد مهرا فرضيت به أو رافعته إلى القاضى ففرض لها مهرا فهو سواء ولها ذلك ان دخل بها أو مات عنها وان طلقها قبل أن يدخل
[ 65 ]
سطر 216:
[ 72 ]
المكتسب من أهل الملك فمن يخلفه وهو مولاه يقوم مقامه في الملك بذلك السبب لوصلة الملك بينهما وقت الاكتساب ثم يبطلان ملكه في الاصل بعد ذلك لا يتبين أنه لم يخلفه في الملك بذلك السبب وليس الكسب بمنزلة الزيادة المتولدة لان المتولد جزء من الاصل يسرى إليه ملك الاصل الا ان يكون مملوكا بسبب حادث ألا ترى ان ولد المكاتبة يكون مكاتبا وكسبها لا يكون مكاتبا وولد المبيعة قبل القبض يكون مبيعا يقابله حصة من الثمن عند القبض وكسب المبيع لا يكون مبيعا فلا يقابله شئ من الثمن وان قبض مع الاصل فظهر الفرق بينهما وكذلك لو قبضت المرأة الاصل مع لزيادة المتولدة ثم طلقها قبل ان يدخل بها يتنصف الاصل والزيادة لان حكم التنصف عند الطلاق ثبت في الكل حين كانت الزيادة حادثة قبل القبض فلا يسقط ذلك بقبضها ولو كانت قبضت الاصل قبل حدوث الزيادة ثم حدثت الزيادة في يدها ثم طلقها قبل الدخول فان كانت الزيادة غير متولدة كالكسب والغلة فهو سالم لها وردت نصف الاصل على الزوج لان حدوث الكسب كان بعد تمام ملكها ويدها فيكون سالما لها وان لزمها رد الاصل أو بعضه كالمبيع إذا اكتسب في يد المشترى ثم رد الاصل بالعيب يبقى الكسب سالما له وهذا لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} الخراج بالضمان وقد كان الصداق في ضمانها فمنفعته تسلم لها والكسب بدل المنفعة فاما إذا كانت الزيادة متولدة من العين فان كانت منفصلة كالولد والثمار يمنع تنصف الاصل بالطلاق وعود الكل إليه إذا جاءت الفرقة من قبلها ولكن للزوج عليها نصف قيمة الاصل أو جميع قيمته يوم دفع إليها وعلى قول زفر رحمه الله تعالى ينتصف الاصل مع الزيادة بالطلاق ويعود الكل إلى الزوج إذا جاءت الفرقة من قبلها لان بقبضها لا يتأكد ملكها ما لم يدخل بها بل توهم عود النصف إلى الزوج بالطلاق أو الكل إذا جاءت الفرقة من قبلها ثابت فيسرى ذلك الحق إلى الزيادة بمنزلة المشتراة شراء فاسدا إذا قبضها المشترى وازدادت زيادة منفصلة فان البائع يستردها بزيادتها وروى ابن سماعة عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى قال في الطلاق يرجع الزوج عليها بنصف قيمة الاصل وعند ردتها يسترد منها الاصل مع الزيادة لان الردة تفسخ السبب مع الاصل فيكون الرد بحكم انفساخ السبب بمنزلة الرد بسبب فساد البيع وهناك حكم الرد يثبت في الاصل والزيادة فاما الطلاق حل العقد وليس بفسخ له من الاصل فلا يثبت حق الزوج في الزيادة التى لم تكن في ملكه ولا في يده ويتعذر
[ 73 ]
سطر 240:
[ 80 ]
تعالى ولو تزوجها على ثوب هروي بغير عينه ولم يبين الصفة فان أتاها بالثوب أجبرت على القبول وان أتاها بالقيمة أجبرت أيضا بمنزلة العبد المطلق لان الثوب الذى هو غير موصوف لا تثبت عينه في الذمة ثبوتا صحيحا وانما صحت هذه التسمية باعتبار المالية والثوب في ذلك وقيمته سواء وان بين صفة هذا الثوب قول زفر رحمه الله تعالى تجبر على قبول القيمة إذا أتاها بها وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ان ذكر الاجل مع ذلك لم تجبر على قبول القيمة وان لم يذكر الاجل أجبرت عليه لان الثياب لا تثبت في الذمة ثبوتا صحيحا الا مؤجلا الا ترى انه لا يجوز استقراضها ويجوز السلم فيها لان القرض لا يكون الا حالا والسلم لا يكون الا مؤجلا فعند ذكر الاجل يثبت الثوب دينا ثبوتا صحيحا فلا تجبر على قبول القيمة وعند عدم ذكر الاجل لا يثبت ثبوتا صحيحا وزفر رحمه الله تعالى يقول الثوب يثبت في الذمة موصوفا ثبوتا صحيحا لان بالمبالغة في ذكر وصفه يلتحق بذوات الامثال ولهذا يجوز السلم فيه واشتراط الاجل هناك من حكم السلم لا من حكم ثبوت الثياب دينا في الذمة فيستوى في هذا ان ذكر الاجل أو لم يذكر ولكنا نقول لو باع عبدا بثياب موصوفة في الذمة لا يجوز الا مؤجلا وان لم يكن العقد سلما فعرفنا ان الثياب لا تثبت دينا ثبوتا صحيحا الا مؤجلا (قال) فان تزوجها على مكيل أو موزون فان سمى جنسه وصفته ومقداره لم تجبر على قبول القيمة إذا أتاها بها لان المكيل والموزون يثبت في الذمة موصوفا ثبوتا صحيحا حالا كان أو مؤجلا بدليل جواز استقراضها والسلم فيها فان لم يذكر الصفة ففي ظاهر الرواية إذا أتاها بالقيمة أجبرت على القبول لانها بتسمية الجنس بدون الصفة لا تثبت في الذمة ثبوتا صحيحا وروي الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى انها لا تجبر على قبول القيمة لان التسمية متى صحت بذكر الجنس تعين الوسط من ذلك الجنس كما في العبد والثوب الهروي فما تعين من الوصف شرعا يكون كالمذكور نصا فلا تجبر على قبول القيمة (قال) فان تزوجها على دراهم أو شئ من العروض لا تبلغ قيمته عشرة دراهم فانه يكمل لها عشرة دراهم عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لها ما سمى والاصل عنده أن كل ما يصلح ثمنا في البيع يصلح صداقا في النكاح وعندنا أدنى المهر عشرة دراهم من الفضة أو مما تكون الفضة فيه غالبة على الغش واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} المهر جائز قليله وكثيره وفي رواية المهر ما تراضى عليه الاهلون وفي رواية من استحل بدرهم فقد استحل وروى أن امرأة
[ 81 ]
عرضت نفسها على رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فلم ير فيها رغبة فقال مالى حاجة إلى النساء فقالت زوجنى ممن شئت فقام رجل فقال زوجها منى فقال ماذا تصدقها فقال ازارى هذه فقال إذا قعدت ولا ازار لك التمس ولو بفلس التمس ولو خاتما من حديد فقال لا أجد فقال هل تحسن شيئا من القرآن فقال نعم سورة كذا فقال زوجتكها بما عندك من القرآن فهذه الآثار تدل على أن المهر لا يتقدر بشئ وكذلك في الكتاب الشرط هو المال المطلق قال الله تعالى ان تبتغوا بأموالكم فتقييد ذلك المال بالعشرة يكون زيادة على النص وحجتنا في ذلك حديث جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال ألا لا يزوج النساء الا الاولياء ولا يزوجن الا من الاكفاء ولا مهر أقل من عشرة دراهم وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قالا لا قطع في أقل من عشرة دراهم ولا مهر أقل من عشرة دراهم وفي الكتاب قال بلغنا ذلك عن علي وابن عمر وعائشة وعامر وابراهيم رضوان الله عليهم أجمعين والمعنى فيه أنه يدل في عقد لم يجعل ايجاب أصله إلى المتعاقدين فيكون مقدرا شرعا كالدية وبيان ذلك أن النكاح لا ينعقد صحيحا الا موجبا للعوض اما في الحال أو في الثاني على ما بينا وانما كان اشتراط العوض فيه شرعا لاظهار خطر البضع ولا يحصل هذا المقصود بأصل المالية فاسم المال يتناول الخطير والحقير وانما يحصل اظهار الخطر بمال مقدر واليه أشار الله تعالى في قوله قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزاجهم والبضع من وجه في حكم النفوس حتى لا يسقط حكم الفعل فيه بالبدل ولان الوطئ سبب لاعلاق النفس وإذا كان بغير ملك يضيع لانعدام من ينفق عليه فكان الخطر هنا في معنى الخطر في النفوس والمال الذي هو بدل عن النفوس مقدر شرعا وهو الدية وهذا لان كل مال أوجبه الشرع تولى بيان مقداره كالزكاة وغيرها فكذا الصداق مما أوجبه الشرع فيكون مقدرا شرعا واليه أشار الله تعالى في قوله قد علمنا ما فرضنا عليهم الآية معناه ما قدرنا فان الفرض عبارة عن التقدير وعلى هذا نصاب السرقة يدخله التقدير بالاتفاق لانه يستباح به ما لا يستباح بالبدل فكذلك الصداق وتأويل الآثار المروية فيما يعجله لها باليد ألا ترى أنه أمر ذلك الرجل بالالتماس والصداق يمكن اثباته في الذمة فعرفنا أن المراد ما يعجله لها باليد وذلك غير مقدر شرعا عندنا وإذا ثبت هذا فنقول إذا تزوجها على خمسة دراهم فلها عشرة دراهم استحسانا في قول علمائنا الثلاثة ان دخل بها أو مات
[ 82 ]
سطر 255:
[ 85 ]
رهنا بصداقها وقيمته مثل الصداق فهلك عندها فهو كما فيه لان دين الصداق يستوفي كسائر الديون والرهن يثبت يد الاستيفاء ويتم الاستيفاء به عند هلاك الرهن قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} الرهن بما فيه فصارت عند هلاك الرهن مستوفية لصداقها بمنزلة ما لو استوفت حقيقة فان طلقها قبل أن يدخل بها ضمنها نصف الصداق كما لو كانت استوفت حقيقة وان كان هلاك الرهن بعد الطلاق فلا ضمان عليها في ذلك لان بالطلاق قبل الدخول سقط نصف الصداق من غير عوض غرمه الزوج ولو سقط الكل بابرائها خرج الرهن من أن يكون مضمونا في الكل فكذلك إذا سقط النصف فانما يبقى ضمان الرهن بما بقى وعند هلاكه انما صارت مستوفية لما بقى فلهذا لا تغرم له شيئا بخلاف الاول فان عند هلاك الرهن كان جميع الصداق واجبا هناك فصارت مستوفية للكل فلهذا لزمها رد النصف بعد الطلاق (قال) ولو لم يكن في النكاح تسمية ورهن عندها بمهر المثل رهنا صح الرهن لان مهر المثل كالمسمى في كونه دينا واجب الاستيفاء فان هلك الرهن وفي قيمته وفاء بمهر المثل صارت مستوفية وان طلقها قبل أن يدخل بها فعليها أن ترد ما زاد على قدر المتعة لان قدر المتعة هنا كنصف المسمى هناك فعليها أن ترد ما زاد على ذلك وان طلقها قبل الدخول بها والرهن قائم فليس لها أن تحبس الرهن بالمتعة في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الآخر وهو القياس وفي قوله الاول وهو الاستحسان وهو قول محمد رحمه الله تعالى لها أن تحبس الرهن بالمتعة لوجهين (أحدهما) أن المتعة بمنزلة جزء من أجزاء مهر المثل ألا ترى أن في النكاح الذي فيه التسمية ما يجب بعد الطلاق جزء مما كان فيه فكذا في النكاح الذي لا تسمية فيه وهذا لان الطلاق مسقط فلا يصلح أن يكون موجبا فعرفنا أن ما بقى بعض ما كان واجبا قبل الطلاق والرهن بالدين يكون محبوسا بكل جزء منه (والثاني) أن المتعة خلف عن مهر المثل لانه يجب عند سقوط مهر المثل بالسبب الذي كان يجب به مهر المثل وهو النكاح وهذا هو حد الاصل والخلف ثم الرهن بالشئ يكون محبوسا بما هو خلف عنه كالرهن بالعين المغصوبة يكون محبوسا بقيمتها ووجه قوله الآخر ان المتعة دين حادث سوى مهر المثل والمحبوس بدين لا يكون محبوسا بدين اخر سواه والدليل على أنه من خلاف جنس مهر المثل فان المتعة ثياب ومهر المثل من النقود ولان مهر المثل قيمة بضعها والمتعة تذكرة لها ولا يلتقيان بحال فان مهر المثل يجب في حال قيام النكاح والمتعة تجب بعد
[ 86 ]