الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مبسوط السرخسي - الجزء الرابع و العشرون2»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
OKBOT (نقاش | مساهمات)
ط تدقيق إملائي. 88 كلمة مستهدفة حاليًا.
 
سطر 53:
[ 105 ]
بترك الفريضة فأما خوفه على الدين الذى له على فلان فلا يوجب الضرورة والالجاء فلهذا لا يضمن المكره شيأ ولو أن رجلا قتل عبده قتلا خطأ فاختصموا فيه إلى القاضي فأكره القاضى المولى على عتق عبده بوعيد تلف فاعتقه وهو عالم بالجناية فلا ضمان على المولى لانه بالالجاء خرج من أن يكون مختارا للدية أو مستهلكا للعبد وانما الضمان على الذى أكرهه لان تلف العبد منسوب إليه فيغرم قيمته فيأخذها المولى منه لانه بدل ملكه ثم يدفعها إلى ولى الجناية لان الرقبة كانت مستحقة لولى الجناية وقد فاتت وأخلفت بدلا ولو كان الاكراه بحبس أو قيد لم يضمن المكره شيأ لان التلف لا يصير منسوبا إلى المكره بهذا التهديد ويغرم المولى قيمة العبد لاصحاب الجناية ولا يلزمه أكثر منها لانه بالاكراه بالحبس ينعدم الرضا فيخرج به من أن يكون مختارا للفداء ملتزما للدية ولكنه يكون مستهلكا للرقبة فيغرم قيمته بمنزلة ما لو أعتقه وهو لا يعلم بالجناية ولو كان المولى أكره بوعيد تلف حتى قتل عبده عمدا كان للمولى أن يقتل الذى أكرهه لان القتل صار منسوبا إلى المكره فصار المكره آلة له بالالجاء فيجب القصاص عليه ويكون استيفاء القصاص إلى المولى لانه عوض عن العبد وهو ملكه فباعتبار الملك يخلفه في عوض نفسه خلافة الوارث المورث ويبطل حق أصحاب الجناية لفوات محل حقهم فالقصاص الواجب غير صالح لايفاء حقهم منه وان كان اكرهه بحبس أو قيد فلا شئ على المكره وعلى المولى قيمته لاصحاب الجناية لانه مستهلك للعبد فانه لم يصر ملجأ بالاكراه بالحبس فكان الفعل مقصورا عليه ولكنه لم يصر مختارا للفداء لانعدام الرضا منه بالتزام الدية لاجل الاكراة بالحبس فليزمه قيمته للاستهلاك كما لو قتله وهو لا يعلم بالجناية والله أعلم بالصواب (باب الاكراه على النذر واليمين) (قال رحمه الله) ولو أكره بوعيد تلف حتى جعل على نفسه صدقة لله أو صوما أو حجا أو عمرة أو غزوة في سبيل الله أو بدنة أو شيأ يتقرب به إلى الله تعالى لزمه ذلك وكذلك لو أكرهه على اليمين بشئ من ذلك أو بغيره من الطاعات أو المعاصي والاصل فيه حديث حذيفة رضى الله عنه ان المشركين لما أخذوه واستحلفوه على أن لا ينصر رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في غزوة حلف مكرها ثم أخبر به رسول الله صلى الله وسلم فقال عليه
[ 106 ]
سطر 62:
[ 108 ]
المكره بشئ لانه كان متمكنا من قربانها في المدة ليسقط به الايلاء فإذا لم يفعل كان في معنى ما لزمه من نصف المهر وفى الاستحسان يرجع على المكره بالاقل من نصف الصداق ومن قيمة الذى التى استحلفه على عتقه لانه ملجأ في التزام الاقل فانه اما أن يدخل بها فيبطل ملكه عن المدبر أو لا يدخل بها فليزمه نصف المهر بوقوع الطلاق قبل الدخول فكان ملجأ مضطرا في أقلهما والمكره هو الذى ألجأه إلى ذلك فلهذا رجع عليه بالاقل وجمع في السؤال ببن المدبر وأم الولد وقيل في ام الولد الجواب قولهما فاما عند تحقيقه فلا يرجع بشئ لان رق أم الولد عنده فليس بمال متقوم وانما له عليه ملك المتعة بمنزلة ملك النكاح وذلك لا يكون مضمونا على المكره بالاتلاف ولو أكرهه على أن قال ان قربتها فمالي صدقة في المساكين فتركها أربعة أشهر فبانت ولم يدخل بها أو قربها في الاربعة الاشهر فلزمته الصدقة لم يرجع على المكره بشئ لانه أن قربها فقد خالف ما أمره به المكره وان لم يقربها فقد كان هو متمكنا من أن يقربها في المدة ويلزمه بالقربان صدقة فيما بينه وبين ربه من غير أن يجبره السلطان عليها ولهذا لا يرجع على المكره بشئ وهو في المعنى نظير ما لو أكرهه على النذر بصدقة ماله في المساكين والله أعلم (باب اكراه الخوارج المتأولين) (قال رحمه الله) وان غلب قوم من الخوارج المتأولين على أرض وجرى فيها حكمهم ثم أكرهوا رجلا على شئ مما وصفنا في اكراه اللصوص أو اكره قوم من المشركين رجلا على شئ مما ذكرنا في اكراه اللصوص فهذا في حق المكره فيما يسعه الاقدام عليه أو لا يسعه بمنزلة اكراه اللصوص لان الالجاء تحقق بخوف التلف على نفسه وذلك عند قدرة المكره على ايقاع ما هدده به سواء كان من اللصوص أو من المشركين أو من الخوارج فاما ما يضمن فيه اللصوص أو يلزمهم به القود في جميع ما ذكرنا فانه لا يجب شئ من ذلك على أهل الحرب ولا على الخوارج المتأولين كما لو باشروا الاتلاف بايديهم وهذا لان أهل الحرب غير ملتزمين لاحكام الاسلام وإذا انضمت المنعة بالتأويل في حق الخوارج كانوا بمنزلة اهل الحرب في سقوط الضامن عنهم فيما أتلفوا من الدماء والاموال للحديث الذى جاء ان الفتنة وقعت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} كانوا متوافرين واتفقوا أنه لا قود في دم استحل بتأويل القرآن ولا حد في فرج استحل بتأويل القرآن ولا ضمان في مال استحل
[ 109 ]
سطر 128:
[ 130 ]
وان لم يكن جناية معنى لطمأنينة القلب بالايمان والاخبار لا يكون جناية صورة ولا معني فعليه أن ينوى ذلك إذا خطر بباله ولكن لا يظهره للناس فان أظهر هذا المراد للناس بانت منه امرأته في الحكم وان لم تبن فيما بينه وبين الله تعالى لانه أقر أنه أتى بغير ما أكره عليه فقد أكره على الانشاء وانما أتى بالاقرار فكان طائعا في هذا الاقرار ومن أقر بالكفر طائعا بانت منه امرأته في الحكم وفيما بينه وبين ربه لا تبين منه والثانى أن يقول خطر على بالي ذلك تم قلت قد كفرت بالله أريد به ما طلب منى المكره ولم أرد به الخبر عن الماضي فهذا كافر تبين منه امرأته في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى لانه بعد ما خطر هذا بباله قد يمكن من الخروج عما ابتلى به بان ينوى غير ذلك والضرورة تنعدم بهذا التمكن فإذا لم يفعل وانشأ الكفر كان بمنزلة من أجرى كلمة الشرك طائعا على قصد الاستحقاق أولا على قصده ولكن مع علمه أنه كفر وفى هذا تبين منه امرأته في القضاء وفيما بنيه وبين الله تعالى فينبغي أن يتوب عن ذلك والثالث أن يقول لم يخطر ببالى شئ ولكني كفرت بالله كفرا مستقبلا وقلبي مطمئن بالايمان فلا تبين منه امرأته استحسنانا لانه لما لم يخطر بباله سوى ما أكره عليه كانت الضرورة متحققة ومتى تحققت الضرورة يرخص له اجراء كلمة الشرك مع طمأنينة القلب بالايمان وكذلك لو أكره على أن يصلى لهذا الصليب ومعناه يسجد لهذا الصليب فان لم يخطر بباله شئ لم تبن امرأته منه وان خطر بباله أن يصلى لله وهو مستقبل القبلة أو غير مستقبل القبلة ينبغي أن يقصد ذلك لان الصلاة غير مستقبل القبلة تجوز عند الضرورة والاعمال بالنيات فان ترك هذا بعد ما خطر بباله فصلى يريد الصلاة للصليب كما أكره عليه كفر بالله تعالى وبانت منه امرأته لانه بعد ما خطر بباله قد وجد المخرج عما ابتلى به فإذا لم يفعل كان كافرا وهذه المسألة تدل على ان السجود لغير الله تعالى على وجه التعظيم كفر وكذلك لو أكره على شتم محمد عليه الصلاة والسلام فان أجابهم إلى ذلك ولم يخطر بباله شئ لم تبن منه امرأته وان خطر على باله رجل من النصارى يقال له محمد فان شتم محمدا ويريد به ذلك الرجل فلا تبين منه امرأته وقد أظرف في هذه العبارة حيث لم يقل خطر بباله رجل من المسلمين يقال له محمد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وانما قال رجل من النصارى لان الشتم في حق النصارى أهون منه في حق المسلمين فان ترك ما خطر بباله وشتم محمدا صلى الله عليه وسلم{{ص}} وقلبه كاره لذلك كان كافرا وتبين منه امرأته لانه بعد ما خطر
[ 131 ]
بباله قد وجد مخرجا عما ابتلى به فإذا لم يفعل كان كافرا فان شتم النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} في غير موضع الضرورة كفر وكراهته بقلبه لا تنفع شيأ ولو أكره بوعيد تلف على أن يعتق عبده فخطر على باله أن يقول هو حر يريد الخبر والكذب وسعه أن يمسكه فيما بينه وبين الله تعالى لما بينا أن المخبر به إذا كان باطلا فبالاخبار لا يصير حقا ولكن إذا ظهر ذلك للقاضى أعتقه عليه لاقراره به أي بغير ما أكره عليه فانه أكره على انشاء العتق والاقرار غير الانشاء ومن أقر بحرية مملوكه طائعا يعتق عليه في القضاء ولا يضمن المكره له شيأ لانه حين أقر أنه بغير ما أكره عليه فقد صار مغريا المكره على الضمان (ألا ترى) أنه لو بين لهم ذلك وقال كيف تكرهونني على العتق وهو حر الاصل أو قد أعتقه أمس أعتقه القاضى ولم يضمن له المكره شيأ ولو قال خطر ذلك على بالى فقلت هو حر أريد به عتقا مستقبلا كان حرا في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وضمن الذى أكرهه قيمته لان الذى خطر على باله لو فعله عتق به في القضاء أيضا فاتلاف المالية بفعل المكره في القضاء متحقق وسواء قصد ما خطر بباله أو لم يقصد كان الاتلاف في القضاء مضافا إلى المكره فعليه قيمته ثم قد أنشأ عتقا مستقبلا وذلك يجعل المملوك حرا في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى سواء كان مكرها أو لم يكن مكرها (ألا ترى) انه لو لم يخطر بباله شئ ولكن أتى بما أكره عليه كان حرا في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى ويضمن المكره قيمته فكذلك ما سبق فان قال المكره قد خطر على باله الخبر بالكذب فقال هو حر يريد به الخبر الكذب فأنا أريد يمينه على ذلك كان له أن يستحلف عليه لانه أدعى ما لو أقر به كان مكرها اياه ولا يكون له أن يضمن المكره بعده فإذا أنكره كان له أن يستحلف لرجاء نكوله وكذلك لو أكره على طلاق امرأته ولم يدخل بها فقال هي طالق ثم قال بعد ذلك أردت الخبر بالكذب أو انها طالق عن وثاق أو قيد وسعه ذلك فيما بينه وبين الله تعالى فأما في القضاء فهى بائن منه ولا ضمان على المكره لاقراره أنه أتى بغير ما أكره عليه وان كان طائعا فيما قاله بناء على قصده وان كان قال قد كان خطر ببالي أن أقول هي طالق أريد الخبر أو انها طالق من وثاق أو قيد فلم أقل ذلك وقلت هي طالق أريد طلاقا مستقبلا كانت طالقا في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى ولها على الزوج نصف المهر ويرجع على الذى أكرهه لان الاتلاف مضاف إلى المكره في القضاء سواء قصد ما خطر بباله أو لم يقصد فهو وما لم يخطر بباله شئ في الحكم سواء وان قال المكره انما
[ 132 ]
سطر 143:
[ 135 ]
أو حبس على أن اختارت نفسها في مجلسها بطل الصداق كله عن زوجها ولا ضمان على المكره في ذلك لانه أكرهها على استيفاء حقها والشرع ملكها أمر نفسها حين عتقت وليس في هذا الاكراه ابطال شئ عليها لان المهر للمولى دونها ولو دخل بها الزوج ولان ما كان بمقابلة المهر عاد إليها ولو كان قد دخل بها قبل ذلك كان الصداق لمولاها على الزوج ولم يرجع الزوج على المكره بشئ لانه ما أكره الزوج على شئ ولان الصداق قد تقرر عليه كله بالدخول وانما أتلف المكره ملك البضع على الزوج وقد بينا أن ذلك لا يتقوم بالاكراه لانه لا قيمة للبضع عند خروجه من ملك الزوج والله أعلم (باب الخيار في الاكراه) (قال رحمه الله) وإذا قال اللص الغالب لرجل لاقتلنك أو لتعتقن عبدك أو لتطلقن امرأتك هذه أيهما شئت ففعل المكره أحدهما ولم يدخل بالمرأة فما باشر نافذ لان الاكراه على كل واحد منهما بعنيه لا يمنع نفوذه فكذلك الاكراه على أحدهما بغير عينه ويغرم المكره الاقل من نصف المهر ومن قيمة العبد لانه ان لتزم بمباشرته الاقل منهما فالاتلاف مضاف إلى المكره وان التزم الاكثر فالضرورة انما تحققت له في الاقل لانه كان متمكنا من دفع البلاء عن نفسه باختيار الاقل فيكون هو في التزام الزيادة على الاقل غير مضطر ورجوعه على المكره لسبب الاضطرار فيرجع بالاقل لذلك ولو كان الزوج دخل بها لم يغرم المكره له شيأ لانه ان أوقع الطلاق فالمهر قد تقرر عليه بالدخول وانما اتلف المكره عليه ملك البضع وذلك لا يضمن بالاكراه وان أوقع العتق فقد كان متمكنا من دفع البلاء عن نفسه بايقاع الطلاق فيكون هو في ايقاع العتق بمنزلة الرضا به أو غير مضطر إليه بمنزلة ما لو أكره عليه بحبس أو قيد وهناك لا يرجع على المكره بشئ وان لم يدخل بالمرأة لانعدام الضرورة والالجاء ولو قيل له لنقتلنك أو لتكفرن بالله أو تقتل هذا المسلم عمدا فان كفر بالله تعالى باقلبه مطمئن بالايمان فهو في سعة ولا تبين امرأته منه لتحقق الضرورة في ذلك بسبب الاكراه فانه لا يحل له قتل المسلم بحال فتتحقق الضرورة في اجراء كلمة الشرك كما لو أكره على ذلك بعينه والاصل فيه ما روى أن مسيلمة أخذ رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فقال لاحدهما أتشهد أن محمد رسول الله فقال نعم فقال أتشهد أنى رسول الله فقال
[ 136 ]
لا أدرى ما تقول فقتله وقال للآخر أتشهد أن محمدا رسول الله فقال نعم فقال أتشهد أنى رسول الله فقال نعم فخلى سبيله فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فقال عليه الصلاة والسلام أما الاول فقد آتاه الله تعالى أجره مرتين وأما الآخر فلا أثم عليه ففى هذا دليل انه يسعه ذلك عند الاكراه وانه ان امتنع منه حتى قتل كان أعظم لاجره لانه أظهر الصلابة في الدين ولان اجراء كلمة الشرك جناية على الدين من حيث الصورة وان لم تكن جناية معنى عند طمأنينة القلب بالايمان والتحرز عن الجناية على الدين صورة ومعنى سبب لنيل الثواب ولا يحل له أن يقتل المسلم بحال لانه لو أكره على ذلك بعينه لم يحل له أن يفعله فعند التردد بينه وبين غيره أولى فان قتل الرجل المسلم ففى القياس عليه القود لانه كان متمكنا من دفع البلاء عن نفسه باجراء كلمة الشرك على اللسان فلا يأثم به ولا تبين منه امرأته فإذا ترك ذلك وأقدم على القتل كان بمنزلة الطائع في ذلك ولما لم يتحقق الالجاء فيه فيصير حكم القتل عليه بمنزلة ما لو أكره عليه بالحبس فيلزمه القود ولكنه استحسن لاسقاط القود عنه إذ لم يكن عالما بان الكفر يسعه في هذا الوجه لان حرمة الشرك حرمة بانة مضمنة لا تنكشف بحال ولكن يرخص له مع طمأنينة القلب بالايمان فهو يتحرز مما هو حرام لان هذه الرخصة سببها خفى قد يخفى على كثير من الناس فيصير جهله بذلك شبهة في اسقاط القود عنه ولكن يجب عليه الدية في ماله في ثلاث سنين لان الضرورة لم تتحقق له في الاقدام على القتل فيكون فعل القتل مقصورا عليه وان أسقطنا عنه القود للشبهة والمال يثبت مع الشبهات فتجب الدية في ماله ولكن الدية بنفس القتل تجب مؤجلة ولم يذكر في الكتاب ما إذا كان عالما بان الكفر يسعه وأكثر مشايخنا رحمهم الله على أنه يلزمه القود لانه لا يبقى له شبهة في الاقدام على القتل إذا كان عالما بان الكفر يسعه فهو نظير المسلم إذا أكره على أكل الميتة ولحم الخنزير على ما بينه وهذه من جملة المسائل التى يضره العلم فيها ويخلص في جهله وفى هذا الكتاب من هذا الجنس خمس مسائل جمعناها في كتاب الوكالة ومن اصحابنا رحمهم الله من يقول وان كان يعلم ذلك لا يلزمه القود لانه بما صنع قصد مغايظة المشركين واظهار الصلابة في الدين ويباح للانسان أن يبذل نفسه وماله لما يكون فيه كبت وغيظ للمشركين فيقاتلهم وان كان يعلم أنهم يقتلونه فإذا كان يحل له في نفسه ففى نفس الغير أولى وان كان لا يحل له ذلك فيصير شبهة في درء القود عنه ولو قيل له لتقتلنك أو لتأكلن هذه الميتة أو لتقتلن هذا المسلم عمدا فينبغي له أن يأكل الميتة لما
[ 137 ]
سطر 155:
[ 139 ]
على المكره لان الالجاء قد تحقق ويباح اتلاف المال عند الالجاء كما لو أكره عليه بعينه ويصير هو في ذلك آلة للمكره فضمانه على المكره وان قتل الرجل قتل به الذى ولى القتل لانه لما أبيح له الاقدام على اتلاف المال ولا يلحقه بذلك اثم ولا ضمان كان هو غير مضطر في الاقدام على القتل فيكون بمنزلة الطائع فيلزمه القود وهو نظير ما تقدم من مسألة الميتة وشرب الخمر الا أن هنا ان لم يفعل واحدا منهما حتى قتل كان غير آثم في ذلك بخلاف مسألة الميتة لان الحرمة هناك لحق الشرع وحالة الضرورة مستثناة من الحرمة شرعا وهنا بخلافه فان تناول مال الغير واستهلاكه بغير رضاه ظلم في حق صاحب المال والظلم حرام الا أن بسبب الضرورة يباح له الاتلاف شرعا مع بقاء حق الملك في المال فلهذا وجب الضمان له على المكره جبرانا لحقه فإذا امتنع من ذلك كان ممتنعا من الظلم فلا يأثم به (الا ترى) أن المضطر إلى طعام الغير يسعه أن يأخذه بغير رضا صاحبه فان أبى صاحبه أن يعطيه فلم يأخذ حتى مات لم يكن آثما في تركه لهذا المعنى فكذلك المكره (ألا ترى) أنه لو قيل له لنقتلنك أو لتدلنا على مالك فلم يفعل حتى قتل لم يكن آثما فإذا كان لو قتل في دفعه عن مال نفسه لم يكن آثما فكذلك إذا امتنع عن استهلاك مال الغير حتى قتل قال ولو اثم في هذا في ماله أو مال غيره ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} من قتل دون ماله فهو شهيد وهذا حديث مشهور أشار إلى الاستدلال به من حيث انه لو قتل دفعا عن مال نفسه أو عن مال غيره كان شهيدا فكيف لا يكون شهيدا في دفع ما لا يسعه الاقدام عليه فبهذا تبين أنه لا يأثم إذا امتنع من ذلك كله وكذلك لو قال لاقتلنك أو لتطلقن امرأتك أو لتعتقن عبدك فلم يفعل حتى قتل لم يأثم لانه بذل نفسه دفعا عن ملك محترم له فان ملك النكاح محترم لملك المال وربما يكون الاحترام لملك النكاح أظهر فلا يكون هو آثما وان كان يسعه الاقدام على كل واحد منهما لتحقق الضرورة ولو أكره بوعيد قتل على أن يقتل عبده عمدا وقيمته ألف درهم أو يستهلك ماله هذا وهو ألفا درهم فان أبى أن يفعل واحدا منهما حتى قتل كان غير آثم لان حرمة القتل لم تنكشف بالاكراه وحرمة المال قائمة مع الاكراه وان أبيح له الاقدام على استهلاكه للدفع عن نفسه فلا يكون آثما في الامتناع لانه يمتنع من السفه في استهلاك المال وقتل النفس من السفه فان استهلك ماله فقد أحسن وضمانه على المكره بالغا ما بلغ لان الالجاء قد تحقق فيكون فعله في اتلاف المال منسوبا إلى المكره وهو محسن فيما صنع لانه جعل ماله
[ 140 ]
سطر 212:
[ 158 ]
صلى الله عليه وسلم{{ص}} أن يحجر عليه فقال انى لا أصبر عن البيع فقال عليه الصلاة والسلام إذا بايعت فقل لا خلابة ولى الخيار ثلاثة أيام فلو لم يكن الحجر بسبب التبذير في المال مشروعا عرفا لما سأل أهله ذلك ولما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وان عبد الله بن جعفر رضى الله عنه كان يفنى ماله في اتخاذ الضيافات حتى اشترى دار للضيافة بمائة ألف فبلغ ذلك علي ابن أبى طالب رضى الله عنه فقال لآتين عثمان ولاسألنه أن يحجر عليه فاهتم بذلك عبد الله رضى الله عنه وجاء إلى الزبير رضى الله عنه وأخبره بذلك فقال اشركني فيها فأشركه ثم جاء علي إلى عثمان رضى الله عنه وسأله أن يحجر عليه فقال كيف أحجر على رجل شريكه الزبير وانما قال ذلك لان الزبير رضي الله عنه كان معروفا بالكياسة في التجارة فاستدل برغبته في الشركة على أنه لا غبن في تصرفه فهذا اتفاق منهم على جواز الحجر بسبب التبذير فان عليا رضى الله عنه سأل وعثمان رضى الله عنه اشتغل ببيان العذر واهتم لذلك عبد الله رضى الله عنه واحتال الزبير لدفع الحجر عنه بالشركة فيكون اتفاقا منهم على جواز الحجر بهذا السبب وان عائشة رضى الله عنها كانت تتصدق بمالها حتى روى انها كان لها رباع فهمت ببيع رباعها لتتصدق بالثمن فبلغ ذلك عبد الله بن الزبير فقال لتنتهين عائشة عن بيع رباعها أو لاحجرن عليها والمعنى فيه أنه مبذر في ماله فيكون محجورا عليه كالصبي بل أولى لان الصبي انما يكون محجورا عليه لتوهم التبذير منه وقد تحقق التبذير والاسراف هنا فلان يكون محجورا عليه أولى وتحقيقه وهو أن للصبي ثلاثة أحوال حال عدم العقل وحال نقصان العقل بعد ما صار مميزا وحال السفه والتبذير بعد ما كمل عقله بان قارب أو أن بلوغه ثم عدم العقل ونقصانه بعد البلوغ يساوى عدم العقل ونقصانه قبل البلوغ في استحقاق الحجر به فكذلك السفه والبلوغ يساوى السفه قبل البلوغ بعد كمال العقل في استحقاق الحجر به وكان هذا الحجر بطريق النظر له لان التبذير وان كان مذموما فهو مستحق النظر باعتيار أصل دينه (ألا ترى) ان العفو عن صاحب الكبيرة حسن في الدنيا والآخرة وذلك يكون نظرا له والدليل عليه أن في حق منع المال يجعل السفه بعد البلوغ كالسفه قبل البلوغ بالقياس على عدم العقل ونقصان العقل وكان منع المال بطريق النظر له فكذلك الحجر عليه عن التصرف لان منع المال غير مقصود لعينه بل لابقاء ملكه ولا يحصل هذا المقصود ما لم يقطع لسانه عن ماله تصرفا فإذا كان هو مطلق التصرف لا يفيد منع المال شيأ وانما يكون فيه زيادة مؤنة وتكلف على الولى في حفظ ماله
[ 159 ]
سطر 221:
[ 161 ]
زائدة واطلاق اللسان في التصرفات نعمة أصلية فبان جواز الحاق ضرر يسير به في منع نعمة زائدة لتوفر النظر عليه لا يستدل على أنه يجوز الحاق الضرر العظيم به بتفويت النعمة الاصلية لمعنى النظر له فاما الآيات فقيل المراد بالسفيه الصغير أو المجنون لان السفه عبارة عن الخفة وذلك بانعدام العقل ونقصانه وعليه يحمل قوله تعالى فان كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أي صبيا أو مجنونا وكذلك قوله تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم أما أن يكون المراد الصبيان أو المجانين بدليل انه لا يثبت ولاية الولى عليه ومن يوجب الحجر على السفيه يقول ان ولاية الولى تزول عنه بالبلوغ عن عقل على ما بينه أو المراد نهى الازواج عن دفع المال إلى النساء وجعل التصرف اليهن كما كانت العرب تفعله (ألا ترى) انه قال وأموالكم وذلك يتناول أموال المخاطبين بهذا النهى لا أموال السفهاء وحديث حبان بن منقذ دليلنا ذكر أبو يوسف رحمه الله في الاماني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لم يحجر عليه وعلى الرواية الاخرى أطلق عنه الحجر لقوله لا أصبر عن البيع ومن يجعل السفه موجبا للحجر لا يقول يطلق عنه الحجر بهذا القول فعرفنا أن ذلك لم يكن حجرا لازما وحديث عبد الله بن جعفر رضى الله عنه دليلنا أيضا لان عثمان رضى الله عنه امتنع من الحجر عليه مع سؤال على رضى الله عنه وأكثر ما فيه انه لم يكن في التصرف غبن ذلك حين رغب الزبير رضي الله عنه في الشركة ولكن المبذر وان تصرف تصرفا واحدا على وجه لا غبن فيه فانه يحجر عليه عند من يرى الحجر فلما لم يحجر عليه دل ان ذلك على سبيل التخويف وحديث عائشة رضى الله عنها دليلنا فانه لما بلغها قول أبن الزبير حلفت أن لا يكلم ابن الزبير أبدا فان كان الحجر حكما شرعيا لما استجازت هذا الحلف من نفسها مجازاة على قوله فيما هو حكم شرعي وبهذا يتبين أن الزبير انما قال ذلك كراهة أن يفنى مالها فتبتلي بالفقر فتصير عيالا على غيرها بعد ما كان يعولها رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} والمصير إلى هذا أولى ليكون أبعد عن نسبة السفه والتبذير إلى الصحابة رضى الله عنهم فان بلغ خمسا وعشرين سنة لم يؤنس منه الرشد دفع المال إليه في قول أبى حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله لم يدفع المال إليه ما لم يؤنس منه الرشد لقوله تعال فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم فهذه آية محكمة لم ينسخها شئ فلا يجوز دفع المال إليه قبل ايناس الرشد منه (ألا ترى) أن عند البلوغ إذا لم يؤنس منه الرشد لا يدفع المال إليه بهذه الآية فكذلك إذا بلغ خمسا وعشرين لان السفه يستحكم بمطاولة المدة ولان
[ 162 ]
السفه في حكم منع المال منه بمنزلة الجنون والعته وذلك يمنع دفع المال إليه بعد خمس وعشرين سنة كما قبله فكذلك السفه وأبو حنيفة استدل بقوله تعالى ولا تأكلوها اسرافا وبدارا أن يكبروا معناه ان يكبروا يلزمكم دفع المال إليهم وقال الله تعالى وآتوا اليتامى أموالهم والمراد البالغين فهذا تنصيص على وجوب دفع المال إليه بعد البلوغ الا انه قام الدليل على منع المال منه بعد البلوغ إذا لم يؤنس رشده وهو ما تلوا فان الله تعالى قال حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا وحرف الفاء للوصل والتعقيب فيكون بين ان دفع المال إليه عقيب البلوغ بشرط ايناس الرشد وما يقرب من البلوغ في معنى حالة البلوغ فأما إذا بعد عن ذلك فوجوب دفع المال إليه مطلق بما تلونا غير معلق بشرط ومدة البلوغ بالسن ثمانية عشر سنة فقدرنا مدة القرب منه بسبع سنين اعتبار بمدة التمييز في الابتداء على ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} في قوله مروهم بالصلاة إذا بلغوا سبعا ثم قد بينا ان أثر الصبا يبقى بعد البلوغ إلى أن يمضى عليه زمان وبقاء أثر الصبا كبقاء عينه في منع المال منه ولا يبقى أثر الصبا بعد ما بلغ خمسا وعشرين سنة لتطاول الزمان به منذ بلغ ولهذا قال أبو حنيفة رحمه الله لو بلغ رشيدا ثم صار سفيها لم يمنع منه المال لان هذا ليس بأثر الصبا فلا يعتبر في منع المال منه أو منع المال كان على سبيل التأديب له والاشتغال بالتأديب ما لم ينقطع رجاء التأديب فإذا بلغ خمسا وعشرين سنة ولم يؤنس رشده فقد انقطع رجاء التأديب لانه يتوهم أن يصير جدا لان البلوغ بالانزال بعد اثنتى عشرة سنة يتحقق فإذا أحبل جاريته وولدت لستة أشهر فإذا ثم ان ولده أحبل جاريته بعد اثنتى عشرة سنة وولدت لستة أشهر صار الاول جدا بعد تمام خمس وعشرين سنة ومن صار فرعه أصلا فقد تناهى في الاصلية فإذا لم يؤنس رشده عرفنا أنه انقطع منه رجاء التأديب فلا معنى لمنع المال منه بعد ذلك والى هذا أشار في الكتاب فقال أرأيت لو بلغ ستين سنة ولم يؤنس منه الرشد وصار ولده قاضيا أو نافلته أكان يحجر على أبيه وحده ويمتنع المال منه هذا قبيح ثم يقول بعد تطاول الزمان به لابد أن يستفيد رشدا اما بطريق التجربة أو الامتحان فان كان منع المال عنه بطريق العقوبة فقد تمكنت شبهة باصابة نوع من الرشد والعقوبة تسقط بالشبهة وان كان هذا حكما ثابتا بالنص غير معقول المعنى فقوله رشدا منكر في موضع الاثبات والنكرة في موضع الاثبات تخص ولا تعم فإذا وجد رشدا ما فقد وجد الشرط فيجب دفع المال إليه وهذا معنى ما نقل عن مجاهد رحمه الله في معنى قوله فان آنستم منهم رشدا
[ 163 ]
سطر 230:
[ 164 ]
هذا الحجر عندهما لا يثبت الا بقضاء القاضى ومحمد رحمه الله يفرق بين هذا وبين الاول فيقول هنا الحجر لاجل النظر للغرماء فيتوقف على طلبهم وذلك لا يتم الا بقضاء القاضى له والحجر على السفيه لاجل النظر له وهو غير موقوف على طلب أحد فيثبت حكمه بدون القضاء والفصل الثاني انه لا يباع على المديون ماله في قول أبى حنيفة رحمه الله العروض والعقار في ذلك سواء لا مبادلة أحد النقدين بالآخر فللقاضي أن يفعل ذلك استحسانا لقضاء دينه وقال أبو يوسف ومحمد يبيع عليه ماله فيقضي دينه بثمنه لحديث معاذ رضى الله عنه فانه ركبته الديون فباع رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ماله وقسم ثمنه بين غرمائه بالحصص وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه في خطبته أيها الناس اياكم والدين فان أوله هم وآخره حزن وان اسيفع جهينة قد رضى من دينه وأمانته أن يقال سبق الحاج فادان معرضا فأصبح وقد دين به الا أنى بائع عليه ماله فقاسم ثمنه بين غرمائه بالحصص فمن كان له عليه دين فليفد ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فكان هذا اتفاقا منهم على أنه يباع على المديون ماله والمعنى فيه أن بيع المال لقضاء الدين من ثمنه مستحق عليه بدليل انه يحبس إذا امتنع منه وهو ما يجزى فيه النيابة والاصل ان امتنع عن ايفاء حق مستحق عليه وهو مما يجزي فيه النيابة ناب القاضي فيه منابه كالذى إذا أسلم عبده فأبى أن يبيعه باعه القاضى عليه بهذا والتعيين بعد مضى المدة إذا أبى أن يفارقها ناب القاضى منابه في التفريق بينهما وهذا بخلاف المديون إذا كان معسرا فان القاضى لا يؤاجره ليقضى دينه من أجرته وكذلك لا يبيع ما عليه من ثياب بدنه لان ذلك غير مستحق عليه بدليل انه لا يحبسه لاجله وكذلك الدين إذا وجب على امرأة فان القاضى لا يزوجها ليقضى الدين من صداقها لان ذلك غير مستحق عليها بدليل انها لا تحبس لتباشر ذلك بنفسها فلا ينوب القاضى فيه منابها وأبو حنيفة رحمه الله استدل بقوله تعالى لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم وبيع المال على المديون بغير رضاه ليس بتجارة عن تراض وقال عليه الصلاة والسلام لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيبة نفس منه ونفسه لا تطيب ببيع القاضى ماله عليه فلا ينبغى له أن يفعله لهذا الظاهر والمعنى في أن بيع المال غير مستحق عليه فلا يكون للقاضي أن يباشر ذلك عند امتناعه كالاجارة والتزويج بيان الوصف أن المستحق عليه قضاء الدين وجهة بيع المال غير متعين لقضاء الدين فقد يتمكن من قضاء الدين بالاستيهاب والاستقراض وسؤال الصدقة من الناس فلا يكون
[ 165 ]
للقاضى تعيين هذه الجهة عليه بمباشرة بيع ماله والدليل عليه انه يحبسه بالاتفاق وقد ورد الاثر به على ما روى أن رجلا من جهينة أعتق شقصا من عبد بينه وبين غيره فحبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} حتى باع غنيمة له وضمن نصيب شريكه ونحن نعلم انه ما حبسه الا بعد علمه بيساره لان ضمان المعتق لا يجب الا على الموسر ومع ذلك اشتغل رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بحبسه حتى باع بنفسه فعرفنا أن المديون يحبس لقضاء الدين ولو جاز للقاضى بيع ماله لم يشتغل بحبسه لما في الحبس من الاضرار به وبالغرماء في تأخير وصول حقهم إليهم فلا معنى للمصير إليه بدون الحاجة وفى اتفاق العلماء رحمهم الله على حبسه في الدين دليل على أنه ليس للقاضى ولاية بيع ماله في دينه وهذا بخلاف عبد الذمي إذا أسلم لان عند اصرار المولى على الشرك اخراج العبد عن ملكه مستحق عليه بعينه فينوب القاضى منابه وكذلك في حق العنين لما تحقق عجزه عن الامساك بالمعروف فالتسريح مستحق عليه بعينه فأما مبادلة أحد النقدين بالآخر بان كان الدين عليه دراهم وماله دنانير ففى القياس ليس للقاضى ان يباشر هذه المصارفة لما بينا أن هذا الطريق غير متعين لما هو مستحق عليه وهو قضاء الدين وفى الاستحسان يفعل ذلك لان الدراهم والدنانير جنسان صورة وجنس واحد معنى ولهذا يضم أحدهما إلى الآخر في حكم الزكاة ولو كان ماله من جنس الدين صورة كان * للقاضى أن يقضى دينه به فذكلك إذا كان ماله من جنس الدين معنى * فان قيل فعلى هذا ينبغى أن يكون لصاحب الدين ولاية الاخذ من غير قضاء كما لو ظفر بحبس حقه بالاجماع ليس له ذلك قلنا لانهما جنسان صورة وان كان جنسا واحدا حكما فلانعدام المجانسة صورة لا ينفرد صاحب الدين بأخذه لان فيه معنى المبادلة من وجه ولوجود المجناسة معنى قلنا للقاضى أن يقضى دينه به * يوضحه ان من العلماء من يقول لصاحب الدين أن يأخذ أحد النقدين بالآخر من غير قضاء ولا رضا وهو قول ابن أبى ليلى رحمه الله والقاضى مجتهد فجعلنا له ولاية الاجتهاد هنا في مبادلة أحد النقدين بالآخر لقضاء الدين منه ولا يوجد هذا المعنى في سائر الاموال وفيه اضرار بالمديون من حيث ابطال حقه عن عين ملكه وللناس في الاعيان اغراض ولا يجوز للقاضى أن ينظر لغرمائه على وجه يلحق الضرر به فوق ما هو مستحق عليه ثم هذا المعنى لا يوجد في النقود لان المقصود هناك المالية دون العين وأما تأويل معاذ رضى الله عنه فنقول انما باع رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ماله بسؤاله لانه لم يكن في ماله وفاء بدينه فسأل رسول
[ 166 ]
الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أن يتولى بيع ماله لينال ماله بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فيصير فيه وفاء بديونه وهذا لان عندهما يأمر القاضى المديون ببيع ماله أولا فإذا امتنع فحينئذ يبيع ماله ولا يظن بمعاذ رضى الله عنه أنه كان يأبى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} اياه ببيع ماله حتى يحتج ببيعه عليه بغير رضاه فانه كان سمحا جوادا لا يمنع أحدا شيأ ولاجله ركبته الديون فكيف يمتنع من قضاء دينه بماله بعد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} والمشهور في حديث أسيفع رضى الله عنه ان عمر رضى الله عنه قال انى قاسم ماله ببن غرمائه فيحمل على انه كان ماله من جنس الدين وان ثبت البيع فانما كان ذلك برضاه (ألا ترى) ان عندهما القاضى لا يبيعه الا عند طلب الغرماء ولم ينقل أن الغرماء طالبوه بذلك وانما المنقول انه ابتدأهم بذلك وأمرهم ان يفدوا اليله فدل انه كان ذلك برضاه ثم قد تم الكتاب على قول أبى حنيفة رحمه الله وانما التفريع بعد هذا على قول من يرى الحجر فنقول بين من يرى الحجر بسبب السفه اختلاف في صفة الحجر فعلى قول الشافعي رحمه الله الحجر به بمنزلة الحجر بسبب الرق حتى لا ينفذ بعد الحجر شئ من تصرفاته سوى الطلاق لان السفه لا يزيل الخطاب ولا يخرجه من أن يكون أهلا لالتزام العقوبة باللسان باكتساب سببها اؤ بالاقرار بها بمنزلة الرق فكما أن بعد الرق لا ينفذ شئ من تصرفاته سوى الطلاق فكذلك بعد الحجر بسبب السفه وأبو يوسف ومحمد قالا المحجور عليه بسبب السفه في التصرفات كالهازل يخرج كلامه على غير نهج كلام العقلاء لقصده اللعب به دون ما وضع الكلام له لا لنقصان في عقله فكذلك السفيه يخرج كلامه في التصرفات على غير نهج كلام العقلاء لاتباع الهوى ومكابرة العقل لا لنقصان في عقله وكل تصرف لا يؤثر فيه الهزل كالنكاح والطلاق والعتاق لا يؤثر فيه السفه ولا يجوز أن يجعل هذا نظير الحجر بسبب الرق لان ذلك الحجر لحق الغير في المحل الذى يلاقيه تصرفه حتى فيما لا حق للغير فيه يكون تصرفه نافذا وهنا لا حق لاحد في المحل الذى يلاقيه تصرفه ثم على مذهبهما القاضى ينظر فيما باع واشترى هذا السفيه فان رأى اجازته أجازه وكان جائزا لانعدام الحجر قبل القضاء عند أبى يوسف رحمه الله ولاجازة القاضى عند محمد رحمه الله فان حاله لا يكون دون حال الذى لم يبلغ إذا كان عاقلا وهناك إذا باع واشترى وأجازه القاضى جاز وهذا لان الحجر عليه لمعنى النظر وربما يكون النظر له في اجازة هذا التصرف فلهذا نفذ باجازة القاضى سواء باشره السفيه أو الصبي العاقل قال وهما
[ 167 ]
سطر 254:
[ 172 ]
ثم لا يمنع من أداء ما لزمه شرعا ويعطى ما يحتاج إليه كالزاد والراحلة لان ذلك من أصول حوائجه وان أراد عمرة واحدة لم يمنع منها أيضا استحسانا وفى القياس لا يعطى نفقة السفر لذلك لان العمرة عندنا تطوع كما لو أراد الخروج للحج تطوعا بعد ما حج حجة الاسلام ولكنه استحسن لاختلاف العلماء في فريضة العمرة وتعارض الاخبار في ذلك ولظاهر قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله فهذا منه أخذ بالاحتياط في أمر الدين وهو من جملة النظر له ليس من التبذير في شئ وان أراد أن يقرن عمرة وحجا وسوق بدنة لم يمنع من ذلك لان القران فضل عندنا وإذا لم يكن هو ممنوعا من انشاء سفر لاداء كل واحد من النسكين فلان لا يمنع من الجمع بينهما في سفر أولى ثم القارن يلزمه هدى ويجزيه فيه الشاة عندنا ولكن البدنة فيه أفضل وقد اختلف العملاء من السلف في ذلك فكان أبن عمر رضى الله عنه يقول لا يجزيه الا بقرة أو جزور فهو حين ساق البدنة قد قصد به التحرز عن موضع الخلاف وأخذ بالاحتياط في أمر الدين واراد أن يكون فعله أقرب إلى موافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فلم يكن في سوق البدنة من معنى الفساد شئ فان أراد الخروج لاداء ذلك نظر الحاكم إلى ثقة من يريد الخروج إلى مكة فيدفع إليه ما يكفى المحجور عليه للكراء والنفقة والهدى فيلى ذلك الرجل النفقة عليه وما أراد من الهدى وغيره بأمر المحجور عليه ولا يدفع إلى المحجور عليه شيأ من ذلك المال مخافة أن يتلفه في شهوات نفسه ثم يقول ضاع منى فأعطوني مثله وهذا لانه في حالة الحضر كان ماله في يد وليه ينفق عليه منه بحسب حاجته وإذا ولاه القاضى ذلك كان هو بمنزلة وليه في الهدى ولا بد من اعتبار أمره ونيته لمعنى القربة فاما أن يباشره الولى بأمره أن يدفع إليه ليباشر بحضرته ما يحق عليه مباشرته فان اصطاد في احرامه صيد أو حلق رأسه من أذى أو صنع شيأ يجب فيه الصوم أمره بان يصوم لذلك ولم يعط من ماله لما صنع شيأ لان وجوب هذا بسبب من جهته وأصل ذلك السبب جناية فلا يستحق باعتبار النظر فيؤمر بالصوم لذلك حتى يكون ذلك زجرا عن السفه فان رأى الحاكم أن يأمر الرجل ان ابتلى بأذى في رأسه أو أصابه وجع احتاج فيه إلى لبس قميص أو غير ذلك أن يذبح عنه أو يتصدق لم يكن بهذا بأس لانه هذا من النظر له عند حاجته ولهذا جوز الشرع ذلك للمضطر فلا بأس بأن ينظر القاضى له في ذلك فيأمره بالاداء من ماله عند حاجته ولكن لا يفعله الوكيل الا بأمر المحجور عليه لمعنى القربة فيه فان الولاية الثابتة عليه لوليه لم تكن باختياره والعبادة
[ 173 ]