الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مبسوط السرخسي - الجزء السادس»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
OKBOT (نقاش | مساهمات)
ط تدقيق إملائي. 88 كلمة مستهدفة حاليًا.
 
سطر 6:
[ 2 ]
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الطلاق (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله تعالى إملاء الطلاق في اللغة عبارة عن ازالة القيد وهو مأخوذ من الاطلاق يقول الرجل أطلقت ابلى وأطلقت أسيري وطلقت امرأتي فالكل من الاطلاق وانما اختلف اللفظ لاختلاف المعنى ففى المرأة يتكرر الطلاق وإذا تم رفع القيد بتكرر الطلاق لا يتأتى تقييده ثانيا في الحال ففى التفعيل معنى المبالغة فلهذا يقال في المرأة طلقت وهو كقولهم حصان وحصان لكن يقال في الفرس حصان أي بين التحصن وفى المرأة حصان أي بينة الحصن وكذا يقال عدل وعديل وكلاهما مشتق من العدالة والمعادلة ولكن يختص أحد اللفظين بالآدمى لمعنى اختص به وموجب الطلاق في الشريعة رفع الحل الذى به صارت المرأة محلا للنكاح إذا تم العدد ثلاثا كما قال الله تعالى فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ويوجب زوال الملك باعتبار سقوط اليد عند انقضاء العدة في المدخول بها وانعدام العدة عند عدم الدخول والاعتياض عند الخلع فالاسم شرعى فيه معنى اللغة وايقاع الطلاق مباح وان كان مبغضا في الاصل عند عامة العلماء ومن الناس من يقول لا يباح ايقاع الطلاق الا عند الضرورة لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لعن الله كل ذواق مطلاق وقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} أيما امرأة اختلعت من زوجها من نشوز فعليها لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وقد روى مثله في الرجل يخلع امرأته ولان فيه كفران النعمة فان النكاح نعمة من الله تعالى على عباده قال الله تعالى ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا وقال الله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء الآية وكفران النعمة حرام وهو رفع النكاح المسنون فلا يحل الا عند الضرورة وذلك إما كبر السن لما روى ان سودة لما طعنت في السن طلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وإما لريبة لما روى أن رجلا جاء إلى
[ 3 ]
النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} وقال ان امرأتي لا ترد يد لامس فقال صلوات الله عليه طلقها فقال انى أحبها فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} أمسكها اذن واما قوله لا جناح عليكم ان طلقتم النساء وقوله تعالى فطلقوهن لعدتهن وذلك كله يقتضى كله اباحة الايقاع وطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} حفصة رضى الله عنها حتى نزل عليه الوحي يأمره ان يراجعها فانها صوامة قوامة ولم يكن هناك كبر سن ولا ريبة وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم فان عمر رضى الله عنه طلق أم عاصم رضى الله عنها وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه طلق تماضر رضي الله عنها والمغيرة بن شعبة رضى الله عنه كان له أربع نسوة فأقامهن بين يديه صفا وقال انتن حسان الاخلاق ناعمات الارداف طويلات الاعناق اذهبن فانتن طلاق وان الحسن بن علي رضى الله عنهما استكثر من النكاح والطلاق بالكوفة حتى قال علي رضى الله عنه على المنبر إن ابني هذا مطلاق فلا تزوجوه فقالوا انا نزوجه ثم نزوجه ولان هذا ازالة الملك بطريق الاسقاط فيكون مباحا في الاصل كالاعتاق وفيه معنى كفران النعمة من وجه ومعنى ازالة الرق من وجه فالنكاح رق قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته وروى بم يرق كريمته ولهذا صان الشرع القرابة القزيبة عن هذا الرق حيث حرم نكاح الامهات والبنات والاخوات والى هذا المعنى أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بقوله وان أبغض المباحات عند الله تعالى الطلاق فقد نص على أنه مباح لما فيه من ازالة الرق ومبغض لما فيه من معنى كفران النعمة ثم معنى النعمة انما يتحقق عند موافقة الاخلاق فأما عند عدم موافقة الاخلاق فاستدامة النكاح سبب لامتداد المنازعات فكان الطلاق مشروعا مباحا للتفصى عن عبدة النكاح عند عدم موافقة الاخلاق * ثم هو نوعان طلاق سنة وطلاق بدعة والسنة في الطلاق نوعان سنة من حيث العدد وسنة من حيث الوقت فالسنة من حيث العدد ما بدأ ببيانه الكتاب وهو نوعان حسن وأحسن فالاحسن أن يطلقها واحدة في وقت السنة ويدعها حتى تنقضي عدتها هكذا نقل عن إبراهيم رحمه الله تعالى ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ورضى الله عنهم كانوا يستحسنون أن لا يزيدوا في الطلاق على واحدة حتى تنقضي العدة وأن هذا أفضل عندهم من أن يطلق الرجل ثلاثا عند كل طهر واحدة ولانه مبغض شرعا لكنه مباح لمقصود التفصى عن عهدة النكاح وذلك يحصل بالواحدة ولا يرتفع بها الحل الذى هو
[ 4 ]
نعمة فالاقتصار عليها أحسن والحسن أن يطلقها ثلاثا في ثلاثة أطهار عند كل طهر واحدة وقال مالك رحمه الله تعالى لا أعرف المباح من الطلاق الا واحدة والدليل على صحة ما قلنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لابن عمر رضي الله عنه انما السنة أن تستقبل الطهر استقبالا فتطلقها لكل طهر تطليقة فتلك العدة التى أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء يريد به الاشارة إلى قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن ولما قابل الله تعالى الطلاق بالعدة والطلاق ذو عدد والعدة ذات عدد تنقسم آحاد أحدهما على الآخر كقول القائل اعط هؤلاء الرجال الثلاثة ثلاثة دراهم ولان عدم موافقة الاخلاق أمر باطن لا يوقف على حقيقته فأقام الشرع السبب الظاهر الدال عليه وهو الطهر الذى لم يجامعها فيه مقام حقيقة الحاجة لعدم موافقة الاخلاق لانه زمان الرغبة فيها طبعا وشرعا فلا يختار فراقها الا للحاجة ومتى قام السبب الظاهر مقام المعنى الباطن دار الحكم معه وجودا وعدما وهذا السبب الظاهر متكرر فتتكرر اباحة الطلاق بتكرره ويجعل ذلك قائم مقام تجدد الحاجة حكما واليه أشار ابن مسعود رضى الله عنه فقال إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته للسنة طلقها تطليقة وهى طاهرة من غير جماع فإذا أراد أن يطلقها ثلاثا طلقها بعد ما تحيض وتطهر ثم يدعها حتى تحيض وتطهر ثم يطلقها أخرى فكانت قد بانت منه بثلاث تطليقات وبقى عليها من عدتها حيضة وعلى هذا الاصل قال علماؤنا رحمهم الله ايقاع الثلاث جملة بدعة وقال الشافعي رحمه اله تعالى لا أعرف في الجمع بدعة ولا في التفريق سنة بل الكل مباح وربما يقول ايقاع الثلاث جملة سنة حتى إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا للسنة وقع الكل في الحال عنده قال وبالاتفاق لو نوى وقوع الثلاث جملة يقع جملة ولو لم يكن سنة لما عملت نيته لان النية بخلاف الملفوظ باطل واستدل في ذلك بحديث العجلاني فانه لما لاعن امرأته قال كذبت عليها يارسول الله ان أمسكتها فهي طالق ثلاثا ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ايقاع الثلاث جملة وقالت فاطمة بنت قيس رضى الله عنها طلقني زوجي ثلاثا الحديث إلى ان قالت فلم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} نفقة ولا سكنى وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه طلق امرأته تماضر رضي الله عنها ثلاثا في مرض موته والحسن بن علي رضي الله عنهما طلق امرأته شهباء رضي الله عنها ثلاثا حين هنته بالخلافة بعد موت علي رضي الله عنه والمعني فيه أن ازالة الملك بطريق الاسقاط فيكون مباحا مطلقا جمع أو
[ 5 ]
فرق كالعتق والدليل عليه انه لو طلق أربع نسوة له جملة كان مباحا بمنزلة ما لو فرق فكذلك في حق الواحدة بل أولى لان هذا يزيل الملك عن امرأة واحدة وهناك الايقاع يزيل الملك عن أربع نسوة ولان الطلاق تصرف مملوك بالنكاح فيكون مباحا في الاصل والتحريم فيه لمعنى عارض كالظهار الذى انضم إليه وصف كونه منكرا من القول وزورا والايلاء الذى انضم إليه معنى قطع الامساك بالمعروف على وجه الاضرار والتعنت فكذلك الطلاق مباح الايقاع الا إذا انضم إليه معني محرم وهو الاضرار بها بتطويل العدة عليها إذا طلقها في حالة الحيض وتلبيس أمر العدة عليها إذا طلقها في طهر قد جامعها فيه لانها لا تدرى أنها حامل فتعتد بوضع الحمل أو حائل فتعتد بالاقراء وذلك منعدم إذا طلقها في طهر لم يجامعها فيه سواء أوقع الثلاث أو الواحدة وهو معنى قولهم هذا طلاق صادف زمان الاحتساب مع زوال الارتياب وحجتنا في ذلك قوله تعالى الطلاق مرتان معناه دفعتان كقوله أعطيته مرتين وضربته مرتين والالف واللام للجنس فيقتضى ان يكون كل الطلاق المباح في دفعتين ودفعة ثالثة في قوله تعالى فان طلقها أو في قوله عزوجل أو تسريح باحسان على حسب ما اختلف فيه أهل التفسير وفى حديث محمود بن لبيد رحمه الله تعالى ان رجلا طلق امرأته ثلاثا بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فقام النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} مغضبا فقال أتلعبون بكتاب الله تعالى وأنا بين أظهركم واللعب بكتاب الله ترك العمل به فدل ان موقع الثلاث جملة مخالف للعمل بما في الكتاب وان المراد من قوله فطلقوهن لعدتهن تفريق الطلقات على عدد اقراء العدة الا ترى انه خاطب الزوج بالامر باحصاء العدة وفائدته التفريق فانه قال لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا أي يبدو له فيراجعها وذلك عند التفريق لا عند الجمع وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه ان قوما جاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فقالوا ان أبانا طلق امرأته ألفا فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} بانت امرأته بثلاث في معصية الله تعالى وبقى تسعمائة وسبعة وتسعين وزرا في عنقه إلى يوم القيامة وان ابن عمر رضى الله تعالى عنه لما طلق امرأته في حالة الحيض أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أن يراجعها فقال أرأيت لو طلقتها ثلاثا أكانت تحل لى فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا بانت منك وهي معصية وبهذه الآثار تبين انه انما ترك الانكار على العجلاني في ذلك الوقت شفقة عليه لعلمه أنه لشدة الغضب ربما لا يقبل قوله فيكفر فأخر الانكار إلى وقت آخر وأنكر عليه في قوله اذهب
[ 6 ]
سطر 21:
[ 7 ]
وغير المدخول بها لان معنى تحريم البضع بايقاع الثلاث يحصل في الحالتين بصفة واحدة وكذلك يستوى في الكراهة ايقاع الثلاث جملة وايقاع الثنتين لان الكراهة لمعني عدم الحاجة حقيقة وحكما وهو موجود في الثانية كوجوده في الثالثة ولان ايقاع الثنتين وان كان لا يحصل به تحريم البضع فانه يقرب منه وهذا القرب معتبر في الحكم ألا ترى أن المرأة إذا قالت لزوجها طلقني ثلاثا بألف وطلقها واحدة يجب ثلث الالف ولو طلقها اثنتين يجب ثلثا الالف وكما أن سد باب التلافى حرام من غير حاجة فكذلك ما يقرب منه يكون حراما * وأما السنة من حيث الوقت معتبر في حق المدخول بها وذلك أن يطلقها إذا طهرت من الحيض قبل أن يجامعها فيه قال في الكتاب بلغنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} والمراد منه حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه فانه لما طلق امرأته في حالة الحيض قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ما هكذا أمرك الله يا بن عمر انما السنة تستقبل الطهر استقبالا الحديث وفي رواية قال لعمر رضى الله تعالى عنه ان ابنك أخطأ السنة مره فليراجعها فإذا حاضت وطهرت فليطلقها ان شاء طاهرة من غير جماع أو حاملا قد استبان حملها فتلك العدة التى أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء وجاء عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضى الله تعالى عنهم في تفسير قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن أي يطلقها طاهرة من غير جماع والمعنى فيه أن اباحة الايقاع للتفصى عن عهدة النكاح عند عدم موافقة الاخلاق وذلك لا يظهر بالايقاع حالة الحيض لانها حال نفرة الطبع عنها وكونه ممنوعا عنها شرعا فربما يحمله ذلك على الطلاق وكذلك في الطهر الذى جامعها فيه لانه قد حصل مقصوده منها فنقل رغبته فيها فلا يكون الايقاع دليل عدم موافقة الاخلاق فأما في الطهر الذى لم يجامعها فيه تعظم رغبته فيها فلا يقدم على الطلاق الا لعدم موافقة الاخلاق فلهذا اختصت اباحة الايقاع به ولهذا المعنى قال زفر رحمه الله تعالى إنه يكره ايقاع الطلاق في حالة الحيض من غير المدخول بها لان معنى نفرة الطبع والمنع شرعا لا يختلف بين كونها مدخولا بها أو غير مدخول بها ومعنى آخر فيه أن في الايقاع في حالة الحيض اضرارا بها من حيث تطويل العدة عليها لان هذه الحيضة لا تكون محسوبة من العدة وتطويل العدة من الاضرار بها قال الله تعالى ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا وفي الايقاع في طهر قد جامعها فيه اضرار بها من حيث اشتباه العدة عليها ولهذا قلنا لا بأس
[ 8 ]
بايقاع الطلاق في الحيض على غير المدخول بها لانه ليس فيه معنى تطويل العدة عليها ولان رغبته فيها كانت بالنكاح فلا يقبل ذلك بحيضها ما لم يحصل مقصوده منها فكان الايقاع دليل عدم موافقة الاخلاق بخلاف المدخول بها فان مقصوده بالنكاح قد حصل منها وانما رغبته فيها في الطهر بعد ذلك لتمكنه فيه من غشيانها وينعدم ذلك بالحيض توضيحه ان اباحة الايقاع بشرط ان يأمن الندم كما قال الله تعالى لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا وفى الايقاع في حالة الحيض على المدخول بها لا يأمن الندم إذا جاء زمان الطهر والرغبة فيها وكذلك في الايقاع في طهر قد جامعها فيه لا يأمن الندم لانه ربما يظهر بها حبل فتحمله شفقته على الولد على تحمل سوء خلقها والى نحوه أشار ابن مسعود رضى الله عنه فقال لعل شفقة الولد تندمه فلهذا كره الايقاع في هذين الوقتين وإذا أراد ان يطلقها ثلاثا طلقها واحدة إذا طهرت من الحيض واختار بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى تأخير الايقاع إلى آخر الطهر ليكون أبعد عن تطويل العدة وظاهر ما يقول في الكتاب يدل على انه يطلقها حين تطهر من الحيض لانه لو أخر الايقاع ربما يجامعها ومن قصده انه يطلقها فيبتلى بالايقاع عقيب الجماع وذلك مكروه فلهذا طلقها حين تطهر من حيضها فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى واحتسب بهذه الحيضة من عدتها فإذا حاضت الثالثة وطهرت طلقها أخرى وقد بقى عليها من عدتها حيضة وللشافعي رحمه الله تعالى قول أن ابتداء العدة من آخر التطليقات إذا تكرر الايقاع لان الطلاق بعد الدخول موجب للعدة كالحدث بعد الطهارة موجب للوضوء فكما انه إذا أحدث بعد غسل بعض الاعضاء يلزمه استئناف الوضوء فكذلك إذا تكرر وقوع الطلاق عليها يلزمها استئناف العدة ولكنا نقول السبب الموجب للعدة الدخول وانما تصير شارعة في العدة حين يصير الزوج غير مريد لها وقد حصل ذلك بالتطليقة الاولى ثم الثانية والثالثة تقرر ذلك المعنى ولا تبطله بخلاف ما لو راجعها ثم طلقها لان بالرجعة ينعدم ذلك المعنى فانه يصير مريدا لها توضيحه أن المقصود تبين فراغ الرحم وذلك لا يتغير بتكرر الطلاق وعدم التكرر فلهذا كانت عدتها من التطليقة الاولى وعلى هذا اتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ورضي الله عنهم (قال) ولا تحل له المرأة بعدما وقع عليها ثلاث تطليقات حتى تنكح زوجا غيره يدخل بها والطلاق محصور بعدد الثلاث ولا خلاف بين العلماء أن بيان التطليقتين في قوله تعالى الطلاق مرتان وانما اختلفوا
[ 9 ]
في الثالثة فقيل في قوله أو تسريح باحسان وهكذا روى أن أبا رزين العقيلى رضى الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وقال عرفنا التطليقتين في القرآن فأين الثالثة فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} في قوله تعالى أو تسريح باحسان وأكثرهم على أن بيان الثالثة في قوله تعالى فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره لانه عند ذكرها ذكر ما هو حكم الثالثة وهو حرمة المحل إلى غاية ومعناه فان طلقها الثالثة ولا خلاف بين العلماء أن النكاح الصحيح شرط الحل للزوج الاول بعد وقوع الثلاث عليها والمذهب عند جمهور العلماء أن الدخول بها شرط أيضا وقال سعيد بن المسيب رضى الله تعالى عنه ليس بشرط لان في القرآن شرط العقد فقط ولا زيادة بالرأى ولكن هذا قول غير معتبر ولو قضى به قاض لا ينفذ قضاؤه فان شرط الدخول ثابت بالآثار المشهورة فمن ذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا فتزوجت بزوج آخر لم تحل للاول حتى تذوق من عسيلته ويذوق من عسيلتها ومنه حديث عائشة رضى الله عنها ان رفاعة القرظي رضي الله عنه طلق امرأته فأبت طلاقها فتزوجت بعبد الرحمن بن الزبير رضي الله عنه ثم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فقالت ما وجدت معه الا مثل هذه وأشارت إلى هدبة ثوبها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ثم ضبط نفسه فقال أتريدين ان ترجعي إلى رفاعة فقالت نعم فقال لا حتى يذوق من عسيلتك وتذوقي من عسيلته وعن عائشة رضى الله عنها ان عمرو بن حزم رضي الله عنه طلق امرأته العميصاء رضى الله عنها ثلاثا فتزوجت بآخر فلما خلا بها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} تشكو ضعف حاله في باب النساء فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} هل أصابك فقالت لا فقال صلوات الله عليه لا تحلين لعمرو حتى تذوقي من عسيلته ويذوق من عسيلتك وقيل في القرآن ذكر الدخول إشارة فانه أضاف فعل النكاح إلى الزوج واليها فيقضى ذلك فعل النكاح بعد الزوجية وذلك الوطئ ولان المقصود منع الازواج من الاستكثار من الطلاق وذلك لا يحصل بمجرد العقد انما يحصل بالدخول ففيه مغايظة الزوج الاول ودخول الثاني بها بالنكاح مباح مبغض عند الزوج الاول كما ان الاستكثار من الطلاق مبغض شرعا ليكون الجزاء بحسب العمل (قال) فان تزوج بها الثاني على قصد ان يحللها للزوج الاول من غير ان يشترط ذلك في العقد صح النكاح ويثبت الحل للاول إذا دخل بها الثاني وفارقها
[ 10 ]
فان شرط ان يحللها للاول فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى الجواب كذلك ويكره هذا الشرط وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى النكاح جائز ولكن لا تحل به للاول وعند محمد رحمه الله تعالى النكاح فاسد لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لعن الله المحلل والمحلل له وعقد النكاح سنة ونعمة فما يستحق به المرء اللعن لا يكون نكاحا صحيحا ولان هذا في معنى شرط التوقيت وشرط التوقيت مبطل للنكاح ولكن أبو يوسف رحمه الله تعالى يقول هذا ليس بتوقيت في النكاح ولكنه استعجال لما هو مؤخر شرعا فيعاقب بالحرمان كمن قتل مورثه يحرم من الميراث وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول هذا الشرط وراء ما يتم به العقد فأكثر ما فيه أنه شرط فاسد والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة ثم النهى عن هذا الشرط لمعنى في غير النكاح فان هذا النكاح شرعا موجب حلها للاول فعرفنا أن النهى لمعني في غير المنهي عنه وذلك لا يؤثر في النكاح فلهذا ثبت الحل للاول إذا دخل بها الثاني بحكم هذا النكاح الصحيح (قال) وإذا أراد أن يطلق امرأته وهي حامل طلقها واحدة متى شاء حتى انه لا بأس بأن يطلقها عقيب الجماع لان كراهة الايقاع عقيب الجماع لاشتباه أمر العدة عليها وخوف الندم إذا ظهر بها حبل وذلك غير موجود هنا ولان الحبل يزيد في رغبته فيها فيكون ايقاع الطلاق بعد ظهوره دليل عدم موافقة الاخلاق (قال) فان كان جامعها ثم أراد أن يطلقها ثلاثا فله ذلك في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ويفصل بين التطليقتين بشهر وعند محمد وزفر رحمها الله تعالى لا تطلق الحامل للسنة أكثر من واحدة وفى الكتاب قال بلغنا ذلك عن ابن مسعود وجابر رضى الله تعالى عنهما والحسن البصري وقول الصحابي إذا كان فقيها مقدم على القياس والمعني فيه ان الاصل في طلاق السنة أن يفصل بين التطليقتين بفصل محسوب من فصول العدة كما في حق ذوات الاقراء والآيسة والشهر في حق الحامل ليس بفصل محسوب من فصول العدة فلا يفصل به بين طلاقي السنة وهذا لان الطلاق مقابل بفصول العدة ألا ترى أن عدة الامة لما تقدرت بحيضتين ملك عليها تطليقتين وان بسبب عدم الدخول لما انعدمت فصول العدة انعدم ملك التفريق الا أن النكاح يعقد للدخول فلا يؤثر في ملك أصل الطلاق لهذا فعرفنا أن التفريق باعتبار فصول العدة ومدة الحبل طالت أو قصرت بمنزلة فصل واحد ألا ترى أن الاستبراء يتقدر بها وفى الفصل الواحد لا يملك تفريق الطلقات على الوجه المسنون
[ 11 ]
سطر 42:
[ 14 ]
فانما يسمى ذلك الوقت قرء باعتبار الدم المجتمع ثم ان عند اختلاف أهل اللغة يجب المصير إلى لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فان الصحابة رضوان الله عليهم لما اختلفوا في التابوت والتابوه رجحوا لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وقالوا اكتبوا بالتاء والقرء في لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} الحيض قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} لفاطمة بنت قيس إذا أتاك قرءك فدعى الصلاة وقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} المستحاضة تدع الصلاة أيام اقرائها والقرء والاقراء كلاهما جمع كما يقال فلس وفلوس ونزل وانزال ثم الشافعي رحمه الله تعالى رجح الاطهار باعتبار حرف الهاء المذكور في قوله ثلاثة قروء فقال جمع المذكر يؤنث والطهر هو المذكر ولكنا نقول الاعراب يتبع اللفظ دون المعنى يقال ثلاثة افراس وثلاث دواب وقال أيضا القرء عبارة عن الانتقال يقال قرأ النجم إذا انتقل وكما طعنت في الحيضة الثالثة فقد وجد ثلاث انتقالات من الطهر ولكن هذا لا معني له فالانتقال من الحيض إلى الطهر أيضا قرء فكان ينبغي على هذا أن تنقضي العدة إذا طعنت في الحيضة الثالثة واحد لم يقل بهذا ولكن الصحيح ما قاله علماؤنا رحمهم الله تعالى أن الله تعالى لما ذكر جمعا مقرونا بالعدد اقتضى الكوامل منه والطلاق هو المباح في حالة الطهر فلو جعلنا القرء الاطهار لكان انقضاء العدة بقرأين وبعض الثالث وهذا يستقيم في جمع غير مقرون بالعدد كقوله تعالى الحج أشهر معلومات فأما في جمع مقرون بالعدد فلابد من الكوامل وانما يحصل ذلك إذا حمل القرء على الحيض فيكون انقضاء العدة بثلاث حيض كوامل واستدل الشافعي رحمه الله تعالى بقوله تعالى فطلقوهن لعدتهن معناه في عدتهن والطلاق المباح في حالة الطهر فعرفنا أن العدة بالطهر وقد فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بقوله لابن عمر رضى الله تعالى عنه انما السنة أن تسقبل الطهر استقبالا فتطلقها لكل قرء تطليقة فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء واستدل علماؤنا بقوله تعالى ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه من الحيض والحبل فهو بيان المراد بالقروء قال الله تعالى واللائى يئسن من الحيض من نسائكم الآية وانما نقل إلى الاشهر عند عدم الحيض والنقل إلى البدل يكون عند عدم الاصل فهو تنصيص على أن المراد بالقرء الحيض وقوله تعالى فطلقوهن لعدتهن أي قبل عدتهن كما يقال زينت الدار لقدوم الحاج وتوضأت للصلاة أي قبلها وفي قراءة ابن مسعود رضى الله تعالى عنه لقبل عدتهن مع ان المراد عدة الايقاع ونحن نقول ان عدة الايقاع
[ 15 ]
بالاطهار فأما عدة الاعتداد بالحيض بيانه في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وابن عمر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال طلاق الامة ثنتان وعدتها حيضتان ومن حيث المعنى هو يقول الطلاق السنى يستعقب جزء محسوبا من العدة كما في الايسة والصغيرة وانما يكون ذلك إذا كان الاعتداد بالاطهار ونحن نقول المقصود من هذه العدة تبين فراغ الرحم ولهذا لا تجب الا عند توهم اشتغال الرحم ولهذا يعتبر بوضع الحمل إذا كانت حاملا والحيض هي التي تدل على تبين فراغ الرحم دون الطهر فكان الاعتبار بالحيض أولى ثم الاصل في العبادات التي تشتمل على أركان ينفصل بعضها عن بعض ان الاداء لا يتصل بالشروع فيها كما في الحج وفيما يكون متصل الاركان يتصل الاداء بالشروع كالصلاة والعدة بالاشهر متصلة الاركان فيتصل الاداء بالشروع فيها والعدة بالاقراء منفصلة الاركان بعضها عن بعض فلا يجب ان يتصل الاداء بالشروع فيها والدليل على ما قلنا الاستبراء فانه معتبر بالحيض بالنص والمقصود تبين فراغ الرحم فكذلك العدة (قال) وعدة الحامل ان تضع حملها ولو وضعت حملها بعد الطلاق بيوم لقوله تعالى وأولات الاحمال أجلهن ان يضعن حملهن ولان وضع الحمل أدل على ما هو المقصود وهو معرفة براءة الرحم من الاقراء وعدة الآيسة والصغيرة ثلاثة أشهر بالنص وتكلموا في معنى قوله تعالى ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر قال مالك رضي الله عنه المراد ارتيابها في حال نفسها أنها هل تحيض بعد هذا أو لا حتى قال إذا ارتابت تربصت سنة ثم اعتدت بثلاثة أشهر ولكنا نقول لما نزل قوله تعالى ثلاثة قروء قالت الصحابة رضى الله عنهم فيما بينهم فان كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر وارتابوا في ذلك فنزل قوله تعالى واللائى يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم وفي قول الصحابة رضوان الله عليهم فان كانت ممن لا تحيض دليل على أنهم فهموا من القراء الحيض (قال) والكتابية تحت المسلم في الطلاق والعدة بمنزلة المسلمة لان المخاطب بمراعاة وقت السنة الزوج وهو مسلم وفي العدة الواجب عليها حق الزوج وهو مسلم (قال) والامة بمنزلة الحرة في وقت السنة لان المخاطب بمراعاة وقت السنة الزوج وذلك لا يختلف بكونها حرة أو أمة وعدتها حيضتان إذا كانت من ذوات الاقراء للحديث الذى روينا ولقول عمر رضي الله تعالى عنه عدة الامة حيضتان ولو استطعت لجعلتها حيضة ونصفا بين أن التنصيف بسبب الرق يثبت في العدة ولكن بقدر الممكن والحيضة الواحدة لا تحتمل التنصيف وان كانت آيسة أو صغيرة فعدتها شهر
[ 16 ]
ونصف لقول عمر رضى الله تعالى عنه ولان الشهر محتمل للتنصيف وعلى قول مالك عدتها بالشهور ثلاثة أشهر لظاهر الآية ولكنا نقول الرق ينصف ذوات الاعداد بمنزلة الجلدات في الحدود وعدتها إذا كانت حاملا بوضع الحمل بالانفاق لان تبين فراغ الرحم لا يحصل قبل ذلك (قال) وإذا كان الرجل غائبا عن امرأته فأراد أن يطلقها للسنة كتب إليها إذا جاءك كتابي هذا ثم حضت فطهرت فأنت طالق لجواز أن يكون قد امتد طهرها الذى جامعها فيه فلو كتب إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق يقع الطلاق عليها في طهر جامعها فيه وهو خلاف السنة فلهذا قيد بهذه الصفة وفي الرقيات زاد محمد رحمه الله تعالى فقال وعلمت ما فيه لجواز ان لا تقرأ كتاب زوجها فيقع الطلاق عليها وهي لا تشعر بذلك ولكن في ظاهر الرواية لم يذكر هذه الزيادة لان المغيبة لا تكون أحرص على شئ منها على قراءة كتاب زوجها والظاهر انها لا تؤخر ذلك (قال) فان أراد ان يطلقها ثلاثا كتب ثم إذا حضت وطهرت فانت طالق وان شاء أوجز فكتب إذا جاءك كتابي هذا فانت طالق ثلاثا للسنة فيقع بهذه الصفة لان الكتاب ممن نأى بمنزلة الخطاب ممن دنا وان كانت ممن لا تحيض كتب إذا جاءك كتابي هذا ثم أهل شهر فأنت طالق وان شاء كتب إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق ثلاثا للسنة لما بينا ان له ان يطلقها للسنة إذا كانت ممن لا تحيض في أي وقت شاء (قال) وان كان لم يدخل بامرأته ولم يخل بها فله ان يطلقها متى شاء خلافا لزفر وقد بينا ذلك وليس عليها عدة لقوله تعالى وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها قال مشايخنا رحمهم الله تعالى وفى كتاب الله تعالى المتلولا بهذه الصفة بل المتلو يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن الآية ولكن هذا غلط وقع من الكاتب وترك كذلك وان كان قد خلا بها فطلاقها وعدتها مثل التي دخل بها لان الخلوة الصحيحة في حكم العدة بمنزلة الدخول ومراعاة وقت السنة في الطلاق لاجل العدة فتقام الخلوة فيه أيضا مقام الدخول (قال) وإذا طلق امرأته وهي حائض فقد أخطأ السنة والطلاق واقع عليها وعلى قول الروافض لا يقع وفى الكتاب ذكر بابا ردا عليهم فيؤخر الكلام فيه إلى ذلك الموضع والقدر الذى نذكره هنا حديث ابن عمر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال لعمر رضى الله عنه مر ابنك فليراجعها والمراجعة تكون بعد وقوع الطلاق ولكنهم يدعون المروى فليرجعها وقد كان اخرجها من بيته فانما أمره أن يردها إلى بيته وهذا باطل من الكلام فقد قيل
[ 17 ]
لابن عمر رضى الله عنه هل احتسبت بتلك الطلقة فقال ومالى لا أحتسب بها وان استحمقت أو استجهلت أكان لا يقع طلاقي ولما ذكر لعمر رضى الله عنه في الشورى ابنه فقال سبحان الله أقلد أمور المسلمين ممن لم يحسن طلاق امرأته فطلقها في حالة الحيض فهو إشارة إلى أن ذلك الطلاق كان واقعا وأنه ينبغى للمرء أن يصون نفسه عن ذلك (قال) ثم ينبغى له أن يراجعها كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ولانه لو راجعها لم تبن منه بطلاق محظور ويندفع عنها ضرر تطويل العدة فإذا لم يراجعها بانت منه بطلاق محظور ويتحقق معنى تطويل العدة فلهذا ينبغى له أن يراجعها (قال) فإذا طهرت من حيضة أخرى طلقها ان شاء وهذا إشارة إلى أنها إذا طهرت من هذه الحيضة لا يباح ايقاع الطلاق عليها وذكر الطحاوي رحمه الله أنه إذا طلقها في الحيض ثم طهرت من تلك الحيضة يباح ايقاع الطلاق عليها وقيل ما ذكره الطحاوي قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان وقت السنة الطهر الذى لا جماع فيه وقد وجد وما ذكر في الكتاب قولهما لان الفصل بين الطلاقين بحيضة كاملة وذلك لا يكون إذا طهرت من هذه الحيضة وحديث ابن عمر رضى الله تعالى عنه روى بروايتين من طريق شعبة مر ابنك فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض وتطهر ثم ليطلقها ان شاء فهو دليل قولهما ومن طريق آخر مر ابنك فليراجعها فإذا حاضت وطهرت فليطلقها ان شاء وهذا يحتمل بقية هذه الحيضة كما هو قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وكذلك ان طلقها في حالة الحيض (قال) ولو طلقها في طهر لم يجامعها فيه واحدة ثم راجعها بالقول فأراد أن يطلقها أخرى في ذلك الطهر للسنة فله ذلك عند أبى حنيفة وزفر رحمهما الله تعالى وليس له ذلك عند أبى يوسف رحمه الله تعالى وعن محمد رضى الله تعالى عنه فيه روايتان فأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول شرط الفصل بين طلاقي السنة الحيضة الكاملة كما قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} فليطلقها في كل قرء تطليقة ولان ايقاع تطليقة في طهر في المنع من تطليقة أخرى في ذلك الطهر كالجماع فكما لا يجوز له أن يطلقها بعد الجماع في طهر واحد فكذلك بعد لطلاق وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الفصل بالحيضة انما يعتبر إذا كانت الثانية تقع في العدة وبالمراجعة قد ارتفعت العدة فكانت الثانية بمنزلة ابتداء الايقاع وقد حصل في طهر لا جماع فيه ثم الرجعة تسقط جميع العدة ولو تخلل بين التطليقتين ما يسقط بعض العدة كانت الثانية واقعة على وجه السنة فإذا تخلل ما يسقط جميع العدة أولى وكذلك
[ 18 ]
لو راجعها بالتقبيل أو المس عن شهوة حتى روى عن أبى حنيفة رححه الله تعالى أنه إذا كان أخذ بيد امرأته عن شهوة فقال لها أنت طالق ثلاثا للسنة يقع عليها ثلاث تطليقات في الحال يتبع بعضها بعضا لان كلما وقع عليها تطليقة صار مراجعا لها فتقع أخرى فأما إذا راجعها بالجماع فان لم تحبل فليس له أن يطلقها أخرى في هذا الطهر بالاجماع لانه طهر قد جامعها فيه وان راجعها بالجماع فحبلت فعند أبى يوسف رحمه الله تعالى ليس له أن يطلقها أخرى أيضا لانه قد طلقها في هذا الطهر واحدة والطهر الواحد لا يكون محلا لاكثر من تطليقة واحدة على وجه السنة وعند أبى حنيفة ومحمد وزفر رحمهما الله تعالى له أن يطلقها أخرى لان العدة الاولى قد سقطت والطلاق عقيب الجماع في الطهر انما لا يحل لاشتباة أمر العدة عليها وذلك لا يوجد إذا حبلت وظهر الحبل بها (قال) وإذا طلق الرجل امرأته واحدة بائنة فقد أخطأ السنة والطلاق واقع عليها وفى زيادات الزيادات قال التطليقة البائنة تقع بصفة السنة كالرجعية لان ابن ركانة رضى الله تعالى عنه طلق امرأته البتة ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ايقاع الطلاق بهذا اللفظ فلو كان خلاف السنة لانكر عليه كما أنكر على ابن عمر رضى الله تعالى عنه والواقع بهذا اللفظ يكون بائنا والدليل عليه الطلاق قبل الدخول والخلع فانه يقع بائنا ولا يكون مكروها فأما وجه ظاهر الرواية أن اباحة الايقاع للحاجة إلى التفصى عن عهدة النكاح ولا حاجة به إلى زيادة صفة البينونة فكانت زيادة هذه الصفة كزيادة العدد ثم لا مقصود له في ذلك سوى رد نظر الشرع له بقطع خيار الرجعة وسد باب التلافى على نفسه عند الندم وهذا بخلاف الخلع فانه يحتاج إلى ذلك لاسترداد ما ساق لها من الصداق إذا كان النشوز منها مع ان الخلع لا يكون الا عند تحقق الحاجة ولهذا روى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى انه لا يكره في حالة الحيض والطلاق قبل الدخول لا يكون الا بائنا والتى لم يدخل بها ليست نظير التى دخل بها بدليل الايقاع في حالة الحيض وتأويل حديث ابن ركانة رضى الله عنه انه طلقها قبل الدخول بها وقبل الدخول بأى لفظ أوقع يكون بائنا ويحتمل ان يكون أخر الانكار إلى وقت آخر لعلمه انه لفرط الغيظ لا يقبل في ذلك الوقت والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
[ 19 ]
* (باب الرجعة) * (قال) وإذا طلقها واحدة في الطهر أو في الحيض أو بعد الجماع فهو يملك الرجعة ما دامت في العدة لان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} طلق سودة رضى الله تعالى عنها بقوله اعتدى ثم راجعها وطلق حفصة رضى الله عنها ثم راجعها بالوطئ ويستوى ان طالت مدة العدة أو قصرت لان النكاح بينهما باق ما بقيت العدة وقد روى ان علقمة رضى الله عنه طلق امرأته فارتفع حيضها سبعة عشر شهرا ثم ماتت فورثه ابن مسعود رضى الله عنه منها وقال ان الله تعالى حبس ميراثها عليك فإذا انقضت العدة قبل الرجعة فقد بطل حق الرجعة وبانت المرأة منه وهو خاطب من الخطاب يتزوجها برضاها ان اتفقا على ذلك وإذا أراد أن يراجعها قبل انقضاء العدة فاحسن ذلك ان لا يغشاها حتى يشهد شاهدين على رجعتها والاشهاد على الرجعة مستحب عندنا وفى أحد قولى الشافعي رحمه الله تعالى شرط لا تصح الرجعة الا به وهو قول مالك رحمه الله تعالى وهذا عجيب من مذهبه فانه لا يجعل الاشهاد على النكاح شرطا ويجعل الاشهاد على الرجعة شرطا لظاهر قوله تعالى وأشهدوا ذوى عدل منكم والامر على الوجوب ومذهبنا مروى عن ابن مسعود وعمار بن ياسر رضى الله عنهما ولان الرجعة استدامة للنكاح والاشهاد ليس بشرط في استدامة النكاح وبيانه أن الله تعالى سمى الرجعة امساكا وهو منع للمزيل من أن يعمل عمله بعد انقضاء المدة فلا يكون الاشهاد عليه شرطا كالفئ في الايلاء والمراد بالآية الاستحباب ألا ترى أنه جمع بين الرجعة والفرقة وأمر بالاشهاد عليهما ثم الاشهاد على الفرقة مستحب لا واجب فكذلك على الرجعة وهو نظير قوله تعالى وأشهدوا إذا تبايعتم ثم البيع صحيح من غير اشهاد وليس في الرجعة عوض لا قليل ولا كثير لانه استدامة للملك فلا يستدعى عوضا ولهذا لا يعتبر فيه رضاها ولا رضى المولى لان الله تعالى جعل الزوج أحق بذلك بقوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن في ذلك وانما يكون أحق إذا استبد به والبعل هو الزوج وفي تسميته بعلا بعد الطلاق الرجعى دليل بقاء الزوجية بينهما فالمباعلة هي المجامعة ففيه إشارة إلى أن وطأها حلال له وهو قول علمائنا أن الطلاق الرجعى لا يحرم الوطئ ولكن لا يستحب له أن يطأها قبل الاشهاد على المراجعة لانه يصير مراجعا لها من غير شهود وعند الشافعي رحمه الله تعالى يحرم عليه
[ 20 ]
سطر 84:
[ 28 ]
ينكحن أزواجهن انما نزلت فيما إذا خطبها الزوج بعد انقضاء عدتها وأبى أولياؤها ان يتركوها (قال) وإذا اغتسلت المعتدة من الحيضة الثالثة غير أنه بقى منها عضو لم يصبه الماء فالزوج يملك الرجعة ولو بقى ما دون العضو لم يكن للزوج عليها رجعة قال هذا والاول سواء غير أنى أستحسن ولم يذكر في الكتاب نصا موضع القياس والاستحسان وقيل عند أبى يوسف رحمه الله تعالى القياس والاستحسان في العضو الكامل في القياس ينقطع لانها مغتسلة وقد غسلت أكثر البدن وللاكثر حكم الكل وفى الاستحسان لا ينقطع لان العضو الكامل ورد الخطاب بتطهيره شرعا فبقاؤه كبقاء جميع البدن ولان العضو الكامل لا يقع الانتقال عنه عادة فلا يسرع إليه الجفاف عادة بخلاف ما دونه وعند محمد رحمه الله تعالى القياس والاستحسان فيما دون العضو في القياس يبقى حكم الرجعة لبقاء حكم الحدث كما قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} تحت كل شعرة جنابة ولانه لم تحل لها الصلاة فكان هذا وبقاء عضو كامل سواء وفي الاستحسان تنقطع الرجعة لان ما دون العضو لقلته يسرع إليه الجفاف فلا يتيقن بعدم اصابة الماء فلهدا يؤخذ فيه بالاحتياط فتنقطع الرجعة ولكن لا يحل لها ان تتزوج حتى تغسل ذلك الموضع احتياطا لان الماء لم يصل إلى ذلك الموضع من حيث الظاهر (قال) ولو تركت المضمضة والاستنشاق في الاغتسال لا تنقطع الرجعة عند أبى يوسف رحمه الله تعالى لبقاء عضو كامل وتنقطع عند محمد رحمه الله احتياطا لشبهة اختلاف العلماء رحمهم الله تعالى فان من الناس من يقول المضمضة والاستنشاق في الاغتسال سنة فكان الاحتياط في قطع الرجعة (قال) وإذا لم تقدر على الماء بعد ما طهرت وأيامها دون العشرة فتيممت وصلت مكتوبة أو تطوعا فقد انقطعت الرجعة لانا حكمنا بطهارتها حين جوزنا صلاتها بالتيمم فهو بمنزلة ما لو مضى عليها وقت صلاة وهناك تنقطع الرجعة فهنا كذلك فان وجدت الماء بعد هذا اغتسلت ولم يعد حق الرجعة لان صلاتها تلك بقيت مجزئة وهذا بخلاف ما إذا عاودها الدم لان بمعاودة الدم تبين أن الانقطاع لم يكن طهرا وبوجود الماء لا يتبين ذلك فاما إذا تيممت ولم تصل فللزوج عليها حق الرجعة في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله استحسانا وفي قول محمد رحمه الله تعالى قد انقطعت الرجعة وهو القياس لان التيمم عند عدم الماء ينزل منزلة الاغتسال عند وجود الماء فيما يبنى أمره على الاحتياط بدليل حل أداء الصلاة لها وحل دخول المسجد وقراءة القرآن ومس المصحف والحكم
[ 29 ]
سطر 90:
[ 30 ]
أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى أن الرجعة لا تنقطع ما لم تفرغ من الصلاة لان الحال بعد شروعها في الصلاة كالحال قبله ألا ترى أنها إذا رأت الماء لا يبقى لتيممها أثر بخلاف ما بعد الفراغ فانها وان رأت الماء تبقى صلاتها مجزئة وتأويل قول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه الزوج أحق برجعتها ما لم تحل الصلاة لها وحل الصلاة بالاغتسال فانه صح من مذهبه أنه كان لا يرى التيمم للجنب والحائض وان لم يجد الماء شهرا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب العدة وخروج المرأة من بيتها) * قد بينا عدة ذات القروء والآيسة والصغيرة إذا كانت حرة أو أمة فاما عدة الوفاة فانها لا تجب الا عن نكاح صحيح ويستوى فيه المدخول بها وغير المدخول بها صغيرة كانت أو كبيرة حتى إذا كانت حرة مسلمة أو كتابية تحت مسلم فعدتها ما قال الله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا وقوله ويذرون أزواجا بيان انها لا تجب الا بنكاح صحيح لان اسم الزوجية مطلقا لا يكون الا بعد صحة النكاح ويستوى في هذا الاسم المدخول بها وغير المدخول بها وهذا لان العدة محض حق النكاح لان النكاح بالموت ينتهى فانه يعقد للعمر ومضى مدة العمر ينهيه فتجب العدة حقا من حقوقه وبين السلف رحمهم الله فيه خلاف في أربعة فصول (أحدهما) أن منهم من يقول لها عدتان الاطول وهو الحول والاقصر وهو أربعة أشهر وعشرا كما قال الله تعالى وصية لازواجهم متاعا إلى الحول غير اخراج فان خرجن أي بعد أربعة أشهر وعشرا فلا جناح عليكم ففي هذا بيان ان العدة الكاملة هو الحول وان الاكتفاء بأربعة أشهر وعشرا رخصة لها ولكنا نقول هذه الآية منسوخة وهذا حكم كان في الابتداء ان على الزوج أن يوصى لها بالنفقة والسكني إلى الحول وقد انتسخ بقوله تعالى يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا والدليل عليه ما روى ان المتوفى عنها زوجها لما جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} تستأذنه في الاكتحال قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} كانت احداكن في الجاهلية إذا توفى عنها زوجها قعدت في شر أحلاسها حولا ثم خرجت فرمت كلبة ببعرة أفلا أربعة أشهر وعشرا (والثانى) أن المعتبر عشرة أيام وعشر ليال من الشهر الخامس عندنا وعن عبد الله بن عمرو بن
[ 31 ]
العاص رضى الله عنهما انه كان يقول عشر ليال وتسعة أيام حتى يجوز لها أن تتزوج في اليوم العاشر لظاهر قوله تعالى وعشرا فان جمع المؤنث يذكر وجمع المذكر يؤنث فيقال عشرة أيام وعشر ليال فلما قال هنا وعشرا عرفنا أن المراد الليالى ولكنا نقول هو كذلك الا أن ذكر أحد العددين من الايام والليالي بعبارة الجمع يقتضى دخول ما بازائه من العدد الآخر وقد بينا هذا في باب الاعتكاف (والثالث) أن المتوفي عنها زوجها إذا كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها عندنا وهو قول ابن عمر وابن مسعود رضى الله عنهما وكان علي رضى الله عنه يقول تعتد بأبعد الاجلين اما بوضع الحمل أو بأربعة أشهر وعشرا لان قوله تعالى وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن يوجب عليها العدة بوضع الحمل وقوله تعالى يتربصن بأنفسهن يوجب عليها الاعتداد بأربعة أشهر وعشرا فيجمع بينهما احتياطا ولو وضعت قبل أربعة أشهر وعشرا فليس لها أن تتزوج لان أمر العدة مبنى على الاحتياط ولكن قد صح عن ابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما أن قوله تعالى وأولات الاحمال أجلهن قاضية على قوله تعالى يتربصن بأنفسهن حتى قال ابن مسعود رضى الله عنه من شاء باهلته ان سورة النساء القصوى واولات الاحمال أجلهن نزلت بعد قوله أربعة أشهر وعشرا التى في سورة البقرة وقال عمر رضي الله عنه لو وضعت ما في بطنها وزوجها على سريره لانقضت عدتها والدليل عليه حديث سبيعة بنت الحارث الاسلمية رضى الله تعالى عنها فانها وضعت ما في بطنها بعد موت الزوج بتسعة أيام فسألت أبا السنابل بن بعكك هل لها أن تتزوج فقال لا حتى يبلغ الكتاب أجله فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وأخبرته بما قال أبو السنابل فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} كذب أبو السنابل فقد بلغ الكتاب أجله إذا أردت النكاح فادأبي وانما اشتبه على علي رضى تعالى عنه لان بوضع الحمل يتبين براءة الرحم وفى التربص بأربعة أشهر وعشرا لا عبرة بشغل الرحم حتى تستوى فيها الصغيرة والكبيرة بخلاف عدة الطلاق ولكنا نقول أصل العدة مشروع لبراءة الحرم وتمام ذلك بوضع الحمل ففي حق الحامل لا يعتبر شئ آخر بأى سبب وجبت عليها العدة (والرابع) ان عدة الوفاة معتبرة من وقت موت الزوج عندنا وهو قول ابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهما وكان علي رضى الله عنه يقول من حين تعلم بموته حتى إذا مات الزوج في السفر فأتاها الخبر بعد مضى مدة العدة عند علي رضى تعالى الله عنه يلزمها عدة مستأنفة لان عليها الحداد
[ 32 ]
في عدة الوفاة ولا يمكنها اقامة سنة الحداد الا بعد العلم بموته ولان هذه العدة تجب بطريق العبادة فلا بد من علمها بالسبب لتكون مؤدية للعبادة ولكنا نقول العدة مجرد مضي المدة وذلك يتحقق بدون علمها فهو وعدة الطلاق سواء وأكثر ما في الباب أنها لم تقم سنة الحداد ولكن ذلك لا يمنع من انقضاء العدة كما لو كانت عالمة بموت الزوج ومعني العبادة في العدة تبع لا مقصود الا تري انها تجب على الكتابية تحت المسلم وهي لا تخاطب بالعبادات (قال) والمتوفي عنها زوجها إذا كانت أمة أو مكاتبة أو مدبرة أو أم ولد فان كانت حائلا فعدتها شهران وخمسة أيام لان الرق منصف للعدة كما بينا وان كانت حاملا فعدتها ان تضع حملها لان مدة الحبل لا تحتمل التنصيف فان شيئا من المقصود وهو براءة الرحم لا يحصل قبل وضع الحمل (قال) ولا ينبغي للمطلقة ثلاثا أو واحدة بائنة أو رجعية ان تخرج من منزلها ليلا ولا نهارا حتى تنقضي عدتها لقوله تعالى ولا يخرجن الا ان يأتين بفاحشة مبينة قال إبراهيم رضى الله عنه الفاحشة خروجها من بيتها وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله تعالى وقال ابن مسعود رضى الله عنه الفاحشة أن تزني فتخرج لاقامة الحد وبه أخذ أبو يوسف رحمه الله تعالى وقال ابن عباس رضى الله عنه الفاحشة نشوزها وأن تكون بذيئة اللسان تبذو على احماء زوجها وما قاله ابن مسعود رضى الله عنه هو الاصح فانه جعل الفاحشة غاية والشئ لا يجعل غاية لنفسه وما ذكره إبراهيم محتمل أيضا والمعنى أن يكون خروجها فاحشة كما يقال لا يسب النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} الا أن يكون كافرا ولا يزنى الا أن يكون فاسقا وعلى هذا لا تخرج لسفر الحج ولا لغيره لان الامتناع من الخروج موقت بالعدة يفوت بمضيها والخروج للحج لا يفوتها فتقدم ما يفوت على ما لا يفوت وأما المتوفى عنها زوجها فلها أن تخرج بالنهار لحوائجها ولكنها لا تبيت في غير منزلها لما روى أن فريعة بنت مالك بن أبى سنان أخت أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بعد وفاة زوجها تستأذنه أن تعتد في بنى خدرة فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} امكثى في بيتك حتى تنقضي عدتك ولم ينكر عليها خروجها للاستفتاء وعن علقمة رضى الله تعالى عنه أن اللاتى توفى عنهن أزواجهن شكون إلى ابن مسعود رضى الله تعالى عنه الوحشة فرخص لهن أن يتزاورن بالنهار ولا يبتن في غير منازلهن والمعنى فيه أنه لا نفقة في هذه العدة على زوجها فهى تحتاج إلى الخروج لحوائجها في النهار وتحصيل
[ 33 ]
سطر 117:
[ 39 ]
الشرط لا ترث منه (قال) وإذا طلق الرجل امرأته طلاق الرجعة ثم مات عنها بطلت عدة الطلاق عنها ولزمها عدة الوفاة لان النكاح قائم بينهما بعد الطلاق الرجعي فكان منتهيا بالموت وانتهاء النكاح بالموت يلزمها عدة الوفاة ولان العده بعد الطلاق الرجعي بالحيض ليزول الملك بها وقد زال بالموت فعليها العدة التى هي من حقوق النكاح وهي عدة الوفاة وان كانت بائنة عنه في الصحة بوجه من الوجوه لم تنتقل عدتها إلى عدة الوفاة لان النكاح ما انتهى بالوفاة هنا وهو السبب الموجب لعدة الوفاة لان الله تعالى قال ويذرون أزواجا وهذه ليست بزوجة له عند وفاته حتى لا ترث منه بالزوجية شيئا فلا يلزمها عدة الوفاة أيضا (قال) وإذا اتى المرأة خبر وفاة زوجها بعدما مضت مدة العدة فقد انقضت العدة لما قلنا ان المعتبر وقت موته لا وقت علمها به وان شكت في وقت وفاته اعتدت من الوقت الذى تستيقن فيه بموته لان العدة يؤخذ فيها بالاحتياط والاحتياط في ان يؤخذ باليقين وفى الوقت المشكوك فيه لا يقين فلهذا لا تعتد الا من الوقت المتيقن (قال) وطلاق الامة ثنتان وعدتها حيضتان تحت حر كانت أو تحت عبد وطلاق الحرة ثلاث تطليقات وعدتها ثلاث حيض تحت حر كانت أو تحت عبد وفي العدة اتفاق ان العبرة بحالها لا بحال الزوج لانها هي المعتدة الا ترى انها تختلف بصغرها وكبرها وكونها حاملا أو حائلا فكذلك برقها وحريتها فأما الطلاق بالنساء أيضا عندنا وهو قول علي وابن مسعود رضى الله عنهما وعند الشافعي رحمه الله تعالى عدد الطلاق معتبر بحال الرجل في الرق والحرية وهو مذهب عمر وزيد رضى الله عنهما وابن عمر رضى الله عنه يعتبر بمن رق منهما حتى لا يملك عليها ثلاث تطليقات الا إذا كانا حرين وحجتهم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} الطلاق بالرجال والعدة بالنساء وفي رواية يطلق العبد تطليقتين وتعتد الامة بحيضتين والمعنى فيه ان الزوج هو المالك للطلاق المتصرف فيه وثبوت الملك باعتبار حال المالك كملك اليمين الا ترى ان ما يمنع ايقاع الطلاق وهو الصغر والجنون يعتبر وجوده في الرجل دون المرأة فكذلك ما يمنع ملك الطلاق ولان في اعتبار عدد الطلاق اعتبار عدد النكاح لان من يملك على امرأته ثلاث تطليقات يملك عليها ثلاث عقد ومن يملك عليها تطليقتين يملك عليها عقدتين والمعتبر حال الزوج في ملك العقد ألا ترى أن الحر يتزوج أربع نسوة والعبد لا يتزوج الا اثنتين وأصحابنا رحمهم الله استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} طلاق الامة تطليقتان وعدتها حيضتان فقد جمع بين الطلاق
[ 40 ]
والعدة وما روى أن الطلاق بالرجال قيل إنه كلام زيد رضى الله تعالى عنه لا يثبت مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وقيل معناه ايقاع الطلاق بالرجال وما روى يطلق العبد اثنين فليس فيه أنه لا يطلق الثالثة أو معناه إذا كانت تحته أمة وانما قاله بناء على ظاهر الحال واعتبار الكفاءة في النكاح ولانه صلى الله عليه وسلم{{ص}} قابل الطلاق بالعدة والمقابلة تقتضي التسوية وبالاتفاق في العدة والمعتبر حالها فكذلك في الطلاق ومن ملك على امرأته عددا من الطلاق بملك ايقاعه في أول أوقات السنة وبهذا أفحم عيسى بن ابان الشافعي رضى الله عنه فقال أيها الفقيه ملك الحر على امرأته الامة ثلاث تطليقات كيف يطلقها في أوقات السنة فقال يوقع عليها واحدة فإذا حاضت وطهرت أوقع عليها أخرى فلما ان أراد أن يقول فإذا حاضت وطهرت قال حسبك فان عدتها قد انقضت فلما تحير رجع فقال ليس في الجمع بدعة ولا في التفريق سنة ولان الطلاق تصرف مملوك في النكاح فيستوى فيه العبد والحر كالظهار والايلاء وهذا لان العبد يستبد بايقاع الطلاق من غير أن يحتاج فيه إلى رضا المولى فيكون فيه مبقى على أصل الحرية كالاقرار بالقصاص وما يؤثر فيه الرق يخرج الرقيق من أن يكون أهلا لملكه كالمال ولما بقى أهلا لملك الطلاق عرفنا أن الرق لا يؤثر فيه ولا يدخل عليه النكاح لان الرق يؤثر فيه ولكن ملك النكاح باعتبار الحل والحل يتنصف برقه فلهذا لا يتزوج لا اثنتين وهذا لان الحل نعمة وكرامة فيكون في حق الحر أزيد منه في حق العبد ألا ترى أن حل رسول صلى الله عليه وسلم{{ص}} كان يتسع لتسع نسوة كرامة له بسبب النبوة فأما اعتبار عدد النكاح فلا معنى فيه لان الانسان يملك على امرأته من العقد ما لا يحصى حتى لو وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق مرارا كان له أن يتزوجها مرة بعد أخرى ما لم تحرم عليه ولو كان معتوها فهذا دليلنا لان جميع ما يملكه الحر على النساء اثنتي عشرة عقدة فانه يتزوج أربع نسوة ويملك على كل واحدة ثلاث عقد فينبغي أن يملك العبد نصف ذلك وذلك ست عقد بأن يتزج حرتين فيملك على كل واحدة منهما ثلاث عقد كما هو مذهبنا فأما الصغر والجنون لا يؤثر في ملك الطلاق وانما يؤثر في المتصرف والمتصرف هو الزوج ثم هو مقابل بصفة البدعة والسنة في الطلاق فان المعتبر فيه حالها في الحيض والطهر لا حال الرجل (قال) وإذا طلق الرجل امرأته في حالة الحيض لم يعتد بتلك الحيضة من عدتها قال ابن عباس رضى الله تعالى عنه وشريح وابراهيم رحمهما الله تعالى وهذا لان الحيضة الواحدة لا تتجزى
[ 41 ]
سطر 135:
[ 45 ]
ثنيتاه يشبه اباه فلما رآه الرجل قال ابني ورب الكعبة فقال عمر رضى الله عنه أتعجز النساء ان يلدن مثل معاذ لولا معاذ لهلك عمر رضي الله عنه فقد وضعت هذا الولد لاكثر من سنتين ثم أثبت نسبه من الزوج وقبل ان الضحاك ولدته أمه لاربع سنين وولدته بعدما نبتت ثنيتاه وهو يضحك فسمى ضحاكا وعبد العزيز الماجشوني رضى الله عنه ولدته أمه لاربع سنين وهذه عادة معروفة في نساء ماجشون رضى الله عنهم انهن يلدن لاربع سنين ولنا حديث عائشة رضى الله عنها قالت لا يبقى الولد في رحم أمه أكثر من سنتين ولو بفلكة مغزل ومثل هذا لا يعرف بالرأى فانما قالته سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ولان الاحكام تنبنى على العادة الظاهرة وبقاء الولد في بطن أمه أكثر من سنتين في غاية الندرة فلا يجوز بناء الحكم عليه مع أنه لا أصل لما يحكي في هذا الباب فان الضحاك وعبد العزيز ما كانا يعرفان ذلك من أنفسهما وكذلك غيرهما كان لا يعرف ذلك لان ما في الرحم لا يعلمه الا الله تعالى ولا حجة في حديث عمر رضي الله تعالى عنه لانه انما أثبت النسب بالفراش القائم بينهما في الحال أو باقرار الزوج وبه نقول ويحتمل أن معني قوله انه غاب عن امرأته سنتين أي قريبا من سنتين إذا عرفنا هذا فنقول متى كان الحل قائما بين الزوجين يستند العلوق إلى أقرب الاوقات وهو ستة أشهر الا أن يكون فيه اثبات الرجعة بالشك أو ايقاع الطلاق بالشك فحينئذ يستند العلوق إلى أبعد الاوقات فان الطلاق والرجعة لا يحكم بهما بالشك ومتى لم يكن الحل قائما بينهما يستند العلوق إلى أبعد الاوقات للحاجة إلى اثبات النسب وهو مبنى على الاحتياط (قال) وإذا تزوج الرجل امرأة فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا من وقت النكاح يثبت نسبه من الزوج لانها ولدته على فراشه لمدة حبل تام من وقت النكاح (قال) وإذا طلق الرجل امرأته بعد ما دخل بها ثم جاءت بولد فان كان الطلاق رجعيا فجاءت بولد لاقل من سنتين من وقت الطلاق يثبت النسب منه ولا يصير مراجعا لها بل يحكم بانقضاء عدتها لانا نسند العلوق إلى أبعد الاوقات وهو ما قبل الطلاق فانا لو أسندناه إلى أقرب الاوقات صار مراجعا لها والرجعة لا تثبت بالشك وان جاءت به لاكثر من سنتين ولم تقر بانقضاء العدة ثبت النسب منه ويصير مراجعا لها لان حمل أمرها على الصلاح واجب ما امكن فلو جعلنا كأن الزوج وطئها في العده فحبلت كان فيه حمل أمرها على الصلاح ولو جعلنا كان غيره وطئها كان فيه حمل
[ 46 ]
سطر 147:
[ 49 ]
شهادتها ببعض هذه الاسباب وجب الحكم بها والا فلا ولو أقرت بانقضاء العدة ثم ولدت لاقل من ستة أشهر ثبت النسب منه لانا تيقنا انها أبطلت فيما قالت فانها أقرت بانقضاء العدة بالشهور وقد تبين انها كانت حاملا يومئذ فكان اقرارها باطلا (قال) ولو ان رجلا طلق امرأته ثلاثا أو تطليقة بائنة ثم جاءت بالولد بعد الطلاق لسنتين أو أقل وشهدت امرأة على الولادة والزوج ينكر الولادة والحبل لم يلزمه النسب في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ما لم يشهد به رجلان أو رجل وامرأتان ويلزمه النسب في قولهما بشهادة امرأة واحدة وهذا والاول سواء لانها للحال أجنبية منه في الوجهين ويستوى ان كانت هذه المعتدة مسلمة أو كافرة أو أمة في هذا الحكم لان بقاء الولد في البطن لا يختلف بهذه الاوصاف (قال) ولو كانت المرأة عند زوجها لم يطلقها فجاءت بولد وأنكر الزوج الحبل قبلت شهادة امرأة واحدة حرة مسلمة على الولادة ويثبت النسب عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يقبل الا شهادة أربع نسوة لان الاصل في الشهادة ان الحجة لا تتم الا بشهادة رجلين والمرأتان تقومان مقام رجل واحد في باب الشهادة بالنص حتى ان المال لا يثبت الا شهادة رجل وامرأتين وقد تعذر اعتبار صفة الذكورة فيما لا يطلع عليه الرجال فسقط للضرورة وبقى ما سواه على الاصل فيشترط شهادة الاربع ليكون ذلك في معنى شهادة رجلين ودليل كونه شهادة اعتبار الحرية ولفظ الشهادة فيها ولا معنى لقول من يقول اباحة النظر لاجل الضرورة فإذا ارتفعت الضرورة بالمرأة الواحدة لا يحل للثانية النظر لانكم وان قلتم أنه يكتفى بالواحدة تقولون المثنى أحوط وعلى قول ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى لابد من شهادة امرأتين لان المعتبر في الشهادة العدد والذكورة وقد سقط اعتبار صفة الذكورة للتعذر هنا فيبقى العدد على ظاهره وأصحابنا رحمهم الله تعالى استدلوا بحديث حذيفة رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} أجاز شهادة القابلة على الولادة وفى حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه والنساء اسم جنس يتناول الواحدة وما زاد والمعنى فيه أن هذا خبر لا يعتبر فيه صفة الذكورة فلا يعتبر فيه العدد كرواية الاخبار وهذا لان النظر إلى الفرج حرام فلا يحل الا عند تحقق الضرورة وعند الضرورة نظر الجنس أهون من نظر الذكور ولما سقطت صفة الذكورة لهذا المعنى سقط أيضا اعتبار العدد لان نظر الواحد أهون من نظر الجماعة ولهذا لا يسقط اعتبار الحرية لان نظر الامة والحرة سواء
[ 50 ]
سطر 162:
[ 54 ]
بخمس عشره سنة لحديث ابن عمر رضى الله تعالى عنه قال عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنه فردني ثم عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فاجازني ولما سمع عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه هذا الحديث قال هذا هو الفصل بين البالغ وغير البالغ وكتب به إلى امراء الاجناد والمعنى فيه ان العادة الظاهرة ان البلوغ لا يتأخر عن هذه المده وقد بينا ان الحكم يبني على الظاهر دون النادر وأبو حنيفة يقول صفة الصغر فيهما معلومة بيقين فلا يحكم بزوالها الا بيقين مثله ولا يقين في موضع الاختلاف ثم أدنى المدة لبلوغ الغلام اثنا عشر سنة وقد وجب زيادة المدة على ذلك فانما يزاد سبع سنين اعتبارا بأول أمره كما أشار إليه صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم{{ص}} مروهم بالصلاة إذا بلغوا سبعا وبين أهل التفسير اختلاف في تفسير الاشد ولم يقل أحد بأقل من ثمان عشرة سنة في قوله تعالى ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما فوجب تقدير مدة البلوغ به ولكن الانثى أسرع نشوا عادة فينقص في حقها سنة فتكون التقدير بسبع عشرة سنة ولا حجة في حديث ابن عمر رضى الله عنه لانه ما أجازه باعتبار أنه حكم ببلوغه بل لانه رآه قويا صالحا للقتال وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} يجيز من الصبيان من كان صالحا للقتال على ما روى أنه صلى الله عليه وسلم{{ص}} عرض عليه صبى فرده فقيل انه رام فأجازه وعرض عليه صبيان فأجاز أحدهما ورد الآخر فقال المردود يارسول الله أجزته ورددتني ولو صارعته لصرعته فصارعه فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} (قال) ولا يجوز طلاق المجنون وان مات عن امرأته كان في حكم العدة والولد بمنزلة الصحيح لان المجنون يجامع ويحبل وقد ثبت الفراش له بحكم النكاح وهو يصلح أن يكون والدا (قال) وإذا مات عن أم ولده أو أعتقها فعدتها ثلاث حيض فان كانت لا تحيض من إياس فعدتها ثلاثة أشهر وقد بينا هذا في كتاب النكاح وكذلك لو كانت حرمت عليه قبل موته بوجه من الوجوه فعليها منه العدة لانها فراشه بعدما حرمت عليه حتى لو ادعى نسب ولدها ثبت منه وانما لا يثبت بدون الدعوة لما فيه من اساءة الظن به والحكم باقدامه على الوطئ الحرام فيتحقق زوال الفراش إليها بالعتق وهذا بخلاف ما إذا زوجها من غيره ثم مات المولى أو أعتقها لان هناك قد اعترض على فراشه فراش الزوج وفراش النكاح أقوى من فراش الملك فينعدم الضعيف بالقوى وإذا انعدم لم يتقرر بالعتق سبب وجوب العدة وهو زوال فراشه إليها وكذلك لو كانت في عدة
[ 55 ]
سطر 174:
[ 58 ]
واشتباه أمر العده عليها أو سد باب التلافى عند الندم فلا يمنع النفاذ واستكثر من الشواهد في الكتاب وكل ذلك يرجع إلى هذين الحرفين وهذا بخلاف الوكيل فان نفوذ تصرفه بأمر الموكل فإذا خالف المأمور به لا ينفذ وهنا تصرف الزوج بحكم ملكه وهو بعقد النكاح صار مالكا للتطليقات الثلاث والملك علة تامة لنفوذ التصرف ممن هو أهل للتصرف وان لم يكن مأمورا ولا مأذونا فيه وهذا بخلاف الصبى والمعتوه لان الاهلية لايقاع الطلاق غير متحققة فيهما ألا ترى أنه لا يصح منهما التعليق بالشرط ولا الاضافة إلى ما بعد البلوغ ولا تمليك الامر منهما وكل ذلك صحيح من الرجل في حيض المرأة وبهذا ونظائره استشهد في الكتاب والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب اللبس والتطيب) * (قال) رضى الله عنه الاصل أن المتوفى عنها زوجها يلزمها الحداد في عدتها وفيه لغتان حداد وإحداد يقال أحدت المرأة تحد وحدت تحد وكلاهما لغة صحيحة وهذا لما روى أن أم حبيبة رضى الله تعالى عنها لما أتاها خبر موت أبى سفيان رضى الله تعالى عنه دعت بطيب بعد ثلاثة أيام فأمسته عارضيها وقالت ما بي حاجة إلى الطيب ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} يقول لا يحل لامرأة تؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام الا على زوجها أربعة أشهر وعشرا وقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} للمرأة التى استأذنته في الاكتحال قد كانت احداكن في الجاهلية الحديث على ما روينا فأما المبتوتة وهي المختلعة والمطلقة ثلاثا أو تطليقة بائنة فعليها الحداد في عدتها عندنا وقال الشافعي رضي الله عنه لا حداد عليها لان هذه العدة واجبة لتعرف براءة الرحم فلا حداد عليها كالمعتدة عن وطئ بشبهة أو نكاح فاسد وهذا لان الحداد على المتوفى عنها زوجها لاظهار التأسف على موت الزوج الذى وفى لها حتى فرق الموت بينهما وذلك غير موجود في حق المطلقة لان الزوج جفاها وآثر غيرها عليها فانما تطهر السرور بالتخلص منه دون التأسف (ولنا) في ذلك حديث أم سلمة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} نهى المعتدة أن تختضب بالحناء فان الحناء طيب وهذا عام في كل معتدة ولانها معتدة من نكاح صحيح فهي كالمتوفي عنها زوجها وتأثيره ان الحداد إظهار التأسف على فوت نعمة النكاح والوطئ الحلال بسببه وذلك
[ 59 ]
موجود في المبتوتة كوجوده في المتوفى عنها زوجها وعين الزوج ما كان مقصودا لها حتى يكون التحزن بفواته بل كان مقصودها ما ذكرنا من النعمة وذلك بفوتها في الطلاق والوفاة بصفة واحدة بخلاف العدة من نكاح فاسد والوطئ بشبهة لانه ما فاتها نعمة بل تخلصت من الحرام بالتفريق بينهما وصفة الحداد ان لا تتطيب ولا تدهن ولا تلبس الحلى ولا الثوب المصبوغ بالعصفر أو الزعفران لان المقصود من هذا كله التزين وهو ضد إظهار التحزن ولانه من أسباب رغبة الرجال فيها وهى ممنوعة من الرجال ما دامت معتدة ولا ثوب عصب ولا خز لتتزين به قيل هو البرد اليماني والاصح انه القصب وفي النوادر عن أبى يوسف رحمه الله تعالى لا بأس بأن تلبس القصب والخز الاحمر وتأويل ذلك إذا لبست ذلك لا على قصد التزين به فاما على قصد التزين به فهو مكروه كما قال في الكتاب ولا تدهن رأسها لزينة فان الدهن أصل الطيب الا ترى ان الروائح تلقى فيه فيصير غالية وان استعملت الدهن على وجه التداوى بان أشتكت رأسها فصبت عليه الدهن جاز لان العدة لا تمنع التداوى وانما تمنع من التزين ولا تكتحل للزينة أيضا فان أشتكت عينها فلا بأس بأن تكتحل بالكحل الاسود لما روى ان المتوفى عنها زوجها استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في الاكتحال في الابتداء فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فلما بلغت الباب دعاها فقال قد كانت احداكن في الجاهلية الحديث وتأويله أنه وقع عنده صلى الله عليه وسلم{{ص}} أنها لا تقصد الزينة بالاكتحال في الابتداء فأذن لها ثم علم أن قصدها الزينة فمنعها وان لم يكن لها الا ثوب مصبوغ فلا بأس بأن تلبسه من غير أن تريد الزينة بذلك لانها لا تجد بدا من ستر عورتها وإذا لم تجد سوى هذا الثوب فمقصودها الستر لا الزينة والاعمال بالنيات وأما المطلقة طلاقا رجعيا فلا بأس بأن تتطيب وتتزين بما أحبت من الثياب لان نعمة النكاح والحل ما فاتت بعد لان الزوج مندوب إلى أن يراجعها والتزين مما يبعثه على مراجعتها فتكون مندوبة إليه أيضا فأما الكتابية تحت مسلم إذا فارقها أو توفى عنها فليس عليها أن تتقي في عدتها شيئا من الطيب والزينة لان الحداد في العدة لحق الشرع وهى لا تخاطب بالشرائع وفى الكتاب قال لان الذى فيها من الشرك والذى تترك من فرائض الله تعالى أعظم من هذا (قال) وتتقى المملوكة المسلمة في عدتها ما تتقى منه الحرة الا الخروج لانها مخاطبة بحق الشرع كالحرة وانما لا تمنع من الخروج لحق مولاها في خدمته ولا حق للمولى
[ 60 ]
سطر 210:
[ 70 ]
بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب ما تقع به الفرقة مما يشبه الطلاق) * (قال) رضي الله عنه وإذا قال الرجل لامرأته أنت علي حرام فانه يسأل عن نيته لانه تكلم بكلام مبهم محتمل لمعان وكلام المتكلم محمول على مراده ومراده انما يعرف من جهته فيسأل عن نيته فان نوى الطلاق فهو طلاق لانه نوى ما يحتمله كلامه فانه وصفها بالحرمة عليه وحرمتها عليه من موجبات الطلاق ثم ان نوى ثلاثا فهو ثلاث لان حرمتها عليه عند وقوع الثلاث فقد نوى نوعا من أنواع الحرمة وان نوى واحدة بائنة فهى واحدة بائنة لانه نوى الحرمة بزوال الملك ولا يحصل ذلك الا بالتطليقة البائنة ومن أصلنا أن الزوج يملك الابانة وازالة الملك من غير بدل ولا عدد على ما نبينه ان شاء الله تعالى وان نوى اثنتين فهى واحدة بائنة عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى يقع اثنتان لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وانما لكل امرئ ما نوى ولان الثنتين بعض الثلاث فإذا كانت نية الثلاث تسع في هذا اللفظ فنية الثنتين أولى ألا ترى أنها لو كانت أمة كان يصح نية الثنتين في حقها بهذا اللفظ فكذلك في حق الحرة ولكنا نقول نية الثنتين فيه عدد وهذا اللفظ لا يحتمل العدد لانها كلمة واحدة وليس فيها احتمال التعدد والنية إذا لم تكن من محتملات اللفظ لا تعمل فاما صحة نية الثلاث ليس باعتبار العدد بل باعتبار انه نوى حرمة وهي الحرمة الغليظة فانها لا نثبت بما دون الثلاث فاما الثنتان فلا يتعلق بهما في حق الحرة حرمة لا تثبت تلك الحرمة بالواحدة فبقى مجرد نية العدد بخلاف الامة فان الثنتين في حقها بوجب الحرمة الغليظة كالثلاث في حق الحرة وهذا بخلاف ما إذا طلق الحرة واحدة ثم قال لها أنت على حرام ونوى اثنتين حيث لا تعمل نيته لان الحرمة الغليظة لا تحصل بهما بل بهما وبما تقدم فكان هذا مجرد نية العدد وان نوى الطلاق ولم ينو عددا فهذه واحدة بائنة لان نية الطلاق قد صحت فيقع القدر المتيقن وهو الواحدة وان لم ينو الطلاق ولكن نوى اليمين كان يمينا فان تحريم الحلال يمين قال الله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله إلى قوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم جاء في التفسير انه حرم مارية القبطية على نفسه وفي بعض الروايات حرم العسل على نفسه وروى الضحاك عن أبي بكر وعمر وابن مسعود وابن عباس وعائشة رضى الله تعالى
[ 71 ]
سطر 225:
[ 75 ]
حتى تتأيد بما يقويها وهو القبض وبشرطها لا تتقوى وهنا قوله أنت طالق لا يزيل الملك بنفسه لا لضعفه لانه قوى لازم بل لانه غير مناف للنكاح فإذا قال تطليقة بائنة فقد زال ذلك المعني حين صرح بما هو مناف للنكاح وهذه الالفاظ تعمل في حقائق موجباتها فان حرمتها عليه تثبت بهذا اللفظ مؤيدة عند نية الثلاث ولكن الزوج الثاني رافع للحرمة كما أن زوال الملك بالطلاق يثبت مؤبدا وان كان العقد بعده يوجب الملك الا أنه لا يمكن اثبات حقيقة موجب هذا اللفظ من جهة الزوج الا بالطلاق فلهذا وجب اعمال نيته في الطلاق وعلى هذا لو قال لها أنت حرة لان فيه معنى ازالة الملك فان النكاح رق وحريتها عنه تكون بازالته فأما إذا قال لها اعتدى فهذا اللفظ كناية لانه محتمل يحتمل أن يكون مراده اعتدى نعم الله أو نعمي عليك أو اعتدى من النكاح فإذا نوى به الطلاق وقعت تطليقة رجعية لان وقوع الطلاق ليس بحقيقة اللفظ فان حقيقته في الحساب فلا تأثير له في ازالة الملك والعدة تجامع النكاح ابتداء وبقاء ولكن من ضرورة عدتها من النكاح تقدم الطلاق فكان وقوع الطلاق بطريق الاضمار في كلامه فكأنه قال طلقتك فاعتدي ولهذا قلنا إنه وان تكلم بهذا اللفظ قبل الدخول تعمل نيته في الطلاق ولا عدة عليها قبل الدخول فعرفنا أن اللفظ غير عامل في حقيقته ولكن الطلاق فيه مضمر يظهر عند نيته عرفنا ذلك بالنص وهو قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لسودة حين أراد أن يطلقها اعتدى وكذلك قوله استبرئي رحمك بمنزلة التفسير لقوله اعتدى لانه تصريح بما هو المقصود من العدة وكذلك لو قال لها أنت واحدة لانه كلام محتمل يجوز أن يكون قوله واحدة نعتا لها أي واحدة عند قومك أو منفردة عندي ليس معك غيرك أو واحدة نساء العالم في الجمال ويحتمل أن يكون نعتا لتطليقة أي أنت طالق واحدة فلا يقع الطلاق به الا بالنية فإذا نوى يقع به تطليقة رجعية لان الوقوع بطريق الاضمار فكأنه صرح بما هو المضمر وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يقع بهذا اللفظ شئ وان نوى لان قوله واحدة نعت لها وليس فيه احتمال معنى الطلاق أصلا ولكنا نقول كلام العاقل متى أمكن حمله على ما هو مفيد يحمل عليه فاما إذا قال لها أنت طالق يقع به تطليقة رجعية نوى أو لم ينو لان هذا اللفظ صريح في الطلاق عند النكاح لغلبة الاستعمال فلا حاجة إلى النية فيه ولانه يختص بالنساء ولا يذكر لفظ الطلاق الا مضافا إلى النساء وانما يذكر في غيرهن الاطلاق والمعنى المختص بالنساء النكاح فتعين الطلاق عن النكاح عند الاضافة إليها وكذلك ما يكون
[ 76 ]
مشتقا من لفظ الطلاق كقوله قد طلقتك أو أنت مطلقة الا أنه روى عن محمد رحمه الله تعالى انه إذا قال أنت مطلقة باسكان الطاء وتخفيف اللام لا يكون طلاقا لا بالنية لان هذا اللفظ غير مختص بالنساء ولو نوى بقوله أنت طالق ثلاثا أو اثنتين لا تعمل نيته عندنا ولا يقع عليها الا واحدة رجعية وعلى قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى يقع ما نوى وهو قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الاول لان الصريح أقوى من الكناية فإذا صح نية الثلاث في قوله أنت بائن فلان يصح في قوله أنت طالق أولى وهذا لان لفظ الطلاق محتمل للعدد حتى يفسر به فتقول أنت طالق ثلاثا وهو نصب على التفسير واذ قيل ان فلانا طلق امرأته يصح الاستفسار عن العدد فيقال كم طلقها ولان قوله أنت طالق أي طالق طلاقا فانها لا تكون طالقا الا بالطلاق ولو صرح بهذا ونوى الثلاث يصح ولانه لو قال لها طلقي نفسك ونوى به الثلاث صحت نيته فكذلك إذا قال طلقتك لان كل واحد منهما ذكر بلفظ الفعل وحجتنا في ذلك ان ابن عمر رضى الله تعالى عنه طلق امرأته فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ان يراجعها ولم يستفسره انك أردت الثلاث أم لا ولم يحلفه على ذلك ولو كانت نية الثلاث تسع في هذا اللفظ لحلفه كما حلف ابن ركانة رضى الله تعالى عنه في لفظ البتة والمعنى فيه انه نوى مالا يحتمله لفظه فلا تعمل نيته كما لو قال لها حجي أو زوري أباك أو اسقيني ماء من خارج ونوى به الطلاق وهذا لان المنوي إذا لم يكن من محتملات اللفظ فقد تجردت النية عن اللفظ وبمجرد النية لا يقع شئ وانما قلنا ذلك لان قوله أنت طالق نعت فرد فلا يحتمل العدد ألا ترى أنه يقال للمثني طالقان وللثلاث طوالق فيكون نعتا للنساء لا للطلاق وقوله طلقتك فعل وهو لا يحتمل العدد كقوله قمت وقعدت وأحد لا يخالف في هذا وانما تعمل النية عنده بما قال انها لا تكون طالقا الا للطلاق ولكن هذا ثابت بمقتضي كلامه ولا عموم للمقتضي عندنا لان ثبوته لتصحيح الكلام حتى لو صح بدون المقتضى لا يثبت المقتضى ويصح بدون صفة العموم في المقتضى ولان ذكر النعت يقتضى وصفا ثابتا للموصوف لغة فاما الوصف الثابت للواصف لتصحيح كلامه يكون ثابتا شرعا لا لغة والطلاق بهذه الصفة لان تقديم الايقاع لتصحيح كلامه شرعا وكذلك في قوله قد طلقتك فانه حكاية قوله ولا احتمال فيه لمعنى العدد ولا لمعني العموم بخلاف قوله طلقي نفسك فان نية العدد لا تعمل هناك عندنا حتى لو نوي الثنتين لا يصح ونية الثلاث انما تصح
[ 77 ]
سطر 237:
[ 79 ]
لا يقبل الطلاق وما ثبت له عليها ملك الحل وهو الملك الاصلى الذى يقابله البدل والطلاق مشروع لرفعه وانما يرفع الشئ عن المحل الوارد عليه دون غيره ثم الملك الذى يثبت في جانبها تبع للملك الثابت للزوج وما يكون تبعا في النكاح لا يكون محلا لاضافة الطلاق إليه عندنا كيدها ورجلها على ما نقرره في قوله يدك طالق ورجلك طالق (قال) ولو قال أنت طالق البتة سئل عن نيته فإذا نوى تطليقة واحدة فهى واحدة بائنة لان قوله البتة نعت للطلاق أي قاطع للنكاح كقوله بائن ولو نوى ثلاثا فثلاث وان لم يكن له نية فهى واحدة بائنة كما في قوله أنت بائن فان قال عنيت بقولى طالق واحدة وبقولي البتة أخرى تطلق اثنتين بائنتين لان الرجل لو قال لامرأته أنت بتة ونوى به الطلاق تعمل نيته فكذلك إذا نوى بلفظة البتة تطليقة أخرى ولو قال عنيت بقولى طالق واحدة وبقولي البتة اثنتين طلقت اثنتين لان نية العدد لا تسع في لفظ البتة وكذلك كل كلام يشبه الطلاق ضمه إلى الطلاق الا قوله اعتدى فانه رجعي لا تسع فيه نية الثلاث لان وقوع الطلاق به باضمار لفظ الطلاق فيه فلا يكون أقوى مما لو صرح به ولو قال لها اعتدى وقال لم أنو الطلاق فهى امرأته بعد أن يحلف وكذلك في جميع الالفاظ المتقدمة إذا قال لم أنو الطلاق فعليه اليمين لانه أمين فيما يخبر عن ضميره والقول قول الامين مع اليمين واليمين لنفى التهمة عنه ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} حلف ابن ركانة رضي الله تعالى عنه في لفظ البتة لما كان الثلاث من محتملات لفظه ولو قال اعتدى فاعتدي أو قال اعتدى واعتدي أو قال اعتدى اعتدى وقال نويت الطلاق فهي تطليقتان في القضاء ولو قال عنيت واحدة دين فيما بينه وبين الله تعالى وعن زفر رحمه الله تعالى انه تعمل نيته في القضاء وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى في قوله فاعتدى كذلك وفى قوله واعتدى أو اعتدى تطليقتان كما هو ظاهر الرواية وزفر رحمه الله تعالى يقول كرر اللفظ الاول والتكرار للتأكيد لا للزيادة وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول الفاء للوصل فيكون معناه فاعتدى بذلك الايقاع لا ايقاعا آخر والواو للعطف وموجب العطف الاشتراك فيكون الثاني ايقاعا كالاول وجه ظاهر الرواية ان هذا اللفظ عند نية الايقاع كالصريح ولو قال أنت طالق وطالق أو طالق فطالق أو طالق طالق كان تطليقتين فكذلك هنا في القضاء ولو قال اعتدي اعتدي اعتدى وهو ينوى تطليقة واحدة بهن جميعا فهو كذلك فيما بينه وبين الله تعالى فاما في القضاء فهو ثلاث لما بينا ان كل كلام
[ 80 ]
سطر 252:
[ 84 ]
كما لا يلحقه بائن حتى لو قال لها بعد الخلع أنت بائن لا يقع الطلاق وان نوى فكذلك إذا قال أنت طالق لان قوله أنت بائن مع نية الطلاق بمنزلة الصريح أو أقوى منه وهذا لان الطلاق مشروع لازالة ملك النكاح وقد زال الملك بالخلع فلا يقع الطلاق بعده كما بعد انقضاء العدة ولا يجوز أن تكون محلا للطلاق باعتبار العدة لان وجوب العدة هنا لحرمة الماء حتى لا تجب قبل الدخول فتكون كالعدة من نكاح فاسد أو وطئ بشبهة ولو كانت هذه العدة أثر النكاح فهو أثر يبقى بعد فساد الملك وهو بعد التطليقات الثلاث وبمثل هذا الاثر لا تكون محلا للطلاق كالنسب فانه أثر النكاح ولكن لما كان يبقى بعد نفاذ ملك الطلاق لا تصير به محلا للطلاق وحجتنا في ذلك قوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به يعنى الخلع ثم قال بعده فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره وحرف الفاء للوصل والتعقيب فيكون هذا تنصيصا على وقوع الطلقة الثالثة بالايقاع بعد الخلع وفى المشاهير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أنه قال المختلعة يلحقها صريح الطلاق ما دامت في العدة رواه أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه وغيره وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فقال انى حلفت بثلاث تطليقات أن لا أكلم أخى فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} طلقها واحدة واتركها حتى تنقضي عدتها ثم كلم أخاك ثم تزوجها ولو كان الطلاق لا يقع بعد الخلع لارشده إلى الخلع ليرتفع الهجران بينه وبين أخيه في الحال والمعنى فيه أنها معتدة من طلاق فتلحقها التطليقات المملوكة للزوج بايقاعه كالمعتدة من قوله أنت طالق أو بائن وهذا لان موجبه ليس هو زوال الملك ألا ترى أن بعد الطلاق الرجعى الملك يبقى مع لزوم الطلاق فان المطلقة تطلق ثانيا ولو كان موجبه زوال الملك لم يتصور الايقاع بعد الايقاع لان الاول ان كان مزيلا فلا موجب للثاني وان لم يكن الاول مزيلا فكذلك الثاني وكذلك بعد الرجعة يبقى الطلاق واقعا ولا يزول به الملك في الحال ولا في الثاني والاسياب الشرعية إذا خلت عن موجباتها كانت لغوا فإذا ثبت أن موجب الطلاق ليس هو زوال الملك لا يشترط قيام الملك لصحته كما لا يشترط قيام ملك اليمين لصحته ولكن موجبه الاصلى رفع الحل الذى صارت المرأة به محلا للنكاح وذلك المحل باق بعد الخلع فكان الايقاع في هذه الحالة مفيد الموجبه فان قيل هذا موجود بعد انقضاء العدة قلنا نعم ولكن الايقاع منه تصرف على المحل باثبات صفة الحرمة ورفع الحل فلابد من نوع ملك له على المحل لينفذ تصرفه وذلك اما ملك
[ 85 ]
سطر 267:
[ 89 ]
شئ كما لو قال لها أنت طالق وطالق وطالق ولكنا نقول الطلاق متى قرن بالعدد فالوقوع بذكر العدد لان الموقع هو العدد فإذا صرح بذكر العدد كان هو العامل دون ذكر الوصف ولهذا لو ماتت المرأة بعد قوله طالق قبل قوله ثلاثا لا يقع شئ وهذا لان الكل كلمة واحدة في الحكم فان ايقاع الثلاث لا يتأتى بعبارة أوجز من هذا والكلمة الواحدة لا يفصل بعضها من بعض بخلاف قوله أنت طالق وطالق وطالق لانها كلمات متفرقة فاما إذا قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق بانت بالاولى وكانت الثنتان فيما لا يملك وهو قول علي وابن مسعود وزيد وابراهيم رضى الله عنهم وقال ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى إذا كان في مجلس واحد يقع ثلاث تطليقات لان المجلس الواحد يجمع الكلمات المتفرقة ويجعلها ككلام واحد ولكنا نقول كل كلمة ايقاع على حدة فلا تعمل الا في محل قابل له فإذا بانت لا إلى عدة لم تبق محلا للوقوع عليها ثم عند أبى يوسف رحمه الله تعالى تبين بالاولى قبل ان يفرغ من الكلام الثاني وعند محمد رحمه الله تعالى بعد فراغه من الكلام الثاني لجواز ان يلحق بآخر كلامه شرطا أو استثناء ولكن هذا انما يتحقق عند ذكر حرف العطف وهو الواو فاما بدونه لا يتحقق الخلاف لانه لا يلتحق به الشرط والاستثناء (قال) ولو قال لها رأسك طالق كانت طالقا لا باضافة الطلاق إلى الرأس بعينه فانه لو قال الرأس منك طالق أو وضع يده على رأسها وقال هذا العضو منك طالق لا يقع شئ ولكن باعتبار أن الرأس يعبر به عن جميع البدن يقال هؤلاء رؤس القوم ومع الاضافة إلى الشخص أيضا يعبر به عن جميع البدن يقول الرجل أمرى حسن ما دام رأسك أي ما دامت باقيا وكذلك الوجه يعبر به عن جميع البدن يقول الرجل لغيره ياوجه العرب وكذلك الجسد والبدن والرقبة والعنق يعبر بها عن جميع البدن قال الله تعالى فتحرير رقبة وقال الله تعالى فظلت أعناقهم لها خاضعين وكذلك الفرج قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} لعن الله الفروج على السروج وكذلك لروح يعبر بها عن جميع البدن وهو مذكور في كتاب الكفالة فصار هو بهذا اللفظ مضيفا الطلاق إلى جميعها فكأنه قال أنت طالق وأما إذا قال يدك طالق أو رجلك طالق أو أصبعك طالق لا يقع شئ عندنا وقال زفر والشافعي رحمهما الله تعالى تطلق لانه أضاف الطلاق إلى جزء مستمع به منها بعقد النكاح فيقع الطلاق كالوجه والرأس وهذا لان مبنى الطلاق على الغلبة والسراية فإذا أوقعه على جزء منها يسرى إلى جميعها كالجزء الشائع
[ 90 ]
سطر 285:
[ 95 ]
الا على قول زفر رحمه الله تعالى ولكن ان قربها كفر عن يمينه لان اليمين باقية فان انعقادها وبقاءها لا يختص بمحل الحل فإذا قربها تحقق حنثه في اليمين فتلزمه الكفارة (قال) وان طلق امرأته واحدة أو اثنتين ثم تزوجها بعد زوج قد دخل بها فهى عنده على ثلاث تطليقات مستقبلات في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وهو قول ابن عباس وابن عمر وابراهيم وأصحاب عبد الله بن مسعود رضى الله عنهم وعند محمد وزفر والشافعي رحمهم الله تعالى هي عنده بما بقي من طلاقها وهو قول عمر وعلي وأبى بن كعب وعمران ابن الحصين وأبى هريرة رضى الله عنهم فأخذ الشبان من الفقهاء يقول المشايخ من الصحابة رضوان الله عليهم والمشايخ من الفقهاء بقول الشبان من الصحابة رضوان الله عليهم وحجة محمد رحمه الله تعالى في ذلك أن الزوج الثاني غاية للحرمة الحاصلة بالثلاث قال الله تعالى حتى تنكح زوجا غيره وكلمه حتى للغاية حقيقة وبالتطليقة والتطليقتين لم يثبت شئ من تلك الحرمة لانها متعلقة بوقوع الثلاث وببعض أركان العلة لا يثبت شئ من الحكم فلا يكون الزوج الثاني غاية لان غاية الحرمة قبل وجودها لا يتحقق كما لو قال إذا جاء رأس الشهر فوالله لا أكلم فلانا حتى استشير فلانا ثم استشاره قبل مجئ رأس الشهر لا يعتبر هذا لان الاستشارة غاية للحرمة الثانية باليمين فلا تعتبر قبل اليمين وإذا لم تعتبر كان وجودها كعدمها ولو تزوجها قبل التزوج أو قبل إصابة الزوج الثاني كانت عنده بما بقى من التطليقات فكذلك هنا وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا إصابة الزوج الثاني بنكاح صحيح يلحق المطلقة بالاجنبية في الحكم المختص بالطلاق كما بعد التطليقات الثلاث وبيان هذا ان بالتطليقات الثلاث تصير محرمة ومطلقة ثم باصابة الزوج الثاني يرتفع الوصفان جميعا وتلتحق بالاجنبية التى لم يتزوجها قط فبالتطليقة الواحدة تصير موصوفة بانها مطلقة فيرتفع ذلك باصابة الزوج الثاني ثم الدليل على أن الزوج الثاني رافع للحرمة لا منه ان المنهى يكون متقررا في نفسه ولا حرمة بعد اصابة الزوج الثاني فدل انه رافع للحرمة ولانه موجب للحل فان صاحب الشرع سماه محللا فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} لعن الله المحلل والمحلل له وانما كان محللا لكونه موجبا للحل ومن ضرورته انه يكون رافعا للحرمة وبهذا تبين ان جعله غاية مجاز وهو نظير قوله تعالى ولا جنبا الا عابرى سبيل حتى تغتسلوا والاغتسال موجب للطهارة رافع للحدث لا أن يكون غاية للجنابة والدليل عليه أن أحكام الطلاق تثبت متأبدة لا إلى غاية
[ 96 ]
ولكن ترتفع بوجود ما يرفعها كحكم زوال الملك لا يثبت مؤقتا ولكن يرتفع بوجود ما يرفعه وهو النكاح وإذا ثبت ان الزوج الثاني موجب للحل فانما يوجب حلالا يرتفع الا بثلاث تطليقات وذلك غير موجود بعد التطليقة والتطليقتين فيثبت به ولما كان رافعا للحرمة إذا اعترض بعد ثبوت الحرمة فلان يرفعها وهو بعرض الثبوت أولى ولان يمنع ثبوتها إذا اقترن بأركانها أولى ومحمد رحمه الله تعالى يقول ثبوت الحرمة بسبب ايقاع الطلاق وذلك لا يرتفع بالزوج الثاني حتى لا تعود منكوحة له وبقاء الحكم ببقاء سببه فعرفنا أنه ليس برافع للحرمة ولا هو موجب للحل لان تأثير النكاح الثاني في حرمتها على غيره فكيف يكون موجبا للحل لغيره وسماه محللا لانه شرط للحل لا لانه موجب للحل ألا ترى أنه سماه ملعونا باشتراط مالا يحل له شرعا فعرفنا أنه غير موجب للحل ولكن الحرمة تحتمل التوقيت كحرمة المعتدة وحرمة الاصطياد على المحرم فجعلنا الزوج الثاني غاية للحرمة عملا بحقيقة كلمة حتى المذكورة في الكتاب والسنة حيث قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} حتى تذوقي من عسيلته ومسألة يختلف فيها كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين لغور فقهها يصعب الخروج منها (قال) ولو قال لامرأته ان دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم طلقها واحدة أو اثنتين وعادت إليه بعد زوج آخر فدخلت الدار عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى تطلق بالدخول ثلاثا لانها عادت إليه بثلاث تطليقات وعند محمد وزفر رحمهما الله تعالى يقع عليها ما بقى لان عندهما انما عادت إليه بما بقى من الطلقات (قال) ولو قال لامرأة كلما تزوجتك فأنت طالق ثلاث فهو كما قال يقع عليها ثلاث كما تزوج بها لان كلمة كلما تقتضي نزول الجزاء بتكرار الشرط وانعقاد هذه اليمين باعتبار التطليقات التى يملكها عليها بالتزوج وتلك غير محصورة بعدد فلهذا بقيت اليمين بعد وقوع ثلاث تطليقات بخلاف قوله لامرأته كلما دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا فان انعقاد تلك اليمين باعتبار التطليقات المملوكة عليها لانه لم توجد الاضافة إلى الملك فلا تبقى اليمين بعد وقوع التطليقات المملوكة عليها وهذه المسألة تنبنى على أصلنا ان ما يحتمل التعليق بالشرط كالطلاق والعتاق والظهار يجوز اضافته إلى الملك عم أو خص وهو قول عمر رضى الله عنه روى عنه ذلك في الظهار وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يصح ذلك وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما فانه سئل عمن يقول لامرأة ان تزوجتك فأنت طالق فتلى عليه قوله تعالى إذا نكحتم المؤمنات ثم
[ 97 ]
طلقتموهن وقال شرع الله تعالى الطلاق بعد النكاح فلا طلاق قبله وعلى قول أبن أبى ليلي رحمه الله تعالى ان خص امرأة أو قبيلة انعقدت اليمين وان عم فقال كل امرأة لا تنعقد وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه لما فيه من سد باب نعمة النكاح على نفسه فالشافعى رحمه الله تعالى استدل بقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا طلاق قبل النكاح وروى ان عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما خطب امرأة فأبي أولياؤها ان يزوجوها منه فقال ان نكحتها فهي طالق ثلاثا فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن ذلك فقال صلوات الله عليه وسلامه لا طلاق قبل النكاح والمعنى فيه انه غير ملك لتنجيز الطلاق فلا يملك تعليقه بالشرط كما لو قال لها ان دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم تزوجها فدخلت لم تطلق وهذا لان تأثير الشرط في تأخير الوقوع إلى وجوده ومنع ما لولاه لكان طلاقا وهذا الكلام لولا الشرط لكان لغوا لا طلاقا ولان الطلاق يستدعى أهلية في الموقع وملكا في المحل ثم قبل الاهلية لا يصح التعليق مضافا إلى حالة الاهلية كالصبى يقول لامرأته إذا بلغت فأنت طالق فكذلك قبل ملك المحل لا يصح مضافا وبهذا تبين انه تصرف يختص بالملك فايجابه قبل الملك يكون لغوا كما لو باع الطير في الهواء ثم أخذه قبل قبول المشترى وحجتنا في ذلك أن التعليق بالشرط يمين فلا تتوقف صحته على ملك المحل كاليمين بالله تعالى وهذا لان اليمين تصرف من الحالف في ذمة نفسه لانه يوجب على نفسه البر والمحلوف به ليس بطلاق لانه لا يكون طلاقا الا بالوصول إلى المرأة وما دامت يمينا لا يكون واصلا إليها وانما الوصول بعد ارتفاع اليمين بوجود الشرط فعرفنا أن المحلوف به ليس بطلاق وقيام الملك في المحل لاجل الطلاق ولكن المحلوف به ما سيصير طلاقا عند وجود الشرط بوصوله إليها ونظيره من المسائل الرمى عينه ليس بقتل والترس لا يكون مانعا عما هو قتل ولا مؤخرا له بل يكون مانعا عما سيصير قتلا إذا وصل إلى المحل ولما كان التعليق مانعا من الوصول إلى المحل والتصرف لا يكون الا بركنه ومحله فكما أنه بدون ركنه لا يكون طلاقا فكذلك بدون محله لا يكون طلاقا وبه فارق ما لو قال لاجنبية ان دخلت الدار فأنت طالق فان المحلوف به هناك غير موجود وهو ما يصير طلاقا عند وجود الشرط لان دخول الدار ليس بسبب لملك الطلاق ولا هو مالك لطلاقها في الحال حتى يستدل به على بقاء الملك عند وجود الشرط أما هنا نتيقن بوجود المحلوف به موجودا بطريق الظاهر بأن قال لامرأته
[ 98 ]
ان دخلت الدار فأنت طالق انعقدت اليمين وان كان من الجائز أن يكون دخولها بعد زوال الملك فإذا كان المحلوف به متيقن الوجود عند وجود الشرط أولى أن ينعقد اليمين وبأن كان لا يملك التنجيز لا يدل على أنه لا يملك التعليق كمن يقول لجاريته إذا ولدت ولدا فهو حر صح وان كان لا يملك تنجيز العتق في الولد المعدوم وإذا قالا لامرأته الحائض إذا طهرت فانت طالق كان هذا طلاقا للسنة وان كان لا يملك تنجيزه في الحال وهذا بخلاف التصرف لان لابد منه في تصرف اليمين كما لابد منه في تصرف الطلاق فاما الملك في المحل معتبر بالطلاق دون اليمين وهذا بخلاف البيع فان الايجاب أحد شطرى البيع وتصرف البيع قبل الملك لغو فاما الايجاب هنا تصرف آخر سوى الطلاق وهى اليمين وتأويل الحديث ما روى عن مكحول والزهرى وسالم والشعبى رضى الله تعالى عنهم انهم قالوا كانوا يطلقون في الجاهلية قبل التزوج تنجيزا ويعدون ذلك طلاقا فنفى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ذلك بقوله لا طلاق قبل النكاح وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عن غير مشهور وان ثبت فمعني قوله ان نكحتها أي وطئتها لان النكاح حقيقة للوطئ وبهذا لا يحل اضافة الطلاق إلى الملك عندنا إذا عرفنا هذا فنقول إذا قال لامرأته إذا تزوجتك أو إذا ما تزوجتك أو ان تزوجتك أو متى ما تزوجتك فهذا كله للمرة الواحدة لانه ليس في لفظه ما يدل على التكرار فان كلمة ان للشرط وإذا ومتى للوقت بخلاف ما لو قال كلما تزوجتك لان كلمة كلما تقتضي التكرار فلا يرتفع اليمين بالتزوج مرة ولكن كلما تزوجها يصير عند التزوج كالمنجز للطلاق وكذلك لو قال كلما دخلت الدار فهذا على كل مرة حتى تطلق ثلاثا بخلاف ان وإذا ومتى فان ذلك على المرة الواحدة (قال) ولو قال لامرأة لا يملكها أنت طالق يوم أكلمك أو يوم تدخلين الدار أو يوم أطؤك فهذا باطل بخلاف ما لو قال يوم أتزوجك فانه بهذا اللفظ يصير مضيفا الطلاق إلى التزوج وهو سبب لملك الطلاق فيصير المحلوف به موجودا بخلاف ما سبق فان دخول الدار ليس بسبب لملك الطلاق فان تزوج بها ثم فعل ذلك لم يقع عليها شئ عندنا وقال ابن أبى ليلى يقع لان المعتبر لوقوع الطلاق وقت وجود الشرط فان طلقها حينئذ يصل إلى المحل والملك موجود عند وجود الشرط فيقع الطلاق ولكنا نقول هذا بعد انعقاد اليمين ولا ينعقد اليمين بدون المحلوف به فإذا لم يكن هو مالكا للطلاق في الحال ولا في الوقت المضاف إليه لا ينعقد اليمين فبدون ذلك وان صار مالكا للطلاق في الوقت المضاف
[ 99 ]
سطر 303:
[ 101 ]
الحنث في اليمين الاولى ألا ترى أنه لو قال لزينب بعد الكلام الاول ان دخلت الدار فأنت طالق كانت عمرة طالقا لانه قد حلف بطلاق زينب فان الشرط والجزاء يمين عند أهل الفقه وقد وجد فصار به حانثا في اليمين الاولى (قال) ولو قال لزينب أنت طالق ان شئت لم تطلق عمرة لان هذا ليس بيمين بل هو تفويض المشيئة إليها بمنزلة قوله اختاري أو أمرك بيدك وذلك لا يكون حلفا بالطلاق ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} خير نساءه مع نهيه عن الحلف بالطلاق والدليل على أنه بمنزلة التخيير انه يبطل بقيامها عن المجلس قبل المشيئة والشرط المطلق لا يتوقت بالمجلس وحقيقة المعنى فيه أن الشرط منفي فان الحالف يقصد منع الشرط بيمينه وفى قوله أنت طالق ان شئت لا يقصد منعها عن المشيئة فعرفنا أنه ليس بيمين وكذلك لو قال لزينب أنت طالق إذا حضت حيضة فهذا ليس بيمين عندنا ولا يحنث به في اليمين بطلاق عمرة لان هذا تفسير لطلاق السنة فان بهذا اللفظ لا يقع الطلاق عليها ما لم تطهر لان الحيضة اسم للحيضة الكاملة وطلاق السنة يتأخر إلى حالة الطهر فكأنه قال لها أنت طالق للسنة وعن زفر رحمه الله تعالى أن هذا يمين لوجود الشرط والجزاء وليس بتفسير لطلاق السنة ألا ترى أنه لو جامعها في هذه الحيضة ثم طهرت طلقت ولو قال لها أنت طالق للسنة ثم جامعها في الحيض فطهرت لم تطلق وكذلك لو قال لها إذا حضت حيضتين أو إذا حضت ثلاث حيض لم يكن شئ من ذلك حلفا بطلاقها بخلاف مالو قال لها إذا حضت فهذا حلف بطلاقها حتى تطلق عمرة لان بهذا اللفظ يقع الطلاق في الحيض قبل الطهر فلا يكون تفسيرا لطلاق السنة فان قيل هذا تفسير لطلاق البدعة ولو قال أنت طالق للبدعة لم يكن حالفا بطلاقها (قلنا) ليس كذلك فطلاق البدعة لا يختص بالحيض وهذا الطلاق لا يقع الا في حالة الحيض فعرفنا أنه شرط وجزاء (قال) وإذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا للسنة ولا نية له فكما حاضت وطهرت طلقت واحدة حتى تستكمل الثلاث لان قوله للسنة أي لوقت السنة فان اللام للوقت قال الله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس وكل طهر محل لوقوع تطليقة واحدة للسنة فلهذا طلقت في كل طهر واحدة ولا يحتسب بالحيضة الاولى من عدتها لانها سبقت وقوع الطلاق عليها وان نوى ان تطلق ثلاثا في الحال فهو كما نوى عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى لا تعمل نيته لان وقوع الثلاث جملة خلاف السنة ووقوع الطلاق في الحيض أو في طهر قد جامعها فيه خلاف السنة
[ 102 ]