الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مبسوط السرخسي - الجزء السادس2»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
OKBOT (نقاش | مساهمات)
ط تدقيق إملائي. 88 كلمة مستهدفة حاليًا.
 
سطر 22:
[ 121 ]
تأخر الوقوع إلى القدوم ولو قال لامرأتيه أطولكما حياة طالق الساعة لم يقع الطلاق حتى تموت احداهما ؟ لان المراد طول الحياة في المستقبل لا في الماضي حتى إذا كانت احداهما بنت عشر سنين والاخرى بنت ستين سنة لم تطلق العجوز فعرفنا أن طول الحياة في المستقبل مراد وذلك غير معلوم لجواز أن يموتا معا فان ماتت إحداهما طلقت الاخرى في الحال عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى طلقت من حين تكلم الزوج لانه تبين أنها كانت أطولهما حياة وان الزوج علق الطلاق بشرط موجود ولكنا نقول معنى كلام الزوج التي تبقى منكما بعد موت الاخرى طالق وذلك غير معلوم قبل موت احداهما بل هو على خطر الوجود لجواز أن يموتا معا فلهذا انتصب شرطا (قال) ولو قال يا زينب فأجابته عمرة فقال أنت طالق ثلاثا طلقت التى أجايته لان اتبع الايقاع الجواب فيصير مخاطبا للمجيبة وان قال أردت زينب قلنا تطلق زينب بقصده ولكنه لا يصدق في صرف الكلام عن ظاهره فتطلق عمرة أيضا بالظاهر كما لو قال زينب طالق وله امرأة معروفة بهذا الاسم تطلق فان قال لى امرأة أخرى بهذا الاسم تزوجتها سرا وإياها عنيت قلنا تطلق تلك بنيته والمعروفة بالظاهر ولو قال يا زينب أنت طالق ولم يجبه أحد طلقت زينب لانه اتبع الايقاع النداء فيكون خطابا للمنادى وهي زينب وان قال لامرأته يشير إليها يا زينب أنت طالق فإذا هي عمرة طلقت عمرة ان كانت امرأته وان لم تكن امرأته لم تطلق زينب لان التعريف بالاشارة أبلغ من التعريف بالاسم فان التعريف بالاشارة يقطع الشركة من كل وجه وبالاسم لا فكان هذا أقوى ولا يظهر الضعيف في مقابلة القوى فكان هو مخاطبا بالايقاع لمن أشار إليها خاصة وان قال يا زينب أنت طالق ولم يشر إلى شئ غير أنه رأى شخصا فظنها زينب وهي غيرها طلقت زينب في القضاء لانه بنى الايقاع على التعريف بالاسم هنا فانما يقع على المسماة ولا معتبر بظنه لان التعريف لا يحصل به في الظاهر والقاضى مأمور باتباع الظاهر فأما فيما بينه وبين الله تعالى لا تطلق هي ولا الاخرى لانه عناها بقلبه والله تعالى مطلع على ما في ضميره فيمنع ذلك الايقاع على زينب التى لم يعنها بقلبه وعلى التى عناها بقلبه لانه لم يخاطبها بلسانه حين أتبع الخطاب النداء وان قال أنت طالق هكذا وأشار بأصبع واحدة فهى طالق واحدة وان أشار بأصبعين فهي طالق اثنتين وان أشار بثلاثة أصابع فهى طالق ثلاثا لان الاشارة بالاصابع بمنزلة التصريح بالعدد بدليل قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} الشهر هكذا وهكذا وهكذا وخنس ابهامه
[ 122 ]
في الثالثة فيكون ذلك بيانا ان الشهر تسعة وعشرون يوما ثم الاصل في هذه الاشارة أنها تقع بالاصابع المنشورة لا بالاصابع المعقودة والعرف دليل على هذا وكذلك الشرع فان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} لما خنس ابهامه في الثالثة كان الاعتبار بما نشر من الاصابع دون ما عقد حتى لو قال عنيت الاشارة بالاصبعين اللتين عقدت لم يدين في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لكون ما قال محتملا وكذلك إذا قال عنيت الاشارة بالكف دون الاصابع دين فيما بينه وبين الله تعالى لكونه محتملا ولا يدين في القضاء لانه خلاف الظاهر فتطلق ثلاثا وبعض المتأخرين يقولون ان جعل ظهر الكف إليها والاصابع المنشورة إلى نفسه دين في القضاء وان جعل الاصابع المنشورة إليها لم يدين في القضاء وإذا أشار بأصابعه فقال أنت طالق ولم يقل هكذا فهى واحدة لان كلامه لا يتصل باشارته الا بقوله هكذا فإذا لم يقل كان وجود الاشارة كعدمها فتطلق واحدة بقوله أنت طالق وان قال أنت طالق وهو يريد أن يقول ثلاثا فأمسك رجل على فيه فلم يقل شيئا بعد ذكر الطلاق فهى طالق واحدة لان الوقوع بلفظه لا بقصده وهو ما تلفظ الا بقوله أنت طالق وكذلك لو مات الرجل بعد قوله أنت طالق قبل قوله ثلاثا فهى طالق واحدة بخلاف ما إذا ماتت المرأة بعد قوله أنت طالق قبل قوله ثلاثا فانها لا تطلق شيئا لان الزوج وصل لفظ الطلاق بذكر العدد فيكون العامل هو العدد الا ترى انه لو قال لها قبل الدخول أنت طالق ثلاثا تطلق ثلاثا لان ذكر العدد حصل بعد موتها فاما إذا مات الرجل فلفظ الطلاق هنا لم يتصل بذكر العدد فبقى قوله أنت طالق ولو قال أنت طالق أنت طالق فماتت المرأة قبل ذكر الثانية طلقت واحدة لما قلنا ان كلامه هنا ايقاع عامل في الوقوع فانما يقع ما صادفها وهى حية دون ما صادفها بعد الموت وان قال لها أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق ان دخلت الدار فماتت قبل فراغه من الكلام لم يقع عليها شئ لان الكلام المعطوف بعضه على بعض إذا اتصل الشرط بآخره يخرج من أن يكون ايقاعا كما إذا اتصل الاستثناء به وقد تحقق اتصال الشرط بالكلام بعد موتها وان قال احدى امرأتي طالق ثلاثا ولا نية له فذلك إليه يوقعها على أيتهما شاء فان ايجاب الطلاق في المجهول صحيح بخلاف ما يقوله نفاة القياس وحجتنا عليهم الحديث كل طلاق جائز ثم الاصل ان الايجاب في المجهول يصح فيما يحتمل التعليق بالشرط لانه كالمعلق بخطر البيان في حق العين ولان ما هو مبنى على الضيق وهو
[ 123 ]
سطر 31:
[ 124 ]
شاء لانا تيقنا ان المطلقة ثلاثا منهن قد حلت له باصابة الزوج الثاني فكان له أن ينكح من شاء منهن وان ادعت كل واحدة منهن انها المطلقة ولا بينة لها وجحد الزوج يحلف لكل واحدة منهن بالله تعالى ما هي المطلقة ثلاثا لان كل واحدة تدعى عليه ما لو أقر به لزمه فان حلف لهن جميعا بقى الامر على ما كان لانا تيقنا مجازفته في هذه الايمان فان المطلقة فيهن واليمين الكاذبة لا ترفع الحرمة وعن محمد أنه قال إذا حلف لثلاث منهن تعينت للطلاق الرابعة ولا يحلف لها وان أبى أن يحلف لهن فرق بينه وبينهن بثلاث تطليقات لان نكوله في حق كل واحدة منهم بمنزلة إقراره أنها المطلقة ثلاثا (قال) وإذا قال لنسوة له أيتكن أكلت من هذا الطعام فهى طالق فاكلنه طلقن جميعا لان كلمة أي تتناول كل واحد من المخاطبين على الانفراد قال الله تعالى ليبلوكم أيكم أحسن عملا وقال تعالى أيكم يأتيني بعرشها وحرف من للتبعيض فصار معلقا طلاق كل واحدة منهن بتناولها شيئا من الطعام وقد وجد في حقهن جميعا وكذلك لو قال أيتكن دخلت هذه الدار فدخلنها طلقن لوجود الشرط من كل واحدة منهن وكذلك لو قال أيتكن شاءت فهى طالق فشئن جميعا ولو قال أيتكن بشرتني بكذا فهى طالق فبشرنه جميعا معا طلقن لوجود الشرط من كل واحدة منهن وان بشرته واحدة بعد أخرى طلقت الاولى وحدها لانها هي البشيرة فان البشارة اسم لخبر سار صدق غاب عن المخبر علمه وفى الحقيقة كل خبر غاب عن المخبر به علمه إذا كان صدقا فهو بشارة قال الله تعالى فبشرهم بعذاب أليم وانما سمي هذا الخبر بشارة لتغير بشرة الوجه عند سماعه الا أنه إذا كان محزنا بتغير إلى الصفرة وان كان سارا إلى الحمرة ولكن في العرف انما يطلق هذا الاسم على الخبر السار وانما وجد هذا في الاولى لانها أخبرته بما غاب عنه علمه فأما الثانية أخبرته بما كان معلوما له فكانت مخبرة لا بشيرة ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} لما قال من أراد أن يقرأ القرآن غضا طريا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد فاستبق أبو بكر وعمر رضى الله عنهما أن يخبراه فسبق أبو بكر رضى الله عنه فكان ابن مسعود رضى الله عنه يقول بعد ذلك بشرني به أبو بكر رضى الله عنه وأخبرني به عمر رضى الله عنه (قال) قال رجل لامرأته أنت طالق مل ء الدار أو مل ء الحب فان نوى ثلاثا فثلاث والا فهى واحدة بائنة لان الشئ يملا الوعاء العظيمة في نفسه تارة ولكثرة عدده أخرى فإذا نوى الثلاث علمنا انه أراد به كثرة العدد فكأنه قال
[ 125 ]
سطر 88:
[ 143 ]
والطلاق لا يحتمل الفسخ بعد وقوعه فيلغو شرط الخيار فيه والعتق كذلك (قال) ولو قال لامرأته اذهبي فتزوجي فان كان نوى طلاقا فهو طلاق وان نوى ثلاثا فثلاث وان نوى واحدة فواحدة بائنة وان لم يكن له نية فليس بشئ لان كلامه محتمل فلا يتعين معنى الطلاق فيه الا بالنية وهو محتمل للطلاق لانه ألزمها الذهاب من بيته وروى عن محمد رحمه الله تعالى أنه لو قال لها افلحى أو استفلحى ينوى به الطلاق فهو بمنزلة قوله اذهبي لان العرب تقول افلح بخير أي اذهب بخير وكذلك لو قال استفلحي لان معناه اطلبي فحلا فكان هذا وقوله تزوجي سواء والله أعلم * (باب طلاق الاخرس) * (قال) وإذا طلق الاخرس امرأته في كتاب وهو يكتب جاز عليه من ذلك ما يجوز على الصحيح في كتابه لان الاخرس عاجز عن الكلام وهو قادر على الكتاب فهو الصحيح في الكتاب سواء والاصل ان البيان بالكتاب بمنزلة البيان باللسان لان المكتوب حروف منظومة تدل على معنى مفهوم كالكلام الا ترى ان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} كان مأمورا بتبليغ الرسالة وقد بلغ تارة بالكتاب وتارة باللسان ثم الكتاب على ثلاثة أوجه (أحدها) ان يكتب طلاقا أو عتاقا على ما لا يتبين فيه الخط كالهواء والماء والصخرة الصماء فلا يقع به شئ نوى أو لم ينو لان مثل هذه الكتابة كصوت لا يتبين منه حروف ولو وقع الطلاق لوقع بمجرد نيته وذلك لا يجوز (والثانى) ان يكتب طلاق امرأته على ما يتبين فيه الخط ولكن لا على رسم كتب الرسالة فهذا ينوى فيه لان مثل هذه الكتابة قد تكون للايقاع وقد تكون لتجربة الخط والقلم والبياض وفيه ينوى كما في الالفاظ التى تشبه الطلاق فان كان صحيحا تبين نيته بلسانه وان كان أخرس تبين نيته بكتابه (والثالث) ان يكتب على رسم كتب الرسالة طلاق امرأته أو عتاق عبده فيقع الطلاق والعتاق بهذا في القضاء وان قال عنيت به تجربة الخط لا يدين في القضاء لانه خلاف الظاهر وهو نظير ما لو قال انت طالق ثم قال عنيت الطلاق من وثاق ثم ينظر إلى المكتوب فان كان كتب امرأته طالق فهى طالق سواء بعث الكتاب إليها أو لم يبعث وان كان المكتوب إذا وصل اليك كتابي هذا فانت طالق فما لم يصل إليها لا يقع الطلاق كما لو تكلم
[ 144 ]
سطر 169:
[ 170 ]
بولدها إلى مصر آخر لما فيه من الاضرار بالزوج بقطع ولده عنه الا أن يكون بين المصرين قرب بحيث لو خرج الزوج لمطالعة الولد أمكنه الرجوع إلى منزله قبل الليل فحينئذ هذا بمنزلة محال مختلفة في مصر ولها أن تتحول من محلة إلى محلة وان كان تزوجها في ذلك المصر الذى يريد الرجوع إليه ونقلها إلى هذا المصر فان كانت من أهل هذا المصر فلها أن تخرج بولدها إليه لان الانسان انما يتزوج المرأة في مصر ليقيم معها فيه وانما ساعدته على الخروج لاجل النكاح فإذا ارتفع كان لها ان تعود إلى مصرها لان في المقام في الغربة نوع ذل ولها ان تخرج بولدها لانها باصل النكاح استحقت المقام بولدها في ذلك المصر فانما تستوفى ما استحقت لا ان نقصد الاضرار بالزوج وان لم تكن من أهل ذلك المصر الذى تزوجها فيه فان أرادت ان تخرج بولدها إلى مصرها لم يكن لها ذلك لان أصل العقد ما كان في مصرها واختيارها الغربة لم يكن بسبب النكاح فلا يكون لها ان ترجع بولدها إلى مصرها ولكن يقال لها اتركى الولد واذهبي حيث شئت وكذلك ان أرادت الخروج إلى مصر آخر لانها في ذلك المصر غريبة كما هنا فلا تقصد بالخروج إليه دفع وحشة الغربة انما تقصد قطع الولد عن أبيه وان أرادت ان تخرج به إلى المصر الذى كان تزوجها فيه فليس لها ذلك أيضا لانها غريبة في ذلك المصر كما هنا وفي الجامع الصغير يقول انظر إلى عقدة النكاح أين وقع وهذه إشارة إلى ان لها ان تخرج بالولد إلى موضع العقد كما لو كان تزوجها في مصرها والاصح انه ليس لها ذلك لانها تقصد الاضرار بالزوج لا دفع الوحشة عن نفسها بالخروج إلى ذلك الموضع ولان الزوج ما أخرجها إلى دار الغربة بخلاف ما إذا تزوجها في مصرها وان كان أصل النكاح في رستاق له قرى متفرقة فأرادت أن تخرج بولدها من قرية إلى قرية فلها ذلك ان كانت القرى قريبة بعضها من بعض على الوجه الذى بينا لانه ليس فيه قطع الولد عن ابيه وان كانت بعيدة فليس لها ذلك الا ان تعود إلى قريتها وقد كان أصل النكاح فيها وكذلك ان أرادت ان تعود من القرية إلى المصر وان أرادت أن تخرج بولدها من مصر جامع إلى قرية قريبة فليس لها ذلك الا أن يكون النكاح وقع في تلك القرية فتخرج إليها لانها بأصل العقد استحقت المقام في قريتها بولدها وان لم يكن أصل النكاح فيها فانها تمنع من الخروج بولدها لان في أخلاق أهل الرستاق بعض الجفاء قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} أهل الكفور من أهل القبول ففي خروجها بولدها إلى القرية من المصر اضرار بالولد لانه يتخلق بأخلاقهم
[ 171 ]
وهى ممنوعة من الاضرار بالولد وليس لها أن تخرج بولدها إلى دار الحرب وان كان النكاح وقع هناك لما فيه من الاضرار بالولد فانه يتخلق بأخلاق أهل الشرك ولا يأمن على نفسه هناك فان دار الحرب دار نهبة وغارة وكذلك ان كانت هي من أهل الحرب بعد أن يكون زوجها مسلما أو ذميا لانها صارت ذمية تبعا لزوجها فتمنع من الرجوع إلى دار الحرب (قال) وليس للمرأة وان كانت أحق بولدها أن تشترى له وتبيع لان الثابت لها حق الحضانة فأما ولاية التصرف للاب أو لمن يقوم مقامه بعده فان كانت هي وصية أبيه فلها أن تتصرف بسبب الوصاية لا بسبب الامومة (قال) وكل فرقة وقعت بين الزوجين فالام أحق بالولد ما لم تتزوج وقد بينا تمام هذا في النكاح الا أن ترتد فحينئذ ان لحقت بدار الحرب فهى ممنوعة من أن تخرج بولدها ولا حق لها في الحضانة وان كانت في دار الاسلام فانها تحبس وتجبر على الاسلام فلا يكون لها حق الحضانة الا أن تتوب فان تابت فهى أحق بالولد (قال) وإذا احتلم الغلام فلا سبيل لابيه عليه ان كان قد عقل وكان مأمونا عليه لانه صار من أهل أن يلى على غيره فلا يولى عليه الا أن يكون مخوفا عليه فحينئذ يضمه الاب إلى نفسه لدفع الفتنة ولا نفقة له على أبيه الا أن يتطوع وقد بينا تمام فصول النفقة في النكاح والله أعلم بالصواب * (باب الخلع) * (قال) وإذا اختلعت المرأة من زوجها فالخلع جائز والخلع تطليقة بائنة عندنا وفي قول الشافعي رحمه الله هو فسخ وهو مروى عن ابن عباس رضى الله عنهما وقد روى رجوعه إلى قول عامة الصحابة رضى الله عنهم استدل الشافعي بقوله تعالى الطلاق مرتان إلى ان قال فلا جناح عليهما فيما افتدت به إلى أن قال فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فلو جعلنا الخلع طلاقا صارت التطليقات أربعا في سياق هذه الآية ولا يكون الطلاق أكثر من ثلاث ولان النكاح عقد محتمل للفسخ حتى يفسخ بخيار عدم الكفاءة وخيار العتق وخيار البلوغ عندكم فيحتمل الفسخ بالتراضى أيضا وذلك بالخلع واعتبر هذه المعاوضة المحتملة للفسخ بالبيع والشراء في جواز فسخها بالتراضي (ولنا) ما روى عن عمر وعلي وابن مسعود رضى الله عنهم موقوفا عليهم ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} الخلع تطليقة بائنة والمعنى فيه
[ 172 ]
سطر 190:
[ 177 ]
تمام الرضا كالبيع والشراء لا يلزم منه وما لا يعتمد تمام الرضا كالنكاح والطلاق والعتاق يلزم منه وحجته في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فهذا يقتضى أن عين ما أكره عليه فحكمه واثمه يكون مرفوعا عنه والمعنى فيه أن هذه فرقة يعتمد سببها القول فلا تصح من المكره كالردة وتأثيره أن القول انما يعتبر شرعا إذا صدر عن قصد صحيح وبسبب الاكراه ينعدم ذلك القصد لان المكره يقصد دفع الشر عن نفسه لا عين ما تكلم به وهو مضطر إلى هذا القصد والاختيار أيضا فيفسد قصده شرعا ألا تري أنه لو أكره على الاقرار بالطلاق كان اقراره لغوا لهذا يقرره ان تأثير الاكراه المبيح للاقدام في جعل المكره آلة للمكره واعدام الفعل من المكره كما في الاكراه على اتلاف المال فيجعل المكره آلة ويصير كأن المكره هو الذى تكلم بالايقاع فيكون لغوا ألا تري أن حق ابقاء قدر الملك على المكره جعل كالآلة حتى يكون المكره ضامنا قيمة عبده عندكم إذا أكرهه على أن يعتقه ويكون ضامنا نصف الصداق إذا أكرهه على الطلاق قبل الدخول فكذلك في ابقاء عين الملك عليه يجعل آلة له وحجتنا في ذلك ما روى أن امرأة كانت تبغض زوجها فوجدته نائما فأخذت شفرة وجلست على صدره ثم حركته فقالت لتطلقني ثلاثا أو لاذبحنك فناشدها الله تعالى فأبت فطلقها ثلاثا ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فسأله عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا قيلولة في الطلاق واستكثر محمد من الاستدلال بالآثار في أول كتاب الاكراه حتى روى عن عمر رضى الله عنه قال أربع مبهمات مقفلات ليس فيهن رديد النكاح والطلاق والعتاق والصدقة والمعنى فيه أنه مكلف أوقع الطلاق في محله فيقع كالطائع وتفسير الوصف ان الاكراه لا يزيل الخطاب اما في غير ما أكره عليه فلا اشكال وفيما أكره عليه كذلك حتى تنوع عليه أفعاله فتارة يباح له الاقدام وتارة يفترض عليه كشرب الخمر وتارة يحرم عليه كالقتل والزنا وذلك لا يكون الا باعتبار الخطاب وتأثيره ان انعقاد التصرف بوجود ركنه ومحله ولا ينعدم بسبب الاكراه ذلك انما ينعدم الرضا به والرضا ليس بشرط لوقوع الطلاق ألا ترى ان الرضا باشتراط الخيار ينعدم ولا يمنع لزوم الطلاق فكذلك الاكراه وبسبب الاكراه لا ينعدم القصد الصحيح فان المكره يقصد ما باشره ولكن لغيره وهو دفع الشر عن نفسه لا لعينه فهو كالهازل يكون قاصدا التكلم بالطلاق ولكن للعبث لا لعينه
[ 178 ]
سطر 208:
[ 183 ]
الالف تنقسم على مهريهما الذى تزوجهما عليهما لانه سمي الالف بمقابلة شيئين ومقتضى هذه التسمية الانقسام باعتبار القيمة كما لو اشترى عبدين بألف درهم الا أن البضع عند خروجه من ملك الزوج غير متقوم فوجب المصير إلى أقرب الاشياء إليه وذلك المهر الذى تزوجها عليه ألا ترى أن في الكتابة الفاسدة على العبد قيمة نفسه بعدما يعتق لان ما هو المعقود عليه هو ملك اليد والمكاسب ليست بمتقومة فيصار إلى قيمة أقرب الاشياء إليه وهو الرقبة ثم الاصل في الخلع ان النشوز إذا كان من الزوج فلا يحل له ان يأخذ منها شيئا بازاء الطلاق لقوله تعالى وان أردتم استبدال زوج مكان زوج إلى ان قال فلا تأخذوا منه شيئا وان كان النشوز من قبلها فله أن يأخذ منها بالخلع مقدار ما ساق إليها من الصداق لقوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به ولو أراد أن يأخذ منها على ما ساق إليها فذلك مكروه في رواية الطلاق وفى الجامع الصغير يقول لا بأس بذلك وجه هذه الرواية ما روى ان جميلة بنت سلول رحمها الله تعالى كانت تحت ثابت بن قيس رحمه الله تعالى فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فقالت لا أعيب على ثابت بن قيس في دين ولا خلق ولكني أخشى الكفر في الاسلام لشدة بغضي اياه فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} أتردين عليه حديقته فقالت نعم وزيادة فقال صلوات الله عليه وسلم أما الزيادة فلا وروى انه قال لثابت أخلعها بالحديقة ولا تزدد ولانه لا يملكها شيئا انما يرفع العقد فيحل له ان يأخذ منها قدر ما ساق إليها بالعقد ولا يحل له ا لزيادة على ذلك ووجه رواية الجامع الصغير ما روى ان امرأة ناشزة اتى بها عمر رضى الله عنه فحبسها في مزبلة ثلاثة أيام ثم دعاها وقال كيف وجدت مبيتك فقالت ما مضت على ليال هن أقر لعيني من هذه الليالى لانى لم أره فقال عمر رضى الله عنه وهل يكون النشوز الا هكذا إخلعها ولو بقرطها وعن ابن عمر رضى الله عنه ان مولاة اختلعت بكل شئ لها فلم يعب ذلك عليها وعن ابن عباس رضى الله عنه لو اختلعت بكل شئ لاجزت ذلك وهذا لان جواز أخذ المال هنا بطريق الزجر لها عن النشوز ولهذا لا يحل إذا كان النشوز من الزوج وهذا لا يختص بما ساق إليها من المهر دون غيره فاما في الحكم الخلع صحيح والمال واجب في جميع الفصول عندنا وعند نفاة القياس لا يجب المال إذا كان النشوز من الزوج ولا تجب الزيادة إذا كان النشوز منها لقوله تعالى ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلى أن قال تلك حدود الله فلا تعتدوها وقال ابن جريح يعنى في الزيادة والاعتداء يكون ظلما والمال لا يجب بالظلم ولكنا
[ 184 ]
سطر 292:
[ 211 ]
لا يقع شئ فلا يملك التفويض إليها بهذا اللفظ أيضا ولكنا تركنا القياس لآثار الصحابة روى عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر وجابر وزيد وعائشة رضوان الله عليهم أجمعين قالوا في الرجل يخير امرأته أن لها الخيار ما دامت في مجلسها ذلك فان قامت من مجلسها فلا خيار لها ولان الزوج مخير بين أن يستديم نكاحها أو يفارقها فيملك ان يسويها بنفسه في حقه بأن يخيرها وقد خير رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} نساءه حين نزل قوله تعالى فتعالين امتعكن وأسرحكن ثم كان القياس أن لا يبطل خيارها بالقيام عن المجلس لان التخيير من الزوج مطلق والمطلق فيما يحتمل التأبيد متأبد ولكنا تركنا هذا القياس لآثار الصحابة رضى الله عنهم ولان الخيار الطارئ لها على النكاح من جهة الزوج معتبر بالخيار الطارئ شرعا وهو خيار المعتقة وذلك يتوقت بالمجلس فكذلك هذا لها الخيار ما بقيت في المجلس وان تطاول يوما أو أكثر لان المجلس قد يطول وقد يقصر ألا ترى ان حكم قبض بدل الصرف ورأس مال السلم لما توقت بالمجلس لم يفترق الحال بين ان يطول أو يقصر فإذا قامت أو أخذت في عمل يعرف أنه قطع لما كانت فيه من ذلك بطل خيارها لان اشتغالها بعمل آخر يقطع المجلس ألا ترى أن المجلس يكون مجلس مناظرة ثم ينقلب مجلس أكل إذا اشتغلوا به ثم مجلس القتال إذا اقتتلوا ولان الذهاب عن المجلس انما كان مبطلا لخيارها لوجود دليل الاعراض عما فوض إليها وذلك يحصل باشتغالها بعمل آخر وكذلك بقيامها وان لم تذهب لان القيام يفرق الرأى وبه فارق الصرف والسلم فان بمجرد القيام قبل الذهاب هناك لا يبطل العقد لانه لا معتبر بدليل الاعراض ثم وانما المعتبر الافتراق قبل القبض وان كانت قاعدة حين خيرها فاضطجعت بطل خيارها في قول زفر رحمه الله تعالى وهو رواية الحسن بن أبي مالك عن أبى يوسف رحمه الله تعالى لان الاضطجاع دليل الاعراض والتهاون بما خيرها وروى الحسن بن زياد عن أبى يوسف رحمه الله أنه لا يبطل خيارها لان الانسان قد يضطجع إذا أراد أن يروى النظر في أمر ولو كانت متكئة حين خيرها فاستوت قاعدة لا يبطل خيارها لانه دليل الاقبال على ما حزبها من الامر وان كانت قاعدة فاتكأت ففى احدى الروايتين لا يبطل خيارها لان الاتكاء نوع جلسة فكأنها كانت متربعة فاحتبت وفى الرواية الاخرى يبطل خيارها لان الاتكاء بمنزلة الاضطجاع لانه اظهار للتهاون بما خيرها وإذا خيرها وقال لم أرد به الطلاق
[ 212 ]
فالقول قوله مع يمينه لان قوله اختاري كلام محتمل يجوز أن يكون مراده اختاري نفقة أو كسوة أو دارا للسكنى وفى الكلام المحتمل القول قول الزوج انه لم يرد الطلاق مع يمينه لكونه متهما في ذلك وان نوى الطلاق فان كان قال لها اختاري فقالت اخترت لا يقع شئ أيضا لانه ليس في كلامه ولا في كلامها ما يوجب التخصيص وازالة الابهام والطلاق لا يقع بمجرد القصد من غير لفظ يدل عليه بخلاف ما إذا قال لها اختاري نفسك فقالت اخترت أو قال اختاري فقالت اخترت نفسي لان هناك في كلام احدهما تنصيص على التخصيص فيقع به الطلاق عند النية ثم المخيرة إذا اختارت زوجها لم يقع عليها شئ الا على قول علي رضى الله عنه فانه يقول يقع تطليقة رجعية إذا اختارت زوجها فكأنه جعل عين هذا اللفظ طلاقا فقال إذا اختارت زوجها فالواقع به طلاق لا يرفع الزوجية ولسنا نأخذ بهذا بل نأخذ بقول عمر وعبد الله بن مسعود رضى الله عنهما أنها إذا اختارت زوجها فلا شئ وهذا لحديث عائشة رضى الله عنها قالت خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فاخترناه ولم يكن ذلك طلاقا وان اختارت نفسها فواحدة بائنة عندنا وهو قول علي رضى الله عنه وعلى قول عمر وابن مسعود رضى الله عنهما واحدة رجعية وعلى قول زيد رضى الله عنه إذا اختارت نفسها فثلاث وكأنه حمل هذا اللفظ على أتم ما يكون من الاختيار وعمر وابن مسعود رضي الله عنهما حملا على أدنى ما يكون منه وهو التطليقة الرجعية ولكنا نأخذ في هذا بقول علي رضى الله عنه لان اختيارها نفسها انما يتحقق إذا زال ملك الزوج عنها وصارت مالكة أمر نفسها وذلك بالواحدة البائنة وليس في هذا اللفظ ما يدل على الثلاث لان حكم مالكيتها أمر نفسها لا يختلف بالثلاث والواحدة البائنة ولهذا قلنا وان نوى الثلاث بهذا اللفظ لا تقع الا واحدة بائنة لان هذا مجرد نية العدد منه وقوله اختاري أمر بالفعل فلا يحتمل معنى العدد بخلاف قوله أنت بائن فنية الثلاث انما تصح هناك باعتبار أنه نوى به نوعا من البينونة وهنا الاختيار لا يتنوع فبقى هذا مجرد نية العدد (قال) والتخيير في السفينة كالتخيير في البيت لان السفينة في حق راكبها كالبيت لا يجريها بل هي تجرى به قال الله تعالى وهى تجرى بهم ألا ترى أنه لا يتمكن من ايقافها متي شاء فلها الخيار ما دامت في مجلسها بخلاف ما إذا خيرها وهى راكبة فسارت الدابة بعد الخيار شيئا يبطل خيارها لان سير الدابة مضاف إلى راكبها حتى يتمكن
[ 213 ]
سطر 301:
[ 214 ]
نفسها فلا يكون دليل الاعراض وكذلك إذا دعت شهودا لانها تقصد بذلك اشهادهم على اختيار أمر نفسها وكذلك إذا قالت ادعوا إلي أبى أو أمي لانها تقصد بذلك أن تستشيرهما فلا يكون ذلك دليل الاعراض منها والاستشارة في مثل هذا حسن على ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال لعائشة رضى الله تعالى عنها انى أعرض عليك أمرا فلا تحدثي فيه شيئا حتى تستشيرى أبويك ثم تلا عليها آية التخيير وخيرها فقالت أفي هذا أستشير أبوي أنا أختار الله ورسوله وكذلك ان سبحت أو قرأت آية أو نحوها من القرآن فلا يكون دليل الاعراض منها وقد يفعل المرء ذلك للاستخارة فلا يبطل به ما صار في يدها من الخيار والامر والمشيئة (قال) وإذا خيرها أو جعل أمرها إليها فقالت قد طلقتك فهو باطل وقد بينا هذا فيما سبق أن الزوج ليس بمحل للطلاق وروينا فيه حديث ابن عباس رضى الله تعالى عنه (قال) وإذا قال اختاري ثم اختاري ثم اختاري ينوى الطلاق بهذا كله فاختارت نفسها فهى ثلاث تطليقات لان الوقوع بهذه الالفاظ عند اختيارها نفسها يكون جملة واحدة فان اختيارها نفسها جواب للكلمات الثلاث والترتيب بحرف ثم في كلام الزوج فلا يوجب ذلك ترتيبا في الوقوع لان الوقوع باختيارها نفسها ولو اختارت نفسها بالاولى قبل أن يتكلم بالثانية والثالثة بانت بالاولى ولم يقع بالثانية والثالثة شئ لان البائن لا يلحق البائن ولانها ملكت أمر نفسها حين بانت بالاولى فلا يكون كلامه الثاني والثالث ايجابا بل اخبارا عن حالها انها مالكة أمر نفسها وهو صادق في ذلك بخلاف الاول فان هناك كلامه الثاني والثالث ايجاب لانه تكلم به قبل ان تملك أمر نفسها (قال) ولو قال لها اختاري اختاري اختاري فاختارت نفسها قال الزوج نويت بالاولى الطلاق وبالاخريين ان أفهمها لم يصدق في القضاء وبانت بثلاث لان الكلام الثاني والثالث ايجاب صحيح من حيث الظاهر والقاضى مأمور باتباع الظاهر ولكنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى لان الكلام الواحد قد يكرر للتأكيد وتفهيم المخاطب ولو قال لها اختاري فقالت قد اخترت فلما قامت عن المجلس قالت عنيت نفسي لم تصدق في ذلك لان الامر خرج من يدها بالقيام عن المجلس فانما اخبرت بما لا تملك انشاءه وهذا يدل على انها لو قالت قبل ان تقوم أردت نفسي ان ذلك يصح منها لبقائها في المجلس كما لو سكتت حتى الآن ثم قالت اخترت نفسي ولكنه قال في التعليل قد خرج الامر من يدها حين تكلمت بذلك فهذا إشارة إلى انها وان قالت في المجلس أردت
[ 215 ]
سطر 331:
[ 224 ]
من غير أن يكون مزيلا للملك بيانه في قوله تعالى والذين يظاهرون من نسائهم الاية وسبب نزولها قصة خولة بنت ثعلبة فانها قالت كنت تحت أوس بن الصامت رضى الله عنه وقد ساء خلقه لكبر سنه فراجعته في بعض ما أمرنى به فقال أنت علي كظهر أمي ثم خرج فجلس في نادى قومه ثم رجع إلي وراودني عن نفسي فقلت والذي نفس خولة بيده لا تصل إلي وقد قلت ما قلت حتى يقضى الله ورسوله في ذلك فوقع علي فدفعته بما تدفع به المرأة الشيخ الكبير وقد خرجت إلى بعض جيراني فأخذت ثيابا ولبستها فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وأخبرته بذلك فجعل يقول لى زوجك وابن عمك وقد كبر فاحسنى إليه فجعلت أشكو إلى الله ما أرى من سوء خلقه فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ما كان يغشاه عند نزول الوحي فلما سرى عنه قال قد أنزل الله تعالى فيك وفى زوجك بيانا وتلا قوله تعالى قد سمع الله قول التى تجادلك في زوجها إلى آخر آيات الظهار ثم قال مريه فليعتق رقبة فقلت لا يجد ذلك يارسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} مريه أن يصوم شهرين متتابعين فقلت هو شيخ كبير لا يطيق الصوم فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} مريه فليطعم ستين مسكينا فقلت ما عنده شئ يارسول الله فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} انا سنعينه بفرق وقلت أنا أعينه بفرق أيضا فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} إفعلى واستوصى به خيرا ثم اختلفت العلماء رحمهم الله تعالى في قوله تعالى ثم يعودون لما قالوا فقال علماؤنا رحمهم الله تعالى هو العزم على الجماع الذى هو امساك بالمعروف وقال الشافعي رحمه الله تعالى المراد هو السكوت عن طلاقها عقيب الظهار وقال داود المراد تكرار الظهار حتى ان على مذهبهم لا يلزمه الكفارة بالظهار مرة حتى يعيد مرة أخرى وهذا ضعيف لانه لو كان المراد هذا لكان يقول ثم يعودون لما قالوا والدليل على فساده حديث أوس فانه لم يكرر الظهار انما عزم على الجماع وقد ألزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} الكفارة وكذلك حديث سلمة بن صخر البياضى رضى الله عنه فانه قال كنت لا أصبر عن الجماع فادخل شهر رمضان ظاهرت من امرأتي مخافة أن لا أصبر عنها بعد طلوع الفجر فظاهرت منها شهر رمضان كله ثم لم أصبر فواقعتها وخرجت إلى قومي فأخبرتهم بذلك فشددوا الامر علي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وأخبرته بذلك فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} انت بذاك فقلت انا بذاك وها أنا بين يديك فامض في حكم الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} أعتق رقبة الحديث كما روينا في كتاب
[ 225 ]
الصوم وليس في هذا تكرار الظهار والشافعي رحمه الله تعالى يقول كما سكت عن طلاقها عقيب الظهار فقد صار ممسكا لها فيتقرر عليه الكفارة ولكنا نقول المراد بقوله تعالى ثم يعودون لما قالوا أن يأتي بضد موجب كلامه وموجب كلامه التحريم لا ازالة الملك فاستدامة الملك لا تكون ضده بل ضده العزم على الجماع الذى هو استحلال وبمجرد العزم عندنا لا تتقرر الكفارة أيضا حتى لو أبانها بعد هذا أو ماتت لم تلزمه الكفارة عندنا والحاصل أن عند الشافعي رحمه الله تعالى معنى العقوبة يترجح في الكفارة فتجب بنفس الظهار الذى هو محظور محض الا أنه يتمكن من اسقاطها بأن يصل الطلاق بكلامه شرعا فإذا لم يفعل تتقرر عليه الكفارة وعندنا في الكفارة معنى العبادة والعقوبة والمحظور المحض لا يكون سببا لها وانما سببها ما تردد بين الحظر والاباحة وذلك انما يتحقق بالعزم على الجماع الذى هو امساك بالمعروف حتى يصير السبب به مترددا وسنقرر هذا الاصل في كتاب الايمان ان شاء الله سبحانه وتعالى ثم لا خلاف ان هذه الكفارة على الترتيب دون التخيير فان من كانت كفارته بالاعتاق أو الصيام فليس له ان يقربها حتى يكفر لقوله تعالى من قبل ان يتماسا فان جامع قبل ان يكفر استغفر الله تعالى ولم يعد حتى يكفر لانه ارتكب الحرام وليس عليه فيما صنع كفارة لما روي ان رجلا ظاهر من امرأته ثم وقع عليها من قبل أن يكفر فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فأمره ان يستغفر الله تعالى ولا يعود حتى يكفر ولو جامعها في صوم الكفارة بالنهار ناسيا أو بالليل عامدا فعليه استقبال الكفارة في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقد بينا هذا في كتاب الصوم وكذلك لو أعتق نصف رقبة ثم جامعها ثم أعتق ما بقي لم يجزه عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان الشرط في الاعتاق تقديمه على المسيس وأخلاؤه عنه كما في الصوم والعتق عنده يتجزى وهذا التفريع لا يجئ على قولهما لان العتق عندهما لا يتجزى ولما أعتق بعضه عتق كله وان كانت كفارته بالاطعام فليس له ان يجامعها قبل التكفير عندنا وقال مالك رحمه الله له ذلك لانه ليس في التكفير بالاطعام شرط التقديم على المسيس ولا مدخل للقياس في هذا الباب ولكنا نستدل بقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} استغفر الله ولا تعد حتى تكفر من غير تفصيل ولان من الجائز ان يقدر على الاعتاق أو الصيام فتصير كفارته بذلك فلو وطئها كان قد مسها قبل التكفير بالعتق وذلك حرام الا انه لو أطعم ثلاثين مسكينا ثم جامعها لا يلزمه استقبال الطعام بخلاف الاعتاق والصيام لان شرط
[ 226 ]
سطر 340:
[ 227 ]
جميع البدن كاليد والرجل وقد بينا هذا في باب الطلاق وكذلك إذا شبهها بظهر امرأة محرمة عليه على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة فهذا والتشبيه بظهر الام سواء للمعني الذى بينا كما قال أبو يوسف رحمه الله تعالى في الامالي انه إذا شبهها بظهر امرأة قد زنا بامها أو بابنتها فحرمت عليه بذلك فهو مظاهر منها لانه شبهها بمحرمة عليه على التأبيد قال لان قضاء القاضى بحل المناكحة بينهما لا ينفذ عندي لكونه بخلاف النص فان النكاح حقيقة للوطئ وهذا بخلاف ما لو شبهها بظهر امرأة قد لاعنها لان اللعان وان كان يوجب الحرمة المؤبدة عندي فهو مما يسع فيه الاجتهاد وينفذ فيه قضاء القاضي بخلافه فلم يكن في معنى حرمة الام وقال محمد رحمه الله تعالى في الكيسانيات إذا شبهها يظهر أم المزني بها لا يكون مظاهرا لان العلماء مختلفون في حرمتها عليه ولو قضى القاضى بحل المناكحة بينهما نفذ قضاؤه لان الناس تعارفوا اطلاق اسم النكاح على العقد ولو شبهها بظهر امرأة قد لمس أمها أو ابنتها من شهوة أو نظر إلى فرجها من شهوة لم يكن مظاهرا في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان هذه الحرمة حرمة ضعيفة ليست في معنى حرمة الام حتى ينفذ قضاء القاضى بخلافها وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى يكون مظاهرا لان ثبوت الحرمة بالنظر إلى الفرج منصوص عليه في قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها فيتحقق معنى الظهار إذا شبهها به وان شبهها بظهر امرأة أجنبية أو ذات رحم منه غير محرم فليس بمظاهر لانه شبه محللة بمحللة فان الاخرى تحل له بالملك فلا يكون مظاهرا وكذلك لو شبهها بظهر رجل أجنبي أو قريب فهو ليس بمحرم عليه النظر إليه ومسه فلا يكون مظاهرا (قال) وان ظاهرت المرأة من زوجها فليس ذلك بشئ لان موجبه التحريم وهو مختص بالنكاح كالطلاق وليس إلى المرأة من ذلك شئ وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال عليها الكفارة للظهار لان المعنى في جانب الرجل تشبيه المحللة بالمحرمة وذلك يتحقق في جانبها والحل مشترك بينهما وقال الحسن عليها كفارة اليمين لان هذا بمنزلة التحريم منها زوجها على نفسها وتحريم الحلال يمين فتلزمها الكفارة كما لو حلفت ان لا تمكنه من نفسها ثم مكنته (قال) ولا يكون الرجل مظاهرا من أمته ولا من أم ولده ولا من مدبرته عندنا وقال مالك يصح ظهاره منهن لا ملك اليمين في محل ملك المتعة سبب لملك المتعة كملك النكاح فيتحقق معنى الظهار وهو تشبيه المحللة بالمحرمة ولكنا نستدل بقوله تعالى والذين يظاهرون من
[ 228 ]
سطر 352:
[ 231 ]
حر أو عبد من زوجته وهي حرة أو أمة مسلمة أو صبية أو كتابية فهو مظاهر لقوله تعالى والذين يظاهرون من نسائهم ولان العبد كالحر في كونه أهلا لموجب الظهار وهو الحرمة المؤقتة بالكفارة والامة والصبية والكتابية كالحرة المسلمة في كونها محللة بأبلغ جهاته (قال) وان كان الزوج ذميا فظهاره باطل عندنا سواء كانت المرأة مسلمة أو ذمية وعند الشافعي رحمه الله تعالى ظهار الذمي صحيح لان الذمي من أهل الطلاق وقد بينا أن الحرمة بالظهار في معنى الحرمة بالطلاق فكل من صح طلاقه صح ظهاره وكذلك هو من أهل الكفارة لانه من أهل الاعتاق والاطعام الا أنه ليس من أهل الكفارة بالصوم وبهذا لا يمتنع صحة الظهار كالعبد فانه ليس من أهل التكفير بالمال وكان ظهاره صحيحا وهذا على أصله مستقيم فان معني العقوبة عنده يترجح في الكفارة فيكون بمنزلة الحد وفي الحد معنى الكفارة قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} الحدود كفارات لاهلها ثم يقام على الذمي بطريق العقوبة ولئن لم يكن من أهل الكفارة فهو أهل للحرمة فيعتبر ظهاره في حق الحرمة كما اعتبر أبو حنيفة رحمه الله تعالى إيلاء الذمي في حق الطلاق وان لم يعتبر في حق الكفارة وكلامنا في المجوسى يتضح فانه يعتقد الحل في أمه وأخته فانما شبه امرأته بمن يعتقد الحل فيها بالنكاح فلا يكون مظاهرا كالمسلم إذا شبه امرأته بأجنبية (ولنا) ان الذمي ليس من أهل الكفارة فلا يصح ظهاره كالصبى وبيان الوصف أن المقصود بالكفارة التكفير والتطهير والكافر ليس بأهل له وما فيه من الشرك أعظم من الظهار بخلاف الحدود فالمقصود هناك الخزى والنكال وانما الكفارة في حق من جاء تائبا مستسلما لحكم الشرع كما فعله ماعز رضى الله عنه والدليل عليه ان معنى العبادة يترجح في الكفارة حتى تتأدى بالصوم الذى هو محض عبادة ولا يتأدى الا بنية العبادة ويفتى به ولا يقام عليه كرها والكافر ليس بأهل للعبادة وتأثير هذا الوصف بعد ثبوته ان موجب الظهار الحرمة المؤقتة بالكفارة ولا يمكن اثبات تلك الحرمة هنا لانه ليس بأهل للكفارة فلو صح ظهاره لثبتت به حرمة مطلقة وهذا ليس بموجب الظهار وبه فارق حرمة الطلاق فانه حرمة بزوال الملك أو بانعدام محل الحل والكافر من أهله وبه فارق العبد لانه من أهل الكفارة إلا انه عاجز عن التكفير بالمال لعدم الملك حتى لو عتق وأصاب مالا كانت كفارته بالمال وبه فارق الايلاء لانه طلاق مؤجل على ما نبينه في بابه ان شاء الله تعالى والذمى من أهل الطلاق ولان الحرمة الثابتة باليمين تكون مطلقة لا مؤقتة بالكفارة ولهذا لا يجوز التكفير قبل
[ 232 ]
سطر 361:
[ 234 ]
لانه شبه الثانية بالاولى ولان قصد التشبيه في حكم الظهار وهذا قصد صحيح لما بينا ان تشبيه الشئ بالشئ قد يكون في وجه خاص وكذلك ان قال رجل آخر لامرأته أنت علي مثل امرأة فلان عليه ينوى الظهار كان مظاهرا منها أيضا وان لم ينو الظهار فهو باطل لان الكلام محتمل يجوز أن يكون التشبيه في حكم الحل والملك أو البر والكرامة والمحتمل لا يكون ملزما شيئا بدون النية (قال) وان ظاهر من امرأته ثم قال لامرأة له أخرى قد أشركتك في ظهار فلانة كان مظاهرا أيضا منها كما في الطلاق وهذا لان الاشراك يقتضى التسوية وقد صرح بالظهار فكان ذلك تنصيصا على التسوية بينهما في حكم الظهار وان قال لامرأته أنت علي كظهر أمي ان شاء الله لم يلزمه شئ لان الاستثناء إذا اتصل بالكلام يخرجه من أن يكون عزيمة كما في الطلاق والعتاق قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} من حلف بطلاق أو عتاق واستثنى فلا حنث عليه وان قال ان شاء فلان فالمشيئة إلى فلان في مجلس علمه كما في الطلاق ألا ترى أنه لو علق بمشيئتها ينجز إذا شاءت في مجلس علمها فكذلك إذا علق بمشيئة غيرها (قال) وكفارة الظهار على العبد الصوم ما لم يعتق لانه عاجز عن الاعتاق وعجزه أبين من عجز المعسر فانه ليس بأهل للملك فيكفر بالصوم وليس لمولاه أن يمنعه من الصوم لما تعلق به من حق المرأة وقد بيناه في كتاب الصوم فان عتق قبل أن يكفر وملك مالا فكفارته بالعتق لان التكفير بالصوم كان لضرورة العجز عن التكفير بالمال فإذا زال ذلك لزمه التكفير بالمال كالمتيمم ادا وجد الماء وهذا بناء على أصلنا أن المعتبر في الكفارات حالة الاداء لا حالة الوجوب وفى أحد قولى الشافعي رضى الله عنه المعتبر حالة الوجوب بناء على أصله في اعتبار معني العقوبة فيها كما في الحدود حتى إذا وجب عليه الحد وهو عبد ثم عتق قبل الاقامة يقام عليه حد العبيد لاحد الاحرار بخلاف الكفارة وعندنا المعتبر حالة الاداء إلا أن الصوم بدل عن العتق ومع القدرة على الاصل لا يتأدى الواجب بالبدل وحد العبيد ليس ببدل عن حد الاحرار والمصير إليه ليس للعجز فبدن العبد يحتمل من الضرب فوق ما يحتمله بدن الحر وسنقرر هذا في كتاب الايمان ان شاء الله تعالى (قال) وان أعتق عنه مولاه في رقه أو أطعم عنه بأمره لم يجزه لان الرق مناف للملك فلا يملك المال بتمليك المولى مع قيام المنافى فيه فان المتنافيين لا يجتمعان وبدون ملكه لا يتصور الاعتاق عنه والكفارة الواجبة عليه لا تسقط بملك الغير فلهذا لا يجوز اعتاقه عن كفارته ولا اطعامه المساكين