الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مغامرات حاجي بابا الإصفهاني/32»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
إضافة ترجمة فصل جديد
(لا فرق)

نسخة 21:43، 17 نوفمبر 2019

خطأ لوا في وحدة:Header على السطر 208: attempt to concatenate a nil value.

الفصل الثاني والثلاثون. تعيين حاجي موظفاً، فيصبح جلاداً

اختطفت فرصتي لأحادث الحكيم عن خططي للمستقبل قبل أن يتوجه في صباح اليوم التالي إلى القصر، ‏وطلبت منه أن يطلب لي من رئيس الجلادين مكان النسقجي المتوفي بأسرع وقت، وأكدت عليه ضرورة ‏الإسراع في الأمر لأن الشاه سيرحل من العاصمة إلى معسكره الصيفي في سلطانية في غضون أيام، وسيدعو ‏الطبيب لمرافقته، ومن الواضح أنه لو لم تتأمن لي فرصة عمل فسأبقى عالةً عليه حتى الخريف.‏

وكان الحكيم لا يزال يحسب التكاليف التي تحملها جراء استقبال الشاه وقرر فرض تدابير تقشف في بيته، ‏لذا لم يمانع من التخلص من متطفل جائع فوعدني بمساعدتي دونما تردد، واتفقنا أنه سيزور رئيس الجلادين ‏وأمرني بأن ألحق به في القصر بعد انتهاء السلام الصباحي. ومع أذان الظهر انطلقت إلى القصر ووقفت ‏خارج الحجرة التي خصصت مكتباً لرئيس الجلادين، ونافذتها مقابل الباب الرئيسي. اجتمع في الحجرة عدد ‏من الناس، وكان صاحبها يؤدي الصلاة في زاويتها يبدو منهمكاً في عبادته بالكامل وكأنه لا يسمع الحوار بين ‏أمير الشعراء ونائب رئيس المراسم.‏

وكان الأخير يصف للأول موت النسقجي المسكين ويضفي على روايته قدراً ملموساً من الخيال، حين ‏صاح نسقجي باشي وهو في منتصف صلاته: «هذا كذب! اصبروا قليلاً أخبركم كيف كانت القصة!» ثم تابع ‏صلاته. وبدأ روايته فور انتهائه من الصلاة حتى كاد ينقص منها، وحكاها بمبالغات أكثر بكثير مما أضافه ‏نائب رئيس المراسم وختمها بتأكيد صريح بأن الفرنجي فصد الرجل المسكين حتى مات بعد أن أعاد طبيب ‏فارسي الحياة إليه بهز البدن.‏‎1

وخلال حكاية رئيس الجلادين دخل الميرزا أحمق إلى الحجرة، ولم يعترض بتاتاً على ما حكاه عن ‏الطبيبين الفارسي والفرنجي بل أكد عليه بإضافة تفاصيل جديدة تدعم الرواية بقوة، وبعد أن انتهى من كلامه ‏أشار إلي قائلاً: «هذا هو من كاد ينقذ حياة النسقجي لو لم يُمنَع من ذلك!»، فالتفتت جميع الوجوه نحوي ‏واستدعوني لأروي الوقائع كاملةً كما جرت، فرويتها وأنا أحاول أن تتطابق حكايتي ما أمكن مع ما قاله من ‏رواها قبلي، ونسبت كل الفضل في علمي إلى معلمي حكيم باشي طبيب الشاه. سرّ الميرزا أحمق بمديحي ولم ‏يقصر في مساعدتي فقدمني إلى نسقجي باشي وأوصاه بي قائلاً أنني الرجل المؤهل بملء الشاغر المتشكل ‏بسبب موت النسقجي المرحوم وأنني أتطلع إلى هذا المنصب.‏

فصاح رئيس الجلادين: «كيف ذلك؟ طبيب يريد أن يصبح جلاداً؟ أيعقل هذا؟»‏

فأجاب الشاعر وهو ينظر إلى الطبيب من طرف عينه: «لا ضير في ذلك، فعملهما واحد. صحيح أن ‏أحدهما يؤدي عمله بثقة أكبر من الآخر، ولكن ما الفرق بين أن يموت الإنسان تدريجياً بالعقاقير أو يموت ‏فوراً بضربة سيف؟»‏

فردّ الميرزا أحمق عليه: «إن كان كذلك، فإن مهنة الشعراء مثل مهنتنا، فهم يدمرون سمعة الرجال ‏بهجائهم؛ وسيوافقني الجميع في أن هذا القتل شر مما يفعله الطبيب (كما تفضلت) أو النسقجي.»‏

فهتف رئيس الجلادين: «كلامكما بديع، فالقتل وارد بأي طريقة تحبها، بشرط أن تتركوا لي سبيل الجنود. ‏أريد القتال وأن أطعن بالرمح وأقطع بالسيف ولا أريد شيئاً سوى هذا. أحب أن أشم رائحة البارود وسأتخلى ‏عن عطر الورد لك يا سيدي الشاعر. أعطني دوي المدافع ولن أحسدك أبداً على تغريد البلابل. كل واحد عنده ‏أشياء يحبها، وهذا ما أحبه أنا.»‏

فقال رئيس المراسم مخاطباً الجمع كله: «صحيح، والجميع يشهد لك بمناقبك الجمة، وجلالة الشاه نفسه ‏‏(الذي تعلم فن القتل أفضل من أي واحد من الحاضرين) عبر عن سروره مراراً لأن من يخدمونه خيرٌ ممن ‏خدموا أياً من ملوك الفرس السابقين، ولهذا ينوي إرسال جيوشه إلى قلب جورجيا.» وأضاف مخاطباً رئيس ‏الجلادين: «وأنا واثق أن الروس، متى سمعوا أنك آتٍ لقتالهم، سيبدؤون بتصفية حساباتهم في الدنيا تحضيراً ‏للآخرة.»‏

فقال الجلاد وهو يهز كتفيه – وربما يرتعد خوفاً: «من هم الروس؟ إنهم غبار، إنهم لا شيء، واستيلاؤهم ‏على جورجيا بالنسبة لفارس ليست أكثر من برغوثة دخلت قميصي، فقد تزعجني بين حين وآخر، ولكنني لو ‏صممت أمسكتها وسحقتها في غضون لحظات. الروس عدم.» ثم التفت إلي وكأنه يريد تغيير موضوع ‏الحديث وقال: «طيب، أقبلك في الخدمة شرط أن تحب رائحة البارود كما أحبها أنا. النسقجي يجب أن تكون ‏له قوة رستم وقلب أسد وهمّة نمر.» ثم فحصني بنظرته من رأسي إلى قدمي وبدا راضياً عن مظهري فأمرني ‏بالتوجه إلى نائبه ليزودني بمعدات منصبي ويحيطني علماً بواجباتي.‏

وجدت النائب في معمعة التحضير لسفر الشاه يعطي الأوامر ويستلم تقارير مرؤوسيه. وحالما أخبرته ‏أنني تعينت مكان المأمور المرحوم سلمني حصانه مع عتاده وأوصاني أن أعتني به وأحافظ عليه ونبهني إلى ‏أنني لا يمكن أن أستلم بدلاً عنه إلا إذا أحضرت ذيله والوسم الملكي المكوي على جنبه. راتبي ثلاثون توماناً ‏في السنة فضلاً عن إطعامي وتأمين العلف لحصاني، وعليّ تأمين الملبس والسلاح عدا فأس صغيرة ترمز ‏إلى منصبي أستلمها من الدولة.‏

وقبل أن أمضي في روايتي وجب علي أن أعرِّف القارئ على شخصية سيدي الجديد نمارد خان ‏وطباعه. كان رجلاً طويلاً عريض المنكبين عمره نحو خمس وأربعين سنة ولا يزال مفعماً بالشباب. كانت ‏تقاسيم وجهه حادة وعميقة وله حاجبان كثيفان ولحية سوداء وشاربان سوداوان مثلها. كانت عضلات ساعديه ‏الضخمين مفتولة ويغطيهما شعر غزير. وكان خشن المظهر ما يفيده في حفظ النظام لأن نظرته كانت تلقي ‏الرعب في قلوب الأشرار. وكان أشهر عربيد وشهواني في طهران يشرب الخمر بلا أدنى خجل ويشتم ‏الملاوات بلا رادع، وهم من جانبهم توعّدوه بمكان في قعر جهنم لتجاهله لتعاليم الدين الحق. كان بيته مقراً ‏للسهرات يصخب بأصوات الغناء ودق الطبول والدفوف من المساء وحتى الصباح. كان عنده راقصون ‏وراقصات، وكان راعياً لكل مهرج وبهلوان مهما كانت مزحاته شنيعة وخليعة. ومع كل هذا لم يكن يتساهل ‏ويتراخى فيما يتعلق بواجباته، ولا يندر أن يُسمَع مع ضجيج السهرة صراخ مشؤومٍ يتلوى من عذاب الفلقة ‏على قدميه. وكان فارساً ماهراً، بارعاً في تمارين الرمح، ومع أن مظهره كله يوحي بأنه جندي شجاع ومقاتل ‏باسل مقدام، كان جباناً رعديداً لدرجة تفوق أي تصور، وكان يخفي هذا العيب في طبيعته بالتباهي والكلام، ‏ونجح بإقناع من لا يعرفونه على حقيقته بأن مكانته بين الفرس المعاصرين مثل مكانة سام ‏وأفراسياب‎2‎‏ بين ‏الفرس القدماء.‏

أما نائبه فكان قاسي الوجه وكان ضابطاً ذكياً ونشيطاً يعرف طبيعة رئيسه فيجامله قائلاً أن لا أحد في ‏بلاد فارس – عداه وعدا الشاه – جدير بأن يسمى رجلاً. اكتشفت أن الجشع كان أهم طباعه، إذ عندما رأى ‏أنني تعينت في منصبي دون أن أقدم له هدية نصب في طريقي كل أشكال العقبات، ولكن بفضل براعتي ‏الفطرية في استعمال لساني أقنعته بأنه نخبة النواب وأفضل مرشح لمنصب نسقجي باشي في المستقبل وبددت ‏ضغينته بل أنه مدحني قائلاً أنني، بإذن الله تعالى، سأصبح زينة الجلادين مع الوقت.‏

بقيت ساكناً في بيت الطبيب حتى موعد رحلة الشاه. وأعطاني منصب النسقجي نفوذاً في السوق ‏فاستطعت تأمين كل ما أحتاجه بالدين. وخلال إقامتي في دار الطبيب جمعت ما أحتاجه من أغراض حصلت ‏عليها إما هديةً من المرضى أو باللجوء إلى شتى الحيل. مثلاً، كنت بحاجة إلى فراش ولحاف ووسادة. ‏وصدف أن مات رجل فقير كان الحكيم يقوم على تطبيبه، فأكدت لأقربائه، الذين عرفت عنهم أنهم يغالون في ‏الدين، أن موته لم يكن بسبب خطأ منا نظراً لجودة التطبيب، إنما لأن فراشه منحوس، فأولاً اللحاف كان من ‏حرير، وثانياً رأس الفراش لم يكن يستقبل القبلة بخلاف الأعراف، وكانت هذه الحجج كافية لتتخلى أسرة ‏الفقيد عن الفراش، فصار لي.‏

كما كنت بحاجة إلى مرآة. وحدث أن أحد المرضى كان مصاباً بيرقان فنظر إلى وجهه في المرأة فأرعبه ‏لون وجهه. فأقنعته أن لون وجهه يعود إلى لون المرآة، أما وجهه في الواقع نضر كالوردة، فرمى مرآته ‏فأخذتها إلى بيتي.‏

وكان يلزمني حقيبتا سفر، وأتمنى لو أحصل على حقيبتين للطبيب مرميتين بلا استعمال في غرفة ‏مهجورة من بيته، وكثيراً ما فكرت في السبيل إلى الاستيلاء عليهما، ولو كان عندي نصف ما عند الدرويش ‏صفر من قدرة على الابتداع لوضعت أغراضي فيها من زمان. ثم خطرت على بالي فكرة: أنجبت كلبة شاردة، ‏وما أكثرها في طهران، تحت قوس متهدمة قرب البيت، فنجحت في نقلها هي وجرائها سراً فوضعتها في ‏إحدى الحقيبتين وملأت الأخرى بعظام قديمة. وعندما هموا بنقلها تحضيراً لسفر الطبيب (فهو يرافق الشاه في ‏أسفاره دائماً) بدأت الكلبة وجراؤها بالنباح فارتبك الخادم الذي أزعج الحيوانات وركض إلى سيده ليعلمه ‏بالخبر، فتوجه الحكيم مع كل خدمه، بما فيهم أنا، ليرى كل شيء بأم عينه ويتأكد من الرواية. وصعق الجميع ‏بغرابة هذا الحدث واعتبروه فألاً سيئاً لا يبشر بخير للحكيم وبيته، فقال أحدهم: «هذا بسبب زواج الحكيم من ‏الخانم، فهي ستملأ بيته بأولاد الحرام»، وقال آخر: «الجراء بعدُها عمياء، أجارنا الله من أن نصبح مثلها!» ‏وقال الطبيب أن الحقيبتين أصبحتا نجستين وأمر بترحيلهما مع الكلبة والجراء والعظام فوراً، فاستحوذت ‏عليهما، فأصبحت شخصاً ذا شأن لأن حيازة الحقائب توحي بأن المرء لديه أغراض يضعها فيها. ونجحت شيئاً ‏فشيئاً بتجميع كمية لا بأس بها من الأغرض تستحق أن أسميها أمتعتي وأن أحوز شرف التجادل والتساوم مع ‏بغّالي الشاه خلال التحضيرات للسفر حول ضرورة تخصيص بغل لحمل متاعي.‏


الهوامش

  1. ‎إن وصف هذا الشخص قد يعيد إلى ذهن من كانوا في بلاد فارس في ‏السنتين 1813 و1814 صاحب منصب نسقجي باشي في تلك الحقبة.‏‎
  2. ‎من أهم أبطال الشاهنامه، الكتاب الذي يعتقد الفرس أنه يروي تاريخهم القديم.‏‎