الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مغامرات حاجي بابا الإصفهاني/34»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
إضافة ترجمة فصل جديد
(لا فرق)

نسخة 11:19، 7 مارس 2020

خطأ لوا في وحدة:Header على السطر 208: attempt to concatenate a nil value.

الفصل الرابع والثلاثون. حاجي بابا بصفته الرسمية يجسد الاستبداد ‏الفارسي

مضى الشاه ببطء نحو سليمانية، وأخيراً، وبعد مسير أربعة عشر يوماً، نزل في القصر ‏الصيفي في ساعة السعد التي حددها المنجمون لوصوله إليه، والذي بني مؤخراً لإقامته. كان ‏القصر واقعاً في رأس تل على مقربة من آثار المدينة القديمة، يطل على السهل الذي كانت تغطيه ‏الآن خيم المعسكر البيضاء. كان المشهد رائعاً، وشعرت بأهمية منصب النسقجي تملأ صدري ‏حين قارنت وضعي الحالي مع حالتي البائسة التعيسة في خيم التركمان، وقلت لنفسي: «لقد ‏أصبحت شخصية الآن، فقد كنت في السابق من المضروبين فأصبحت من الضاربين، وهذا مثال ‏على اسم الفاعل واسم المفعول، ما حاول معلمي العجوز، الملا من إصفهان، أن يفهمني إياه وهو ‏يحاول تعليمي بعضاً من اللغة العربية: فقد صرت اسم الفاعل، وباقي الشعب اسم المفعول أمامي، ‏وبإذن الله سيعرف الناس قريباً حسن معاملتي لهم.»‏

وبينما أنا منهمك في هذه الأفكار، اقترب مني شير علي وقال: «حظنا سعيد: سترافقني في ‏مهمة، وإن شاء الله ننفذها على أكمل وجه. اعلم أن المؤن لمعسكر الشاه تقدمها في معظمها القرى ‏المجاورة، وتبين أن قرية كج سوار الواقعة بين سليمانية وحمدان لم ترسل حصتها بحجة أن أحد ‏الأمراء مع حاشيته كان فيها في رحلة صيد ومكث فيها عدة أيام فأكلوا كل مؤنها، فأُمِرتُ أن ‏أذهب إلى القرية للتحقيق في الأمر ولإحضار مختارها وأعيانها أمام رئيسنا. وبما أنك صديقي، ‏أخذت إذناً بمرافقتك لي مع أن بعض زملائنا اشتكوا أن المهمة كانت من نصيبهم. فاستعد للرحيل ‏معي بعد صلاة المغرب، إذ أنني أنوي الوصول إلى القرية في صباح الغد.»‏

سررت للغاية لسرعة تكليفي بمهمة عمل، ومع أنني لم أكن أعرف تفاصيل خطة شير علي، ‏خمنت أن هناك ميداناً واسعاً لتطبيق بديهتنا وذكائنا حسب الظروف التي نكتشفها ونستغلها. وقلت ‏لنفسي: «سيكون نجمنا في نحوس لو أن ذلك الأمير لم يترك لنا شيئاً نلتقطه من القرية. قال أحد ‏الشعراء يوماً أن أسوأ بطيخة لها قشرها، وأن الحاكم المستبد، حتى لو أمر بنتف لحية أحد رعاياه ‏يبقي له ذقنه الذي كانت تنمو عليه.» وبهذه الأفكار ذهبت إلى حصاني الذي كان مربوطاً مع خيل ‏النسقجية الآخرين بالقرب من خيامنا وجهزته للسفر، فخطر على بالي وجه شبهه بي، فقلت وأنا ‏أحل الحبال التي تربط رأسه وقوائمه: «الآن تستطيع أن تقفز وتلعب وتتشيطن كما شئت.» ‏وفكرت في قلبي أن هذه هي حال الفارسي متى زال عنه الخوف من سيده.‏

تركنا المعسكر بعد مغيب الشمس يرافقنا ولد يجلس على بغل محمل بأفرشتنا وأغراض ‏خيلنا. منذ أصبحت جندياً أضفت لفظة البيك إلى اسمي. ولكي أضفي مزيداً من الأهمية لنفسي في ‏هذه الرحلة استعرت سلسلة فضية لحصاني وطبنجةً مطعمةً بالفضة من أحد زملائي ووعدته بأن ‏أحضر له هدية في حال توفقنا في غنائمنا.‏

سافرنا طوال الليل وتوقفنا للنوم ساعتين فقط في قرية كانت في طريقنا ووصلنا إلى كج ‏سوار عندما كانت النسوة تخرج الأبقار من اصطبلاتها والرجال يدخنون غلايينهم قبل الذهاب ‏للعمل في الحقول. وحالما رأوا أننا متوجهون نحو القرية حدثت بينهم جلبة كبيرة، فسكتت النسوة ‏وسترن وجوههن ونهض الرجال من مقاعدهم. أتمنى لو رأى القارئ وجه شير علي بيك ووضعة ‏جسده ونحن نقترب من القوم. نفخ نفسه ليبدو وكأنه نسقجي باشي بعينه، وطلب بصوت يوحي ‏بالسلطة مختار القرية أمامه. تقدم نحونا رجل شائب اللحية متواضع الخلقة رث الملبس وقال: ‏‏«السلام عليكم يا آغا! أنا المختار، وأنا في خدمتك. أسعد الله خطاك وأطال ظلك!» ثم سمى بالله ‏وساعدنا القوم على الترجل عن خيلنا، واحدهم يمسك رأس الحصان وآخر الركاب وثالث يضع ‏يده تحت إبط الفارس فترجلنا ونحن نظهر قيمتنا ونفوذنا وكأننا من رجال البلاط. فرشوا لنا سجادة ‏صغيرة عند باب بيت المختار وأجلسونا عليها يتبعنا كل رجال القرية تقريباً وبقينا جالسين هناك ‏بينما جرى ترتيب غرفة في البيت. نزع المختار أحذيتنا بيده ونفذ كل مراسم الكياسة وحسن ‏الأدب والضيافة المتعارف عليها عند قدوم الضيوف. وكان شير علي يتلقى كل هذا كمن يعتبر ‏نفسه أهلاً لهذه المعاملة، وبعد أن أخذ عدة أنفاس من غليونه قال لمضيفنا: «اعلم يا مختار كج ‏سوار أنني هنا بأمر من الشاه، وأكرر: بأمر من الشاه، وأتيت لأستفهم لماذا لم ترسل هذه القرية ‏حصتها من المؤن لبلاط الشاه في سلطانية وفق الفرمان الصادر منذ شهرين والمبلغ إليك من قبل ‏حاكم حمدان؟ أعطني الجواب وحافظ على بياض وجهك إن استطعت.»‏

فأجاب المختار: «حاضر، على عيني. سأقول لك ما قلته لمن جاؤوا قبلك، ويشهد جميع ‏الحاضرين (وأشار إلى أبناء قريته) بأنه الحق، وأعماني الله إن كنت أكذب! اسمح لي يا نسقجي ‏أن أقول لك أنك، والبركة بالله، رجل، أنت رجل حكيم وذكي وحاد البصر والبصيرة، وأنت مسلم ‏تخاف الله. لن أقول إلا الحق لا أزيد عليه ولا أنقص منه شيئاً، وأحكي لك ما وقع لتحكم عليه ‏بنفسك.»‏

فقال شير علي: «طيب، تابع. أنا خادم الشاه، وما يراه الشاه عليك به.»‏

فأجاب المختار: «أنت سيدي، وأتوسل إليك أن تعطي أذنك لما أحكيه. منذ نحو ثلاثة أشهر، ‏حين بلغ ارتفاع القمح ذراعاً وكانت الغنم تثغو في السهول، جاءنا خادم الأمير خراب قولي ميرزا ‏يعلن أن سيده سيحل على القرية في اليوم التالي ليصيد في الحقول المحيطة بها، فهي تزخر ‏بالغزلان والأيائل والحجل والحبارى وغيرها من ألوان الصيد. وأمر بتجهيز أفضل البيوت ‏لاستقباله وحاشيته وإجلاء ساكنيها وأمر بتحضير المؤن بكل أنواعها. وحالما سمعنا بذلك عم ‏الذعر قلوبنا، وعندما رأينا أن الرسول لا يجدي معه الإقناع ولا الرشاوى لتجنب الكارثة وحمله ‏على الذهاب إلى قرية أخرى، تركنا بيوتنا ولجأنا إلى الجبال ريثما تمضى أيام الشؤم. لو رأيتنا ‏ونحن مجبورون على ترك كل ما نملك في هذه الدنيا لانقلب لبك وتحول كبدك إلى ماء.»‏

فهتف شير علي: «ماذا تقصد؟ تهجرون قرى الشاه خراباً وتريدونني أن أشفق عليكم؟ لو ‏عرف الشاه بذلك لأمر بإعدامكم جميعاً.»‏

فقال العجوز: «أتوسل بالله عليك أن تسمع قصتي حتى نهايتها وأن يلين قلبك لنا. حمّلنا دوابنا ‏في الليل بكل ما يمكن حمله وتوجهنا إلى الجبال حيث مكثنا في وادٍ قرب جدول ماء، ولم يبق في ‏القرية إلا ثلاث عجائز والقطط.»‏

فقال صاحبي: «أتسمع ما يقوله يا حاجي؟ أخذوا معهم كل ما غلا ثمنه ولم يتركوا للأمير إلا ‏الجدران الجرداء والعجائز!» ثم التفت إلى المختار وأمره بالمتابعة.‏

فتابع العجوز: «كنا نرسل عيوننا بين حين وآخر لنعرف ما يجري في بيوتنا، وكان مأوانا ‏بين الأجراف والصخور في الجبال. وصل الأمير ورجاله في ظهر اليوم التالي وعندما رأوا أننا ‏هربنا ثار غضبهم. مشى خدم الشاه من بيت إلى بيت يخلعون أبوابها، ولم يردعهم شيء إلا إحدى ‏العجائز التي استطاعت أن تنهض من مضجعها ونزلت فيهم توبيخاً فلم يجرؤ أحد منهم على ‏مواجهتها. أرسل الأمير إلى بلدة مجاورة لإحضار المؤن ونزل في بيتي. وأينما وجد خدمه ‏حنطة أو شعيراً استولوا عليها، وحرقوا أدوات الفلاحة في المواقد، وبعد أن انتهت حرقوا ‏الأبواب والشبابيك، ثم دعامات بيوتنا وعوارضها. أطلقوا خيولهم في حقول القمح وقطعوا ما بقي ‏منه وحملوه معهم. إننا مفلسون تماماً، لم يبق لدينا نقود ولا ملابس ولا دواب ولا بيوت ولا مؤن، ‏ولا ملجأ لنا إلا الله وأنتم.»‏

وهنا فقز شير علي من مقعده وأمسك القروي من لحيته وقال: «ألا تخجل يا عجوز، مع كل ‏هذا الشيب، من هذا الكذب السافر؟ ألم تقل من لحظة أنكم حملتم إلى الجبال ما غلا ثمنه وتزعم ‏الآن أنكم مفلسون. هذا لا يجوز! لم نسافر إلى قريتكم لتطعمنا أكاذيبك القذرة. إذا ظننت أننا ‏أحضرنا لحانا إلى السوق لتضحك عليها فقد أخطأت التقدير. أنت لا تعرف شير علي بعد: إننا ‏رجال ننام فنغمض عيناً ونترك عيننا الأخرى مفتوحة؛ لا يسرق ثعلب شيئاً إلا وعلمنا بذلك. إن ‏كنت قطاً، فنحن آباء كل القطط. ولكي تخدعنا يجب أن تكون لحيتك أطول بكثير وأن ترى من ‏الدنيا أكثر بكثير.»‏

فقال المختار: «حاشى الله أن أفكر بالكذب عليكم، فمن أنا لأجرؤ على ذلك؟ نحن رعايا الشاه، ‏وكل ما نملكه فهو للشاه. ولكننا سُرِقنا وسُلِخنا من جلودنا. تفضل، اذهب إلى حقولنا وإلى مخازننا ‏وصوامعنا: ليس عندنا قمح لا في البيوت ولا في الحقول.»‏

فردّ شير علي: «طيب، ليس لدينا إلا كلمة واحدة نقولها: أوامر الشاه يجب تنفيذها، سواء كنتم ‏بجلد أو بلا جلد، أكان عندكم قمح أم لم يكن. إما تقدمون حصتكم نقداً أو عيناً أو نأخذك وأعيان ‏القرية معنا إلى سلطانية وهناك نسلمكم للسلطات المعنية.»‏

بعد هذه الكلمات اجتمع المختار مع أعيان القرية في قرنة من الغرفة وشرعوا يتشاورون ‏ويتوشوشون وتركونا جالسين ملفوفين بهيبتنا ندخن الغليون ونظهر اللامبالاة التامة.‏

وعندما خرجوا بنتيجة من اجتماعهم غيروا تكتيك هجومهم، فتوجه مختار القرية إليّ أملاً ‏بأن يليّن قلبي، واقترب شيخ آخر من شير علي بيك. قاربني المختار بكل مظاهر المحبة ‏والصداقة وبدأ، كالمتعاد، بالتملق. حسب كلامه، كنت خير مخلوقات الله وحلف أنني أثرت مشاعر ‏المحبة في قلبه وفي قلوب سائر سكان القرية، وأنني الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يخلصهم ‏من مصاعبهم. وطوال حديثه لم أحرك ساكناً وبقيت أعبث بالغليون، ولكن عندما انتقل إلى ‏التفاصيل وتحدث عما يمكن أن نحصل عليه أثار اهتمامي أكثر. قال لي أنهم تشاوروا حول ما ‏يجب فعله وتوافقوا على أمر واحد، وهو أنه من المستحيل أن يرسلوا للشاه ما لا يملكونه وما ‏ليس بين يديهم، فهذا أمر لا نقاش فيه؛ ولكن لو استطاعوا أن يعرضوا علينا شيئاً على أن نحمي ‏مصالحهم فهم مستعدون لبذله.‏

فقلت: «كلامك جميل، ولكني لست الشخص الوحيد الذي يتوقف الأمر عليه. نحن هنا اثنان، ‏ولكن لا تنس أن علينا أن نرضي رئيسنا أيضاً، وإن لم تبدأ به سيضيع جهدك هباء. وأقول لك ‏أنك لو أردت تسمين يده فعليك أن تزن سمنك بالماعون‎1‎‏ لا بالمثقال.»‏

فقال المختار: «سنبذل كل ما لدينا، ولكن جباية الضرائب الأخيرة سلبتنا من كل شيء عدا ‏نسائنا وأولادنا.»‏

فقلت: «أخبرك يا صديقي، إذا لم يكن عندك نقود فأي تقدمة أخرى لا تنفع. بالنقود في يدك ‏تشتري تاج الشاه من على رأسه، أما بدونها فلا يمكن أن أعدك إلا بفلقة لا مثيل لها.»‏

فتنهد المختار: «آخ، النقود، النقود! من أين نحصل عليها؟ إذا صدف أن حصلت إحدى ‏نسائنا على قطعة منها حفرت فيها ثقباً وأضافتها إلى عقدها. أما نحن، فإذا جمعنا بعد حياة كد ‏وتعب خمسين توماناً نطمرها في الأرض ونقلق عليها أكثر من لو حصلنا على جبل ‏النور.‏‎2‎‏ ثم اقترب ليضع فمه قرب أذني وهمس فيها بحرارة: «أنت مسلم ولست حماراً، ‏وتدرك أننا لن نذهب إلى فم الأسد إذا استطعنا الهروب منه. قل لي (وأشار إلى صاحبي) ما هو ‏المبلغ الذي يرضيه؟ هل أعرض عليه خمسة تومانات وسروالاً قرمزياً؟»‏

فأجبت: «وما أدراني ما يرضيه؟ ما أستطيع أن أقوله عنه أنه لا يوجد في قلبه حبة من ‏العطف. اجعل الخمسة تومانات عشرة واجعل السروال معطفاً، وسأحاول إقناعه بقبولها.»‏

فقال العجوز: «هذا أكثر مما نتحمل، فكل قريتنا لا تسوى هذا المبلغ. دعه يرضى بخمسة ‏تومانات والسروال، ولن نتركك إلا راضياً ونقدم لك هدية تذهلك.»‏

انتهت محادثاتنا عند هذه النقطة، وكنت أتوق لأعرف ماذا عرضوا على شريكي، وهو الآخر ‏كان ينتظر بفارغ الصبر ليسمع نتيجة تهامسنا مع المختار. فتبين لنا أنا كلا الشيخين حاولا أن ‏يعرفا من الواحد منا ثمن الآخر. أكدت لشير علي أنني وصفته لهم بأنه أكبر بوتقة في بلاد فارس ‏وقلت أنه يستطيع أن يهضم من الذهب أكثر مما تهضمه النعامة من حديد، ولا يكترث بالآحاد بل ‏يأبى أن يأخذ إلا بالعشرات.‏

فأجاب شير علي: «عافاك الله! أما أنا فقلت لمن ساومني أنك، ورغم مظهرك الهادئ وصمتك ‏وهدوئك لا تتورع عن اقتراف أية فظيعة لو لم يدفعوا لك مبلغاً سخياً.»‏

وأخيراً، وبعد مضي وقت، جاء القوم ثانيةً يرأسهم المختار يحملون ضيافة من التفاح ‏والأجاص وجرة عسل وجبناً، وطلب المختار من زميلي قبول هذه التقدمة بعبارات متعارف عليها ‏في مثل هذه المناسبات. وبعد أن وضعت هذه الأغراض أمامنا عرض المختار بصوت خافت ‏خمسة تومانات وسروالاً وتحدث عن شقائهم وفقرهم وبؤسهم بعبارات من شأنها أن يلين لها صدر ‏أي إنسان عدا شير علي.‏

اتفقنا في الحال على رفض التقدمة وأمرنا بأن ترفع من أمامنا. أثار كلامنا رعباً في قلوب ‏هؤلاء المساكين فانصرفوا مع صواني الفواكه وغيرها على رؤوسهم بخطوات صغيرة بطيئة.‏

ثم عادوا بعد نحو نصف ساعة، وقد تأكد المختار من أنهم لو عادوا ومعهم عشرة تومانات ‏ومعطف فإننا سنقبل تقدمتهم. وبعد أن أكلنا ووضع شير علي العشرة تومانات في جيبه ولف ‏معطفه بدأت أنتظر ما هي هديتي التي من شأنها أن تذهلني، ولكنهم لم يقدموا لي شيئاً رغم أنني ‏غمزت المختار مراراً ورد المختار على إيماءاتي بمثلها.‏

وأخيراً فرغ صبري فقلت له: «أين هي؟ وما هي؟ وكم هي؟»‏

فأجاب: «سنحضرها حالاً، أرجو منك قليلاً من الصبر، فلم تجهز بعد.»‏

وفي النهاية أحضروا في موكب مهيب السروال الذي رفضه شير علي على صينية وقدموه ‏لي لأقبله مرفقاً بسيل من الكلمات الطيبة.‏

فصرخت: «ما هذا؟ هل تعرفون يا قليلي الحياء أنني جلاد، وأستطيع أن أحرق آباءكم ‏وأطعمكم من البؤس والشقاء أكثر مما ذقتم في حياتكم؟ كيف تقدمون لي هذا السروال الخسيس؟ ‏أتجرؤون أن تقدموه لي بعد أن لبسه أسلافكم الحقراء أباً عن جد؟ أتعتقدون أنكم تمنّون عليّ به؟ ‏إنكم حمقى إذ تظنون أنني سأذود عن مصالحكم وأناصر قضيتكم مقابل هذه الخرقة القذرة البالية! ‏خذوه من وجهي وإلا أريتكم ما يمكن أن يفعله النسقجي!»‏

هموا بتنفيذ أمري فوراً فأوقفهم شير علي قائلاً: «دعوني أنظر إلى السروال.» وفحصه ‏بوضعه بين عينيه والشمس وكأنه تاجر ملابس مستعملة وأضاف: «إنه ليس سيئاً، فلا عيب فيه. ‏أقبله شاكراً، بارك الله بكم!»‏

بدا الذهول على وجوه الجميع، ولم يجرؤ أحد على الاعتراض، وهكذا خسرت حتى هذا ‏البقشيش الهزيل الذي كان يمكن أن أحصل عليه بعد أن توقعت أن أجني منافع عظيمة، واكتسبت ‏تجربة ثمينة في التعامل مع أبناء وطني، وعلاوة على ذلك، كيف أثق بمن يسمي نفسه صديقي.‏

هوامش

  1. ‎الماعون سبعة ونصف ليبرة، ‏والمثقال أربع وعشرون حبة.‏‎
  2. ‎أكبر ماسة يملكها الشاه ويلبسها على أحد ذراعيه اسمها «كوه نور»، أي جبل ‏النور.‏‎