الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الأمثال في القرآن الكريم»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
الرجوع عن التعديل 151574 بواسطة 197.37.183.114 (نقاش)
ط ترويسة وأخر
سطر 1:
{{ترويسة
'''|عنوان = الأمثال في القرآن الكريم'''
تأليف الإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر [[ابن القيم]]
|مؤلف = ابن القيم
 
|باب =
 
|سابق =
 
|تالي =
== (المنافقون في كتاب الله) ==
|ملاحظات =
|ويكيبيديا =
}}
 
== (المنافقون في كتاب الله) ==
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير البرية محمد وآله وصحبه أجمعين
 
قال شيخنا رحمه الله
 
وقع في القرآن أمثال وان أمثال القرآن لا يعقلها إلا العالمون وأنها تشبيه شيء بشيء في حكمه وتقريب المعقول من المحسوس أو أحد المحسوسين من الأخر واعتبار أحدهما بالآخر كقوله تعالى في حق المنافقين ومثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضآءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يصبرونيبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم إلى قوله إن الله على كل شيء قدير فضرب للمنافقين بحسب حالهم مثلين مثلا ناريا ومثلا مائيا لما في الماء والنار من الإضاءة والإشراق والحياة فإن النار مادة النور والماء مادة الحياة وقد جعل الله سبحانه الوحي الذي أنزل من السماء متضمنا لحياة القلوب واستنارتها ولهذا سماه روحا ونورا وجعل قابليه أحياء في النور ومن لم يرفع به رأسا أمواتا في الظلمات وأخبر عن حال المنافقين بالنسبة إلى حظهم من الوحي أنهم بمنزلة من استوقد نارا لتضيء له وينتفع بها وهذا لأنهم دخلوا في الإسلام فاستضاءوا به وانتفعوا به وخالطوا المسلمين ولكن لما لم يكن لصحبتهم مادة من قلوبهم من نور الإسلام طغى عنهم وذهب الله بنورهم ولم يقل نارهم فإن النار فيها الإضاءة والإحراق فذهب الله بما فيها من الإضاءة وأبقى عليهم ما فيها من الإحراق وتركهم في ظلمات لا يبصرون فهذا حال من أبصر ثم عمي وعرف ثم أنكر ودخل في الإسلام ثم فارقه بقلبه لا يرجع إليه ولهذا قال فهم لا يرجعون
 
ثم ذكر حالهم بالنسبة إلى المثل المائي فشبههم بأصحاب صيب وهو المطر الذي يصوب أي ينزل من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق فلضعف بصائرهم وعقولهم اشتدت عليهم زواجر القرآن ووعيده وتهديده وأوامره ونواهيه وخطابه الذي يشبه الصواعق فحالهم كحال من أصابه مطر فيه ظلمة ورعد وبرق فلضعفه وخوفه جعل أصبعيه في أذنيه خشية من صاعقة تصيبه وقد شاهدنا نحن وغيرنا كثيرا من مخانيث تلاميذ الجهمية والمبتدعة إذا سمعوا شيئا من آيات الصفات وأحاديث الصفات المنافية لبدعتهم رأيتهم عنها معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة ويقول مخنثهم سدوا عنا هذا الباب واقرأوا شيئا غير هذا وترى قلوبهم مولية وهم يجمحون لثقل معرفة الرب سبحانه تعالى وأسمائه وصفاته على عقولهم وقلوبهم وكذلك المشركون على اختلاف شركهم إذا جرد لهم التوحيد وتليت عليهم نصوصه المبطلة لشركهم اشمأزت قلوبهم وثقل عليهم لو وجدوا السبيل إلى سد آذانهم لفعلوا وكذلك نجد أعداء أصحاب رسول الله ثقل ذلك عليهم جدا فأنكرته قلوبهم وهذا كله شبه ظاهر ومثل محقق من اخوانهم من المنافقين في المثل الذي ضربه الله لهم بالماء فإنهم لما تشابهت قلوبهم تشابهت أعمالهم
السطر 24 ⟵ 28:
فالجواب أنه سبحانه لم ينف عنهم علمهم بوهن بيت العنكبوت وإنما نفى علمهم بأن اتخاذهم أولياء من دونه كالعنكبوت اتخذت بيتا فلو علموا ذلك لما فعلوه ولكن ظنوا أن اتخاذهم الأولياء من دونه يفيدهم عزا وقوة فكان الأمر بخلاف ما ظنوا
 
== (مثل من عمله كسراب أو في بحر لجي) ==
'''فصل''' ومنها قوله تعالى والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور
'''فصل'''
ومنها قوله تعالى والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور
 
ذكر سبحانه للكافرين مثلين مثلا بالسراب ومثلا بالظلمات المتراكمة وذلك لأن المعرضين عن الهدى والحق نوعان أحدهما من يظن أنه على شيء فيتبين له عند انكشاف الحقائق خلاف ما كان يظنه وهذه حال أهل الجهل وأهل البدع والأهواء الذين يظنون أنهم على هدى وعلم فإذا انكشفت الحقائق تبين لهم أنهم لم يكونوا على شيء وأن عقائدهم وأعمالهم التي ترتبت عليها كانت كسراب يرى في أعين الناظرين ماء ولا حقيقة له وهكذا الأعمال التي لغير الله عز وجل وعلى غير أمره يحسبها العامل نافعة له وليست كذلك وهذه هي الأعمال التي قال الله عز وجل فيها وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هبآء منثورا وتأمل جعل الله سبحانه السراب بالقيعة وهي الأرض الخالية القفر من البناء والشجر والنبات والعالم فمحل السراب أرض قفر لا شيء بها والسراب لا حقيقة له وذلك مطابق لأعمالهم وقلوبهم التي أقفرت من الإيمان والهدى وتأمل ما تحت قوله يحسبه الظمآن مآء والظمآن الذي اشتد عطشه فرأى السراب فظنه ماء فتبعه فلم يجده شيئا بل خانه أحوج ما كان إليه فكذلك هؤلاء لما كانت أعمالهم على غير طاعة الرسل عليهم الصلاة والسلام ولغير الله جعلت كالسراب فرفعت لهم أظمأ ما كانوا إليها فلم يجدوا شيئا ووجدوا الله سبحانه ثم فجازاهم بأعمالهم ووفاهم حسابهم وفي الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي في حديث التجلي يوم القيامة ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها السراب فيقال لليهود وما كنتم تعبدون فيقولون كنا نعبد عزيرا ابن الله فيقال كذبهم لم يكن لله صاحبة ولا ولد فما تريدون قالوا نريد أن تسقينا فيقال اشربوا فيتساقطون في جهنم ثم يقال للنصارى ما كنتم تعبدون فيقولون كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال كذبتم ما كان لله صاحبة ولا ولد فما تريدون فيقولون أن تسقينا فيقال لهم اشربوا فيتساقطون وذكر الحديث وهذه حال كل صاحب باطل فإنه يخونه باطله أحوج ما كان إليه فإن الباطل لا حقيقة له وهو كإسمه باطل فإذا كان الاعتقاد غير مطابق ولا حق كان متعلقه باطلا وكذلك إذا كانت غاية العمل باطلة كالعمل لغير الله عز وجل أو على غير أمره بطل العمل ببطلان غايته وتضرر عامله ببطلانه وبحصول ضد ما كان يؤمله فلم يذهب عليه عمله واعتقاده لا له ولا عليه بل صار معذبا بفوات نفعه وبحصول ضد النفع فلهذا قال تعالى ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب فهذا مثل الضال الذي يحسب أنه على هدى
 
'''فصل''' النوع الثاني أصحاب مثل الظلمات المتراكمة وهم الذين عرفوا الحق والهدى وآثروا عليه ظلمات الباطل والضلال فتراكمت عليه ظلمة الطبع وظلمة النفوس وظلمة الجهل حيث لم يعلموا بعلمهم فصاروا جاهلين وظلمة اتباع الغي والهوى فحالهم كحال من كان في بحر لجي لا ساحل له وقد غشيه موج ومن فوق ذلك الموج موج ومن فوقه سحاب مظلم فهو في ظلمة البحر وظلمة الموج وظلمة السحاب وهذا نظير ما هو فيه من الظلمات التي لم يخرجه الله منها إلى نور الإيمان وهذان المثلان بالسراب الذي ظنه مادة الحياة وهو الماء والظلمات المضادة للنور نظير المثلين اللذين ضربهما للمنافقين والمؤمنين وهما المثل المائي والمثل الناري وجعل حظ المؤمنين منهما الحياة والإشراق وحظ المنافقين منهما الظلمة المضادة للنور والموت المضاد للحياة فكذلك الكفار في هذين المثلين حظهم من الماء السراب الذي يغرر الناظر فيه ولا حقيقة له وحظهم الظلمات المتراكمة وهذا يجوز أن يكون المراد به حال كل طائفة من طوائف الكفار وأنهم عدموا مادة الحياة والإضاءة بإعراضهم عن الوحي فيكون المثلان صفتين لموصوف واحد ويجوز أن يكون المراد به تنويع أحوال الكفار وأن أصحاب المثل الأول هم الذين عملوا على غير علم ولا بصيرة بل على جهل وحسن ظن بالأسلاف فكانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعا وأصحاب المثل الثاني هم الذين استحبوا الضلالة على الهدى وآثروا الباطل على الحق وعموا عنه بعد إذ أبصروه وجحدوه بعد أن عرفوه فهذا حال المغضوب عليهم والأول حال الضالين وحال الطائفتين مخالف لحال المنعم عليهم المذكورين في قوله تعالى الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة إلى قوله ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب فتضمنت الآيات أوصاف الفرق الثلاثة المنعم عليهم وهم أهل النور والضالين وهم أصحاب السراب والمغضوب عليهم وهم أهل الظلمات المتراكمة والله أعلم فالمثل الأول من المثلين لأصحاب العمل الباطل الذي لا ينفع فأولئك أصحاب العمل الباطل وهؤلاء أصحاب العمل الذي لا ينفع والاعتقادات الباطلة وكلاهما مضاد للهدى ودين الحق ولهذا مثل حال الفريق الثاني في تلاطم أمواج الشكوك والشبهات والعلوم الفاسدة في قلوبهم بتلاطم أمواج البحر فيه وأنها أمواج متراكمة من فوقها سحاب مظلم وهكذا أمواج الشكوك والشبه في قلوبهم المظلمة التي قد تراكمت عليها سحب الغي والهوى والباطل فليتدبر اللبيب أحوال الفريقين وليطابق بينهما وبين المثلين يعرف عظمة القرآن وجلاله وأنه تنزيل من حكيم حميد وأخبر سبحانه أن الموجب لذلك أنه لم يجعل لهم نورا بل تركهم على الظلمة التي خلقوا فيها فلم يخرجهم منها إلى النور فإنه سبحانه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور وفي المسند من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال إن الله خلق خلقه في ظلمة وألقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله فالله سبحانه خلق الخلق في ظلمة فمن أراد هدايته جعل له نورا وجوديا يحيى به قلبه وروحه كما يحيى بدنه بالروح التي ينفخها فيه فهي حياتان حياة البدن بالروح وحياة الروح والقلب بالنور ولهذا سمى الله الوحي روحا لتوقف الحياة الحقيقية عليه كما قال تعالى ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده وقال يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده وقال وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا فجعل وحيه روحا ونورا فمن لم يحيه بهذا الروح فهو ميت ومن لم يجعل له نورا منه فهو في الظلمات ماله من نور
'''فصل'''
النوع الثاني أصحاب مثل الظلمات المتراكمة وهم الذين عرفوا الحق والهدى وآثروا عليه ظلمات الباطل والضلال فتراكمت عليه ظلمة الطبع وظلمة النفوس وظلمة الجهل حيث لم يعلموا بعلمهم فصاروا جاهلين وظلمة اتباع الغي والهوى فحالهم كحال من كان في بحر لجي لا ساحل له وقد غشيه موج ومن فوق ذلك الموج موج ومن فوقه سحاب مظلم فهو في ظلمة البحر وظلمة الموج وظلمة السحاب وهذا نظير ما هو فيه من الظلمات التي لم يخرجه الله منها إلى نور الإيمان وهذان المثلان بالسراب الذي ظنه مادة الحياة وهو الماء والظلمات المضادة للنور نظير المثلين اللذين ضربهما للمنافقين والمؤمنين وهما المثل المائي والمثل الناري وجعل حظ المؤمنين منهما الحياة والإشراق وحظ المنافقين منهما الظلمة المضادة للنور والموت المضاد للحياة فكذلك الكفار في هذين المثلين حظهم من الماء السراب الذي يغرر الناظر فيه ولا حقيقة له وحظهم الظلمات المتراكمة وهذا يجوز أن يكون المراد به حال كل طائفة من طوائف الكفار وأنهم عدموا مادة الحياة والإضاءة بإعراضهم عن الوحي فيكون المثلان صفتين لموصوف واحد ويجوز أن يكون المراد به تنويع أحوال الكفار وأن أصحاب المثل الأول هم الذين عملوا على غير علم ولا بصيرة بل على جهل وحسن ظن بالأسلاف فكانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعا وأصحاب المثل الثاني هم الذين استحبوا الضلالة على الهدى وآثروا الباطل على الحق وعموا عنه بعد إذ أبصروه وجحدوه بعد أن عرفوه فهذا حال المغضوب عليهم والأول حال الضالين وحال الطائفتين مخالف لحال المنعم عليهم المذكورين في قوله تعالى الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة إلى قوله ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب فتضمنت الآيات أوصاف الفرق الثلاثة المنعم عليهم وهم أهل النور والضالين وهم أصحاب السراب والمغضوب عليهم وهم أهل الظلمات المتراكمة والله أعلم فالمثل الأول من المثلين لأصحاب العمل الباطل الذي لا ينفع فأولئك أصحاب العمل الباطل وهؤلاء أصحاب العمل الذي لا ينفع والاعتقادات الباطلة وكلاهما مضاد للهدى ودين الحق ولهذا مثل حال الفريق الثاني في تلاطم أمواج الشكوك والشبهات والعلوم الفاسدة في قلوبهم بتلاطم أمواج البحر فيه وأنها أمواج متراكمة من فوقها سحاب مظلم وهكذا أمواج الشكوك والشبه في قلوبهم المظلمة التي قد تراكمت عليها سحب الغي والهوى والباطل فليتدبر اللبيب أحوال الفريقين وليطابق بينهما وبين المثلين يعرف عظمة القرآن وجلاله وأنه تنزيل من حكيم حميد وأخبر سبحانه أن الموجب لذلك أنه لم يجعل لهم نورا بل تركهم على الظلمة التي خلقوا فيها فلم يخرجهم منها إلى النور فإنه سبحانه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور وفي المسند من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال إن الله خلق خلقه في ظلمة وألقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله فالله سبحانه خلق الخلق في ظلمة فمن أراد هدايته جعل له نورا وجوديا يحيى به قلبه وروحه كما يحيى بدنه بالروح التي ينفخها فيه فهي حياتان حياة البدن بالروح وحياة الروح والقلب بالنور ولهذا سمى الله الوحي روحا لتوقف الحياة الحقيقية عليه كما قال تعالى ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده وقال يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده وقال وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا فجعل وحيه روحا ونورا فمن لم يحيه بهذا الروح فهو ميت ومن لم يجعل له نورا منه فهو في الظلمات ماله من نور
 
'''فصل''' ومنها قوله تعالى أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا فشبه أكثر الناس بالأنعام والجامع بين النوعين التساوي في عدم قبول الهدى والانقياد له وجعل الأكثرين أضل سبيلا من الأنعام لأن البهيمة يهديها سائقها فتهتدي وتتبع الطريق فلا تحيد عنها يمينا ولا شمالا والأكثرون يدعونهم الرسل ويهدونهم السبيل فلا يستجيبون ولا يهتدون ولا يفرقون بين ما يضرهم وبين ما ينفعهم والأنعام تفرق بين ما يضرها من النبات والطريق فتجتنبه وما ينفعها فتؤثره والله تعالى لم يخلق للأنعام قلوبا تعقل بها ولا ألسنة تنطق بها وأعطى ذلك لهؤلاء ثم لم ينتفعوا بما جعل لهم من العقول والقلوب والألسنة والأسماع والأبصار فهم أضل من البهائم فإن من لا يهتدي إلى الرشد وإلى الطريق مع الدليل له أضل وأسوأ حالا ممن لا يهتدي حيث لا دليل معه
'''فصل'''
ومنها قوله تعالى أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا فشبه أكثر الناس بالأنعام والجامع بين النوعين التساوي في عدم قبول الهدى والانقياد له وجعل الأكثرين أضل سبيلا من الأنعام لأن البهيمة يهديها سائقها فتهتدي وتتبع الطريق فلا تحيد عنها يمينا ولا شمالا والأكثرون يدعونهم الرسل ويهدونهم السبيل فلا يستجيبون ولا يهتدون ولا يفرقون بين ما يضرهم وبين ما ينفعهم والأنعام تفرق بين ما يضرها من النبات والطريق فتجتنبه وما ينفعها فتؤثره والله تعالى لم يخلق للأنعام قلوبا تعقل بها ولا ألسنة تنطق بها وأعطى ذلك لهؤلاء ثم لم ينتفعوا بما جعل لهم من العقول والقلوب والألسنة والأسماع والأبصار فهم أضل من البهائم فإن من لا يهتدي إلى الرشد وإلى الطريق مع الدليل له أضل وأسوأ حالا ممن لا يهتدي حيث لا دليل معه
 
'''فصل''' ومنها قوله تعالى ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون وهذا دليل قياسي احتج الله سبحانه به على المشركين حيث جعلوا له من عبيده وملكه شركاء فأقام عليهم حجة يعرفون صحتها من نفوسهم ولا يحتاجون فيها إلى غيرهم ومن أبلغ الحجاج أن يأخذ الإنسان من نفسه ويحتج عليه بما هو في نفسه مقرر عندهم معلوم لها فقال هل لكم من ما ملكت أيمانكم من عبيدكم وإمائكم شركاء في المال والأهل أي هل يشارككم عبيدكم في أموالكم و أهليكم فأنتم وهم في ذلك سواء تخافون أن يقاسموكم أموالكم ويشاطروكم إياها ويستأثرون ببعضها عليكم كما يخاف الشريك شريكه وقال ابن عباس تخافون أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا والمعنى هل يرضى أحد منكم أن يكون عبده شريكه في ماله وأهله حتى يساويه في التصرف في ذلك فهو يخاف أن ينفرد في ماله بأمر يتصرف فيه كما يخاف غيره من الشركاء والأحرار فإذا لم ترضوا ذلك لأنفسكم فلم عدلتم بي من خلقي من هو مملوك لي فإن كان هذا الحكم باطلا في فطركم وعقولكم مع أنه جائز عليكم ممكن في حقكم إذ ليس عبيدكم ملكا لكم حقيقة وإنما هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم وأنتم وهم عبادي فكيف تستجيزون مثل هذا الحكم في حقي مع أن من جعلتموهم لي شركاء عبيدي وملكي وخلقي فهكذا يكون تفصيل الآيات لأولي العقول
'''فصل'''
ومنها قوله تعالى ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون وهذا دليل قياسي احتج الله سبحانه به على المشركين حيث جعلوا له من عبيده وملكه شركاء فأقام عليهم حجة يعرفون صحتها من نفوسهم ولا يحتاجون فيها إلى غيرهم ومن أبلغ الحجاج أن يأخذ الإنسان من نفسه ويحتج عليه بما هو في نفسه مقرر عندهم معلوم لها فقال هل لكم من ما ملكت أيمانكم من عبيدكم وإمائكم شركاء في المال والأهل أي هل يشارككم عبيدكم في أموالكم و أهليكم فأنتم وهم في ذلك سواء تخافون أن يقاسموكم أموالكم ويشاطروكم إياها ويستأثرون ببعضها عليكم كما يخاف الشريك شريكه وقال ابن عباس تخافون أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا والمعنى هل يرضى أحد منكم أن يكون عبده شريكه في ماله وأهله حتى يساويه في التصرف في ذلك فهو يخاف أن ينفرد في ماله بأمر يتصرف فيه كما يخاف غيره من الشركاء والأحرار فإذا لم ترضوا ذلك لأنفسكم فلم عدلتم بي من خلقي من هو مملوك لي فإن كان هذا الحكم باطلا في فطركم وعقولكم مع أنه جائز عليكم ممكن في حقكم إذ ليس عبيدكم ملكا لكم حقيقة وإنما هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم وأنتم وهم عبادي فكيف تستجيزون مثل هذا الحكم في حقي مع أن من جعلتموهم لي شركاء عبيدي وملكي وخلقي فهكذا يكون تفصيل الآيات لأولي العقول
 
'''فصل''' ومنها قوله تعالى ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم
سطر 55:
'''فصل''' وفي الآية قول ثان مثل الآية الأولى سواء أنه مثل ضربه الله للمؤمن والكافر وقد تقدم ما في معنى هذا القول والله الموفق
 
== (مثل من أعرض عن كلام الله) ==
'''فصل''' ومنها قوله تعالى في تشبيه من أعرض عن كلامه وتدبره فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة شبههم في إعراضهم ونفورهم عن القرآن بحمر رأت الأسد والرماة ففرت منه وهذا من بديع التمثيل فإن القوم من جهلهم بما بعث الله سبحانه رسوله كالحمر فهي لا تعقل شيئا فإذا سمعت صوت الأسد أو الرامي نفرت منه أشد النفور وهذا غاية الذم لهؤلاء فإنهم نفروا عن الهدى الذي فيه سعادتهم وحياتهم كنفور الحمر عما يهلكها ويعقرها وتحت المستنفرة معنى أبلغ من النافرة فإنها لشدة نفورها قد استنفر بعضها بعضا وحضه على النفور فإن في الاستفعال من الطلب قدرا زائدا على الفعل المجرد فكأنها تواصت بالنفور وتواطأت عليه ومن قرأها بفتح الفاء فالمعنى أن القسورة استنفرها وحملها على النفور ببأسه وشدته
 
سطر 78:
وقال الربيع بن أنس أصلها ثابت وفرعها في السماء قال ذلك المؤمن ضرب مثله في الإخلاص لله وحده وعبادته وحده لا شريك له قال أصلها ثابت قال أصل عمله ثابت في الأرض وفرعها في السماء قال ذكره في السماء ولا اختلاف بين القولين فالمقصود بالمثل المؤمن والنخلة مشبهة به وهو مشبه بها وإذا كانت النخلة شجرة طيبة فالمؤمن المشبه بها أولى أن يكون كذلك ومن قال من السلف إنها شجرة في الجنة فالنخلة من أشرف أشجار الجنة
 
== (تجديد الإيمان) ==
 
== (تجديد الإيمان) ==
وفي هذا المثل من الأسرار والعلوم والمعارف ما يليق ويقتضيه علم الذي تكلم به سبحانه وحكمته فمن ذلك أن الشجرة لا بد لها من عروق وساق وفروع وورق وثمر فكذلك شجرة الإيمان والإسلام ليطابق المشبه المشبه به فعروقها العلم والمعرفة واليقين وساقها الإخلاص وفروعها الأعمال وثمرتها ما توجبه الأعمال الصالحة من الآثار الحميدة والصفات الممدوحة والأخلاق الزكية والسمت الصالح والهدى والدل المرضى فيستدل على غرس هذه الشجرة في القلب وثبوتها فيه بهذه الأمور فإذا كان العلم صحيحا مطابقا لمعلومه الذي أنزل الله كتابه به والاعتقاد مطابقا لما أخبر به عن نفسه وأخبرت به عنه رسله صلوات الله وسلامه عليهم والإخلاص قائم في القلب والأعمال موافقة للأمر والهدى والدل والسمت مشابه لهذه الأصول مناسب لها علم أن شجرة الإيمان في القلب أصلها ثابت وفرعها في السماء وإذا كان الأمر بالعكس علم أن القائم بالقلب إنما هو الشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار ومنها أن الشجرة لا تبقى حية إلا بمادة تسقيها وتنميها فإذا انقطع عنها السقي أوشك أن تيبس فهكذا شجرة الإسلام في القلب إن لم يتعاهدها صاحبها بسقيها كل وقت بالعمل النافع والعمل الصالح والعود بالتذكر على التفكر والتفكر على التذكر وإلا أوشك أن تيبس وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله إن الإيمان يخلق في القلب كما يخلق الثوب فجددوا إيمانكم الغرس الطيب وبالجملة فالغرس إن لم يتعاهده صاحبه أوشك أن يهلك ومن هنا يعلم شدة حاجة العباد إلى ما أمر الله به من العبادات على تعاقب الأوقات وعظيم رحمته وتمام نعمته وإحسانه إلى عباده بأن وضعها عليهم وجعلها مادة لسقي غراس التوحيد الذي غرسه في قلوبهم