الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مغامرات حاجي بابا الإصفهاني/10»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
ط إضافة ترتيب إلى تصنيف:مغامرات حاجي بابا الإصفهاني" {{SUBPAGENAME}}" (باستخدام المصناف الفوري)
سطر 16:
بعد فترة وجيزة اشتهرت في كامل مشهد بجودة دخاني. وكان بين زبائني درويشٌ، ولكنه كان ذواقةً لدرجة أنني كنت أضطر ألا أعطيه إلا التبغ الصرف. ومع أنني لم أكن أربح منه الكثير، لا سيما أنه لم يكن يحاسبني بانتظام، إلا أن حديثه كان لطيفاً ومسلياً، كما أنه دلّ عليّ العديد من أصدقائه، ولذا سعيت أن أحافظ على صداقته.
 
كان الدرويش صفر رجلاً غريب المظهر: معقوف الأنف أسود العينين، نظرته ثاقبة ولحيته كثيفة، وينسدل شعره الأسود الطويل على كتفيه. كانت قبعته المخروطية مطرزة بآيات من القرآن وبالدعاءات،وبالأدعية، ويحمل على ظهره جلد أيل أحمر صوفه إلى الخارج، وفي يده عصا طويلة مصفحة بالحديد يضعها عادة على كتفه، وفي يده الأخرى قرعة معلقة بثلاث سلاسل يمدها عندما يطلب صدقة من المارة، وفي حزامه مشبك من عقيق معلق به عدد من المسبحات الخشبية الثقيلة. وعندما كان يسير في الشوارع والأسواق تثير تصرفاته وكلماته الموحشة العجيبة الرهبة في الناظرين؛ وقد عرفت فيما بعد أنه كان يقصد تمثيل هذه الشخصية، لأنه عندما كان يدخن من عندي، وإذا صدف أن لا أحد كان موجوداً في الجوار، كان يتحول إلى إنسان لطيف وبسيط وصريح، وبعد قليل صارت صداقتنا حميمة، فعرّفني على مجموعة صغيرة من أصدقائه الدراويش ودعاني إلى اجتماعاتهم. ورغم أن هذا كان يتضارب مع مصلحتي التجارية، لأنهم كانوا يدخنون من تبوغي الفاخرة أكثر من باقي زبائني مجتمعين، إلا أن مجالستهم كانت ممتعة فلم أستطع الامتناع عنها.
 
قال الدرويش صفر لي في إحدى الليالي التي دخن فيها أكثر من المعتاد: «يا حاجي بابا، أنت أكبر من أن تبقى بائع دخان طوال عمرك، فلم لا تصبح درويشاً مثلنا؟ لحى الرجال عندنا مثل التراب، ومع أن حياتنا غير مستقرة، لكنها متنوعة وفيها الكثير من وقت الفراغ. نحن ننظر إلى البشر نظرة صيادين ونكسب رزقنا من نقائصهم وسذاجتهم؛ ومما رأيته فيك أعتقد أنك ستشرِّف مهنتنا، وقد تشتهر مع الزمن مثل الشيخ سعدي نفسه.» استحسن رفيقاه كلامه وألحّوا عليّ أن أنضم إليهم. لم أكن أمانع هذه الفكرة، ولكني اعترفت بجهلي، وقلت: