الفرق بين المراجعتين لصفحة: «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
لا ملخص تعديل
ط استرجاع إلى آخر تعديل من قبل 115.84.245.233
وسوم: استرجاع تحرير من المحمول تعديل ويب محمول تعديل المحمول المتقدم
سطر 10:
{{نثر}}
{{بسملة}}
{{عنوان|'''مقدمة'''}}
وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. العظمة لك والكبرياء لجلالك، اللهم يا قائم الذات، ويا مفيض الخيرات، واجب الوجود وواهب العقول، وفاطر الأرض والسمـٰوات،والسموات، مبدي الحركة والزمان ومبدع الحيّز والمكان، فاعل الأرواح والأشباح، وجاعل النور والظلمات، محرك الأفلاك ومزينها بالثوابت والسيارات، ومقرر الأرض وممهدها لأنواع الحيوان وأصناف المعادن والنبات، دام حمدك وجل ثناؤك وتعالى ذكرك، وتقّدست أسماؤك، لا إله إلا أنت، وسعت رحمتك وكثرت آلاؤك ونعماؤك، أفض علينا أنوار معرفتك وطهّر قلوبنا عن كدورات معصيتك، وأمطر علينا سحائب فضلك ومرحمتك، واضرب علينا سرادقات عفوك ومغفرتك، وأدخلنا فى حفظ عنايتك ومكرمتك، وصل على ذوي الأنفس الطاهرات والمعجزات الباهرات، خصوصاً على سيد المرسلين وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين محمذ بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، الذي اخترته للْنيوة، وآدم بين الماء والطين، وأرسلته رححمة للعالمين، وأيدته بنصرك وبالمؤمنين، وختمت به الأنبياء والمرسلين، وعلى إخوائه من النبيين، والصالحين وآله وصحيه أجمعين.
 
يقول العبد الأصغر زكريا بن محمد بن محمرد القزويني تولاه الله بفضله، وهو من أولاد بعض الغقهاء الذين كانوا موطنين بمدينة قزوين، وينتهي نسبه إلى أنس بن مالك خادم رسول الله {{ص}}: لما حكم الله تعالى ببعد الدار والوطنء ومفارقة الأهل والسكن، أقبلت على مطالعة الكتب على رأي من قال:
{{اقتباس|وخير جليس في الزمان كتابي}}
وكنت مستغرقاً بالنظر في عجائب صنع الله تعالى في مصنوعاته، وغرائب إبداعه في مبدعاته كما أرشد الله سبحانه إليه حيث قال تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾ وليس المراد من النظر تقليب الحدقة ونحوها فإِنْ البهائم تشارك الإنسان فيه، ومن لم ير من السماء إلا زرقتها ومن الأرض إلا غبرتها فهو مشارك للبهائم في ذلك، وأدنى حالاً منه، وأشد غفلة، كما قال تعالى: ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ ﴾ إلى أن قال: ﴿ أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾ والمراد من هذا النظر التفكر في المعقولات والنظر في المحسوسات والبحث عن حكمتها وتصاريفها ليظهر له حقائقها، فإِنّها سبب اللذات الدنيوية والسعادات الأخروية، ولهذا قال {{ص}}: «أرني الأشياء كما هي » وكلما أمعن النظر فيها ازداد من الله تعالى هداية ويقيناً ونوراً وتحقيقاً، ولهذا قال {{ص}}: «تفكروا في خلق الله» والفكر في المعقولات لا يتأنى إلا لمن له خبرة بالعلوم والرياضات، بعد تحسين الأخلاق وتهذيب النفس، فعند ذلك ينفتح له عين البصيرة ويرى في كل شئ من العجب ما يعجز عن إدراك بعضها، فلو ذكر طرفاً منها لغيره لأنكره، ولله در القائل:
{{بداية قصيدة}}
{{بيت|إني سمعت عجيباً كنت أحسبه|طيفا من النوم أو هجراً من السمر}}
سطر 32:
وسميته '''«عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات»''' ولا بد من ذكر مقدمات أربع في شرح هذه الألفاظ، ليتبين منها مقصود الكتاب، والله الموفق للصواب.
 
{{عنوان|'''المقدمة الأولى'''}}
'''في شرح العجب''': قالوا العجب حيرة تعرض للإنسان لقصوره عن معرفة سبب الشئ أو عن معرفة كيفية تأثيرة فيه مثاله أنْ الإنسان إذا رأى خليّة النحل ولم يكن شاهده قبل لكثرته حيره لعدم معرفة فاعله، فلو علم أنه من عمل النحل لتحيّر أيضاً من حيث أنَّ ذالك الحيوان الضعيف كيف أحدرث هذه السدسات المتساوية الأضلاع الذي عجر عن مثلها المهندس الحاذق مع الفرجات والمسطرة، ومن أين لها هذا الشمع الذي اتخذت منه بيوتها المتساوية التى لا تخالف بعضها بعضاً كأنها أفرغت في قالب واحد، ومن أين لها هذا العسل، الذي أودعته فيها ذخيرة للشتاء، وكيف عرفت أن الشتاء يأتيها وأنّها تفقد فيه الغذاءء وكيف اهتدت إلى تغطية خزانة العسل بغشاء رقيق ليكون الشمع محيطأً بالعسل من جميع جوانبه، فلا ينشفه الهواء ولا يصيبه الفأر، ويبقى كالبرنية المنضمة الرأس، فهذا معنى العجب، وكل ما فى العالم بهذه المثابة.
 
إلا أن الإنسان يدركه في زمن صباه عند فقد التجربة ثم تبدو فيه غريزة العقل قليلاً قليلاً وهو مستغرق الهم في قضاء حوائجه وتحصيل شهواته، وقد أنس بمدركاته ومحسوساته، فسقط عن نظره بطول الأنس بهاء فإذا رأى بغتة حيواناً غريباً أو فعلاً خارقاً للعادات انطلق لسانه بالتسبيح ققال: سبحان اللهء وهو يرى طول عمره أشياء تتحيّر فيها عقول العقلاء، وتدهش فيها نفوس الأذكياء، فمن أراد صِحّة أو صدق هذا القول، فلينظر بعين البصيرة إلى هذه الأجسام الرفيعة وسعتها وصلابتها وحفظها من التغيّر والفساد، إلى أن يبلغ الكتاب أجلهء فإن الأرض والهواء والبحار بالإضافة إليها كحلقة ملقاة مي فلاة، قال الله تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾.
سطر 49:
ثم إلى امتلائه وانمحاقه، ثم إلى كسوف الشمس وخسوف القمر، ومن العجائب السواد الذي في جرم القمرء فإنّه لم يسمع فيه قول شاف إلى زماننا هذا. وكذلك أي المجرّة وهي البياض الذي يقال له شرج السماء وهو على ذلك يدور بالنسبة إلينا رحوية.
 
وعجائب السمـٰواتالسموات لا نستطيع إحصاء عشر عشيرها، لكن القدر الذي جرى في جرم القمر ذكرناه تبصرة لكل عبد منيب.
 
ثم لينظر إلى ما بين السماء والأرض من انقضاض الشهب والغيوم والرعود والبروق والصواعق والامطار والثلوج والرياح المختلفة المهاب وليتأمل السحاب الكثيف المظلم كيف اجتمع في جو صاف لا كدورة فيه، وكيف حمل الماء وتسخر الرياح، فإنّها تتلاعب به وتسوقه إلى المواضع التي أرادها الله تعالى فترش وجه الأرض وترسله قطرات متفاضلة لا تدرك قطرةٌ منها قطرة لصيب وجه الأرض برفق، فلو صبّه صبَاً لأفسد الزرع بخدشه وجه الأرض ويرسلها مقداراً كافياً لا كثيراً زائداً على الحاجةء فيعفن النيات ولا قليلا ناقصاً عن الحاجة، فلا يتم به النمو كما قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ ﴾.
سطر 73:
ثم لينظر إلى أصناف الحيوان وانقسامها إلى ما يطير ويقوم ويمشي، وانقسام الماشي إلى ما يمشي على بطنه، وإلى ما يمشي على رجلين، وإلى ما يمشي على أربع، وإلى أشكالها وألوانها وصورها وأخلاقها وأفعالها ليرى عجائب تدهش منها العقول بل في البقة أو النمل أو العدكبوت أو النحل، فإنُها من ضعاف الحيوانات ليري ما يتحير منه من بنائها البيت وحجمعها الغذاء، وادخارها القوت لوقت الشتاء وحلقها في هندستها ونصبها الشبكة للصيد، ولا من حيوان صغير ولا كبير إلا وفيه من العجائب ما لا يحصى، وإنما سقط التعجب هنا للأنس وكثرة المشاهدة.
 
وعجائب السمـٰواتالسموات والأرض كما قال تعالى: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ بحار لا يدرى سواحلها ولا يعرف أوائلها ولا أواخرها، والله الموفق للصواب.
 
{{عنوان|'''المقدمة الثانية'''}}
'''في تقسيم المخلوقات''':. المخلوق كل ما هو غير الله سبحانه وتعالى وهو إما أن يكون قائماً بالذات أو قائماً بالغير، والقائم بالذات إما أن يكون متحيزاً أو لم يكن، فإن كان متحيّزاً فهو الجسم، وإن لم يكن فهو الجوهر الروحاني، وهو إنا أن يكون متعلقاً بالأجسام تعلق التدبير، وهر النفسء أو لا يكون، وهو إمًا أن يكون سليماً عن الشهوة والغضب وهو الملك أو لا يكون وهو الجن. والقائم بالغير، إن كان قائماً بالمتحيّزات فهو الأعراض الجسمانية، وإن كان قائماً بالمفارقات فهو الأعراض الروحانية كالعلم والقدرة، والأعراض الجسمانية إما أن يلزم من صدقها حصول صدق النسبة، أو صدق فبول النسبة أولا هذا ولا ذاك، فإن كان الأول، فالنسبة إِما حصول في المكان وهو الأبن أو في الزمان وهو الشيء أو نسبة متكرّرة وهو الإضافة أو تأثير الشيء في الشيء وهو الفعلء أو تأثر الشيء عن الشيء وهو الانفعال وكون الشىء محيطاً بالشىء يجب أن يتتقل المحيط بانتقال المحاط به وهو الملك أو هيئة حاصلة بمجموع الجسم يسبب حصول النسب بين أجزاء بعضها إلى بعض، وبين أجزائه والأمور الخارجية وهو الوضع. وإن كان يلزم من حصولها صدق قبول النسبة، فهو إما أن يكون بحيث لا يحصل بين أجزائه حدود مشتركة وهو العدد، أو يحصل وهو المقدار، وإن كان لا يلزم من حصولها صدق قبول النسبة، فِإمًا أن يكون مشروطاً بالحياة أو لم يكن فإن كان فإِمًا أن يتوقف على الشهوة والنقرة وهو التحريك أو لا يتوقف، وهو الإدراكء ثم الإدراك إِما إدراك الكليّات وهو العلوم والظنون والجهالات أو إدراك الجزئياتء وهو الحواس الخمس، وإن لم يكن مشروطاَ بالحياة فهو الأعراض المحسوسة بالحواس الخمس، أمّا المحسوسات بالقوة الباصرة فكالأضواء والألوان وأمًا المحسوسات بالقوة الشامة فكالطيب والنتن، وأما المحوسات بالقوة السامعة. فالاأصوات والحروف وأمًا المحسوسات بالقَوّة اللامسة فكالحرارة والبرودة والرطوية واليبوسة والثقل والخفة والصلابة واللين والخشونة والملاسة. فهذه جملة أقسام الممكنات، وسيأتي الكلام في كل قسم منها إن شاء الله تعالى.
 
{{عنوان|'''فصل'''}}
ذكر أهل السير أنه وجد في السفر الأوّل من التوراة أن الله تعالى خلق جوهراً، ثم نظر إليها نظر الهيبة فذاب الجوهر وصعد منه دخان ورسب منه رسوب، فخلق سبحانه من الدخان السمـٰوات،السموات، ومن الرسوب الأرض.
 
ويدل على ذلك قوله تعالى: ﴿ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾. وأحكم جلت قدرته خلق المجموع في سّتة أيام. قال بعض العلماء إن اليوم في اللغة الكون الحادث والأيام ههنا مراتب مصنوعاته لأنَّ قبل الزمان لا يمكن تجدد الزمان من الأيام الستة يوم لمادة الأرض ويوم لصورتها ويوم لمادة السماء ويوم لصورتها ويوم لمكملاتها من الجبال والكواكب والنفوس وغيرها. وقال أيضاً كل ما فوق الأرض فهو سماء في طريق اللغة يقولون: ما علاك فهو سماؤك، وما دون فلك القمر فهو بالنسبة إلى الأفلاك أرض، قال تعالى: ﴿ خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ﴾ يعني سبعاً، فالأوّل كرة النار والثانية كرة الهواء والثالثة كرة الماء والرابعة كرة الأرض وثلاث طبقات ممتزجات بين الأربعة الأولى من النار والهواء والثانية من الهواء والماء والثالثة من الماء والأرض، ثم دبر بعنايته بعد الجماد أمر المعادن الداخلة في الجماد ثم النبات ثم الحيوان، فهذا هو القول الكلي في المخلوقات، وسياتي القول في جرئياتها في مقالتين إن شاء الله تعالى. والله الموفق للصواب.
 
{{عنوان|'''المقدمة الثالثة'''}}
'''في معنىمعلى الغريب''':. الغريب كل أمر عجيب قليل الوقوع مخالف للعادات المعهودة والمشاهدات المألوفةء وذلك إِمّا من تأثير نفوس قوية، وتأثير أمور فلكية
أو أجرام عنصريةء كل ذلك بقدرة الله تعالى وإرادته.
 
فمن ذلك معجزات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين كانشقاق القمرء وانفلاقوالفلاق البحرء وانقلاب العصا ثعباناً، وكون النار برداً وسلاماً، وخروج الناقة من
الصخرة الصمّاء،الصمّاءء وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى. ومنها كرامات الأولياء
الأبرار، فإِن تأثير نفوسهم تتعدّى إلى غير أبدانهم حتى يحدث عنها انفعالات غريبة في العالم فيشفى المريض باستشفائهم وتسقى الأرض باستسقائهم. وربما يحدث الخسف والزلزلة والطوفان والصواعق بدعواتهم، ويصرف الوباء والموتان باستدعائهمء وتبدل لهم نفرة الطيور بالهدو والوقوع وصولة السباع، وشذتها باللين والخضوع.
 
ومنها أخبار الكهنة والكهانة اندرست بمبعث النبي {{ص}} وكانوا يأتون الجاهلية بأمور غريبة زعموا أنْها كانت بواسطة اختلاط نفوسهم بنفوس الجن. ومنها الإصابة بالعين، فإن العائن إذا تعجب من شيء كان تعجبه مهلكاً للمتعجب منه بخاصية لنفسه لا يوقف عليها. ومنها اختصاص بعض النفوس من الفطرة بأمر غريب لا يوجد مثله لغيرها، كما ذكر أنَّ في الهند قوماً إذا اهتموا بشيء اعتزلوا عن الناس وصرفوا همتهم إلى ذلك الشيء، فيقع على وفق اهتمامهم. ومن هذا القبيل ما حكي أن السلطان محموداً غزا بلاد الهندء وكان فيها مدينة كل من قصدها مرض، فسأل عن ذلك، فقالوا: إن عندهم جمعاً من الهند يصرفون هممهم على ذلك، فيقع المرضى على وفق اهتمامهم، فأشار إليه بعض أصحابه بدق الطبول ونفخ البوقات الكثيرة ليشوش همههم ففعلوا ذلك، فزال المرض، واستخلصوا المدينة.
السطر 92 ⟵ 95:
ومن هذا القبيل ما ذكر أن رجلا فيلسوفاً في زمن خوارزم محمد بن شاه جاء من بلاد الهند إلى خراسان فأسلم، وكأن يقال له داناي هند يستخرج طالع كل إنسان أراد حتى جربوه بالطوالع الرصدية. فلم يخط شيئا، وزعم أن ذلك له بواسطة حساب يعرفه، فرفع أمره إلى السلطان، فقال له: هل تقدر على استخراج غير الطوالع؟ قال: نعم، قال: أخبرني عمًا رأيت البارحة في نومي، فرجع إلي نفسه وحسب ثم قال: رأى السلطان أنه في سفينة، وبيده سيف، فقال السلطان: لقد أصاب، لكنًا لا نقنع بهذا القدر لأني على طرف جيحون كثيرآ ما أركب السفينة، والسيف لا يفارقني، فربما قال اتفاقاً، فامتحنه مرّة أخرى فأصاب، فقرّبه من نفسهء وكان يستعين به في أموره.
 
ومن ذلك أمور سماوية كظهور الكواكب ذوات الأذناب، والتماثيل والشانين،
وانقضاض شهب يستضيء الجو منها. ومنها سقوط جسم من الجو ثقيل كما ذكر
الشيخ الرئيس أنه سقط في زمائه بأرض جوزجانان جسم كقطعةكقطحعة حديد قدر خمسين مناً
هنأ مثل حبات الجاورش المنضمة،المنضمة» فأرادوا كسرها،كسرهاء فما كان يعمل فيها الحديد ألبتة.البئة,
 
ومنها سقوط ثلج أو برّد في غير أوانه كما حكي عن بعض شيوخ قزوين أنه أتاهم في زمن الشمس برد عظيم كل واحدة على قدر الجوزة، فأهلك كثيراً من الحيوان والنبات، والمشمش لا يدرك بقزوين إلا في الصيف. ومتها سقوط أحجار من الحديد والنحاس في وسط الصواعق، وذلك يوجد بلاد الترك، وريّما يوجد بأرض جيلان أيضاً. وحكى أبو الحسن علي بن الأثير الجزري فى تاريخه أنه نشأت بإفريقية في سنة إحدى عشرة وأربعماثة سحابة شديدة الرعد والبرق، فأمطرت حجارة كثيرة وأهلكت كل من أصابته. وأغرب من هذا ما حكاه الجاحظ أنه نشأت سحابة
بأيدج وهي مدينة بين أصبهان وجوزستان سحابة طحيا تكاد تمس رؤوس الناس، وسمعوا منها كهدير الفحل، ثم إنها دفعت بأشد مطر ثم استسلموا للغرق، ثم دفعت بالضفادع والشبابيط العظام السمان، والشبوط نوع من السمك، فأكلوا وملحوا وادّخروا كثيرا.
 
ومن ذلك أمور أرضية مثل صيرورة اليبس بحراً كأرض يونان، فإنها كانت بلاداً معمورة والآن استولى الماء عليها، وصيرورة البحر يبساً كأرض ساوة، فإنها كانت بحرأ والان لا يرى فيها أثر البحر.
 
ومنها ما زعموا أنّه يصعد من الأرض بخار لا يصيب شيئاً من الحيوان والنبات إلا جعله حجراً صلداً، وآثار ذلك ظاهرة بانضا من أرض مصرء ومثله شم بأرض قزوين، ومنها وقوع خسف بناحية من الأرض، وخروج ماء أسود منها، وقد شوهد ذلك في كثير من النواحي، منها مدينة عنجرة بأرض الروم، وقرية دركزين من أعمال همدان، ومنها زلزلة تبقى شهراً أو أكثر ببعضي النواحي، وقد شوهد ذلك بأرض نيسابور واألري، وحدثني أبو القاسم الرافعي قدّس الله روحه أنه شاهد في هذه الزلزلة سقفاً قد أنشق حتى رأى الكواكب من جانبه، ثم عاد إلى حاله ولم يظهر عليه أثر الشق.
 
ومنها ظهور معدن بعضض الأصقاع لم يعرف قبل ذلك من الزمان كصهور معدن الذهب عند الإسماعيلية.
 
ومنها ظهور نبت بأرض لا عهد للناس بوجوده عناك كظهور الترنجبين بأرض ساوة. ومنها تولد حيوآن غريب الشكل لم ير مثله، كما روي عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه رأى باليمن إنساناً من وسطه إلى أسفله بدن امرأة، ومن وسطه إلى فوق بدنان مفترقان بأربع أياد ورأسين ووجهينء وهما يأكلان ويشربان ويختصمان ويصطلحان، وذكر أن امرأة بكلوسامان من قرى بلخ ولدت شخصاً له نصف بدن ونصف رأس، ويد واحدة ورجل واحدة على صورة النسناس الذي يوجد في غياض الشجر باليمن، ثم حملت مّرة أخرى فولدت بدن له رأسان، وزعم الحكماء أنهم وجدوا ثلاثة معان من الأمور غريبة، وقد وضعوا لكل معنى اسماً، وأحد هذه المعاني: الآثار النفسانية والانفعالات التابعة للتصورات من غير واسطة أمر طبيعي، فاستعمال تلك التصورات في الخير معجرة من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وكرامة من الأولياء عليهم الرحمة والرضوان واستعمالها في الشر سحر من النفوس الشرية، وثانيها: أمور غريبة تحدث من قوى سماوية وأجسام عنصرية مخصوصة بهيئات وأشكال وأوضاع تسمّى الطلسمات، وثالثها: أمور غريبة تحدث من أجساد أرضية كجذب المغناطيس الحديد، وتسمّى النيرنجات، وهذا هو القول الكلي في الأمور الغريبة: وسيأتي الككلام في جزئياتها إن شاء الله تعالى.
 
{{عنوان|المقدمة الرابعة}}
'''في تقسيم الموجودات''': كل موجود سوى الواحد سبحانه مخلوق وكل ذرّة من جوهر وعرض وصفة وموصوف فيها غرائب وعجائب يظهر فيها حكم الله تعالى وقدرته، وإحصاء ذلك غير ممكن، لكنا نشير إلى ذلك وتقول إجمالا فنقول: الموجودات منقسمة إلى ما لا نعرف أصلها، ولا يمكننا النظر فيها، فكم من موجود لا نعلمه كما قال الله تعالى: ﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ وإلى ما نعرف جملها ولا تعرف تفصيلها، وهي منقسمة إلى ما لا يدرك بالبصر كالعرش والكرسي والملائكة والجن والشياطين وغيرها، فمحال النظر فيها، ولا يمكن أن يقال فيها إلا ما صح بالنصوص والأخبار والآثار. وأمًا المدركات بالبصر كالسمـٰوات والأرض وما بينهما، والسمـٰوات مشاهدة بكواكبها وشمسها وقمرها ودورانها، والأرض مشاهدة بما فيها من جبالها وبحارها وأنهارها ومعادنها ونباتها وحيوانها وما بين السماء والأرض، وهو الجو مدرك بغيومها وأمطارها وثلوجها ورعودها وبروقها وصواعقها وشهبها وعواصف أرياحها، فهذه هي أجناس المشاهدات من السمـٰوات والأرض وما بينهما، وكل جنس منها ينقسم إلى أنواع، وكل نوع ينقسم إلى أصناف، وكل صنف ينقسم إلى أقسام، ولا نهاية لاستيعاب ذلك، وانقسامها في اختلاف صفاتها وهيئاتها ومعانيها الظاهرة والباطنة، وفي جميع ذلك مجال البصر، فلا تتحرك ذرة في السمـٰوات والأرض إلا وفي تحريكها حكمة، أو حكمتان أو عشرة أو ألف، وكل ذلك دليل على وحدانيته وعظمته، كما قال بعضهم:
{{بداية قصيدة}}
{{بيت|وفي كل تحريكة|وتسكينة أبداً شاهد}}
{{بيت|وفي كل شيء له آية|تدل على أنه واحد}}
{{نهاية قصيدة}}
 
{{عنوان|المقالة الأولى في العلويات والنظر فيها في أمور}}
{{عنوان|النظر الأول: فى حقيقة الأفلاك وأشكالها وأوضاعها حركتها بطريق الإجمال}}
ذهب الحكماء إلى أنّ الفلك جسم بسيط كروي مشتمل على الوسط متحرك عليه ليس بخفيف ولا ثقيل ولا بارد ولا حار ولا رطب ولا يابس ولا قابل للخرق ولا للالتئام، ولهم على ذلك أدلة مذكورة في الكتب الحكمية، وكتابنا هذا ليس بصددها. والأفكلاك كراة محيطة بعضها ببعض حتى حصلت من جملتها كرة واحدة يقال لها العالم، وأدناه إلى العناصر فلك القمر، ثم فلك عطارد، ثم فلك الزهرة، ثم ذلك الشمس، ثم فلك المريخ، ثم فلك المشتري، ثم فلك زحل ثم فلك الثوابت، ثم فلك الأفلاك، واعلم أن لكل فلك مكاناً لا ينتقل عنه، لكنه متحرك فيه بأجرامه لا يقف طرفة عين وسرعة حركاتها أسرع من كل شيء شاهده الإنسان حتى صح في الهندسة أنْ الفرس في حالة الركض الشديد من الوقت الذي يرفع يديه إلى أن يضعها
يتحرك الفلك الأعظم ثلاثة آلاف فرسخ. ثم إن الأفلاك منها ما يتحرك من المشرق إلى المغرب كالفلك الأعظم، ومنها ما يتحرك من المغرب إلى المشرق كفلك الثوابت وأفلاك السيارات، ومنها ما بتحرك بالنسبة إلينا دولابية، ومنها ما يتحرك حمائلية، ومنها رحوية، ومنها ما يشتمل على الوسط ولكن ليس مركزه مركز العالم كالأفلاك التسعة، ومنها ما يشتمل على الوسط، لكن مركزه مركز العالم كخارج المراكز، ومنها ما ليس مشتملاً على الوسط كأفلاك التداوير. وسيأتي إن شاء الله تعالى.
 
من الأفلاك ما لم يعرف له إلا كوكب واحد كأفلاك السيارات، ومنها ما لم يعلم عدد كواكبها إلا الله تعالى كفلك الثوابت، ومنها ما ليس له كوكب أصلاً كالفلك الأعظم ويقال له الفلك الأطلس.
 
وجميع الحركات الموجودة في العالم بحسب ما عرف من آراء المتقدمين وأصحاب الأرصاد سيما بطليموس فإِنْ اعتماد القوم على رصده خمسة وأربعون حركة للفلك الأعظم وحركة لفلك الثوابت، وثمان عشرة لأفلاك الكواكب العلوية لكل واحد منها ست حركات، وحركتان لفلك الشمس، وست حركات لفلك الزهرة، وتسع حركات لفلك عطارد، وست حركات لفلك القمر، وحركتان لما دون كلك القمر، وهما حركتا الثقل والخفة، هذا ما بلغ إليه فهم العقلاء، وذهن الأذكياء، والله الموفق.
 
{{عنوان|النظر الثانى فى ذلك القمر}}
وهو يحدّه سطحان كرويان متوازيان مركزهما مركز العالم، السطح الأعلى
منهما لمقعر فلك عطارد، والأدنى لمحدب كرة النار، ويتم دورته في كل ثمانية وعشرين يوماً بحركته التي تختص به من المغرب إلى المشرق، وفلك تدويره يدور في الفلك الحاوي في كل أربعة عشر يوماً مرة، ففي الدورة الأولى يكون القمر بوجهه المملىء إلى مركز الأرض، ثم إن فلكه الكلى ينقسم إلى أربعة أفلاك: ثلاثة منها شاملة للأرض، وواحد صغير غير شامل، أما الشاملة فالأول منها يسمّى فلك الجوزهر، وهو الذي يماس السطح الأعلى منه السطح الأدنى من فلك عطارد، والثاني منها يماس السطح الأعلى منه مقعر فلك الجوزهر، والثالث منها فلك خارج المركز في الفلك المائل من مركزه خارج عن مركز العالم، مائل إلى جنب من الفلك الكلي بحيث يماس مقعر سطحيه السطح الأعلى من الفلك الكلي على نقطة مشتركة بينهما، ويسمّى الأوج، ويماس مقعر سطحيه السطح الأدنى من الفلك الكلي على نقطة مشتركة بينهما، ويسمى الحضيض، فيحصل سطحان مختلفا الثخن، أحدهما حاو للفلك الخارج المركز، والآخر محوي فيه ورقة الحاوي مما يلي الأوج، وغلظه مما يلي الحضيض، ورقة المحوي وغلظه بالعكس، يقال لكل واحد منهما المتمم، وأما الفلك الصغير فهو في ثخن الفلك الخارج المركز يقال له فلك التدوير، والقمر مركوز فيه يتحرك بحركته، وحركة هذا الفلك حركة مختصة مغايرة لحركة الفلك الكلي، وزعموا أن ثخن فلك القمر وهو بعد ما بين سطحه الأعلى وسطحه الأدنى مائة ألف وثمانية عشر ألفاً وستة وستون ميلاً ، وبطليموس قد ذكر ثخن الأفلاك ومقادير أجرام الكواكب، ودوائرها وأقطارها، ولا تستصعبن ذلك، فإنّه لا يصعب إلا على من لا دراية له بعلم الهندسة، وأما من حل الثانية من أقليدس فيسهل عليه ذلك إن كان فطناً.
 
{{عنوان|فصل}}
وأما القمر فهو كوكب مكانه الطبيعي الفلك الأسفل، من شأنه أن يقبل النور من الشمس على أشكال مختلفة، ولونه الداني إلى السواد يبقى في كل برج ليلتين وثلث ليلة، ويقطع جميع الفلك في شهر، وهو أصغر الكواكب فلكاً، وأسرعها سيراً. وزعموا أن جرم القمر جزء من تسعة وثلاثين جزءاً وربع جزء من جرم الأرض، ودورة القمر أربعمائة وأثنان وخمسون ميلاً بالتقريب، هذا ما وصل إليه آراء اللحكماء بحكم المقدمات الحسابية.
 
{{عنوان|فصل: في زيادة ضوئه ونقصائه}}
القمر جرم كثيف مظلم قابل للضياء إلا القليل منه على ما يرى في ظاهره، فالوجه الذي يواجه الشمس مضيء أبداً، فإذا كان قريباً من الشمس كان الوجه المظلم مواجهاً للأرض، وإذا بعد عن الشمس إلى المشرق ومال النصف المظلم من الجانب الذي يلي المغرب إلى الأرض تظهر من النصف المضيء قطعة هي الهلال، ثم يتزايد الانحراف وتزداد بتزايده القطعة من النصف المضيء حتى إذا كان في مقابلة الشمس ينقص الضياء من الجانب الذي بدأ بالضياء على الترتيب الأول حتى إذا صار في مقابلة الشمس كان النصف المواجه للشمس هو النصف المواجه لنا، فتراه بدراً، ثم يقرب من الشمس، فيلقص الضياء من الجانب الذي بدأ بالضياء على الترتيب الأول حتي إِذا صار في مقابلة الشمس ينمحق نوره، ويعود إلى الموضع الأول وينزل كل ليلة منزلاً من المنازل الثمانية والعشرين، ثم يستتر ليلة، فإن كان الشهر تسعة وعشرين استتر ليلة ثمانية وعشرين، وإن كان ثلاثين استتر ليلة تسعة وعشرين، ويقطع في استتاره منزلاً، ثم يتجاوز الشمس فيرى هلالا، وذلك قوله تعالى: ﴿ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴾ يريد أنه ينزل كل ليلة منزلا منها حتى يصير كأصل العذق إذا قدم ورق واستقوس.
 
{{عنوان|فصل: في خسوفه}}
وسببه توسّط الأرض بينه وبين الشمس، فإذا كان القمر في إحدى نقطتي الرأس والذنب أو قريباً منه عند الاستقبال تتوسط الأرضى بينه وبين الشمس، فيقع في ظل الأرض، ويبقى على سواده الأصلي، فيرى منخسفاً والشمس أعظم من الأرض، فيكون ظل الشمس مخروطاً قاعدته دائرة صفحة الأرض، لأنّ الخطوط الشعاعية التي تخرج من الشمس إلى جرم الأرض لا تكون متوازية، فإذا اتصلت بمحيط الأرض ونفذت في الجهة الأخرى تلاقياً عند نقطة فيتحصل ظل الأرض علي شكل المخروط، فْإِذًا لم يكن للقمر عرض عن فلك البروج عند الاستقبال، وقع كله في جرم المخروط، فيخسف كله حينئذ، وإن كان له عرض يخسف بعضه، وربما يماس جرم القمر مخروط الظل، ولا يقع فيه شيء، وذلك إذا كان عرض القمر مساوياً لنصف مجموع القطرين، أعني قطر القمر وقطر الظل، وإذا كان أقل من نصف القطرين يخسف بعضه.
 
{{عنوان|فصل: في خواص القمر وتأثيراته العجبية}}
زعموا أن تأثيراته بواسطة الرطوبة كما أنّ تأثيرات الشمس بواسطة الحرارة، ويدل عليها اعتبار أهل التجارب، ومنها أمر البحار، فإنّ القمر إذا صار في أفق من آفاق البحر أخذ ماؤه في المد مقبلاً مع القمر، ولا يزال كذلك إلى أن يصير القمر في وسط سماء ذلك الموضع، فإذا صار هناك انتهى المد منتهاء، فإذا انحط القمر من وسط سمائه جزر الماء ولا يزال كذلك راجعاً إلى أن يبلغ القمر مغربه، فعند ذلك بنتهي الجزر منتهاه، فإذا زال القمر من مغرب ذلك الموضع ابتدأ المد مرّة ثانية إلا أنه أضعف من الأولى، ثم لا يزال كذلك إلى أن يصير القمر في وتد الأرض، فحينئذ ينتهي المد منتهاه في المرّة الثانية في ذلك الموضع، ثم يبتدىء بالجزر والرجوع، ولا يزال كذلك حتى يبلغ القمر أفق مشرق ذلك الموضع، فيعود المد إلى ما كان عليه أولاً فيكون في كل يوم وليلة بمقدار مسير القمر فيهما في ذلك البحر مدان وجزران.
 
ومنها أمر أبدان الحيوانات، فَإنّها في وقت زيادة القمر وضوئه تكون أقوى والسخونة والرطوبة، والنمو عليها أغلب، وتكون الأخلاط في بدن الإنسان في ظاهرة، والعروق تكون ممتلئة، وبعد الامتلاء يكون الأبدان أضعف والبرد عليها أغلب، والنمو أقل والأخلاط في غور البدن والعروق أقل امتلاء، وذلك أمر ظاهر عند علماء الطب.
 
ومنها أنّ الأطباء ذهبوا إلى أنّْ أحوال البحرانات وتقارب أيامها مبنية على زيادة ضوء القمر ونقصانه. وكتب الطب ناطقة بذلك؛ وزعموا أنَّ الذين يمرضون في أوَل الشهر أبدانهم وقواهم على دفع المرض أقوى، والذين يمرضون في آخر الشهر بالضد. ومنها أنّ شعور الحيوانات يسرع نباتها ما دام القمر زائد النور ويغلظ ويكبر، وإذا كان ناقص النور أبطأ نباته ولم يغلظ.
 
ومنها أن الحبوانات تكثر ألبانها من ابتداء زيادة نور القمر إلى الامتلاء، وتزداد أدمغتها وبياض البيض المنعقد في أوّل الشهر أكثر، وإذا نقص نور القمر نقصت غزارة الألبان، ومادة الأدمغة، وكثرة بياض البيض.
 
ومنها أنْ الإنسان إذا أكثر القعود أو النوم في ضوء القمر تولّد في بدنه الكسل والاستر خاء ويهيج عليه الزكام والصداع. وإذا كانت لحوم الحيوانات بادية لضوء القمر تغيرت رائحتها وطعمها.
 
ومنها أن السمك يوجد في البحار والأنهار من أوّل الشهر إلى امتلاء أكثر مما يوجد من الامتلاء إلى آخر الشهر، ويكون أيضاً في النصف الأول من الشهر أسمن منه في النصف الأخير .
 
ومنها أن حشرات الأرض خروجها من أجحرتها في النصف الأول من الشهر أكثر من خروجها منه في النصف الأخير، وكل حيوان يلسع أو يعض فإنّه في النصف الأوّل من الشهر أقوى فعلاً منه في النصف الأخير وسمه أشد تأثيراً.
 
ومنها أن السباع في النصف الأول أشد طلباً للصيد منها في النصف الأخير.
 
ومنها أنْ الأشجار إذا غرست والقمر زائد النور علقت وأسرعت النشو والحمل، وإن وقع اللقاح والحمل والقمر زائد النور كانا جيدين، وإن وقع والقمر ناقص النور أو زائلاً من وسط السماء لم يسرع النبات وأبطأت في الحمل، وربما يبست.
 
ومنها أنَ الفواكه والرياحين والزرع والبقول والأعشاب زيادتها من وقت زيادة القمر إلى الامتلاء أكثر من زيادتها ونموها من الامتلاء إلى المحاق، وهذا أمر ظاهر عند أرباب الفلاحة حتى عند عامتهم فضلاً عن علمائهم، فَإنّهم يجدرن تأثير ذلك ظاهراً سيما في البقول والخوخ والبطبخ والسمسم والقثاء والخيار والقرع من أوّل الشهر إلى نصفه يزيد أكثر مما يزيد من نصف الشهر إلى آخره.
 
ومنها أن الفواكه إذا وقع عليها ضوء القمر أعطاها لوناً عجيباً من حمرة أو صفرة، فالتي يقع عليها الضوء في النصف الأوّل من الشهر أحسن لوناً مما يقع عليها في النصف الأخير .
 
ومنها أنَّ نبات القصب والكتان إذا وقع عليها ضوء القمر في النصف الأول أشد تقطعاً مما وقع عليها آخر الشهر.
 
ومنها أن المعادن التي تتكون يكون جوهرها وصفاؤها أشد إذا كان تولدها من أول الشهر ولو كان في آخره لا يكون كذلك.
 
{{عنوان|خاتمة}}
'''في المجرة''': وهو البياض الذي يرى في السماء يقال لها شرج السماء إلى زماننا هذا لم يسمع في حقيقتها قول شافِ، زعموا أنها كواكب صغار متقاربة بعضها من بعض، والعرب تسمّيها أمْ النجوم لاجتماع النجوم فيها، وزعموا أن النجوم تقاربت من المجرة فطمس بعضها بعضاً، فصارت كأنها سحاب وهي ترى في الشتاء أَوْل الليل في ناحية من السماء، وفي الصيف أوّل الليل في وسط السماء ممتداً من الشمال إلى الجنوب، وبالنسبة إلينا تدور دوراً رحوياً فنراها نصف الليل ممتدة من المشرق إلى المغرب، وفي آخر الليل من الجنوب إلى الشمال، فما كان منها شمالياً يكون جنوبياً، وما كان جنوبياً يكون شمالياً، ولله أعلم بحقيقتها، وتكون على فلك يختص بها يدور بالنسبة إلينا رحوياً أو على شيء من الأفلاك المذكورة.
 
{{عنوان|النظر الثالث فى فلك عطارد}}
وهو يحده سطحان كرويان متوازيان مركزهما مركز العالم السطح الأعلى منهما مماس لمقعر فلك الزهرة، والأدنى لمحدب فلك القمر، ويتم دورته التي تختص به من المغرب إلى المشرق في سنة واحدة، وينفصل عنه فلك خارج المركز بمتزلة الفلك الخارج المركز للقمر في داخل ثخن الفلك الكلي، ويقال له المدير، وينفصل عن فلك المدير فلك آخير خارج المركز يقال له خارج المركز الثاني، والكوكب في فلك التدوير، ويلزم أن يكون لعطارد أوجان، أحدهما ني الفلك الكلي، والثاني في المدير، ويكون له أيضاً حضيضان، وزعموا أنْ ثخْن فلك عطارد وهو مسافة ما بين سطحه الأعلى وسطحه الأدنى ثلاثمائة ألف وثمانمائة وثمانون ألفأً واثنان وثمانون ميلاً على رأي بطليموس صاحب الرصد. فإنّه استخرج ذلك بالبراهين الهندسية، والله أعلم.
 
{{عنوان|فصل}}
وأمًا عطارد فسماه المنجمون منافقاً لكونه مع السعد سعدا ومع النحس نحساً على زعمهم وجرمه جزء من اثنين وعشرين جزءاً من جرم الأرض، ودورة جرمه مائتان وستة وثمانون فرسخاً، وقطر جرمه مائتان وثلاثة وسبعوثن ميلاً، ويبقى في كل برج سبعة وعشرين يوماً تقريبا، وهو كثير الرجعة والاستقامة، يدور حول الشمس.
 
{{عنوان|النظر الرابع فى فلك الزهرة}}
وهو يحدّه سطحان متوازيان مركزهما مركز العالم، الأعلى منهما مماس لفلك الشمس، والأدني لفلك عطارد، وتتم دورته المختصة به من المغرب إلى المشرق في سنة واحدة مثل فلك الشمس، غير أنْ فلك تدويره يسرع تارة، فتصبر الزهرة قدام الشمس ويبطئ أخرى، فتصير الزهرة خلف الشمس. وثحن جرم فلك الزهرة وهو مسافة ما بين سطحه الأعلى والأدنى ثلاثة الاف وسبعمائة وخمسة وتسعون ميلاً، وصورته مشابهة لصورة فلك القمر سواء، وفلك الشمس على تقدير أن يكون جرم الشمس فلك التدوير من غير فرق.
 
{{عنوان|فصل}}
وأما الزهرة فسمّاه المنجمون السعد الأصغر، لأنها في السعادة دون المشتري، وأضافوا إليها الطرب والسرور واللهو، وجرم الزهرة جزء من أربعة وثلاثين جزءاً وثلث جزء من جرم الأرض، وقطر جرمها أربعمائة وتسعة وأربعون ميلاً، وسدس ميل تبقى في كل برج سبعة وعشرين يوماً.
 
ومنها سقوط ثلج أو يرّد في غير أواله كما حكي عن بعض شيوخ قزرين أنه
وأما خواصها: فزعموا أنْ النظر إليها مما يوجب فرحاً وسروراً، وإذا كان بالناظر إليها حرارات السل تخفف عنه، وزعموا أنْ من شأنها الشبق والباه والألفة حتى لو نكح رجل امرأة والزهرة حسنة الحال وقع بينهما من المحبة والألفة ما يتعجب منه.
أتاهم في زمن ا شحمش برد عظيم كل واحدة على قدر الجوزة؛ ذأهلك كثيراً من
الحيوات والشيات» والمشمش لا يدرك بقزوين إلا في الصيفا. ومتها سقوط أحجار
من الحديد والنحاس في وسط الصسواعق» وذلك يوجد بلاد الترك؛ وريّما يوجد
بأرضص جيلان أيضاً. وحكى أبو الحسن علي بن الأثير الجزري فى اتاريخه؛ أنه نشات
بإفريقية في سنة إحدى عشرة وأربعماثة سحابة شديدة الرعد والبرق؛ فأمطرت سسجارة
 
�كثيرة وأهلكت كل من أصابته. وأغرب من هذا ما حكاه الجاحظ أنه نشأت سحابة
{{عنوان|النظر الخامس في فلك الشمس}}
بأيدج وهي مدينة بين أصبهان وجوزستان سحابة طحبا تكاد تمس رؤوس الناس»
وهو يحده سطحان كرويان مركزهما مركز العالم، الأعلى منهما مماس لمقعر فلك المريخ، والأدنى منهما مماس لمحدب فلك الزهرة، ودورته من المشرقٌ إلى المغرب تتم في ثلاثمائة وستين يوماً وربع يوم، وينفصل عنه فلك شامل للأرض مركزه خارج المركز كما مر ذكره فى أفلاك الكواكب الثلاثة من غير فرق، إلا أن الشمس ههنا بمتزلة فلك التدوير إذ ليس الشمس فلك التدوير، وذلك من لطف الله تعالى وعنايته بالعباد لأنّه لو كان لها فلك التدوير، كما لسائر الكواكب السيارة رجعت، وبرجعتها يتمادى الصيف ستة أشهر، وكذلك الشتاء فيؤدي إلى هلاك الحيوان والنبات لأنّ الشمس إذا بقيت مسامتة لرؤوس قوم ستة أشهر لتغير مزاج حيوانهم، واحترق نباتهم، وإن بعدت عن قوم ستة أشهر استولى البرد على مزاجهم وأنطفات حرارتهم وفسد نباتهم، وثخن جرم فلك الشمس ثلاثمائة ألفا وخمسة وخمسون ألفاً وأربعة وسبعون ميلاً.
وسمعوا منها كهدير الفحلء ثم إنها دفعت بأشد مطر ثم استسلموا للغرق؛ ثم دقعت
بالشفادع والشبابيط العظام السماث؛ والشبوط نوع من السبك» فأكلوا وملحوا
وادّخروا كثيرا.
 
{{عنوان|فصل: في الشمس}}
وهي أعظم الكواكب جرماً، وأشدها ضوءاً ومكانها الطبيعي الكرة الرابعة، وهي بين الكواكب كالملك وسائر الكواكب كالأعوان والجنود، فالقمر كالوزير وولي العهد، وعطارد كالكاتب والمريخ كصاحب الجيش، والمشتري كالقاضي، وزحل كصاحب الخزائن، والزهرة كالخدم والجواري والأفلاك كالأقاليم، والبروج كالبلدان والحدود والوجوه كالمدن، والدرجات كالقرى والدقائق كالمحال والثواني كالمنازل، وهذا تشبيه جيد، ومن لطف الله تعالى جعلها في وسط الكواكب السبعة لتبقى الطبائع والمطبوعات في هذا العالم بحركاتها على حذها الاعتدالي إذ لو كانت في فلك الثوابت لفسدت الطبائع من شدة البرد ولو انحدرت إلى فلك القمر لاحترق هذا العالم بالكلية، وخلقها سائرة غير واقفة وإلا لاشتدت السخونة في موضع والبرودة في موضع، ولا يخفى فسادهما بل تطلع كل يوم من المشرق ولا تزال تمشي موضعاً بعد موضع إلى أن تنتهي إلى المغرب، فلا يبقى موضع مكشوف مواز لها إلا ويأخذ موضع شعاعها، وتميل كل سنة مرّة إلى الجنوب ومرّة إلى الشمال لتعم فائدتها وأما جرمها فضعف جرم الأرض مائة وستة وستين مرة وقطر جرمها أحد وأربعون ألفاً وتسعمائة وثمانية وسبعون ميلا.
 
{{مصورفقط}}