الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مجموع الفتاوى/المجلد الثاني عشر/فصل في المراد بلفظ الحروف»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
Obaydb (نقاش | مساهمات)
استيراد تلقائي للمقالات - كتابة على الأعلى
لا ملخص تعديل
وسوم: تحرير مرئي تحرير من المحمول تعديل ويب محمول
 
سطر 17:
فإن لفظ الحرف أصله في اللغة هو: الحد والطرف، كما يقال: حروف الرغيف وحرف الجبل. قال الجوهري: حرف كل شيء طرفه وشفيره وحده، ومنه حرف الجبل وهو أعلاه المحدد، ومنه قوله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ } إلى قوله: { وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } <ref>[الحج: 11]</ref>، فإن طرف الشيء إذا كان الإنسان عليه لم يكن مستقرًا؛ فلهذا كان من عَبَدَ اللَّهَ على السَّرَّاء دون الضراء عابدًا له على حرف؛ تارة بظهره وتارة ينقلب على وجهه، كالواقف على حرف الجبل، فسميت حروف الكلام حروفًا لأنها طرف الكلام وحده ومنتهاه؛ إذ كان مبدأ الكلام من نفس المتكلم، ومنتهاه حده وحرفه القائم بشفتيه ولسانه؛ ولهذا قال تعالى: { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } <ref>[البلد: 8، 9]</ref> فلفظ الحرف يراد به هذا وهذا وهذا.
 
ثم إذا كتب الكلام في المصحف سَمُّوا ذلك حروفًا، فيراد بالحرف الشكل المخصوص، ولكل أمة شكل مخصوص هي خطوطهم التي يكتبون بها كلامهم، ويراد به المادة، ويراد به مجموعهما، وهذه الحروف المكتوبة تطابق الحروف المنطوقة وتبينها وتدل عليها فسميت بأسمائها؛ إذ كان الإنسان يكتب اللفظ بقلمه؛ ولهذا كان أول ما أنزل الله على نبيه: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } إلى قوله: { مّامَا لّمًلَمْ يّعًلّمًيَعْلَمْ } <ref>[العلق: 1 5]</ref>، فبين سبحانه في أول ما أنزله أنه سبحانه هو الخالق الهادي الذي خلق فَسَوَّى، والذي قَدَّرَ فهدى، كما قال موسى: { قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } <ref>[طه: 50]</ref>، فالخلق يتناول كل ما سواه من المخلوقات ثم خص الإنسان فقال: { خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ } ، ثم ذكر أنه علم؛ فإن الهدى والتعليم هو كمال المخلوقات.
 
والعلم له ثلاث مراتب: علم بالجنَان، وعبارة باللسان، وخط بالبنان؛ ولهذا قيل: إن لكل شيء أربع وجودات: وجود عيني، وعلمي، ولفظي، ورسمي. وجود في الأعيان، ووجود في الأذهان، واللسان، والبنان، لكن الوجود العيني هو وجود الموجودات في أنفسها والله خالق كل شيء، وأما الذهني الجناني فهو العلم بها الذي في القلوب، والعبارة عن ذلك هو اللساني، وكتابة ذلك هو الرسمي البناني، وتعليم الخط يستلزم تعليم العبارة واللفظ، وذلك يستلزم تعليم العلم فقال: { عَلَّمَ بِالْقَلَمِ } <ref>[العلق: 4]</ref> لأن التعليم بالقلم يستلزم المراتب الثلاث، وأطلق التعليم، ثم خص، فقال: { عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } .