الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الروح/المسألة الثالثة»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
طلا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
 
سطر 9:
{{نثر}}
 
شواهد هذه المسألة وأدلتها أكثر من يحصيها إلا اللّه تعالى، والحس والواقع من أعدل الشهود بها، فتلتقي أرواح الأحياء والأموات كما تلتقي أرواح الأحياء، وقد قال تعالى: {{قرآن|39|42}}<ref>ذكر في التسهيل (3/ 196): هذه الآية للاعتبار، ومعناها أن اللّه يتوفى النفوس على وجهين: أحدهما وفاة كاملة حقيقة وهي الموت، والآخر وفاة النوم لأن النائم كالميت في كونه لا يبصر ولا يسمع، ومنه قوله تعالى: وهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وفي الآية عطف، والتقدير: ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها.</ref>.<br/>
(قال) أبو عبد اللّه بن منده: حدثنا أحمد بن محمد بن إبراهيم، حدثنا عبد اللّه بن حسين الحراني وحدثنا جدي أحمد بن شعيب حدثنا موسى بن أعين عن مطرف عن جعفر أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في هذه الآية قال: بلغني أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فيتساءلون بينهم فيمسك اللّه أرواح الموتى ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها.<br/>
و قال ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا عبد اللّه بن سليمان، حدثنا الحسين، حدثنا عامر، حدثنا إسباط عن السدي وفي قوله تعالى: والَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها قال: يتوفاها في منامها فيلتقي روح الحي وروح الميت فيتذاكران و يتعارفان قال: فترجع روح الحي إلى جسده في الدنيا إلى بقية أجلها، وتريد روح الميت أن ترجع إلى جسده فتحبس. وهذا أحد القولين في الآية: وهو أن الممسكة من توفيت وفاة الموت أولا، والمرسلة من توفيت وفاة النوم، والمعنى على هذا القول أنه يتوفى نفس الميت فيمسكها ولا يرسلها إلى جسدها قبل يوم القيامة، ويتوفى نفس النائم ثم يرسلها إلى جسدها إلى بقية أجلها فيتوفاها الوفاة الأخرى.<br/>
و القول الثاني في الآية: إن الممسكة والمرسلة في الآية كلاهما توفى وفاة النوم، فمن استكملت أجلها أمسكها عنده، فلا يردها إلى جسدها، ومن لم تستكمل أجلها ردها إلى جسدها لتستكمله، واختار شيخ الإسلام <ref>أي ابن تيمية.</ref> هذا القول وقال: عليه يدل القرآن والسنّة قال: فإنه سبحانه ذكر إمساك التي قضى عليها الموت من هذه الأنفس التي توفاها وفاة النوم، وأما التي توفاها حين موتها فتلك لم يصفها بإمساك ولا بإرسال بل هي قسم ثالث.<br/>
و الذي يترجح هو القول الأول، لأنه سبحانه أخبر بوفاتين: وفاة كبرى وهي وفاة الموت، ووفاة صغرى وهي وفاة النوم، وقسم الأرواح قسمين قسما قضى عليها بالموت فأمسكها عنده وهي التي توفاها وفاة الموت، وقسما لها بقية أجل فردها إلى جسدها إلى استكمال أجلها، وجعل سبحانه الإمساك والإرسال حكمين للوفاتين المذكورتين أولا، فهذه ممسكة وهذه مرسلة، وأخبر أن التي لم تمت هي التي توفاها في منامها، فلو كان قد قسم وفاة النوم إلى قسمين وفاة موت ووفاة نوم لم يقل والَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فإنها من حين قبضت ماتت وهو سبحانه قد أخبر أنها لم تمت فكيف يقول بعد ذلك {{قرآن|س=39|آ=42|فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ}}.<br/>
و لمن أبصر هذا القول أن يقول قوله تعالى {{قرآن|س=39|آ=42|فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ}} بعد أن توفاها وفاة النوم فهو سبحانه توفاها أولا وفاة نوم ثم قضى عليها الموت بعد ذلك، والتحقيق أن الآية تتناول النوعين، فإنه سبحانه ذكر وفاتين، وفاة نوم ووفاة موت، وذكر إمساك المتوفاة وإرسال الأخرى، ومعلوم أنه سبحانه يمسك نفس كل ميت سواء مات في النوم أو في اليقظة، ويرسل نفس من لم يمت فقوله:<br/>
يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها يتناول من مات في اليقظة ومن مات في المنام.<br/>
و قد دل على التقاء أرواح الأحياء والأموات أن الحي يرى الميت في منامه فيستخبره ويخبره الميت بما لا يعلم الحي، فيصادف خبره كما أخبر في الماضي والمستقبل، وربما أخبره بمال دفنه الميت في مكان لم يعلم به سواه، وربما أخبره بدين عليه وذكر له شواهده وأدلته.<br/>
و أبلغ من هذا أنه يخبر بما عمله من عمل لم يطلع عليه أحد من العالمين، وأبلغ من هذا أنه يخبره أنك تأتينا إلى وقت كذا وكذا فيكون كما أخبر، وربما أخبره عن أمور يقطع الحي أنه لم يكن يعرفها غيره، وقد ذكرنا قصة الصعب بن جثامة وقوله لعوف بن مالك ما قال له، وذكرنا قصة ثابت بن قيس بن شماس وأخباره لمن رآه تدعه وما عليه من الدين.<br/>
و قصة صدقة بن سليمان الجعفري وأخبار ابنه له بما عمل من بعده، وقصة شبيب بن شيبة وقول أمه له بعد الموت: جزاك اللّه خيرا حيث لقنها لا إله إلا اللّه، وقصة الفضل بن الموفق مع ابنه وإخباره إياه بعلمه بزيارته.<br/>
و قال سعيد بن المسيب: التقى عبد اللّه بن سلام وسلمان الفارسي فقال أحدهما للآخر: إن مت قبلي فالقني فأخبرني ما لقيت من ربك، وإن أنا مت قبلك لقيتك فأخبرتك، فقال الآخر: وهل تلتقي الأموات والأحياء؟ قال: نعم أرواحهم في الجنة تذهب حيث تشاء، قال: فمات فلان فلقيه في المنام فقال: توكل وأبشر فلم أر مثل التوكل قط.<br/>
و قال العامر بن عبد المطلب: كنت أشتهي أن أرى عمر في المنام فما رأيته إلا عند قرب الحول فرأيته يمسح العرق عن جبينه وهو يقول: هذا أوان فراغي إن كاد عرشي ليهد لو لا أن لقيت رءوفارؤوفا رحيما.<br/>
و لما حضرت شريح بن عابد الثمالي الوفاة دخل عليه غضيف بن الحارث وهو يجود بنفسه فقال: يا أبا الحجاج إن قدرت على أن تأتينا بعد الموت فتخبرنا بما ترى فافعل قال: وكانت كلمة مقبولة في أهل الفقه قال: فمكث زمانا لا يراه ثم رآه في منامه فقال له: أ ليس قد مت؟ قال: بلى، قال: فكيف حالك؟ قال: تجاوز ربنا عنا الذنوب فلم يهلك منا إلا الأحراض، قلت: وما الأحراض؟ قال: الذين يشار إليهم بالأصابع في الشي ء.<br/>
و قال عبد اللّه بن عمر بن عبد العزيز: رأيت أبي في النوم بعد موته كأنه في حديقة، فدفع إلي تفاحات فأولتهن الولد، فقلت: أي الأعمال وجدت أفضل؟<br/>
فقال: الاستغفار أي بني.<br/>
و رأى مسلمة بن عبد الملك عمر بن عبد العزيز بعد موته فقال: يا أمير المؤمنين ليت شعري إلى أي الحالات صرت بعد الموت؟ قال: يا مسلمة هذا أوان فراغي، واللّه ما استرحت إلا الآن، قال: قلت: فأين أنت يا أمير المؤمنين؟<br/>
قال: مع أئمة الهدى في جنة عدن.<br/>
(قال) صالح البراد: رأيت زرارة بن أوفى <ref>هو السيد الجليل زرارة بن أوفى العامري أبو حاجب قاضي البصرة، قرأ في صلاة الصبح: فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ فخر ميتا، وكانت وفاته سنة ثلاث وتسعين.</ref> بعد موته فقلت: رحمك اللّه ما ذا قيل لك وما ذا قلت؟ فأعرض عني، قلت: فما صنع اللّه بك؟ قال: تفضل علي بجوده وكرمه، قلت: فأبو العلاء بن يزيد أخو مطرف؟ قال: ذاك في الدرجات العلى، قلت: فأي الأعمال أبلغ فيما عندكم؟ قال: التوكل وقصر الأمل.<br/>
(قال) مالك بن دينار: رأيت مسلم بن يسار <ref>كان من عباد البصرة وفقهائها، روى عن أبي عمرو وغيره، قال ابن عوف: كان لا يفضل عليه أحد في زمانه، وقال ابن سعد: كان ثقة فاضلا عابدا ورعا. توفي سنة مائة للهجرة.</ref> بعد موته فسلمت عليه فلم يرد علي السلام، فقلت: ما يمنعك أن ترد السلام؟ قال: أنا ميت فكيف أرد عليك السلام، فقلت له: ما ذا لقيت بعد الموت؟ قال: لقيت واللّه أهوالا وزلازل عظاما شدادا، قال: قلت له: فما كان بعد ذلك؟ قال: وما تراه يكون من الكريم، قبل منا الحسنات، وعفا لنا عن السيئات، وضمن عنا التبعات، قال: ثم شهق مالك شهقة خر مغشيا عليه، قال: فلبث بعد ذلك أياما مريضا، ثم انصدع قلبه فمات.<br/>
(و قال) سهيل أخو حزم: رأيت مالك بن دينار <ref>هو السيد الكبير والولي الشهير أبو يحيى مالك بن دينار البصري الزاهد المشهور، كان مولى لبني أسامة بن لؤي بن غالب بن قهر بن مالك، وكان يكتب المصاحف بالأجرة، أقام أربعين سنة لا يأكل من ثمار البصرة، ولا يأكل إلا من عمل يده، ووقع حريق بها، فخرج قذرا ببرية وفي يده مصحف، وقال: فاز المخفون، وقيل له: ألا تستسقي لنا؟ فقال: أنتم تنتظرون الغيث وأنا أنتظر الحجارة. توفي سنة سبع وعشرين ومائة.</ref> بعد موته فقلت: يا أبا يحيى ليت شعري ما ذا قدمت به على اللّه؟ قال: قدمت بذنوب كثيرة محاها عني، حسن الظن باللّه عز وجل.<br/>
(و لما مات) رجاء بن حياة <ref>هو أبو المقدام رجاء بن حياة الكندي الشامي الفقيه، روى عن معاوية وطبقته، وكان شريفا نبيلا كامل السؤدد، قال مطر الورّاق: ما رأيت شاميا أفقه منه، وقال مكحول: هو سيد أهل الشام في أنفسهم، وقال مسلمة الأمير: في كندة رجاء بن حياة وعبادة بن نسي وعدي بن عدي، إن اللّه لينزل بهم الغيث وينصر بهم الأعداء. بلغ يوما عبد الملك قول من بعض الناس، فهم أن يعاقب صاحبه، فقال له رجاء: يا أمير المؤمنين قد فعل اللّه بك ما تحب حيث أمكنك منه، فافعل ما يحبه اللّه من العفو، فعفا عنه وأحسن إليه، توفي رحمه اللّه سنة اثنتي عشرة ومائة.</ref> رأته امرأة عابدة فقالت: يا أبا المقدام إلى ما صرتم؟ قال: إلى خير، ولكن فزعنا بعدكم فزعة ظننا أن القيامة قد قامت، قالت:<br/>
قلت ومم ذلك؟ قال: دخل الجراح وأصحابه الجنة بأثقالهم حتى ازدحموا على بابها.<br/>
(و قال) جميل بن مرة: كان مورق العجلي <ref>توفي سنة إحدى ومائة.</ref> لي أخا وصديقا فقلت له ذات يوم: أينا مات قبل صاحبه فليأت صاحبه فليخبره بالذي صار إليه. قال: فمات مورق فرأت أهلي في منامها كأنه أتانا كما كان يأتي، فقرع الباب كما كان يقرع، قالت: فقمت ففتحت له كما كنت أفتح، وقلت: أدخل يا أبا المعتمر إلى باب أخيك، فقال: كيف أدخل وقد ذقت الموت، إنما جئت لأعلم جميلا بما صنع اللّه بي، أعلميه أنه جعلني في المقربين.<br/>
(و لما مات) محمد بن سيرين حزن عليه بعض أصحابه حزنا شديدا فرآه في المنام في حال حسنة فقال: يا أخي قد أراك في حال يسرني فما صنع الحسن؟<br/>
قال: رفع فوقي بسبعين درجة، قلت: ولم ذاك وقد كنا نرى أنك أفضل منه؟ قال:<br/>
ذاك يطول حزنه.<br/>
(و قال) ابن عيينة: رأيت سفيان الثوري في النوم فقلت: أوصني، قال:<br/>
أقلل من معرفة الناس.<br/>
(و قال) عمار بن سيف: رأيت الحسن بن صالح <ref>هو الحسن بن صالح بن حي الهمداني فقيه الكوفة وعابدها، روى عن سماك بن حرب وطبقته. قال أبو نعيم: ما رأيت أفضل منه، وقال أبو حاتم: ثقة حافظ متقن. وقال ابن معين: يكتب رأي الحسن بن صالح ويكتب رأي الأوزاعي، هؤلاء ثقات. قال وكيع: الحسن بن صالح يشبه بسعيد بن جبير، كان هو وأخوه علي وأمهما قد جزءا الليل ثلاثة أجزاء، فماتت أمهما، فقسما الليل سهمين، فمات علي فقام الحسن الليل كله، قاله في العبر. ومات علي سنة أربع وخمسين، وهما توأم، أخرج لهما مسلم. توفي سنة سبع وستين ومائة.</ref> في منامي فقلت: قد كنت متمنيا للقائك فما ذا عندك فتخبرنا به؟ فقال: أبشر فإني لم أر مثل حسن الظن باللّه شيئا.<br/>
(و لما مات) ضيغم العابد <ref>هو أبو مالك العابد، قال أبو أيوب مولى ضيغم ليلة: لو أعلم أن رضاه أن أقرض لحمي لدعوت بالمقراض فقرضه. قال: قال سيار: رأيت ضيغما صلّى نهاره أجمع وليلة حتى بقي راكعا لا يقدر أن يسجد، فرأيته رفع رأسه إلى السماء ثم قال: قرة عيني، ثم خر ساجدا، فسمعته يقول وهو ساجد:<br/>
إلهي كيف عزفت قلوب الخليفة عنك؟ قال: وربما أصابته الفترة فإذا وجد ذلك اغتسل ثم دخل بيتا فأغلق بابه وقال: إلهي إليك جئت، قال: فيعود إلى ما كان من الركوع. (انظر صفة الصفوة لابن الجوزي).</ref> رآه بعض أصحابه في المنام فقال: أما صليت علي؟ قال: فذكرت علة كانت، فقال: أما لو كنت صليت علي ربحت رأسك.<br/>
(و لما ماتت) رابعة رأتها امرأة من أصحابها <ref>وهي عبدة بنت أبي شوال، وكانت من خيار إماء اللّه، وكانت تخدم رابعة. وكانت وفاة رابعة بنت إسماعيل البصرية العدوية سنة خمس وثلاثين ومائة، وقيل سنة خمس وثمانين ومائة.</ref> وعليها حلة استبرق وخمار من سندس وكانت كفنت في جبة وخمار من صوف، فقالت لها: ما فعلت الجبة التي كفنتك فيها وخمار الصوف؟ قالت: واللّه أنه نزع عني وأبدلت به هذا الذي ترين علي، وطويت أكفاني وختم عليها ورفعت في عليين ليكمل لي ثوابها يوم القيامة، قالت: فقلت لها: لهذا كنت تعملين أيام الدنيا! فقالت: وما هذا عند ما رأيت من كرامة اللّه لأوليائه، فقلت لها: فما فعلت عبدة بنت أبي كلاب؟ فقالت: هيهات سبقتنا واللّه إلى الدرجات العلى، قالت: قلت: وبم وقد كنت عند الناس أعبد منها! فقالت: إنها لم تكن تبالي على أي حال أصبحت من الدنيا أو أمست، فقلت: فما فعل أبو مالك (تعني ضيغما) فقالت: يزور اللّه تبارك وتعالى متى شاء، قالت: قلت: فما فعل بشر بن منصور! قالت: بخ بخ أعطى واللّه فوق ما كان يأمل. قالت: قلت: مريني بأمر أتقرب به إلى اللّه تعالى، قالت: عليك بكثرة ذكر اللّه فيوشك أن تغتبطي بذلك في قبرك.<br/>
(و لما مات) عبد العزيز بن سلمان العابد <ref>ويكنى أبا محمد قال أبو طارق التبان: كان عبد العزيز بن سلمان إذا ذكر القيامة والموت صرخ كما تصرخ الثكلى ويصرخ الخائفون من جوانب المسجد، قال: وربما رفع الميت والميتان من جوانب مجلسه (انظر صفة الصفوة لابن الجوزي).</ref> رآه بعض أصحابه وعليه ثياب خضر، وعلى رأسه إكليل من لؤلؤ، فقال: كيف كنت بعدنا، وكيف وجدت طعم الموت، وكيف رأيت الأمر هناك! قال: أما الموت فلا تسأل عن شدة كربه وغمه إلا أن رحمة اللّه وارث عنا كل عيب وما تلقانا إلا بفضله.<br/>
(و قال) صالح بن بشر <ref>كان مملوكا لامرأة من بني مرة بن الحارث بن بني عبد القيس فأعتقته، قال الأصمعي: شهدت صالحا المري عزى رجلا على ابنه فقال: لئن كانت مصيبتك لم تحدث لك موعظة في نفسك فمصيبتك بابنك جلل في مصيبتك في نفسك، فإياها فابك. أسند صالح عن الحسن وابن سيرين وثابت وقتادة وبكر بن عبد اللّه في خلق كثير من التابعين. توفي سنة ست وسبعين ومائة. (انظر صفة الصفوة لابن الجوزي).</ref>: لما مات عطاء السلمي رأيته في منامي فقلت: يا أبا محمد أ لست في زمرة الموتى! قال: بلى، قلت: فما ذا صرت إليه بعد الموت! قال: صرت واللّه إلى خير كثير ورب غفور شكور، قال: قلت: أما واللّه لقد كنت طويل الحزن في دار الدنيا، فتبسم وقال: واللّه لقد أعقبني ذلك راحة طويلة وفرحا دائما، قلت: ففي أي الدرجات أنت! قال: مع الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا <ref> من قوله تعالى: {{قرآن|4|69}}</ref>.<br/>
(و لما مات) عاصم الجحدري رآه بعض أهله في المنام فقال: أ ليس قد مت! قال: بلى، قال: فأين أنت! قال: أنا واللّه في روضة من رياض الجنة أنا ونفر من أصحابي، نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد اللّه المزني فنتلقى أخباركم، قال: قلت: أجسادكم أم أرواحكم! قال: هيهات بليت الأجساد وإنما تتلاقى الأرواح.<br/>
(و رئي) الفضيل بن عياض <ref>قال ابن ناصر الدين: [هو] الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر أبو علي التميمي اليربوعي المروزي إمام الحرمين، شيخ الإسلام، قدوة الأعلام، حدّث عنه الشافعي ويحيى القطان وغيرهما، وكان إماما ربانيا كبير الشأن ثقة نبيلا عابدا زاهدا جليلا. توفي سنة سبع وثمانين ومائة للهجرة.</ref> بعد موته فقال: لم أر للعبد خيرا من ربه.<br/>
(و كان مرة الهمداني) قد سجد حتى أكل التراب جبهته، فلما مات رآه رجل من أهله في منامه وكأن موضع سجوده كهيئة الكوكب الدري، فقال: ما هذا الأثر الذي أرى بوجهك؟ قال: كسى موضع السجود بأكل التراب له نورا، قال: قلت:<br/>
فما منزلتك في الآخرة؟ قال: خير منزل، دار لا ينتقل عنها أهلها ولا يموتون.<br/>
(و قال) أبو يعقوب القارئ: رأيت في منامي رجلا آدما طوالا والناس يتبعونه، قلت: من هذا! قالوا: أويس القرني <ref>هو أويس بن عامر بن جرير بن مالك القرني، وقال علقمة بن مرثد: أويس بن أنيس، وقيل:<br/>
أويس بن الحليس. عن أسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتت عليه أمداد أهل اليمن سألهم: هل فيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد ثم قرن؟ قال: نعم، قال: كان بفيك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر على أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، وله والدة هو بها بار، لو أقسم على اللّه عز وجل لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فالع» فاستغفر لي؟ فاستغفر له. فقال عمر رضي اللّه عنه: أين تريد؟ قال: الكوفة، فقال: ألا أكتب لك إلى عاملها فيستوصي بك؟ قال: لأن أكون في غبر الناس أحب إلي. قال: فلما كان العام المقبل حج رجل من أشراف الكوفة فوافق عمر فسأله عن أويس: كيف تركته؟ قال: تركته رث الهيئة قليل المتاع، فقال عمر بن الخطاب: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول (فذكر الحديث) فلما قدم الرجل الكوفة أتى أويسا فقال: استغفر لي؟ فقال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح، ما ستغفر لي، لقيت عمر؟ قال: نعم، فاستغفر له ففطن الناس له فانطلق على وجهه. (راجع صفة الصفوة لابن الجوزي).</ref>، فاتبعته فقلت أوصني يرحمك اللّه، فكلح <ref>الكلوح: التكشر في عبوس.</ref> في وجهي، فقلت: مسترشد فأرشدني رحمك اللّه، فأقبل علي فقال: ابتغ رحمة اللّه عند محبته؛ واحذر نقمته عند معصيته، ولا تقطع رجاءك منه في خلال ذلك، ثم ولى وتركني.<br/>
(و قال) ابن السماك: رأيت مسعرا <ref>هو مسعر بن كدام الحافظ أبو سلمة الهلالي الكوفي الأحول أحد الأعيان، يسمى المصحف من إتقانه، ويدعى الميزان لنقده وتحرير لسانه، قال في العبر: أخذ عن الحكم وقتادة وخلق، وكان عنده نحو ألف حديث. قال يحيى القطان: ما رأيت أثبت منه، وقال شعبة: كنا نسمي مسعرا المصحف، توفي سنة خمس وخمسين ومائة.</ref> في النوم فقلت: أي الأعمال وجدت أفضل! قال: مجالس الذكر (و قال الأجلح) رأيت سلمة بن كهيل <ref>هو سلمة بن كهيل الكوفي، روى عن جندب البجلي وطائفة وكان من إثبات الشيعة وعلمائهم، حمل عنه شعبة والثوري. توفي سنة إحدى وعشرين ومائة.</ref> في النوم فقلت: أي الأعمال وجدت أفضل! قال: قيام الليل.<br/>
(و قال) أبو بكر بن أبي مريم: رأيت وفاء بن بشر بعد موته فقلت: ما فعلت يا وفاء! قال: نجوت بعد كل جهد، قلت: فأي الأعمال وجدتموها أفضل، قال:<br/>
البكاء من خشية اللّه عز وجل.<br/>
(و قال) الليث بن سعد عن موسى بن وردان <ref>هو موسى بن وردان المصري القاضي، روى عن أبي هريرة وسعد وطائفة، وعاش نيفا وثمانين سنة، توفي سنة سبع عشرة للهجرة.</ref> أنه رأى عبد اللّه بن أبي حبيبة بعد موته فقال: عرضت علي حسناتي وسيئاتي، فرأيت في حسناتي حبات رمان التقطتهن فأكلتهن، ورأيت في سيئاتي خيطي حرير كانا في قلنسوتي.<br/>
(و قال) سعيد بن داود: حدثني ابن داود أخي جويرية بن أسماء <ref>هو جويرية بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري، روى عن نافع والزهري وكان ثقة كثير الحديث.<br/>
توفي سنة ثلاث وسبعين ومائة.</ref> قال: كنا بعبادان، فقدم علينا شاب من أهل الكوفة متعبد، فمات بها في يوم شديد الحر، فقلت: نبرد ثم نأخذ في جهازه فنمت، فرأيت كأني في المقابر، فإذا بقية جوهر تتلألأ حسنا وأنا أنظر إليها، فأشرفت منها جارية ما رأيت مثل حسنها، فأقبلت علي فقالت: باللّه لا تحبسه عنا إلى الظهر، قال: فانتبهت فزعا وأخذت في جهازه وحفرت له قبرا في الموضع الذي رأيت فيه القبة فدفنته فيه.<br/>
و قال عبد الملك بن عتاب الليثي: رأيت عامر بن عبد قيس <ref>هو عامر بن عبد قيس بن ناشب بن أسامة بن جذيمة بن معاوية الناسك الفاضل، وهو الذي سيره عثمان رضي اللّه عنه من البصرة إلى الشام.</ref> في النوم فقلت: أي الأعمال وجدت أفضل! قال: ما أريد به وجه اللّه عز وجل. و قال يزيد بن هارون: رأيت أبا العلاء أيوب بن أبي مسكين <ref>هو أبو العلاء أيوب بن أبي مسكين القصاب أخذ عن قتادة وجماعة، توفي سنة أربعين ومائة.</ref> في المنام فقلت: ما فعل بك ربك! قال: غفر لي، قلت: بما ذا! قال: بالصوم والصلاة، قلت: أ رأيت منصور بن زاذان؟ قال: هيهات ذاك ترى قصره من بعيد.<br/>
و قال يزيد بن نعامة: هلكت جارية في طاعون الجارف، فلقيها أبوها بعد موتها فقال لها: يا بنية أخبريني عن الآخرة، قالت: يا أبت قدمنا على أمر عظيم نعلم ولا نعمل، وتعلمون ولا تعملون، واللّه لتسبيحة أو تسبيحتان أو ركعة أو ركعتان في صحيفة عملي أحب إلي من الدنيا وما فيها.<br/>
و قال كثير بن مرة: رأيت في منامي كأني دخلت درجة علياء في الجنة، فجعلت أطوف بها وأتعب منها، فإذا أنا بنساء من نساء المسجد في ناحية منها، فذهب حتى سلمت عليهم ثم قلت: بما بلغتن هذه الدرجة؟ قلن:<br/>
سجدات وتكبيرات.<br/>
و قال مزاحم مولى عمر بن عبد العزيز عن فاطمة بنت عبد الملك امرأة عمر بن عبد العزيز قالت: انتبه عمر بن عبد العزيز ليلة فقال: لقد رأيت رؤيا معجبة! قالت: فقلت: جعلت فداك فأخبرني بها؟ فقال: ما كنت لأخبرك بها حتى أصبح، فلما طلع الفجر خرج فصلى ثم عاد إلى مجلسه، قالت: فاغتنمت خلوته فقلت: أخبرني بالرؤيا التي رأيت؟ قال: رأيت كأني رفعت إلى أرض خضراء واسعة كأنها بساط أخضر، وإذا فيها قصر أبيض كأنه الفضة، وإذا خارج قد خرج من ذلك القصر فهتف بأعلى صوته يقول: أين محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب، أين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، إذا أقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى دخل القصر، قال: ثم إن آخر خرج من ذلك القصر فنادى: أين أبو بكر الصديق أين ابن أبي قحافة؟ إذا أقبل أبو بكر حتى دخل تلك القصر، ثم خرج آخر فنادى: أين عمر بن الخطاب، فأقبل عمر حتى دخل ذلك القصر، ثم خرج آخر فنادى: أين عثمان بن عفان؟ فأقبل حتى دخل ذلك القصر، ثم خرج آخر فنادى: أين علي بن أبي طالب، فأقبل حتى دخل ذلك القصر، ثم إن آخر خرج فنادى: أين عمر بن عبد العزيز؟ قال: قال عمر: فقمت حتى دخلت ذلك القصر، قال: فدفعت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم والقوم حوله، فقلت بيني وبين نفسي: أين أجلس؟ فجلست إلى جنب أبي عمر بن الخطاب، فنظرت فإذا أبو بكر عن يمين النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، وإذا عمر عن يساره، فتأملت فإذا بين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وبين أبي بكر رجل، فقلت:<br/>
من هذا الرجل الذي بين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وبين أبي بكر؟<br/>
فقال: هذا عيسى ابن مريم، فسمعت هاتفا يهتف وبيني وبينه ستر: نور يا عمر بن عبد العزيز، تمسك بما أنت عليه واثبت على ما أنت عليه، ثم كأنه أذن لي في الخروج فخرجت من ذلك القصر، فالتفت خلفي فإذا أنا بعثمان بن عفان وهو خارج من ذلك القصر يقول: الحمد للّه الذي نصرني، وإذا علي بن أبي طالب في دائرة خارج من ذلك القصر وهو يقول: الحمد للّه الذي غفر لي.<br/>
(و قال) سعيد بن أبي عروة عن عمر بن عبد العزيز [قال] <ref>زيادة على المطبوع لوضوح العبارة.</ref> رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر جالسان عنده، فسلمت وجلست، فبينا أنا جالس إذ أتي بعلي ومعاوية فأدخلا بيتا وأحيف عليهما الباب وأنا أنظر، فما كان بأسرع من أن يخرج علي وهو يقول: قضي لي ورب الكعبة، وما كان بأسرع من أن خرج معاوية على أثره وهو يقول: غفر لي ورب الكعبة.<br/>
(و قال) حماد بن أبي هاشم: جاء رجل إلى عمر بن عبد العزيز فقال: رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في المنام وأبو بكر عن يمينه وعمر عن شماله، وأقبل رجلان يختصمان وأنت بين يديه جالس، فقال لك: يا عمر، إذا عملت فاعمل بعمل هذين أبي بكر وعمر، فاستحلفه عمر باللّه أ رأيت هذه الرؤيا؟<br/>
فحلف، فبكى عمر.<br/>
(و قال) عبد الرحمن بن غنم: رأيت معاذ بن جبل بعد وفاته بثلاث <ref>توفي بالطاعون سنة سبع عشرة للهجرة، وكان من نجباء الصحابة.</ref> على فرس أبلق وخلفه رجال بيض عليهم ثياب خضر على خيل بلق وهو قدامهم وهو يقول: {{قرآن|س=36|آ=27|يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}} ثم التفت عن يمينه وشماله يقول: يا ابن رواحة يا ابن مظعون {{قرآن|س=39|آ=74|الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}} ثم صافحني وسلّم علي.<br/>
(و قال) قبيصة بن عقبة: رأيت سفيان الثوري في المنام بعد موته فقلت: ما فعل اللّه بك، فقال:<br/>
نظرت إلى ربي عيانا فقال لي ... هنيئا رضانا عنك يا ابن سعيد<br/>
فقد كنت قواما إذا الليل قد دجا ... بعيرة محزون وقلب عميد<br/>
فدونك فاختر أي قصر تريده ... وزرني فإني منك غير بعيد<br/>
وقال سفيان بن عيينة: رأيت سفيان الثوري بعد موته يطير في الجنة من نخلة إلى شجرة ومن شجرة إلى نخلة وهو يقول: {{قرآن|37|61}} فقيل له: بما أدخلت الجنة؟ قال: بالورع بالورع، قيل له: فما فعل علي بن عاصم <ref>هو علي بن عاصم أبو الحسن الواسطي، محدث واسط، روى عن حصين بن عبد الرحمن وعطاء بن السائب والكبار، وكان يحضر مجلسه ثلاثون ألفا، توفي سنة إحدى ومائتين وله بضع وتسعون سنة.</ref>؟ قال: ما نراه إلا مثل الكوكب.<br/>
(و كان) شعبة بن الحجاج <ref>هو شعبة بن الحجاج بن الورد الإمام أبو بسطام العتكي الأزدي مولاهم الواسطي شيخ البصرة، وأمير المؤمنين في الحديث، روى عن معاوية بن قرة وعمرو بن مرة وخلق من التابعين، قال الشافعي: لو لا شعبة ما عرف الحديث بالعراق، وقال ابن المديني: له نحو ألقي حديث، وقال سفيان لما بلغه موت شعبة: مات الحديث وقال أبو زيد الهروي: رأيت شعبة يصلي حتى تورمت قدماه، وقد أثنى جماعة من كبار الأئمة على شعبة ووصفوه بالعلم والزهد والقناعة والرحمة والخير، وكان رأسا في العربية والشعر سوى الحديث، توفي سنة ستين ومائة لثلاث بقين من جمادى الآخرة</ref> ومسعر بن كدام <ref>هو مسعر بن كدام الحافظ أبو سلمة الهلالي الكوفي أخذ عن الحكم وقتادة وخلق، وكان عنده نحو ألف حديث، قال يحيى القطان: ما رأيت أثبت منه، وقال شعبة: كنا نسمي مسعرا: المصنف، وقال أبو نعيم: مسعر أثبت من سفيان وشعبة، توفي سنة خمس وخمسين ومائة.</ref> حافظين وكانا جليلين، قال أبو أحمد البريدي: فرأيتهما بعد موتها، فقلت: أبا بسطام ما فعل اللّه بك؟ فقال:<br/>
وفقك اللّه لحفظ ما أقول:<br/>
حباني إلهي في الجنان بقية ... لها ألف باب من لجين <ref>اللجين بالضم: الفضة.</ref> وجوهرا<br/>
سطر 78:
كفا مسعرا عزا بأن سيزورني ... واكشف عن وجهي الكريم لينظرا<br/>
وهذا فعالي بالذين تنسكوا ... ولم يألفوا في سالف الدهر منكرا<br/>
قال أحمد بن محمد اللبدي: رأيت أحمد بن حنبل في النوم فقلت: يا أبا عبد اللّه ما فعل اللّه بك؟ قال: غفر لي، قال: يا أحمد ضربت فيّ ستين سوطا؟<br/>
قلت: نعم يا رب، قال: هذا وجهي قد أبحتك فانظر إليه.<br/>
و قال أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج: حدثني رجل من أهل طرطوس قال: دعوت اللّه عز وجل أن يريني أهل القبور حتى أسألهم عن أحمد بن حنبل ما فعل اللّه به؟ فرأيت بعد عشر سنين في المنام كأن أهل القبور قد قاموا على قبورهم فبادروني بالكلام فقالوا: يا هذا كم تدعو اللّه عز وجل أن يريك إيانا تسألنا عن رجل لم يزل منذ فارقكم تحليه الملائكة تحت شجرة طوبى. قال أبو محمد عبد الحق: وهذا الكلام من أهل القبور إنما هو إخبار عن علو درجة أحمد بن حنبل وارتفاع مكانه وعظم منزلته، فلم يقدروا أو يعبروا عن صفة حاله وعن ما هو فيه إلا بهذا وما هو في معناه.<br/>
و قال أبو جعفر السقاء صاحب بشر بن الحارث <ref>هو أبو نصر بشر بن الحارث المروزي الزاهد المعروف ببشر الحافي، سمع من حماد بن زيد وإبراهيم بن سعد وطبقتهما، وعني بالعلم ثم أقبل على شأنه ودفن كتبه وحدث بشي ء يسير، وكان في الفقه على مذهب الثوري، وقد صنف العلماء في مناقب بشر وكراماته رحمه، توفي ببغداد في ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائة وعاش خمسا وسبعين سنة.</ref>: رأيت بشرا الحافي ومعروفا الكرخي <ref>هو القدوة الزاهد صاحب الأحوال والكرامات، توفي سنة مائتين للهجرة.</ref> وهما جائيان فقلت: من أين؟ قالا: من جنة الفردوس زرنا كليم اللّه موسى.<br/>
و قال عاصم الجزري: رأيت في النوم كأني لقيت بشر بن الحارث، فقلت:<br/>
من أين أبا نصر؟ قال: من عليين، قلت: فما فعل أحمد بن حنبل. قال: تركته الساعة مع عبد الوهاب الوراق بين يدي اللّه عز وجل يأكلان ويشربان، قلت له:<br/>
فأنت؟ قال: علم قلة رغبتي في الطعام فأباحني النظر إليه.<br/>
و قال أبو جعفر السقاء: رأيت بشر بن الحارث في النوم بعد موته فقلت:<br/>
أبا نصر ما فعل اللّه بك؟ قال: ألطفني ورحمني وقال لي: يا بشر لو سجدت لي في الدنيا على الجمر ما أديت شكر ما حشوت قلوب عبادي منك، وأباح لي نصف الجنة فأسرح فيها حيث شئت، ووعدني أن يغفر لمن تبع جنازتي، فقلت: ما فعل أبو نصر التمار؟ فقال: ذاك فوق الناس بصبره على بلائه وفقره، قال عبد الحق:<br/>
لعله أراد بقوله: نصف الجنة، نصف نعيمها، لأن نعيمها نصفان، نصف روحاني ونصف جسماني، فيتنعمون أولا بالروحاني، فإذا ردت الأرواح إلى الأجساد أضيف لهم النعيم الجسماني إلى الروحاني، وقال غيره: نعيم الجنة مرتب على العلم والعمل، وحظ بشر من العمل كان أوفى من حظه في العلم، واللّه أعلم.<br/>
و قال بعض الصالحين: رأيت أبا بكر الشبلي في المنام وكأنه قاعد في مجلس الرصافة بالموضع الذي كان يقعد فيه، وإذا به قد أقبل وعليه ثياب حسان، فقمت إليه وسلمت عليه وجلست بين يديه، فقلت له: من أقرب أصحابك إليك؟<br/>
قال: أكثرهم لذكر اللّه، وأقومهم بحق اللّه، وأسرعهم مبادرة في مرضاة اللّه.<br/>
و قال أبو عبد الرحمن الساحلي: رأيت ميسرة بن سليم في المنام بعد موته فقلت له: طالت غيبتك! فقال: السفر الطويل، فقلت له: فما الذي قدمت عليه؟<br/>
فقال: رخص لي لأنا كنا نفتي بالرخص، فقلت: فما تأمرني به؟ قال: إتباع الآثار، وصحبة الأخيار، ينجيان من النار، ويقربان من الجبار.<br/>
و قال أبو جعفر الضرير: رأيت عيسى بن زاذان بعد موته، فقلت: ما فعل اللّه بك؟ فأنشأ يقول:<br/>
لو رأيت الحسان في الخلد حولي ... وأكاويب معها للشراب<br/>
يترنمن بالكتاب جميعا ... يتمشين مسبلات الثياب<br/>
وقال بعض أصحاب ابن جريج: رأيت كأني جئت إلى المقبرة التي بمكة، فرأيت على عامتها سرادقا، ورأيت منها قبرا عليه سرادق <ref>السرادق: واحد السرادقات وهي التي تمد فوق صحن الدار، وكل بيت من قطن فهو سرادق.</ref> وفسطاط <ref>الفسطاط: بيت من شعر.</ref> وسدرة فجئت حتى دخلت، فسلمت عليه، فإذا بمسلم بن الرنجي، فسلمت عليه وقلت:<br/>
يا أبا خالد ما بال هذه القبور عليها سرادق وقبرك عليه سرادق وفسطاط وفيه سدرة؟<br/>
فقال: إني كنت كثير الصيام، فقلت: فأين قبر ابن جريج وأين محله؟ فقد كنت أجالسه وأنا أحب أن أسلم عليه، فقال: هكذا، بيده هيهات وأدار إصبعه السبابة، وأين قبر ابن جريج رفعت صحفته في عليين.<br/>
و رأي حماد بن سلمة <ref>هو حماد بن سلمة بن دينار البصري الحافظ، سمع قتادة وأبا جمرة الضبعي وطبقتهما، وكان سيد أهل وقته، قال رهيب بن خالد: حماد بن سلمة سيدنا وأعلمنا، قال ابن المديني: كان عند يحيى بن ضريس عن حماد بن سلمة عشرة آلاف حديث. وقال عبد الرحمن بن مهدي: لو قيل لحماد بن سلمة أنك تموت غدا ما قدر أن يزيد في العمل شيئا، وقال شهاب البلخي: كان حماد بن سلمة يعد من الأبدال، وقال غيره: كان فصيحا مفوها إماما في العربية، صاحبة سنّة، له تصانيف في الحديث توفي في آخر سنة سبع وستين ومائة.</ref> في النوم أصحابه، فقال له: ما فعل اللّه بك؟<br/>
فقال: قال لي: طال ما كدت نفسك في الدنيا فاليوم أطيل راحتك وراحة المتعبين.<br/>
و هذا باب طويل جدا، فإن لم تسمح نفسك بتصديقه وقلت: هذه منامات، وهي غير معصومة، فتأمل من رأى صاحبا له أو قريبا أو غيره فأخبره بأمر لا يعلمه إلا صاحب الرؤيا، أو أخبره بمال دفنه أو حذره من أمر يقع أو بشره بأمر يوجد فوقع كما قال، أو أخبره بأنه يموت هو أو بعض أهله إلى كذا وكذا فيقع كما أخبره، أو أخبره بخصب أو جدب أو عدو أو نازلة أو مرض أو بغرض له فوقع كما أخبره، والواقع من ذلك لا يحصيه إلا اللّه، والناس مشتركون فيه، وقد رأينا نحن وغيرنا من ذلك عجائب.<br/>
و أبطل من قال أن هذه كلها علوم وعقائد في النفس تظهر لصاحبها عند انقطاع نفسه عن الشواغل البدنية بالنوم، وهذا من الباطل والمحال، فإن النفس لم يكن لها معرفة قط بهذه الأمور التي يخبر بها الميت، ولا خطرت ببالها ولا عندها علامة عليها، ولا إمارة بوجه ما، ونحن لا ننكر أن الأمر قد يقع كذلك.<br/>
و إن من الرؤيا ما يكون من حديث النفس وصورة الاعتقاد، بل كثير من مرائي الناس إنما هي من مجرد صور اعتقادهم المطابق وغير المطابق. فإن الرؤيا على ثلاثة أنواع: رؤيا من اللّه، ورؤيا الشيطان، ورؤيا من حديث النفس.<br/>
و الرؤيا الصحيحة أقسام: منها إلهام يلقيه اللّه سبحانه في قلب العبد وهو كلام يكلم به الرب عبده في المنام كما قال عبادة بن الصامت وغيره.<br/>
و منها مثل يضربه له ملك الرؤيا الموكل بها.<br/>
و منها التقاء روح النائم بأرواح الموتى من أهله وأقاربه وأصحابه وغيرهم كما ذكرنا.<br/>
و منها عروج روحه إلى اللّه سبحانه وخطابها له.<br/>
و منها دخول روحه إلى الجنة ومشاهدتها وغير ذلك، فالتقاء الأرواح الأحياء والموتى نوع من أنواع الرؤيا الصحيحة التي هي عند الناس من جنس المحسوسات.<br/>
و هذا موضع اضطرب فيه الناس (فمن قائل) إن العلوم كلها كامنة في النفس، وإنما اشتغالها بعالم ا؟؟؟ سالحس يحجب عنا مطالعتها، فإذا تجردت بالنوم رأت منها بحسب استعدادها، ولما ك؟؟كان تجردها بالموت أكمل، كانت علومها ومعارفها هناك أكمل، وهذا فيه حق وباطل، فلا يرد كله ولا يقبل كله، فإن تجرد النفس يطلعها على علوم ومعارف لا تحصل بدون التجرد، لكن لو تجردت كل التجرد لم تطلع على علم اللّه الذي بعث به رسوله، وعلى تفاصيل ما أخبر به عن الرسل الماضية والأمم الخالية، وتفاصيل المعاد، وأشراط الساعة، وتفاصيل الأمر والنهي، والأسماء والصفات والأفعال، وغير ذلك مما لا يعلم إلا بالوحي، ولكن تجرد النفس عون لها على معرفة ذلك وتلقيه من معدنه أسهل وأقرب وأكثر مما يحصل للنفس المنغمسة في الشواغل البدنية.<br/>
(و من قائل) إن هذه المرائي علوم علقها اللّه في النفس ابتداء بلا سبب، وهذا قول منكري الأسباب والحكم القوي، وهو قول مخالف للشرع والعقل والفطرة.<br/>
(و من قائل) إن الرؤيا أمثال مضروبة، يضربها اللّه للعبد بحسب استعداد ألفه على يد ملك الرؤيا، فمرة يكون مثلا مضروبا، ومرة يكون نفس ما رآه الرائي فيطابق الواقع العلم لمعلومه.
و هذا أقرب من القولين قبله، ولكن الرؤيا ليست مقصورة عليه، بل لها أسباب أخرى، كما تقدم من ملاقاة الأرواح وأخبار بعضها بعضا، من إلقاء الملك الذي في القلب والروغ، ومن رؤية الروح للأشياء مكافحة بلا واسطة.<br/>
(و قد ذكر) أبو عبد اللّه بن منده الحافظ في كتاب (النفس والروح) من حديث محمد بن حميد: حدثنا عبد الرحمن بن الغراء الدووسي، حدثنا الأزهر بن عبد اللّه الأزدي، عن محمد بن عجلان، عن سالم بن عبد اللّه عن أبيه قال: لقي عمر بن الخطاب علي بن أبي طالب فقال له: يا أبا الحسن ربما شهدت وغبنا، وشهدنا وغبت؟ ثلاث أسألك عنهن عندك منهن علم؟ فقال علي بن أبي طالب:
و ما هن؟ فقال: الرجل يحب الرجل ولم ير منه خيرا، والرجل يبغض الرجل ولم ير منه شرا، فقال علي: نعم، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول:<br/>
(إن الأرواح جنود مجندة، تلتقي في الهواء فتشأم <ref>المشأمة: الميسرة، والشؤم ضد اليمن، يقال: رجل مشوم ومشئوم، ويقال: ما أشأم فلانا، والعامة تقول ما أيشمه.</ref>، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)، فقال: واحدة، قال عمر: والرجل يحدث الحديث إذ نسيه، فبينا هو وما نسيه إذ ذكره، فقال: نعم، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول: (ما في القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر، بينما القمر مضي ء إذا تجللته سحابة فأظلم، إذا تجلت فأضاء، وبينما القلب يتحدث إذا تجللته سحابة فنسي، إذ تجلت عنه فيذكر) قال عمر: اثنتان، قال: والرجل يرى الرؤيا فمنها ما يصدق ومنها ما يكذب؟ فقال: نعم، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول: (ما من عبد ينام يتملى نوما إلا عرج بروحه إلى العرش، فالذي لا يستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تصدق، والذي يستيقظ دون العرش فهي التي تكذب، فقال عمر: ثلاث كنت في طلبهن، فالحمد للّه الذي أصبنهن قبل الموت).<br/>
و قال بقية بن الوليد: حدثنا صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر الحضرمي قال: قال عمر بن الخطاب: عجبت لرؤيا الرجل يرى الشي ء لم يخطر له على بال فيكون كأخذ بيد، ويرى الشي ء فلا يكون شيئا، فقال علي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين، يقول اللّه عز وجل أنه: {{قرآن|س=39|آ=42|يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى}} قال: والأرواح يعرج بها في منامها، فما رأت وهي في السماء فهو الحق، فإذا ردت إلى أجسادها تلقتها الشياطين في الهواء فكذبتها، فما رأت من ذلك فهو الباطل، قال: فجعل عمر يتعجب من قول علي، قال ابن منده: هذا خبر مشهور عن صفوان بن عمرو وغيره وروى عن أبي الدرداء.<br/>
(و ذكر) الطبراني من حديث علي بن أبي طلحة أن عبد اللّه بن عباس قال لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين أشياء أسألك عنها؟ قال: سل عما شئت، قال: يا أمير المؤمنين، مم يذكر الرجل ومم ينسى، ومم تصدق الرؤيا ومم تكذب؟<br/>
فقال له عمر: إن على القلب طخاوة <ref>أي غشاوة.</ref> كطخاوة القمر، فإذا تغشت القلب نسي ابن آدم، فإذا انجلت ذكر ما كان نسي، وأما مم تصدق الرؤيا ومم تكذب، فإن اللّه عز وجل يقول: {{قرآن|س=39|آ=42|اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا}} فمن دخل منها في ملكوت السماء فهي التي تصدق، وما كان منها دون ملكوت السماء فهي التي تكذب.<br/>
(و روى) ابن لهيعة عن عثمان بن نعيم الرعيني عن أبي عثمان الأصبحي عن أبي الدرداء <ref>هو أبو الدرداء الخزرجي الزاهد الحكيم، أسلم بعد بدر، وولي قضاء دمشق لمعاوية في خلافة عثمان، توفي سنة اثنتين وثلاثين.</ref> قال: إذا نام الإنسان عرج بروحه حتى يؤتى بها العرش، فإن كان طاهرا أذن لها بالسجود، وإن كان جنبا لم يؤذن لها بالسجود.<br/>
(و روى) جعفر بن عون عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد اللّه بن مسعود أنه قال: إن الأرواح جنود مجندة تتلاقى فتشأم كما تشأم الخيل، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.<br/>
و لم يزل الناس قديما وحديثا تعرف هذا وتشاهده، قال جميل بن معمر الغنوي:<br/>
أظل نهاري مستهاما وتلتقي ... مع الليل روحي في المنام وروحها<br/>
فإن قيل: فالنائم يرى غيره من الأحياء يحدثه ويخاطبه وربما كان بينهما مسافة بعيدة ويكون الرائي يقظان، روحه لم تفارق جسده، فكيف التقت روحاهما، قيل: هذا إما أن يكون مثلا مضروبا ضربه ملك الرؤيا للنائم، أو يكون حديث نفس من الرائي تجرد له منامه كما قال حبيب بن أوس:<br/>
سقيا لطيفك من زور أتاك به ... حديث نفسك عنه وهو مشغول<br/>
وقد تتناسب الروحان وتشتد علاقة إحداهما بالأخرى، فيشعر كل منهما ببعض ما يحدث لصاحبه، وإن لم يشعر بما يحدث لغيره لشدة العلاقة بينهما، وقد شاهد الناس من ذلك عجائب.<br/>
و المقصود أن أرواح الأحياء تتلاقى في النوم، كما تتلاقى أرواح الأحياء والأموات، قال بعض السلف: إن الأرواح تتلاقى في الهواء فتتعارف أو تتناكر، فيأتيها ملك الرؤيا بما هو لاقيها من خير أو شر، قال: وقد وكل اللّه بالرؤيا الصادقة ملكا علمه وألهمه معرفة كل نفس بعينها واسمها ومتقلبها في دينها ودنياها وطبعها ومعارفها، لا يشتبه عليه منها شي ء ولا يغلط فيها، فتأتيه نسخة من علم غيب أئمة من أم الكتاب بما هو مغيب لهذا الإنسان من خير وشر في دينه ودنياه، ويضرب له فيها الأمثال والأشكال على قدر عادته، فتارة يبشره بخير قدمه أو يقدمه، وينذره من معصية ارتكبها أو هم بها، ويحذره من مكروه انعقدت أسبابه ليعارض تلك الأسباب بأسباب تدفعها، ولغير ذلك من الحكم والمصالح التي جعلها اللّه في الرؤيا نعمة منه ورحمة وإحسانا وتذكيرا وتعريفها، وجعل أحد طرق ذلك تلاقي الأرواح وتذاكرها وتعارفها، وكم من كانت توبته وصلاحه وزهده وإقباله على الآخرة عن منام رآه أو رئي له، وكم ممن استغنى وأصاب كنزا دفينا عن منام.<br/>
و في (كتاب المجالسة) لأبي بكر أحمد بن مروان المالكي عن ابن قتيبة عن أبي حاتم عن الأصمعي عن المعتمر بن سليمان عمن حدثه قال: خرجنا مرة في سفر وكنا ثلاثة نفر، فنام أحدنا، فرأينا مثل المصباح خرج من أنفه فدخل غارا قريبا منه ثم رجع فدخل أنفه، فاستيقظ يمسح وجهه، وقال: رأيت عجبا، رأيت في هذا الغار كذا وكذا، فدخلناه فوجدنا فيه بقية من كنز كان.<br/>
و هذا عبد المطلب دل في النوم على زمزم وأصاب الكنز الذي كان هناك <ref>انظر قصة حفر زمزم في سيرة ابن هشام (1/ 150).</ref>.<br/>
و هذا عمير بن وهب أتي في منامه فقيل له: قم إلى موضع كذا وكذا من البيت فاحفره تجد مال أبيك، وكان أبوه قد دفن مالا ومات ولم يوص به، فقام عمير من نومه فاحتفر حيث أمره، فأصاب عشرة آلاف درهم وتبرا كثيرا، فقضى دينه وحسن حاله وحال أهل بيته، وكان ذلك عقب إسلامه، فقالت له الصغرى من بناته: يا أبت ربنا هذا الذي حبانا بدينه خير من هبل والعزى، ولو أنه كذلك وما ورثك هذا المال، وإنما عبدته أياما قلائل.<br/>
قال علي بن أبي طالب القيرواني العابر: وما حديث عمر هذا واستخراجه المال بالمنام بأعجب مما كان عندنا وشاهدناه في عصرنا بمدينتنا من أبي محمد عبد اللّه البغانشي، وكان رجلا صالحا مشهورا برؤية الأموات وسؤالهم عن الغائبات، ونقله ذلك إلى أهلهم وقراباتهم، حتى اشتهر بذلك وكثر منه، فكان المرء ليشكو إليه حميمه قد مات من غير وصية له مال لا يهتدي إلى مكانه، فيعده خيرا ويدعو اللّه تعالى في ليلته، فيتراءى له الميت الموصوف فيسأله عن الأمر فيخبره به.<br/>
(فمن نوادره) أن امرأة عجوزا من الصالحات توفيت، ولامرأة عندها سبعة دنانير وديعة، فجاءت إليه صاحبة الوديعة وشكت إليه ما نزل بها وأخبرته باسمها واسم الميتة صاحبتها، ثم عادت إليه من الغد، فقال لها: تقول لك فلانة عدي من سقف بيتي سبع خشبات تجدي الدنانير في السابعة في خرقة صوف، ففعلت ذلك فوجدتها كما وصف لها.<br/>
قال: وأخبرني رجل لا أظن به كذبا: استأجرتني امرأة من أهل الدنيا على هدم دار لها وبنائها بمال معلوم، فلما أخذت في الهدم لزمت الفعلة هي ومن معها، فقلت: ما لك؟ قالت: وللّه ما لي إلى هذه الدار من حاجة، لكن أبي مات و كان ذا يسار كثير، فلم تجد له كثير شي ء، فخلت أن ماله مدفون، فعمدت إلى هدم الدار لعلي أجد شيئا! فقال لها بعض من حضر: لقد فاتك ما هو أهون عليك من هذا، قالت: وما هو؟ قال: فلان تمضين إليه وتسألينه أن يبيت قصتك الليلة فلعله ير أباك فيدلك عن مكان ماله بلا تعب ولا كلفة، فذهبت إليه ثم عادت إلينا، فزعمت أنه كتب اسمها واسم أبيها عنده، فلما كان من الغد بكرت إلى العمل، وجاءت المرأة من عند الرجل فقالت: إن الرجل قال لي: رأيت أباك وهو يقول:<br/>
المال في الحنية، قال: فجعلنا نحفر تحت الحنية وفي جوانبها حتى لاح لي شق، وإذا المال فيه، قال: فأخذنا في التعجب والمرأة تستخف بما وجدت وتقول: مال أبي كان أكثر من هذا ولكني أعود إليه، فمضت فأعلمته ثم سألته المعاود، فلما كان من الغد أتت وقالت: إنه قال لها: إن أباك يقول لك: احفري تحت الخابية التي في مخزن الزيت قال: ففتحت المخزن فإذا بخابية مربعة في الركن فأزلناها وحفرنا تحتها فوجدنا كوزا كبيرا فأخذته، ثم دام بها الطمع في المعاودة، ففعلت فرجعت من عنده وعليها الكآبة فقالت: زعم أنه رآه وهو يقول له: قد أخذت ما قدر لها، وأما ما بقي فقد جلس عليه عفريت من الجن يحرسه إلى من قدر له، والحكايات في هذا الباب كثيرة جدا.<br/>
و أما من حصل له الشفاء باستعمال دواء رأى من وصفه له في منامه فكثير جدا (و قد حدثني) غير واحد ممن كان غير مائل إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، أنه رآه بعد موته وسأله عن شي ء كان يشكل عليه من مسائل الفرائض وغيرها فأجابه بالصواب.<br/>
و بالجملة فهذا أمر لا ينكره إلا من هو أجهل الناس بالأرواح وأحكامها وشأنها وباللّه التوفيق.