الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مغامرات حاجي بابا الإصفهاني/41»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
إضافة ترجمة فصل جديد
(لا فرق)

نسخة 12:53، 28 ديسمبر 2020

خطأ لوا في وحدة:Header على السطر 208: attempt to concatenate a nil value.

الفصل الحادي والأربعون. وصف صادق للحملة ضد الروس ولشجاعة ‏الفرس

بعد أن حصل رئيسي والسردار على كل المعلومات مني ومن يوسف حول قوة الموسكوفيين ‏ومواقعهم قرروا الشروع بالهجوم فوراً فصدر أمر إلى الجيش بالمسير إلى حماملو.‏

دبت الحركة في كل شيء: بدأت المدفعية مسيرها الصعب البطئ عبر الجبال، ومضى المشاة ‏في طريقهم وتحرك الفرسان في مجموعات منفصلة على كامل السهل. وقبل المسير زارني ‏الأرمني، ولم يعد مظهره المظهر الخشن لأهل الجبال بقبعته الضخمة من جلد الخراف وسترته ‏الجورجية القصيرة والخفين على قدميه والخنجر الطويل على جنبه وبندقيته المعلقة بشكل مائل ‏وراء ظهره، بل صار يلبس معطفاً طويلاً من المخمل القرمزي بشرائط وأزرار ذهبية اللون ‏وشال كشمير جميل حول خصره وقبعة صغيرة من جلد الخراف البخارية على رأسه، وخصلتا ‏شعر وراء أذنيه ممشطتان بكل عناية، وكل مظهره أشبه بمظهر فتاة إذ كانت ملابسه تستر ‏أطرافه. وعندما تقدم مني بدا عليه الخجل على هذا التغير العجيب. شكرني بتعابير الامتنان وأكد ‏لي أنه لم يتوقع هذه النتيجة من مقابلة السردار، بل قرر أن يخاطبه بشجاعة من ينتظر موته ما ‏دام سيخسر حياته وزوجته. وأضاف: «ورغم هذا التغير الكبير في أوضاعي لا أحب ما صرت ‏إليه، فلا أقبل أن أكون مجرد أحد ذيول السردار لا عمل لي ولا فائدة مني، وأرجو ألا تزعل إن ‏تسرحت بعد حين من هذا المنصب المشرف. سأقبل بكل شيء حتى أضمن وصول زوجتي إلى ‏مكان آمن، ومتى ضمنت ذلك سأترك الخدمة؛ فأشرف لي أن أرعى الخنازير في جبال جورجيا ‏عارياً متشرداً وأكسب قوت يومي بجهدي الشريف من حياة متطفل يلبس المخمل والحرير، ولو ‏كان ذلك في أفخم قصور فارس.»‏

ومع أنني استحسنت مشاعره، كنت أفضّل ألا يفصح لي عنها، لأنه لو فرّ من الخدمة سأكون ‏بشكل أو بآخر مسؤولاً عن ذلك.‏

وفي هذه الأثناء مضى الجيش في طريقه. وعند مرورنا بأشتاراك حصل يوسف على إذن ‏باصطحاب زوجته، وحظيت بكل الاعتبار والاحترام بصفتها زوجة أحد الخدم المفضلين ‏للسردار، وتابعت طريقها ممتطية حصاناً وسط قافلة الخدم التي ترافق أي جيش فارسي.‏

عسكر الجيش بين غومشلو وأبيران وتقرر أن يمكث فيه جميع من لا يشاركون في المعارك، ‏وتقرر أن تتشكل القوة المهاجمة من السردار ونسقجي باشي، كل على رأس رجاله، على أن ‏ينطلقوا في المساء.‏

ومع اقترابنا من مواقع الجيش الروسي بدت على السردار علامات الضيق من التأخر، إذ ‏كان يحتقر سلاح المشاة ورغب بمهاجمة العدو بقوات الفرسان وحدها. ولم أشهد مثل هذا الاندفاع ‏عند رئيسي. صحيح أنه بقي يتباهى طوال الوقت ليقنع الكل بأن العدو، متى رآه، سيصاب ‏بالذعر من منظره وحده، ولكنه وافق في النهاية على طلب السردار بأن يبقى في المؤخرة، بينما ‏يغير السردار على حماملو على رأس القوة الأساسية من الفرسان. وطبعاً، بقيت في المؤخرة ‏تحت تصرف رئيسي.‏

كان السردار ينوي بلوغ حماملو قبل الفجر ليباغت حرس أبوابها، فانحرف عن الطريق ‏ليعبر نهر بمباكي، وتابعنا طريقنا لكي ندعم السردار في حال صد الروس هجومه.‏

وصلنا إلى ضفة النهر عند الفجر، وكان مع نسقجي باشي نحو خمس مئة فارس، وكان من ‏المفترض أن يلحق المشاة بنا متى تيسر لهم ذلك. أوشكنا أن نشرع بعبور النهر حين سمعنا صوتاً ‏من الضفة الأخرى صاح بضع كلمات غريبة بلغة لا نعرفها ثم شرح لنا معناها بطلقة من ‏البندقية، ما أوقف تقدمنا واسترعى انتباه رئيسنا وقد اصفرّ وجهه وشحب. فهتف: «ما هذا؟ ماذا ‏نفعل؟ أين نذهب؟ من أطلق النار؟ هل أطلقت النار يا حاجي بابا؟»‏

فقلت وأنا أشعر بالخوف مثله: «لا، لم أطلق النار. ربما يوجد هنا غيلان بين الموسكوفيين ‏مثل غيلان أشتاريك بين الأرمن.»‏

وبعد دقيقة سمعنا صيحات أخرى وانطلقت طلقة ثانية. وقد بزغ الفجر فرأينا رجلين على ‏الضفة المقابلة في بزة الجنود الروس. وعندما رأى رئيسنا حجم الخطر وعدد قوات العدو التي ‏تواجهنا راقت تعابير وجهه ثم بدا عليه أقصى درجات التصميم والشدة، فصاح لمن يحيطون به: ‏‏«هيا، انطلقوا واطعنوا واقتلوا! أحضروا لي رأسيهما على الفور!»‏

انطلق عدد من الرجال في الحال لعبور النهر وسيوفهم فوق رؤوسهم، بينما تراجع الجنديان ‏إلى تلة صغيرة تشرف على المعبر وبدآ بالرمي بالتناوب من بنادقهم على المهاجمين بثبات فاجأنا ‏وأذهلنا. فقتلا اثنين من رجالنا فتقهقر الآخرون إلى ضفتنا، ولم يظهر عند أحدٍ منّا رغبة في ‏تكرار الهجوم، ولم تنفع شتائم رئيسنا ولا توسلاته ولا عرضه مكافأة مالية مقابل رؤوس الأعداء، ‏إذ لم يقبل أحد من رجاله أن يتقدم. وأخيراً صاح بصوت عال: «إذن، سأذهب أنا! ألا يتبعني ‏أحد؟» ثم توقف وخاطبني قائلاً: «يا حاجي، يا روحي، ألن تذهب لتقطع رأسيهما؟ وسأعطيك كل ‏ما تطلبه لو فعلت!» ثم لف يده حول عنقي وقال: «هيا، اذهب، فأنا واثق أنك ستعود برأسيهما.»‏

 
جنديان روسيان يدحران الفرس.

وبينما نحن نتفاوض بهذا الشكل ضربت رصاصة من بندقية أحد الجنديين الروسيين ركاب ‏نسقجي باشي فدفعه رعبه إلى التفوه بأبذأ الشتائم الرذيلة وهو ينادي رجاله ويأمرهم بالتراجع ‏ويسبقهم في هذا، إذ صاح: «اللعنة على لحاهم! اللعنة على آبائهم وعلى أمهاتهم وعلى أسلافهم ‏وعلى أخلافهم! أهكذا يحارب الناس؟ القتل، القتل، وكأننا خنازير. انظروا إلى هؤلاء الوحوش! ‏لا يهربون مهما فعلت. بل هم أسوأ من البهائم، فالبهائم عندها شعور، وهؤلاء لا شعور عندهم. يا ‏الله، يا الله، لو لم يكن في الأمر موت لأريتهم كيف يحارب الفرس!»‏

قطعنا خلال هذا الوقت مسافة ثم توقفنا. كان رئيسنا يتوقع أن يجد الروس وراء كل شجرة، ‏فاحتار في ما عليه أن يفعل الآن، حين جاء القرار من تلقاء نفسه عندما رأينا السردار على رأس ‏فرسانه يتقهقر بكل عجلة من العدو. اتضح أن الحملة أخفقت بالكامل ولم يبق للجيش إلا أن يعود ‏من حيث أتى.‏

لن أحاول أن أصف الصورة البائسة لقوات السردار، فقد بدا رجاله مرهقين ومنهكين بالتعب ‏فيتحركون جميعهم ببطء نحو المعسكر دون أن يلتفت أحدهم وراءه، وكأنهم اتفقوا على ذلك. ‏وبقدر ما كانت معنوياتهم محطمة ارتفعت معنويات رئيسي وقد رأى أنه ليس المهزوم الوحيد. ‏بقي يتحدث عن بسالته والجرح الذي أصيب به والبطولات التي ينوي القيام بها، فتحمس لدرجة ‏أنه رفع رمحه ونخس حصانه وطعن به طباخه الذي كان يعتني بأقداره فثقب الشال الذي كان ‏يتمنطق به.‏

هكذا انتهت الحملة التي توقع السردار منها أن يحصد المجد ورؤوس الموسكوفيين والتي ‏أعطت لرئيسي سبباً يتباهى به حتى نهاية عمره. فرغم الفشل الذريع وجد نسقجي باشا ما يتفاخر ‏به.‏

وكان يسرد بطولاته العظيمة في وسط حلقة من مرؤوسيه، وأنا بينهم، حين جاءني أمر من ‏السردار يطلب حاجي بابا إلى حضرته. عدت مع الرسول، وأول ما سألني السردار حالما رآني ‏كان: «أين يوسف؟ وأين زوجته؟»‏

أدركت في الحال أنهما هربا، فنظرت إليه نظرة كلها براءة ونفيت أية معرفة بهما.‏

بدأت عينا السردار تشتعلان غضباً وفمه ينقلب ويفتل، ثم انفجر غيظه بأفظع التعابير، وأقسم ‏بالانتقام منه وقريته وقومه وكل من له أدنى علاقة به، وقال أنه لا يصدقني، وإن تبين له أني ‏تواطأت مع الأرمني فسوف يمحو شخصي الحقير عن وجه الأرض.‏

عرفت لاحقاً أن السردار أرسل جماعة من الرجال إلى غومشلو وأمرهم بالقبض على يوسف ‏وجميع أقاربه وكل ما يملكون وأن يحرقوا كل ما لا يستطيعون أن يحملوه معهم. إلا أن الشاب ‏الفطن قد توقع هذا واتخذ تدابيره بسرعة وحكمة بالغتين أذهلتا السردار، حيث نفذ مع زوجته ‏وأهلها وأهله هو خطة الهجرة إلى الأراضي الروسية مع كل ما يملكون ولم يتركوا إلا حقولهم ‏المحروثة. وسمعت بعد حين أن خطته نجحت، ولقوا في روسيا استقبالاً طيباً من الحكومة ومن ‏الأرمن هناك، وخصصوا لهم أرضاً يفلحونها وقدموا لهم كل ما يحتاجونه ليستقرّوا في وطنهم ‏الجديد.‏