الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مغامرات حاجي بابا الإصفهاني/40»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
إضافة ترجمة فصل جديد
 
ط بوت: إصلاح خطأ فحص ويكيبيديا 16
 
سطر 3:
| مؤلف = جيمس موريير
| مترجم = {{مس|Ghainmem}}
| باب = حاجي بابا يقدم تقريراً عن مهمته لرؤسائه ويتولى ‏إغاثةإغاثة الملهوف
| سابق = [[../39|الفصل التاسع والثلاثون]]
| تالي = [[../41|الفصل الحادي والأربعون]]
سطر 11:
 
<onlyinclude>
== الفصل الأربعون. حاجي بابا يقدم تقريراً عن مهمته لرؤسائه ويتولى ‏إغاثةإغاثة الملهوف ==
 
يقع دير إتشميادزين كما يسميه الأرمن، أو أوتش كليسه، أي الكنائس الثلاث، كما يسميه ‏الأتراكالأتراك والفرس، في سهل واسع مستصلح يرويه نهر آراس والعديد من أنهار أصغر. ويقف ‏الديرالدير عند سفح جبل أغري داغ‎داغ<ref>‎‏[[‏w‏w:جبل أرارات|جبل أرارات]] في أرمينيا. (ملاحظة ‏المترجمالمترجم)‏‎</ref>‎‏ المقدس عند المسيحيين، ولا سيما الأرمن، ذلك أن (حسب ما أخبرني يوسف ‏بهبه) على قمته المغطاة بالثلوج استقرت سفينة نوح بعد الطوفان. وقد أحيط الدير والكنائس ‏الشهيرةالشهيرة في كل أرجاء آسيا بسبب ثروتها بجدران عالية لها أبواب ثقيلة متينة. وفيه المقر الدائم ‏لبطريركلبطريرك الكنيسة الأرمنية مع حشد هائل من الأساقفة والقساوسة والشماسين الذين يمدون برجال ‏الدينالدين أغلب الكنائس الأرمنية في آسيا. ويشار إلى البطريرك في بلاد فارس بلقب الخليفة لأنه ‏يجمعيجمع في يده السلطة الدينية والدنيوية، وقد أطلق المسلمون هذا اللقب سابقاً على ملوكهم الذين ‏حكمواحكموا في بغداد ودمشق. أما المسيحيون فيسمونه البطريرك، وكنيسته محج الأرمن الذين ‏يتوافدونيتوافدون إليها في مناسبات مختلفة بأعداد هائلة من شتى أنحاء العالم.
 
وإلى هناك توجهنا، واكتشفنا المعسكر الموحد للسردار ورئيس الجلادين ينتشر بخيامه ‏البيضاءالبيضاء حول الدير، وسمعنا أن الرئيسين قد حلا في ضيافة الخليفة وسكنا في الدير.
 
فقال الشاب الفارسي: «سنحرق آباء هؤلاء الكفار ونعوض عن تعبنا بشرب نبيذهم.»
 
فقلت: «أنت مسلم وتتحدث عن شرب الخمر، فأنت كافر أيضاً.»
 
فأجاب: «السردار يشرب الخمر أكثر من أي مسيحي، فما الذي يمنعني من هذا؟»
 
ومع اقترابنا من الدير أومأت ليوسف أن يقترب مني وقلت له أن يستعد لتأكيد أية مزاعم ‏أعتبرهاأعتبرها في مصلحته، وأوصيته تحديداً أن يبالغ في خدمات الاستطلاع التي أداها لجماعتنا وأن ‏يسرديسرد كل المخاطر التي تعرض لها أو لم يتعرض، وبشكل خاص المبالغ التي أنفقها لمصلحة ‏السردارالسردار وحكومة الشاه. وقلت: «آمل أن في هذه الحالة قد تغلق حساباتك بإعادة زوجتك إليك، ‏ومقابلومقابل ذلك يمكنك أن توافق بعد مساومة على تقديم كشف حساب يشمل كل مطالبك المالية ‏وتصرحوتصرح باستلامها.»
 
وبعد أن اتفقنا على كل شيء مررنا بقوس ضخمة مؤدية إلى باحة الدير الأولى فوجدناها ‏مليئةمليئة بخدم السردار ورئيس الجلادين وحاشيتهما وخيولهما المربوطة في كل مكان، والخدم ‏يتوزعونيتوزعون في كل القرن بين السروج وعدد الخيل، وإحدى الزوايا تحتلها البغال يميزها الرنين ‏المستمرالمستمر لأجراسها والمشاحنات المستمرة بين سائقيها.
 
وفي الباحة الثانية كانت خيول كبار الخدم الذين سكنوا في الصوامع على جانبي الباحة.
 
ترجلنا في الباحة الأولى واستفهمت فوراً عن مسكن سيدي رئيس الجلادين. كان الوقت ‏ظهراًظهراً وقالوا لي أنه مع السردار فأخذوني إليه معفراً بالغبار بملابس وحذاء السفر.
 
بدا وكأن الرجلين احتلا المعبد الأرمني بالكامل ونزعوا عن الخليفة مكانته وسلطته، إذ كانا ‏جالسينجالسين في قاعته والقساوسة المساكين يتسللون في طريقهم بتواضع وكأنهم يخجلون من كونهم ‏المالكينالمالكين الشرعيين لهذا الدير ومن وجودهم فيه. وكانت جياد الرئيسين الفارسيين مربوطة قرب ‏جدرانجدران الكنيسة بصورة توحي أن راحتها أهم من راحة الأرمن.
 
صار القارئ يعرف شخصية وطباع رئيس الجلادين، وقبل أن أمضي في روايتي عليّ أن ‏أعرّفهأعرّفه على السردار. لا يوجد على ظهر الأرض أحد مظهره يوحي بالشر أكثر من السردار. ‏كانتكانت عيناه بحالتهما العادية تشبهان قطعتين من الزجاج العكر، ولكنهما تتقدان شرراً متى غضب ‏وتكادانوتكادان تثبان من موضعيهما الغائرين، ولوحظ أنه يفتح فمه في ابتسامة حتى قال شاعر الشاه أن ‏وجهوجه حسن خان يشبه أغري داغ، الجبل الذي يعيش بالقرب منه: فإذا تلبدت قمته بالغيوم وكانت ‏الشمسالشمس ساطعة على سفوحه فهذا ينذر بعاصفة. حفر الزمان جعدتين عميقتين في خديه لا تخفيهما ‏لحيتهلحيته الهزيلة رغم كل جهوده لجعلها أكثف؛ والعدو نفسه سلبه من كل أسنانه عدا واحداً كان ناتئاً ‏منمن فمه، وتتوزع الأشعار النادرة على ذقنه كالقش المحروق على جانبي الوادي. وعموماً، ‏يصعبيصعب أن تعرف ما الذي يغلب فيه، أهو التيس أم النمر، ولكن الأكيد أن الهيئة البشرية لم تقترب ‏قطقط من البهيمة أكثر مما اقتربت في هذا المخلوق. وكان طبعه مثل نظراته، إذ لا يمكن أن يقف ‏شرعشرع بشري أو رباني في طريق شهواته، وإذا ثارت فلا حدود لعنفه وقسوته. ومع هذا كله كان ‏لهله عدة طباع تجذب أتباعه إليه، إذ كان سخياً ومقداماً وسريع البديهة وذكياً، وكانت تصرفاته نحو ‏الشاهالشاه وبلاطه فيها من الدهاء ما جعلهم يعاملونه دائماً بكل ثقة وتقدير. عاش حياة الأمراء وذاع ‏صيتصيت كرمه ولم يكن يخفي ما يشذ به عن التقوى، وكان صريحاً ومباشراً في تصرفاته، دمثاً مع ‏مرؤوسيه،مرؤوسيه، وخير نديم لمن يشاركه سهراته الفاسقة. وكان يشرب الخمر بلا تستر ولا ينافسه في ‏فجورهفجوره هذا إلا نديمه الحالي رئيس الجلادين الذي أقر معاهدة تحالف أزلي مع كل جرة نبيذ تصل ‏يدهيده إليها ما دام ذلك لا يثير غضب الشاه.
 
إذن، أحضروني أمام هذين الرجلين التقيين ومعي اثنان أو ثلاثة من رفاقي، ووقفنا في آخر ‏الحجرةالحجرة حتى بادر رئيس الجلادين بمخاطبتي قائلاً: «أهلاً وسهلاً بك يا حاجي، يا روحي! ‏أخبرنيأخبرني كم روسياً قتلت؟ هل أحضرت معك رأساً؟ دعني أره!»
 
وتابع السردار: «ماذا أنجزت؟ كم عدد الروس على الحدود؟ ومتى نهاجمهم؟»
 
فأجبت عن كل هذه الأسئلة بعد الخطاب التمهيدي المعتاد: «نعم، يا حضرات الآغاوات، لقد ‏فعلتفعلت كل ما في وسعي. انطلقنا في ساعة سعد بالتأكيد، وأستطيع أن أجيب عن أية أسئلة كانت. ‏ويبدوويبدو أن بخت السردار وسيدي في سعود ما دام خادم حقير مثلي استطاع أن يفيدهم.»
 
فقال السردار وهو ينظر إلى رئيس الجلادين مبتسماً: «الحق معك، الحظ الجيد أمر طيب، ‏ولكنناولكننا نثق بسيوفنا أكثر.»
 
فقال جليسه: «نعم، نعم، السيوف والبارود والرماح والفرود خير منجمين عندنا. أية ساعة ‏ستكونستكون ساعة سعد إذا صدف فيها أن كنت على مسافة سيف من رقبة كافر. نعم، أنا قزلباش، أي ‏ذوذو الرأس الأحمر، ولا أتمنى مصيراً آخر. جواد وسيف حاد ورمح في يدي وميدان واسع أمامي ‏كلهكله موسكوفيون: هذا كل ما أتمناه.»
 
فسأله السردار: «وما قولك في النبيذ الجيد؟ ألا يسوى أياً مما ذكرته؟ سنستدعي الخليفة ليقدم ‏لحاجيلحاجي كوباً من أحسن نبيذ عنده.» ثم التفت إلي قائلاً: «ماذا رأيت وفعلت؟ أين يعسكر الروس؟ ‏كمكم عددهم؟ ما تسليحهم؟ من يترأسهم؟ أين القوزاق؟ هل سمعت شيئاً عن الجورجيين؟ أين قائدهم ‏الأعلى؟الأعلى؟ ما أخبار [[‏w‏w:لزجين|اللزغين]]؟ أين الخائن إسماعيل خان؟ هيا أخبرنا، وأنت يا ميرزا ‏‏(مخاطباً كاتبه) عليك بتدوين كل ما يقوله.»
 
فجهزت نفسي وقلت الكلام التالي:
 
«بروح السردار وبملح رئيس الجلادين! الموسكوفيون لا شيء، عدم، فهم ليسوا إلا كلاباً ‏أمامأمام الفرس. رأيتهم بأم عيني وأقول لكم أن فارسياً واحداً معه رمح يقتل عشرة من هؤلاء الأوغاد ‏التعيسينالتعيسين ذوي الذقون الجرداء.»
 
فصاح رئيسي: «والله أنك سبعٌ! كنت دائماً أثق بك وبأنك ستصبح رجلاً ذا مقام. اترك ‏الاصفهانيالاصفهاني يعمل عمله يكمله على أحسن وجه.»
 
فتابعت: «الموسكوفيون على الحدود قلة: خمس أو ست أو سبع أو ثمان مئة، وقد يصل ‏عددهمعددهم إلى ألف أو ألفين، لكنه لا يتجاوز الثلاثة آلاف. معهم عشرة أو عشرون أو ثلاثون أو ‏أربعونأربعون مدفعاً. أما بخصوص القوزاق فهم هباء. من المزعج أنهم يظهرون دائماً حيث لا تتوقعهم ‏معمع رماحهم الثخينة تلك التي تشبه مناخس الثيران أكثر من سلاح، ولكنها تقتل، هذا صحيح. ‏ولكنولكن خيولهم تعيسة لا تقارن بخيولنا التي تسوى ثلاثين وأربعين وخمسين توماناً وتختفي من ‏الأنظارالأنظار قبل أن تنطلق خيول القوزاق.»
 
فقال رئيس الجلادين: «لماذا تضيع وقتك في الحكي عن القوزاق وخيولهم؟ الأحرى بك أن ‏تحكيتحكي عن القردة على ظهر الدببة. من قائد الكفرة؟»
 
«يلقبونه دلي مايور، أي الرائد المجنون، لأنه لا يهرب أبداً، وتروى عنه قصص لا تحصى، ‏وبينهاوبينها أن عنده مصحف جيب سعادة السردار ويتباهى به أمام الجميع على أنه غنيمة عظيمة.»
 
فهتف السردار: «آه، هذا صحيح. لقد باغتنا هؤلاء الكلاب المفلسون السنة الماضية حين ‏عسكرناعسكرنا على مسافة خمسة فراسخ من هنا، وبالكاد نجوت بنفسي وقميصي وسروالي على ظهر ‏حصانحصان بلا سرج. وطبعاً نهبوا خيمتي وسرقوا بين ما سرقوه مصحفي. لكننا سنتحاسب: لقد ‏أريتهمأريتهم ما أقدر عليه في غومشلو، وسأمضى قدماً حتى أنجِّس قبور أسلافهم. كم قلت لديهم من ‏المدافع؟المدافع؟»
 
فأجبته: «أربعة أو خمسة أو ستة.»
 
فتدخل الميرزا: «لقد سجلت تواً عشرين أو ثلاثين، فأي العددين صحيح؟»
 
فصرخ السردار وعيناه تومضان ناراً وهو يتكلم: «لماذا تكذب علينا؟ إذا وجدنا أن أي شيء ‏قلتهقلته لنا كذب فقسماً برأس علي، سترى أن لحانا ليست لتضحك عليها بلا طائل!»
 
فقلت: «الحقيقة أن هذه المعلومات ليست من عندي، فبفضل الحظ الطيب لسعادة السردار ‏وسيديوسيدي الآغا وجدت وسيلة ممتازة للحصول على أدق المعلومات من خلال أرمني شاب خاطر ‏بحياتهبحياته من أجلنا بعد أن وعدته بمكافأة سخية من السردار.»
 
فهتف السردار: «مكافأة باسمي؟ ومن هذا الأرمني؟ وهل هناك أصلاً أرمن يستحقون ‏المكافأة؟المكافأة؟»
 
وهنا رويت قصة يوسف كاملة من بدايتها إلى نهايتها، وكان أملي أن عرض مطلب يوسف ‏أمامأمام الناس يجعل السردار عاجزاً عن رفض المطلب العادل، فيعترف في حقه الكامل بزوجته ‏ويريحهويريحه من خوف غضبه.
 
وبعد أن فرغت من الرواية لم يتكلم أحد، ولم تسمع إلا عبارة لا إله إلا الله من هذه الزاوية أو ‏تلكتلك. أما السردار فأدار عينيه يميناً ويساراً وقلب فمه بشتى الأشكال ثم همهم: «هذا الأرمني صنع ‏العجائبالعجائب!» ثم أمر خدمه أن يحضروا له غليونه.
 
وبعد أن سحب سحبتين أو ثلاث سحبات قال: «أين الأرمني؟ وَأْمُروا الخليفة أن يمثل بين ‏يدينايدينا أيضاً.»
 
فأدخلوا يوسف بالطريقة الخشنة المعتادة عند إدخال رجل فقير من قومه إلى حضرة كبار ‏الفرس،الفرس، فوقف أمام الجمع مثالاً على جمال الرجولة، وترك مظهره الباسل انطباعاً حسناً عند ‏جميعجميع الحضور. السردار تحديداً حفره بنظرته مختبراً إياه، ثم التفت إلى رئيس الجلادين وأومأ له ‏بإشاراتبإشارات يفهمها جميع الفرس معبراً عن بالغ إعجابه.
 
وبعد قليل دخل الخليفة، وكان رجلاً ضخماً خشن البنيان وجهه باسم مرح يرتدي قبعة سوداء ‏يلبسهايلبسها رجال الدين الأرمن متبوعاً باثنين أو ثلاثة من قساوسته. وبعد أن وقف لحظة أمام السردار ‏وجليسهوجليسه دعوه للجلوس فجلس وهو يلفظ جميع ألفاظ الشكر واللباقة المتعارف عليها، وغطى قدميه ‏ويديهويديه كما يتوجب في مثل هذه المناسبات.
 
فقال السردار مخاطباً الخليفة: «من الواضح أننا المسلمين أصبحنا في أرض فارس أقل من ‏كلابكلاب. الأرمن يدخلون بيوت حريمنا ويسرقون زوجاتنا وجوارينا أمام وجوهنا ويدعون الناس ‏إلىإلى تنجيس قبور آبائنا. فما هذا أيها الخليفة؟ أهذا بأمر الله أم بأمرك؟»
 
أخذت هذه التهمة الخليفة على حين غرة، فارتبك وندي جبينه العالي. كان يعرف من خبرته ‏أنأن مثل هذه الاتهامات كان الغرض منها فرض غرامة ما فاستعد للدفاع عن أمواله، فأجاب: «ما ‏هذاهذا الكلام؟ هل نحن كلاب ليخطر على بالنا مثل هذا الفعل الشرير الذي تتحدث سعادتك عنه؟ ‏نحننحن رعايا الشاه وأنت حامينا، ونحن الأرمن نعيش في ظلك عيشة أمان وسلام. فمن هذا الرجل ‏الذيالذي ذر الرماد على رؤوسنا؟»
 
فأشار السردار إلى يوسف قائلاً: «ها هو ذا. اعترف يا صاحبي، هل سرقت جاريتي أم لم ‏تسرقها؟تسرقها؟»
 
فردّ الشاب: «إن ثبت ذنبي في أنني أخذت من أي شخص شيئاً ليس لي فليعاقبوني ولو ‏بالقتلبالقتل. إن من رَمَتْ نفسها من نافذة قصرك في ذراعيّ هي زوجتي قبل أن تصبح جاريتك. كلانا ‏منمن رعايا الشاه، وأنت أدرى مني إن كان يحق لك استرقاقها أم لا. إننا أرمن، ولكن نحن أيضاً ‏عندناعندنا نخوة الرجال. ومن المعروف في كل أرجاء فارس أن شاهنا العظيم لا ينتهك أبداً حريم ‏حتىحتى أحقر رعاياه، فهل يعقل أننا لا نحظى بالحماية نفسها في ظل حكمك لنا؟ لقد كذبوا عليك ‏بالتأكيدبالتأكيد حين قالوا لك أنها سبية جورجية، وأنا واثق أنك لو عرفت أنها زوجة أحد فلاحيك لما ‏استعبدتهااستعبدتها
 
حاول الخليفة إسكات الشاب بصيحات عالية وقد أرعبته لهجته، أما السردار الذي صعقه ‏كلامكلام لم تعهده أذناه فلم يغضب بل بدا مسروراً (هذا إن كان وجهه يستطيع أساساً أن يعبر عن ‏السرورالسرور) ينظر إلى الشاب مشدوهاً وكأنه نسي سبب استدعائه. وفجأة هز رأسه وكأنه يطرد بقايا ‏الغضبالغضب وأوقف الكلام قائلاً: «يكفي، يكفي. خذ زوجتك ولا تقل شيئاً. وبما أنك أديت لنا خدمة في ‏حماملوحماملو ستبقى خادمي لتخدمني شخصياً. اذهب إلى رئيس خدمي ليعرّفك على واجباتك. وبعد أن ‏تلبستلبس بما يناسب مقامك عد إلى حضرتنا. انصرف ولا تنس أنّ تسامحي معك مرهونٌ بتصرفاتك ‏القادمةالقادمة.» وهنا اندفع يوسف نحوه وهوى على ركبتيه وقبل حاشية ثوبه عاجزاً عن الكلام بعد هذا ‏الحظالحظ غير المتوقع.
 
بدا الجميع مذهولين لما سمعوه. هز رئيس الجلادين كتفيه وتثاءب، والخليفة فرد أطرافه ‏وكأنهوكأنه ارتاح من عبء ثقيل ونشفت قطرات العرق التي كانت تلمع على حاجبيه، وعاد وجهه إلى ‏البشاشةالبشاشة. بارك الجميع السردار على طيب قلبه وقارنوه مع الملك أنوشيروان العادل، وتكررت ‏صيحاتصيحات «بارك الله» و«ما شاء الله» وتناقلتها الأفواه وانتشرت قصة شهامته في البلاد وصارت ‏موضوعموضوع حديث الجميع في المعسكر. ولا أعرف شعور السردار الحقيقي، ولكن من يعرفونه ‏أجمعواأجمعوا على أن دوافعه لا يمكن أن تكون كريمة.
 
</onlyinclude>