الفرق بين المراجعتين لصفحة: «النظرات/الحرية»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
جديدة '{{header | title = ../ | author = مصطفى لطفي المنفلوطي | translator = | section = الحرية | previous = النظرات/النظَّا...'
 
لا ملخص تعديل
سطر 8:
| notes =
}}
{{نثر}}
{{عنوان|الحرية}}
استيقظت في فجر هذا اليوم على صوت هرةٍ تموء بجانب فراشي، وتتسمح بي وتلح في ذلك إلحاحًا غريبًا، فرابني أَمْرُهَا وأهمني همُّها، وقلت: لعلها جائعة! فنهضت وأحضرت لها طعامًا، فعافته وانصرفت عنه، فقلت: لعلها ظمآنة! فأرشدتها إلى الماء، فلم تحفِلْ به، وأنشأت تنظر إليَّ نظراتٍ تنطق بما تشتمل عليه نفسها من الآلام والأحزان، فأثَّر في نفسي منظرها تأثيرًا شديدًا، حتى تمنيت أنْ لو كنت سليمان أفهم لغة الحيوان لأعرف حاجتها وأفرِّج كربتها. وكان باب الغرفة مقفلًا، فرأيت أنها تطيل النظر إليه وتتلصق بي كلما رأتني أتجه إليه، فأدركت غرضها، وعرفت أنها تريد أن أفتح لها الباب، فأسرعت بفتحه، فما وقع نظرها على الفضاء ورأت وجه السماء حتى استحالت حالتها من حزنٍ وهمٍّ إلى غبطةٍ وسرورٍ، وانطلقت تعدو في سبيلها. فعدت إلى فِراشي وأسلمت رأسي إلى يدي، وأنشأت أفكر في أمر هذه الهرة، وأعجب لشأنها وأقول: ليت شعري! هل تفهم الهِرَّة معنى الحرية، فهي تحزن لفقدانها وتفرح بلُقْيَاهَا؟ أجل، إنها تفهم معنى الحرية حق الفهم، وما كان حزنها وبكاؤها وإمساكها عن الطعام والشراب إلا من أجلها، وما كان تضرعها ورجاؤها وتمسحها وإلحاحها إلا سعيًا وراء بلوغها.