الفرق بين المراجعتين لصفحة: «النظرات/الانتحار»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
جديدة '{{header | title = ../ | author = مصطفى لطفي المنفلوطي | translator = | section = الانتحار | previous = النظرات/الصيا...'
 
لا ملخص تعديل
سطر 8:
| notes =
}}
{{نثر}}
{{عنوان|الانتحار}}
في كل موسم من مواسم الامتحان المدرسيِّ نسمع بكثيرٍ من حوادث الانتحار بين المتخلِّفين من التلاميذ والراسبين، ولو رُبِّيَ التلميذ تربية دينية لما هان عليه أن يخسر سعادته الأخروية خسرانًا مبينًا؛ أسفًا على أن لم يَنَلْ كلَّ حظه من السعادة الدنيوية. ولو رُبِّي تربية أدبية لما احتقر حياته الثمينة وازدراها ولوى وجهه عنها؛ لأنها لم تُقَدَّم إليه في لفافة الشهادة المدرسية. ولو أنَّ أستاذه ملأ قلبه بنور الإيمان ولقَّنه فيما يلقنه من قواعد الدين وأحكامه أنَّ جناية المرء على نفسه أكبر إثمًا عند الله وأعظم جرمًا من جنايته على غيره، لما خاطر بدِينه في آخر ساعةٍ من ساعات حياته، وهي الساعة التي يُنيب فيها العاصي إلى ربه ويستغفر فيها المذنب من ذنبه. ولو أنه لقنه فيما يلقنه من دروس الأخلاق والآداب أنَّ العلم صفةٌ من صفات الكمال لا سلعةٌ من سلع التجارة، يجب أن يَحفِل به صاحبه من حيث ذاته، لا من حيث كونه وسيلةً من وسائل العيش، لما جرى على تلك القاعدة الفاسدة: «الشهادة بلا علمٍ خيرٌ من العلم بلا شهادة.» ولو أنه رباه على الاستقلال الذاتي، وعلمه أنَّ الشرف في هذه الحياة على قدر ما يبذل الإنسان من الجهد في خدمة الأمة أو المجتمع، سواء أكان في قصر الملك أم في دار الوزارة، وفي حانوت التجارة أم في معمل الصناعة، لما أَكبَر مناصب الحكومة هذا الإكبار، ولا احتفل بها احتفال من لا يرى للحياة معنًى بدونها. ولو أنه نفث في رُوعه روح الشجاعة النفسية وعوَّده الصبر والجلَد في مواقف الشدة والبلاء لما جزع هذا الجزع الفاضح، ولا جُنَّ هذا الجنون الذي خُيَّلَ إليه أنَّ عذاب النزع أهون من عذاب الهمِّ.