الفرق بين المراجعتين لصفحة: «كتاب الرسالة»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
سطر 115:
قال الشافعي: فجِمَاع ما أبان الله لخلقه في كتابه، مما تَعَبَّدَهم به، لما مضى من حكمه جل ثناؤه: من وجوه.
 
فمنها ما أبانه لخلقه نصا. مثلُ جمُل فرائضه، في أن عليهم صلاةً وزكاةً وحجا وصوما وأنه حرَّم الفواحش، ما ظهر منها، وما بطن، ونصِّ الزنا <ref>[أي ومثل النص الوارد في الزنا والخمر.]</ref> والخمر، وأكل الميتة والدم، ولحم الخنزير، وبيَّن لهم كيف فَرْضُ الوضوء، مع غير ذلك مما بين نصا.
 
ومنه: ما أَحكم فرضه بكتابه، وبيَّن كيف هو على لسان نبيه؟ مثل عدد الصلاة، والزكاة، ووقتها، وغير ذلك من فرائضه التي أنزل من كتابه.
سطر 123:
ومنه: ما فرض الله على خلقه الاجتهادَ في طلبه، وابتلى طاعتهم في الاجتهاد، كما ابتلى طاعتهم في غيره مما فرض عليهم.
 
فإنه يقول تبارك وتعالى: { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين، ونبلوَ أخباركم } <ref>[محمد: 31]</ref>
 
وقال: { وليَبْتَلِيَ الله ما في صدوركم وليمحِّص ما في قلوبكم } <ref>[آل عمران: 154]</ref>
 
وقال: { عسى ربكم أن يهلكَ عدوكم، ويستخلفَكم في الأرض فينظرَ كيف تعملون؟ } <ref>[الأعراف:129]</ref>
 
قال الشافعي: فوجَّههم بالقبلة إلى المسجد الحرام، وقال لنبيه: { قد نرى تقلب وجهك في السماء، فلَنُوَلِّيَنَّك قبلة ترضاها، فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } <ref>[البقرة:144]</ref>
 
وقال: { ومن خرجت فولِّ وجهك شطرَ المسجد الحرام، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره، لئلا يكونَ للناس عليكم حجةٌ } <ref>[البقرة:150]</ref>
 
فَدَلهَّم جل ثناؤه إذا غابوا عن عين المسجد الحرام على صواب الاجتهاد، مما فرَض عليهم منه، بالعقول التي رَكَّب فيهم، المميزةِ بين الأشياء، وأضدادها، والعلامات التي نَصَب لهم دون عين المسجد الحرام الذي أمرهم بالتوجه شطره.
 
فقال:وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر } <ref>[الأنعام:97]</ref> وقال: { وعلاماتٍ وبالنجم هم يهتدون } <ref>[النحل:16]</ref>
 
فكانت العلامات جبالا وليلا ونهارا، فيها أرواح <ref>[ الأرواح: جمع ريح. انظر الصحاح.]</ref> معروفة الأسماء، وإن كانت مختلفة المَهابِّ. وشمسٌ وقمر، ونجوم معروفةُ المطالع والمغارب، والمواضعِ من الفلك.
 
ففرض عليهم الاجتهاد بالتوجه شطر المسجد الحرام، مما دلهم عليه مما وصَفْتُ، فكانوا ما كانوا مجتهدين غيرَ مُزايِلين أمرَه جلَّ ثناؤه. ولم يجعل لهم إذا غاب عنهم عين المسجد الحرام أن يُصلُّوا حيث شاؤوا
 
وكذلك أخبرهم عن قضائه فقال: { أيحسب الإنسان أن يُترَك سُدى } <ref>[القيامة:36]</ref> والسُّدى: الذي لا يُؤمر ولا يُنهى.
 
وهذا يدل على أنه ليس لأحد دون رسول الله أن يقول إلا بالاستدلال بما وصفت في هذا، وفي العَدل، وفي جزاء الصيد، ولا يقول بما استحسن، فإن القول بما استحسن شيءٌ يُحدِثه لا على مثالٍ سبق