الفرق بين المراجعتين لصفحة: «كتاب الرسالة/المقدمة»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
أنشأ الصفحة ب'{{مركزية | عنوان = كتاب الرسالة | مؤلف = الشافعي | باب = | سابق = → كتاب الرسالة…'
 
Obaydb (نقاش | مساهمات)
استيراد تلقائي للمقالات *** تمت الكتابة على النص الموجود ***
سطر 1:
بسم الله الرحمن الرحيم
{{مركزية
 
| عنوان = [[كتاب الرسالة]]
الربيع بن سليمان قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبدِ يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف المطلبيُّ، ابن عم رسول الله {{صل}}.
| مؤلف = الشافعي
 
| باب =
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون.
| سابق = → [[كتاب الرسالة]]
 
| لاحق = [[كتاب الرسالة/باب‏‏ كيف البيان|باب‏‏ كيف البيان]] ←
والحمد لله الذي لا يُؤدى شُكر نعمة من نِعَمِهِ؛ إلا بنعمة منه توجب على مؤدي ماضي نعمه بأدائها نعمةً حادثةً، يجب عليه شكره بها.
| ملاحظات = ''' المقدمة '''
 
}}
ولا يبلغ الواصفون كُنه عظمته. الذي هو كما وصف نفسه، وفوق ما يصفه به خلقه.
{{نثر}}
 
أحمده حمدا كما ينبغي لكرم وجهه وعِز جلاله.
 
وأستعينه استعانةَ من لا حول له ولا قوة إلا به.
 
وأستهديه بهداه الذي لا يضل من أنعم به عليه.
 
وأستغفره لما أَزلفت وَأَخرت: استغفار من يُقر بعبوديته، ويعلم أنه لا يغفر ذنبه ولا ينجيه منه إلا هو.
 
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله.
 
بعثه والناس صنفان:
 
أحدهما: أهل كتاب بدّلوا من أحكامه، وكفروا بالله، فافتعلوا كذبا صاغوه بألسنتهم، فخلطوه بحق الله الذي أَنزل إليهم.
 
فذكر تبارك وتعالى لنبيه من كفرهم، فقال: { وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب، لتحسبوه من الكتاب، وما هو من الكتاب، ويقولون هو من عند الله، وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون. } <ref>[سورة آل عمران 78]</ref>
 
ثم قال: { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم، ثم يقولون: هذا من عند الله، ليشتروا به ثمنا قليلا، فويل لهم مما كتبت أيديهم، وويل لهم مما يكسبون }.
 
وقال تبارك وتعالى: { وقالت اليهود: عُزَيرٌ ابنُ الله، وقالت النصارى: المسيحُ ابنُ الله. ذلك قولهم بأفواههم. يضاهئون قول الذين كفروا من قبل. قاتلهم الله! أنى يؤفكون؟! اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيحَ ابن مريم. وما أُمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو، سبحانه عما يشركون } <ref>[التوبة: 30، 31. ]</ref>
 
وقال تبارك وتعالى: { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت، ويقولون للذين كفروا: هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لَعَنَهم الله، ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا } <ref>[النساء: 50، 52]</ref>
 
وصنف كفروا بالله، فابتدعوا ما لم يأذن به الله، ونصبوا بأيديهم حجارة وَخُشُبَا، وَصُوَرَا استحسنوا، ونبزوا أسماء افتعلوا، ودعوها آلهة عبدوها، فإذا استحسنوا غير ما عبدوا منها، ألقوه ونصبوا بأيديهم غيره، فعبدوه: فأولئك العرب.
 
وسلكت طائفة من العجم سبيلهم في هذا، وفي عبادة ما استحسنوا من حوت، ودابة، ونجم، ونار، وغيره.
 
فذكر الله لنبيه جوابا من جواب بعض مَن عبد غيره من هذا الصنف، فحكى جل ثناؤه عنهم قولهم: إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون.
 
وحكى تبارك وتعالى عنهم: { لا تذرن آلهتكم، ولا تذرن ودا ولا سواعا، ولا يغوث ويعوق ونسرا، وقد أضلوا كثيرًا } <ref>[نوح: 23، 24]</ref>
 
وقال تبارك وتعالى: { واذكر في الكتاب إبراهيم. إنه كان صدّيقا نبيا إذ قال لأبيه: يا أبت! لم تعبد ما لا يسمع، ولا يبصر، ولا يغني عنك شيئا؟! } <ref>[مريم: 41، 42]</ref>
 
وقال: { واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه: ما تعبدون؟ قالوا: نعبد أصناما فنظل لها عاكفين. قال: هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم، أو يضرون؟! } <ref>[الشعراء: 69، 70]</ref>
 
وقال في جماعتهم، يذكّرهم مِن نِعَمِهِ، ويخبرهم ضلالتهم عامة، ومَنَّه على مَن آمن منهم: { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته إخوانا، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها. كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون } <ref>[آل عمران: 103]</ref>
 
قال: فكانوا قبل إنقاذه إياهم بمحمد {{صل}} أهلَ كفر في تفرقهم، واجتماعهم. يجمعهم أعظم الأمور: الكفرُ بالله، وابتداع ما لم يأذن به الله. تعالى عما يقولون علوا كبيرا. لا إله غيره، وسبحانه، وبحمده ربُّ كل شيء وخالقهُ.
 
من حيَّ منهم فكما وَصَفَ حاله حيا: عاملا قائلا بسخط ربه مزدادا من معصيته.
 
ومن مات فكما وَصَفَ قولَه وعملَه: صار إلى عذابه.
 
فلما بلغ الكتاب أجله فَحَقَّ قضاء الله بإظهار دينه الذي اصطفى بعد استعلاء معصيته التي لم يرض: فَتَحَ أبواب سماواته برحمته، كما لم يزل يجري - في سابق علمه عند نزول قضائه في القرون الخالية - قضاؤه.
 
فإنه تبارك وتعالى يقول: { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين } <ref>[البقرة: 213]</ref>
 
فكان خِيرتُهُ المصطفى لوحيه، المنتخبُ لرسالته المفضلُ على جميع خلقه، بفتحِ رحمته، وختمِ نبوته، وأعمِّ ما أرسل به مرسلٌ قبله المرفوعُ ذِكرُهُ مع ذِكرِه في الأولى، والشافعُ المشفَّعُ في الأخرى، أفضلُ خلقه نفسا، وأجمعُهُم لكل خُلُق رَضِيَهُ في دينٍ ودنيا. وخيرُهم نسبا ودارا محمدا عبدَه ورسولَه.
 
وَعَرَّفَنَا وَخَلقَهُ <ref>[أي عرفنا مع خلقه، والعطف على الضمير المتصل المنصوب من غير توكيد أو فصل جائز. ]</ref> نِعَمَهُ الخاصةَ، العامةَ النَّفعِ في الدين والدنيا.
 
فقال: { لقد جاءكم رسول من أنفسكم، عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم، بالمؤمنين رءوف رحيم } <ref>[التوبة: 128]</ref>
 
وقال: { لتنذر أم القرى ومَن حولها } <ref>[الشورى: 7]</ref> وأمُّ القرى: مكة، وفيها قومُه.
 
وقال: { وأنذر عشيرتك الأقربين } <ref>[الشعراء: 214]</ref>
 
وقال: { وإنه لَذِكر لك ولقومك وسوف تُسألون } <ref>[الزخرف: 44]</ref>
 
قال الشافعي: أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نَجِيح عن مجاهد في قوله: { وإنه لذكر لك ولقومك } قال: يقال: ممن الرجل؟ فيقال: من العرب. فيقال: من أي العرب؟ فيقال: من قريش.
 
قال الشافعي: وما قال مجاهدٌ من هذا بيّنٌ في الآية مستغنى فيه بالتنزيل عن التفسير.
 
فخص جل ثناؤه قومَه وعشيرَتَه الأقربين في النِّذَارة، وعمَّ الخلقَ بها بعدهم، ورفع بالقُرَآن ذِكر رسول الله، ثم خص قومه بالنِّذارة إذ بعثه فقال: { وأنذر عشيرتك الأقربين }
 
وزعم بعض أهل العلم بالقُرَآن <ref>[ قال الشيخ أحمد شاكر: ضبطناه هنا وفي كل موضع ورد فيه في الرسالة بضم القاف وفتح الراء محققة وتسهيل الهمزة. وذلك اتباعا للإمام الشافعي في رأيه وقراءته. ا. ه وانظر تاريخ بغداد 2/62]</ref> أن رسول الله قال: يا بني عبد مناف! إن الله بعثني أَن أُنذرَ عشيرتي الأقربين، وأنتم عشيرتي الأقربون. <ref>[ ورد بمعناه في البخاري ومسلم وانظر الدر المنثور 5/95 - 98]</ref> قال الشافعي: أخبرنا بن عيينة عن ابن أبي نَجيح عن مجاهد في قوله: { ورفعنا لك ذكرك } قال: لا أُذكَرُ إلا ذُكِرتَ معي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدأ رسول الله.
 
يعني - والله أعلم - ذكرَه عند الإيمان بالله، والآذان. ويَحتمل ذكرَه عند تلاوة الكتاب، وعند العمل بالطاعة، والوقوف عن المعصية.
 
فصلى الله على نبينا كلما ذكره الذاكرون، وَغَفَل عن ذكره الغافلون، وصلى عليه في الأولين والآخرين، أفضلَ وأكثرَ وأزكى ما صلى على أحد من خلقه. وزكانا وإياكم بالصلاة عليه أفضل ما زكى أحدا من أمته بصلاته عليه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته، وجزاه الله عنا أفضل ما جزى مرسلا عن من أُرسل إليه؛ فإنه أنقذنا به من الهلكة، وجعلنا في خير أمة أخرجت للناس، دائنين بدينه الذي ارتضى، واصطفى به ملائكته ومن أنعم عليه من خلقه. فلم تُمس بنا نعمة ظهرت ولا بَطَنَت، نلنا بها حظا في دين ودنيا أو دُفِعَ بها عنا مكروه فيهما، وفي واحد منهما: إلا ومحمد صلى الله عليه سببها، القائدُ إلى خيرها، والهادي إلى رشدها، الذائدُ عن الهلكة وموارد السَّوء في خلاف الرشد، المنبِّهُ للأسباب التي تورد الهلكة، القائمُ بالنصيحة في الإرشاد والإنذار فيها. فصلى الله على محمد وعلى آل محمد كما صلى على إبراهيم وآل إبراهيم إنه حميد مجيد.
 
وأنزل عليه كتابه فقال: { وإنه لكتاب عزيز. لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه. تنزيل من حكيم حميد } <ref>[فصلت 41، 42]</ref> فنقلهم من الكفر والعمى إلى الضياء والهدى، وبيَّن فيه ما أَحَلَّ: مَنَّا بالتوسعة على خلقه، وما حَرَّمَ: لما هو أعلم به من حظهم في الكفِّ عنه في الآخرة والأولى. وابتلى طاعتهم بأن تَعَبَّدَهُم بقول، وعمل وإمساك عن محارمَ حَمَاهُمُوها، وأثابهم على طاعته من الخلود في جنته، والنجاة من نقمته: ما عَظُمَت به نعمته جل ثناؤه.
 
وأَعلَمَهُم ما أَوجب لأهل طاعته.
 
وَوَعَظَهُم بالأخبار عمن كان قبلهم، ممن كان أكثرَ منهم أموالا وأولادا، وأطولَ أعمارا، وأحمدَ آثارا، فاستمتعوا بخلاقهم في حياة دنياهم، فأذاقهم عند نزول قضائه مناياهم دون آماله، ونزلت بهم عقوبته عند انقضاء آجالهم، ليعتبروا في أنف الأوان، ويتفهموا بِجَلِيَّة التبيان، ويتنبهوا قبل رَين الغفلة، ويعملوا قبل انقطاع المدة حين لا يُعتِب مذنب، ولا تؤخذ فدية، و { تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا } <ref>[آل عمران: 30]</ref>
 
فكل ما أَنزل في كتابه - جل ثناؤه - رحمة وحجة، عَلِمه من علمه، وجهله من جهله، لا يعلم من جهله، ولا يجهل من علمه.
 
والناس في العلم طبقات، موقعُهم من العلم بقدْر درجاتهم في العلم به.
 
فحقَّ على طلبة العلم بلوغُ غاية جهدِهم في الاستكثار من علمه، والصبرُ على كل عارض دون طَلَبِه، وإخلاص النية لله في استدراك علمه نصا واستنباطا، والرغبة إلى الله في العون عليه، فإنه لا يُدرَك خيرٌ إلا بعونه.
 
فإن من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصا واستدلالا، ووفقه الله للقول والعمل بما علِم منه: فاز بالفضيلة في دينه ودنياه، وانتفت عنه الرِّيَب، ونَوَّرت في قلبه الحكمة، واستوجب في الدين موضع الإمامة.
 
فنسأل اللهَ المبتدئَ لنا بنعمه قبل استحقاقها، المديمَها علينا مع تقصيرنا في الإتيان إلى ما أوجب به من شكره بها، الجاعِلَنَا في خير أمة أخرجت للناس: أن يرزقنا فهما في كتابه، ثم سنة نبيه، وقولا وعملا يؤدي به عنا حقه، ويوجب لنا نافلة مزيدة.
 
قال الشافعي: فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليلُ على سبيل الهدى فيها.
 
قال الله تبارك وتعالى: { كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد } <ref>[إبراهيم: 1]</ref>
 
وقال: { وأنزلنا إليك الذكر لتبيِّن للناس ما نُزِّل إليهم ولعلهم يتفكرون } <ref>[النحل: 44]</ref>
 
وقال: { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمةً وبشرى للمسلمين } <ref>[النحل: 89]</ref>
 
وقال: { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا، ما كنتَ تدري ما الكتابُ، ولا الإيمانُ، ولكن جعلناه نورا نَهدي به من نشاء من عبادنا، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } <ref>[الشورى: 52]</ref>
 
</div>
{{هامش}}
{{كتاب الرسالة}}
 
[[تصنيف:كتاب الرسالة|{{صفحة فرعية}}]]