الفرق بين المراجعتين لصفحة: «شرح العقيدة الطحاوية/تابع أيضا قوله والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
أنشأ الصفحة ب'{{مركزية | عنوان = شرح العقيدة الطحاوية | مؤلف = ابن أبي العز الحنفي | باب = | سابق …'
 
لا ملخص تعديل
سطر 8:
}}
{{نثر}}
 
 
وجميع ما صح عن رسول الله {{صل}} من الشرع والبيان كله حق . والإيمان واحد ، وأهله في أصله سواء ، والتفاضل بينهم بالخشية والتقى ، ومخالفة الهوى، وملازمة الأولى .
 
وأما الاحتجاج بقوله تعالى : فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين - على ترادف الإسلام والإيمان ، فلا حجة فيه ، لأن البيت المخرج كانوا متصفين بالإسلام والإيمان ، ولا يلزم من الاتصاف بهما ترادفهما .
 
والظاهر أن هذه المعارضات لم تثبت عن أبي حنيفة رضي الله عنه ، وإنما هي من الأصحاب ، فإن غالبها ساقط لا يرتضيه أبو حنيفة ! وقد حكى الطحاوي حكاية أبي حنيفة مع حماد بن زيد ، وأن حماد بن زيد لما روي له حديث : أي الإسلام أفضل الى آخره ، قال له : ألا تراه يقول : أي الإسلام أفضل ، قال : الإيمان ، ثم جعل الهجرة والجهاد من الإيمان ؟ فسكت أبو حنيفة ، فقال بعض أصحابه : ألا تجيبه يا أبا حنيفة ؟ قال : بما أجيبه ؟ وهو يحدثني بهذا عن رسول الله {{صل}} .
 
ومن ثمرات هذا الاختلاف : مسألة الاستثناء في الإيمان ، وهو أن يقول أي الرجل : أنا مؤمن إن شاء الله . والناس فيه على ثلاثة أقوال : طرفان ووسط ، منهم من يوجبه ، ومنهم من يحرمه ، ومنهم من يجيزه باعتبار ويمنعه باعتبار ، وهذا أصح الأقوال .
 
أما من يوجبه فلهم مأخذان : أحدهما : أن الإيمان هو ما مات الإنسان عليه ، والإنسان إنما يكون عند الله مؤمناً أو كافراً باعتبار الموافاة وما سبق في علم الله أنه يكون عليه ، وما قبل ذلك لا عبرة به ، قالوا : والإيمان الذي يعقبه الكفر فيموت صاحبه كافراً - : ليس بإيمان ، كالصلاة التي أفسدها صاحبها قبل الكمال ، والصيام الذي في صاحبه قبل الغروب ، وهذا مأخذ كثير من الكلابية وغيرهم ، وعند هؤلاء أن الله يحب في الأزل من كان كافراً إذا علم منه أنه يموت مؤمناً ، فالصحابة ما زالوا مجوبين قبل إسلامهم ، وإبليس ومن ارتد عن دينه ما زال الله يبغضه وإن كان لم يكفر بعد ! وليس هذا قول السلف ، ولا كان يقول بهذا من يستثنى من السلف في إيمانه ، وهو فاسد ، فإن الله تعالى قال : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ، فأخبر أنهم يحبهم إن اتبعوا الرسول ، فاتباع الرسول شرط المحبة ، والمشروط يتأخر عن الشرط ، وغير ذلك من الأدلة . ثم صار إلى هذا القول طائفة غلوا فيه ، حتى صار الرجل منهم يستثني في الأعمال الصالحة ، يقول : صليت إن شاء الله ! ونحو ذلك ، يعني القبول . ثم صار كثير منهم يستثنون في كل شيء ، فيقول أحدهم : هذا ثوب إن شاء الله ! هذا حبل إن شاء الله ! فإذا قيل لهم : هذا لا شك فيه ؟ يقولون : نعم ، لكن إذا شاء الله أن يغيره غيره ! ! المأخذ الثاني : أن الإيمان المطلق يتضمن فعل ما أمر الله به عبده كله ، وترك ما نهاه عنه كله ، فإذا قال الرجل : أنا مؤمن ، بهذا الاعتبار- : فقد شهد لنفسه أنه من الأبرار المتقين ، القائمين بجميع ما أمروا به ، وترك كل ما نهوا عنه ، فيكون من أولياء الله المقربين ! وهذا مع تزكية الإنسان لنفسه ، ولو كانت هذه الشهادة صحيحة ، لكان ينبغي أن يشهد لنفسه بالجنة إن مات على هذه الحال . وهذا مأخذ عامة السلف الذين كانوا يستثنون ، وإن جوزوا ترك الاستثناء ، بمعنى آخر ، كما سنذكره إن شاء الله تعالى . ويحتجون أيضاً بجواز الاستثناء فيما لا شك فيه ، كما قال تعالى : لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين . وقال {{صل}} حين وقف على المقابر : وإنا إن شاء الله بكم لاحقون . وقال أيضاً : إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله . ونظائر هذا .
 
وأما من يحرمه ، فكل من جعل الإيمان شيئاً واحداً ، فيقول : أنا أعلم أني مؤمن ، كما أعلم أني تكلمت بالشهادتين ، فقولي : أنا مؤمن ، كقولي : أنا مسلم ، فمن استثنى في إيمانه فهو شاك فيه ، وسموا الذين يستثنون في إيمانهم الشكاكة . وأجابوا عن الاستثناء الذي في قوله تعالى : لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين - بأنه يعود إلى الأمن والخوف ، فأما الدخول فلا شك فيه ! وقيل : لتدخلن جميعكم أو بعضكم ، لأنه علم أن بعضهم يموت ! وفي كلا الجوابين نظر : فإنهم وقعوا فيما فروا منه ، فأما الأمن والخوف فقد أخبر أنهم يدخلون آمنين ، مع علمه بذلك ، فلا شك في الدخول ، ولا في الأمن ، ولا في دخول الجميع أو البعض ، فإن الله قد علم من يدخل فلا شك فيه أيضاً ، فكان قول : إن شاء الله هنا تحقيقاً للدخول ، كما يقول الرجل فيما عزم على شيء أن يفعله لا محالة : والله لأفعلن كذا إن شاء الله ، لا يقولها لشك في إرادته وعزمه ، ولكن إنما لا يحنث الحالف في مثل هذه اليمين لأنه لا يجزم بحصول مراده . وأجيب بجواب آخر لا بأس به ، وهو : أنه قال ذلك تعليماً لنا كيف نستثني إذا أخبرنا عن مستقبل . وفي كون هذا المعنى مراداً من النص - نظر فإنه ما سيق الكلام إلا أن يكون مراداً من إشارة النص . وأجاب الزمخشري بجوابين آخرين باطلين ، وهما : أن يكون الملك قد قاله ، فأثبت قرآناً ! أو أن الرسول قاله ! ! فعند هذا المسكين يكون من القرآن ما هو غير كلام الله ! فيدخل في وعيد من قال : إن هذا إلا قول البشر . نسأل الله العافية .
 
وأما من يجوز الاستثناء وتركه ، فهم أسعد بالدليل من الفريقين ، وخير الأمور أوسطها : فإن أراد المستثني الشك في أصل إيمانه منه من الاستثناء ، وهذا مما لا خلاف فيه . وإن أراد أنه مؤمن من المؤمنين الذين وصفهم الله في قوله : إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ، وفي قوله تعالى : إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون . فالاستثناء حينئذ جائز . وكذلك من استثنى وأراد عدم علمه بالعاقبة ، وكذلك من استثنى تعليقاً للأمر بمشيئة الله ، لا شكاً في إيمانه . وهذا القول في القوة كما ترى .