الفرق بين المراجعتين لصفحة: «البداية والنهاية/الجزء الثالث عشر/ثم دخلت سنة ست وعشرين وستمائة»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
Obaydb (نقاش | مساهمات)
استيراد تلقائي للمقالات
(لا فرق)

نسخة 01:21، 5 مايو 2009

استلهت هذه السنة وملوك بني أيوب مفترقون مختلفون، قد صاروا أحزابا وفرقا، وقد اجتمع ملوكهم إلى الكامل محمد صاحب مصر، وهو مقيم بنواحي القدس الشريف، فقويت نفوس الفرنج لعنهم الله بكثرتهم بمن وفد إليهم من البحر، وبموت المعظم واختلاف من بعده من الملوك، فطلبوا من المسلمين أن يردوا إليهم ما كان الناصر صلاح الدين أخذ منهم، فوقعت المصالحة بينهم وبين الملوك أن يردوا لهم بيت المقدس وحده، وتبقى بأيديهم بقية البلاد فتسلموا القدس الشريف.

وكان المعظم قد هدم أسواره، فعظم ذلك على المسلمين جدا، وحصل وهن شديد وإرجاف عظيم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ثم قَدم الملك الكامل فحاصر دمشق وضيق على أهلها فقطع الأنهار ونهُبت الحواصل وغلت الأسعار، ولم يزل الجنود حولها حتى أخرج منها ابن أخيه صلاح الدين الملك الناصر داود بن المعظم، على أن يقيم ملكا بمدينة الكرك والشوبك ونابلس وبرا ما بين الغور وبالبلقاء، ويكون الأمير عز الدين أيبك أستاذ دار المعظم صاحب صرخد.

ثم تقايض الأشرف وأخاه الكامل فأخذ الأشرف دمشق وأعطى أخاه حران والرها والرقة ورأس العين وسروج.

ثم سار الكامل فحاصر حماة، وكان صاحبها الملك المنصور بن تقي الدين عمر قد توفي وعهد بالأمر من بعده إلى أكبر ولده المظفر محمد، وهو زوج بنت الكامل، فاستحوذ على حماة أخوه صلاح الدين قلج أرسلان فحاصره الكامل حتى أنزله من قلعتها وسلمها إلى أخيه المظفر محمد، ثم سار فتسلم البلاد التي قايض بها عن دمشق من أخيه الملك الأشرف كما ذكرنا.

وكان الناس بدمشق قد اشتغلوا بعلم الأوائل في أيام الملك الناصر داود، وكان يعاني ذلك وقديما نسبه بعضهم إلى نوع من الانحلال فالله أعلم، فنادى الملك الأشرف بالبلدان أن لا يشتغل الناس بذلك، وأن يشتغلا بعلم التفسير والحديث والفقه.

وكان سيف الدين الآمدي مدرسا بالعزيزية فعزله عنها وبقي ملازما منزله حتى مات في سنة إحدى وثلاثين كما سيأتي.

وفيها: كان الناصر داود قد أضاف إلى قاضي القضاة شمس الدين بن الخولي القاضي محيي الدين يحيى بن محمد بن علي بن الزكي، فحكم أياما بالشباك شرقي باب الكلاسة، ثم صار الحكم بداره، مشاركا لابن الخولي.

من الأعيان:

الملك المسعود أقسيس بن الكامل

صاحب اليمن، وقد ملك مكة سنة تسع عشرة فأحسن بها المعدلة، ونفي الزيدية منها، وأمنت الطرقات والحجاج، ولكنه كان مسرفا على نفسه، فيه عسف وظلم أيضا، وكانت وفاته بمكة ودفن بباب المعلى.

محمد السبتي النجار

كان يعده بعضهم من الأبدال.

قال أبو شامة: وهو الذي بنى المسجد غربي دار الزكاة عن يسار المار في الشارع من ماله، ودفن بالجبل.

وكانت جنازته مشهودة رحمه الله تعالى.

أبو الحسن علي بن سالم ابن يزبك بن محمد بن مقلد العبادي

الشاعر من الحديثة، قدم بغداد مرارا وامتدح المستظهر وغيره، وكان فاضلا شاعرا يكثر التغزل.

أبو يوسف يعقوب بن صابر الحراني

ثم البغدادي المنجنيقي، كان فاضلا في فنه، وشاعرا مطبقا لطيف الشعر حسن المعاني، قد أورد له ابن الساعي قطعة صالحة، ومن أحسن ما أورد له قصيدة فيها تعزية عظيمة لجميع الناس وهي:

هل لمن يرتجي البقاء خلود ** وسوى الله كل شيء يبيدُ

والذي كان من تراب وإن ** عاش طويلا للتراب يعودُ

فمصير الأنام طرا إلى ما ** صار فيه آباؤهم والجدودُ

أين حواء أين آدم إذ فا ** تهم الخلد والثوى والخلودُ؟

أين هابيل أين قابيل إذ هـ ** ذا لهذا معاند وحسودُ

أين نوحٌ ومن نجامعه بالفلـ ** ك والعالمون طرا فقيدُ

أسلمته الأيام كالطفل للمو ** ت ولم يغن عمره الممدودُ

أين عاد؟ بل أين جنة عادٍ ** أم ترى أين صالح وثمودُ؟

أين إبراهيم الذي شاد بيـ ** ت الله فهو المعظم المقصودُ

حسدوا يوسفا أخاهم فكادو ** ه ومات الحاسد والمحسودُ

وسليمان في النبوة والملك ** قضى مثل ما قضى داودُ

فغدوا بعدما أطيع لذا الخلـ ** ق وهذا له ألين الحديدُ

وابن عمران بعد آياته التسـ ** ع وشق الخضم فهو صعيدُ

والمسيح ابن مريم وهو روح اللـ **ـه كادت تقضي عليه اليهودُ

وقضى سيد النبيين والها ** دي إلى الحق أحمد المحمودُ

وبنوه وآله الطاهرو ** ن الزهر صلى عليهم المعبودُ

ونجوم السماء منتثراتٌ ** بعد حينٍ وللهواء ركودُ

ولنار الدنيا التي توقد الصخـ **ـر خمود وللماء جمودُ

وكذا للثرى غداة يؤم النـ ** ـاس منها تزلزل وهمودُ

هذه الأمهات نار وتربٌ ** وهواءٌ رطبٌ وماءٌ برودُ

سوف يفنى كما فنينا فلا ** يبقى من الخلق والدٌ ووليدُ

لا الشقي الغوي من نوب الأيا ** م ينجو ولا السعيد الرشيدُ

ومتى سلت المنايا سيوفا ** فالموالي حصيدها والعبيدُ

وممن توفي فيها:

أبو الفتوح نصر بن علي البغدادي

الفقيه الشافعي ويلقب: بثعلب، اشتغل في المذهب والخلاف ومن شعره قوله:

جسمي معي غير أن الروح عندكمُ ** فالجسم في غربة والروح في وطنِ

فليعجب الناس مني أن لي بدنا ** لا روح فيه ولي روح بلا بدنِ

أبو الفضل جبرائيل بن منصور

ابن هبة الله بن جبريل بن الحسن بن غالب بن يحيى بن موسى بن يحيى بن الحسن بن غالب بن الحسن بن عمرو بن الحسن بن النعمان بن المنذر المعروف: بابن زطينا البغدادي.

كاتب الديوان بها، أسلم - وكان نصرانيا - فحسن إسلامه، وكان من أفصح الناس وأبلغهم موعظة، ومن ذلك قوله: (خير أوقاتك ساعة صفت لله، وخلصت من الفكرة لغيره والرجاء لسواه، وما دمت في خدمة السلطان فلا تغتر بالزمان، اكفف كفك واصرف طرفك وأكثر صومك وأقلل نومك يؤمنك واشكر ربك يحمد أمرك).

وقال: (زاد المسافر يقدم على رحيله، فأعد الزاد تبلغ بالمعاد المراد. وقال: إلى متى تتمادى في الغفلة كأنك قد أمنت عواقب المهلة، عمر اللهو مضى وعمر الشبيبة انقضى، وما حصلت من ربك على ثقة بالرضا، وقد انتهى بك الأمر إلى سن التخاذل وزمن التكاسل، وما حظيت بطائل).

وقال: (روحك تخضع وعينك لا تدمع، وقلبك يخشع ونفسك تجشع، وتظلم نفسك وأنت لها تتوجع، وتظهر الزهد في الدنيا وفي الحال تطمع، وتطلب ما ليس لك بحق، وما وجب عليك من الحق لا تدفع، وتروم فضل ربك وللماعون تمنع، وتعيب نفسك الأمارة وهي عن اللهو لا ترجع، وتوقظ الغافلين بإنذارك وتتناوم عن سهمك وتهجع، وتخص غيرك بخيرك ونفسك الفقيرة لا تنفع، وتحوم على الحق وأنت بالباطل مولع. وتتعثر في المضايق وطرق النجاة مهيع، وتتهجم على الذنوب وفي المجرمين تشفع، وتظهر القناعة بالقليل وبالكثير لا تشبع، وتعمر الدار الفانية ودارك الباقية خراب بلقع، وتستوطن في منزل رحيل كأنك إلى ربك لا ترجع، وتظن أنك بلا رقيب وأعمالك إلى المراقب ترفع، تقدم على الكبائر وعن الصغائر تتورع، وتؤمل الغفران وأنت عن الذنوب لا تقلع، وترى الأهوال محيطة بك وأنت في ميدان اللهو ترتع، وتستقبح أفعال الجهال وباب الجهل تقرع، وقد آن لك أن تأنف من التعنيف وعن الدنايا تترفع، وقد سار المخفون وتخلفت فماذا تتوقع).

وقد أورد ابن الساعي له شعرا حسنا فمنه:

إن سهرت عيناك في طاعة ** فذاك خير لك من نومِ

أمسك قد فات بعلاته ** فاستدرك الفائت في اليومِ

وله:

إن ربَّا هداك بعد ضلالٍ ** سُبل الرشد مستحق للعبادهْ

فتعبد له تجد منه عتقا ** واستدم فضله بطول الزهادهْ

وله:

إذا تعففت عن حرامٍ ** عوضت بالطيب الحلالْ

فاقنع تجد في الحرام حلا ** فضلا من الله ذي الجلالْ

البداية والنهاية - الجزء الثالث عشر
589 | 590 | 591 | 592 | 593 | 594 | 595 | 596 | 597 | 598 | 599 | 600 | 601 | 602 | 603 | 604 | 605 | 606 | 607 | 608 | 609 | 610 | 611 | 612 | 613 | 614 | 615 | 616 | 617 | 618 | 619 | 620 | 621 | 622 | 623 | 624 | 625 | 626 | 627 | 628 | 629 | 630 | 631 | 632 | 633 | 634 | 635 | 636 | 637 | 638 | 639 | 640 | 641 | 642 | 643 | 644 | 645 | 646 | 647 | 648 | 649 | 650 | 651 | 652 | 653 | 654 | 655 | 656 | 657 | 658 | 659 | 660 | 661 | 662 | 663 | 664 | 665 | 666 | 667 | 668 | 669 | 670 | 671 | 672 | 673 | 674 | 675 | 676 | 677 | 678 | 679 | 680 | 681 | 682 | 683 | 684 | 685 | 686 | 687 | 688 | 689 | 690 | 691 | 692 | 693 | 694 | 695 | 696 | 697