الفرق بين المراجعتين لصفحة: «هداية الحيارى/الفصل الثاني عشر: لو لم يظهر محمد لبطلت نبوة سائر الأنبياء»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
Obayd (نقاش | مساهمات)
تصنيف using AWB
ط استبدال أقواس
 
سطر 17:
فلو لم يظهر محمد بن عبد الله ولم يبعث لبطلت نبوة الأنبياء قبله، والله سبحانه لا يخلف وعده ولا يكذب خبره، وقد كان بشر إبراهيم وهاجر بشارات بينات، ولم نرها تمت ولا ظهرت إلا بظهور رسول الله {{صل}}.
 
فقد بشرت هاجر من ذلك بما لم تبشر به امرأة من العالمين غير مريم ابنة عمران بالمسيح، على أن مريم بشرت به مرة واحدة، وبشرت هاجر بإسماعيل مرتين، وبشر به إبراهيم مرارا، ثم ذكر الله سبحانه هاجر بعد وفاته، كالمخاطب لها على ألسنة الأنبياء، ففي التوراة أن الله تعالى قال لإبراهيم: ((«قد أجبت دعائك في إسماعيل وباركت عليه وكبرته وعظمته))» هكذا في ترجمة بعض المترجمين.
 
وأما في الترجمة التي ترجمها اثنان وسبعون حبرا من أحبار اليهود فإنه يقول: ((«وسيلد اثني عشر أمة من الأمم))».
 
وفيها: ((«لما هربت هاجر من سارة ترائى لها ملك الله وقال: يا هاجر أمة سارة من أين أقبلت وإلى أين تذهبين؟ قالت: هربت من سيدتي، فقال لها الملك: ارجعي إلى سيدتك واخضعي لها، فإني سأكثر ذريتك وزرعك حتى لا يحصون كثرة، وها أنت تحبلين وتلدين ابنا تسميه إسماعيل؛ لأن الله قد سمع بذلك خشوعك، وهو يكون عين الناس ويكون يده فوق الجميع ويد الجميع مبسوطة إليه بالخضوع، ويكون مسكنه على تخوم جميع إخوته))».
 
وفي موضع آخر قصة إسكانها وابنها إسماعيل في برية فاران.
 
وفيها: ((«فقال لها الملك: يا هاجر ليفرح روعك، فقد سمع الله تعالى صوت الصبي، قومي فاحمليه، وتمسكي به، فإن الله جاعله لأمة عظيمة، وإن الله فتح عليها، فإذا ببئر ماء، فذهبت وملأت المزادة منه، وسقت الصبي منه، وكان الله معها، ومع الصبي حتى تربّى، وكان مسكنه في برية فاران))».
 
فهذه أربع بشارات خالصة لأم إسماعيل: نزلت اثنتان منها على إبراهيم، واثنتان على هاجر.
سطر 31:
وفي التوراة أيضا بشارات أخرى بإسماعيل وولده وأنهم أمة عظيمة جدا وأن نجوم السماء تحصى ولا يحصون، وهذه البشارة إنما تمت بظهور محمد بن عبد الله وأمته.
 
فإن ((«بني إسحاق))» كانوا لم يزالوا مطرودين مشردين، خولا للفراعنة والقبط حتى أنقذهم الله بنبيه وكليمه موسى بن عمران، وأورثهم أرض الشام، فكانت كرسي مملكتهم ثم سلبهم ذلك، وقطعهم في الأرض أمما مسلوبا عزهم وملكهم: قد أخذتهم سيوف السودان وعلتهم أعلاج الحمران. حتى إذا ظهر النبي {{صل}} تمت تلك النبوات وظهرت تلك البشارات بعد دهر طويل، وعلت بنو إسماعيل على من حولهم فهشموهم هشما وطحنوهم طحنا وانتشروا في آفاق الدنيا، ومدت الأمم أيديهم إليهم بالذل والخضوع وعلوهم علو الثريا فيما بين الهند والحبشة، والسوس الأقصى وبلاد الترك والصقالبة والخزر. وملكوا ما بين الخافقين وحيث ملتقى أمواج البحرين، وظهر ذكر إبراهيم على ألسنة الأمم، فليس صبي من بعد ظهور النبي {{صل}} ولا امرأة ولا حر ولا عبد ولا ذكر ولا أنثى إلا وهو يعرف إبراهيم وآل ابراهيم.
 
وأما النصرانية وإن كانت قد ظهرت في أمم كثيرة جليلة فإنه لم يكن لهم في محل إسماعيل وأمه هاجر سلطان ظاهر ولا عز قاهر البتة، ولا صارت أيدي هذه الأمة فوق أيدي الجميع ولا امتدت إليهم أيدي الأمم بالخضوع.
سطر 47:
فأخبار المسيح والصليب إنما شيوخكم فيها اليهود، وهم فيما بينهم مختلفون في أمره أعظم اختلاف، وأنتم مختلفون معهم في أمره، فاليهود تزعم أنهم حين أخذوه حبسوه في السجن أربعين يوما، و قالوا ما كان لك أن تحبسوه أكثر من ثلاثة أيام ثم تقتلوه إلا أنه كان يعضده أحد قواد الروم لأنه كان يداخله في صناعة الطب عندهم.
 
وفي الأناجيل التي بأيديكم ((«أنه أخذ صبح يوم الجمعة، وصلب في الساعة التاسعة من اليوم بعينه))» فمتى تتوافقون مع اليهود في خبره، واليهود مجمعون أنه لم يظهر له معجزة ولا بدت منه لهم آية غير أنه طار يوما وقد هموا بأخذه فطار على أثره آخر منهم فعلاه في طيرانه فسقط إلى الأرض بزعمهم.
 
وفي الإنجيل الذي بأيديكم في غير موضع ما يشهد أنه لا معجزة له ولا آية.
 
فمن ذلك أن فيه منصوصا أن اليهود قالوا له يوما: ((«ماذا نفعل حتى نعمل أعمال الله تعالى؟ فقال: أمر الله أن تؤمنوا بمن بعثه، فقالوا له: وما آيتك التي ترينا لنؤمن بك وأنت تعلم أن آبائنا قد أكلوا المن والسلوى بالمفاوز؟ قال: إن كان أطعمكم موسى خبزا فأنا أطعمكم خبزا سماويا))» يريد نعيم الآخرة، فلو عرفوا له معجزة ما قالوا ذلك.
 
وفي الإنجيل الذي بأيديكم أن اليهود قالت له: ((«ما آيتك التي نصدقك بها؟ قال: اهدموا البيت أبنيه لكم في ثلاثة أيام))». فلو كانت اليهود تعرف له آية لم تقل هذا ولو كان قد أظهر لهم معجزة لذكرهم بها حينئذ.
 
وفي الإنجيل الذي بأيديكم أيضا أنهم جاؤا يسألونه آية فقذفهم وقال: ((«إن القبيلة الفاجرة الخبيثة تطلب آية، فلا تعطى ذلك))».
 
وفيه أيضا أنهم كانوا يقولون له وهو على الخشبة بظنكم ((«إن كنت المسيح فأنزل نفسك فنؤمن بك))» يطلبون بذلك آية فلم يفعل.
 
فإذا كفرتم معاشر النصارى بالقرآن لم يتحقق لعيسى بن مريم آية ولا فضيلة؛ فإن أخباركم عنه وأخبار اليهود لا يلتفت إليها لاختلافكم في شأنه أشد الاختلاف وعدم تيقنكم لجميع أمره.