الفرق بين المراجعتين لصفحة: «هداية الحيارى/فصل الرد على من طعن بالصحابة»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
Obayd (نقاش | مساهمات)
تصنيف using AWB
ط استبدال أقواس
 
سطر 8:
}}
===فصل الرد على من طعن بالصحابة===
قال السائل: ((«تدخل علينا الريبة من جهة عبد الله بن سلام وأصحابه، وهو أنكم قد بنيتم أكثر أساس شرائعكم في الحلال والحرام، والأمر والنهي، على أحاديث عوام من الصحابة، الذين ليس لهم بحث في علم، ولا دراسة، ولا كتابة، قبل مبعث نبيكم. فابن سلام هو وأصحابه أولى أن يؤخذ بأحاديثهم، ورواياتهم، لأنهم كانوا أهل علم، وبحث، ودراسة، وكتابة، قبل مبعث نبيكم وبعده، ولا نراكم تروون عنهم من الحلال والحرام، والأمر والنهي، إلا شيئا يسيرا جدا، وهو ضعيف عندكم))»
 
والجواب من وجوه:
 
أحدها:
أن هذا بهت من قائله، فإنا لن نبن أساس شريعتنا في الحلال والحرام، والأمر والنهي، إلا على كتاب ربنا المجيد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. الذي أنزله على رسوله محمد {{صل}}، الذي تحدى به الأمم كلها، على اختلاف علومها، وأجناسها، وطبائعها، وهو في غاية الضعف، وأعداؤه طبقوا الأرض أن يعارضوه بمثله، فيكونوا أولى بالحق منه، ويظهر كذبه وصدقهم. فعجزوا عن ذلك، فتحداهم بأن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا، فتحداهم بأن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، هذا وأعداؤه الأدنون إليه أفصح الخلق، وهم أهل البلاغة، والفصاحة، واللسن، والنظم، والنثر، والخطب، وأنواع الكلام، فما منهم من فاه في معارضته ببنت شفة، وكانوا أحرص الناس على تكذيبه، وأشدهم أذى له بالقول والفعل، والتنفير عنه بكل طريق، فما نقل عن أحدهم منهم سورة واحدة عارضة بها؛ إلا مسيلمة الكذاب بمثل قوله: ((«ياضفدع بنت ضفدعين، نقي كم تنقين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدرين، ومثل الطاحنات طحنا، والعاجنات عجنا، فالخابزات خبزا، أهالة وسمنا))». وأمثال هذه الألفاظ التي هي بألفاظ أهل الجنون، والمعتوهين، أشبه منها بألفاظ العقلاء، فالمسلمون إنما بنوا أساس دينهم، ومعالم حلالهم وحرامهم، على الكتاب الذي لم ينزل من السماء كتاب أعظم منه، فيه بيان كل شيء، وتفصيل كل شيء، وهدى، ورحمة، وشفاء لما في الصدور، به هدى الله رسوله وأمته، فهو أساس دينهم.
 
الثاني:
أن قولكم: ((«إن المسلمين بنوا أساس دينهم على رواية عوام من الصحابة))» من أعظم البهت، وأفحش الكذب، فإنهم وإن كانوا أميين فمذ بعث الله فيهم رسوله زكاهم، وعلمهم الكتاب والحكمة، وفضلهم في العلم، والعمل والهدى، والمعارف الإلهية، والعلوم النافعة المكملة للنفوس، على جميع الأمم.
 
فلم تبق أمة من الأمم تدانيهم في فضلهم، وعلومهم، وأعمالهم، ومعارفهم، فلو قيس ما عند جميع الأمم من معرفة، وعلم، وهدى، وبصيرة، إلى ما عندهم لم يظهر له نسبة إليه بوجه ما؛وإن كان غيرهم من الأمم أعلم بالحساب، والهندسة، والكم المتصل، والكم المنفصل، والنبض، والقارورة، والبول، والقسطة، ووزن الأنهار، ونقوش الحيطان، ووضع الآلات العجيبة، وصناعة الكيميا، وعلم الفلاحة، وعلم الهيئة، وتسير الكواكب، وعلم الموسيقا والألحان.
وغير ذلك من العلوم، التي هي بين علم لا ينفع، وبين ظنون كاذبة، وبين علم نفعه في العاجلة، وليس من زاد المعاد.
 
فإن أردتم أن الصحابة كانوا عواما في هذه العلوم فنعم إذا ((«وتلك شكاة ظاهر عنك عارها))».
 
وإن أردتم أنهم كانوا عواما في العلم بالله، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه، ودينه، وشرعه، وتفاصيله، واليوم الآخر وتفاصيله، وتفاصيل ما بعد الموت، وعلم سعادة النفوس وشقاوتها، وعلم صلاح القلوب وأمراضها، فمن بهت نبيهم بما بهته به، وجحد نبوته ورسالته، التي هي للبصائر أظهر من الشمس للأبصار، لم ينكر له أن يبهت أصحابه، ويجحد فضلهم، ومعرفتهم، وينكر ما خصهم الله به، وميزهم على من قبلهم، ومن هو كائن بعدهم إلى يوم القيامة؟
سطر 27:
وكيف يكونون عواما في ذلك، وهم أذكى الناس فطرة، وأزكاهم نفوسا، وهم يتلقونه غضا طريا ومحضا لم يشب عن نبيهم، وهم أحرص الناس وأشوقهم إليه، وخبر السماء يأتيهم على لسانه في ساعات الليل، والنهار، والحضر، والسفر، وكتابهم قد اشتمل على علوم الأولين والآخرين، وعلم ما كان من المبدأ والمعاد، وتخليق العالم، وأحوال الأمم الماضية، والأنبياء وسيرهم، وأحوالهم مع أممهم، ودرجاتهم ومنازلهم عند الله، وعددهم وعدد المرسلين منهم، وذكر كتبهم، وأنواع العقوبات التي عذب الله بها أعداءهم، وما أكرم به أتباعهم، وذكر الملائكة وأصنافهم وأنواعهم، وما وكلوا به، واستعملوا فيه، وذكر اليوم الآخر، وتفاصيل أحواله، وذكر الجنة، وتفاصيل نعيمها، والنار وتفاصيل عذابها، وذكر البرزخ وتفاصيل أحوال الخلق فيه، وذكر أشراط الساعة، والإخبار بها، مفصلا بما لم يتضمنه كتاب غيره من حين قامت الدنيا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
 
كما أخبر به المسيح عنه من قوله في الإنجيل وقد بشرهم به فقال: ((«وكل شيء أعده الله تعالى لكم يخبركم به))».
 
وفي موضع آخر منه: ((«ويخبركم بالحوادث، والغيوب))».
 
وفي موضع آخر: ((«يعلمكم كل شيء))».
 
وفي موضع آخر منه: ((«يحي لكم الأسرار، ويفسر لكم كل شيء، وأجيئكم بالأمثال، وهو يجيئكم بالتأويل))».
 
وفي موضع آخر: ((«إن لي كلاما كثيرا أريد أن أقوله لكم، ولكنكم لا تستطيعون حمله، لكن إذا جاء روح الحق، ذلك يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه ليس ينطق من عنده، بل يتكلم بما يسمع، ويخبركم بكل ما يأتي، ويعرّفكم جميع ما للأب))».
 
فمن هذا علمه بشهادة المسيح وأصحابه يتلقون ذلك جميعه عنه، وهم أذكى الخلق، وأحفظهم وأحرصهم، كيف تدانيهم أمة من الأمم في هذه العلوم والمعارف؟
 
((«ولقد صلى رسول الله {{صل}} يوما صلاة الصبح، ثم صعد المنبر، فخطبهم حتى حضرت الظهر، ثم نزل فصلّى، وصعد، فخطبهم حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلّى، وخطبهم حتى حضرت المغرب، فلم يدع شيئا إلى قيام الساعة إلا أخبرهم به، فكان أعلمهم، أحفظهم))».
 
وخطبهم مرة أخرى خطبة فذكر بدأ الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم.
سطر 53:
وقال قتادة: في قوله تعالى: (ويرى الذي أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق) قال: هم أصحاب محمد {{صل}}.
 
ولما حضر معاذا الموت قيل: أوصنا، قال: أجلسوني إن العلم والإيمان بمكانهما من اقتفاهما وجدّهما عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام، فإني سمعت رسول الله {{صل}} يقول: ((«إنه عاشر عشرة في الجنة))».
 
وقال أبو إسحاق السبيعي: قال عبد الله: علماء الأرض ثلاثة؛ فرجل بالشام، وآخر بالكوفة، وآخر بالمدينة، فأما هذان فيسألان الذي بالمدينة، والذي بالمدينة لا يسألهما عن شيء.
سطر 75:
وقال مسروق: جالست أصحاب محمد {{صل}}، وكانوا كالأخاذ الأخاذ، يروي الراكب، والأخاذ يروي الراكبين، والأخاذ العشرة، والأخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم، وإن عبد الله من تلك الأخاذ.
 
وفي الصحيح عن النبي {{صل}} قال: ((«بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن، فشربت منه حتى أرى الري يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر، فقالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله، قال: ((«العلم))».
 
وقال عبد الله: إني لأحسب أن عمر بن الخطاب، قد ذهب بتسعة أعشار العلم. وقال عبد الله: لو أن علم عمر بن الخطاب وضع في كفة الميزان، ووضع علم أهل الأرض في كفة، لرجح علم عمر. وقال حذيفة بن اليمان: كأن علم الناس مع علم عمر، دس في حجر.
سطر 83:
وقال قبيصة بن جابر: ما رأيت رجلا قط، أعلم بالله، ولا أقرأ لكتاب الله، ولا أفقه في دين الله، من عمر.
 
وقال علي: بعثني رسول الله {{صل}} إلى اليمن، وأنا حديث السن، ليس لي علم بالقضاء، فقلت: إنك ترسلني إلى قوم يكون فيهم الأحداث، وليس لي علم بالقضاء، قال: فضرب في صدري، وقال: ((«إن الله سيهدي قلبك، ويثبت لسانك))» قال: فما شككت في قضاء بين اثنين بعده.
وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود قال: كنت أرعى غنما لعقبة ابن أبي معيط، فمر بي رسول الله {{صل}}، وأبو بكر، فقال لي: ((«يا غلام هل من لبن))»؟ فقلت: نعم، ولكني مؤتمن، قال: ((«فهل من شاة لم ينز عليها الفحل))»؟ قال: فأتيته بشاة فمسح ضرعها، فنزل لبن، فحلبه في إناء، فشرب وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع: ((«اقلص))» فقلص، قال: ثم أتيته بعد هذا فقلت: يا رسول الله علمني من هذا القول، فمسح رأسي، وقال: ((«يرحمك الله إنك عليم معلّم))».
 
وقال عقبة بن عامر: ما أرى أحدا أعلم بما أنزل على محمد [{{صل}}] من عبد الله، فقال أبو موسى: إن تقل ذلك فإنه كان يسمع حين لا نسمع، ويدخل حين لا ندخل.
سطر 104:
وقال أبو الدرداء: إن من الناس من أوتي علما، ولم يؤت حلما، وشداد بن أوس ممن أوتي علما وحلما.
 
ولما مات زيد بن ثابت، قام ابن عباس على قبره، وقال: هكذا يذهب العلم، وضم رسول الله {{صل}} ابن عباس وقال: ((«اللهم علمه الحكمة، وتأويل الكتاب))».
 
وقال محمد بن الحنفية لما مات ابن عباس: لقد مات رباني هذه الأمة.
سطر 156:
وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) وهم محمد وأصحابه.
 
وصح عنه {{صل}} أنه قال: ((«أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها، وأكرمها على الله عز وجل))».
 
وقال تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين، والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم).
 
وقال مالك عن نافع: كان ابن عباس، وابن عمر يجلسان للناس عند قدوم الحاج، وكنت أجلس إلى هذا يوما، وإلى هذا يوما، فكان ابن عباس يجيب، ويفتي في كل ما يسأل عنه، وكان ابن عمر يرد أكثر مما يفتي. قال مالك: وسمعت ((«أن معاذ بن جبل يكون إمام العلماء برتوة))» يعني: يكون إمامهم يوم القيامة برمية حجر.
 
وقال مالك: أقام ابن عمر بعد النبي {{صل}} ستين سنة، يفتي الناس في الموسم، وغير ذلك، وكان من أئمة الدين.
سطر 186:
فهذا مالك جمعت فتاويه في عدة أسفار، وكذلك أبو حنيفة، وهذه تصانيف الشافعي تقارب المائة، وهذا الإمام أحمد بلغت فتاويه وتآليفه نحو مائة سفر، وفتاويه عندنا في نحو عشرين سفرا، وغالب تصانيفه بل كلها عن رسول الله {{صل}}، وعن الصحابة، والتابعين.
 
وهذا علامتهم المتأخر ((«شيخ الإسلام ابن تيمية))» جمع بعض أصحابه فتاواه في ثلاثين مجلدا، ورأيتها في الديار المصرية، وهذه تآليف أئمة الإسلام التي لا يحصيها إلا الله، وكلهم من أولهم إلى آخرهم يقر للصحابة بالعلم، والفضل، ويعترف بأن علمه بالنسبة إلى علومهم، كعلومهم بالنسبة إلى علم نبيهم.
 
وفي الثقفيات حدثنا قتيبة بن سعيد، هن سعيد بن عبد الرحمن المعافري، عن أبيه، أن كعبا رأى حبر اليهود يبكي، فقال له: ما يبكيك؟ قال: ذكرت بعض الأمر، فقال كعب: أنشدك الله لئن أخبرتك ما أبكاك لتصدقني؟ قال: نعم، قال: أنشدك الله، هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة، فقال: رب إني أجد أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالكتاب الأول والكتاب الآخر، ويقاتلون أهل الضلالة، حتى يقاتلون الأعور الدجال، فاجعلهم أمتي، قال: هم أمة أحمد يا موسى؟ قال الحبر: نعم.
سطر 216:
ثم نقول: وما يدريكم معاشر اليهود والنصارى بالفقه والعلم؟ ومسمي هذا الاسم حيث تسلبونه أصحاب محمد الذين هم وتلاميذهم كأنبياء بني إسرائيل، وهل يميز بين العلماء والجهال، ويعرف مقادير العلماء، إلا من هو من جملتهم، ومعدود في زمرتهم؟
 
فأما طائفة شبه الله علماءهم بالحمير التي تحمل أسفارا، وطائفة علماؤها يقولون في الله ما لا ترضاه أمة من الأمم فيمن تعظمه وتجله، وتأخذ دينها عن كل كاذب، ومفتر على الله، وعلى أنبيائه، فمثلها مثل عريان يحارب شاكي السلاح، ومن سقف بيته زجاج، وهو يزاحم أصحاب القصور بالأحجار، ولا يستكثر على من قال في الله ورسوله ما قال أن يقول في أعلم الخلق أنهم عوام... فليهنأ اليهود علم ((«المشنا، والتلمود))» وما فيهما من الكذب على الله، وعلى كليمه موسى.
 
وما يحدث لهم أحبارهم وعلماء السوء منهم كل وقت، ولتهنهم علوم دلتهم على أن الله ندم على خلق البشر حتى شق عليه، وبكى على الطوفان حتى رمد، وعادته الملائكة، ودلتهم على أن يناجوا في صلاتهم، بقولهم: