الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مبسوط السرخسي - الجزء الثامن عشر2»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
Removing all content from page
ط استرجاع المقال حتى أخر تعديل من قبل Chaos
سطر 1:
[ 96 ]
ولكنا تركنا هذا القياس فيه للعادة فان العادة جارية أن المستثنى يكون أقل من النصف وانه انما يختار العادة عن الواجب بذكر حمله مع الاستثناء إذا كان المستثنى أقل من الواجب وتتضح هذه العادة في هذا الفصل فان قوله الا شئ انما يعبر به عن القليل عادة فهو وقوله الا قليل سواء فلهذا لزمه خمسمائة وزيادة ولا طريق لنا إلى معرفة تلك الزيادة سوى الرجوع إلى بيانه بخلاف الا تسعمائة فان هناك نص على بيان قدر المستثنى ولا معنى للعادة مع النص بخلافه وكذلك لو قال له على زهاء الف درهم أو عظم الف درهم أو جل الف درهم أو قريب من الف درهم فهذا وما سبق سواء لانه وصف الواجب بانه عظم الالف ولن يتحقق ذلك الا إذا كان أكثر من النصف وقدر الزيادة على النصف لا طريق لنا إلى معرفته سوى الرجوع إلى بيانه فان مات المقر كان القول فيما زاد على خمسمائة إلى ورثته لانهم قائمون مقامه وقضاء المال من التركة واجب عليهم فلما كان بيانه مقبولا فكذلك بيانهم بعده وكذلك هذا في الغصب والوديعة وغيرهما وكذلك هذا في المكيل والموزون والثياب وكل شئ يجوز فيه السلم ولو قال له على ما بين درهم إلى مائتي درهم فتسعه وتسعون درهما في قول أبى حنيفة رحمه الله وفي قول أبى يوسف رحمه الله ومحمد رحمه الله مائتا درهم وفي قول زفر رحمه الله عليه مائة وثمانية وتسعون درهما والقياس ما قاله زفر رحمه الله فانه جعل الدرهم الاول والاخر حدا ولا يدخل الحد في المحدود كمن يقول لفلان من هذا الحائط إلى هذا الحائط أو بين هذين الحائطين لا يدخل الحائطان في الاقرار فكذلك هنا لا يدخل الحدان لان الحد غير المحدود وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله قالا هذا كذلك في حد هو قائم بنفسه كما في المحسوسات فأما فيما ليس بقائم بنفسه فلا لانه انما يتحقق كونه حدا إذا كان واجبا فاما ما ليس بواجب لا يتصور حدا لما هو واجب وأبو حنيفة رحمه الله يقول الاصل ما قاله زفر رحمه الله أن الحد غير المحدود وما لا يقوم بنفسه ذكرا وان لم يكن واجبا الا أن الغاية الاولى لابد من ادخالها لان الدرهم الثاني والثالث واجب ولا يتحقق الثاني بدون الاول لان الكلام يستدعى ابتداء فإذا اخرجنا الاول من ان يكون واجبا صار الثاني هو الابتداء فيخرج هو من ان يكون واجبا ثم الثالث والرابع هكذا بعده فلاجل هذه الضرورة ادخلنا فيه الغاية الاولي ولا ضرورة في ادخال الغاية الثانية فأخذ نا فيها بالقياس. ولو قال له على ما بين كر شعير إلى كر حنطة فعليه في
[ 97 ]
قول ابى حنيفه رحمه الله كر شعير وكر حنطة الا قفيز حنطة لان القفيز الاخر من الحنطة هو الغاية الثانية وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يلزمه الكران. ولو قال له على ما بين عشرة دراهم إلى عشرة دنانير فعند أبى حنيفة رحمه الله يلزمه الدراهم وتسعة دنانير وعندهما يلزمه الدراهم وعشرة دنانير وكذلك لو قال له على ما بين عشرة دنانير إلى عشرة دراهم فعليه الدراهم وتسعة دنانير في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله وقع في بعض نسخ أبى حفص رحمه الله في هذا الفصل أن عليه عشرة دنانير وتسعة دراهم وهو ظاهر عند أبى حنيفة رحمه الله لان الغاية الثانية من الدراهم هنا ولكن الاصح هو الاول واليه أشار بعد هذا فقال وكذلك الكيل والوزن سواء اختلف النوعان أو اتفقا فهو سواء والواحد من الاكثر هو الغاية فهذا بيان أن ما ينتقص باعتبار الغاية عنده من الافضل أو آخره لانه لا يلزمه الا القدر المتيقن واحدى الغايتين لما صار خارجا وجب الاخذ بالاحتياط فيه وجعل ذلك من الافضل حتى لا يلزمه الا المتيقن به وقوله من كذا إلى كذا بمنزلة قوله ما بين كذا وكذا في جميع ما ذكرنا والله أعلم * (باب الاقرار بشئ غير مسمى المبلغ) * (قال رحمه الله) وإذا أقر أن لفلان عليه دراهم ولم يسمها لزمه ثلاثة دراهم لان اقراره حصل بصيغة الجمع وأدنى الجمع المتيقن دراهم ثلاثة والشافعي رحمه الله قال انه يلزمه درهمان بناء علي أصله ان أدنى الجمع المثنى لان في المثنى معنى الاجتماع ولكنا نقول لكلام العرب مبان ثلاثة الفرد والتثنية والجمع فذلك دليل على أن الجمع غير التثنية ومن حيث المعقول في المثنى يتعارض الاقرار من الجانبين فلا يترجح فيه أحد الجانبين وفي الثلاثة انما يعارض فرض المثنى فيغلب فيه معنى الجمع على معنى المفرد ولم يرد في الكتاب على هذا وذكر ابن سماعة عن أبى يوسف رحمهما الله إذا قال له على دراهم مضاعفة لزمه ستة لان أدنى الجمع ثلاثة وأدنى التضعيف مرة. ولو قال له على دراهم اضعافا مضاعفة يلزمه ثمانية عشر درهما لان اضعاف لفظه الجمع فيصير تسعة فبالمضاعفة مرة يصير ثمانية عشر وكذلك لو قال مضاعفة اضعافا لان بالمضاعفة يصير سنة والاضعاف جمع وكذلك لو أقر فقال له على عشرة دراهم واضعافها مضاعفة يلزمه ثمانون درهما لان قوله واضعافها ثلاثون وهى غير العشرة بحرف العطف فصارت
[ 98 ]
أربعين وبالمضاعفة تصير ثمانين. وان قال له على دراهم كثيرة لزمه عشرة في قول أبى حنيفة رحمه الله لان أكثر ما يتناول هذا اللفظ مقرونا بالعد عشرة فقال عشرة دراهم ثم قال بعده أحد عشر درهما وعندهما يلزمه مائتا درهم لان الكثير من الدراهم ما يحصل به الغنى لصاحبه وهو النصاف الذى تجب فيه الزكاة وأبو حنيفة رحمه الله يبنى الجواب على اللفظ وهما على المعنى المقصود باللفظ. وكذلك لو قال له علي دنانير كثيرة فعليه عشرة دنانير عند أبى حنيفة رحمه الله وعندهما عشرون دينارا باعتبار نصاب الزكاة ولو قال له على كذا كذا درهما يلزمه احد عشر درهما لانه ذكر عددين مبهمين مركبين غير معطوفين وأدنى العددين المفسرين بهذا الصفة احد عشر ولو قال كذا وكذا درهما يلزمه احد وعشرون درهما لانه ذكر عددين مبهمين أحدهما معطوف على الاخر وأدنى ذلك في المفسرين احد وعشرون فكذلك المبهم يعبر به وعلي هذا الدنانير والكيل والوزن حتى إذا قال كذا وكذا محتوما من حنطة كان عليه احد عشر محتوما ولو قال له على كذا كذا درهما وكذا كذا دينارا لزمه من كل واحد منهما أحد عشر اعتبارا لحالة الجمع بحالة الاقرار بخلاف ما لو قال كذا كذا دينارا أو درهما يلزمه أحد عشر منهما بمنزلة ما لو فسره في الفصلين جميعا ولو قال أحد عشر دينارا أو درهما يلزمه من كل واحد منهما النصف بخلاف ما إذا قال أحد عشر دينارا أو درهما فكذلك عند ابهام العددين. ولو قال له على مال عظيم من الدراهم فعليه ما تجب فيه الزكاة في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وهو مائتا درهم على قياس مذهبهما عند الوصف بالكثرة ولم يذكر قول أبى حنيفة رحمه الله هنا وقيل مذهبه في هذا الفصل كمذهبهما لانه في الفصل الاول بنى على لفظ الدراهم وذلك غير موجود هنا والاصح أن قوله بنى على حال المقر في الفقر والغنى فان القليل عند الفقير عظيم واضعاف ذلك عند الغنى ليس بعظيم وكما أن المائتين مال عظيم في حكم الزكاة فالعشرة مال عظيم في قطع السرقة وتقدير المهر بها فيتعارض فيرجع إلى حال الرجل وعلى حاله يبنى فيما بينه وعلى قول الشافعي رحمه الله البيان إلى المقر في ذلك فأي مقدار بين يؤخذ به لان الابهام حصل من جهته وهذا بعيد فانه لو قال على مال ثم بينه بشئ يقبل ذلك منه ولا يجوز الغاء قوله عظيم ولو قبلنا بيانه في القليل والكثير كنا قد ألغينا تنصيصه على وصف العظيم وذلك لا يجوز. ولو قال على مال فالقول في بيان مقداره قوله قال والدرهم مال وهذا اشارة إلى أن فيما دون الدرهم لا يقبل بيانه لان ما دون الدرهم من
[ 99 ]
الكسور لا يطلق اسم المال عليه عادة قال الحسن لعن الله الدانق ومن دنق الدانق. ولو قال له علي حنطة فالقول في ذلك ما قال ربع حنطة فما فوقه فان الربع أدنى المقادير في الحنطة كالدرهم في الفصل الاول. ولو قال له على عشرة دراهم ونيف فالقول في النيف ما قال درهم أو أقل منه أو أكثر لان النيف عبارة عن الزيادة يقال جبل منيف إذا كان مشرفا على الجبال ومنه سمى الانف لزيادة خلقته في الوجه فكأنه قال عشرة وزيادة واسم الزيادة يتناول الدانق وما زاد فإذا كان بيانه مطابقا للفظه كان مقبولا منه وان قال له على بضعة وخمسون درهما فالبضعة ثلاثة دراهم فصاعدا ليس له أن ينقصه عن ثلاثة لان البضع من ثلاثة إلى سبعة على ما روى أنه لما نزل قوله تعالى سيغلبون في بضع سنين خاطر أبو بكر رضي الله عنه قريشا على أن الروم تغلب فارس في ثلاث سنين وأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلوات الله عليه كم تعدون البضع فيكم قال من ثلاث إلى سبع فقال صلى الله عليه وسلم زد في الخطر وأبعد في الاجل فهذا دليل على ان البضع ثلاثة. ولو قال له على حق أوله قبلى شئ فالقول في بيان مقداره وجنسه قوله لان ما صرح به في اقراره ينطلق علي ما قل وكثر من المال ولو قال له على عشرة دراهم ودانق فالدانق فضة لانه عبارة عن سدس الدرهم والمعطوف من جنس المعطوف عليه. وكذلك لو قال له علي عشرة دراهم وقيراط فالقيراط من الفضة لان المعطوف من جنس المعطوف عليه وقد بينا فيما سبق أن الدرهم أربعة عشر قيراطا. ولو قال له على مائة ودرهم فعليه مائة درهم ودرهم عندنا وقال الشافعي رحمه الله درهم واحد والقول في بيان المائة قوله وكذلك لو قال مائة ودينار أو مائة وقفيز حنطة فذكر شيئا من الكيل أو الوزن فهو كله على هذا الخلاف وان قال مائة وعبد يلزمه العبد والقول في بيان المائة قوله. وكذلك ان قال مائة وثوب في ظاهر الرواية وروى ابن سماعة عن أبى يوسف رحمهما الله في قوله مائة وثوب أن الكل من الثياب وكذلك في قوله مائة وشاة أما الشافعي رحمه الله فقال انه أبهم الاقرار بالمائة وقوله ودرهم ليس بتفسير له لانه عطف عليه بحرف الواو والعطف لم يوضع للتفسير لغة فيلزمه ما أقر به مفسرا في الفصول كلها ويكون القول فيما أبهم قوله وكذلك له علي مائة ودرهمان بخلاف ما لو قال مائة وثلاثة دراهم لانه عطف أحد العددين المبهمين على الآخر ثم فسره بالدراهم فينصرف التفسير اليهما جميعا لحاجة كل واحد منهما إلى التفسير * وحجتنا في ذلك قوله ودرهم بيان للمائة عادة ودلالة اما من حيث العادة فلان الناس يحترزون
[ 100 ]
عن تطويل العبارات فيأتون به للتنصيص على الدراهم عند ذكر كل عدد ويكتفون بذكره مرة وهذا شئ لا يمكن انكاره (ألا ترى) انهم يقولون احد وعشرون درهما فيكتفون بذكر الدرهم مرة ويجعلون ذلك تفسير اللكل. وأما من حيث الدلالة فلان المعطوف مع المعطوف عليه بمنزلة المضاف مع المضاف إليه إذ كل واحد منهما للتعريف ثم المضاف يجعل تعريفا للمضاف إليه إذا كان صالحا له فكذلك المعطوف يجعل تعريفا للمعطوف عليه إذا كان صالحا له والصلاحية موجودة في المكيلات والموزونات لانها تثبت في الذمة مع جميع المعاملات حالا ومؤجلا ويجوز الاستقراض فيها ولعموم البلوى جعلنا العطف فيها تفسيرا بخلاف قوله وثوب وشاة لان الثوب لا يثبت في الذمة دينا الا مبيعا مسلما فيه والشاة لا تثبت دينا في الذمة أصلا يعنى به ثبوتا لازما فلم يصلح قوله وثوب أن يكون تفسيرا للمائة لان قوله على مائة عبارة عما يثبت في الذمة مطلقا ثبوتا صحيحا فلهذا كان البيان إليه وجه رواية أبى يوسف رحمه الله ان الثياب والغنم تقسم قسمة واحدة بخلاف العبيد فانها لا تقسم قسمة واحدة يتحقق في أعدادها المجانسة فيمكن أن يجعل المفسر منه تفسيرا للمبهم ومالا يقسم قسمة واحدة لا يتحقق في أعداده المجانسة فلا يمكن أن يجعل المفسر تفسيرا للمبهم. ولو قال له على مائة ومائة أثواب فالكل من الثياب بالاتفاق لما بينا انه عطف العدد المبهم على عدد مبهم ثم فسر بما يصلح أن يكون تفسيرا للكل فيكون الكل من الثياب والقول في بيان جنسها قول المقر. ولو قال له على مائتا مثقال فضة وذهبا فعليه من كل واحد منهما النصف لانه أضاف العدد المذكور إلى الجنسين والمساواة في الاضافة تقتضي التوزع على سبيل التساوى الا أن الواجب هنا من كل جنس مثقال بخلاف مالو قال له على مائتا درهم ودينار فهناك يلزمه مائة دينار تاما قيل ومائة درهم وزن سبعة لانه نص علي المثاقيل هنا فقال مائتا مثقال ثم فسر بالذهب والفضة فيكون من كل واحد منهما مائة مثقال وهناك أطلق اسم الدراهم والدنانير والدراهم عبارة عن وزن سبعة ثم القول قوله في الجودة والرداءة لانه ليس في لفظه ما يعين أحد الوصفين وعلي هذا جميع ما يقر به من المكيلات والموزونات بأى سبب أقربه ولو قال له على كر من حنطة وشعير وسمسم فعليه من كل أحد الثلث لان الكر عبارة عن أربعين قفيزا وقد فسره بالاجناس الثلاثة فيكون من كل جنس الثلث. ولو قال له على قفيز من حنطة وشعير الا ربعا فان الاستثناء جائز لانه بعض ما يتناول كلامه وعليه ثلاثة ارباع قفيز من كل
[ 101 ]
واحد النصف اعتبارا لاقراره ببعض القفيز باقراره بالكل. وكذلك لو قال له قبلى مثاقيل من مسك وزعفران وكذلك لو قال لفلان وفلان على قفيز من حنطة وشعير فعليه لهما من كل واحد منهما نصف قفيز للتسوية بينهما في الاقرار والتسوية بين الجنسين في التفسير وان قال استودعني ثلاثة أثواب زطى ويهودى كان القول قوله فان شاء قال يهودى وزطيان فيقبل قوله مع يمينه لان الثوب الواحد لا يتبعض فتعين أحد الثلاثة يهوديا والآخر زطيا بقى الثالث مترددا بين وصفين فان بينه باليهودي فقد التزم الزيادة وان بينه بالزطى فالقول قوله مع يمينه بمنزلة ما لو قال له على ثوب زطي أو يهودى. ولو أقر أن الدين الذى له على فلان لفلان وكان المقر له علي فلان مائة درهم في صك وعشرة دنانير في صك فقال المقر عنيت أحدهما وادعاهما المقر له فهما جميعا للمقر له وأما صحة الاقرار بالدين فلانه اخبار من الغائب عن واجب سابق وذلك يتحقق في الديون كما يتحقق في الاعيان بخلاف التمليك ابتداء وتصحيح الاقرار ليس على وجه تصحيح التمليك فان الاقرار بالخمر صحيح وتمليكها ابتداء لا يصح من المسلم ثم أدخل الالف واللام في قوله الدين الذى على فلان وذلك للجنس عند عدم المعهود فيتناول جنس ماله على فلان نصا فقوله بعد ذلك عنيت أحدهما يكون رجوعا ولو غاب المقر لم يكن للمقر له أن يتقاضي المال من الغريم وان صدقه الغريم لانه أقر له بذلك ولا يجبر علي الدفع إليه لانه أقر له بالملك لا بحق القبض وليس من ضرورة كون الدين ملكا للمقر له أن يكون حق القبض إليه فان للوكيل بالبيع حق قبض الثمن وهو ملك للموكل ولهذا قال لو دفعه الغريم إليه برئ كما لو دفع المشترى الثمن إلى الموكل وفي الاصل علل في المسألة فقال لان في هذا قضاء على الغائب وفي هذا التعليل نظر فان القضاء على الغائب بالاقرار جائز ولكن مراده أن يقال ان في هذا ابطال حق الغائب في القبض من غير حجة وكذلك لو أقر بنصف الدين الذى له علي فلان لغيره جاز والمقر هو الذى يتقاضى فيعطى المقر له نصف الدين الذى له على فلان لغيره جاز والمقر هو الذى تقاضى فيعطى المقر له نصف ما يستوفى لما بينا في الفصل الاول فان ادعى المقر له الضمان على المقر وقال أديته بغير أمرى فان قال المقر له للمقر ذلك فالقول للمقر ولا ضمان عليه لانه ليس من ضرورة صيرورة المال دينا عليه مباشرة لا دائه فلعله صار دينا عليه باستهلاك منه أو بادائهما جميعا فالمقر له يدعى عليه بسبب الضمان وهو منكر فان قال اديته بأمرك كان ضامنا لنصيبه بعد أن يحلف المقر له ما أذن له في
[ 102 ]
ذلك لانه أقر بالسبب الموجب للضمان عليه وادعى المسقط وهو الاذن ولو كان لرجل علي رجل كر شعير وكر تمر وكر حنطة فاقر أن نصف طعامه الذى على فلان لفلان فله نصف الحنطة خاصة لان ذكر الطعام مطلقا يتناول الحنطة ودقيقها ولهذا لو حلف لا يشترى طعاما أو وكل وكيلا بشراء الطعام ينصرف إلى شراء الحنطة ودقيقها خاصة لان ذكر الطعام مطلقا يتناول الحنطة ودقيقها فان بائعها يسمى بائع الطعام وسوق الطعام الموضع الذى يباع فيه الحنطة ودقيقها ولهذا لو حلف لا يشترى طعاما أو وكل وكيلا بشراء الطعام ينصرف إلى شراء الحنطة ودقيقها خاصة والاقرار من جنس التجارة فمطلق لفظ الطعام فيه يتناول الحنطة دون الشعير ولو قال له عندي ألف درهم قرض ووديعة فهو ضامن لنصفها قرضا والنصف الاخر وديعة لان قوله قرض ووديعة تفسير للالف فيتنصف بينهما إذ هما لا يجتمعان في محل واحد وكذلك لو قال مضاربة وقرض فان وصل الكلام فقال مائة منها قرض وتسعمائة مضاربة فالقول قوله لان ظاهر كلامه أنه ينزل على النصف من كل واحد منهما مع احتمال التفاوت وكان هذا بيانا معتبرا لظاهر لفظه بما هو محتمل ومثل هذا البيان يصح موصولا لا مفصولا وكذلك لو قال له قبلي كر من حنطة وشعير الحنطة محتوم والشعير تسعة وثلاثون محتوما قبل بيانه موصولا لما قلنا ولو قال له عندي الف درهم هبة أو وديعة فانها وديعة ولا يكون هبة لان الهبة لا تتم الا بالقبض وهو لم يقبضها وكانت وديعة ولو قال غصبتك شياها كثيرة فهو على أربعين شاة لما قلنا ان التنصيص علي ما يستفاد به الغنى من هذا الجنس وأدناه أربعون شاة ولو قال غصبتك ابلا كثيرة فهو خمسة وعشرون لان الكثير ما يحتمل الوجوب من جنسه فاما الخمسة وان كانت نصاب الزكاة ولكنها قليلة من هذا الجنس ولقلتها لا تحتمل الوجوب من جنسها والكثير من هذا الجنس ما يحتمل الوجوب من جنسه وأدنى ذلك خمسة وعشرون وإذا قال حنطة كثيرة فهى خمسة أو سق في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله بناء على أصلهما ان النصاب الذى يجب فيه العشر خمسة أو سق والوسق ستون صاعا ولم يبين قول أبى حنيفة رحمه الله فيه وقيل البيان فيه إلى المقر علي قوله بعد أن يبين أكثر مما يتناوله اسم الحنطة ان لو أقر بها مطلقا لانه لو أقر بالحنطة مطلقا وبينه بالربع كان مقبولا منه فإذا نص منه على صفة الكثرة لا بد من أن يبين أكثر من ذلك على وجه يحتمله هذا اللفظ لو أقر أن الوديعة التى عند فلان لفلان فهو جائز وليس للمقر له ان يأخذها من المستودع ولكن
[ 103 ]
المقر يأخذها فيدفعها إليه على قياس ما بيناه في الدين وفي هذا بعض اشكال فان قبض الوديعة إلى صاحبها ولكنه اعتبر اقراره وليس من ضرورة ملك العين له ثبوت حق القبض له لجواز ان يكون المقر مرتهنا فيه أو بائعا من المقر له وكان محبوسا عنده باليمين في يد المودع فلهذا كان حق القبض إلى المقر وان دفعها المستودع إلى المقر له برئ على قياس ما بينا في الدين وهذا لان وجوب الضمان عليه بالمحتمل لا يكون بل بحق ثابت للمقر في العين وذلك ليس بظاهر وان كانت له عنده ودائع فقال عنيت بعضها لم يصدق لادخاله الالف واللام في قوله الوديعة كما بينا في الدين فان قال فلان ما استودعني المقر شيئا وقال المقر له استودعتها اياه بغير امرى فالمقر ضامن لها بعد ان يحلف المقر له ما أمره بذلك لانه أقر بالايداع هنا وهو فعل موجب للضمان عليه الا ان يثبت الاذن ولم يثبت الاذن إذا حلف المقر له وان أقر بالامر وقال المستودع قد رددتها إلى المقر أو قال دفعتها إلى المقر له أو قال قد ضاعت فالقول في ذلك قوله مع يمينه لانه أمين أخبر بما هو مسلط عليه ولكن الذى يلى خصومته في ذلك واستحلافه المقر إذا كان أودعه باذن المقر له لان حق الاسترداد إليه فتكون الخصومة له مع المودع في الاستحلاف وذكر في الاصل من هذا الجنس مسألة أخرى إذا قال له على الف فالقول في بيانه قوله لانه لم يفسره بشئ فالقول في تفسيره إليه سواء فسره بما يتفاوت من العدديات أو لا يتفاوت وذكر ابن رستم عن محمد رحمهما الله أنه إذا قال له الشئ فيوجب المغايرة فيه وفى الدراهم انما ثبت ذلك بدرهم آخر وفي الالف بألف آخر وفيما دونه لا يتغير اللفظ الاول لانه يقال الف ومائة وتسعمائة فانما يثبت المغايرة بألف آخر فيلزمه ألفان والله أعلم * (باب الاقرار بكذا لا بل كذا) * (قال رحمه الله) وإذا أقر فقال على لفلان الف درهم لا بل خمسمائة فعليه الالف وكذلك لو قال خمسمائة لا بل الف لان كلمة لا بل لاستدراك الغلط ورجوع عما أقر به لا يصح واختياره بوجوب الزيادة عليه صحيح فإذا قال خمسمائة لا بل ألف فقد استدرك الغلط بالتزام خمسمائة أخرى زيادة على الخمسمائة الاولى فعليه ألف وإذا قال الف لا بل خمسمائة فقد
[ 104 ]
قصد الاستدراك بالرجوع عن الالف إلى الخمسمائة فلا يصح ذلك منه وعلى هذا لو قال له على عشرة دراهم بيض لا بل سود أو قال سود لا بل بيض أو قال جيد لا بل ردئ أو ردئ لا بل جيد فعليه افضلهما لان الجنس واحد ومثل هذا الغلط في الجنس الواحد يقع فاستدراكه بالتزام زيادة الوصف صحيح ورجوعه عن وصف التزامه باطل. ولو قال له على درهم لا بل دينار فعليه درهم ودينار لان الجنس مختلف والغلط لا يقع في الجنس المختلف عادة فرجوعه عن الاول باطل والتزامه الثاني صحيح وما ذكره ثانيا لم يتناوله الكلام الاول أصلا بخلاف الاول فان ما ذكره ثانيا قد تناوله الكلام الاول باعتبار أصله ان لم يتناوله بصفته عرفنا أن المراد هناك الحاق الوصف بالاصل وهنا المراد التزام الاصل المذكور وعلى هذا لو قال على كر حنطة لا بل شعير فعليه الكران جميعا وان قال فقيز حنطة جيدة لا بل ردئ أو ردئ لا بل جيد فهو ففيز جيد وكذلك لو قال محتوم من دقل لا بل فارسي وكذلك لو قال محتوم دقيق ردئ لا بل حوارى فهو حواري لان الجنس واحد وذكر الكلام الثاني لاستدراك الغلط بالتزام زيادة وصف ولو قال له علي رطل من بنفسج لا بل حبري لزماه جميعا لان الجنس مختلف وكذلك لو قال له على رطل من سمن الغنم لا بل من سمن البقر فعليه الرطلان لان الجنس مختلف ولو قال لفلان على الف درهم لا بل لفلان فعليه لكل واحد منهما الف لان المقر له مختلف وهو نظير اختلاف الجنس في المقر به والمعنى فيه أنه رجوع عن الاقرار للاول واقامة الثاني مقامه في الاقرار له وكذلك لو كان الثاني مكاتبا للمقر له الاول أو عبدا تاجرا له عليه دين لان المولى من كسبه مكاتبة وعبده المديون بمنزلة أجنبي آخر فتحقق اقراره بشخصين صورة ومعنى وان لم يكن على العبد دين ففى القياس كذلك لان الدين في الذمة مجرد مطالبة في الحال وفيما للعبد هو المطالب دون المولى فكان اقراره بشخصين فيكون رجوعا في حق الاول وفي الاستحسان لا يلزمه الا ألف واحدة لان كسب العبد ان لم يكن عليه دين مملوك لمولاه ففى قوله لا بل لعبده لا يكون رجوعا عما أقر به للمولى ولكنه يلحقه زيادة كلامه في أن لعبده أن يطالبه بذلك المال فلهذا لا يلزمه الا مال واحد ولو قال له على الف درهم من ثمن جارية باعنيها لا بل فلان باعنيها بالف درهم فعليه لكل واحد منهما الف لانه غير مصدق فيها يخبر به أن مبايعة الثاني معه كانت على وجه المكاتبة للنيابة عن الاول فيكون هو راجعا عن الاقرار للاول وذلك باطل فعليه لكل واحد
[ 105 ]
منهما الف لاقراره بتقرر بينته بينه وبين كل واحد منهما الا أن يقر الثاني انها للاول فحينئذ عليه في القياس ألفان وفي الاستحسان عليه الف واحد لانه غير راجع عن الاقرار للاول بل هو ملحق به وثبوت حق المطالبة للثاني وهذا وفصل المأذون الذى لا دين عليه سواء وإذا كان لرجل على رجل عشرة دراهم بيض وعشرة دراهم سود فاقر الطالب أنه اقتضى منه درهما أبيض لابل أسود وادعى المطلوب انه قد قضاه درهمين وأبى ألزم الطالب الدرهم الابيض فقط لان الاقرار بالاستيفاء بمنزلة الاقرار بالدين فان الديون تقضى بامثالها وقد بينا مثله في الاقرار بالدين أنه يلزمه أفضلهما فهذا مثله. ولو كان عليه مائة درهم في صك ومائة في صك آخر فقال قبضت منك عشرة من هذا الصك لا بل من هذا وهى عشرة واحدة فعلي قياس الاقرار بادين يجعلها من أيهما شاء الذى قضاه لانه هو الذى ملكه فالاختيار في بيان جهته إليه وتبين فائدة فيما إذا كان لاحدهما كفيل. ولو كان له مائة درهم وعشرة دنانير فقال قبضت منك دينارا لا بل درهما لزماه لاختلاف الجنس كما في الاقرار بالدين ولو كان له على رجلين على كل واحد منهما مائة درهم فقال قبضت من هذا عشرة لا بل من هذا لزمه لكل واحد منهما عشرة لاختلاف المقر له ويستوى ان كان كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه أو لم يكن وكذلك ان كان كفيلا بذلك عن رجل واحد لان قبضه من كل كفيل يثبت حق الرجوع لذلك الكفيل على الاصيل لان المقر له مختلف وان كان المال واحدا ولو كان له على آخر الف درهم فقال دفعت إلى منها مائة بيدك لا بل أرسلت بها لى مع غلامك فهى مائة واحدة ولو أقر أنه قبض منه مائة درهم فقال المطلوب وعشرة دراهم أرسلت بها اليك مع فلان وثوب بعتكه بعشرة فقال الطالب قد صدقت فقد دخل هذا في هذه المائة فالقول فيه قوله مع يمينه لان بيانه هذا تقرير لما أقر به أولا فانه قابض منه ما أوصله إليه رسوله وقابض بشراء الثبوت أيضا حتى لو حلف لا يفارقه حتى يقبض حقه فقبض بهذا الطريق بر في يمينه والبيان المقر لاول الكلام مقبول من المبين وفي بعض الروايات فقال المطلوب عشرة دراهم أرسلت بها اليك بغير واو وهذا أوضح لانه في معنى التفسير للجهة فيما أقر أنه قبضه ولو كان به كفيل فقال قد قبضت منك مائة لا بل من كفيلك لزمه لكل واحد منهما مائة لان ما يقبضه من الكفيل يثبت به حق الرجوع للكفيل على الاصيل بخلاف ما يقبضه من الاصل فكان المقر له مختلفا فلهذا كان مقر بالمالين وان أراد أن يستحلف
[ 106 ]
كل واحد منهما لم يكن عليه يمين لانه قد أقر بذلك لكل واحد منهما ولا يتوجه اليمين للمقر على المقر له والله أعلم * (باب الاقرار بمال دفعه إليه آخر) * (قال رحمه الله) وإذا قال الرجل دفع إلى هذه الالف فلان فهى لفلان فلو ادعى الالف كل واحد منهما فهى للدافع لانه قد أقر له بالمال أو لا حين الاقرار بوصوله إلى يده من جهته ثم اقراره للثاني حصل بما هو مستحق لغيره بيده فلا يكون ملزما اياه شيأ والمال للدافع فإذا رده المقر عليه برئ مالكا كان أو غير مالك فان المودع من الغاصب بالرد عليه يبرأ كالمودع من المالك وإذا قال هذه الالف لفلان دفعها إلى فلان فهى للمقر له الاول لان اقراره بالملك للاول فاقراره بعد ذلك باليد للثاني لا يكون صحيحا في حق الاول فان ادعاها الدافع فعليه أولا أن يحلف انها ما هي لفلان لان المقر يقول أنا وان أقررت بانك دفعتها إلى ولكن الملك كان لفلان وقد رددتها عليه فليس لك علي شئ فلهذا يتوجه اليمين على الثاني فان حلف أنها ماهى لفذن ضمن المقر له ألفا أخرى والوديعة والعارية فيه سواء أما إذا كان دفعها إلى الاول بغير قضاء القاضى فهو قولهم جميعا لان اقرار المقر حجة في حقه فقد زعم أن المال وصل إليه من جهة الثاني فإذا دفعها إلى غيره باختياره كان ضامنا له بمثلها وان كان دفعها بقضاء القاضى فعند أبى يوسف رحمه الله لا ضمان عليه للثاني لانه بتبين الاقرار للاول ما أتلف علي الثاني شيأ ولا اختياره له في الدفع بل القاضى ألزمه ذلك فلا يضمن للثاني شيأ وعند محمد رحمه الله هو ضامن للثاني ألفا لانه بالاقرار به للاول سلط القاضى على هذا القضاء وقد زعم أنه مودع فيها من الثاني والمودع بهذا التسليط يصير ضامنا كما لو دل سارقا على سرقة الوديعة ولو قال هذه الالف لفلان أقرضنيها فلان آخر فادعياها فهى للذى أقر له بها أولا لتقدم الاقرار له بها وللمقرض عليه الف درهم لانه أقر أنه قبض الفا من الثاني بحجة القرض والقبض بحجة القرض يوجب ضمان المقبوض على القابض وإذا كان في يده عبد فقال هو لفلان باعنيه فلان آخر بألف درهم فادعي كل واحد منهما ما أقر له به فالعبد للمقر له أولا يدفعه إليه إذا حلف أنه لم يأذن للاخر في بيعه لتقدم الاقرار بالعين له ويقضى باليمين للبائع عليه لانه أقر بشرائه من الثاني ويثبت هذا السبب باقراره في حقه وهو تام يقبضه فيقضى له عليه باليمين قال
[ 107 ]
ولا يشبه البيع والقرض الوديعة وفي بعض النسخ قال ولا يشبه القرض والبيع والوديعة ما سواها وهذا أقرب إلى الصواب علي ظاهر ما تقدم لانه أجاب في هذه الثلاثة بجواب واحد وأشار إلى الفرق بين هذه الثلاثة وبين المسألة الاولى من الباب حيث قال يدفع المال إلى الدافع ولا شئ عليه للثاني فاما اللفظ الاول فهو مستقيم على اصل أبى يوسف رحمه الله لانه في الوديعة قال إذا دفع إلى الاول بقضاء القاضى لم يغرم للثاني وفي القرض والبيع ان دفعه إلى الاول بقضاء القاضى فهو ضامن للثاني ويحتمل أن يكون المراد بيان الفرق بين القرض والوديعة في أن الوديعة لا تكون مضمونة عليه للثاني ما لم يدفع إلى الاول وفي القرض والبيع المال واجب عليه للثاني وان لم يدفع إلى الاول شيأ وهذا فرق ظاهر فان الاقراض والمبايعة سببا ضمان بخلاف الايداع. ولو أقر أن هذا العبد الذى في يديه لفلان غصبه فلان المقر له من فلان آخر فانه يقضى به للمقر له ولا يقضى للغصوب منه بشئ لانه مقر بالملك للاول شاهد عليه بالغصب للثاني وشهادته عليه بالغصب لا تكون مقبولة وفي بعض الروايات في لفظ السؤال لفلان غصبه من فلان وليس فيه ذكر المقر له فيكون المفهوم منه اقراره على نفسه بالغصب للثاني وجوابه أن العبد للاول وللمغصوب منه عليه قيمته قال (ألا ترى) أنه لو قال هذا الصبي ابن فلان غصبته من فلان آخر وادعي الصبي انه ابنه وادعى المغصوب منه انه عبده قضى به للاب وهو ثابت النسب منه لتقدم الاقرار له (ألا ترى) أنه لو قال هذا الصبي ابن فلان أرسل به إلى مع فلان كان الابن للاول إذا ادعاه دون الرسول لتقدم الاقرار له وفي جميع هذا ان ادعى الرسول ذلك كان له على المقر مثله لاقراره ان وصل إلى يده من جهته وتعذر الرد عليه بما اقر به للاول ودفع إليه باختياره ما خلا الابن فان كان يعبر عن نفسه فأقر أنه ابن الذى أقر به المقر فلا ضمان على المقر للدافع لان من يعبر عن نفسه بما هو في يد نفسه وليس عليه للغير يد موجبة للاستحقاق إذا لم يقر بالرق على نفسه وان كان صغير الا يتكلم فعلى المقر قيمته للرسول إذا ادعاه لنفسه وأنه مملوك له لان الذى لم يتكلم لصغره يثبت عليه يد موجبة للاستحقاق بمنزلة البنات وغيرها ولو قال هذه الالف لفلان أرسل بها الي مع فلان وديعة وادعاها كل واحد منهما فهى للاول لتقدم الاقرار له بها فان قال الاول ليست لى ولم أرسل بها فهى للرسول لانه قد أقر بالكلام الثاني ان وصولها إلى يده كان من يد الرسول وانما أمر بالرد عليه لثبوت الاستحقاق فيها
[ 108 ]
للاول وقد بطل ذلك بتكذيبه وان كان المقر له غائبا لم يكن للرسول أن يأخذها لانه ان كان يدعيها لنفسه فقد صار مكذبا فيما إذا أقر له به وهو كونه رسولا بالدفع إليه وحق الغائب فيها ثابت لان الاقرار ملزم بنفسه ما لم يكذب المقر له وان كان الرسول مصدقا له فيما أقر أنه كان رسولا فيه من جهة فلان فقد أنتهت الرسالة بايصال المال إليه فلا سبيل له علي الاسترداد بعد ذلك وإذا أقر الخياط ان الثوب الذى في يديه لفلان أسلمه إليه فلان وكل واحد منهما يدعيه فهو للذى أقر له أول مرة لتقدم الاقرار له ولا ضمان عليه للثاني لانه لم يقر على نفسه بما هو سبب الضمان في حق الثاني فان اسلامه إليه لا يكون سببا في استحقاقه كما في مسألة الرسالة وكذلك سائر الصناع ولو كان اقراره بهذا الثوب أسلمه إليه فلان ليقطعه قميصا وهو لفلان وادعياه فهو للذى أسلمه إليه لتقدم الاقرار له به وليس للثاني شئ وهذا نظير مسألة أول الباب وهو ما إذا قال دفعه إلى فلان وهو لفلان ولو أقر أن هذا الثوب استعارة من فلان فبعث به إليه مع فلان فهو للذى أعاره اياه لانه صار مقرا بالملك واليد للمعير الذى استعاره منه دون الذى أوصله إليه بطريق الرسالة ولو أقر أن فلانا أتاه بهذا الثوب عارية من قبل فلان فادعاه فهو للرسول لانه اقر أولا بأنه وصل إلى يده من جهته وذلك يلزمه الرد عليه فلا يبطل ذلك عنه باقراره لغيره والله أعلم بالصواب * (باب الاقرار بالاقتضاء) * (قال رحمه الله وذا اقر الرجل انه اقتضى من رجل ألف درهم كانت له عليه وقبضها فقال فلان أخذت منى هذا المال ولم يكن لك على شئ فرده على فانه يجبر علي أن يرد المال بعد أن يحلف أنه ما كان له عليه شئ وروى أبو يوسف رحمه الله عن ابن أبى ليلى رحمه الله أنه لا شئ على المقر ووجهه انه ما أقر بشئ على نفسه لغيره وانما أقر بوصول حقه إليه وذلك غير ملزم اياه شيئا وكنا نقول الاقتضاء عبارة عن قبض مال مضمون من ملك الغير لان المقتضى يستوفى من مال المديون مثله ماله عليه فيصير قصاصا بدينه والقبض المضمون من ملك الغير سبب لوجوب الضمان عليه وقد اقر به ثم ادعى لنفسه دينا على صاحبه ولا يثبت الدين له على صاحبه بدعواه ولكن يتوجه اليمين فإذا جانب لزمه رد المقبوض. وكذلك لو أقر انه قبض من فلان ألف درهم كانت وديعة له عنده أو هبة وهبها له فقال بل هي مالى
[ 109 ]
قبضته منى فعليه أن يرده لاقراره بقبض المال من يد الغير وعلى اليد ما أخذت حتى ترد ولم يثبت ما ادعى من الحق فيه لنفسه فعليه أن يرده ولو قال اسكنت بيتى فلانا هذا ثم أخرجته منه ودفعه الي وادعى الساكن انه له فالقول قول صاحب البيت استحسانا وعلى الساكن البينة في قول أبى حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله القول قول الساكن وهو القياس ووجهه هو أن الاقرار بوصول البيت إلى يده كان من جهة الساكن وادعى لنفسه فيه ملكا قديما ولم يثبت ما ادعاه فعليه رد ما اقر بقبضه كما في الفصل ولابي حنيفة رحمه الله طريقان أحدهما انه ما أقر للساكن بيد أصلية في البيت انما أخبر بان يده كانت بناء عن يده لان يد الساكن تبنى على المسكن والحكم لليد الاصلية لا لما هو بناء فلم يصر مقرا بما يوجب الاستحقاق له بخلاف مسألة الاقتضاء لانه هنا أقر بيد اصلية كانت له فيما استوفاه منه وبخلاف مسألة الوديعة لانه هناك أقر بفعل نفسه وهو قبضه المال من فلان وذلك اقرار بيد أصلية كانت لفلان في هذا المال فبعد ذلك هو في قوله كانت لى عنده وديعة أراد أن يجعل يده بناء بعد ما أقر أنها كانت أصلية فلا يقبل قوله في ذلك ولان الاعارة بين الناس معروفة وفي القول بالقياس هنا قطع هذه المنفعة عن الناس لان المعير يتحرز عن الاعارة للسكنى إذا عرف انه لا يعمل بقوله عند الاسترداد فترك القياس فيه لتوفير هذه المنفعة على الناس وعلى هذا الخلاف لو قلال هذه الدابة اعرتها فلانا ثم قبضتها منه أو هذا الثوب لى أعرنه فلانا ثم قبضته منه وإذا اقر الرجل ان فلانا الخياط خاط قميصه هذا بنصف درهم وقبض منه القميص وقال الخياط هو قميصي أعرتكه فالقول فيه كالقول في الاولي وكذلك الثوب أسلم إلى الصباغ وان قال رب الثوب خاط لى الخياط قميصي هذا بنصف درهم ولم يقل قبضته منه ففى قولهم جميعا لا يرجع علي الخياط اما عند أبى حنيفة رحمه الله فظاهر وأما عندهما فلانه لم يقر بيد الخياط هنا في الثوب لانه قد يخيط الثوب وهو في يد صاحبه بأن كان أجيرا وجد في بيته يعمل له بخلاف الاول فان هناك قد اقر بالقبض منه وذلك اقرار بكونه في يده ولو كان الثوب معروفا انه للمقر أو الدابة أو الدار فقال أعرته فلانا وقبضته منه كان القول قوله لان الملك فيه معروف للمقر فلا يكون مجرد اليد فيه لغيره سبب الاستحقاق عليه وقد قال في الباب المتقدم إذا أقر الخياط أن الثوب الذى في يده لفلان أسلمه إليه فلان ليخيطه فهو للذى أقر له أول مرة ولا يضمن للثاني مثله وهذا دليل لابي
[ 110 ]
حنيفة رحمه الله في الخلافيات لاقراره أن يد الذى أسلمه إليه بناء لا ابتداء ولكن مشايخنا رحمهم الله قالوا هو على الخلاف أيضا بناء علي مسألة الاسكان أو مسألة أخرى وهو ان الاجير المشترك عند أبى حنيفة رحمه الله مؤتمن فلا يصير ضامنا بمجرد اقراره للاول وعندهما الاجير المشترك ضامن فيضمن الثوب الذى أسلمه إليه إذا لم يرده عليه وهكذا ذكره ابن سماعة عن أبى يوسف رحمهما الله وذكر ايضا فيما إذا قال هذا المال لفلان أرسل به إلى مع فلان وديعة ان المال للاول ولا ضمان علي المقر للرسول عند أبى حنيفة رحمه الله لانه انما أقر له بيد هي بناء وذلك غير موجب للاستحقاق عنده بخلاف الدين وهو ما إذا قال لفلان على ألف درهم ارسل بها إلى مع فلان لان محل الدين الذمة وفي الذمة سعة فيكون مقرا بوجوب المال عليه للثاني لما اقر ان وصوله إلى يده من جهته وفي كتاب الاقرار أورد المسألة في موضعين قال في أحدهما لا شئ عليه للدافع وهو الاشبه بقول ابى حنيفة رحمه الله وفي الثاني قال عليه مثله للدافع وهو الاشبه بقول ابى يوسف ومحمد رحمهما الله وقد بينا بعضه في الباب المتقدم وإذا أقر الرجل ان فلانا سكن هذا البيت فادعى فلان البيت فانه يقضي به للساكن على المقر لان السكنى تثبت اليد للساكن على المسكن واقراره باليد للغير حجة عليه وما يثبت باقراره كالمعاين في حقه وهذا بخلاف مالو أقر أن فلانا زرع هذه الارض أو بنى هذه الارض أو بنى هذه الدار أو غرس هذا الكرم أو البستان وذلك كله في يد المقر فقال كله لى واستعتت بك ففعلت ذلك أو فعلته باجر وقال الآخر بل هو ملكى فالقول قول المقر لان يده للحال ظاهرة ولم يقر أنه كان في يده غيره من قبل لان فعل الزراعة والبناء والغرس لا يوجب اليد للفاعل في المفعول وقد يفعله المعين والاجير والمعين في يد صاحبه فهذا وقوله خاط لى القميص سواء ثم ذكر الخلاف الذى بينا فيما إذا قال لمعتقه أخذت منك مالا قبل العتق أو قطعت يدك قبل العتق وانما اعادهما لفروع فقال وكذلك لو باعه أو وهبه وسلمه ثم أقر انه قطع يده قبل البيع والهبة وقال المشترى والموهوب له بل فعلته بعد البيع والهبة لان البيع والهبة والتسليم يثبت الحق فيه للمتملك كما أن العتق يثبت الحق للمعتق في نفسه وأطرافه فيكون الخلاف في الفصلين واحدا ولو قال قطعت يده ثم بعته أو وهبته فالقول قوله لانه ما أقر بالفعل الموجب للضمان على نفسه فانه أقر بالقطع قبل ظهور بيعه لان ظهور البيع باقراره وقد أقر بالقطع سابقا على الاقرار بالبيع فلهذا كان القول قوله
[ 111 ]
الا أن يقيم البينة على هبته أو بيعه قبل اقراره بهذا فيكون على الاختلاف المتقدم لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو أعتق أمة ثم قال أخذت منك هذا الولد قبل العتق وقالت بل أخذته منى بعد العتق فانه يرده عليها وهو حر لان الولد قائم بعينه وقد بينا في المال القائم إذا أقر انه أخذه قبل العتق يصدق وعليه رده في انه أخذه قبل العتق فعليه رده عليها والقول في حريته قولها ولو لم يقل أخذته منك ولكنه قال أعتقتك بعدما ولدتيه وقالت بل اعتقتني قبل ان ألده فان كان الولد في يد المولى فالقول قوله لانه أقر بيد فيه لها من قبل ولادتها ولانها تدعى سبق تاريخ في العتق حين ادعت انه كان قبل الولادة والمولى ينكر ذلك والعتق فعل حادث من المولى فالقول قوله في انكاره سبق التاريخ فيه ولان عتقها ظهر في الحال والولد منفصل عنها وعتقها غير موجب العتق للولد المنفصل وان كان الولد في يدها فالقول قولها لان يدها توجب الاستحقاق لها في الحال وقد أقرت بالحرية للولد فوجب الحكم بحريته ولو أن رجلا أعتق عبدا فاقر رجل انه أخذ منه ألفا وهو عبد وقال العبد أخذتها منى بعد العتق فالقول قوله لان القابض يدعى سبق تاريخ في قبضه والتاريخ لا يثبت بمجرد قوله ولانه أقر بالسبب الموجب للضمان عليه للعبد وهو أخذه منه وشهد عليه أن المال لغيره وهو المولى فلا تقبل شهادته ويبقى المال مستحقا عليه للعبد وكذلك لو كاتبه مولاه لان الكتابة توجب استحقاق الكسب للمكاتب واعتبار يده فيه لحقه كالعتق وكذلك لو باعه ثم أقر رجل أنه غصب منه مائة درهم وهو عند مولاه الاول وقال المشترى بل غصبته وهو عندي فالمال للآخر لان المشترى هو المستحق لكسبه بعد الشراء كما أن العبد هو المستحق لكسبه بعد الكتابة فكما لا يصدق المقر هناك وفيما يدعى من سبق التاريخ فكذلك هنا ولو أقر بأنه فقأ عين فلان عمدا ثم ذهبت عين الفاقئ بعد ذلك وقال المفقوء عينه بل فقأت عينى وعينك ذاهبة فالقول قول المفقوء عينه لانهما تصادقا على وجوب الضمان على الجاني فان كانت عينه قائمة وقت الفق ء فالواجب قصاص وهو فيها واجب باعتبار المماثلة وان كانت عينه ذاهبة فالواجب الارض فعرفنا أنها تصادقا على وجوب الضمان وادعي الفاقئ ما يسقطه بفوات المحل بعد الوجوب فلا يقبل قوله في ذلك ولانه يدعى تاريخا سابقا في الفق ء والتاريخ لا يثبت الا بحجة ولو أن عبدا أعتق ثم أقر أنه قتل ولى هذا الرجل خطأ وهو عبد وقال ذلك الرجل قتلته بعد العتق فليس على العبد في هذا شئ لانه ما أقر على نفسه بوجوب الضمان فان جنايته قبل العتق
[ 112 ]
لا توجب عليه الضمان في الحال ولا بعد العتق انما هو علي مولاه في الحال يخاطب بالدفع أو الفداء وان أعتقه وهو يعلم بالجناية يصير مختارا للفداء وان كان لا يعلم فعليه القيمة فعرفنا أنه انما أقر به على الغير فلا يلزمه شئ وإذا أقر أحد المتفاوضين انه كفل عن صاحبه بمهر أو نفقة زوجته أو جنايته لزمه ولزم صاحبه أيضا في قول ابى حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يلزمه ولا يلزم صاحبه لانه انما أقر بوجوب المال على صاحبه بطريق غير التجارة ولا قول له على صاحبه في الاقرار بالمال لا بطريق التجارة لان فيما يجب لا بطريق التجارة كل واحد منهما أجنبي عن صاحبه يبقى اقراره علي نفسه بوجوب المال بطريق الكفالة وقد بينا فيما سبق أن كفالة أحد المتفاوضين أو اقراره بالكفالة يلزم شريكه عند أبى حنيفة رحمه الله ولا يلزم عندهما فهذا بناء على ذلك. ولو أقر أحدهما أن على صاحبه دينا قبل الشركة لفلان فانكره صاحبه والطالب ادعى أن هذا الدين كان في الشركة لزمهما جميعا المال لان الاقرار بمطلق الدين ينصرف إلى جهة التجارة ولهذا لو أقر أحدهما بدين مطلق يلزم شريكه وفيما هو واجب بطريق التجارة واقرار أحد المتفاوضين به على نفسه وعلى شريكه سواء. ولو أقر به على نفسه وزعم انه كان قبل الشركة لا يصدق في الاسناد إذا أكذبه الطالب فكذلك إذا أقر به عن صاحبه وإذا لم يصدق في الاسناد لزم المقر المال باقراره ولزم شريكه بالكفالة عنه لان كل واحد منهما كفيل عن صاحبه فيما يلزمه من المال ولو أقر ان ذلك عليه دون شريكه قبل الشركة وادعى الطالب انه عليه من الشركة فالمال عليهما لما بينا انه غير مصدق في الاسناد وان تصادقا أن الدين كان قبل الشركة لم يؤخذ واحد منهما بدين صاحبه لان حكم الكفالة بينهما انما يثبت بالمفاوضة فيكون ثابتا فيما يجب بعد المفاوضة لا فيما كان واجبا قبلها وإذا اقر احدهما ان لفلان عليه الف درهم وقال الاخر لا بل لفلان لزمهما جميعا المال لان المقر لو كان هو الذى قال لفلان لزمهما جميعا ولا أثر لاختلاف المقر لهما فكذلك إذا قال ذلك صاحبه لان قول كل واحد منهما يلزم صاحبه وهما بعد المفاوضة كشخص واحد في اسباب التزام المال بالتجارة وإذا مات احدهما أو تفرقا ثم أقر أحدهما بدين عليهما في الشركة لزمه خاصة لانه في الاسناد غير مصدق في حق صاحبه فيبقى ملتزما المال في الحال وليس بينهما سبب يوجب كفالة صاحبه عنه فيما يلزمه من المال في الحال فلهذا كان المال عليه خاصة وعلي صاحبه اليمين ان ادعاه الطالب وان ادعى رجل عليهما مالا ولم يكن له بينة فحلف احدهما وأبي
[ 113 ]
الاخر أن يحلف لزمهما جميعا المال لان نكوله عن اليمين كاقراره وبان حلف أحدهما لا يسقط اليمين عن الآخر بخلاف ما إذا كانت الدعوى لهما علي انسان فاستحلف أحدهما المطلوب فحلف لم يكن للاخر أن يستحلفه لان النيابة في الاستحلاف تجزئ وفي الحلف لا تجزئ فلا يمكن أن يجعل الحالف منهما نائبا عن صاحبه في اليمين ولانه بعد ما حلف أحدهما كان استحلاف الآخر مفيدا لان الناس يتفاوتون في التحرز عن اليمين الكاذبة أما بعدما استحلف أحدهما المطلوب كان استحلاف الآخر اياه غير مفيد لعلمنا أنه يحلف لا محالة. ولو أقر أحد المتفاوضين لابنه أو لامرأته أو لمكاتبه بدين لم يصدق في قول أبى حنيفة رحمه الله علي شريكه لانه متهم في حق هؤلاء فيما يوجب لهم على الغير وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يصدق على ذلك الا في المكاتب وهو بناء على الخلاف المعروف في الوكيل بالبيع ويبيع من أحد هؤلاء والله أعلم * (باب الاقرار في المضاربة والشركة) * (قال رحمه الله) وإذا أقر المضارب بدين في مال المضاربة وجحده رب المال فاقراره جائز لانه من التجارة ولهذا يملكه الصبي المأذون والعبد المأذون والمضارب مستند لما هو من التجارة في مال المضاربة وكذلك لو أقر فيها بأجر أجير أو أجر دابة أو حانوت لانه مالك لانشاء سبب وجوب هذه الديون في مال المضاربة فصح اقراره بها وهذا لانه لا يجد بدا من التزام الدين بهذه الاسباب ويحصل ما هو المقصود من المضاربة فان كان دفعها إلى رب المال فقال هذا من رأس مالك فاقبضه ثم أقر بعد ذلك ببعض ما ذكرنا من الدين لم يصدق لانه مناقض في كلامه فان المدفوع انما يكون سالما لرب المال من رأس ماله إذا فرغ عن الدين فكان في أول كلامه مقرا بانه لا دين فيه ولان حكم المضاربة قد انتهى فيما وصل إلى رب المال من رأس المال حتى لا يملك المضارب انشاء التصرف فيه وكذلك لا يصح اقراره في ذلك. ولو كان المضارب رجلين ومال المضاربة الف درهم وربحا الفا فاقر احدهما أن خمسمائة لفلان وقال الآخر بل الالف كلها ربح فان المقر يصدق في مائتين وخمسين مما في يده لفلان فان في يد كل واحد منهما نصف المال وقد أقر بخمسمائة شائعة في الكل نصفها فيما في يده ونصفها فيما في يد صاحبه فاقراره فيما في يده صحيح وفيما في يد الاخر باطل
[ 114 ]
فيدفع هو مائتين وخمسين إلى المقر له ويقسم مثلها بين رب المال وبين المضارب الآخر لان المقر يزعم انه لا حق له فيها بل هي لفلان فلا يكون له فيها نصيب وما بقي من الربح وهو خمسمائة بينهما على الشرط كما بينا وكذلك ان اقر بهذه الخمسمائة لابيه أو لابنه فهو وما سبق سواء لان اقرار المضارب لهؤلاء صحيح ولانشائه التصرف معهم. ولو اقر المضارب بربح ألف درهم في المال ثم قال غلطت انما هو خمسمائة درهم لم يصدق وهو ضامن لما اقر به من المال لانه مناقض في كلامه راجع عما أقربه ولانه جاحد لما اقر به بحصوله في يده ربحا وهو أمين في الربح فيضمن ذلك بالجحود. وان بقي في يده شئ من المال فقال هذا ربح وقد دفعت رأس المال إلى رب المال وكذبه رب المال فالقول قول رب المال لان المضارب يريد استحقاق شئ مما في يده وانما يقبل قول الامين في دفع الضمان عن نفسه أما في الاستحقاق فلا يقبل قوله ولكن يحلف رب المال بدعوى المضارف فان حلف يأخذ ما في يده بحساب رأس ماله لان حق المضارب في الربح ولا يظهر الربح ما لم يصل رأس المال إلى رب المال وإذا قال لرجل فلان شريكي مفاوضة فقال نعم أو اجل أو قال صدق أو قال هو كما قال أو قال هو صادق فهذا كله سواء وهما شريكان في كل مال عين أو دين أو رقيق أو عقار أو غير ذلك مما هو في يد كل واحد منهما لان ما أتى من الجواب غير مستقل بنفسه فيصير ما تقدم به من الخطاب معادا فيه حتى يثبت به تصادقهما على شركة المفاوضة والثابت باتفاقهما كالثابت بالمعاينة ولو عاينا شركة المفاوضة بينهما كان ما في يد كل واحد منهما بينهما نصفين لان المفاوضة تقتضي المساواة ولفظ الشركة يوجب ذلك الاطعام مثل كل واحد منهما وكسوته وكسوة اهله فلمن في يده استحسانا وفي القياس يكون بينهما كسائر الاموال ولكن يصير مستثنى مما هو موجب شركة المفاوضة لان الحاجة إليه معلوم وقوعها لكل واحد منهما في مدة المفاوضة ولهذا لو كانت الشركة ظاهرة بينهما كان ما اشتراه كل واحد منهما مشتركا بينهما الا الطعام والكسوة. وكذلك إذا ثبت العقد باقرارهما وكذلك أو ولد احدهما أو مدبرته لان أم الولد ليست بمال والمدبرة ليست بمحل للتجارة ومقتضى المفاوضة الشركة بينهما في كل مال قابل للتجارة والتصرف (ألا ترى) انه لا تثبت الشركة بينهما في المنكوحة فكذلك في المدبرة وأم الولد فأما إذا كان احدهما مكاتبا قد كاتبه قبل اقراره فما عليه من بدل الكتابة يكون بينهما لانه قابل للتصرف والانتقال من ملك إلى ملك بمنزلة سائر الديون (ألا ترى) أن رقبة
[ 115 ]
المكاتب لا تصير ميراثا وما عليه من بدل الكتابة يصير ميراثا للورثة فكذلك باقراره تثبت الشركة للاخر في بدل الكتابة وان كانت لا تثبت في الرقبة (ألا ترى) أنه لو عجز المكاتب كان مشتركا بينهما فكذلك ما عليه من البدل قبل عجزه وكذلك لو قال هو مفاوضني في الشركة لان هذا العقد يضاف اليهما تارة وإلى أحدهما أخرى وثبوت حكم المفاوضة لا يختص باحد الجانبين فكانت الاضافة إلى أحدهما بمنزلة الاضافة اليهما ولو أقر أحد المفاوضين للشريك ثالث معهما وأنكر الآخر فهو جائز عليهما لان المفاوضة من جملة التجارة وهو من صنع التجارة فاقرار أحدهما به كاقرارهما في سائر التجارات وإذا أقر الذمي لمسلم بالمفاوضة أو أقر المسلم للذى بها فهو جائز في قول أبى يوسف رحمه الله وفي قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله لا يكونان متفاوضين ولكن ما في أيديهما يكون بينهما نصفين وأصل المسألة في كتاب الشركة أن المفاوضة لا تصح بين المسلم والذمى في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله للتفاوت بينهما في التصرف في أنواع المال وإذا كان عندهما لا يصح انشاء هذا العقد فكذلك لا يثبت باقرارهما ما أقرا به فموجب هذا الاقرار كون ما بيدهما بينهما نصفين وما في يدهما محل لذلك فيثبت هذا الحكم ان لم يثبت أصل المفاوضة كما لو أقر أحد الاخوين باخ آخر فانه يشاركه في الميراث وان لم يثبت النسب باقراره وعند أبى يوسف رحمه الله ابتداء المفاوضة بين المسلم والذمى صحيح فكذلك يظهر باقرار الحر لعبد مأذون انه شريكه مفاوضة أو اقر به لمكاتب وصدقه في ذلك لم تثبت المفاوضة بينهما لان انشاء المفاوضة بينهما لا يصح ولكن ما في أيديهما يكون بينهما نصفين لاتفاقهما على ذلك واحتمال أن ما في أيديهما للشركة بينهما ولا يجوز اقرار واحد منهما على صاحبه بدين ولا وديعة لان نفوذ اقرار أحدهما على صاحبه لا يكون الا بعد صحة المفاوضة ولم تصح وعلى هذا لو أقر لصبي تاجر بالمفاوضة أو أقر الصبي التاجر لصبي تاجر وصدقه الآخر فما في أيديهما بينهما لاتفاقهما على ذلك ولكن لا تثبت المفاوضة بينهما لان انشاء هذا العقد بينهما لا يصح فان موجب المفاوضة الكفالة العامة من كل واحد منهما عن صاحبه والصبي ليس بأهل لذلك وإذا أقر لرجل بالشركة مفاوضة وأنكر الآخر ذلك فلا شئ لواحد نهما فيما في يد صاحبه لان تكذيب المقر له مبطل للاقرار ولو قال الاخر انا شريكك فيما في يد غير مفاوضة ولست شريكي فيما في يدى فالقول قوله بعد أن يحلف لانه يتصرف فيما في يده وادعى لنفسه ما في يد صاحبه
[ 116 ]
قد صدقه في اقراره وكذبه في دعواه فيثبت ما اقربه ويكون على صاحب اليمين في انكار ما ادعاه وهذا لان تكذيب المقر له في الجهة لا يوجب تكذيبه في اصل المال كما لو قال لك على الف درهم قرضا وقال الاخر بل هي غصب يلزمه المال فليس من ضرورة انتفاء المفاوضة بتكذيبه انتفاء الشركة فيما في يده كما في المسائل المتقدمة. وإذا اقر لصبي لا يتكلم بشركة المفاوضة وصدقه ابوه كان ما في يد الرجل بينهما نصفين لما بينا انه أقر له بنصف ما في يده وقد اتصل به التصديق من أبيه ولكن لا يكونان متفاوضين لان ثبوت المفاوضة بينهما يقتضى المساواة بينهما في التصرف والصبى الذى لا يتكلم ليس بأهل للتصرف وإذا اقر لرجل انه شريك فلان في قليل وكثير فقال فلان نعم فهما شريكان في كل قليل وكثير في يد كل واحد منهما لانهما بمنزلة المتفاوضين لان لفظة لشركة تقتضي التسوية كما في قوله تعالى فهم شركاء في الثلث وانما يتحقق ذلك إذا جعلنا ما في يد كل واحد منهما بينهما نصفين الا أنه لا يجوز اقرار احدهما على صاحبه بالدين والوديعة لان ذلك من خصائص عقد المفاوضة ولم يثبت باقرارهما حين لم يصرحا بلفظ المفاوضة (ألا ترى) أنهما لو انشآ عقد الشركة العامة بينهما لا تكون مفاوضة الا ان يصرحا بلفظ المفاوضة وهذا لان العوام من الناس قلما يعرفون جميع احكام المفاوضة ليذكروا ذلك عند العقد فأقام الشرع التنصيص منهما علي لفظ المفاوضة مقام ذكر تلك الاحكام وإذا كان عقد الانشاء لا يثبت المفاوضة الا بالتصريح بلفظها فكذلك عند الاقرار ولو كان اقر أنه شريكه في التجارات كان ما في يدهما من متاع التجارة بينهما ولا يدخل في ذلك مسكن ولا كسوة ولا طعام لان التصادق منهما كان مقيدا بمال التجارة بخلاف الاول فقد تصادقا هناك في الشركة في كل قليل وكثير وذلك يعم الدار والخادم وغيرهما ولو كان في يدهما دار أو عبد أو أمة وقال ليس هذا من تجارتنا فالقول قوله لان هذه الاعيان ليست للتجارة باعتبار الاصل فمن قال انها ليست من التجارة فهو متمسك بما هو الاصل ولان التصادق منهما لم يحصل منهما بصفة العموم وانما حصل خاصا في متاع التجارة والسبب متى كان مقيدا بوصف لا يكون موجبا بدون ذلك الوصف فما لم يثبت كونه من التجارة لا يتحقق سبب الشركة بينهما فلهذا كان القول قول ذى اليد وعلى هذا لو قال احدهما لدراهم أو دنانير هذا مال في يدى من غير الشركة اصبته من ميراث أو جائزة أو بضاعة لانسان فالقول قوله الا ان يقوم للاخر بينة انه من الشركة أو
[ 117 ]
كان في يده يوم أقر به لان الثابت بالبينة كالثابت باقراره ولو أقر أنه كان في يده يوم أقر كان في الشركة لان الدراهم والدنانير من التجارة باعتبار الاصل وانهما خلقا لذلك ولهذا وجبت الزكاة فيهما باعتبار هذا المعنى من غير نية التجارة فإذا ثبت كونه في يده وقت الاقرار بقدر السبب الموجب للشركة فيه فهو يريد اخراجه من الشركة بعد ما تناوله الاقرار بها فلا يصدق في ذلك. ولو كان في التجارة فقال ليس هذا من التجارة التى بيننا ولم يزل في يدي قبل الشركة كان المتاع بينهما لان بثبوت التجارة فيه صار الاقرار بالشركة متناولا له فلا يصدق في اخراجه بعد ما تناوله الاقرار ولو قال فلان شريكي ولم يسم شيأ ثم قال عنيت في هذه الدار كان القول قوله لان في بيانه تقريرا لما أقر به لا تغييرا فيصح موصولا ومفصولا ولان مطلق الاقرار بالشركة غير مضاف إلى محل لا يثبت من المال الا قدر مالا يتحقق هذا الوصف لهما الا به وهذا الوصف يتحقق لهما بالشركة في شئ واحد فيثبت القدر المتيقن به ويكون القول في انكار الزيادة على ذلك قوله ولو قال فلان شريكي في تجارة الزطي كان القول قوله لانه قيد اقراره بمحل سماه وتقييد المقر اقراره موصولا بكلامه صحيح. ولو قال فلان شريكي في كل تجارة وقال فلان أنا شريكك فيما في يدك ولست بشريكي فيما في يدى كان القول قوله لانه أقر بنصف ما في يده وادعى لنفسه نصف ما في يده وقد صدقه في الاقرار وكذبه في دعواه فالقول قوله مع يمينه. ولو كان في يده حانوت فقال فلان شريكي فيما في هذا الحانوت ثم قال أدخلت هذا العدل بعد الاقرار من غير الشركة لم يصدق علي ذلك وهو على الشركة الا أن يأتي بالبينة على ما يدعى قال لان الحانوت وما في الحانوت معلوم ومعنى هذا الكلام أنه وقع الاستغناء عن بيان المقر في معرفة ما أقر به بتعيينه محله وهو الحانوت فلا يبقى له قول في البيان ولكن جميع ما يوجد في الحانوت يكون بينهما نصفين الا ما يثبت بالحجة أنه أدخله بعد الاقرار وهو بمنزلة ما لو أبرأ غيره من كل قليل وكثير له عليه ثم ادعى بعد ذلك عليه شيأ وقال قد حدث وجوبه بعد الابراء وقال المدعى عليه بل كان قبل الابراء فالقول قوله الا أن يثبت المدعى بالبينة أنه وجب بعد الابراء وهذا بخلاف ما لو قال جميع ما في يدى مشترك بينى وبين فلان ثم قال لمتاع بعد ذلك انه حدث في يدى بعد الاقرار فالقول قوله لانه ما وقع الاستغناء عن بيانه هناك فان ما في يده لا يعلم الا بقوله فلهذا جعلنا بيانه مقبولا فيه وأورد مسألة الحانوت بعد هذا وأجاب
[ 118 ]
فيها أن القول قول المقر بمنزلة قوله جميع ما في يدى بينى وبين فلان ففيه روايتان والاصح هو الاول ووجه الرواية الثانية ان إقراره تقيد بمحل خاص وهو الموجود في الحانوت وقت اقراره فما لم يثبت هذا القيد بالحجة لا يستحقه المقر له لان وجوده في الحانوت في الحال دليل على أنه كان في الحانوت عند الاقرار باعتبار الظاهر والظاهر حجة لدفع الاستحقاق لا للاستحقاق ولو قال فلان شريكي في كل تجارة وأقر بذلك فلان ثم مات أحدهما وفي يده مال فقال ورثته هذا مال استفاده من غير الشركة فالقول قولهم لانهم قائمون مقامه ولو قال هو في هذا الفصل لمال في يده انه حادث في يدى من غير الشركة وجب قبول قوله في ذلك فكذلك يقبل قوله ورثته وان قروا أنه كان في يده يوم أقروا أنه من التجارة فهو من الشركة لان اقرارهم بهذا بعد موته كاقراره به في حياته وكذلك ان كان للميت صك باسمه على رجل بمال تاريخه قبل الاقرار بالشركة بينهما لانه أقر له بالشركة في كل تجارة وذلك يعم العين والدين جميعا وان كان تاريخ الصك بعد الشركة فالقول قول الورثة انه ليس من الشركة لانه انما يكتب في الصك تاريخ وجوب الدين فإذا كان ذلك بعد الاقرار ان كان هذا دينا حدث وجوبه فلا تثبت الشركة بينهما فيه والظاهر شاهد للورثة في ذلك وحاجتهم إلى دفع استحقاق المقر له والظاهر يكفى لهذا. ولو قال فلان شريكي في الطحن وفي يد المقر رحا وابل ومتاع الطحانين فادعى المقر له الشركة في ذلك كله فالقول قول المقر لان الطحن اسم للعمل دون الآلات وليس من الضرورة كونه شريكا له في الآلات وكان القول قول المقر في الاول وكذلك كل عامل في يده حانوت وفيه متاع من متاع عمله فاقر أنه شريك لفلان في عمل كذا فهما شريكان في العمل دون المتاع لان ثبوت الشركة بينهما باقراره انما يثبت فيما صرح به أو فيما هو من ضرورة ما صرح به. ولو قال هو شريكي في هذا الحانوت في عمل كذا فكل شئ في ذلك الحانوت من عمل أو متاع ذلك العمل فهو بينهما لانه عين لما اقر به محلا وهو الحانوت وذكر العمل لتقييد الاقرار بمتاع ذلك العمل فما كان في الحانوت من متاع ذلك العمل فقد تناوله اقراره فكان بينهما ولو كان الحانوت وما فيه في أيديهما فقال أحدهما فلان شريكي في عمل كذا فاما المتاع فهو لى وقال الاخر بل المتاع بيننا فهو بينهما لان ثبوت يدهما على الحانوت سبب لثبوت اليد لهما علي ما في الحانوت فكان في قوله المتاع لى مدعيا للنصف الذي في يد صاحبه فلا يقبل قوله الا بحجة
[ 119 ]
بخلاف الاول فان الحانوت هناك في يد المقر فما فيه يكون في يده ايضا. ولو قال فلان شريكي في كل زطي اشتريته وفي يده عدلان فقال اشتريت أحدهما وورثت الاخر فالقول قوله لانه قيد المقر به بالزطى المشترى فما لم يثبت هذا الوصف في محل لا يتناول اقراره لذلك المحل. وكذلك لو قال هو شريكي في كل زطي عندي للتجارة ثم قال اشتريت أحدهما من خاص مالى لغير التجارة فالقول قوله لان مجرد الشراء في الزطي لا يجعل المشترى للتجارة بدون النية (ألا ترى) أنه لا يجب فيه الزكاة إذا لم ينوبه التجارة ونية التجارة لا يوقف عليها الا من جهته فإذا قيد الاقرار بما لا يوقف عليه الا من جهته وجب قبول قوله فيه ولو أقر أنهما في يده للتجارة ثم قال هذا من خاصة مالى لم يصدق لان سبب الشركة قد تقرر فيه فلا يصدق في اخراجه ولو قال هو شريكي في كل زطى قدم لى من الاهواز أمس ثم أقر أن الاعدال العشرة قدمت له من الاهواز أمس وقال أحدهما من خاصة مالى والاخر بضاعة فلان وقال الشريك هي كلها من الشركة فالكل من الشركة لثبوت الوصف الذى قيد الاقرار به في جميع الاعدال باقراره الا أن العدل الذى أقر أنه بضاعة يصدق علي حصته منه ولا يصدق على نصيب شريكه لان اقرار أحد الشريكين لغيره في نصيب نفسه صحيح ويضمن لصاحب البضاعة نصف قيمة هذا العدل لانه صار متلفا باقراره السابق للمقر له بالشركة واقراره للثاني على نفسه صحيح فيصير به ضامنا وقد تقدم نظائر هذه المسألة فيما اتفقوا عليه واختلفوا فيه ولو كان العبد بين الشريكين فاقرا به بينهما من شركتهما ثم قال أحدهما استودعناه فلان فهو مصدق على حصته غير مصدق على حصة شريكه ولا يضمن للمقر له شيئا من نصيب شريكه لان ذلك لم يكن في يده قط والمودع فيما لم تصل إليه يده لا يصير ضامنا وما كان في يده وهو المقر النصف فقد سلمه إلى المقر له وإذا قال فلان شريكي في هذا الدين الذى على فلان وقال المقر له أنت أديته بغير اذنى ولم يكن بينى وبينك شركة فان كان المقر هو الذى باع المبيع فهو ضامن لنصف قيمة المتاع لان اقراره بالشركة بينهما في الثمن اقرار منه أن الاصل كان مشتركا بينهما فان الثمن يملك بملك الاصل وهو الذى باشر البيع فيه وذلك سبب موجب الضمان عليه في نصيب شريكه الا أن يثبت الاذن وهو ينكر الاذن فالقول قوله مع يمينه وان لم يكن في ذكر الحق انه باعه المتاع فقال لم أبعه أنا ولكن بعناه جميعا وكتب الصك باسمى فالقول قوله لان المقر له يدعى عليه سبب
[ 120 ]
وجوب الضمان في نصيبه بيعه بغير اذنه وهو لذلك منكر وليس من ضرورة كتبه الصك باسمه ان يكون هو المباشر للبيع فكان القول قوله لانكاره مع يمينه فان أراد المقر له أن يضمن الذي عليه الصك نصفه قيمة المتاع وقال قبضت متاعي بغير اذنى وقال الذى عليه الصك ما اشتريت منك شيأ باعنى المتاع الذى الصك باسمه فلا ضمان له عليه لانه يدعى لنفسه عليه حقا وهو ينكره ولو ضمنه انما يضمنه باقرار المقر واقراره ليس بحجة على المشترى فلا ضمان له عليه ولكن المال الذى في الصك بينهما كما لو أقر به وحق المطالبة لمن باسمه الصك وإذا كان عبد في يد رجل وقال هذا مضاربة لفلان معى بالنصف ثم باعه بالفين وقال كان رأس المال ألف درهم وقال رب المال دفعت العبد اليك بعينه للمضاربة فالقول قول رب المال لانه أقر بملك العبد له حين قال انه مضاربة لفلان معى هذا فان اللام للتمليك فيثبت الملك في العبد لرب المال في اقراره والثمن يملك بملك الاصل فإذا ادعى المضارف لنفسه جزأ من ثمنه لا يقبل قوله الا بحجة فكان الثمن كله لرب المال وعليه للمضارب اجر مثله لان رب المال اقر له بذلك على نفسه فان المضاربة بالعروض فاسدة وانما يستحق المضارب بسببه اجر مثل عمله وإذا اقر المضارب انه معه الف درهم لفلان مضاربة بالنصف وأنه قد ربح فيها الف درهم وقال رب المال بل رأس مالي الفا درهم ففي قول أبي حنيفة رحمه الله الاول وهو قول زفر رحمه الله القول قول رب المال لان المضارب يدعى استحقاق بعض ماله لنفسه فان جميع ما في يده حاصل من ماله فلا يقبل قوله في ذلك الا بحجة ثم رجع وقال المضارب مع يمينه وهو قولهما لان الاختلاف بينهما في مقدار المقبوض وفي مقدار المقبوض قوله قول القابض إذا لم يسبق منه اقرار بخلاف ما يقوله الآن فكان عليه رد ما أقر بقبضه من رأس ماله والباقى ربح بينهما نصفين ولو قال هذا المال معى مضاربة لفلان ثم قال بعد ذلك فهو لفلان وادعى كل واحد منهما انه له مضاربة بالنصف ثم عمل به المضارب فربح فيه فانه يدفع رأس المال إلى الاول ونصف الربح ويدفع الاخر مثل رأس المال غرما من ماله ولا يضمن له من الربح شيأ هذا قول أبى يوسف رحمه الله وقال محمد رحمه الله يضمن لكل واحد منهما قدر رأس ماله والربح كله له يتصدق به واصل المسألة في كتاب المضاربة ان المضارب إذا جحد ثم أقر وتصرف وربح كان الربح بينهما علي الشركة عند أبى يوسف رحمه الله وعند محمد رحمه الله الربح كله للمضارب فهنا الاول لما تقدم اقرار
[ 121 ]
المضارب له ثبت حقه وصار كالثابت بالمعاينة ثم باقراره للثاني صار جاحدا لحق الاول وانما هو تصرف وربح بعد جحوده فيكون نصف الربح للاول عند أبى يوسف رحمه الله وجميع الربح للمضارب عند محمد رحمه الله ولكنه بسبب جلبه فيتصدق به ويغرم لكل واحد منهما نصف رأس ماله أما للاول لغير مشكل وأما للثاني فلاقراره بانه كان أمينا من جهته وقد دفع الامانة إلى غيره وباقراره صار ضامنا له وإذا أقر أن المال مضاربة في يده لفلان وفلان وصدقاه ثم قال بعد ذلك لاحدهما الثلثان وللآخر الثلث لم يصدق وهو بينهما نصفان لان مطلق الاضافة اليهما يقتضى المناصفة بينهما وكان بيانه بعد ذلك مغيرا فيصح موصولا لا مفصولا ولو أقر المضاربان بمال في أيديهما انه مضاربة لفلان وصدقهما في ذلك ثم أقر رب المال لاحدهما بثلث الربح وللآخر بربعه فالقول قوله لانه ليس من ضرورة تصديقه اياهما الاقرار بشئ معلوم لهما من الربح والمساواة بينهما في الربح بل لكل واحد منهما ما يستوجب الربح عليه بالشرط فيكون القول قوله في بيان شرط كل واحد منهما وإذا أقر بمضاربة لرجل ولم يسمها فالقول قوله فيما يسمى من ذلك لانه جهل المقر به فالقول في بيانه قوله وان مات فالقول قول وارثه لانه خلف عنه قائم مقامه والله أعلم * (باب الاقرار بالبراءة وغيرهما) * (قال رحمه الله) وإذا قال الانسان لا حق لى على فلان فيما أعلم ثم أقام البينة أن له عليه حقا مسمى قبلت بينته وليست هذه البراءة بشئ لانهما بقوله فيما أعلم وقد بينا أن هذا اللفظ في الاقرار يخرجه عن أن يكون موجبا فكذلك في البراءة والاقرار بها ولم يذكر قول أبى يوسف رحمه الله هنا فقيل هو على الخلاف أيضا وقيل بل أبو يوسف رحمه الله يفرق بينهما ويقول ان بانتقاء حقوقه عن الغير لا طريق له إلى معرفته حقيقة فقوله فيما أعلم في هذا الموضع لنفى اليقين كما في الشهادة واما وجوب الحق للغير عليه فلا بد أن يعرفه بمعرفة سببه حقيقة فلم يكن قوله فيما أعلم للتشكيك فيه. وكذلك لو قال في علمي أو في نفسي أو في ظنى أو في رأيى أو فيما أرى أو فيما اظن أو فيما أحسب أو حسابي أو كتابي لان هذه الالفاظ انما تذكر لاستثناء اليقين فيما يقرر به كلامه من أن يكون غريما أو موجبا للبراءة ولو قال قد علمت أنه لا حق لى قبل فلان لم تقبل منه بينة الا بتاريخ بعد الاقرار بالبراءة وكذلك لو قال قد
[ 122 ]
استيقنت لان ذكر هذين اللفظين لتأكيد معنى العلم واليقين بما يخبر به فان قوله قد علمت خبر عن الماضي وقد يقرره به للتأكيد ولو أطلق الاقرار بالابراء لم يسمع منه دعوى الا بتاريخ بعده فإذا أكد بما يقرن به أولى. وإذا قال لا حق لى عليك فاشهد لى عليك بالف درهم وقال الاخر أجل لا حق لك على ثم أشهد له بالف درهم والشهود يسمعون ذلك كله فهذا باطل ولا يلزمه منه شئ ولا يسع الشهود أن يشهدوا عليه لانه بما تقدم من تصادقهما على انتفاء حقه عن تبين أن المراد به الزور والباطل وما ليس بواجب لا يصير بالاشهاد واجبا وإذا علم الشهود انتفاء وجوب المال حقيقة لا يسعهم أن يلزموه بشهادتهم شيأ (ألا ترى) أنه لو فعل ذلك بين يدى القاضى لم يكن للقاضى أن يقضى عليه بشي فكذلك لا يسع الشهود أن يشهدوا به عليه. وإذا أقر الرجل أن لفلان عليه الف درهم تلجئة فقال الطالب بل هو حق فان كان المقر له لم يقر بانه تلجئة فالمال لازم للمقر لان قوله المقر تلجئة كالرجوع منه عن الاقرار فان ظاهر قوله على اقرار حق لازم وما يكون تلجئة فهو باطل ورجوعه عن الاقرار لا يصح وان كان موصولا الا أن يصدقه المقر له بذلك فحينئذ هو مثل الاول لانهما تصادقا على أن الاقرار كان زورا والاقرار بالزور لا يوجب علي المقر شيأ وكذلك لو قال اشهدوا أن لفلان على الف درهم زورا وباطلا وكذبا فقال فلان صدق في جميع ما قاله لم يلزكه شئ فلان قال صدق في المال وكذب في قوله زورا وباطلا أخذته بالالف لما بينا وعلى هذا لو أقر أنه باع داره من فلان بالف درهم تلجئة لزم المقر البيع إذا كذبه المقر له في قوله تلجئة وان صدقه في جميع ما قال فهو باطل وان قال صدق فهو باطل أيضا لان مطلق التصديق ينصرف إلى جميع ما اقر به إذا لم يخص فيه شيأ. ولو قال لفلان علي ألف درهم فقال فلان مالى عليك شئ فقد برئ المقر مما أقربه لانه كذبه في الاقرار ولانه صار ميراثا له لان قوله مالى عليك شئ يحتمل أنه أراد مالى عليك شئ في الحال لانى أبرأتك ويحتمل أن يكون مراده ما كان لى عليك شئ ومن ضرورة نفئ حقه في الماضي نفيه في الحال فان أعاد الاقرار وقابل بل لك على ألف درهم فقال المقر له أجل هي لى عليك لزمته أما على الطريق الاول فلان الاقرار بطل بالتكذيب فصار كالمعدوم بقى اقراره الثاني وقد صدقه فيه وعلى الطريق الثاني الابراء انما يعمل فيما كان واجبا وقت الابراء فاما فيما يجب بعده بسبب باشره فلا يعمل فيه ذلك الابراء والاقرار سبب لوجوب المال في الحكم فلا يبطل بالابراء السابق. ولو أقر بهذه الجارية لفلان
[ 123 ]
غصبها اياه فلان وليست هذه لى بطل اقراره بالرد فان ادعاها المقر له وقعت إليه لما بينا أن الاقرار الاول صار كالمعدوم فكأنه انشأ الاقرار الان وصدقه المقر له. ولو قال هذا العبد لك فقال ليس هو لى ثم قال بلى هو لى لم يكن له لان الاقرار قد بطل بالتكذيب ولم يوجد اقرار آخر فكذلك لو أقام البينة عليه لم تقبل بينته لان شرط قبول البينة دعوى صحيحة وبعد ما قال ليس هو لى لا يصح دعواه انه له لكونه مناقضا فيه فلا تقبل بينته عليك. وكذلك لو أقر أنه برئ من هذا العبد ثم ادعاه وأقام البينة لا تقبل بينته الا علي حق يحدث له بعد البراءة لان قوله أنا برئ من هذا العبد اقرار منه بانه لا ملك له فيه وهو صحيح في حقه لانه لا يتعدى عن محل ولايته إلى غير ولايته وبالدعوى بعد ذلك أنه لى يصير مناقضا وبينة المناقض في الدعوى لا تكون مقبولة وكذلك لو قال خرجت من العبد أو خرج هذا العبد عن ملكى أو عن يدى لان اقراره بهذا مقصور علي محل ولايته لا يتعدى إلى اثبات الملك فيه لغيره فأقيم به وحده فيكون هو في الدعوى بعد ذلك مناقضا وقيل هذا الجواب فيه قوله خرج عن يدى غير صحيح لانه يمكنه أن يوقف فيقول هو ملكى وقد خرج عن يدى بغصب ذى اليد أو اعارتي منه فلا يثبت التناقض وإذا قال الرجل للمرأة انى أريد أن أشهد انى قد تزوجتك بالف درهم تزوجا باطلا وتلجئة وقالت المرأة نعم أنا أفعل هذا علي هذا الوجه وقد حضر الشهود هذه المقالة ثم أشهد أنه قد تزوجها بألف درهم وأقرت المرأة بذلك فالنكاح جائز لازم لهما لان بالاشهاد السابق تبين أن مقصودهما بهذا العقد الهزل دون الجد وفي النكاح الجد والهزل سواء كما ورد به الاثر ثلاث جدهن جد وهز لهن جد النكاح والطلاق والعتاق ولان تأثير التلجئة انعدام ضامنها بالعقد النافذ بمنزلة اشتراط الخيار ولا يشترط الخيار في النكاح فكذلك التلجئة ولانه انما تؤثر التلجئة فيما هو محتمل للفسخ بعد تمامه والنكاح غير محتمل للفسخ بعد تمامه ولهذا لا يجرى فيه الرد بالعيب ولا يؤثر فيه التلجئة وكذلك الطلاق والعتاق على مالى وغير مال والخلع والمال واجب فيما سمى فيه المال لانه تبع للسبب فكما لا تؤثر التلجئة في أصل السبب فكذلك لا تؤثر فيما يتبعه كالهزل وأما الكتابة على هذا الوجه فباطلة بمنزلة البيع لانه محتمل للفسخ بعد انعقاده كالبيع. ولو قال اريد أن ألجئ اليك دارى هذه واشهد عليك بالبيع وقبض الثمن تلجئة منى اليك لا حقيقة وقال الاخر نعم فاشهد له بالبيع وقد حضر الشهود تلك المقالة فان أبا حنيفة رحمه الله قال فيما أعلم يقع البيع
[ 124 ]
والمقالة التى كانت قبله باطلة وقال أبو يوسف رحمه الله البيع باطل على الكلام الاول ومعنى قوله ألجئ أي أجعلك ظهرا لى لاتمكن بجاهك من صيانة ملكى يقال التجأ فلان إلى فلان وألجأ ظهره إلى كذا والمراد هذا المعنى وقيل معناه أنا ملجأ مضطر إلى ما أباشره من البيع معك ولست بقاصد حقيقة البيع ثم صحح أبو يوسف رحمه الله روايته على أبى حنيفة رحمه الله بقوله فيما أعلم لان الرواية عن الغير كالشهادة وهذا اللفظ شك في الشهادة عند أبى يوسف رحمه الله ولكن روى المعلى عن أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهم الله أن البيع جائز مطلقا وروى محمد رحمهم الله في الاملاء عن أبى حنيفة رحمه الله أن البيع باطل وهو قولهما والحاصل أنهما إذا تصادقا أنهما بنيا علي تلك المواضعة فلا بيع بينهما كما ذكراه في البيع نصا وان تصادقا انهما أعرضا عن تلك المواضعة فالبيع صحيح بالاتفاق لان تلك المواضعة ليس بلازمة ولا تكون أقوى من المعاقدة ولو تبايعا بخلاف الاول كان الثاني مبطلا للاول فإذا تواضعا ثم تعاقدا أولى وإذا اختلفا فقال أحدهما بنينا على تلك المواضعة وقال الاخر بل أعرضنا عنها فعندهما القول قول من يدعى البيناء على المواضعة والاخر بنى عليها وتلك المواضعة بمنزلة اشتراط الخيار منهما ولو شرطا الخيار ثم اسقطه أحدهما لم يتم البيع وأبو حنيفة رحمه الله يقول الاصل في العقود الشرعية الصحة واللزوم فمن يقول لم نبن على تلك المواضعة يتمسك بما هو الاصل فالقول قوله وتوضيحه أن تلك المواضعة ليست بلازمة بل ينفرد أحدهما بابطالهما فاعراض أحدهما عن تلك المواضعة كاعراضها وان تصادقا على أنه لم يحضرهما نية عند العقد فعندهما وهو رواية محمد عند أبى حنيفة رحمهما الله البيع باطل لانهما ما قصدا بالمواضعة السابقة الا بناء العقد عليها فيجعل كأنهما بنيا وعلى رواية أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله البيع صحيح لان مطلقه يقتضى الصحة والمواضعة السابقة لم يذكرها في العقد فلا يكون مؤثرا فيه كما لو تواضعا علي شرط خيار أو أجل ولم يذكرا ذلك في العقد لم يثبت الخيار ولا الاجل فهذا مثله ولو قال أشهد لى عليك بالف درهم على أنها باطل أو على انك منها برئ ففعل لم يكن عليه شئ منهما لان نفوذ الاقرار يعتمد تمام الرضا ولهذا كان الاكراه مانعا صحة الاقرار فهو والبيع سواء بخلاف النكاح ولو قال لامرأة انى أمهرك ألف درهم في السر واظهر في العلانية الفين واشهد على ذلك فالمهر لها الف درهم لانها تصادقا أن ما زاد على الالف سمياه
[ 125 ]
سمعة وباطلا فلا يكون ذلك موجبا. ولو تواضعا على أن المهر في السر الف درهم وانهما يظهر ان العقد بمائة دينار سمعة ففعلا ذلك فلها مهر مثلها لان ما تواضعا عليه لم يذكراه في العقد وثبوت المسمى انما يكون بالتسمية وما سمياه في العقد يقصدان به السمعة فبقى النكاح خاليا عن تسمية مهر المثل وكذا لو قالا هذا في البيع وأما في الالف درهم والمائة دينار ففى القياس البيع باطل لو لم يسميا ثمنا وفي الاستحسان البيع صحيح بمائة دينار لانهما قصدا تصحيح أصل العقد وانما قصدا السمعة في الثمن ولا يمكن تصحيح أصل العقد هنا الا باعتبار الثمن المسمى فيه وأما في النكاح فتصحيح أصل العقد من غير اعتبار المهر المسمى فيه ممكن ولو كان هذا الالف والالفان في البيع وقال أبو يوسف فيما أعلم عند أبى حنيفة رحمه الله البيع بالفين وهكذا رواه المعلي عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهم الله وروى محمد رحمه الله في املائه عن أبى حنيفة رحمه الله أن البيع صحيح بألف درهم وهو قولهما لانهما قصدا السمعة بذكر أحد الالفين ولا حاجة في تصحيح البيع إلى اعتبار تسميتهما الالف الثانية فهذا والنكاح سواء * وجه الرواية الاخرى عن أبى حنيفة رحمه الله أن البيع لا يصح الا بتسمية الثمن فإذا وجب اعتبار بعض المسمى وجب اعتبار كله كما في اختلاف الجنس بخلاف النكاح وقيل هذا ينبنى على أصل أبى حنيفة رحمه الله أن الالفين غير الالف ولهذا لو شهد أحد الشاهدين بالالف والاخر بالالفين لم يقبل عنده فهو واختلاف الجنس سواء على مذهبه ولكن هذا ينصف هذا ينصف بالنكاح والله أعلم * (باب الاقرار بالجناية) * (قال رحمه الله) ولو أن رجلا أقر بقتل رجل خطأ وقامت البينة به علي آخر وادعى الولى ذلك كله كان له علي المقر نصف الدية ولا شئ له على الاخر لان المقر قد أقر له بدية كاملة حين زعم انه تفرد بالقتل وقد صدقه في النصف حين زعما أنهما اشتركا في القتل وتصديقه في بعض ما أقر به صحيح فان الشهود شهدوا له على الاخر بدية كاملة وهو قد ادعى عليه نصف الدية والشهادة بالاكثر مما ادعاه المدعى لا تكون مقبولة لمعنى وهو أنه صار مكذبا لشهوده في بعض ما شهدوا له وتكذيب المدعى شهوده يبطل شهادتهم وصار مكذبا للمقر ايضا في بعض ما أقر به ولكن تكذيب المقر له في البعض لا يمنعه من التصديق في
[ 126 ]
البعض ولو ادعى الولى ذلك كله على المقر كان عليه الدية في ماله لانه قد صدقه في جميع ما أقر به ولكن ما ثبت بالاقرار لا تعقله العاقلة للحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم لا نعقل صلحا ولا عمدا ولا عبدا ولا اعترافا وهذا لان قول المقر حجة علي نفسه خاصة دون عاقلته ولو ادعى ذلك كله علي الذى قامت عليه البينة كانت الدية على عاقلته لانه صار مكذبا للمقر فبطل اقراره وبقيت دعواه على الذى شهد له الشهود وقد ثبت عليه قتل الخطأ بالبينة فتكون الدية على عاقلته ولو أقر رجل أنه قتل فلانا عمدا وحده وأقر آخر بمثل ذلك وقال الولى قتلتماه جميعا كان له أن يقتلهما لان كل واحد منهما صار مقرا له على نفسه بالقصاص وقد صدقه في ذلك ثم قد بينا أن الاسباب مطلوبة لاحكامها فبعد ما وجب التصادق في الحكم لا يعتبر التفاوت بين الاقرار والتصديق في السبب. ولو قال لاحدهما أنت قتلته كان له أن يقتله لانه كذب الاخر في اقراره فبطل ذلك الاقرار ويبقى الاقرار الثاني وقد صدقه فيه ولو قال صدقتما فيه ولا يتصور تكرار القتل بهذه الصفة وشخصين على واحد فكان في تصديق الاكثر منهما انه قتله وحده تكذيب الاصغر وكذلك في تصديقه الاصغر انه قتله وحده تكذيب الاكبر فلهذا لا يقبل واحد منهما ولو أقر أحدهما انه قتله عمدا وقامت البينة بمثل ذلك علي آخر فادعى الولي أحدهما كان له أن يقتل المقر لانه صدقه فيما اقر له به من القصاص ولا شئ له على الاخر لانه ادعى عليه قتلا مشتركا والشهود شهدوا عليه بقتل انفرد هو به فكانت الشهادة أزيد من الدعوى ولان التفاوت بين الدعوى والشهادة في السبب يمنع قبول الشهادة كما لو ادعى الفا غصبا وشهد له الشهود بالف قرض بخلاف الاقرار والله أعلم بالصواب * (باب من الاقرار) * (قال رحمه الله) وإذا أقر الرجل انه اقتضى من فلان الف درهم فقال فلان ما كان لك علي شئ ولكنك أخذتها منى ظلما أمر القاضي بردها وقد بينا هذا مرة وأعدناها لفروع نذكرها هنا وهو انه لو قال قبضتها بوكالة من فلان كانت له عليك أو وهبتها له فأمرني فقبضتها ودفعتها إليه كان ضامنا للمال واقراره بالقبض لغيره في حق صاحبه كاقراره بالقبض لنفسه لان الضمان انما ينتفى عنه في الفصلين بثبوت المال له على صاحب المال ولمن يدعى أنه قبض
[ 127 ]
له ولم يثبت ذلك بدعواه فكان ضامنا للمال وإذا أقر أن لفلان على الف درهم وجحد ذلك فلان وادعى الطالب أن المال علي المقر وحده فانه يلزم المقر من ذلك النصف لانه اضافة الالف إلى نفسه وإلى غيره موجبة للانقسام فصار مقرا بنفصفه علي نفسه وبنصفه على الاخر (ألا ترى) أن الاخر لو صدقه كان على كل واحد منهما نصفها فإذا كذبه بطل ما أقر به عليه وبقى مؤاخذا بما أقر به على نفسه وهو النصف وكذلك ان أقر بمثله من غصب أو وديعة أو مضاربة أو قتل خطأ أو جراحة فهذا والاول سواء لما بينا. ولو أقر انه قطع يد فلان هو وفلان عمدا وجحد فلان ذلك وادعى الطالب أن المقر قطعه وحده لم يلزمه شئ في القياس لانه أقر له على نفسه بنصف الارض فان اليدين لا يقطعان بيد واحدة عندنا ولكن على كل واحد من المالين بنصف الارش والمدعى يدعى عليه القصاص فكان مكذبا له فيما أقر به مدعيا عليه شيأ آخر ولكن استحسن فقال له عليه نصف أرش اليد وهذا نظير ما قال في كتاب الديات إذا قال قتلت ولى هذا عمدا فقال بل قتلته خطأ تقضى بالدية استحسانا لانه يمكنه أن يأخذ ما أقر به مع اصراره على الدعوى بأن يقول حقى في القصاص ولكنه طلب منى أن آخذ المال عوضا عن القصاص وهذا جائز وكذلك هنا يمكنه أن يأخذ ما أقر به وهو نصف الارش مع اصراره علي دعوى القصاص بهذا الطريق ولو كان هذا في النفس كان له أن يقتل المقر خاصة لانه المثنى يقتل الواحد وقال والقياس في النفس هكذا أن لا يستوفى المثنى بالواحد لان القصاص يعتمد المماثلة والواحد لا يكون مثلا للمثنى وكيف يكون مثلا لهما وهو مثل لكل واحد منهما وكنا تركنا القياس في النفس لحديث عمر رضى الله عنه انه قتل سبعة من أهل صنعاء بواحد وقال لو تمالا عليه أهل صنعاء لقتلتهم به وهذا القياس والاستحسان لم ينص عليه في المبسوط الا هنا ولو قال أقرضنى انا فلان الف درهم لزمه النصف لما بينا أنه أقر على نفسه بنصف المال قال (ألا تري) انه لو قال لفلان على ألف درهم وفلان ثم قال عنيت الاخر معي في الدين لم يصدق على ذلك وكان الدين لهما عليه نصفين فكان بمنزلة قوله لفلان وفلان علي الف درهم ووقعت هذه المسألة في أكثر الروايات انه قال لفلان على الف درهم ولفلان ولكن الاصح هو الاول لانه قال بعده ولو قال لفلان علي الف درهم ولفلان كانت الالف بينهما نصفين وإذا أقر أن لفلان عليه الف درهم ثم قال بعد ذلك لاحدهما ستمائة وللاخر أربعمائة لم يصدق الا أن يصل كلامه لان
[ 128 ]
مقتضى أول كلامه المناصفة بينهما فكان بيانه مغيراو لكنه من محتملات كلامه فيصح موصولا ولا يصح مفصولا الا انه إذا فصل فعليه للذى أقر له باربعمائة خمسمائة لانه راجع عن الاقرار له في قدر المائة وعليه للاخر ستمائة لانه أقر له في بيانه بمائة زائدة وذلك صحيح منه علي نفسه ولو قال أقرضنى فلان ألف درهم مع فلان كانت الالف لهما بمنزلة مالو قال أقرضنى فلان مع فلان ألف درهم لان كلمة مع للقران فيوجب الجمع بينهما كحرف الواو ولو قال أقرضني فلان ألف درهم عند فلان كانت الالف للاول لانه ما اشرك الثاني مع الاول في لاقراض وانما أخبر أن الاقراض من الاول كان بالقرب من الثاني. ولو قال أقرضنى وفلانا معى الف درهم كان عليه من ذلك خمسمائة لانه ذكر فلانا منصوبا فذلك دليل على أنه في محل المفعول كالمقر وان المقر له أقر فيهما جميعا بالالف فلهذا كانت عليه خمسمائة ووقع في بعض النسخ وفلان معى والاصح هو الاول وان قال أقرضنى وفلانا معى شاهدا علي ذلك فلان الف درهم كانت الالف عليه وحده لانه ذكر للثاني خبرا وهو انه كان شاهدا فلا يدخل معه فيما أخبر به من الاستقراض فانما يكون مقرا على نفسه خاصة باستقراض الالف وكذلك قوله وفلان معى حالين والله أعلم. * (باب اقرار الوصي والوكيل بالقبض) * (قال رحمه الله) وإذا أقر الوصي انه قد استوفى جميع ما للميت على فلان ولم يسم كم هو صح اقراره في براءة الغريم لانه في الاستيفاء قائم مقام الوصي فاقراره به كاقرار الموصي بالاستيفاء منهما صحيح لان الحاجة الي بيان المستوفى فيما يحتاج فيه إلى القبض وما تم استيفاؤه لا يحتاج فيه الي القبض فترك البيان لا يمنع صحة الاقرار. ولو قال بعد ذلك انما قبضت منه مائة درهم وقال الغريم كان للميت على الف درهم وقد صح فيمنعه ذلك من أن يطالبه بشئ بعد ذلك ولان بيان المقدار من الوصي للمستوفي غير مقبول في حق الغريم لانه لا ولاية له عليه في أن يلزم ذمته شيأ وقد استفاد البراءة باقراره مطلقا ولكن لا ضمان على الوصي أيضا لان قول الغريم في بيان مقدار الدين غير مقبول في الزام الضمان على الوصي فان اقرار المرء انما يصح فيما يلزم نفسه لا غيره وهو بهذا الاقرار لا يلزم نفسه وانما يلزم الوصي فلا
[ 129 ]
معتبر باقراره ولكن القول في مقدار المقبوض قوله الوصي معه فان قامت البينة أن للميت على الغريم الف درهم أو قامت البينة على اقرار الغريم بذلك قبل إشهاده بالقبض فالوصى ضامن لها لانه قد أقر بقبض جميع ما للميت على فلان وقد ثبت بالبينة أنه كان للميت علي فلان يومئذ الف درهم فانصرف اقراره بالقبض إلى جميعها فان قال بعد ذلك قبضت مائة كان راجعا عن بعض ما أقر به وذلك غير صحيح منه فيصير ضامنا بجحوده ولانه ان قبض المائة فقد تعذر باقراره استيفاء ما بقي من الغريم وصار هو متلفا لذلك على اليتيم والوصى بالاتلاف يصير ضامنا والمنع من الاستيفاء كاتلاف المستوفى ايجاب الضمان (ألا ترى) أن شهود الابراء إذا رجعوا ضمنوا لانهم منعوه من الاستيفاء بشهادتهم فصاروا متلفين عليه والوكيل في القبض في هذه بمنزلة الوصي لان الموكل أقامه مقام نفسه في القبض فاقراره بالقبض مطلقا كاقرار الموكل به فإذا قال الوصي قبضت جميع ما للميت على فلان وهو مائة درهم فقال فلان كان على الف درهم وقد قبضها الوصي فقال الوصي انما قبضت مائة فانه يؤخذ من الغريم تسعمائة لان الالف عليه قد ثبت باقراره والوصي ما أقر الا بقبض مائة لانه فسر مطلق اقراره موصولا بكلامه والكلام المطلق إذا اتصل به تفسير كان الحكم لذلك التفسير فكأنه قال قبضت مائة درهم منه بخلاف الاول فان هناك لم يفسر اقراره المبهم بشئ فكان المعتبر ما نص عليه وهو متناول لجميع ما كان واجبا علي الغريم قال ولا يصدق الوصي أن جميع ما عليه مائة وكذلك الوكيل في هذا بخلاف الطالب وانه لو اقر انه قبض جميع ماله على فلان فالمطلوب برئ من جميع الالف لان اقرار الطالب بقبض جميع ماله على فلان وتفسيره ذلك بالمائة كلام صحيح معتبر فانه ان كان الواجب ألفا يكون هو مبرئا عن الزيادة بهذا والابراء من صاحب الحق صحيح بخلاف الوصي والوكيل فان ابراءهما لا يكون صحيحا فلا يعتبر قولهما في اسقاط ما زاد على المائة إذا فسرا اقرارهما بالمائة موصولا (توضيح الفرق) أن الطالب صار رادا لاقرار المقر فيما زاد على المائة بقوله ان جميع مالى عليه مائة ورد الاقرار منه صحيح فاما الوصي والوكيل فرد الاقرار منهما باطل وقد ثبت باقرار الغريم وجوب جميع الالف عليه وهما أقرا بقبض المائة فبقي الغريم مطالبا بتسعمائة ولو أن الوصي باع خادما للورثة وأشهد أنه قد استوفى جميع ثمنها وهى مائة درهم وقال المشترى بل كانت مائة وخمسين فلا شئ علي المشترى لان الوصي في الاقرار بالاستيفاء هنا بمنزلة صاحب الحق
[ 130 ]
لان وجوب الثمن بعقده وفيما يجب في العقد العاقد كالمالك ولهذا صح ابراؤه عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وهو في الاستيفاء كالمالك بالاتفاق. ولو كان المالك هو الذى باع وأقر بالاستيفاء بهذه الصفة كان المشترى بريئا عن جميع الثمن وكذلك الوصي ولكن لا يصدق المشترى علي الوصي في الزام الزيادة بل القول قول الوصي في مقدار الثمن لان المشترى لا ولاية له على الوصي في الزام ذمته شيأ والوصي في المقبوض أمين فالقول في مقداره قوله مع اليمين وهذا لان المشترى بين الثمن بالاقرار بعد فراغ ذمته من الثمن وولاية بيان المقدار له حال اشتغال ذمته باليمين لا بعد الفراغ منه كالبائع وإذا أقر بقبض الثمن فقد استقل ببيان مقداره ولا يقبل قوله في حق الشفيع بخلاف ما قبل اقراره بالقبض والوكيل والمضارب في هذا بمنزلة الوصي ولو أقر الوصي أنه استوفى من المشترى مائة درهم وهى جميع الثمن وقال المشترى بل الثمن مائة وخمسون فللوصى ان يطالبه بالخمسين لانه أقر بقبض المائة فقط وقوله وهى جميع الثمن كلام لغو ولما ثبت باقرار المشترى أن الثمن مائة وخمسون كان له أن يطالبه بالفضل بخلاف الاول فقد أقر هناك بقبض جميع الثمن أولا وذلك كلام معتبر منه فليس له أن يطالب المشترى بشئ بعد ذلك قال. وكذلك لو باع صاحب المال مال نفسه وفي هذا بعض اشكال ففى قوله وهى جميع الثمن معنى الحط لما زاد علي المائة فينبغي أن يكون له أن يطالبه بالفضل ولكن يقول الحط والابراء تصرف في الواجب بالاسقاط وان كان أصل الوجوب لا يكون تصرفا في الواجب كانكار الزوج لاصل النكاح لا يكون تصرفا في النكاح بالطلاق وقد ثبت باقرار المشترى أن الثمن مائة وخمسون وكان له أن يطالبه بالفضل ولو أقر الوصي انه قد استوفى جميع ما للميت على فلان وهو مائة درهم فقامت البينة أنه كان له مائتا درهم فان الغريم يؤخذ بالمائة الفاضلة ولا يصدق الوصي على ابطالها لان وجوب المال هنا لم يكن بعقد الوصي فلا قول له الا فيما يرجع إلى الاستيفاء وقد اقر بأن المستوفى مائة درهم موصولا بكلامه وقد ثبت بالبينة أن المال مائتا درهم وكان الغريم مطلبا بالباقي بخلاف ما سبق فان وجوب المال هناك بعقد الوصي فكان قول الوصي قولا مطلقا فيما يرجع إلى براءة المشترى فإذا أقر بقبض الجميع أولا صح اقراره في براءة المشترى ولو أقر الوصي أنه قد استوفى جميع ما للميت عند فلان من وديعة أو مضاربة أو شركة أو بضاعة أو عارية ثم قال الوصي بعد ذلك انما قبضت مائة درهم وقال المطلوب قبض الوصي الف درهم
[ 131 ]
وقامت البينة على ذلك فالوصى ضامن لذلك كله لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو عاينا قبض الوصي الالف ثم جحد قبض ما زاد على المائة كان ضامنا فكذلك إذا ثبت بالبينة وان لم تقم البينة عليي هذا فالمطلوب غير مصدق على الوصي بل القول قول الوصي في مقدار المقبوض لانه أمين فيقبل قوله مع اليمين ولكن لا يرجع الوصي على المطلوب بشئ لانه كان أمينا فيما في يده فيقبل قوله في دفعه إلى الوصي في براءة نفسه عن الضمان بخلاف ما تقدم من الدين فانه ضامن لما في ذمته (الا ترى) انه لو لم يسبق الاقرار من الوصي باستيفاء لكان القول في الامانات قول الامين في الدفع وفي الديون في الايفاء فكذلك بعد اقرار الوصي ولكن قول الامين مقبول فيما هو عليه وذلك براءة نفسه عن الضمان لايجاب الضمان على الوصي والوكيل بالقبض في هذا كالوصي وإذا أقر الوصي أنه قبض كل دين للميت على الناس فجاء غريم للميت وقال دفعت اليك كذا وقال الوصي ما قبضت منك شيأ وما علمت أن للميت عليك شيأ فالقول قول الوصي لان اقراره بالقبض هنا باطل فان الموصي لو أقر بهذا بنفسه كان باطلا منه لانه المقر له بالقبض مجهول وجهالة المقر له متى كانت فاحشة كانت تابعة صحة الاقرار ولو قامت البينة علي أصل هذا الدين لم يلزم الوصي منه شئ لانه لم يقر بقبض شئ من رجل بعينه ومعناه ما بينا أن الاقرار بالقبض بمنزلة الاقرار بالدين للغريم فان المقبوض يصير مضمونا علي القابض للغريم ثم يصير قصاصا بما له عليه واقراره بالدين للمجهول باطل فكذلك اقراره بالقبض من المجهول وكذلك لو قال قبضت كل دين لفلان بالكوفة فهو باطل لجهالة المقر له والوكيل في هذا بمنزلة الوصي وإذا أقر الوصي أنه قد استوفى ما على مكاتب فلان المائة وهو مائة درهم والمكاتب معروف يدعى ذلك ويقول قبضت منى الف درهم وهى جميع مكاتبتي فالقول قول الوصي في المائة ويلزم المكاتب تسعمائة لان وجوب هذا الدين لم يكن بعقد الوصي وقد فسر اقراره بالمائة بكلام موصول وانما يصير مقرا بقبض المائة ويبقى المكاتب مطالبا بتسعمائة لان دعواه الايفاء غير مقبولة بغير حجة وان أقر الوصي بقبض المكاتبة منه ولم يسم شيأ عتق المكاتب لان حق الاستيفاء إلى الوصي فاقراره بالاستيفاء مطلقا يوجب براءة ذمة المكاتب كاقرار الوصي به فان قامت البينة أن أصل المكاتبة ألف درهم أو ان المكاتب أقر بذلك قبل أن يشهد الوصي بالقبض فالوصى ضامن لجميع الالف لان الاقرار بالقبض مطلقا ينصرف الي جميع
[ 132 ]
بدل الكتابة وقد ثبت بالبينة أن جميع بدل الكتابة الف درهم فكأنه أقر بقبض ذلك مفسرا ولو أقر الوصي أن المكاتبة الف درهم وقال قبض الميت منها تسعمائة في حياته وقبضت أنا مائة بعد موته وقال المكاتب بل قبض مني الالف كلها فالمكاتب حر لاقرار الوصي بقبض مبرئ في جميع بدل الكتابة فان قامت البينة للمكاتب علي اقرار الوصي انه قد استوفى جميع ما كان علي المكاتب والثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة فتكون الالف كلها على الوصي في ماله بعد أن يحلف الورثة ما يعلمون أن الميت قبض منها تسعمائة لان الوصي يدعى عليهم ما لو أقر به لزمهم فيستحلفون عليه عند انكارهم ولكن الاستحلاف على فعل الغير يكون على العلم فان قيل كيف تصح هذه الدعوى من الوصي وقد قامت البينة على اقراره باستيفاء جميع ما على المكاتب قلنا لان اقراره بهذا محتمل يجوز أن يكون هو المباشر للاستيفاء ويجوز أن يكون الميت مباشر الاستيفاء بعضه فيضيف الوصي الاستيفاء لنفسه على معنى أن فعله متمم لاستيفاء بدل الكتابة وموجب عتق المكاتب فلا يمنعه ذلك من دعواه أن الميت قد استوفى البعض والوكيل في قبض بدل الكتابة في هذا كالوصي وعلى هذا لو اقر الوصي انه استوفي ما كان على فلان من دين الميت فقال الغريم كان له علي الف درهم فدفعتها اليك وقال الوصي كان له عليك الف درهم ولكنك أعطيته خمسمائة ودفعت إلى خمسمائة بعد موته فعلى الوصي جميع الالف لاقراره بالاستيفاء ولكنه يحلف الردية على ما ادعى من قبض الميت نفسه والاشكال في هذا كالاشكال في الاول وقد ظن بعض مشايخنا رحمهم الله ان وضع المسألة في الفصلين فيما إذا انضاف فعل الاستيفاء إلى نفسه ولكنه أقر بفعل ما لم يسم فاعله فقال قد استوفى جميع ما علي فلان وهذا غلط لانه لا يلزم الوصي جميع المال لانه ليس مقبول القول فيما يخبر به من الوصول إليه إذا لم يسبق منه بخلاف ما لو أقر الوصي انه قد استوفى ما لفلان الميت على الناس من دين استوفاه من فلان ابن فلان وقامت البينة أن للميت على رجل الف درهم فقال الوصي ليست هذه مما قبضت فانها تلزم الوصي وكل من قامت عليه بينة أن للميت عليه مالا فانه يلزم الوصي ذلك لانه أقر بالقبض من رجل بعينه واقراره للمعلوم بالمجهول صحيح كما أقر به وقد أقر بقبض جميع ديون الميت من هذا الرجل وصحة القضاء من المتبرع كصحته ممن هو عليه ولو أقر بقبض جميع ما للميت عليه كان ضامنا لكل ما يثبت للميت عليه بالبينة فكذلك هذا بخلاف ما سبق فان اقراره بالقبض هنا من المجهول وذلك باطل وكذلك الوارث يكتب على الوارث
[ 133 ]
البراءة من كل ميراث ويكتب إليه عجلت نصيبك من كل شئ تركه الميت على الناس فهو جائز عليه وان لم يسمه لانه أقر بالاستيفاء من معلوم وهو الوارث الذى عجل له ذلك والاقرار بالمجهول للمعلوم صحيح ولو اقر الوصي انه قبض جميع ما في منزل فلان من متاعه وميراثه ثم قال بعد ذلك هو مائة درهم وخمسة أثواب وأقام الورثة البينة انه كان في منزل فلان يوم مات الف درهم ومائة ثوب لم يلزم الوصي أكثر مما أقر به لانه أمين في المقبوض فالقول في بيانه قوله وليس من ضرورة كون الزيادة في منزله عند الموت قبض الوصي لذلك فما لم يشهد الشهود أن الوصي قبض ذلك لا يصير ضامنا وهذا بخلاف ما تقدم من الدين لان اقراره بالقبض هنا مطلقا موجب براءة المشترى عن الكل فقول الوصي متلف لما زاد علي القدر الذى بينه مفصولا وهنا اقراره بقبض جميع ما في المنزل مطلقا لا يوجب اتلاف شئ من الاعيان وقوله في بيان ما وصل إليه مقبول لما بينا فلا يكون هو ضامنا لما زاد على ذلك لانه لم يتلفه ولم يشهد الشهود بوصوله إليه وكذلك لو اقر أنه قبض ما في ضيعة فلان من طعام وما في نخله هذا من ثمر وانه قبض زرع هذه الارض ثم قال هو كذا وادعى الوارث أكثر منه وأقام البينة انه كان في هذه الضيعة كذا وكذا لم يلزم الوصي زيادة على ما اقر بقبضه لما بينا أن مطلق الاقرار لا يوجب اتلاف شئ ولا يلزم الا ما يثبت قبضه فيه وانما يثبت قبضه فيما اقربه فلا يلزمه الزيادة على ذلك الا أن يشهد الشهود انه قبضه والله أعلم بالصواب * (باب الاقرار بالبيع والعيب فيه) * (قال رحمه الله) وإذا أقر البائع أنه باع هذا العبد من هذا وبه هذا العيب وان المشتري أبرأه منه فعليه البينة إذا جحد المشترى الابراء لان مطلق البيع يقتضى سلامة المعقود عليه ووجود العيب يثبت للمشترى حق الرد فالبائع يدعى عليه اسقاط حقه بعد ما ظهر سببه فلا يقبل قوله الا بحجة لان العيب فوات وصف من المعقود عليه والوصف يستحق باستحقاق الاصل فاصار ذلك الجزء حقا للمشتري باستحقاقه أصل المبيع والبائع يدعى بطلان استحقاقه بعد ظهور سببه وان لم يكن له بينة استحلف المشترى بالله ما أبراه ولا رضى به ولا خرج من ملكه ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول انما يستحلف بهذه الصفة إذا
[ 134 ]
ادعى البائع كله فاما إذا ادعى البائع الابراء استحلفه عليه لان اليمين حق البائع فانما تتوجه بقدر طلبه والاصح أن القاضى يستحلفه على ذلك كله صيانة لقضاء نفسه ولان البائع يدعى سقوط حقه في الرد وهذه الاسباب مسقطة لحقه في لرد فصار كانه ادعى جميع ذلك فلهذا يستحلفه مفسرا بهذا الصفة. وان ادعى المشترى انه اشتراه وبه هذا العيب وهو عيب يحدث مثله وجد البائع ذلك وأقر أنه باعه وبه عيب لم يسمه لم يلزمه بهذا الاقرار شئ لان المشترى بدعواه معينا يصير مبرئا له عما سواه والبائع ما أقر بذلك العيب بعينه وانما أقر بعيب منكر والمنكر غير المعين فإذا لم يكن اقراره ملزما بقى دعوي المشترى الرد بعيب يحدث مثله والبائع منكر لذلك والقول قوله مع يمينه ولو كان البائع اثنين فاقر أحدهما بعيب وجحد الاخر كان للمشتري أن يرده علي المقر دون الاخر لان كل واحد منهما بائع لنصفه واقرار المقر حجة عليه دون شريكه فان كان البائع واحدا وله شريك مفاوض فجحد البائع العيب وأقر به شريكه كان للمشترى أن يرده لان اقرار أحد المتفاوضين فيما يرجع إلى التجارة ملزم شريكه فكان للمشترى أن يرده وفي الحكم كاقرارهما وان كان الشريك شريك عيان لم يكن للمشترى أن يرده باقراره لان الرد بالعيب من حقوق العقد فهو كاجنبي آخر (ألا ترى) أن للمشترى أن يخاصم الشريك في هذا العيب بخلاف المفاوض إذا باع خادما من المضاربة فاقر رب المال فيها بعيب لم يكن للمشترى أن يرده على المضارب بذلك لان حقوق العقد تتعلق بالمضارب ورب المال في ذلك كسائر الاجانب (ألا ترى) انه لو نهاه المضارب عن البيع لم يعمل بنهيه ولو أراد أن يسفخ عليه عقدا لم يملكه فكذلك اقراره بما يثبت حق الفسخ للمشترى وكذلك لو كان رب المال هو الذى باع فأقر المضارب بالعيب لانه أجنبي من حقوق العقد الذى باشره رب المال وكذلك الوكيل بالبيع إذا باع وسلم ثم اقر الامر بعيب وجحده الوكيل لم يلزم الوكيل ولا الامر من ذلاك شئ لان الخصومة في العيب من حقوق العقد والوكيل فيه منزل منزلة العاقد لنفسه فكان الامر أجنبيا من حقوق العقد فلهذا لا يثبت للمشترى حق الرد باقراره ولو أقر الوكيل بالعيب وجحده الآمر كان للمشترى أن يرده على الوكيل لانه في حقوق العقد بمنزلة العاقد لنفسه فاقراره بثبوت حق الفسخ للمشترى صحيح ولكن في حقه دون الامر لان الوكالة قد انتهت بالتسليم فلا يكون قول الوكيل بعد ذلك ملزما للامر وان كان العيب يحدث مثله فان أقام الوكيل البينة على أنه كان عند الامر
[ 135 ]
رده عليه لثبوت العيب بالحجة في يده وان لم يكن له بينة استحلف الامر على دعواه فان نكل رده عليه وان حلف فهو لازم للوكيل وفي شريكي العيان لو أقر البائع منهما بالعيب وجحد شريكه رده عليه ولزمهما جميعا لان الوكالة التى بينهما ما انتهت لتسليم المبيع ولكنها قائمة بقيام عقد الشركة وكان تصرف البائع منهما نافذا في حق شريكه (ألا ترى) انه لو أقال المشتري أو اشتراه منه ابتداء يلزم شريكه فكذلك إذا رده عليه باقراره بخلاف الوكيل على ما سبق وكذلك المضارب إذا أقر بالعيب لزمه ولزم رب المال لان النيابة في التصرف باقية ببقاء المضاربة ولو اقاله العبد أو اشتراه لزم رب المال فكذلك إذا رده وان كانا شريكين في سلعة خاصة فالبائع منهما بامر صاحبه وكيل في بيع نصيبه وقد انتهت وكالته بالتسليم فاقراره بعد ذلك يلزمه دون شريكه فلو باعها من آخر فطعن فيها المشترى الاخر بعيب وأقر به البائع الثاني فان قبلها بغير قضاء القاضى لم يكن له أن يردها على البائع الاول سواء كان عيبا يحدث مثله أولا يحدث مثله وهو الصحيح المشهور في عامة الروايات لان القبول بغير قضاء القاضى بمنزلة الاقالة وهو فسخ بين المتعاقدين وبيع جديد في حق غيرهما فصار في حق البائع الاول كان البائع الثاني اشتراه ابتداء وفي كتاب البيوع أشار إلى الفرق بين العيب الذى يحدث مثله أولا يحدث فقال في العيب الذى لا يحدث مثله سواء قبله بقضاء أو بغير قضاء رده على بائعه لتيقنه بوجوب العيب عند البائع الاول ولانه فعل بدون القاضى غير ما يأمر به القاضى لو رفع الامر إليه ولم يشتغل بالخصومة لانه لم ير فيها فائدة والاصح هو الاول وان قبلها بقضاء فان كان العيب لا يحدث مثله فله أن يردها على بائعها سواء رد عليه باقراره أو بنكوله أو ببينة قامت لان الرد بقضاء القاضي فسخ من الاصل وقد تيقنا بوجود العيب عند البائع الاول فيردها عليه وان كان عيبا يحدث مثله فله أن يخاصم بائعه ويثبت بالحجة وجود العيب عنده ليردها عليه ان كان رد عليه باقراره وكذلك ان رد عليه بنكوله لان النكول لا يكون أقوى من الاقرار وهذا إذا لم يكن منه جحود للعيب نصا فان كان قال بعتها وليس هذا العيب بها فاستحلفه فأبى أن يحلف فردها عليه فأراد خصومة البائع الاول فيها واحتج البائع الاول عليه بقوله لم يكن هذا العيب بها فانه لا يستطيع ردها على البائع الاول لان من ضرورة جحوده كون العيب عند الاقرار بانه لم يكن عند البائع الاول واقراره حجة عليه للبائع الاول وهذا الجحود مطلق له اليمين فإذا امتنع من ذلك صار كالباذل
[ 136 ]
لفسخ المشترى منه فلا يكون له أن يخاصم بائعه كما لو قبله بغير قضاء قاض. وإذا باع دارا ثم أقر انه باعها وفيها هذا العيب لصدع في حائط يخاف منه أو كسر في جذع أو في باب رده عليه بذلك لان هذا العيب يمكن بقضاء باقى المالية وقد يقلل رغائب الناس فيه وقد ثبت كونه عنده باقراره وكذلك لو باع أرضا فيها نخيل فأقر بعيب ببعض الثمر في نخلة أو شجرة والحاصل أن المبيع كله في حكم شئ واحد فوجود العيب في جزء منه كوجوده في جميعه وكذلك الثياب والعروض والحيوان يقر البائع فيه بعيب ينقص الثمن لان ما ينقص الثمن يعده التجار عيبا ويقلل رغائبهم في السلعة فيثبت حق الرد به ولو قال بعتك هذا الثوب وبه حرق فجاء المشترى بحرق آخر فقال بعتنيه وهذا به وقال البائع ليس هذا الذى أقررت لك به وهذا حدث عندك ولم يكن بالثوب حرق غيره ولم يصدق البائع على ما قال لان الظاهر يكذبه لان الحرق الموجود في الثوب لا ينعدم بحيث لا يبقى له اثر لانه ما أن يخاط أو يرفأ وأثرهما يكون ظاهرا فان لم ير في الثوب حرق ظاهر أولا أثر لحرق سوى ما عينه المشترى عرفنا أن ما أقر به البائع هو الذي عينه المشترى فله أن يرده بذلك ولو قال كان هذا الحرق صغيرا وزاد فيه فالقول قول البائع لانه أقر باصل الحرق لا بمقداره فالقدر الذى ادعى المشترى لم يسق من البائع اقرار به فكان القول فيه قول البائع لانكاره والحرق في ذلك قياس الخرق ولو كان فيه حرق غير ذلك فقال بعتك هذا الثوب وهذا به ولم يكن الآخر به فالقول قوله مع يمينه لان بيانه مطابق لمطلق كلامه فانه أقر بالحرق في الثوب والذى عينه سوى ما أراد المشترى الرد به فخرج به عن عهدة اقراره يبقى دعوى المشترى للحرق الثاني والبائع منكر له فالقول قوله مع يمينه ولو قال بعته هذا العبد وبه قرحة ثم جاء المشترى يريد رده فقال البائع قد برأ العبد من تلك القرحة وهذه غيرها فالقول قوله لان القرحة تزول بحيث لا يبقى لها أثر بعد البرء فلم يكن من ضرورته اقرار البائع كون هذه القرحة التى عينها المشتري موجودة عنده وكذلك ان سمى البائع نوعا من العيوب صدق انه قد ذهب وهذا غيره ان كان ذلك مما يبرأ ويذهب ولو اقر أنه باعه اقطع اليد فجاء به المشترى وهو اقطع اليدين لم يكن له ان يرده ولكن يرجع بنقصان العيب في يد واحدة لان اقرار البائع لم يتناول الاقطع يد واحدة فقطع اليد الثانية عيب حادث عند المشترى فيمنعه من الرد ويرجع بنقصان العيب بعد ما يحلف البائع بالله ما باعه وهو كذلك وان كان للعبد أصبع زائدة فللمشترى أن يرده به ان أقر البائع أو
[ 137 ]
أنكر لان هذا لا يحدث مثله عادة فقد تيقنا بوجودها عند البائع فيرده المشترى الا أن يثبت البائع سببا مانعا من الرد وقد تستوى هذه المواضع في الخصومة في العيب بين حضرة العبد وغيبته إذا كان البائع مقرا بوجود العيب به في الحال (ألا ترى) أن الخصومة في موت العبد مسموعة وإذا أقر الرجل انه باع عبده هذا من فلان وقبض الثمن منه ولم يسمه فهو جائز لان حكم البيع في الثمن ينتهى بقبضه فترك التسمية فيه لا يمنع صحة الاقرار لان التسمية انما يحتاج إليها فيما تتوجه المطالبة به ويحتاج إلى قبضه وذلك معدوم في الثمن المقبوض ولو سمى وأقر أنه قبضه كان هذا أجوز من الاول لانه أقرب إلى قطع المنازعة والخصومة فقد تقع الحاجة إلى معرفة مقدار الثمن عند استحقاق المبيع أورده بالعيب فإذا كان مسمى لا تمكن فيه المنازعة ولو سمى ثمنا وقال لم أقبضه وقال المشترى قد قبضه فالقول قول البائع مع يمينه والبينة على المشترى لان الثمن دين لازم للبائع في ذمة المشترى فإذا ادعى بقاءه كان عليه اثباته بالبينة فان لم يجدها فالقول قول البائع مع يمينه لانكاره فان اقراره بالبيع لا يتضمن الاقرار بقبض الثمن كما أن اقرار المشترى بالشراء لا يتضمن الاقرار بقبض السلعة وليس له أن يأخذ العبد حتى ينقذ الثمن لان مطلق البيع عن حال يثبت حق الحبس للبائع ما دام المبيع في يده فان كان المشترى قد قبضه فعليه أن ينقد الثمن وليس للبائع أن يسترد العبد لان ثبوت حقه في الحبس سقط بتسليمة إلى المشترى وقد سلمه وهذا لان مطلق فعل المشترى محمول على ما يحل شرعا ما لم يظهر خلاف الذى لا يحل شرعا كالقبض بغير اذن البائع ولان خروج المبيع من يد البائع مبطل حقه في الحبس الا أن يثبت انه كان يعتبر رضاه ولو أقر أنه باعه منى أو قبضه منى ثم استحق العبد أو رده المشترى بعيب كان القول قول البائع في الثمن لانه دين للمشترى في ذمة البائع فالقول في بيان مقداره قال المديون ولا يصدق صاحب الدين علي دعوى الزيادة الا بحجة ولو أقر انه باعه منه بالف درهم فقال المشترى اشتريته بخمسمائة وقد خرج نصف العبد من ملك المشترى فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله القول قول المشترى في الثمن وهذا بخلاف ما قال في البيوع إذا تعيب المبيع في يد المشترى ثم اختلفا في الثمن لم يتحالفا الا أن يشاء البايع أن يسترد العبد ولا يأخذ للعيب شيأ لان هناك لم يسلم للمشتري شئ فيصح رضا البائع بسقوط حقه في حصة العيب فيتحالفان عند ذلك وهنا ما أخرجه المشترى من
[ 138 ]
قول المشترى سواء رضى البائع باسترداد ما بقى أو لم يرض وعلى قول أبى يوسف رحمه الله القول في الثمن قول المشترى مع يمينه الا أن يمينه الا أن يرضى البائع أن يأخذ ما بقى منه ويتبع المشترى بحصة ما خرج من ملكه على قول المشترى فحينئذ يجرى التحالف لان من أصل أبى يوسف رحمه الله أن تعذر جريان التحالف في بعض المعقود عليه لا يمنع التحالف فيما بقى كما في العبدين إذا هلك أحدهما ثم اختلفا في الثمن يتحالفان في القائم الا أن هناك هلاك أحدهما لا يوجب عيبا في الاخر فلم يشترط فيه رضا البائع وهنا خروج بعض العين عن ملكه يوجب العيب فيما بقي فلهذا شرط رضا البائع بالفسخ فيما بقى منه لجريان التحالف بينهما وكذل في العبدين قال أبو حنيفة رحمه الله إذا رضي بأن لا يأخذ من ثمن الهالك شيأ تحالفا في القائم لان هناك لم يسلم للمشترى شئ فرضاه بذلك مسقط لحقه في تضمين الهالك للمشترى بمنزلة ما لو قبضه باذنه بغير عقد فاما على قول محمد رحمه الله فيحالفان ويترادان قيمة العبد الا أن يشاء البائع أن يأخذ ما بقى من العبد وقيمة ما استهلك المشترى لان خروج جميع العبد من ملكه لا يمنع جريان التحالف عند محمد رحمه الله فكذلك خروج بعضه وما بقى يتعيب لخروج البعض عن ملكه فثبت للبائع الخيار وان شاء رضي بعيبه فاسترده مع قيمة ما استهلك منه المشترى وان شاء لم يرض واسترد جميع قيمة العبد منه وإذا أقر أنه باع هذا العبد من فلان بالف درهم فقال ما اشتريته منك بشئ ثم قال بلى قد ابتعته منك بألف درهم وقال البائع ما بعتكه فالقول قوله المشترى وله أن يأخذه بالثمن لان البيع لم يبطل بمجرد انكاره الشراء (ألا ترى) أن البائع لو أقام البينة فقضى القاضى بالشراء فانما وجد التصديق من المشترى في حال قيام البيع بينهما ولا معتبر بجحود البائع بعد ذلك والدليل عليه أن بعد جحود المشترى لو استحلفه البائع فابى أن يحلف ثبت البيع بينهما حتى يقضى به القاضى فإذا أقر به المشترى أولى أن يثبت البيع ولو كان حين جحد المشترى الشراء قال البائع صدقت لم تشتره ثم قال المشترى بعد ذلك قد اشتريته لم يلزمه البيع ولم يقبل منه بينة على ذلك لان البائع حين صدقه في انكار الشراء انتقض البيع بينهما بتصادقها فانهما يملكان فسخ العقد فتجاحدهما له يكون فسخا (ألا ترى) أن البائع لا يتمكن من اثبات البيع بالبينة بعد ذلك ولا يكون له أن يحلف المشترى فكذلك لم تصح دعوى المشترى البيع بعد ذلك ولم يقبل منه بينة على ذلك للتناقض في كلامه الا أن يصدقه البائع على ما يدعى من الشراء بعد ذلك فحينئذ تصادقهما على الشراء بمنزلة البيع المستقبل كما
[ 139 ]
كان تجاحدهما بمنزلة الفسخ إذا التجاحد لم يكن فسخا في الحقيقة وانما جعل ذلك بمنزلة الفسخ في الحقيقة فإذا تصادقا على أن البيع كان منعقدا بينهما حقيقة ظهر البيع بهذا التصادق ولو أنه باع هذا العبد من فلان ولم يسم ثمنا فقال فلان اشتريته منك بخمسمائة وجحد البائع أن يكون باعه بشئ فالقول قوله البائع مع يمينه لان اقرار البائع بالبيع من غير تسمية الثمن ليس بشئ كايجابه البيع من غير تسمية الثمن وهذا لان الاقرار ما يمكن العمل والالتزام بحكمه ولا يمكننا أن نلزمه بيعا بثمن مسمى بهذا الاقرار لانه لا يقر بذلك ولا يكون البيع الا بثمن مسمى فلهذا كان اقراره باطلا بقى دعوى المشتري بالبيع بخمسمائة والبائع منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه وكذلك لو أقر المشترى بالشراء من غير تسمية الثمن وادعى البائع بيعه منه بثمن مسمى فهذا والاول سواء واقرار المشترى غير ملزم اياه شيأ لما بينا وهذا بخلاف ما سبق من الاقرار بالبيع والقبض فانه صحيح بدون تسمية الثمن لان العمل بموجب ذلك الاقرار ممكن فان موجبه الزام تسليم المبيع لانتهاء حكم العقد في الثمن بالقبض فلهذا كان الاقرار صحيحا ولو أقر انه باعه من فلان ثم قال لا بل من فلان فهذا كله باطل لتعذر الزام شئ بحكمه ويحلف لكل واحد منهما ادعى شراء بثمن مسمى بمنزلة ما لو لم يسبق ذلك الاقرار من البائع ولو ادعى انه اشترى هذا من هذا الرجل فجحده البائع فادعى المدعى أن العبد كان له في الاصل وأقام البينة علي ذلك لم تقبل بينته لان دعواه الشراء منه اقرار بان أصل الملك كان له فان الاستيام في احدى الروايتين اقرار بالملك للبائع فالشراء أولى وعلى الروايتين جميعا هو أقر بأنه لاحق له فيه فكان في دعواه الملك ثمن الاصل بعد هذا مناقضا والمناقض لا قول له ولا تقبل بينته ولو أقر انه باع عبده من فلان ولم يسم العبد ثم جحد فهذا الاقرار باطل لتعذر الالزام بحكمه فان الاقرار بالبيع في عبد يعبر عنه كايجاب البيع في عبد يعبر عنه وكذلك ان أقر أنه باع عبده من فلان غير أن الشهود لا يعرفونه بعينه ومراده من هذا أنهم شهدوا على اقراره ببيع عبد وقالوا لا نعرفه بعينه لو اشهدهم على اقراره بذلك وهم لا يعرفون العبد بعينه فهذا كله باطل لتعذر الالزام بحكمه وهو علي هذا لو كان الاقرار في دار أو ثوب أو دابة فان حدد الارض والدار وسمى الثمن فهو جائز لان التحديد فيما يتعذر احضاره بمنزلة الاشارة إلى العين فيما يتيسر احضاره بدليل سماع الدعوى والشهادة باعتباره وكان هذا اقرارا ملزما فان جحد البائع بعد ذلك فشهد الشهود باقراره ولا يعرف الشهود الحدود قبلت هذه الشهادة بعد
[ 140 ]
ان يقيم البينة على معرفة الحدود لان عند قيام البينة على ذلك كان اقراره ملزما فكان العمل بها متمكنا فالبينة عليه تكون مسموعة وكذلك لو كان المشترى أقر بالشراء ثم جحد وادعى البائع ذلك فهذا والاول سواء لما بينا ويجوز اقرار شريك العنان على شريكه في بيع شئ بينه وبين شريكه وفي شراء شئ قائم بعينه في يد البائع لانه أقر بملك أنشأه فان كل واحد منهما يملك انشاء البيع والشراء في حق شريكه ما دامت الشركة بينهما قائمة فتنتفى التهمة عن اقراره بذلك فلهذا صح اقراره وله على شريكه ثمن حصته وكما لو أنشأ الشراء أو ما أقر به من شراء شئ مستهلك يكون دينا يلزمه دون شريكه الا أن يقر به شريكه فان أقر به فالثابت بتصادقهما كالثابت بالمعاينة وان جحدا وكل واحد منهما في حق صاحبه وكيل بالشراء والوكيل لا يقبل اقراره بالشراء إذا كان المبيع مستهلكا في الزام الثمن في ذمة الموكل فكذلك الشريك لا يقبل اقراره في الزام الدين في ذمة شريكه لانه بعقد الشركة يتسلط على التصرف في المال المشترك ولا يتسلط على ذمة شريكه في الزام الدين فيها وهذا الاقرار يوجب الدين في ذمة شريكه من غير ملك يظهر له بمقابلته في العين فلا يقبل قوله فيه بخلاف ما إذا كان المبيع قائما بعينه وأما المضارب فإذا أقر بالمضاربة ببيع أو بشراء فهو مصدق في ذلك فيها أو في الدين اعتبارا للاقرار بالانشاء ولو أنشأ الشراء صح منه وكان الثمن دينا على رب المال حتى إذا هلك مال المضاربة في يده قبل أن ينفذه رجع عليه فكذلك اقراره بالشراء يكون صحيحا مطلقا لانتفاء التهمة ولو وكل رجل رجلا يبيع عبد له وأقر الوكيل انه قد باعه من فلان بالف درهم وصدقه وجحد الوكيل فالعبد لفلان بالف درهم لان ملك الامر باق بعد الوكالة وهو مالك لانشاء البيع فيه فيصح اقراره بذلك سواء أضافه إلى نفسه أو إلى وكيله غير أن الآمر مع المشترى لا يصدقان في الزام العهدة علي الوكيل ومتى تعذر ايجاب العهدة عليه يتعلق باقرب الناس إليه وهو الموكل كما لو كان الوكيل بالبيع صبيا محجورا ولو أمر رجل رجلا بشراء عبد بعينه له فأقر الوكيل انه اشتراه بألف درهم وصدقه البائع وجحده الآمر فالقول قول الوكيل لانه أقر بما يملك انشاءه ولو أقر بشراء عبد بغير عينه وسمي جنسه وصفته وثمنه فأقر الوكيل انه قد اشترى هذا العبد للآمر بالثمن الذى سماه له وجحد الآمر فان كان الثمن مدفوعا إلى الوكيل فالقول قوله لانه أمين فيما دفع إليه من الثمن وقد أخبر باداء الامانة فيه ومباشرة ما كان مسلطا على مباشرته فيكون مصدقا فيه وان لم يكن الثمن مدفوعا
[ 141 ]
إليه لم يصدق في قول أبى حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله إذا كان العبد قائما بعينه وكان مثله يشترى بذلك الثمن فالقول قول الوكيل وكلامهما ظاهر لان الوكيل أقر بما به يملك انشاءه فيقبل اقراره فيه كما لو كان العبد معيبا ولكن أبو حنيفة رحمه الله يقول تتمكن التهمة في اقراره هذا من وجهين أحدهما أنه ربما اشترى هذا العبد لنفسه فظهر أنه مغبون فيه فأراد أن يلزمه الآمر وهذا لا يوجد في العبد المعين لانه لا يملك شراءه لنفسه بالثمن المسمى له والثانى أنه ربما كان هذا العبد في الاصل مملوكا له وهو يريد أن يلزمه الآمر بهذا الاقرار ولو باشر شراءه من نفسه للآمر لم يصح فتتمكن التهمة في اخراج كلامه مخرج الاقرار فلهذا لم يصح اقراره وانما تعتبر هذه التهمة إذا قصد الزام الثمن ذمته لانه لا ولاية له على ذمته في الزامه مطلقا بخلاف ما إذا كان الثمن مدفوعا إليه لانه لا يلزم ذمة الآمر شيأ بل يجبر باداء الامانة فيما يجهل اضافته وإذا كان الآمر قد مات ثم أقر الوكيل بشراء هذا العبد فان كان الثمن في يده بعينه أو في يد البائع أو كان الآمر لم يدفع الثمن إليه لم يصدق الوكيل علي الآمر أما إذا لم يكن الثمن مدفوعا إليه فظاهر وكذلك ان كان الثمن مدفوعا إليه لان الوكالة قد بطلت بموت الآمر وصار ما في يده من الثمن ملكا للورثة فهو بهذا الاقرار يريد ابطال ملكهم في الثمن فلا يقبل قوله في ذلك بخلاف حال حياة الآمر لان الوكالة قائمة وهو يملك اخراج الثمن من ملكه بانشاء الشراء فكذلك الاقرار وإذا لم يقبل اقراره هنا يكون مشتريا لنفسه ويلزمه الثمن الا أن يحلف الورثة على عملهم لانهم لو أقروا بما ادعاه لزمهم والاستحلاف على فعل الغير يكون على العلم وان كان قد استهلك البائع الثمن فالقول قول الوكيل ويلزم البيع الميت لانه بهذا الاقرار لا يخرج شيأ من ملك الورثة ولكنه ينكر وجوب الضمان عليه فما كان أمينا فيه فالقول قوله في ذلك وهذا مستحسن قد بيناه فيما أمليناه من شرح الجامع وإذا دفع رجل إلى رجل عبدا وأمره ببيعه ثم مات الامر فاقر الوكيل انه باعه بألف درهم وقبضه فان كان العبد قائما لم يصدق الوكيل لان الوكالة بطلت بموت الآمر والعبد صار مملوكا للوارث فاقراره بما يبطل فيه ملك الوارث باطل وان كان مستهلكا صدق لانه لا يبطل اقراره ملكا للوارث وانما ينكر وجوب الضمان عليه فيما كان أمينا فيه ولو كان العبد لرجل أجنبي وقد استهلك المشترى العبد فقال رب العبد للبائع أنا أمرتك بالبيع فلى الثمن وقال الوكيل لم تأمرني فالقول قول رب العبد وله الثمن لان الثمن
[ 142 ]
يملك بملك الاصل والاصل كان مملوكا لرب العبد فالثمن يكون له والوكيل بجحوده الآمر مناقض من وجه لان اقدامه على البيع كالاقرار منه بصحته وصحته باذن صاحب العبد ومن وجه آخر هو لا يدعى لنفسه شيأ بهذا الجحود لانه ان لم يكن مأذونا فلرب العبد أن يضمن المشترى القيمة وى رجع المشترى بالثمن على البائع فيأخذ رب العبد منه هذا الثمن بحساب القيمة فان لم يكن الوكيل مدعيا لنفسه شيأ لم يقبل قوله وكذلك ان كان العبد قائما وهذا أظهر لان رب العبد يملك اجازة البيع فيه فلا تتمكن التهمة في اقراره بالاذن ولو لم يأمره بذلك ولكنه أجاز البيع فان كان العبد قائما بعينه جاز وان كان مستهلكا لم يجز لان الاجازة في نفوذ العقد وثبوت حكمه بمنزلة الانشاء فانما تصح الاجازة في محل يصح انشاء الله البيع فيه وان كان لا يعرف انه حي أو مستهلك فالبيع جائز حتى يعرف انه ميت لانه عرف حياته وما عرف ثبوته فالاصل بقاؤه ويجب التمسك به حتى يعلم خلافه وان كان قطع يده ثم أجاز البيع فالارش للمشترى لانه بمنزلة الزيادة المنفصلة والمشتري عند الاجازة يستحق المبيع بالزيادة المنفصلة وهذا لان البيع الموقوف سبب ملك تام فانما يوجد قطع اليد وللمشترى فيه سبب ملك تام فإذا تم له الملك بذلك السبب ملك الارش وان لم يجز البيع فالارش لرب العبد لان اليد المقطوعة على ملكه المتقرر فبدله يكون له وان أقر رب العبد انه أجاز البيع بعد ما وقع البيع بيوم وقال المشترى لم يجز والعبد قائم فالقول قول رب العبد لانه يملك انشاء الاجازة في الحال ولا يمين عليه لانه غير متهم في اخراج الكلام مخرج الاقرار ولو كان العبد ميتا فالقول قول المشترى لان رب العبد لا يملك الاجازة في الحال فلا يقبل قوله في الاقرار به وعلى المشترى اليمين على علمه لانه لو أقر رب العبد بما ادعاه لزمه فإذا كان العبد قبله رجل فوجب عليه قيمته فهو بمنزلة الميت لان ابتداء الاجازة فيه لا يصح كما لا يصح انشاء العقد فهو والميت في حكم الاجازء سواء والله أعلم * (باب الاقرار بالنكاح والطلاق) * (قال رحمه الله) رجل أقر أنه تزوج فلانة بالف درهم في صحة أو مرض ثم جحده وصدقته في حياته أو بعد موته فهو جائز لان النكاح ظهر في حقه باقراره ثم لا يبطل بجحوده رجوعه فالرجوع عن الاقرار باطل فإذا اتصل به تصديق المقر له استند التصديق
[ 143 ]
إلى وقت الاقرار وكان كالموجود يومئذ فيثبت النكاح ولها الميراث والمهر الا أن يكون فيه فضل علي مهر مثلها فيبطل الفضل إذا كان في المرض لانها وارثة وهو متهم في الاقرار للوارث وما زاد علي مهر المثل لو ثبت انما يثبت باقراره فاما مقدار مهر المثل فيثبت حكمه لصحة النكاح فلا تتمكن التهمة في اقراره به ولو أقرت المراة في صحة أو مرض انها تزوجت فلانا بكذا ثم جحدته فان صدقها الزوج في حياتها يثبت النكاح لما بينا أن جحودها بعد الاقرار باطل وان صدقها بعد موتها لم يثبت النكاح في قول أبى حنيفة رحمه الله ولا ميراث للزوج منها وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يثبت النكاح اعتبارا لجانبها بجانبه بعلة أن النكاح ينتهى بالموت فانه يعقد للعمر فمضى المدة بنهيه ولهذا يستحق المهر والميراث وان لم يوجد الدخول والمنتهى متقرر في نفسه فيصح التصديق فغى حال تقرر المقرر به كما يصح قبل تقرره وأبو حنيفة رحمه الله فرق بينهما وأشار إلى الفرق في الكتاب فقال لان الفراش له عليها لا لها وتقرير هذا من اوجه أحدها أن العدة تبقى بعد موته عليها والعدة من حقوق النكاح عليها فبقاؤها كبقاء النكاح في صحة التصديق وبعد موتها لا عدة في جانب الزوج فقد فات المقر به لا إلى أثر فلا يعمل التصديق بعد ذلك والثانى أن الزوج مالك لحكم النكاح والمرأة محل الملك وبعد فوات المحل لا يتصور بقاء الملك حكما فيبقى الملك ببقاء المحل فيعمل بتصديقها ولهذا حل لها أن تغسله بعد موته ولم يكن له أن يغسلها بعد موتها والثالث أن الفراش لما كان له عليها فالزوج في التصديق بعد موتها مدع لنفسه لا ان يكون مقرا لها بشئ لان حقها كان في ملك الحل وقد انقطع بموتها بالكلية فاما بعد موت الزوج فالتصديق من المرأة اقرار له على نفسها بالفراش فيصح التصديق بهذا الطريق ثم يبتني عليه حكم الميراث والمهر وكذلك لو لم تكن المرأة جحدت بعد اقرارها حتى ماتت فهو علي هذا الخلاف كما بينا وان أقرت المرأة أنها تزوجت هذا الرجل وهى امة وقد كانت أمة ثم عتقت وقال الزوج قد تزوجتها بعد العتق أو قبله فهو سواء والنكاح جائز لانهما تصادقا على نفوذ النكاح ان كان بعد العتق فظاهر وان كان قبل العتق فقد كان يوقف علي سقوط حق المولى أو سقط حقه بالعتق ثم الاصل بعد هذا فيما ذكر من المسائل أن أحد الزوجين متى أضاف الاقرار بالنكاح إلى حال ينافى اصل العقد لانعدام الاهلية يكون القول قوله الا أن يثبت الآخر ما يدعيه بالبينة وذلك مثل ان يقول تزوجتك قبل ان أخلق أو قبل أن اولد أو قال
[ 144 ]
تزوجتك وأنا صبي فان الصبا يمنع الاهلية للعقد بدون اذن الولي أو يقول تزوجتك وأنا نائم فان النوم حال معهودة في الانسان تنافى أصل العقد وان قال تزوجتك وأنا مجنون فان علم جنونه قبل ذلك فالقول قوله لانه أضاف العقد إلى حال معهودة تنافى أهلية العقد فكان منكرا معنى وان كان لا يعرف جنونه فالنكاح لازم له لانه أضافه الي حال غير معهودة فيه ولا تثبت هذه الحال بخبره فاما إذا أضاف احدهما النكاح إلى حال لا تنافى أصل النكاح كانعدام الاهلية ولكن يمنع ثبوت الحل وانعقاد العقد لانعدام شرطه لا يصدق في الاضافة ويجعل القول قول صاحبه لان شرط الشئ تابع له فاقراره باصل العقد اقرار بشرائطه فهو بعد ذلك في هذه الاضافة راجع عن الاقرار بباطل وبيانه أنه لو ادعى أحدهما ان النكاح كان بغير شهود أو في حال ادعى تمجس المرأة قبل أن تسلم أو في عدة الغير أو تزوجها واختها تحته أو تزوجها وتحته أربع نسوة فانه لا يصدق في هذه الاضافة لان امتناع ثبوت النكاح في هذه الاحوال لمعنى في المحل والمحل في حكم المشروط واقراره بالعقد اقراره بشرطه الا أن المرأة ان كانت هي التى ادعت هذه الموانع فالنكاح جائز لازم لها وان كان الزوج هو الذي ادعى ذلك يفرق بينهما لانه أقر بحرمتها عليه وذلك بمنزلة تطليقه اياها وان كان قبل الدخول بها فلها نصف المسمى وان كان بعد الدخول بها فلها جميع المسمى ونفقة العدة وكذلك لو أقر انه كان طلقها ثلاثا ثم تزوجها قبل أن تنكح زوجا غيره وقالت هي ما طلقتني أو تزوجت غيرك ودخل بى فانه يفرق بينهما لاقراره بذلك وعليه نمصف المهر لها قبل الدخول وجميع المهر ونفقة العلة الدخول لما بينا ولو أقر انه تزوجها أمس وقال ان شاء الله موصولا وقالت هي ما استثنى لم يلزمه النكاح وكذلك لو أقرت هي بالنكاح وادعت الاستثناء وادعى هو النكاح لان الاستثناء إذا اتصل بالكلام فهو بمنزلة الشرط مانع كون الكلام ايجابا فكان هو بهذا اللفظ منكرا لاصل العقد لا مقرا به فيجعل القول في ذلك قوله والذى بينا في النكاح مثله في الطلاق في دعوى الاستثناء وفي الاضافة إلى حال منافية لاصل الطلاق كحال النوم والصبا والجنون إذا كان يعرف ذلك انه اصابة للمعنى الذى بينا ولو قال رجل لامرأة ألم أتزوجك أمس أو أليس تزوجتك أمس أو أما تزوجتك أمس فقالت بلى وجحد الزوج فهذا اقرار بالنكاح منهما لما بينا فيما سبق ان جواب الاستفهام بنفي يكون حرف بلى وما تقدم من الخطاب يصير معادا في الجواب وعلى هذا الطلاق إذا قال ما طلقتك أمس أو ليس قد طلقتك أمس
[ 145 ]
فقالت نعم أو بلي فهذا اقرار بالطلاق وكذلك ان قالت المرأة ذلك وقال الزوج بلى فهو اقرار لما بينا ولو قال لها قد تزوجتك أمس فقالت لا ثم قالت بلي وقال هو لا لزمه النكاح لان اقراره لم يبطل بتكذيبها فان النكاح عقد لازم لا يبطل بجحود أحد الزوجين فصح تصديقها بعد التكذيب ويثبت النكاح بينهما ثم ان أنكر الزوج النكاح بعد ثبوته بتصادقهما فلا معتبر بانكاره وإذا أقر انه طلقها منذ ثلاثة اشهر فان كان تزوجها منذ شهر لم يقع عليها شئ لانه أضاف الطلاق إلى وقت قبل النكاح ولا طلاق قبل النكاح وان كان تزوجها منذ أربعة أشهر وقع الطلاق عليها لكونه مالكا للانتفاع في الوقت الذى أسند الطلاق إليه الا أنها ان صدقته في الاسناد فعدتها من حين وقع الطلاق وان كذبته في الاسناد فعدتها من وقت اقرار الزوج به لان في العدة حقها من حيث انها تستوجب النفقة والسكنى فلا يقبل قوله في الاسناد إذا لم تصدقه في ذلك لما فيه من ابطال حقها ولو قال فلانة طالق وذلك اسم امرأته أو قال عنيت غيرها لم يصدق في الحكم لان كلامه ايقاع شرعى ولانه له الايقاع على زوجته دون غيرها فإذا قال عنيت غيرها كان الظاهر مكذبا له في مقالته فلا يصدق في الحكم وكذلك لو قال ابنة فلان طالق واسم أبيها ما قال طلقت ولم يصدق في قوله لم أعن امرأتي وكذلك لو نسبها إلى أمها أو إلى ولدها فإذا قال عنيت غيرها يكون الظاهر مكذبا له في مقالته وكذلك كلامه صالح للايقاع عليها فهو بما يدعى بعد ذلك يريد أن يخرج كلامه من أن يكون ايقاعا فلا يصدق علي ذلك في الحكم ولو أقر بعد الدخول أنه كان طلقها قبل أن يدخل بها وقد سمى لها مهرا فالطلاق واقع عليها لانه أضاف الطلاق إلى وقت لا ينافى الوقوع فيه فيجعل موقعا للطلاق ولها عليه مهر ونصف لانه أقر أن نصف المهر عليه بالطلاق قبل الدخول وانه وطئها بالشبهة بعد ذلك فيلزمه مهر بالوطئ ونصف مهر بالطلاق قبل الدخول والله أعلم بالصواب * (باب اقرار المحجور المملوك) * (قال رحمه الله) وإذا حجر القاضى على حر ثم أقر المحجور عليه بدين أو غصب أو بيع أو عتق أو طلاق أو نسب أو قذف وزنا فهذا كله جائز عليه في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله الاول لان الحجر على الحر بسبب السفه باطل عندهما فاقراره بعد الحجر كاقراره قبله (ألا ترى) انه لو شهد قبلت شهادته ان كان عدلا ومعنى هذا معنى
[ 146 ]
الاستشهاد وان الاقرار ملزم كالشهادة فإذا كان سبب السفه لا يؤثر في افساد عبارته ولا يخرجه من أن يكون ملزما بطريق الشهادة فكذلك بطريق الاقرار على قول أبى يوسف رحمه الله الآخر وهو قول محمد رحمه الله والحجر عليه صحيح ولا يجوز اقراره بعد ذلك بدين ولا بيع كما لا يجوز مباشرته هذه الاسباب عندهما * والحاصل ان تأثير الحجر عندهما كتأثير الهزل لان فعل السفيه لا يكون علي نهج أفعال العقلاء لمكابرته عقله كما أن فعل الهازل لا يكون على نهج أفعال العقلاء لقصده غيره فكل ما أثر فيه الهزل أثر فيه الحجر فلا يصح اقراره به وما لا يوثر فيه الهزل لا يؤثر فيه الحجر ولكن هذا يبطل بالشهادة حتى إذا علم القاضى أن الشاهد قد قصد الهزل بشهادته لا تقبل شهادته ثم الحجر لا يكون مؤثرا فيه وهذه مسألة كتاب الحجر. وإذا أقر الرجل لصبي صغير لقيط بدين مائة درهم فهو لازم له لان الصغير أهل أن يجب له الحق على غيره وتصحيح الاقرار محض منفعة له والصبا لا يوجب الحجر عن ذلك وكذلك لو قال أقرضني الصبي والصبي بحال لا يتكلم ولا يقرض فالمال لازم له لاحتمال أن يكون الولى باشر هذا السبب واضافة المقر به إلى الصبي بطريق باشره انما باشره له ولان أكثر ما في الباب ان هذا السبب لا يثبت لانه لا يتصور من الصبي ولكن المتناع ثبوت السبب لا يمنع تبوت المال باقراره كما لو كذبه لا مقر له في السبب بان قال لك على ألف درهم من قرض أقرضتنيه وقال المقر له ما أقرضتك بل غصبتها منى فالمال لازم وان لم يثبت السبب التكذيبه إياه. وعلي هذا لو قال أودعني هذا الصبي أو هذا العبد مائة درهم أو أقر بذلك لمجنون فاقراره بأصل المال صحيح والسبب باطل لما قلنا ولو اقر أنه كفيل لهذا الصبي عن فلان بألف درهم والصبي لا يعقل ولا يتكلم فهذا باطل عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وهو جائز في قول ابى يوسف الآخر رحمه الله. وأصل المسألة أن من كفل لغائب بمال ولا يقبل عن الغائب أحد فهو باطل عندهما صحيح عند أبى يوسف رحمه الله فكذلك إذا كفل لصبي عند أبى حنيفة رحمه الله العقد باطل واقراره بالعقد الباطل لا يلزمه شيأ وعلى قول أبى يوسف رحمه الله العقد صحيح والمال لازم له لاقراره به على نفسه للصبي قال كأن كان أبو الصبي أو وصيه خاطبه بهذا الكفالة فالكلفلة باطلة على معنى أنه غير لازمة بل هو موقوف فإذا أدرك الصبي ورضى بها جازت وان رجع الرجل قبل أن يدرك الصبي بطلت في قولهما لان عقد الكفالة لا يثبت الولاية للاب والوصى والكفالة وان كانت
[ 147 ]
لا توجب براءة الاصيل وهو تمليك للدين من الكفيل من وجه حتى إذا أدى رجع علي الاصيل بحكم الاداء وبين العلماء رحمهم الله اختلافا في براءة الاصيل بحكم الكفالة فكان ابن أبى ليلى رحمه الله يقول الكفالة توجب براءة الاصيل كالحوالة ولو اجتهد قاض قال بهذا القول وقضى به نفذ وفيه اضرار الصبي فلهذا لا يملك الاب والوصى ذلك بل هما فيه كسائر الاجانب إذا بلغه وصح رجوع الكفيل قبل اجازته فكذلك هنا تتوقف على اجازة الصبى إذا أدرك وصح رجوع الكفيل قبل ادراكه لان العقد لم يلزم بعد ولو أقر أنه رهن هذا اللقيط لفلان بمائة درهم واللقيط لا يتكلم جاز على الكفيل ولا يلزم الصبي شئ لان اقرار المقر على نفسه صحيح وعلي اللقيط باطل وليس من ضرورة امتناع وجوب المال علي الاصيل امتناع وجوبه على لاكفيل (ألا ترى) أنه لو اقر بالكفالة عن بالغ وجحد البالغ وجوب المال عليه فان الكفيل ضامن له وان لم يجب على الاصيل شئ وهذا لان الصبي أصل أن يجب المال عليه بحال لان له ذمة صحيحة فيجعل في حق المقر كان ما أقر به حق وان امتنع ثبوته في حق الصبي كمن قال لآخر كفلت لك عن فلان الغائب بمائة درهم التى أقرضته أمس ويعلم أن الغائب لم يقدم منذ سنة فالمال واجب على الكفيل للمعنى الذى بينا ولو كفل عن رجل لرجل حاضر بمائة درهم بغير أمره فقال المكفول عنه قد رضيت بكفالتك ثم قال الطالب قد رضيت بضمانك لى فالضمان جائز ويرجع الكفيل إذا ادعى المكفول لان رضا المكفول عنه بالكفالة حصل قبل تمام العقد فان تمامه بقبول الطالب فكان هذا بمنزلة أمره اياه بأن يكفل عنه فإذا أدى يرجع عليه فلو قال المكفول له أولا قد رضيت ثم قال المكفول عنه قد رضيت كان رضاه باطلا ولم يرجع الكفيل بالمال إذا أداه لان الكفالة تمت بقبول الطالب ولزم المال الكفيل إذا أداه لان الكفالة تمت بقبول الطالب ولزم المال الكفيل على وجه لا يرجع إذا أدى فلا يتعين ذلك برضا المكفول عنه بعد ذلك لان رضاه واجازته انما تؤثر في الموقوف لا في النافذ وهذا قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله فأما على قول أبى يوسف رحمه الله الآخر الكفالة تتم بالكفيل قبل قبول الطالب فيستوى الجواب في الفصلين ولا يعتبر رضا المكفول عنه في اثبات الرجوع للكفيل في الفصلين جميعا وقول المكفول عنه قد ثبتت كفالتك أو سلمتها أو أجزتها مثل قوله قد رضيت بها لان المعنى يجمع الفصول كلها ولو أن الكفيل بعد ما رضى المكفول عنه رجع عن الكفالة قبل رضا المكفول له بها لم
[ 148 ]
يلزمه المال في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله لما بينا أن نفوذ العقد برضا المكفول له فرجوع الكفيل قبل نفوذ العقد صحيح واقرار العبد التاجر للاجنبي بدين أو وديعة أو اجارة جائز وان كان عليه دين يحيط بقيمته وما في يده لان هذا كله من أسباب التجارة ومن جملة صنع التجارة والاذن فك الحجر عنه فيما هو من عمل التجارة ولا يخل هذا الفك بوجوب الدين عليه فاقراره بهذه الاسباب بعد وجوب الدين كاقراره قبل وان أقر لمولاه بدين عليه أو وديعة في يده وعليه دين مستغرق لم يجز اقراره لان المولى يخلفه في كسبه خلافة الوارث المورث فكما أن تعلق حق الغرماء بمال المريض يمنعه من الاقرار للوارث فكذلك تعلق حق الغرماء بكسب العبد ورقبته يمنع من الاقرار لمولاه ألا أن تعلق حق الغرماء هناك في حق المرض وهنا التعلق ثابت في صحة العبد ومرضه ولا يجوز اقرار العبد التاجر للاجنبي بجناية ليس فيها قصاص لان هذا من التجارة والاذن فك الحجر عنه في التجارات ففيما ليس بتجارة المأذون والمحجور سواء واقرار العبد على مولاه باطل وإذا أقر بقتل عمدا جاز اقراره وعليه القصاص لانه يقر به على نفسه فان المستحق بالقصاص دمه وهو في حكم الدم مبقى على أصل الحرية ولان المولى لا يملك الاقرار عليه بالقصاص وفيما لا يملكه المولى على عبده العبد بمنزلة الحر كطلاق زوجته يصح اقراره به كما يصح اقراره بايقاعه وكذلك إذا أقر على نفسه بسبب موجب للحد كالقذف والزنا وشرب الخمر وكذلك إذا أقر بسرقة مستهلكة موجبة للقطع وفي اقرار المحجور عليه بسرقة مال قائم بعينه في يده خلاف معرف في كتاب السرقة فأما اقرار المأذون به فصحيح في حق المال والقطع جميعا لانه يملك الاقرار بكل واحد منهما أما بالمال فلانفكاك الحجر وأما بالقطع فاما مبقى فيه على أصل الحرية ولا يجوز اقراره في رقبته بمهر امرأة ولا بكفالة بنفس ولا بمال ولا بعتق عبد له ولا بمكاتبته ولا بتدبيره لان هذا كله ليس من التجارة فالمأذون فيه كالمحجور. وإذا أقر بنكاح امرأة جاز اقراره غير أن المولى له أن يفرق بينهما بمنزلة ما لو أنشأ العقد فللمولى أن يفرق بينهما لان النكاح تصرف مملوك للمولى عليه وهو ليس من التجارة في شئ بخلاف اقراره بالطلاق فان ذلك غير مملوك للمولى عليه وينفرد به العبد انشاء واقرارا ولو أقر العبد التاجر انه افتض امرأة باصبعه امة كانت أو حرة لم يلزمه شئ في قول أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله ويلزمه ذلك في قول أبى يوسف رحمه الله وجه قوله ان الاقرار بالافتضاض بمنزلة الاقرار بالغصب والاستهلاك (ألا ترى)
[ 149 ]
انه لو ثبت بالبينة عليه يباع فيه ولا يدفع بمنزلة الغصب والاستهلاك بخلاف الجناية واقرار العبد المأذون بالغصب والاستهلاك صحيح يؤاخذ بضمانه في الحال وهذا لان الغاصب بالافتضاض وان لم يكن مالا فانه يسلك به مسلك الاموال حتى يملك بالعقد مقصود أو يستحق بالبيع شرطا واقراره بضمان المال صحيح وجه قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله ان هذا الاقرار بالجناية لان الفعل بالاصبع جناية محضة والمتلف به جزء من الآدمى والمأذون في الاقرار بالجناية كالمحجور فكما ان المحجور لو أقر بهذا لم يصح اقراره لانه مقر على مولاه فكذلك إذا أقر به فاما قول انه يباع فيه فقد قيل انه قول أبى يوسف رحمه الله خاصة وبعد التسليم يقول من حيث انه هذا الجزء يستحق بالعقد هو بمنزلة المال ومن حيث انه جزء من الآدمى هو ملحق بما ليس بمال وما تردد بين أصلين يوفر عليه حظه منهما فلشبهة المال قلنا إذا ثبت بالبينة سببه يباع العبد فيه ولشبهه بمال ليس بمال لا يثبت على العبد باقراره وهذا لان الدفع انما يصير مستحقا بفعل هو خطأ إذا كان استحقاق القصاص بعمده ولا يستحق القصاص بعمد هذا الفعل بحال فكذلك لا يستحق دفع العبد به وإذا تعذر ذلك تعين جهة البيع فيه ولكن إذا ثبت السبب ثبت بما هو حجة في حق المولى ولو أقر العبد بتزويج أمته وانه قد أقبضها لم يلزم مهر لواحد منهما في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله حتى يعتق لان النكاح ليس المأذون والمحجور فيه في الاقرار سواء وقال أبو يوسف رحمه الله في الحرة كذلك الجواب أطلقه في رواية أبى سليمان رحمه الله وفي رواية أبى حفص رحمه الله قال إذا كانت كبيرة لان وجوب المهر بالعقد لها وهذا العقد ليس من التجارة فهى قد رضيت بتأخيره حين طاوعت العبد فيه فاما إذا كانت أمة فان كان المولى زوجها له لم يلزمه شئ حتى يعتق لان المولى صار راضيا بتأخير حقه وان لم يكن المولى زوجها فهو مؤاخذ بالمهر في الحال لان المتعلق بالافتضاض من الامة في حكم المال حتى يستحق بالبيع شرطا وهو مملوك للمولى واقرار العبد المأذن باتلاف مال مملوك للمولى صحيح في ايجاب الضمان عليه فيلزمه المهر هنا باعتبار الاتلاف دون العقد وان كانت الامة ثيبا لم يلزمه شئ حتى يعتق لان بالوطئ هنا لم يتلف شيأ مما هو مال وانما وجوب المهر باعتبار عقد النكاح واقرار المأذون به غير صحيح في حق مولاه لانه ليس من التجارة في شئ ثم ذكر في نسخ أبى سليمان رحمه الله بعد هذا وان كان ذهب العبد بها إلى منزله وهى بكر يعلم ذلك فمولاها بالخيار ان أراد أن يضمنه
[ 150 ]
العذرة بالغصب فله ذلك وان أراد أن يضمنه بالوطئ فلا شئ عليه حتى يعتق ولم يذكر هذا الفصل في نسخ أبى حفص رحمه الله ولا في كتاب الاقرار لابي يوسف رحمه الله فقال مشايخنا رحمهم الله الصحيح أن هذا التفريع على قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله على قول أبى يوسف رحمه الله لان العبد حين ذهب بها إلى منزل مولاه فقد صار غاصبا لها بجميع اجزائها وضمان الغصب يؤاخذ به المأذون في الحال فإذا اختار المولى تصمينه ما ذهب من العذرة عنده لا بوطئه بل بالغصب السابق كما لو عايناه انه غصب أمة عذراء وردها بعد زوال عذرتها وان اختار تضمينه بالوطئ ففى الوطئ وجوب المهر باعتبار العقد فلا يؤاخذ به المأذون في الحال حتى يعتق وعلى قول أبى يوسف رحمه الله مع الوطئ هنا اتلاف العذرة فيضمن باعتبار الحال لحق مولاه ويصح اقراره بمنزلة اقراره باتلاف المال ولو أقر العبد التاجر انه وطئ أمة اشتراها فافتضها ثم استحقت فعليه مهرها للحال لان الافتضاض هنا بالوطئ ترتب على سبب هو تجاوزه وهو البيع الذى لولاه لكان الواجب عليه الحد فكان الضمان الواجب بسبب التجارة من جنس ضمان التجارة فصح اقرار العبد به في الحال بخلاف ما سبق فالسبب هنا عقد النكاح والنكاح ليس من التجارة في شئ فلا يصح اقرار العبد به في الحال والدليل على أن السبب معتبر أن الوكيل بالبيع إذا باع بيعا فاسدا وقبضه المشترى ضمن القيمة كما يضمنها بالغصب ولكن الوكيل هو الذى يستوفيه دون الموكل لان وجوب هذه القيمة بسبب عقد الوكيل فيجعل معتبرا بضمان العقد و ان كان هو في الحقيقة ضمان العين قال في الكتاب أرأيت لو أقر أن عينها ذهبت من عمله أو من غير عمله لم يضمن ولو أقر أن عذرتها ذهبت عنه من غير وطئ ضمن كما يضمن العين المستحق وهذا يبين الفرق بين هذا وبين النكاح فان سبب النكاح لا يضمن العين إذا ذهبت من غير عمله ولو أقر أنه وطئ صبية بشبهة فاذهب عذرتها فأفضاها لم يلزمه شئ في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله هكذا قال في نسخ أبى سليمان رحمه الله وفى نسخ أبى حفص رحمه الله قال في قول أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهما الله والمراد أنه لا يلزمه شئ حتى يعتق لان اقراره بوجوب المهر بالوطئ بالشبهة بمنزلة اقراره بوجوب المهر بسبب النكاح وقد بينا أن هناك في حق الحرة لا يلزمه باقراره شئ حتى يعتق فهذا مثل وتبين بما ذكر هنا في نسخ أبى حفص رحمه الله أن فعله الكبيرة هناك غير معتبر في قول ابى يوسف رحمه الله فأما ضمان الافضاء فهو ضمان الجناية واقرار
[ 151 ]
العبد بالجناية لا يصح مأذونا كان أو محجورا لانه أقر على مولاه وكذلك لو أقر انه وطئ أمة بشبهة فاذهب عذرتها وأفضاها بغير اذن مولاها في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله لان اقراره بالوطئ بالشبهة بمنزلة اقراره بالوط بالنكاح وفي قول أبى يوسف رحمه الله ان كان البول لا يستمسك لا يلزمه شئ لا في الحال ولا بعد العتق لان من أصل أبى يوسف رحمه الله أن الافضاء بهذه الصفة يوجب كمال الدية في الحرة دون المهر على ما ذكره في كتاب الحدود فيكون هذا اقرارا بالجناية وذلك غير صحيح من العبد وان كان البول يستمسك قال في نسخ أبى سليمان رحمه الله يصدق في المهر ويكون دينا عليه اليوم ولا يصدق في الافضاء لان الافضاء بهذه الصفة في الحرة يوجب ثلث الدية والمهر فاقرار العبد صحيح في حق المهر عند أبى يوسف رحمه الله كما في مسألة النكاح إذا أقر انه أذهب عذرتها بغير تزويج المولى وفي الافضاء لا يصدق لانه ضمان جناية وفي نسخ أبى حفص رحمه الله قال وان كان البول يستمسك فلا يصدق في المهر فلا يكون دينا عليه ووجه هذه الرواية أن الجناية قد تحققت هنا بالافضاء فلم يبق اذهاب العذرة بالوطئ معتبرا وانما كان وجوب المهر باعتبار الوطئ خاصة فهو نظير قوله في المسألة الاولي إذا كانت ثيبا واقراره بالجناية لا يكون معتبرا صحيحا أصلا بمنزلة اقرار المحجور عليه وما ذكر في نسخ أبى سليمان رحمه الله أشبه بالصواب واقرار العبد المأذون بالشركة في شئ خاص أو في تجارة كثيرة جائز لان الشركة من عقود التجارة وهو من صنع التجارة فاقرار العبد به صحيح وان أقر بشركة مفاوضة جاز عليه فيما في يده كله ولم يكن مفاوضا لما بينا أن الرقيق ليس من أهل المفاوضة فبطل اقراره بها ويبقى معتبرا في استحقاق المقر له نصف ما في يده لانه أهل للاقرار بجميع ما في يده لغيره فكذلك بنصفه وقد بينا انه ليس من ضرورة امتناع ثبوت المفاوضة امتناع ثبوت الشركة في المال ولو كان مولى العبد المأذون مرتدا أذن له في حال اسلامه أو بعد ارتداده ثم أسلم المولى أو قتل على ردته فالعبد في أقاريره في حال ردة مولاه بمنزلة المحجور عليه عند أبى حنيفة رحمه الله وعندهما اقراره جائز لان تصرفات المرتد عندهما لا تتوقف وكذلك ملكه بنفس الردة لا يتوقف فيبق العبد مأذونا له على حاله وعند أبى حنيفة رحمه الله ملكه يتوقف بنفسه الردة كما يتوقف نفسه ولهذا قال يتوقف تصرفه في المال واذنه للعبد كان بمطلق ملكه فإذا توقف ملكه بالردة لم يبق العبد مأذونا وإذا كان حكم الاذن لا يبقى
[ 152 ]
بعد الردة فلان لا يثبت ابتداء في الردة بطريق الاولي فلهذا كان اقراره بمنزلة اقراره المحجور عليه وإذا ولدت الامة التاجرة وعليها دين أو لم يكن عليها دين لم يكن ولدها مأذونا له في التجارة لان ولدها ملك المولى فلا يصير مأذونا الا أن يأذن له المولى في حال أهليته لذلك وهذا بخلاف الكتابة فان ولد المكاتبة كأمه لان ذلك حق لازم فيها فيسرى إلى ولدها والاذن في التجارة ليس بحق لازم في الام هنا فلا يسرى إلى الولد ولان المقصود بالكتابة العتق والولد ينفصل عنها وهو ليس بأهل لذلك وإذا أقر الاجير أن ما في يده من قليل وكثير من تجارة أو متاع أو مال عين أو دين فهو لفلان وقال أنا أجير له فيه فهو جائز لانه أقر له بمنافع نفسه وما في يده وما كان في يده يومئذ من شئ فهو لفلان كله لاحق للاجير فيه لاقراره بجميع ذلك له والاقرار عاما يصح كما يصح خاصا غير اني أستحسن في الطعام والكسوة فاجعلهما للاجير وفي القياس هما للمقر له لان ذلك له من قليل في يده وكثير ولكنه استحسن فقال الاجير محتاج إلى ذلك فحاجته تدل على انه اتخذ ذلك لنفسه فيصير ذلك مستثنى من عموم اقراره كما يصير الطعام والكسوة مستثنى من عموم شركة المفاوضة وهذا استحسان مثل ما استحسنا في ثياب بدل الاجر إذا كان يعمل في بيت الاستاذ عند اختلافهما فيها فيجعل القول قول الاجير فيه بخلاف سائر الامتعة وان لم يعرف ما كان في يده يوم اقر فالقول قول الاجير فيما إذا قال اصبته بعد اقرارى لانه لا يعرف ما في يده الا من جهته وقد بينا أن في كل اقرار لا يقع الاستغناء به عن بيان المقر يجعل بيانه مقبولا فيه ولو أقر الاجير أن ما في يده من تجارة كذا فهو لفلان كان ما في يده من تلك التجارة وقت اقراره لفلان لتقييده الاقرار بذلك وما كان في يديه من غير تلك التجارة فليس لفلان منه شئ والقول في بيانه قول المقر وكذلك ما كان في يده من تلك التجارة وادعى انه أصابه بعد اقراره فالقول قوله مع يمينه لانه ما وقع الاستغناء عن بيانه باقراره فوجب قبول بيانه في ذلك وإذا أقر الاجير أن ما في يده من تجارة أو مال لفلان وفي يده صكوك ومال عين فهو كله لفلان لان ذلك كله من التجارة فان ما في الصكوك وجب بسبب التجارة وهو مال من وجه باعتبار ماله فيتناوله عموم اقراره ولو أقر أن ما في يده من طعام فهو لفلان وفي يده حنطة وشعير وسمسم وتمر لم يكن من ذلك لفلان الا الحنطة لان الاقرار من جنس التجارة واسم الطعام فيما هو تجارة لا يتناول الا الحنطة وقد بينا ذلك فيما سبق ولو لم يكن في يده من الحنطة شئ فلا شئ
[ 153 ]
للمقر له لانعدام المقر به في المحل الذى عينه باقراره وهو يده والله أعلم * (باب اليمين والاقرار في الرق) * (قال رحمه الله) رجل قال لفلان على الف درهم ان حلف أو على أن يحلف أو متى حلف أو حين حلف أو مع يمينه أو في يمينه فحلف فلان على ذلك وجحد المقر بالمال لم يؤخذ بالمال لان هذا ليس باقرار ولكنه مخاطرة ومعناه انه علق الاقرار بشرط فيه خطر وهو يمين الخصم والتعليق بالشرط يخرج كلامه عن أن يكون اقرارا كالاستثناء وان لم يجعل هذا شرطا كان جاعلا اليمين سببا لوجوب المال ويمين المدعى ليس بسبب لاستحقاق المال فان الشرع جعل اليمين لدفع الاستحقاق فلا يكون سببا للاستحقاق وليس له ولانه جعل ما ليس بسبب سببا قال وكذلك الابراء من المال على مثل هذه المخاطرات باطل فان قال الطالب ان حلفت عليها فانت برئ منها فهذا تعليق الشراء بالمخاطرة والبر أن لا يحتمل التعليق بالاخطار * فان قيل أليس أن يمين المنكر توجب براءته شرعا * قلنا عن اليمين لا فانه لو حلف في غير مجلس الحكم لا تثبت به البراءة وكذلك في مجلس الحكم اليمين لا توجب البراءة (ألا ترى) أن بينة المدعى بعدها مسموعة ولكن انما لا يكون له أن يخاصمه بعد يمينه لانعدام الحجة من اقرار أو نكول أو بينة فتتأخر خصومته إلى أن يجد حجة لا أن تكون اليمين موجبة للبراءة ولو ادعى الطالب عليه المال فحكما رجلا فحلفه فان حلف انقطعت الخصومة لان الحكم في حقها كالقاضي وباليمين في مجلس القاضي تنقطع الخصومة الا أن يجد البينة فان أبى أن يحلف فقضى الحكم عليه بالمال كان جائزا بمنزلة مالو كان عند القاضى وهذا هو الاصل ان كل يمين لو امتنع منها يستحق القضاء بها عليه فإذا حلف تنقطع الخصومة به وفي كل يمين لو امتنع منها لا يصير القضاء مستحقا عليه فالخصومة لا تنقطع بتلك اليمين وقد بينا أن النكول في مجلس القضاء بمنزلة الاقرار وفيه فصول تقدم بيانها في كتابه الدعوى وإذا اقر رجل أو امرأة أو صبي يعقل أو لقيط لم يجر فيه حكم العتق بالرق لرجل فهو جائز لصنع المقر له به ما يصنع بمملوكه أما البالغ إذا أقر به فهو غير مشكل لانه أقر على نفسه بأمر محتمل وليس هنا دليل يكذبه في ذلك شرعا فأما الصبى إذا أقر به فقد كان ينبغى أن لا يصح اقراره لان قول الصبي معتبر فيما ينفعه دون ما يضره والاقرار بالرق ليس مما ينفعه ولكنه لما صار عاقلا وجب اعتبار
[ 154 ]
قوله في نفسه بمنزلة البائع (ألا ترى) انه لو ادعى أنه حر ومن هو في يده يزعم أنه عبد جعل القول فيه قول الصبى وإذا وجب اعتبار قوله إذا ادعى حرية نفسه وجب اعتبار قوله في ضده أيضا كما أنه أيضا لما اعتبر قوله واعتقاده إذا أسلم اعتبر ذلك إذا ارتد أيضا ولان هذا الاقرار ينفعه عاجلا لانه يستوجب النفقة على مولاه ولان اقراره بالرق سكوت منه عن دعوى الحرية لا محالة وانقياد للمقر له حتى يثبت عليه يده وإذا ثبتت عليه يده وهو يدعى رقيته وجب قبول قوله كما إذا كان صبيا لا يعقل وان كان المقر حر الاصل معروفا بذلك لا يجوز اقراره بالرق لانه مكذب فيه شرعا باعتبار حرية الاصل فيكون اقراره هذا ابطالا لحريته وايجابا للرق على نفسه وذلك ليس تحت ولاية أحد وكذلك ان كان معتقا لرجل فاقر بالرق لآخر لم يصح اقراره لان ولاءه ثابت للذى أعتقه والولاء كالنسب ومعروف النسب من انسان إذا أقر بالنسب لغيره لم يصح فكذلك هنا قال الا أن يصدقه الذى أعتقه فحينئذ يجوز اقراره لانه المانع حقه فلا يبقى بعد تصديقه وهذا بخلاف النسب فان هناك صاحب النسب المعروف وان صدقه لم يثبت النسب من المقر له لان النسب لا يحتمل الابطال بعد الثبوت بحال بخلاف الولاء فان المعتقة إذا ارتدت ولحقت فسبيت فاعتقت كان الولاء عليها للثاني دون الاول فتصديق المعتق الاول هنا عامل في ابطال حقه فكان مملوكا للمقر له وإذا كان عبد في يد رجل فاقر أنه مملوك لآخر وقال الذى هو في يده أنت عبدى فالقول قول ذى اليد لان المملوك حين أقر به لم يبق له يد معتبرة في نفسه فهو بمنزلة الثابت فالقول فيه قول ذي اليد لاستحقاقه رقبته بيده وإذا لم يكن العبد في يد أحد فالقول فيه قول العبد لانه لا استحقاق لاحد فيه فهو باقراره لاحدهما يصير منقادا له فتثبت اليد عليه للمقر له ويكون في الحكم كانه في يده فيجعل مملوكا له ولو كان العبد في يد قصار أو في مكتب فقال أنت عبدى وقال العبد بل أنا عبد فلان اسلمني اليك وادعاه فلان فالقول قول القصار وصاحب المكتب لان العبد حين أقر بالرق فقد سقط اعتبار يده في نفسه فيكون القول في الملك قول من هو في يده وبخلاف ما إذا قال أنا حر لانه هنا لم يقر بالرق على نفسه فبقيت يده في نفسه معتبرة وهى أقرب الايدى إليه فلا تظهر مع ذلك يد ذى اليد فيه وإذا كانت أمة في يد رجل فقالت أنا أم ولد لفلان أو مكاتبته أو مدبرته وصدقها فلان وقال ذو اليد بل أنت أمة لي فعلى قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله القول قول ذى اليد وعلى
[ 155 ]
قول أبى يوسف رحمه الله القول قول الامة والمقر له لان دعواها حق الحرية بمنزلة دعواها حقيقة الحرية ولو قالت أنا حرة كان القول قولها ولا يثبت استحقاق يد ذى اليد عليها الا بحجة فكذلك هنا (توضيحه) أن المكاتبة في يد نفسها كالحرة فلا تظهر يد ذى اليد فيها مع دعواها أنها مكاتبة كما لا يظهر مع دعواها أنها حرة وهذا نوع استحسان ذهب إليه أبو يوسف رحمه الله والقياس قولها لانها أقرت بالرق المسقط لاعتبار يدها في نفسها فلا تسمع دعواها الا بحجة (ألا ترى) انها لو ادعت شيأ من ذلك على ذى اليد لم تسمع الا بحجة فكذلك إذا ادعت على غيره وتصديق المقر له ليس بحجة في حق ذى اليد فوجوده كعدمه ولو قال المقر له هي أمة لى غير مدبرة كان القول فيها قول ذى اليد بالاتفاق فكذلك إذا صدقها في التدبير وعلي هذا الخلاف لو قالت كنت أمة لفلان فاعتقني وصدقها فلان بذلك فعلى قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله هي أمة لذى اليد لانها أقرت بالرق ثم ادعت زواله بسبب حادث وعند أبى يوسف رحمه الله هي حرة لانها لم تقر بالرق لذى اليد وزعمت أنها حرة في الحال ففى حق ذى اليد هذا ودعواها حرية الاصل سواء ولكن هذا غير صحيح لان دعواها حرية الاصل تتم بها ودعواها العتق من فلان لا يتم الا بتصديق من فلان وتصديق فلان ليس بحجة على ذى اليد ولو كان في يد رجل غلام فقال أنا ابن فلان وأمى أم ولد له وقال ذو اليد أنت عبدى وأمك أمتى وقال المقر له هو ابني ففى قول أبى حنيفة رحمه الله هذا كالاول وهما جميعا لذى اليد لانه أقر انه جزء من مملوكه فكما لم يقبل قول الامة في ذلك على ذى اليد فكذلك قوله جزء منها وابو يوسف رحمه الله قال القول قوله في ذلك كما بينا في الفصل الاول لانه يجعل القول في ذلك قول الامة استحسانا وأما محمد رحمه الله فانه يقول هنا أجعل الولد حرا ابنا للذى ادعاه استحسانا وكذلك لو قال للذى هو في يده أنا ابنك من أم ولد لك هذه وكذبه المولى أجعله حرا استحسانا في قول محمد رحمه الله نص علي قوله هذا في بعض نسخ الاقرار ووجهه أن الولد هنا يدعى حرية الاصل لنفسه سواء ادعي انه ابن ذى اليد أو ابن غيره وفي حرية الاصل القول قوله كما لو قال أنا حر الاصل ولم يرد على هذا ولكن أبو حنيفة رحمه الله قال حكم اقراره هنا يتوقف علي تصديق المقر له فكان هذا ودعواه حرية العتق سواء بخلاف ما لو قال أنا حر الاصل فان حكم قوله هناك لا يتوقف على تصديق غيره ولو كان في يديه عبد وقال أعتقتني فكذبه المولى كان عبدا له بالاتفاق لانه أقر على نفسه
[ 156 ]
بالرق له ثم ادعى زواله بسبب حادث فلا يصدق على ذلك الا بحجة وإذا أعتق الرجل عبدا له ثم أقر الرجل والعبد انه كان مملوكا لفلان وادعى ذلك ولم يجز في عتقه حكم فهما مصدقان علي ذلك لانه أقر على نفسه بأمر محتمل لم يجر الحكم بخلافه فصح اقراره وصار مملوكا وظهر هذا الملك في حق المعتق بتصديقه أيضا فيتبين أنه أعتقه وهو لا يملكه وان كان جرى في عتقه حكم من حد أو قصاص أو شئ مما يجرى في الحر دون العبد فامضى القاضى ذلك فان هذا لا يرد في الرق لانه صار مكذبا في اقراره شرعا والمقر إذا كذبه الشرع لم يعتبر اقراره وان أقر مولاه انه اغتصبه من فلان ضمنه القيمة لان اقراره على نفسه صحيح وقد تعذر عليه رد المغصوب بما نفذ فيه من العتق من جهته فيضمن قيمته وكذلك إذا ادعى هبة منه أو شراء ولم يكن له بينة وحلف فلان ما فعل ذلك ضمن له قيمة الغلام لانه أقر أنه قبضه على سبيل التملك وقد تعذر عليه رده فيلزمه قيمته ولو استأجر عبدا ثم ادعى بعد الاجارة انه عبده لم يصدق على ذلك لان استئجاره من غيره يشهد بالملك لذلك الغير أو اقرار بانه لا يحق له فيه بمنزلة الشراء والاستخدام فيكون في دعوى الملك لنفسه بعد ذلك مناقضا فلا يسمع منه ولكنه عبد لمن أقر له العبد بالملك وهو الاخر ولو أن رجلا قال أمي كانت أمة لفلان ولم أولد انا قط الاحرا كان القول قوله في ذلك لانه أقر على أمه بالرق واقراره عليها نافذ وليس من ضرورة رق أمه رقه فان ولد المعروف حر الاصل والام رقيقة والدليل عليه ان من أقر بامة لانسان ولها ولد في يده فان الولد يكون للمقر دون المقر له فلما لم يجعل اقراره بالام اقرارا بالولد فكذلك لا يكون اقرار الولد برق الام اقرارا برق نفسه (توضيحه) أن من يكون معروفا بحرية الاصل إذا قال جدتى كانت أمة لا يتضمن ذلك الاقرار بالرق على نفسه ولا علي احد من ابويه فكذلك إذا قال امى كانت امة لفلان فإذا ادعى فلان رقه فعليه البينة ولو ان مجهولة الاصل تزوجت رجلا ثم أقرت بالملك لرجل فهى أمة له لاقرارها علي نفسها بأمر محتمل ولا يصدق على فساد النكاح لانه ليس من ضرورة كونها أمة له لافرارها على نفسها بكونها امة فساد النكاح فان نكاح الامة باذن مولاها صحيح بخلاف ما إذا ادعى أبو الزوج نسبها وصدقته لان من ضرورة ثبوت نسبها من اب الزوج انتفاء النكاح وما ثبت بوجود المنافى ضرورة لا يكون محالا به على اقرارها وهنا لما لم يكن من ضرورة رقها فساد النكاح فلو ثبت ذلك انما يثبت باقرارها واقرارها ليس بحجة علي الزوج ان رقها يظهر في حق الزوج
[ 157 ]
في حق حكم يتمكن فيه من التلافى ودفع الضرر عن نفسه ولا يثبت في كل حكم لا يتمكن فيه من التلافى ودفع الضرر عن نفسه حتى لو كان أعطاها المهر قبل الاقرار فهو برئ منه لانا لو صدقناها في هذا الحكم لحقه ضرر لا يمكنه دفعه عن نفسه ولو اعطاها المهر بعد الاقرار لم تبرأ منه لانا لو صدقناها في حق الزوج هنا لتمكن من دفع الضرر عن نفسه بدفع الصداق إلى مولاها دونها وعلى هذا لو طلقها واحدة ثم أقرت بالرق صار طلاقها ثنتين بخلاف ما إذا أقرت بعد ما طلقها ثنتين وكذلك لو مضت من عدتها حيضة فاقرت بالرق صارت عدتها حيضتين بخلاف ما إذا اقرت بعد مضي حيضتين وعلى هذا ما ولدت من ولد قبل الاقرار فهم أحرار لا يصدق عليهم في ابطال حريتهم وكذلك ما كان موجودا في بطن أمهم بان ولدت لاقل من ستة أشهر فاما ما يحدث من الاولاد بعد فعلى قول أبى يوسف رحمه الله هم أرقاء والوقت فيه ستة أشهر لان الحمل قائم بينهما وعلى قول محمد رحمه الله هم أحرار لان الزوج بالنكاح استحق حرمة الاولاد وهى لا تصدق في ابطال الحق الثابت ولو قبلنا اقرارها في رق الاولاد تضرر الزوج ضررا لا يمكنه دفعه عن نفسه الا أن يمتنع من وطئها وفيه ابطال الاستحقاق الثابت له وأبو يوسف رحمه الله يقول هذا ولد حر من أم رقيقة فيكون رقيقا كما لو ثبت رقها بالبينة وهذا لان الولد جزء من الام يتبعها في الرق والحرية فالزوج لما أعلقها مع علمه برقها فقد رضى برق هذا الولد بخلاف ما إذا كان موجودا قبل اقرارها وفي قبول اقرارها في هذا الحكم لا ضرر على الزوج لانه يمكن من أن يعزل عنها عند الوطئ ولان الولد ثمرة فلا يستحق بالنكاح ولهذا لو كانت عجوزا أو عقيما لا يثبت للزوج الخيار فكيف تكون صفة حرية الولد مستحقة له بالنكاح فلهذا قبلنا اقرارها في هذا الحكم ولو أن رجلا مجهول الاصل له أولاد وأمهات أولاد أقر بالرق لرجل جاز ذلك كله بنفسه وماله لكون ما أخبر به محتملا ولا يصدق على أولاده وأمهاتهم ومدبريه ومكاتبيه لانهم استحقوا الحرية أو حقها وليس من ضرورة رقه بطلان هذا الحق عليهم فلا يصدق في حقهم ولو أن امرأة مجهولة في يدها ابن لها صغير من فجور أقرت انها أمة لفلان وان ابنها عبد له فهى مصدقة على نفسها وابنها لان الابن لما كان لا يعبر عن نفسه كان القول فيه قول من هو في يده (ألا ترى) أنه لو لم يعرف أصله فادعت انه عبدها كان القول قولها لانه في يدها فكذلك إذا أقرت بالرق لغيرها وان كان ابنها يتكلم فقال أنا حر كان القول قوله لان من يعبر عن نفسه كالبائع لا تقوى
[ 158 ]
يد الغير عليه بل يده على نفسه أقوى فكان القول قوله في حريته وكذلك رجل وامرأته مجهولان لهما ابن صغير لا يتكلم أقرا بالرق لرجل على أنفسهما وابنهما جاز لما بينا وان قالا نحن مملوكان لفلان وابننا هذا مملوك لفلان آخر وكذبهما مولاهما في الابن فالابن عبد له معهما لان اقرارهما بالرق علي أنفسهما يسقط اعتبار يدهما ويجعل يدهما لاغية فكما لا قول لهما بعد الاقرار بالرق في ابطال الاستحقاق الثابت لذى اليد فيهما فكذلك لا يقبل قولهما في ابطال الاستحقاق الثابت للمقر له في ولدهما ولو أن رجلا ادعى أمة أنها أمته وادعت الامة انه عبدها ويعرف أصلهما وليس الواحد منهما في يد صاحبه وصدق كل واحد منهما صاحبه في دعواه جعلت ذلك باطلا لان تصديق كل واحد منهما لصاحبه اقرار بالرق له على نفسه وبين الاقرارين منافاة لاستحالة أن يكون كل واحد منهما مالكا لصاحبه ومملوكا له فإذا تحقق التنافى بينهما تهاترا إذ ليس العمل باحدهما بأولى من الاخر وان كان أقر احدهما قبل الاخر فالذي أقر أخيرا مملوك للاول إذا صدقه ثانية لان اقراره بالرق له على نفسه يتضمن رد اقرار صاحبه وذلك صحيح منه فيرد ذلك الاقرار له ويبقى اقرار الثاني بالرق على نفسه فان صدقه المقر له في ذلك كان عبداله وان لم يصدقه ولم يكذبه لم يكن واحد منهما مملوكا للاخر لان اقرار الاول قد بطل بالرد ولم يبطل باقرار الثاني تصديق المقر ولو قال لآخر أنا عبد لك فقال الآخر لاثم قال بلي أنت عبدى فهو عبده لان الرق الثابت لا يبطل بالجحود والاقرار متى حصل بما لم يرتد بالرد يبقي بعد ذلك المقر به موقوفا على تصديقه في الاقرار بالسبب أرأيت لو كان في يديه فقال أنا عبدك فقال لاثم قال نعم لم يكن عبده فكذلك إذا لم يعرف يده فيه ولو قال ذو اليد لرجل هو عبدك يا فلان فقال لا ثم قال هو عبدى فهو عبد لذى اليد لانه أقر لفلان بالملك والملك مما يبطل الاقرار فيه بالرد والتصديق بعد ما بطل الاقرار بالرد لا يكون موجبا شيأ بخلاف ما سبق فانه اقرار بالرق والرق لا يبطل بالرد لانه انما يبطل بالرد ما يحتمل النقل من شخص إلى شخص فلهذا عمل التصديق هناك بعد الرد وفي الكتاب قال ولا يشبه هذا الاول لان الاول لم يكن في يد أحد وهذا ليس بقوى فقد بينا في الفصل الاول أنه لا فرق بين أن يكون في يده أو لا يكون في يده وانما الفرق الصحيح ما قلنا ولو قال الذى هو في يده هو عبدك يا فلان فقال فلان بل هو عبدك ثم قال بلى هو عبدى وجاء بالبينة لا تقبل بينته لان قوله بل هو عبدك رد لاقراره واقرار بملك العبد له فان ادعاه
[ 159 ]
لنفسه بعد ذلك كان مناقضا وكذلك لو أقر أن هذا العبد لفلان ثم جاء بالبينة انه له لم تقبل بينته للتناقض ولو ادعى رجل دارا فقال هذه الدار لى الا هذا البيت وجحده ذو اليد فاقام المدعى البينة أن الدار له فان قال كان البيت لى فبعته قبلت بينته لان الشهود وان شهدوا له بأكثر مما ادعاه الا أنه وفق بين الدعوى والشهادة بتوقيف محتمل فيخرج من أن يكون مكذبا لشهوده وان قال لم يكن البيت لى قط فهذا إكذاب منه لشهوده إذا شهدو اله بجميع الدار والمدعى إذا أكذب شهوده بطلت شهادتهم له وان لم يقل شاء من ذلك سأله القاضى عنه لان الحكم يختلف ببيانه من سؤاله فان أتى ببينه لم تقبل بينته لانه في الظاهر مكذب شهوده فانهم شهدوا له بأكثر مما ادعاه الا انه كان متمكنا من التوقيف فإذا أبى أن يوقف نفى ظاهر الا كذاب أرأيت لو قضى بهذا البينة ثم قال المدعى ما كان البيت لي قط لم يكن بحق عليه ابطال قضائه فكذلك في الابتداء لا يقضى إذا لم يبين وعلى هذا لو ادعى رجل على رجل بالف درهم وشهد له شاهدان بالفين فان قال لم يكن لى عليه الا الف درهم فهذا إكذاب منه لشهوده وان قال كان لي عليه الفان فأبرأته من الف قبلت بينته وان ابى أن يبين بطلت الشهادة وهذا استحسان في الفصلين وفي القياس تقبل البينة لان البينات حجج فيجب العمل بها ما أمكن وما دام التوقيف ممكنا فالمانع من العمل بالبينة غير متعذر ولكن استحسن للاكذاب الظاهر على ما بينا وإذا أقرت الامة بالرق لرجل فباعها المقر له جاز لان الملك يثبت له فيها باقرارها والملك مطلق للتصرف فإذا ادعت عتقا بعد البيع وأقامت البينة على عتق من البائع قبل البيع أو على أنها حرة من الاصل قبلت بينتها استحسانا وفي القياس لاتقبل لانها انقادت للبيع والتسليم وذلك اقرار منهما بأنها لم يجر فيها من البائع عتق قبل هذا فتكون مناقضة في دعوى العتق قبل ذلك وذا ادعت حرية الاصل فالتناقض ظاهر لتقدم الاقرار منها بالرق على نفسها ومع التناقض في الدعوى لا تكون البينة مقبولة ولكنه استحسن فقال التناقض بعدم الدعوى والبينة على عتق الامة يقبل من غير الدعوى فكذلك مع التناقض وفي الكتاب علل فقال لان هذا فرج ومعناه أن يخرج الفرج من حق الله تعالى فتكون البينة عليه مقبولة حسبة ولكن هذا ليس بقوى فأما التناقض من العبد فيمنع قبول البينة على حريته عند أبى حنيفة رحمه الله وهنا لان التناقض انما يؤثر فيما يحتمل الابطال بعد ثبوته وحرية الاصل بعد تأكدها لا تحتمل الابطال وكذلك العتق بعد ثبوته لا يكون
[ 160 ]
التناقض فيه مانعا من قبول البينة كالنسب فان التناقض في دعوى النسب لا يمنع صحته حتى أكذب الملاعن نفسه لثبت التسب منه ولو أن رجلا باع عبدا ودفعه إلى المشتري وقبض ثمنه وقبضه المشترى وذهب به إلى منزله والعبد ساكت وهو ممن يعبر عن نفسه فهذا اقرار منه بالرق لانه انقاد بالبيع والتسليم ولا يثبت ذلك شرعا الا في الرقيق واقراره على نفسه بالرق بطريق الدلالة بمنزلة التصريح بالاقرار به فلا يصدق في دعوى الحرية بعد ذلك لانه يسعي في بعض ما تم به الا أن تقوم له بينة على ذلك فحينئذ تقبل البينة والتناقض لا يمنع من ذلك وكذلك لو رهنه أو دفعه بجناية لان هذا تصرف في العين لا يصح الا برقه فانقياده لذلك اقرار بالرق على نفسه بخلاف مالو أجره ثم قال أنا حر فالقول قوله لان الاجارة تصرف في منافعه لا في عينه وليس من ضرورة صحة الاجارة رق المحل فان منافع الحر تملك بالاجارة عند ايجابه أو ايجاب الغير ببيانه وتكون منفعته حقا له (ألا ترى) انه لو كان يخدمه ثم قال انا حر كان القول قوله فكذلك إذا خدم المستأجر باجارته قال والاجارة ليست باقرار من الخادم بالرق وهى اقرار من المستأجر بأن العبد ليس له حتى لو ادعاه بعد ما استأجره لنفسه لم يصدق لان المنفعة تملك بملك الرقبة فمباشرته سبب الملك في المنفعة مقصودا يكون اقرارا منه انه لا يملك الرقبة وأما ايجاب المنفعة للغير فلا يكون اقرارا على نفسه بالملك في العين لاحد وكذلك لو قال اعرني هذا يخدمني كان هذا اقرارا من المستعير ان العبد ليس له كما أنه من المستأجر على يدنا ولو ان رجلا قدم من بلد ومعه رجال ونساء وصبيان يخدمونه فادعى أنهم رقيقه وادعوا أنهم احرار كانوا احرارا لان اليد لا تقوى علي من يعبر عن نفسه وكذلك لو كانوا اغلمة عجما أو سودا أو حبشا فهذا الصفات لا تنافى حرية الاصل وكذلك ان علم انهم كانوا في يده لان يدهم في انفسهم اقوى فما لم يقر بالملك كان القول قولهم في الحرية ولو عرض جارية على البيع وهى ساكتة لم يكن هذا اقرارا بالرق منها وكذلك الغلام لان السكوت في هذه الحالة محتمل فقد يكون للتعجيب انه كيف تعرضني وانا حرة وقد يكون للاستخفاف فعليه لا التفات إلى كلامه لكونه لاعبا فلهذا يجعل اقرارا بالرق ولو ان امرأة زوجها رجل من آخر فأقرت بذلك ثم ادعى الذى زوجها أنها أمته لم يصدق على ذلك لان انقيادها بالنكاح لا يكون اقرار منها بالرق كانقيادها للاجارة فان الحرة محل للنكاح ولو كاتبها أو اعتقها على مال أو قال كاتبني أو اعتقنى أو بعنى نفسي أو بعنى من فلان أو أرهني من فلان أو
[ 161 ]
تزويج فلانة علي رقبتي أو قالت لامرأة اختلعي من زوجك على رقبتي فهذا كله اقرار منها بالرق لان ما صرحت به لا يصح شئ منه فيها الا برقبتها فتصريحها بذك اقرار منها بالرق على نفسها بخلاف ما إذا قالت أجرني من فلان فهذا لا يكون اقرارا بالرق لما قلنا ولو قال لآخر أعتقني كان هذا اقرارا بالرق له لان العتق لا يصح فيه الا بعد الرق ممن هو يملكه وكذلك لو قال ألم تعتقني أمس أو ليس قد أعتقتني أمس أو ما أعتقتني أمس كان هذا اقرارا بالرق والله أعلم * (باب الاقرار بالنكاح) * (قال رحمه الله) امرأة قالت لرجل طلقني فهذا اقرار منها بالنكاح لانها طلبت منه مالا يصح شرعا الابعد صحة النكاح فيكون ذلك منها بمنزلة الاقرار بالنكاح وهذا لان الطلاق للاطلاق عن قيد النكاح فكأنها قالت أطلقني عن قيد النكاح الذى لك على وكذلك لو قالت اخلعني بألف درهم وهذا أظهر لانها التزمت البدل ولا يجب عليها البدل الا بزوال ملك النكاح عنها بالخلع وكذلك لو قالت طلقتني أمس بألف درهم أو أنت منى مظاهر أو مول فان شيأ مما أخبرت به لا يصح الا بعد صحة النكاح فاقرارها به تضمن الاقرار بالنكاح ولو قال الرجل اختلعي منى بمال كان هذا اقرارا منه انه تزوجها لان الخلع بمال لا يكون الا بعد صحة النكاح بينهما وكذلك لو قالت له طلقني فقال لها اختاري أو أمرك بيدك في الطلاق فهذا منه اقرار بالنكاح لان تفويضه الطلاق إليها لا يكون الا بعد صحة النكاح ولو قال والله لا أقربك لا يكون هذا اقرارا منه بانها زوجته لانه كلام محتمل فلعله منع نفسه من قربانها لعدم الملك له عليها ولعله قصد الاضرار بها والمحتمل لا يكون حجة ثم هذا الكلام نفى موجب النكاح بينهما ونفى موجب العقد لا يكون اقرارا بالعقد وكذلك لو قال أنت على حرام أو بائنة أو بتة لانه وصفها بالحرمة وموجب النكاح ضده وهو الحل فوصفها به لا يكون اقرارا بالنكاح الا أن تقول له طلقني فيقول بعد ذلك شيأ من هذه الالفاظ غير أن مذاكرة الطلاق معينة للطلاق ولهذا لا يحتاج فيها الي البينة وايقاع الطلاق اقرار منه بالنكاح ولو قال أنا مول منك أو مظاهر كان اقرارا منه بالنكاح لان الايلاء والظهار تصرف منه يختص بالنكاح الصحيح ولو قالت أنت على كظهر أمي لم يكن اقرارا بالنكاح لان هذا اخبار منه
[ 162 ]
بحرمتها عليه وهو ضد موجب النكاح ولو قال ألم أطلقك أمس أو أما طلقتك أمس فهذا اقرار منه بالنكاح والطلاق لان في هذا الاستفهام معنى التقرير قال الله تعالى ألم يأتكم رسل منكم أي قد أناكم وتقرير الطلاق لا يكون الا بعد النكاح فكان اقرارا بهما ولو قال هل طلقتك أمس كان هذا اقرارا بالنكاح دون الطلاق لان الطلاق لا يكون الا بعد النكاح فكان هذا اقرارا بالنكاح ولو قالت هذا ابني منك فقال نعم فهو اقرار منهما بالنكاح إذا كانت معروفة أنها حرة لان ثبوت النسب باعتبار الفراش والاصل فيه الفراش الصحيح والشرع انما يريد الصحيح دون الفاسد ولا يثبت الفراش الصحيح على الحرة الا بالنكاح فكان اتفاقهما علي النسب اتفاقا علي سببه وهو النكاح والله أعلم * (باب اقرار المكاتب والحر) * (قال رحمه الله) وإذا أقر المكاتب بدين عليه لحر أو لعبد من ثمن بيع أو قرض أو غصب فهذا لازم له لان الاقرار من التجارة وعقد الكتابة يوجب انفكاك الحجر عنه مما هو من التجارة فان عجز لم يبطل ذلك عنه لان الثابت باقراره كالثابت بالبينة عليه (ألا ترى) أن العبد لو أقر بالدين ثم حجر عليه مولاه لم يبطل اقراره فالمكاتب أولى بذلك ولو اقر المكاتب لمولاه بدين جاز عليه لانه بعقد الكتابة صار أحق بمكاسبه وصار المولى منه كالاجنبي واقرار المكاتب بالحدود جائز كاقرار العبد بها وان أقر بمهر من نكاح لم يلزم لان النكاح ليس من التجارة ولا هو سبب اكتساب المال في حق الزوج الا أن على قول أبى يوسف رحمه الله إذا أقر بالدخول فانه يلزمه وهو بمنزلة اقرار العبد التاجر به وقد بينا مذهب أبى يوسف رحمه الله في ذلك وكذلك لو أقر انه افتض امرأة باصبعه حرة أو أمة أو صبية فهذا يلزمه في قول أبى يوسف رحمه الله لان العبد التاجر لو أقر به كان مؤاخذا به في الحال عنده فكذلك المكاتب وفي قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله هذا بمنزلة الاقرار بالجناية واقرار المكاتب بالجناية صحيح في حال قيام الكتابة لان الارش يجب فيه وكسبه حقه فان عجز قبل أن يؤدي بطل في قول أبى حنيفة رحمه الله وجاز في قول محمد رحمه الله وانما أراد بهذا إذا عجز بعد ما قضي القاضي عليه بالجناية قلنا إذا عجز قبل قضاء القاضى يبطل اقراره هكذا قال بعض مشايخنا رحمهم الله وهو الذى اعتمده رحمه الله وجعل هذا بمنزلة اقراره بقتل
[ 163 ]
رجل خطأ ولكن الاصح عنه ان هنا الجواب مطلق كما قال في الكتاب لان جناية الخطأ تتعلق بنفسه وانما يتحول الي كسبه بالقضاء حتى لو عجز قبل القضاء لدفع به فاما جنايته بالافتضاض بالاصبع فلا تتعلق بنفسه لان لا يدفع به بحال وانما يتعلق بكسبه ابتداء فان عجز قبل القضاء أو بعد القضاء كان مطالبا وعند محمد رحمه الله وعلى قول محمد رحمه الله لما كان سببه اقراره لم يطالب به بعد العجز بمنزلة اقراره بالجناية إذا اتصل به قضاء القاضى وإذا قضى عليه بارش جناية الخطأ بعد ما أقر به فادى بعضه ثم عجز بطل فيه ما بقى عند أبى حنيفة رحمه الله لانه لو طولب به انما يطالب باقراره واقراره بالجناية ليس بحجة فيما هو حق المولى وعلي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله هو لازم له لانه صار دينا بقضاء القاضى فالتحق بسائر الديون بخلاف ما إذا عجز قبل أن يقضى به عليه لانه لم يصر دينا بعد فيجعل كانه أقر به بعد العجز وهذا كله عندنا خلافا لزفر رحمه الله * وفي مسألة كتاب الديات ولو أقر أن العبد تاجر أو محجور عليه بدين أو عين وأراد مولاه أخذه من المقر في حال غيبة العبد لم يكن له ذلك لان للعبد يدا في مكاسبه محجورا كان أو مأذونا حتى لا يتم كسبه لمولاه الا بشرط الفراغ من دينه فأخذ المولى لذلك يتضمن القضاء على الغائب ببطلان حقه عنه وذلك لا يجوز عند غيبته ولو أقر الحر لعبد بوديعة فأقر العبد انها لغيره فان كان مأذونا جاز اقراره وان كان محجورا عليه فاقراره بها لغيره باطل لان الوديعة في يد المودع ولو كان في يد العبد مال فأقر به لغيره صح ان كان مأذونا ولم يصح ان كان محجورا عليه فكذلك هنا ولو أقر الحر لعبد بين رجلين بدين وقد أذن له أحدهما في التجارة دون الآخر جاز اقراره لان حكم صحة الاقرار لا يختلف بكون المقر له مأذونا أو محجورا عليه فجاز وان كان المقر به من كسب العبد فيكون بين الموليين نصفين لان الكسب يملك بملك الرقبة ولا يختص الاذن بشئ من كسب العبد وانما اختصاص الاذن يعلق دين العبد بنصيبه من الرقبة لان الاذن لا يحتاج إليه لتعلق الدين بمالية الرقبة لا بصحة الاكتساب من العبد غير أنه إذا كان على العبد دين فلا يسلم من كسب العبد شئ للذى لم ياذنه ما لم يقض العبد دينه لما بينا أن سلامة الكسب للمولي متعلقة بفراغه عن حاجة العبد (ألا ترى) أن المحجور عليه إذا وجب عليه دين بالاستهلاك فاكتسب كسبا كان ذلك الكسب مصروفا إلى دينه ولو اقر هذا العبد بدين لزمه في حصة الذى أذن له لان اقرار المحجور عليه غير صحيح في حق مولاه ونصيب الذي
[ 164 ]
لم يأذن له محجور عليه فاجعل نصيب كل واحد منهما في حكم الاقرار بمنزلة عبد على حدة وما في يده من كسب يقضى به دينه ويكون الباقي بين الموليين نصفين الا أن يعلم أنه من غير التجارة مثل أن يكون من هبة أو صدقة أو نحو ذلك فيكون نصفه للذى لم يأذن له قبل قضاء الدين لان اقراره لم يكن صحيحا في نصيب الذى لمخ يأذن له من الرقبة فكذلك في الكسب الذى لا يعتمد في حصوله علي الاذن كالموهوب ونحوه بخلاف ما اكتسبه بطريق التجارة فان سبب حصول ذلك الكسب تجارة والاقرار من التجارة والدين الواجب بسبب هو تجارة بظهر في الكسب الحاصل بطريق التجارة وإذا ظهر فيه لا يسلم شئ منه للذى لم يأذن له الا بعد الفراغ من دينه كما لو كان الدين عليه بسبب معاين والله أعلم * (باب اقرار الرجل أنه لاحق له قبل فلان) * (قال رحمه الله أو إذا أقر الرجل انه لا حق له قبل فلان فهو جائز عليه لانه أخرج الاقرار مخرج العموم واجراؤه على العموم ممكن لجواز أن ينفى حقوقه عن فلان من كل وجه وأمكن العمل بموجب هذا الكلام من غير بيان من المقر بخلاف قوله جميع ما في يدى لفلان فان العمل بموجب ذلك الكلام غير ممكن الا ببيان المقر ولا يمكن اجراؤه الكلام هناك علي العموم لان زوجته وولده في يده ولا يكون ذلك للمقر له فلهذا وجب الرجوع إلى بيانه هناك ثم يدخل في هذا اللفظ كل عين أو دين وكل كفالة أو جناية أو اجارة أو حد لان قوله صلى الله عليه وسلم يتناول ذلك كله وقد بيناه فيما سبق فكل هذا حق مالا كان أو غير مال وان قال هو برئ مما لى عليه فهو مثل ذلك أيضا غير انه لا تدخل الامانة في هذا اللفظ كالوديعة والعارية لان كلمة على خاص لما هو واجب في الذمة فلا تدخل فيه الامانة إذ لا وجوب في ذمة الامين وان قال هو برئ مما لى عنده فانما يدخل في هذا اللفظ الامانة خاصة فاما الغصوب والودائع التي خالف فيها فقد صار ضمانها مستحقا في ذمته بمنزلة الديون فلا يدخل في هذا اللفظ وان قال هو برئ مما لي قبله برئ من الامانة والغصوب جميعا وان ادعى الطالب بعد ذلك حقا لم تقبل بينته عليه حتى يشهد شهوده بعد البراءة أو يوقتوا وقتا بعدها لانها بهذا اللفظ استفاد البراءة على العموم ولا يسمع منه بعد ذلك الدعوى الا أن يعلم خروج ما ادعاه العامة فان العمل بالعام واجب حتى يقول دليل
[ 165 ]
الخصوص ولو أقر أن فلانا قد برئ من حقه قبله ثم قال أنا برئ من كل حق له على فان لفظ الجنس يعم جميع ذلك الجنس بمنزلة اللفظ العام وكذلك لو قال هو برئ من الدين الذى لى قبله أو مما لى قبله أو من ديني عليه أو من حقى عليه ولكن يدخل في البراءة من الحقوق الكفالة والجناية التى فيها قود أو أرش لان ذلك من حقوقه ولو اقر لانه لاحق له قبل فلان ثم ادعى قبله حد قذف أو سرقة لم تقبل بينته على ذلك الا أن يشهد الشهود أنه فعل ذلك بعذ البراءة وهو ودعوى الدين عليه سواء ولو قال انه قد برئ من قذفه اياى ثم طلبه به بعد ذلك كان له لان هذا بمنزلة العفو ومعناه انه برئ من موجب قذفه اياى فان البراءة عن عين القذف لا تتحقق وموجب القذف عندنا لا يسقط بالعفو بخلاف الاول فانه نفى حقه من الاصل فكان منكرا للسبب في حد القذف لا مسقطا للحد ولو قال ما قذفني لم تسمع منه دعوى القذف بعد ذلك مطلقا فكذلك إذا قال لا حق لى قبله ولو قال هو برئ من السرقة التى ادعيتها لم يكن عليه ضمان ولا قطع لان دعوى السرقة حق المسروق منه وهو مما يسقط باسقاطه (الا ترى) انه لو وهب المسروق من السارق سقطت خصومته وبدون خصومته لا تظهر السرقة في حق المال ولا في حق القطع ولو قال لست من فلان في شئ ثم أقام البينة على مال له عليه قبل هذا القول قبلت بينته وهذا القول باطل لانه ما تعرض في كلامه للحق الذى عليه وانما تعرض لنفسه والحق الذى عليه غير نفسه فلا يصير مذكورا بذكر نفسه وكذلك لو قال برئت من فلان أو قال أنا برئ من فلان لم يكن هذا القول براءة من حق لواحد منهما قبل صاحبه لانه أضاف البراءة إلى نفسه دون الحق الذى عليه فلا يصير الحق مذكورا به (ألا ترى) أن البراءة من نفس الغير تكون اظهارا للعداوة معه والبراءة من الحق الذى له عليه اظهار للمحبة ولو قال لست من هذا الدار التى في يد فلان في شئ ثم ادعى بعد ذلك حقا فيها لم تقبل دعواه لانه اخرج نفسه من الدار على العموم واتصاله بالدار من حيث ملكه أو حق له فيه فاخراجه نفسه منها على العموم يكون اقرارا بانه لا حق له فيها ولا ملك بخلاف قول لست من فلان في شئ فان اتصاله من فلان من حيث المحبة والتناصر فانما يكون هذا الكلام اقرارا منه بانه لا محبة بينهما ولا تناصر وعلى هذا لو قال أنا برئ من هذا الدار كان هذا اقرارا منه بانه لا حق له فيها لان تبرؤه عن العين يكون اقرار بانقطاع سبب اتصاله به وذلك بالملك أو الحق ولو قال خرجت من هذه
[ 166 ]
لا دار لم يكن اقرارا بشئ لانه أخبر فعله بالخروج من الدار ولو عاين ذلك لم يكن موجبا انتفاء حقه عنها فكذلك إذا قال خرجت منها وان قال قد خرجت منها علي مائة درهم أو بمائة درهم وقبضتها كان اقرارا بانه لا حق له فيها لان الخروج بعوض لا يكون اخبارا بعين الفعل بل يكون اخبارا بازالة ملكه عنها بعوض بطريق البيع أو بطريق الصلح فيكون اقرارا بانه لا حق له فيها وعلى هذا الحيوان والعروض والدين فان أنكر ذو اليد ذلك وقال هولي وقد أخذت مائة درهم غصبا حلف على ذلك لانه قد اقر بلاخذ المائة منه وادعى لاخذه شيأ وهو الصلح فإذا أنكر صاحبه السبب كان القول قوله مع اليمين ويسترد المائة إذا حلف ويكون المقر على خصومته لان ما أقر به من الصلح قد بطل بانكار صاحبه واسترداده بدل الصحل وإذا قال الطالب قد برئت من دينى على فلان أو هو في حل مما لي عليه كانت هذه براءة للمطلوب لانه أضاف البراءة إلى الحق الواجب على المطلوب فيكون مسقطا له وكذلك لو قال وهبت الذى لى عليه له فهو برئ من ذلك لان هبة الدين ممن عليه يكون اسقاطا فانه ليس بعين قابل للتمليك مقصود ولكنه محتمل للاسقاط فتصير الهبة فيه عبارة عن الاسقاط مجازا كهبة المرأة من نفسها يكون طلاقا وهبة العبد من نفسه يكون اعتاقا وهبة القصاص ممن هو عليه يكون عفوا فان كان فلان حاضرا فلم يقبل الهبة أو كان غائبا فبلغه فقال لا أقبل فالمال عليه كما لو ابرأه فرد الابراء وهذا لان ابراء من عليه الدين وان كان اسقاطا ففيه معنى التملك لانه يجوز أن يملك ما في ذمته ويسقط عنه كما يكون عند قضاء الدين أو الشراء بالدين فلما كان فيه معنى التمليك احتمل الارتداد برده ولكونه اسقاطا لا يتوقف علي قبوله حتى لو مات قبل أن يرده فهو برئ لان البراءة حصلت له بنفس الاسقاط على احتمال أن يعود برده فإذا مات قبل أن يرده ثم الاسقاط بموته وكذلك لو قال هو في حل مما لي عليه فهذا اللفظ يستعمل في الابراء عرفا فهو وقوله هو برئ مما لى عليه سواء ولو قال ليس لى مع فلان شئ لم يكن هذا ابراء من الدين وكان براءة من كال أمانة بمنزلة قوله ليس عند فلان لان كلة مع للضم وكلمة عند للقرب وذلك يتحقق في الاعيان دون الديون وإذا اقر الطالب أن فلانا قد برئ إليه مما له عليه فهذا اقرار بالقبض لانه أقر ببراءته بفعل من المطلوب متصل بالطالب حين وصله بنفسه بحرف إلى وذلك انما يكون بايفاء الدين فان ابتداءه من المطلوب وتمامه من الطالب بقبضه وإذا اقر انه لا قصاص له قبل فلان فله أن يدعى الخطا والحد لان
[ 167 ]
القصاص اسم خاص لعقوبة هي عوض حق العباد واجب بطريق المماثلة فلا يدخل فيه الخطأ والحد لان موجب الخطأ والحد مال ومعظم الحق في الحد لله تعالى وإذا اقر انه لا جراحة له خطأ قبل فلان فله أن يدعى العمد ان كان فيه قصاص أو لم يكن لان الخطأ صفة للفعل لا لموجبه والعمد ضده فلا يكون نفيه بصفة نفيا منه فعلا بضد تلك الصفة فان ما ليس يمين يختلف باختلاف وصفه ولو اقر انه لا جراحة له قبل فلان فليس له أن يدعي جراحة عمدا ولا خطأ لانه نفى الفعل مطلقا فلا يتقيد بأحذ الوصفين إذا المقيد غير المطلق ونفي الفعل نفى لموجبه ضرورة وله أن يدعى الدم لان الجرح اسم خاص لما دون النفس فلا يتناول النفس لان الفعل في النفس ازهاق الحياة وفيما دونها اماتة لجزء ما هو دونها في الجرح ولا مغايرة أبين من مغايرة محل الفعل وان أقر أنه لاحد له قبل فلان فادعى سرقة يجب فيها القطع فهو على دعواه لانه انما نفى حدا هو حقه وحد السرقة خالص حق الله تعالى حتى لا يعمل فيه الرجوع عن الاقرار ولا يعتبر خصومة المسروق منه في القطع وانما حقه في دعوى المال وهو ما نفى ذلك باقراره وان أقر أنه لا دم له قبل فلان فليس له أن يدعى دما خطأ ولا عمدا لانه نفى باقراره الدم مطلقا وقد بينا أن نفى السبب نفى لموجبه والدية في الخطأ موجب الدم كالقصاص في العمد وله أن يدعى ما دون الدم والدم في عرف اللسان عبارة عن النفس خاصة وليس من ضرورة نفى النفس نفى ما دونها ولو أقر أنه لا ارش له قبل فلان لم يكن له أن يدعى دية خطأ ولا صلحا عن دم عمد ولا عن كفالة بدية نفس ولا عن قبل شئ من الجراحة لان اسم الارش يعم ذلك كله سواء كان ذلك واجبا بنفس الفعل أو بالصلح على الاصل أو على الكفيل بكفالته به فاقراره بنفى الارش يتناول ذلك كله والله أعلم * (باب الاقرار بالعتق والكتابة) * (قال رحمه الله) وإذا اقر الرجل أنه أعتق عبده هذا أمس وهو كاذب عتق في القضاء ولم يعتق فيما بينه وبين الله تعالى لان الاقرار خبر محتمل للصدق والكذب لكن دين المقر وعقله يدعو انه إلى الصدق والقاضى مأمور باتباع الظاهر فإذا ترجح جانب الصدق باعتبار الظاهر قضي القاضى بعتقه ولكن الله تعالى عالم بحقائق الاشياء فإذا لم يسبق من المقر فيه عتق كان خبره في الحقيقة كذبا والكذب بالاخبار عنه لا يصيره حقا كاقرار المقرين
[ 168 ]
به لا يصيره حقا باخبارهم به فلهذا لا يعتق فيما بينه وبين الله تعالى ولو قال أعتقتك أمس وقلت ان شاء الله لم يعتق لما سبق أن عمل الاستثناء في الكلام كعمل الشرط ولو أقر أنه علق عتقه بشرط لم يكن هذا اقرار بالعتق فكذلك إذا أقر انه استثنى موصولا وكذلك لو قال أعتقتك أمس وانما اشتراه اليوم فقد أضاف العتق إلى وقت لم يكن مالكا للعتق فيه فهو كقوله أعتقتك قبل ان اشتريتك ولو اقر انه اعتق عبده هذا لا بل هذا عتقا جميعا لان رجوعه عما أقر به للاول باطل واقامة الثاني مقامه في الاقرار بعتقه صحيحة فلهذا عتقا ولو قال أعتقتك علي مال وقال العبد أعتقتني بغير مال فالقول قول العبد لان المولى أقر بعتقه وادعى وجوب المال لنفسه في ذمته لان العتق ينزل بنفس القبول قبل الاداء والمولى مقر بقبوله فلهذا عتق العبد وهو غير مصدق فيما يدعى من المال في ذمة العبد الا أن يقيم البينة عليه أو يحلف العبد ان لم يكن له بينة ولو قال جعلت أمرك بيدك في العتق أمس فلم تعتق نفسك وقال العبد بل اعتقت نفسي لم يصدق العبد لان المولى ما أقر بعتقه فان جعل الامر في يده لا يوجب العتق ما لم يعتق العبد نفسه والعبد مدع لذلك والمولى منكر ولا قول للعبد في الحال لانه يخبر بما لا يملك انشاءه فقد خرج الامر من يده بالقيام من المجلس وكذلك لو قال أعتقتك علي مال أمس فلم تقبل وقال العبد بل قبلت أو قال اعتقتني بغير شئ فالقول قول المولى لانه ما أقر بعتقه فان اعتاقه بمال تعليق بشرط القبول ولهذا لا يملك الرجوع قبل قبول العبد ولو أقر بتعليق عتقه بشرط آخر لم يقبل قول العبد في ايجاد الشرط ولا في انكار التعليق بالشرط وكذلك هذا في الطلاق وفي قوله أمرك بيدك واختارى فان أقام العبد البينة علي قبوله أو علي اعتاق المولي اياه بغير شئ كان الثابت بالبينة كالثابت باقرار المولى ولو قال لعبده كاتبتك ولم يسم مالا وقال العبد لا بل على خمسمائة فانه ينبغى في قول أبى حنيفة رحمه الله أن يصدق العبد ولا يصدق في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وأصل المسألة فيما إذا اختلف المولى والمكاتب في مقدار بدل الكاتبة فعلي قول أبى حنيفة رحمه الله القول قول المولى ويتحالفان وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله بمنزلة البيع لانه لا يصح الا بتسمية البدل ويحتمل الفسخ كالبيع وفي قول ابى حنيفة رحمه الله الاخر القول قول العبد لان الكتابة إذا تمت بالعتق لا تحتمل الفسخ فتكون بمنزلة العتق على مال والطلاق بمال إذا وقع الاختلاف في مقدار البدل يكون القول قول المنكر في الزيادة ولا يجرى التحالف فلما كان من أصلهما أن
[ 169 ]
الكتابة على قياس البيع وقد بينا في البيع أن اقراره به من غير تسمية الثمن باطل فكذلك في الكتابة فيبقى العبد مدعيا للكتابة بخمسمائة ولا يصدق في ذلك الا بحجة وعند أبى حنيفة رحمه الله هو بمنزلة العتق والطلاق فاقراره به صحيح وان لم يسم ما لا ثم نقول على قول أبى حنيفة رحمه الله الاخر المولى لا يتمكن من انكار أصل الكتابة بعد ما أقر بها وان ادعى مالا خلاف ما أقر به العبد فالقول قول العبد فعرفنا انه قد وجب تصديق العبد عندهما إذا ادعى المولى خلاف ما أقر به العبد لم يصدق العبد وتحالفا فكذلك هنا ولو قال كاتبتك أمس على الف درهم فلم تقبل الكتابة وقال العبد بل قبلتها فالقول قول العبد لان الكتابة في هذا قياس البيع من حيث انها لا تحتمل التعليق بالشرط ويلزم الايجاب فيها قبل القبول فاقراره بالعقد يكون اقرارا بالايجاب والقبول جميعا ثم قوله فلم تقبل يكون رجوعا عن الاقرار فلا يصح رجوعه كما لو أقر انه باع عبده من فلان بالف درهم فلم يقبل وقال فلان قبلت بخلاف ما تقدم من العتق والطلاق فانه يحتمل التعليق بالشرط والايجاب فيه لازم قبل القبول فاقراره بفعله لا يكون اقرارا منه بقبول العبد والمرأة ولو أقر انه كاتب عبده هذا على ألف درهم لا بل هذا وادعى كل واحد منهما الكتابة جاز ذلك لهما لما بينا أن رجوعه عن الاقرار للاول باطل وهذا بخلاف ما لو اقر أنه كاتب هذين العبدين على الف درهم الا هذا لانه هناك أخرج كلامه مخرج الاستثناء والاستثناء صحيح موصولا فانما يصير مقرا بما وراء المستثنى وفي الاول أخرج الكلام مخرج الرجوع ولا يصح الرجوع عن الاقرار موصولا ومفصولا ولو أقر انه كاتبه وهو صبى فقال المكاتب بل كاتبتني وأنت رجل فالقول قول المولى لانه اضاف الاقرار إلى حال معهودة تنافى الكتابة ولو أقر انه كاتب هذا قبل أن يملكه أو انه كاتبه أمس وقال ان شاء الله فالقول المولى مع يمينه لانه وصل كلامه بما ينفى اصل الكتابة بخلاف ما لو قال المولى اشترطت الخيار لانتفى أصل العقد فان تأثير الخيار في تغيير وصف العقد وجعل حكمه كالمتعلق بالشرط لا أن يصير أصل السبب متعلقا فلم يكن المولى بدعوى الخيار منكرا لاصل العقد بخلاف ما الاستثناء والبيع في هذا قياس الكتابة والله أعلم * (باب اقرار الكفار) * (قال رحمه الله) وإذا أقر الحربى المستأمن في دار الاسلام بدين لمسلم فهو لازم لانه
[ 170 ]
أهل أن يجب عليه الحق للمسلم بالمعاملة فيصح اقراره له وهو سبب حادث فيحال به على أقرب الاوقات وهو ما بعد دخوله دارنا بأمان فان قال أداننى في دار الحرب وقال المسلم في دار الاسلام فالدين لازم عليه سواء قال ذلك موصولا باقراره أو مفصولا لانه يدعى تاريخا سابقا لما اقر به من المال وهو غير مصدق في دعوى التاريخ وان وصل كلامه ولان بهذا الاضافة لا ينكر وجوب أصل المال فان المداينة في دار الحرب سبب لوجوب المال للمسلم عليه ولكن لا تسمع الخصومة فيه في دار الاسلام ما لم يسلم أو يصير ذميا فيصير هذا بمنزلة دعوى الاجل وان ادعاه موصولا باقراره وكذلك لو أقر بذلك لمستأمن مثله أو لذمى وكذلك لو أقر بشئ بعينه في يده أنه له واقرار المستأمن بالنكاح والطلاق والعتاق والولد والجراحات وحد القذف والاجارة والكفالة وما أشبه ذلك جائز لان في هذا كله حق العباد والمستأمن ملتزم لذلك مدة مقامه في دارنا حتى إذا باشر سبب ذلك كان مؤاخذا به فكذلك إذا أقر به ولو أقر بحد زنا أو سرقة فقد عرف أن قول أبى حنيفة رحمه الله ومحمد رحمه الله الحدود التى هي لله تعالى لا تقام على المستأمن وان ثبت سببها بالبينة أو بالمعاينة وكذلك إذا أقر به وعند أبى يوسف رحمه الله في القول الاخر تقام الحدود عليه كما تقام على الذمي فيصح اقراره بها كما يصح اقرار الذمي وهى مسألة كتاب الحدود والفرق بين هذا الحد وحد القذف معروف أن فيه حق العبد ويضمن السرقة إذا أقر بها لان الضمان من حقوق العباد ولو أقر مسلم لذمى بخمر أو خنزير في يده جاز اقراره لان الخمر مال في حق الذمي فيؤمر بردها عليه بحكم اقراره وكذلك لو أقر الذمي للمسلم بعينها لان الخمر للمسلم مملوكة وان لم تكن مالا متقوما فيؤمر الذمي بردها عليه باقراره ويؤمر المسلم أن يخللها ولو أقر له بخمر أو خنزير مستهلك لم يلزمه شئ كما لو عايناه استهلك الخمر والخنزير على المسلم وهو نظير ما لو اقر له بجلد شاة ميتة يؤمر بدفعه إليه لينتفع به وان كان مستهلكا لم يلزمه شئ وان أقر بها لذمى يعنى بخمر أو خنزير مستهلك لزمه قيمتها لانها مال متقوم في حقه يضمن متلفها عليه عندنا وإذا أسلم الذمي فاقر ذمى أنه استهلك له خنزيرا بعد اسلامه وقال المسلم استهلكته قبل اسلامي فهو ضامن لقيمته في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وفي قول محمد رحمهما الله لا ضمان عليه وهذا بناء على ما سبق إذا قال لحربي أسلم أتلفت مالك أو قطعت يدك حين كنت حربيا وقد بينا هذا الخلاف فهذا قياسه وعلى هذا لو أن ذميا أقر بخمر وقال استهلكتها وأنا حربى وقد علم كونه حربيا من قبل فهو
[ 171 ]
علي الخلاف الذى بينا واقرار المرتد بالحقوق جائز ان السلم وان قتل على ردته أو لحق بدار الحرب لم يجز اقراره في كسب اسلامه ويجوز اقراره فيما اكتسبه بعد الردة في قول أبى حنيفة رحمه الله واقرار المرتدة بذلك كله جائز وعندهما اقرارهما جائز في ذلك الا أن عند أبى يوسف رحمه الله هو بمنزلة اقرار الصحيح وعند محمد رحمه الله هو منزلة اقرار المريض وهذا نظير اختلافهم في تصرفات المرتد فان الاقرار تصرف منه كسائر التصرفات وهو مسألة كتاب السير ولو أقر المرتد بمكاتبة عبد له أو بعتقه في حال الاسلام لم يجز في قول أبى حنيفة رحمه الله ان قتل أو لحق بدار الحرب ويجوز عندهما الا أن محمدا رحمه الله يقول هو بمنزلة اقرار المريض وإذا أقرت المرتدة أو المرتد بحد في قذف أو سرقة أو زنا أو جراحة عمد فيها قصاص فذلك جائز عندهم لان الحجر بسبب الزيادة لا يكون أقوى من الحجر بسبب الرق ولان توقف تصرفه في المال عند أبى حنيفة رحمه الله لتوقف ملكه وذلك غير موجود في العقوبات فاما ما كان من الجراحات التى توجب المال فاقراره بها يوقف عند ابى حنيفة رحمه الله ويكون نافذا عندهما على ما بينا وذكر حديث القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه أن عبد أتى على بن أبى طالب كرم الله وجهه فأقر بالسرقة مرتين فامر به فقطع قال عبد الله وكأني أنظر إلى يده معلقة في عنقه وفيه دليل على صحة اقرار العبد بالاسباب الموجبة للعقوبة وبه يستدل أبو يوسف رحمه الله في اشتراط التكرار في الاقرار الا ان أبا حنيفة ومحمدا رحمهما الله قالا في الحديث أقر مرتين فقطعه وليس فيه لو لم يكرر اقراره لم يقطعه والسكوت لا يكون حجة وذكر عن أبى مالك الاشجعى رحمه الله قال أتى عبد قد رأيته على بن أبى طالب رضى الله عنه فاقر عنده بالزنا فأمر به قنبرا وقال اضربه فإذا قال اتركني فاتركه فلما وفاه خمسين جلدة قال له العبد اتركني فتركه وهو دليل على اقرار صحة العبد بالحد على نفسه ولقوله فإذا قال اتركني فاتركه تأويلان أحدهما انه إذا رجع عن اقراره فاقبل ذلك منه والثانى انه علم فقه العبد في انه لا يقول له اتركني الا بعد أن يتم عليه حد العبيد وقد ظهر ذلك حين قال له اتركني بعد خمسين جلدة وإذا اقر العبد المحجور بدم عمد وله وليان فعفا أحدهما لم يكن للاخر مال في عتقه لان صحة اقراره يكون موجبا للعقوبة عليه وكون دمه خالص حقه فإذا آل الامر إلى أن يكون الواجب مالا بطل اقراره لان ماليته حق مولاه وكان هو بمنزلة اقراره بالقتل الخطأ ولو أقر بسرقة لا يجب في مثلها القطع كان اقراره باطلا لان كسبه ومالية رقبته حق لمولاه فلا يصدق في
[ 172 ]
اقراره واقراره بالمال بهذا السبب صحيح كاقراره بالغصب واقرار الصبي المحجور عليه والمعتوه والمغمى عليه والنائم باطل بمنزلة سائر تصرفاتهم واقرار السكران جائز كاقرار الصاحى بمنزلة سائر التصرفات ينفذ من السكران كما ينفذ من الصحيح ويستوى في ذلك اقراره بالمال أو بالحد أو بما يصح الرجوع عنه أو بما لا يصح إذا لم يرجع عنه لان السكر عبارة عن غلبة السرور فلا يؤثر في عقله شيأ فينفذ اقراره كما ينفذ ممن هو صاح وكذلك الاصم والاعمى والمقعد والمفلوج فهذا الآفات لا تؤثر في عقله ولا في لسانه فهو في أقاريره كالصاحي واقرار الاخرس إذا كان يكتب ويعقل جائز في القصاص وحقوق الناس لان له اشارة مفهومة تنفذ تصرفاته بتلك الاشارة ويحتاج إلى المعاملة مع الناس فيصح اقراره بحقوق العباد ما خلا الحدود فان الاقرار بها يستدعى التصريح بلفظ الزنا والسرقة وباشارته لا يحصل هذا ولان الحدود تدرأ بالشبهات فلعل في نفسه شبهة لا يتمكن من اظهارها باشارته إذ هو لا يقدر على اظهار كل شئ باشارته ولهذا لا تقام عليه الحدود بالبينة ايضا لانا لو اقمناها كان اقامة للحد مع الشبهة ولا يجوز اقرار الاب على ابنه الصغير أو الكبير المعتوه بشئ من مال أو جناية لانه شهادة منه على غيره وشهادة الواحد على غيره لا تكون ملزمة ولان ولاية الاب علي ولده مقيدة بشرط النظر في المصلحة له عاجلا وذلك لا يحصل باقراره عليه وكان هو في الاقرار عليه كاجنبي آخر والله أعلم * (باب الاقرار بالكتاب) * (قال رحمه الله) وإذا كتب الرجل ذكر حق على نفسه بشهادة قوم أو كتب وصية ثم قال اشهدوا بهذا لفلان على ولم يقرأ عليهم الصك ولم يقرأه عليه فهذا جائز إذا كتبه بين أيديهم بيده أو املاه علي انسان فكتبه لان المكتوب معلوم لهم وهو بقوله اشهدوا بهذا لفلان على صار مقرا بجميع ما في الكتاب مشهدا لهم على ذلك ولا اظهار أتم من هذا فالاقرار بيان باللسان وذلك بالاملاء حاصل ولكن لا يؤمن النسيان فالكتاب يؤمن من ذلك ما يكون من البيان وان لم يحضروا كتابته ولا املاءه لم تجز شهادتهم لانه لا علم لهم بما في الكتاب حين لم يقرأه عليهم وقال الله تعالى الا من شهد بالحق وهم يعلمون فمن لم يعلم ما شهد عليه لا تجوز شهادته وان كتب رجل كتابا إلى رجل من فلان إلى فلان أما بعد فان لك علي من قبل
[ 173 ]
فلان كذا وكذا درهما فذكر جائز عليه إذا كتب ما يكتب الناس في الرسائل وفي القياس لا يجوز هذا لان الكتاب محتمل قد يكون لتجربة الخط والقرطاس وقد يكون ليعلم كتب الرسالة والمحتمل لا يكون حجة ولكنه استحسن للعادة الظاهرة بين الناس أنهم انما يكتبون كتاب الرسائل بهذه الصفة لاظهار الحق واعلام ما عليه من الواجب فإذا ترجح هذا الجانب بدليل العرف حمل الكتاب عليه بمنزلة لفظ محتمل يترجح فيه معنى بدليل العرف وان جحد وشهدت البينة انه كتبه أو أملاه جاز عليه لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة وكذلك هذا في الطلاق والعتاق وسائر الحقوق ما خلا القصاص والحد فانى آخذ فيها بالقياس لانها عقوبات تدرأ بالشبهات فاحتمال جهات أخرى سوى ما ترجح بدليل العرف يصير شبهة في ذلك وهو نظير الاستحسان في صحة اقرار الوكيل على موكله في مجلس القاضي أنه لا يجعل حجد في القصاص والحدود أخذا بالقياس لبقاء شبهة عدم الخصومة حقيقة في الاقرار ولكنه يضمن السرقة بهذا الكتاب لان الضمان يثبت مع الشبهات وان كتب في الارض أو في صحيفة أو خرقة لفلان علي الف درهم لم يلزمه شئ لانه لا عرف في اظهار الحق الواجب بهذا الطريق فيبقى محتملا في نفسه والمحتمل لا يكون حجة بخلاف المكتوب علي رسم كتب الرسائل للعرف الظاهر فيه بين الناس وقال أبو حنيفة رحمه الله لا أجيز كتاب القاضى حتى يشهد الشهود على ما في جوفه وهو قول محمد رحمه الله لان المشهود به ما في الكتاب فلا بد أن يكون معلوما للشهود وان يشهدوا عليه فإذا كتبه بين أيديهم وقال اشهدوا عليه جاز لانه صار معلوما لهم وان لم يحضروا الكتاب لم تجز شهادتهم حتى يقرأ عليهم فاما عند أبى يوسف رحمه الله إذا اشهدهم على الكتاب والخاتم وشهدوا على ذلك اجيزه وان لم يعلموا ما فيه استحسانا لان كتاب القاضي إلى القاضى قد يشتمل علي شئ لا يريد أن يقف عليه غيرهم ففى تكليف اعلامهم ما في الكتاب نوع حرج وبالختم يقع الا من من التغيير والتبديل فلهذا استحسن أبو يوسف رحمه الله قبول ذلك غير أنهما قالا كتاب الخصومة لا يشتمل على التبديل لذلك كتاب آخر فلا بد من اعلام الشهود ما في الكتاب ولو قرأ رجل على رجل صكا فقال أشهد عليك بما في هذا الكتاب فقال نعم فسمع ذلك آخر وسعه أن يشهد عليه لان معنى كلامه اشهد على جميع ما قرئ وذلك معلوم للسامع والقارئ جميعا وهذا من المجيب اقرار تام فلمن سمعه أن يشهد عليه سواء أشهده عليه أو لم يشهده قال الشعبى رحمه الله إذا
[ 174 ]
أشهد الرجل قوما على شهادة فسمع ذلك آخرون فشهدوا فهى شهادة جائزة وإذا كتب الرجل ذكر حق لفلان عليه بكذا وعندهم قول حضور ثم قال اختموا عليه فليست هذه بشهادة لان قوله اختموا محتمل يجوز أن يكون معناه لا تظهروه فانه غير واجب على والمحتمل لا يكون حجة فان الشئ يختم عليه ليكون محفوظا تارة وليكون مكتوما أخرى وكذلك لو قالوا أنشهد عليك فقال اختموه ولو قالوا نختم هذا الصك فقال اشهدوا كان جائزا لان الشهادة لا تكون الا للاستئمان بالحق والامن من الجحود فيصير بهذا اللفظ مقرا بوجوب الحق عليه والحاصل أن لفظ الشهادة خاص شرعا لاظهار الحقوق (ألا ترى) أن الشاهد عند القاضى لو أبدل هذه اللفظة بلفظة أخرى لم يقبل القاضى منه شهادته فكذلك الذى يشهد على الكتاب إذا ابدله بلفظ آخر هو محتمل لا يكون اظهارا للحق الواجب عليه ولو كتب رسالة من فلان إلى فلان أما بعد فانك كتبت إلى انى ضمنت لك عن فلان ألف درهم ولم لاضمن لك ألفا وانما ضمنت لك عنه خمسمائة وعنده رجلان شهدا كتابته ثم مجئ كتابه فشهدا بذلك عليه لزمه وان لم يقل لهما اشهدوا ولا اختما فللاستحسان الذى بينا من حيث العرف لا تكتب الرسالة بهذه الصفة الا للاعلام بالحق الواجب ثم محوه الكتابة بمنزلة الرجوع عن الاقرار ففرق بين هذا وبين الصك فان هناك ما لم يقل اشهدوا على بهذا الا يكون ملزما اياه وهذا فرق مبنى على العرف ايضا فان الصكوك توثيق بالاشهاد عليها عادة ولا يتم الا بها وكتب الرسائل تخلو عن الاشهاد عليه عادة فلهذا مكان مجرد الكتابة بين أيديهم ملزما اياه وان لم يقل اشهدوا وكذلك الطلاق والعتاق وكل حق يثبت مع الشبهات ولو كتب هذه الرسالة قدام رجلين اميين لا يقرآن ولا يكتبان فامسك الكتاب عندهما وشهدا به عليه فهو جائز عند أبى يوسف رحمه الله أما لو أقرأ الكتاب عندهما وشهدا به عليه فهو جائز عند ابى يوسف رحمه الله بمنزلة ما لو أقرأ الكتاب عند القاضى انه كتبه إليه قبل أن يفسر القاضى ما فيه وهذا كله بناء على اصل أبى يوسف رحمه الله أن علم الشهود بما في الكتاب ليس بشرط وأما عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله فلا يجوز حتى يعلما ما في الكتاب أو يقرآنه عند القاضى مفسرا وأصله فيما ذكر كتاب أدب القاضى أن القاضى إذا وجد في خريطته سجلا فيه حكمه وختمه ولم يتذكر الحادثة فليس له أن يقضى به عند أبى حنيفة رحمه الله وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله له ذكر فمحمد رحمه الله يفرق بين هذا وبين تلك فيقول اصل الحادثة هناك
[ 175 ]
كان معلوما عنده ثم نسيه وقد أمس من التبديل فيه لكونه تحت خاتمه وهنا اصل الحادثة لم يكن معلوما للشاهد وهو أمي لا يعرف الكاتب ولم يسمع الكاتب يخبر فلم يسند علم الشهادة به أصلا ولو كتب على نفسه صكا قدام أميين ثم قال أشهدا عليه وهما لا يعلمان ما فيه لم يجز ذلك بالاتفاق لان الاشهاد على ما ليس بمعلوم للشاهد باطل فذكره كعدمه وأبو يوسف رحمه الله يفرق بين هذا وبين الاول فيقول الاشهاد على كتاب الرسالة ليس بشرط فعلم الشاهد بما فيه لا يكون شرطا أيضا والاشهاد على الصك شرط لجواز الشهادة عليه فعلم الشاهد بما فيه يكون شرطا ايضا ولو كتب رسالة في تراب لم يجز لما بينا من انعدام الفرق المرجح في هذا الا ان يقول اشهدوا على بهذا فحينئذ هو جائز لان بالكتابة في التراب صار معلوما لهم فإذا اشهدهم على معلوم صار كانه ذكر ذلك بلسانه بين ايديهم وكذلك ان كتبه في خرقة أو صحيفة أو لوح بمداد أو بغير مداد الا أنه يستبين فيه الخط ثم قال اشهدا على بذلك أو أقر عند القاضى انه كان كتب لم يلزمه ذلك لان الكتابة التى لا يستبين فيها الخط كالصوت الذى لا تستبين فيه الحروف وذلك لا يكون اقرارا بشئ فكذلك هنا وهذا لان الاشهاد انما يصح على ما يكون معلوما للشهود والكتابة التى لا يستبين فيها الخط لا توجب اعلام شئ لهم ولان المقصود بالكتاب الحفظ عن النسيان وشئ من هذا المقصود لا يحصل بالكتابة التى لا يستبين فيها الخط فوجوده كعدمه ولو كتب في صحيفة حسابه أن لفلان على الف درهم وشهد شاهدان حضرا ذلك أو اقر هو عند الحاكم به لم يلزمه الا أن يقول اشهدوا على به لان ما يكتب في صحيفة الحساب محتمل وقد بينا اختيار أئمة بلخ رحمهم الله فيه فيما سبق ولو كتب أن لى على فلان الف درهم في صك بخطه قدام شاهدين وبمحضر ممن عليه المال وهو كان يعرف ما يكتب ثم قال للشاهدين اشهدا فقال فلان المكتوب عليه نعم فهو جائز وهما في سعة بان يشهدوا أنه أقر واشهدهما علي نفسه لان كتابة صاحب الحق صار معلوما كما يصير معلوما كتابة من عليه الحق وتمام الصك بالاشهاد وقد حصل ذلك يقول من عليه الحق نعم لان معناه نعم فاشهدوا على ذلك (ألا ترى) أن في الاقرار باللسان لا فرق بين ان يتكلم به صاحب الحق فيقول اليس لى عليك كذا فيقول من عليه بلى وبين أن يتكلم به من عليه الحق فكذلك في الكتاب والله أعلم بالصواب
[ 176 ]
* (باب الاقرار بالدين في الحيوان) * (قال رحمه الله) فإذا اقر الرجل أو المرأة أن لفلان على عبدا ثم انكره فانه يقضى عليه بقيمة عبد وسط كما يقضي في المهر في قول أبى يوسف رحمه الله وقال محمد رحمه الله القول قوله مع يمينه فمحمد رحمه الله يقول اقرار بالعبد دينا عليه كاقراره بغصب عبد هو عين في يده وذلك لا يتعين به وصف بل على أي وصف بينه قبل قوله فيه فكذلك هنا ولان المقر به مجهول فيكون البيان فيه إلى المقر ولا يتعين لوجوب المقر به سبب هذا لمطلق اقراره لانه لم يتعرض في اقراره لسبب وبين الاسباب معارضة فلا تتعين وتعيين صفة الوسط بتعيين بعض الاسباب وأبو يوسف رحمه الله يقول انه اقر على نفسه بالعبد مطلقا فينصرف مطلق الاقرار إلى السبب الذى يثبت به العبد المطلق دينا في الذمة وذلك كالنكاح ويتعين فيه وكانه صرح بذلك فاقر لامرأة بدين عليه صداقا ولو صرح بذلك تعين فيه الوسط فكذلك هنا وكذلك ان أقر به لرجل فلعل هذا الرجل كان زوجه ثلاثة على عبده ثم ماتت فصار ذلك ميراثا للاب وكذلك ان كان كان المقر امرأة فلعلها ضمنت الصداق عن الزوج ثم ماتت المنكوحة فصار ذلك ميراثا لابيها علي الضامنة مع أن العبد المطلق كما يثبت صداقا يثبت في الخلع والصلح عن دم العمد ويتعين فيه الوسط على وجه يكون الواجب مترددا بين العبد وبين قيمته فايهما أتى به جبر الطالب على قبوله فبالاقرار تثبت هذه الصفة أيضا وهذه المسألة في الحقيقة تنبنى على الاصل الذى بينا في أول الكتاب أن عند أبى يوسف رحمه الله مطلق الاقرار بالمال ينصرف إلى التزام بسبب عقد مشروع وعند محمد رحمه الله لا تتعين هذه الجهة وقد بيناه في الاقرار للجنين وإذا قال له عبد فرض عليه قيمة عبد والقول فيها قوله مع يمينه أما عند محمد رحمه الله فظاهر وكذلك عند ابى يوسف رحمه الله هنا لانه صرح بالقرض وكذلك يمنع مع تعين العقود التى يثبت فيها الحيوان دينا في الذمة وتتعين الصفة المتوسطة باعتبار ذلك فإذا سقط اعتباره بقى اقراره بقبض عبده بطريق القرض واستقراض الحيوان وان كان باطلا فالمقبوض يصير مضمونا بالقيمة كالمغصوب ولو اقر بالغصب كان القول في تعيينه قوله ولو كان مستهلكا فالقول في بيان قيمته قوله فكذلك هنا ولو قال له على دابة كان عليه قيمة الدواب لان اسم الدابة يتناول أجناسا مختلفة ولا يصح التزامها في
[ 177 ]
شئ من العقود بهذا اللفظ فلم يتعين لما أقر به وضعا بل البيان في ذلك إلى المقر فإذا جاء بدابة بعينها وقال هي هذه فالقول قوله ان جاء بفرس أو برذون أو بغل أو حمار ولا أقبل منه غير ذلك لان اسم الدابة يتناول هذه الاجناس الثلاثة بدليل ما لو حلف لا يركب الدابة لا يتناول الا هذه الاجناس الثلاثة وذلك معروف في كتاب الايمان وانما يصح البيان من المقر إذا كان مطلقا للفظه ولو أقر أن لفلان عليه دارا أو أرضا أو نخلا أو بستانا فحقيقة هذا الكلام محال لان حقيقته اقرار بالدين وهذه الاشياء لا تكون دينا بحال ولكن إذا تعذر العمل بحقيقة الكلام وله مجاز محتمل يحمل عليه فكأنه قال على رد هذه الاشياء قال صلى الله عليه وسلم عليه اليد ما أخذت حتى ترد فيكون بمنزلة اقراره بغصب دار أو بستان فيؤخذ بادني ما يكون ذلك حتى يدفعه إليه لان الادنى هو المتيقن به. ولو أقر أن لفلان عليه ثوبا هرويا فما جاء به من ثوب هروي بعد أن يحلف قبل هذا على قول محمد رحمه الله فاما عند أبى يوسف رحمه الله فينبغي أن ينصرف اقراره إلى الوسط على قياس العبد وصح في قولهم جميعا وأبو يوسف رحمه الله يفرق فيقول هناك العبد المطلق لا يثبت الا دينا الا في معاوضة مال بما ليس بمال ويتعين فيه الوسط وهنا الثوب الهروي يثبت دينا في مبادلة مال كالسلم فلا يتعين فيه الوسط بل لابد من بيان الوصف فيه فلا يتعين لاقراره هنا ببعض الاسباب فلهذا قبل قوله في بيانه بعد أن يحلف إذا ادعى المقر له شيأ آخر وكذلك لو قال له على ثوب ولم يسم جنسه فاى ثوب جاء به قبل منه اللبيس والجديد فيه سواء ولا يترك حتى يسمى ثوبا لان بمطلق اسم الثوب لا يثبت الثوب دينا في شئ من العقود فيصير كلامه عبارة عن الاقرار بالغصب ومع بيانه الجنس والصفة والاجل يثبت دينا فلهذا كان القول في بيانه قول المقر ولو أقر انه لا هبة له قبل فلان ثم ادعى عبدا جعله له من صلح أو قال لا صلح لى قبل فلان ثم ادعى عبدا شراء كان على دعواه لانه ادعى غير ما نفاه ولو أقر أنه ليس له من هذا العبد شئ ثم ادعي انه اشتراه لغيره قبل اقراره لم يقبل ذلك منه لانه مناقض في كلامه ففيما ما اشتراه لغيره مما هو من حقوق العقد من القبض والخصومة في العبد كانه اشتراه لنفسه ولو ادعاه لنفسه بعد ذلك الاقرار لم يسمع منه فكذلك إذا ادعى أنه اشتراه لغيره وإذا اقر بالرهن في السلم لم يجز في قول ابى حنيفة رحمه الله الاول حتى يعاين الشهود التسليم ويجوز في قوله الآخر
[ 178 ]
وهو قولهما وقد بيناه فيما سبق فان كان في يد الراهن أمر بالدفع إلى المرتهن لان ثبوت اقراره بالبينة كثبوته بالمعاينة وان تصادقا في رهن بغير قبض أو على رهن مشاع فهو باطل لان الرهن لا يتم الا بالقبض والشيوع يمنع ثبوت اليد بحكم الرهن عندنا فانما تصادقا علي سبب غير ملزم ولو عاينا ما تصادقا عليه لا يجبر على التسليم ولو أقر انه رهن هذا العبد من فلان بمائة درهم وانه قد قبضه منه وقال فلان بمائتي درهم فالرهن جائز وهو مائة درهم لان المرتهن يدعى زيادة لا تثبت بدعواه والدين ليس ببدل عن الرهن فاختلافهما في مقدار الدين لا يتضمن التكذيب في أصل الرهن فلهذا كان رهنا بما اتفقا من المال عليه والله أعلم * (باب الاقرار بكذا والا فعليه كذا) * (قال رحمه الله) قد تقدم بيان الخلاف بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله في قوله لفلان على ألف درهم والا فلفلان أن عند أبى يوسف رحمه الله هذا بمنزلة قوله أو لفلان وعند محمد رحمه الله هو للاول دون الثاني ففرع علي ما ذكر ثمة وقال إذا قال لفلان علي الف درهم أقرضنيها أمس والا فعبده حر فهذا منه تأكيد للاقرار باليمين لان العتق يحتمل التعليق بالشرط فيلزمه المال ولا يعتق العبد كما لو حلف على ذلك بطلاق أو بحج ولو أقر أنه استقرض من فلان الف درهم وقبضها أو لفلان عليه الف درهم فالاقرار للاول جائز والثانى مخاطرة لا يلزمه أما علي قول محمد رحمه الله فظاهر وأما علي قول ابى يوسف رحمه الله فكذلك لانه لا مجانسة بين الكلامين فان القبض بحكم الاستقراض فعل وآخر كلامه قول فلا يمكن أن يجعل قوله والا بمعنى الترديد كحرف أو فبقى مقرا بالمال للاول ومعلقا اقراره للثاني بشرط عدم الاستقراض والقبض من الاول وتعليق الاقرار بالشرط لا يجوز. وكذلك لو قال ابتعت من فلان هذا العبد بالف درهم والا فلفلان على خمسمائة الا أن هنا ان أقر رب العبد ببيع العبد لزمه الالف وان أنكر ذلك لا يلزمه شئ لانه صار رادا لاقراره حين انكر بيع العبد منه واقراره بالخمسمائة كان معلقا بشرط وهو باطل من أصله ولو قال قد أعتقت عبدى هذا والا فغلامى هذا حر عتق الاول دون الثاني لانه أكد عتق الاول باليمين بعتق الثاني إذ لا مجانسة بين الكلامين لمحل قوله أو لو قال هذا حر والا فهذا أو أعتقت هذا والا فقد
[ 179 ]
أعتقت هذا كان مخيرا بينهما عند أبى يوسف رحمه الله لانه لما تجانس الكلامان فقوله والا بمنزلة قوله أو كما لو قال لفلان على الف درهم والا فلفلان علي مائة دينار أما عند محمد رحمه الله في هذا كله فالاول ايجاب صحيح والثانى باطل لانه بمنزلة التعليق بالشرط والله أعلم * (باب اقرار الرجل في نصيبه) * (قال رحمه الله) وإذا كانت الدار بين رجلين فاقر أحدهما أن نصيبه منها لفلان لا حق له فيه صح اقراره لثبوت ولاية التصرف له على نصيبه وكذلك ان أقر ببعض نصيبه من نصف أو عشر أو غير ذلك وكذلك لو أقر له بنصف الدار مطلقا ينصرف اقراره إلى نصيبه خاصة لان قصده تصحيح كلامه ولا يصح الا بان يحمل اقراره على نصيبه ولو قال له ربع جميع هذه الدار ولى ربع ونصفه ولصاحبي ربع ونصفه وجحد شريكه ذلك فان نصف الدار حصة المقر بين المقر والمقر له على خمسة للمقر سهمان وللمقر له ثلاثة لان المقر يعامل في نصيب صاحبه نفسه كأن ما اقر به حق ولا يصدق على غيره وقد زعم المقر هنا أن حق المقر له في سهمين من ثلثه وحقى في ثلثه وحق شريكي في ثلثه الا أن شريكه ظلمهما حين أخذ زيادة على مقدار حقه فلا يكون ذلك الظلم على أحدهما خاصة بل يجعل ذلك كالثاوى ويبقى ما في يد المقر تصرف فيه المقر له بسهمين والمقر بثلثه فيكون مقسوما بينهما على خمسة وإذا أقر أن لفلان عليه ألفا وانه قد قضاها اياه فوصل الاقرار بهذا ثم جاء بالبينة انه قضاها اياه قبل ذلك منه استحسانا وفي القياس لا يقبل وهو قول زفر رحمه الله لان كلامه محال فانه أقر بوجوب المال عليه في الحال وما قضاه قبل هذا لا يكون عليه في الحال فكان مناقضا في دعوى القضاء والكلام المحال والتناقض لا يمكن اثباته بالبينة ولكن استحسن للعرف فان الناس يذكرون هذا اللفظ ويريدون به أنه كان له عليه ذلك (ألا ترى) أن الرجل يقول هذا الثوب للامير كسانيه أو هذه الدابة للامير حملني عليها والمراد أنه كان له لا أنه في الحال له كذلك هنا. ولو قال له على الف درهم ثم قال بعدما سكت قضيتها اياه قبل أن أقر بها وجاء بالبينة لم يقبل منه لان قوله قضيتها اياه بيان مغاير لظاهر كلامه فان ظاهر كلامه الاخبار بوجوب المال عليه في الحال على احتمال أن يكون مراده انه كان ومثل هذا الكلام انما يسمع موصولا لا مفصولا فإذا سكت تقرر المال عليه واجبا في الحال فهو في قوله
[ 180 ]
قضيتها اياه قبل ان اقر بها مناقض في كلامه ولو قال كان له على الف درهم ثم قال قد قضيتها اياه قبل أن أقر به وجاء بالبينة قبلت بينته لان قوله كان كذا لا يكون تصريحا منه بقيامه في الحال وانما يجعل قائما باعتبار استصحاب الحال لان ما عرف ثبوته فالاصل بقاؤه وانما يصار إلى استصحاب الحال إذا لم يقم الدليل بخلاف وقد قام الدليل هنا حين أتى بالبينة علي ما ادعى من القضاء بخلاف ما سبق فان كلامه الاول هنا تصريح بوجوب المال عليه في الحال فهو بقوله كنت قضيتها من قبل يكون مناقضا فيما صرح به وعلى هذا لو قال هذا العبد لفلان اشتريته منه فوصله باقراره وأقام البينة على الشراء قبلت بينته استحسانا ولو قال بعد ما سكت اشتريته منه قبل الاقرار أو وهبه لى أو تصدق به علي لم تقبل بينته استحسانا فهذا والاول سواء ولو أقر أن هذا العبد الذى في يده عبد لفلان اشتريته منه بألف درهم ونقدته الثمن ثم قال بعد ذلك اشتريته من فلان الاخر بخمسمائة درهم ونقدته الثمن فان أقام البينة على ذلك كله فهو جائز وعليه اليمين للاول والثمن للاخر ومراده من هذا الجواب إذا أقام البينة على التعيين فقط دون نقد الثمن فأما إذا أقام البينة علي نقد الثمن فلا شئ لواحد منهما وإذا أقام على التعيين فقط فالمبيع مقبوض له وثمن المبيع المقبوض يكون متأكدا على المشترى وفي الذمة سعة بالحقوق فلهذا لزمه الثمن لكل واحد منهما وإذا لم تقم بينة على ذلك فالعبد للاول إذا جحد البيع لان اقراره بالشراء منه اقرار بملك أصل العبد له ولم يثبت شراؤه منه حين جحده فعليه رد العبد عليه وقد أقر للثاني انه قبض العبد منه بجهة البيع فان صدقه في ذلك فله الثمن خمسمائة لانه غير مصدق عليه فيما يدعى من نقد الثمن إذا لم يصدقه في ذلك وان جحد البيع ضمن له المقر قيمة العبد لان المقبوض على جهة الشراء مضمون بالقيمة علي القابض كالمقبوض بحقيقة الشراء إذا لم يجب به الثمن المسمى وكذلك هذا في الدار والارض والعروض وإذا أقر الرجل ان هذا العبد في يديه بينه وبين فلان ثم قال بعد ذلك هو بيني وبين فلان الآخر ثم تخاصموا إلى القاضى فانه يقضى للاول بنصيبه لانه شركه بنفسه في العبد وعند ذلك هو كان مالكا لجميع العبد ظاهرا فيكون كلامه اقرارا بالنصف ثم ساوى الثاني بنفسه في العبد وعند اقراره للثاني ما كان يملك في المقر به الا نصفه فصار مقرا له بنصف ذلك النصف وساوى الثالث بنفسه في العبد وعند ذلك ما كان يملك من العبد الا ربعه فصار مقرا له بنصف ذلك الربع وهو الثمن ويبقى في يد المقر الثمن وكذلك لو أقر على ميت
[ 181 ]
هو وارثه فاقراره فيما يخلف الميت بمنزلة اقراره على نفسه ابتداء ولو أقر بالعبد كله لفلان ثم قال بعد ذلك هو لفلان فانه للاول ولا شئ للآخر الا أن يدفعه إلى الاول بغير قضاء فحينئذ يضمن للآخر قيمته وقد بينا هذه الفصول في اقراره بالغصب والوديعة والعارية فيما اتفقوا عليه واختلفوا فيه. ولو كانت دابة في يدى رجل فقال استودعني فلان نصف هذه الدابة ثم قال استودعني فلان نصف هذه الدابة ثم قال استودعني فلان آخر نصف هذه الدابة فينصرف مطلق اقراره إلى ذلك ثم يضمن للثالث نصف قيمتها عند أبى يوسف رحمه الله إذا دفع بغير قضاء إلى الاولين وعند محمد رحمه الله سواء دفع بغير قضاء أو بقضاء على ما بينا فيما سبق في دار في يد رجل ثم أقام الآخر البينة عليه انه أقر انها له وأقام ذو اليد البينة ان المدعى أقر أنها له فالثابت من الاقرارين بالبينة كالثابت بالمعاينة فيتغايران للتعارض فتبقى الدار في يده علي ما كان وان شهد احد الشاهدين بألف والاخر بالف وخمسمائة جازت الشهادة على الف وان ادعى المدعى أكثر المالين لاتفاق الشاهدين علي الف لفظا ومعنى وكذلك عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لو شهد أحدهما بألف والآخر بألفين وعند أبى حنيفة رحمه الله لا تقبل الشهادة هنا لاختلاف الشاهدين في اللفظ وهى مسألة دوارة في الكتب معروفة بيناها في كتاب الطلاق وان شهدا على انه أقر بألف فقال أحدهما كنا جميعا وقال الآخر كنت وحدي فالشهادة جائزة لان الاقرار قول يعاد ويكرر ويكون الثاني هو الاول فبهذا لا يختلف المشهود به ولو ادعى على رجل ألف درهم فقال قد أخذت منها شيأ فقد أقر بها لان الهاء والالف في قوله منها كناية عن الالف فكأنه قال قد أخذت من الالف التى لك على شيأ وكذلك إذا قال كم وزنها أو متى حلها أو ما ضربها أو قد برئت اليك منها أو قد أديتها اليك فهذا كله اقرار بالف لما بينا ولو قال قد برئت اليك من كل قليل وكثير كان لك على لم يكن هذا اقرارا بالالف ولكنه اقرار بشئ لانه لا يؤخذ من قوله الايفاء فيتضمن الاقرار بشئ مجهول الجنس والقدر فيكون مجبرا على بيانه وإذا بينه يحلف الطالب ما قبضه منه ويحلف المطلوب ما عليه غير هذا لان الطالب يدعي عليه زيادة وهو لذلك منكر فالقول قوله مع يمينه والله أعلم * (باب الاقرار بما قبضه من غيره) * (قال رحمه الله) وإذا أقر الرجل أنه اخذ ثوبا من دار بينه وبين آخر فادعى عليه الشريك
[ 182 ]
نصف الثوب وأنكر المقر فالقول قول المقر لان الثوب في يده واقراره بالاخذ من دار مشتركة لا يتضمن الاقرار بالثوب غير متولد من الدار بل موضوع فيها وكل واحد من الشريكين ساكن في الدار يضع أمتعته فيها ثم يأخذها منها فلا يكون مقرا باليد للشريك في الثوب ولو اقر أنه قبض من بيت فلان الف درهم ثم قال هو لى فالمال لصاحب البيت لانه أقر بالاخذ من بيته فهو كاقراره بالاخذ من يده لان ما في ملك الانسان يكون في يده حكما لو نازعه فيه غيره كان القول قوله فيؤمر بالرد عليه حتى يثبت ما يدعيه من الملك لنفسه وكذلك ان زعم أنه لاخر الا أنه يضمن للثاني مثله لان اقراره حجة في حق نفسه وقد أقر بانه قبض ملكه وتعذر عليه رده فيضمن له مثله وكذلك لو قال قبضت من صندوق فلان مائة درهم أو من كيسه أو سفطه ثوبا هرويا أو من قريته كرا من حنطة أو من نخله كرا من تمر أو من زرعه كرامن حنطة فهذا كله اقرار بانه أخذ ما كان في يد فلان فعليه رده ولو قال قبضت من أرض فلان عدل زطي ثم قال مررت فيها مارا فنزلتها لم يصدق إذا لم يعرف نزوله فيها ويقضى بالزطى لصاحب الارض وقد بينا هذا الا أن تكون الارض طريقا معروفا للناس أو يكون له التصرف فيها فالقول قوله حينئذ وكذلك القرية إذا كان الطريق فيها لانه متمكن من التصرف فيها بالنزول فيكون قياس الدار المشتركة التى يمكن كل شريك من السكنى فيها فلا يتضمن كلامه الاقرار بانه خذ للعدل من صاحب الارض ولو قال أخذت من دار فلان مائة درهم ثم قال كنت فيها ساكنا باجرة فان علم ذلك أو بينه بالبينة فهو برئ من المال والا لم يصدق وأمر برد المال لانه إذا لم يثبت سبب يده على الدار في وقت ما يكون هذا اقرارا منه بأخذ المائة من صاحب الدار ولو شهد شاهدان أن فلانا أتى ارض فلان هذه فاحتفر فيها واستخرج منها ألف درهم وزن سبعة وادعاها رب الارض وجحد الحافر أو أقر بذلك وادعى أن المال له فانى أقضى بها لرب الارض لان شهادتهم على أخذها من ملكه كشهادتهم علي أخذها من يده أرأيت لو شهدوا انه ضرب صاحب الارض حتى أوقعه أو قاتله حتى غلبه ثم احتفر الارض وأخرج المال أما كان يؤمر بالرد عليه فهذا مما لا يشكل على أحد انه يؤمر برده وكذلك لو شهدوا انه أخذ من منزله كذا أو من حانوته أو أخذ دهنا من قارورته أو سمنا من زقه فهذا وشهادتهم على الاخذ من يده سواء وكذلك لو أقر أنه أخذ سرجا كان على دابة فلان أو لجاما أو حملا من حنطة كانت علي دابة فلان أو
[ 183 ]
طعاما كان في جولق فلان قضى به له لاقراره بالاخذ من يده فان دابة فلان وما عليها من يده وكذلك لو أقر انه أخذ بطانة جبته أو ستر بابه فالاضافة لملكه بمنزلة الاضافة إليه في أنه اقرار بالملك له وكذلك لو أقر أنه ركب دابة فلان أو لبس ثوب فلان أو استخدم خادمه ثم أخذه فلان آخر منه فهذا كله اقرار علي نفسه بفعل هو غصب من ملك الاول فيؤمر بالرد عليه وان عجز عن الرد كان ضامنا ولو قال فلان حملني على دابته أو في سفينته لم يضمن شيأ لانه ما فعل بنفسه في ملك الغير وانما أقر بفعل صاحب الدابة وذلك غير موجب للضمان عليه وكذلك لو اقر أنه حمل على دابة فلان هذا فعل ما لم يسم فاعله فلا يصير به مضيفا للحمل على نفسه ولا مقرا علي نفسه بسبب موجب للضمان ولو أقر أنه أخذ ثيابا من حمام فلان لا يضمن شيأ لان الناس يدخلون الحمام فيضعون ثيابهم فيها ثم يأخذونها فلا يتضمن هذا اللفظ الاقرار بيد أصلية لصاحب الحمام في الثياب وكذلك المسجد الجامع والكعبة والخان والارض ينزلها الناس ويضعون فيها الامتعة ولو أقر انه وضع ثوبه في بيت فلان لم يضمن عند أبي حنيفة رحمه الله ان ادعاه رب البيت ويضمنه عندهما وهو نظير ما سبق إذا قال أسكنته دارى ثم أخذتها منه ولو أقر أنه أخذ ثوبا من طريق فلان أو من فناء فلان لا ضمان عليه لان الفناء اسم لسعة خارجة عن ملكه معدة لمنافعه من كسر الحطب والقاء الكناسة ونحوها فلا تكون تلك المنفعة في يد فلان علي الخصوص بل للناس أن ينتفعوا بها وكذلك الطريق ولو قال أخذت ثوبا من أجير فلان فهو للاجير دون المستأجر من يده ويد الاجير في أمتعته يد نفسه حتى لو نازعه في شئ من ذلك فان القول قول الاجير ولو أقر أنه أخذ ثوبا من مسجد فلان لم يكن عليه ضمان الا أن يكون المسجد له خاصة في داره فيكون من جملة ملكه وما فيه يكون في يده فيضمنه ولو قال من هذه البيعة أو الكنيسة أو بيت النار أو القنطرة أو الجسر أو كل موضع للعامة مما لا يد عليه فيه لاحد لان له حق وضع الامتعة في هذه المواضع فلا يتضمن كلامه الاقرار بأخذه من يد انسان والله أعلم * (باب اقرار الرجل علي نفسه وعلى غيره) * (قال رحمه الله) وإذا قال الرجل لفلان على وعلي فلان الف درهم فجحد الآخر لزم المقر نصفه لانه عطف الامر على نفسه والعطف يقتضى الاشتراك في الخبر واقراره على
[ 184 ]
نفسه حجة وعلى الاخر ليس بحجة وكذلك لو سمى اثنين معه لزمه الثلث وكذلك لو سمى عبدا محجورا أو صبيا أو حربيا أو ذميا أو رجلا لا يعرف فعلى المقر حصته على عددهم لان جميع من سمى ذمته صالحة لالتزام المال فيتحقق الاشتراك ويكون مقرا على نفسه بحصته خاصة ولو قال ان لفلان عينا الف درهم ولم يسم أحدا ثم قال عنيت فلانا وفلانا لزمه المال كله ان ادعاه الطالب عليه عندنا وعند زفر رحمه الله لا يلزمه الا حصته لان اقراره بلفظ الجمع وحقيقة لفظ الجمع لا تتناول المفرد فكان القول قوله في بيان العدد الذى تضمنه الاقرار لان ابهام العدد في المقر عليه بمنزلته في المقر به فيرجع فيي بيانه إليه وكنا تركنا هذه الحقيقة لدليل عرف الناس فقد يخبر الواحد عن نفسه بعبارة الجمع تارة وبعبارة المفرد أخرى (ألا ترى) أن العظماء من الناس يقولون فعلنا بكذا وأمرنا بكذا ونحن نقول كذا وانما يريدون أنفسهم ويؤيد هذا قوله تعالى ثم ان علينا بيانه وقوله تعالى انا نحن نزلنا الذكر وقوله تعالى انا نحن نحيى ونميت وقوله تعالى وانا له لحافظون فإذا كان عرف ظاهر جعلناه بهذا اللفظ مخبرا عن نفسه فيلزمه المال وكذلك لو قال علينا وأشار بيده إلى نفسه وإلى آخرين معه لان الاقرار انما يحصل بلفظه لا باشارته فوجود هذه الاشارة كعدمها الا أن يكون معه رهط قعود فقال لفلان علينا جميعا أو علينا كلنا وأشار إلى نفسه واليهم فحينئذ لا يلزمه الا حصته على عدد القوم الذين معه لانه قرن بكلامه لفظا يمنعنا أن نحمل كلامه على الاخبار عن نفسه خاصة وهو قوله كلنا فعرفنا انه مضيف الاقرار إلى نفسه وإلى القوم الذين هو جلوس معه وقد أظهر ذلك باشارته إليهم فلم يلزمه الا حصته بخلاف ما سبق ولو قال لفلان علي رجل مناكر أو رجلين مناكر لم يلزمه شئ لانه أقر على مجهول فانه جعل المقر عليه منكرا وهو معرفة في حق نفسه فلا يمكن ان يجعل لفظه عبارة عن نفسه ولو قال يا فلان لك علي الف درهم لزمه المال كله لانه خاطب المقر له بهذا اللفظ وقد يخاطب المفرد بعبارة الجمع تعظيما وهذا ظاهر عند أهل اللسان وكذلك لو قال انتم يا فلان لكم على الف درهم أو قال نحن يا فلان لك علينا الف درهم فهو اقرار له بالمال علي نفسه لما قلنا ولو قال يا فلان لكما علي الف درهم كان لفلان منهما النصف لانه لا يخاطب المفرد بعبارة التثنية إذ ليس في ذلك غرض فان في عبارة الجمع للمفرد معنى التعظيم وليس ذلك في عبارة التثنية فانما صار مقرا له ولمجهول آخر بالف درهم فلا يلزمه الا نصف الالف وبعض أهل اللغة يقولون يلزمه الالف له فخطاب التثنية للمفرد يوجد في القرآن
[ 185 ]
العزيز قال تعالى ألقيا في جهنم كل كفار عنيد وقال تعالى فالقياه في العذاب الشديد ولكن محمد رحمه الله أبقى الجواب علي ما هو المعروف بين العوام من الناس ولو قال أقرضنا فلان ألف درهم أو استودعنا أو أعارنا أو غصبناه منه لزمه جميع المال ولا يصدق انه أراد به غيره معه لما قلنا ولو قال غصبت ومعي فلان من فلان مائة درهم لزمه النصف بخلاف مالو قال ومعى فلان جالس لانه متى ذكر للثاني خبرا لا يكون اشتراكا بينه وبين نفسه في الخبر وإذا لم يذكر خبرا تحقق الاشتراك للعظف كما إذا قال زينب طالق ثلاثا وعمرة تطلق ثلاثا بخلاف ما لو قال وعمرة طالق ولو قال له على عشرة مثاقيل فضة ثم قال هي سود فالقول قوله لان بيانه مقرر لاول كلامه فان اسم الفضة يتناول السود والبيض على السواء فيكون بيانه مقبولا ولو قال له علي الف درهم قرضا ولم أقبضها لم يصدق وان وصل لان المال لا يجب عليه باقرض الا بالقبض فكان هذا رجوعا وكذلك لو قال له عندي الف درهم وديعة أو غصب لم أقبضها لم يصدق لان المال لا يصير وديعة عنده ولا غصبا قبل القبض ولو قال له على ألف درهم من ثمن متاع باعنيه ونسأني إلى العطاء لم يصدق في الاجل إذا أنكره الطالب لانه لو ادعى أجلا صحيحا لم يقبل قوله فإذا ادعى أجلا فاسدا كان ذلك أولى وكذلك لو ادعى فيه شرطا يفسده أو زاد مع ذلك خمرا أو خنزيرا لم يقبل قوله لما بينا وأورد في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله إذا قال له على الف درهم زيوف وقال المقر له بل هي جياد فعندنا يلزمه المال كما أقر به وعند زفر رحمه الله اقراره باطل لانه رد اقراره وادعى عليه شيأ آخر فقياس تلك المسألة على قول زفر رحمه الله هنا يوجب أن يكون اقراره باطلا وأورد أيضا ثم أنه لو قال لفلان على الف درهم ثمن هذا العبد لا بل ثمن جارية وادعاهما المقر له أن على قول أبى يوسف رحمه الله يلزمه الف واحد وعند زفر رحمه الله يلزمه ألفان ولو قال لا بل هي ثمن جارية لم يلزمه الا ألف واحد بالاتفاق وهذا بناء على ما تقدم من القياس والاستحسان في استدراك الغلط بقوله لابل ولو قال لفلان على الف درهم فقال المقر له بل هي لفلان على فعلى قول زفر رحمه الله يبطل اقراره وعندنا يكون المال للثاني استحسانا ونظائر هذا الفصل قد ذكرناها في الجامع والله أعلم * (باب الاقرار في غير المرض) (قال رحمه الله) واقرار الصحيح بالدين والقرض والغصب والوديعة لوارثه وغير وارثه
[ 186 ]
والمكاتبة واقرار المكاتب لمولاه جائز كله لانه لا حق لاحد في مال الصحيح ولا تهمة في اقرار فانه ممكن من تحصيل مقصوده بطريق الانشاء وإذا أقر المريض فقال لفلان على حق فصدقوه فيما قال ثم مات المريض ففى القياس لا يصدق على ما يدعى في يده من غير حجة لان هذه وصية بخلاف حكم الشرع فان من حكم الشرع أن لا يصدق في دعواه قال صلى الله عليه وسلم لو أعطى الناس بدعواهم الحديث ووصيته بخلاف الشرع باطلة ولكنه استحسن فقال يصدق الطالب فيما بينه وبين الثلث لانه سلطه على ما نفسه وهو مالك لتسليطه على قدر الثلث في ماله ايجابا له فكذلك يصح تسليطه اياه على قدر الثلث اخبارا به وهذا لان الشرع جعل ثلث المال حقا للمريض ليفك به نفسه ويصرفه في حوائجه ومن حوائجه تفريغ ذمته وربما يعلم بوجوب الحق للغير عليه ويشتبه عليه مقداره فيقر به ويفوض بيان المقدار إلى صاحب الحق لعلمه بامانة فلهذا صححنا وصيته في التصديق بقدر الثلث وان ادعى أكثر من ذلك لم يقبل قوله ولكن يحلف الورثة على علمهم لانا كنا نصدقه باعتبار وصية الموصى ووصيته لا تكون ملزمة فيما زاد على الثلث وان أقر المريض بدين مسمى بعد ذلك كان الدين المسمى أولى في جميع تركته لا حق صاحب الدين المسمى معلوم ثابت بما هو حجة وهو الاقرار وحق الآخر مجهول ويشبه دعوي المدعى ولا يقع التعارض بين الضعيف من السبب وبين القوى فلهذا كان صاحب الدين المسمى أولى وان لم يقر بدين مسمى ولكنه أوصى بوصية معلومة كانت الوصية بالثلث أولى من ذلك الاقرار أيضا لان حق الموصى له معلوم مسمى والمجهول لا يزاحم المعلوم فلم يزد على هذا في الكتاب وأورد في الزيادات أن الموصى له بالثلث إذا اخذ الثلث يقال لابد له من أن يقر بشئ لآخر فنعطيه ثلث ذلك مما في يدك لان الموصى له شريك الآخر الوارث وقد أقر الميت للآخر بدين مجهول والدين مقدم على الوصية فلا بد للموصى له ان يبين كما لابد من ذلك للوارث ولكن وضع المسألة هناك فيما إذا قال لفلان على دين فصدقوه وهنا قال لفلان على حق فصدقوه فما زاد على هذا من الكلام فيه فقد بيناه فيما أمليناه من شرح الزيادات ولو أقر في مرضه بدين ثم بدين آخر تخاصموا جميعا لانه لما تقدم الاقرار بالدين فقد صار ماله مشغولا بحق الغريم على وجه لا يملك ابطال حقه عنه فاقراره بالوديعة بعد ذلك اقرار بوديعة مستهلكة فهو كالاقرار بالدين ولو قال لفلان على الف الادرهم أو يغر درهم أو نقصان درهم كان كما قال لان المستثنى من جنس
[ 187 ]
المستثنى منه حقيقة فتصريحه في المستثنى بالدراهم يكون بيانا في المستثنى منه انه من الدراهم ولو قال له على الف درهم الا تسعمائة فعليه مائة لما بينا أن الاستثناء صحيح متى بقى وراء المستثنى شئ قل ذلك أو كثر وأن قل له على عشرة ونصف درهم كانت عشرة درهم لانه عطف العشرة ثم فسره بالدرهم فيكون ذلك تفسيرا لهما بمنزلة قوله عشرة دراهم وقد بينا نظائره في قوله مائة ودرهم وإذا مات الرجل وعليه دين إلى أجل بطل الاجل هكذا روى عن زيد بن ثابت رضى الله عنه ولان حق الغريم صار كالعين في التركة والاعيان لا تقبل الاجال فلا فائدة في ابقاء الاجل بعد موته له ولا لوارثه لانه يبقي مرتهنا بالدين ولا تنبسط يد وارثه في التركة لمكان الدين ولا يجوز اقرار المريض بالدين لقابله ولا لعبد قابله ولا لمكاتب قابله وقد بينا فيما سبق أن اقراره بالدين للقابل بمنزلة اقراره للوارث على قياس الوصية فكذلك لعبده ومكاتبه وأن أقر المريض لمكاتب نفسه بدين فهو جائز إذا كان كاتبه في الصحة لانه صار أحق بنفسه ومكاسبه وهو من مولاه بمنزلة أجنبي آخر في انه يثبت عليه دين فيصح اقراره له أيضا كما يصح لاجنبي آخر وان كان كاتبه في المرض لم يجزا لا من الثلث لان هذا بمنزلة اعتاقه اياه فان اقراره له بالدين بمنزلة اقراره باستيفاء بدل الكتابة لم يصح الا من الثلث بخلاف ما إذا كاتبه في الصحة وهذا لان تهمة المواضعة تتمكن بينهما إذا كانت الكتابة في المرض فلهذا جعلنا ذلك بمنزلة اعتاقه وان أقر انه أثبته أن مثل الكتابة عتق وسعى في ثلثي قيمته لما قلنا وإذا أقر المريض ان علي أبيه لفلان الف درهم دينا وفي دار لابيه وعلى المريض دين معروف في الصحة فدينه الذى في الصحة أولى بذلك لان اقراره على أبيه في مرضه كاقراره على نفسه أو دون ذلك فيقدم دين الصحة ولو كان أقر بذلك في صحته بعد موت أبيه كان دين الاب أولى في تركة الاب لان ذلك بمنزلة الاقرار بالعين فان حق غرماء الاب يتعلق بتركته وصحة اقرار الابن على الاب باعتبار ما في يده من التركة فإذا حصل اقراره في الصحة صار ذلك مستحقا لغرماء الاب فلا يتعلق به حق غرماء الابن وإذا مرض الرجل ولا دين عليه وفي يده ألف درهم من تركة ابيه فقال لفلان ألف درهم على أبى ولفلان ألف درهم ووصل ذلك فهو بينهما نصفان لان في آخر كلامه ما يغاير أوله فتوقف أوله على آخره وصار هذا كقوله لهما على أبى الف درهم وكذلك لو قال لفلان على أبى ألف درهم وهذه وديعة عند أبى لفلان وقد بينا هذا فيما سبق انه إذا قدم الاقرار بالدين
[ 188 ]
فان الاقرار بالوديعة بعد الاقرار بالدين بوديعة مستهلكة فيتحاصان بخلاف ما إذا انعدم الاقرار بالوديعة ولو كان أبوه ترك عبدا فقال رجل لى على ابيك الف درهم وقال العبد قد أعتقني أبوك فقال صدقتما فعند ابى حنيفة رحمه الله الدين أولى وعلى العبد أن يسعى في عتقه لان نفوذ العتق عند اقرار الوارث كنفوذه لو باشره الاب في مرضه فيكون مؤخرا عن الدين وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يعتق العبد ولا سعاية عليها لان الوارث مقر أنه لم يصر إليه شئ من تركته فلا يصح اقراره بالدين عليه وهذا المسألة في الحقيقة تنبنى على ما تقدم بيانه إذا ادعى رجل وديعة في يد أبيه بعينها وادعى الاخر دينا فصدقهما الوارث وهناك عندهما مدعي العين أولى فكذلك هنا العبد بمنزلة مدعى العين وعند أبى حنيفة رحمه الله وهناك يتحاصان وصارت دعوى العين كدعوى الدين حين أقر الوارث بهما معا فهنا أيضا يصير مقرا بالدين والتبرع فيقدم الدين عنده ولو قال لفلان على أبي ألف درهم دينا ودفعها إليه بقضاء القاضى ثم أقر لآخر بألف درهم عليه لم يضمن له شيأ لان بمجرد اقراره ما صار متلفا شيأ من تركة أبيه والدفع حصل بقضاء القاضي فلا ضمان عليه ولو كان دفع إلى الاول بغير قضاء ضمن الثاني خمسمائة باقراره حق كل واحد منهما في خمسمائة من التركة فانه بالدفع إلى الاول بغير قضاء صار متلفا حق الثاني فيضمن له نصيبه ولو كان قال لفلان علي أبي الف درهم لا بل لفلان فالالف للاول ولا ضمان على المقر للثاني ورجوعه في ابطال استحقاق الاول باطل ولكنه في حق نفسه صحيح فإذا دفعها بغير قضاء صار متلفا جميع الالف علي الثاني بزعمه فيضمن له مثلها ولو أقر أن الميت أوصى بثلث ماله لهذا لا بل لهذا فالثلث للاول ولا شئ للثاني عليه الا أن يكون دفع الثلث إلى الاول بغير قضاء فحينئذ يغرم للثاني مثله وعلى قول زفر رحمه الله يدفع ثلثا إلى الاول وثلثا إلى الثاني ولو كان قال أوصى أبى بثلث ماله لفلان لا بل لفلان فعند رفر رحمه الله يدفع إلى كل واحد منهم ثلث المال ويخرج من الوسط وعندنا الثلث للاول ولا شئ عليه للاخرين إذا دفعه بقضاء وهذا قياس ما سبق ولو اقر المريض بدين لوارثه فخاصمه الوارث في ذلك أمره القاضى بأن يوفيه حقه لان السبب الموجب للمال عليه وهو ظاهر والمبطل له وهو موته من مرضه موهوم والموهوم لا يعارض المعلوم فيأمره بالقضاء فان برأ من مرضه كان ذلك جائزا عليه وان مات من مرضه بطل اقراره حينئذ فيأمر الوارث برد المقبوض والله أعلم
[ 189 ]
* (باب الاقرار بالقبض) * (قال رحمه الله) وإذا أقر الطالب انه قبض مما له علي فلان مائة درهم فقال فلان قد قبضت منى مائة وخمسين درهما من قبل كذا فقال الطالب نعم ولكنها قد دخلت في المائة فالقول قول الطالب مع يمينه لان ما ادعاه المطلوب بعد ما أقر له الطالب باستيفائه فكان الظاهر شاهدا للطالب فجعلنا القول قوله ولان المطلوب يدعى زيادة فيما أوفاه والطالب ينكر ذلك فالقول قوله مع يمينه وكذلك لو قال المطلوب بعتك ثوبا بعشرة دراهم ممالك على فقال الطالب نعم قد دخل في هذه المائة فالقول قول الطالب لان ما ادعاه من المطلوب من البيع سبب لقضاء الدين بالثمن واقرار الطالب باستيفائها لابد له من سبب فمال المطلوب لسبب في البعض لا يزداد ما أوفاه من المال ولو قال كان في يد المطلوب شاة فقال الطالب ابتعتها منك بعشرة دراهم من هذه المائة وقال المطلوب لم أبعها وقد أخذت منى مائة درهم فالقول للمطلوب مع يمينه لانهما تصادقا علي أن الشاة كانت مملوكة للمطلوب وادعى الطالب تملكها عليه وهو منكر لذلك فالقول له مع يمينه ويبقى اقرار الطالب بقبض المائة فذلك لازم عليه وإذا أقر المريض بقبض ماله على فلان وسماه فهو جائز لان الاقرار باستيفاء الدين منه بمنزلة الاقرار بالدين له فيصح إذا كان أجنبيا وان كان المطلوب وارثه أو كفيلا عن وارثه والوارث كفيل عنه فالاقرار باطل لما فيه من اتصال النفع إلى وارثه وإذا جاء الوارث بالمال فادخله عليه بمحضر من الشهود برئ الوارث منه لانه لا تهمة في السبب المعاين فالأجنبي والوارث فيه سواء وإذا أقر الطالب أنه قبض من المطلوب خمسمائة ثم خمسمائة ثم قال وجدتها زيوفا فالقول قوله وصل أم فصل لانه أقر بقبض الدراهم مطلقا والزيوف ومن جنس الدراهم يتناولها مطلق اسم الدراهم فكان بيانه هذا مقررا لكلامه ولو قال قبضت منه حقى أو قبضت منه الذى لي عليه أو قبضت منه مالى عليه أو الالف التى كانت لى عليه ثم قال وجدتها زيوفا لم يصدق الا أن يصله بكلامه لان لفظه هذا محمول على الحق الذى له عليه وهو الجياد من حيث الظاهر على احتمال أن يكون المقبوض زيوفا وقال ذلك لجهالة بها فكان هذا بيانا مغايرا لكلامه عن ظاهره فيصح ولا يصح مفصولا ولو قال قبضت منه خمسمائة درهم ثم قال بعد وجدتها ستوقا أو رصاصا لم يصدق لانه أقر بقبض الدراهم والستوق ليس من جنس
[ 190 ]
الدراهم فكان بيانه هذا مغايرا ورجوعا عما أقر به فلا يصح مفصولا ولو أقرانه قبض خمسمائة درهم مما له علي المطلوب ثم قال بعد ذلك وجدتها زيوفا لم يصدق لما بينا أنه لو أقر بقبض جميع ما عليه ثم ادعي انه زيوف لم يصدق إذا كان مفصولا فكذلك إذا أقر ببعض ماله عليه ولا يمين على المطلوب انها كانت جيادا في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف رحمه الله إذا تهمته حلفته وهو بناء على الاختلاف الذى سبق إذا أقر البائع بقبض الثمن ثم قال لم أقبضه لم يحلف خصمه عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وعند أبى يوسف رحمه الله يحلف للعرف الظاهر في الاقرار قبل أن يستوفى بالاستيفاء للاشهاد فكذلك هنا فابو حنيفة ومحمد رحمهما الله اعتبرا التناقض وأبو يوسف رحمه الله اعتبر العرف انه قد يقر بالاستيفاء بناء علي أن المستوفى جياد ثم تبين له انه زيوف فلهذا قال إذا اتهمته حلفته ولو أقر بقبض خمسمائة وله شريك في الدين ثم قال بعد ذلك هي زيوف فالقول قوله لما بينا انه أقر بقبض الدراهم وذلك يتناول الزيوف حقيقة وللشريك الخيار إن شاء شاركه في المقبوض من الزيوف وان شاء اتبع المطلوب الجياد وان قال بعد ما سكت هي رصاص لم يصدق وللشريك نصفها جياد لانه راجع عن الاقرار فان اسم الدراهم لا يتناول الرصاص حقيقة وان قال هو رصاص موصولا فالقول قوله لان الرصاص من الدراهم صورة وان لم تكن الدراهم معنى فكان هذا بيانا مغايرا لظاهر كلامه إلى ما هو محتمل فيصح موصولا وإذا صح فلا شئ للشريك منها لانه بقبض الرصاص لا يصير مستوفيا شيأ من حقوقه وانما يثبت للآخر حق المشاركة معه فيما يقبض من حقه وان قال قبضت منه مالى ولفلان على فلان خمسمائة ثم قال بعد ذلك هي زيوف لم يصدق لاقراره بان المقبوض مما له عليه وذلك جياد فلا يصدق في حق الشريك مفصولا ولا يمين على المطلوب انها كانت جيادا في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف رحمه الله إذا تهمته حلفته وهو بناء على الاختلاف الذى سبق إذا أقر البائع بقبض الثمن ثم قال لم أقبضه لم يحلف خصمه عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وعند أبى يوسف رحمه الله يحلف للعرف الظاهر في الاقرار قبل أن يستوفى بالاستيفاء للاشهاد فكذلك هنا فابو حنيفة ومحمد رحمهما الله اعتبرا التناقض وأبو يوسف رحمه الله اعتبر العرف انه قد يقر بالاستيفاء بناء علي أن المستوفى جياد ثم تبين له انه زيوف فلهذا قال إذا اتهمته حلفته ولو أقر بقبض خمسمائة وله شريك في الدين ثم قال بعد ذلك هي زيوف فالقول قوله لما بينا انه أقر بقبض الدراهم وذلك يتناول الزيوف حقيقة وللشريك الخيار إن شاء شاركه في المقبوض من الزيوف وان شاء اتبع المطلوب الجياد وان قال بعد ما سكت هي رصاص لم يصدق وللشريك نصفها جياد لانه راجع عن الاقرار فان اسم الدراهم لا يتناول الرصاص حقيقة وان قال هو رصاص موصولا فالقول قوله لان الرصاص من الدراهم صورة وان لم تكن الدراهم معنى فكان هذا بيانا مغايرا لظاهر كلامه إلى ما هو محتمل فيصح موصولا وإذا صح فلا شئ للشريك منها لانه بقبض الرصاص لا يصير مستوفيا شيأ من حقوقه وانما يثبت للآخر حق المشاركة معه فيما يقبض من حقه وان قال قبضت منه مالى ولفلان على فلان خمسمائة ثم قال بعد ذلك هي زيوف لم يصدق لاقراره بان المقبوض مما له عليه وذلك جياد فلا يصدق في حق الشريك مفصولا كما لا يصدق في حق المطلوب فلهذا كان للشريك نصفها جيادا وإذا اقر الطالب انه قبض من المطلوب كر حنطة أو شعير أو شيأ مما يكال أو يوزن ثم قال بعد ذلك هو ردئ فالقول قوله لان الرداءة في الحنطة بيان للنوع لا بيان للعيب فان العيب لا يخلو عنه أصل الفطرة السليمة وفي بيان نوع المقبوض القول قول القابض وقد تقدم بيان هذه الفصول فيما سبق والله أعلم (ثم كتاب الاقرار ولله المنة وبه تم الجزء الثامن عشر ويليه الجزء التاسع عشر) (وأوله كتاب الوكالة)
 
 
[[تصنيف:مبسوط السرخسي]]