الفرق بين المراجعتين لصفحة: «التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد/المجلد الأول/صفحة واحدة»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
أنشأ الصفحة ب'{{رأسية | عنوان = التمهيد - [[التمهيد لما في المو…'
 
سطر 1٬110:
فأما قول الله عز وجل : {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} الآية فقد اختلف العلماء في معناه فقال قوم من فقهاء العراقيين ممن يجيز نسخ القرءان بالسنة أن هذه الآية منسوخة بالسنة لنهي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع وعن أكل لحوم الحمر الأهلية وقال آخرون معنى قوله هنا أي لا أجد قد أوحى إلى في هذا الحال يعني في تلك الحال حال الوحي ووقت نزوله لأنه قد أوحى إليه بعد ذلك في سورة المائدة من تحريم المنخنقة والموقوذة إلى سائر ما ذكر في أوحى الله إليه في القرءان تحريما بعد تحريم جاز أن يوحي إليه على لسانه تحريما بعد تحريم وليس في هذا شيء من النسخ ولكنه تحريم شيء بعد شيء قالوا مع انه ليس للحمار والسباع وذي المخلب والناب ذكر في قوله : {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} {{مردخ|الأنعام : من الآية145}} وذلك أن الله عز وجل إنما ذكر ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين ثم قال : {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ} يعني والله أعلم من هذه الأزواج الثمانية {مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} فزاد ذكر لحم الخنزير تأكيدا في تحريمه حيا وميتا لأنه ما حرم لحمه لم تعمل الذكاة فيه فكان أشد من الميتة ولم يذكر السباع والحمير والطير ذات المخلب بتحليل ولا تحريم وقال آخرون ليس السباع والحمر من بهيمة الأنعام التي أحلت لنا فلا يحتاج فيها إلى هذا وقال الآخرون هذه الآية جواب لما سأل عنه قوم من الصحابة فاجيبوا عن مسألتهم كأنهم يقولون إن معنى الآية قل لا أجد فيما أوحى إلى مما ذكرتم أو مما كنتم تأكلون ونحو هذا قاله طاوس ومجاهد وقتادة وتابعهم قوم واستدلوا على صحة ذلك بأن الله قد حرم في كتابه وعلى لسان رسوله أشياء لم تذكر في الآية لأنه لا يختلف المسلمون في ذلك.
 
ذكر سنيد عن حجاج عن ابن جريج قال أخبر ني إبراهيم بن أبي بكر أن مجاهدا أخبره في قول الله عز وجل : {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} {{مردخ|الأنعام : من الآية145}} قال ما كان أهل الجاهلية يأكلون لا أجد من ذلك محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة الآية قال حجاج وأخبرنا بن جريج عن ابن طاوس عن أبيه مثله وذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة نحوه وقالت فرقة الآية محكمة ولا يحرم إلا ما فيها وهو قول يروى عن ابن عباس وقد روى عنه خلافه في أشياء حرمها يطول ذكرها وكذلك اختلف فيه عن عائشة وروى عن ابن عمر من وجه ضعيف وهو قول الشعبي وسعيد بن جبير في الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع أنه ليس شيء منها محرما وأما سائر فقهاء المسلمين في جميع الأمصار فمخالفون لهذا القول متبعون للسنة في ذلك وقال أكثر أهل العلم والنظر من أهل الأثر وغيرهم أن الآية محكمة غير منسوخة وكل ما حرمه رسول الله مضموم إليها وهو زيادة من حكم الله على لسان رسوله {{صل}} ولا فرق بين ما حرم الله في كتابه أو حرمه على لسان رسوله بدليل قول الله عز وجل : {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} {{مردخ|النساء : من الآية59}} وقوله : {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} {{مردخ|النساء : من الآية80}} وقوله : {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} {{مردخ|الأحزاب : من الآية34}} قال أهل العلم القرءان والسنة وقوله : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} {{مردخ|الحشر : من الآية7}} وقوله
 
وقوله {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ} {{مردخ|الشورى : من الآية53}} وقوله : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} {{مردخ|النور : من الآية63}} فقرن الله عز وجل طاعته بطاعته وأوعد على مخالفته وأخبر أنه يهدى إلى صراطه وبسط القول في هذا موجود في كتب الأصول وليس في هذه الآية دليل على أن لا حرام على أكل إلا ما ذكر فيها وإنما فيها أن الله أخبر نبيه {{صل}} وأمره أن يخبر عباده أنه لم يجد في القرءان منصوصا شيئا محرما على الآكل والشارب إلا ما في هذه الآية وليس ذلك بمانع أن يحرم الله في كتابه بعد ذلك وعلى لسان رسوله أشياء سوى ما في هذه الآية.
 
وقد أجمعوا أن سورة الأنعام مكية وقد نزل بعدها قرءان كثير وسنن عظيمة وقد نزل تحريم الخمر في المائدة بعد ذلك وقد حرم الله على لسان نبيه أكل كل ذي ناب من السباع وأكل الحمر الأهلية وغير ذلك فكان ذلك زيادة حكم من الله على لسان نبيه {{صل}} كنكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها مع قوله : {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} {{مردخ|النساء : من الآية24}} كحكمه بالشاهد واليمين مع قول الله {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} {{مردخ|البقرة : من الآية282}} وما أشبه هذا كثير تركناه خشية الاطالة ألا ترى أن الله قال في كتابه {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} {{مردخ|النساء : من الآية29}} وقد حرم رسول الله {{صل}} أشياء من البيوع وان تراضا بها المتبايعان كالمزابنة وبيع ما ليس عندك وكالتجارة في الخمر وغير ذلك مما يطول ذكره وقد أجمع العلماء أن سورة الأنعام مكية إلا قوله : {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} {{مردخ|الأنعام : من الآية151}} الآيات الثلاث وأجمعوا أن نهي رسول الله {{صل}} عن أكل كل ذي ناب من السباع إنما كان منه بالمدينة ولم يرو ذلك عنه غير أبي هريرة وأبي ثعلبة الخشني وإسلامهما متأخر بعد الهجرة إلى المدينة بأعوام وقد روى عن ابن عباس عن النبي {{صل}} مثل رواية أبي هريرة وأبي ثعلبة في النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع من وجه صالح قال إسماعيل بن إسحاق القاضي وهذا كله يدل على أنه أمر كان بالمدينة بعد نزول قل لا أجد فيما أوحى إلي محرما الآية لأن ذلك مكي.