الفرق بين المراجعتين لصفحة: «رسالة في أنه جواهر لا أجسام»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
Removing all content from page
ط استرجاع المقال حتى أخر تعديل من قبل Marquez
سطر 1:
<[[رسائل الكندي الفلسفية]]
 
أعانك الله على درك الحق، ووفقك لسبيله !
 
فهمتُ ما سألتَ من رسم قول خبري في أن الجواهر أجسام ؛ و هذا إنما يصحُّ بعد علم الطبيعيات ، لتكون الأوائلُ المنطقية المستعملة في الأشياء الطبيعية ظاهرة عند الباحث لذلك ؛ و قد رسمتُ من ذلك حسب ما رأيته لك كافيا، على رسم مسألتك أن نرسم لك من ذلك ؛ إذ كان يحتاجُ إلى قولٍ كثيرِ جُملٍ تقع كالأسس، لحاجتها إلى كثرة القول المبين لها ، لسوْقِكَ إلى منار الطريق إلى ما سألتَ و بالله التوفيق.
 
الدليل أن جوهراً لا جسمَ له يكون في أجزاء العالم الطبيعي ، بعد أن نثبت مائية الجسم الذي هو أنه العِظَم الآخذ الأقدار الثلاثة ، أعني الطول و العرض و العمق ؛ و بعد أن نعلم لواحقَ الجوهر المميزةَ له من غيره ، التي هي أنه القائمُ بذاته ، الذي لا يحتاج في ثباته إلى غيره ، الحامل للاختلاف ، و هو هو في عينه لم يتبدَّلْ ، المنعوتُ من جميع المقولات ؛ أو أنه إمَّا نعتاً متواطئاً و إمَّا نعتاً مُتشابهاً: أمَّا النعت المتواطئ فنعتُ الناعتِ الذي يُعطي منعوتَه اسمَه وحدَّه معا ؛ و أما النعت المتشابه فنعت الناعت الذي لا يُعطي منعوتَه اسمه و لا حدَّه ؛ و إنْ أعطاه الاسم ، فإنما يعطيه باشتقاق ، لا على صحة الاسم ، و إن أوائله لا تنعت شيئاً منه ؛ فإن هذه إن كانت معلومةً مقراًّ بها وجد جوهر لا جسم.
 
لأن الجسام الحية لا تخلو من أن تكون حياتها تكون ذاتية فيها أو عرضية من غيرها ، أعني بالذاتي في الشيء ، الذي إن فارق الشيءَ فسد ، و العرضية هي التي يمكن أن تفارق ما هي فيه و لا يفسد ، فإنْ كانت الحياةُ ذاتية في الحي ، فإنها إذا فارقت الحيَّ فسد الحيُّ ، و كذلك نجد الأحياءَ إذا فارقتهم الحياة فسدوا. فأمَّا الجسم الذي نجده حياًّ و لا نجده حياًّ ، وهو هو جسم، فقد فارقتْهُ الحياةُ، و لم تفسد جسميّته ؛ فتبيّن إذن أن الحياةَ في الجسم عرضٌ من غيره ؛ والذي نسمي به مائيةَ الحياة في الجسم نفسٌ ؛ فينبغي أن نبحث عن النفس : أجوهرٌ هو أم عرض ؟
 
فإن كانت جوهراً : جسمٌ هي أم لا جسم ؟ فنقول :
إن الأشياء إنما تختلف إما في أعيانها، وإما في أسمائها؛ فالشيئان اللذان حدُّ أعيانهما واحدٌ ، و يُسمَّيان باسم واحد ، لم يختلفا بالاسم و لا بأعيانهما؛ إذْ لم في حدّ الأعيان ؛ و الأشياء التي لم تختلف في أعيانها طبيعتُها واحدةٌ؛
 
فالشيء الواصف للشيء بإعطائه اسمَه و حدَّهُ ؛ هو من طبيعة موصوفة ؛ فإن كان موصوفه جوهراً ، فهو جوهر ؛ و إن كان موصوفه عَرضاً ، فهو عرضٌ ؛ و الذي لا يصِفُ موصوفَه باسمه وحدِّه ، ليس طبيعته طبيعةَ موصوفة ؛ و ما طبيعته ليست طبيعة موصوفة هو ، فهو غريبٌ في موصوفه ؛ فالغريب في موصوفه هو الذي نسميه عرضاَ في موصوفه ، لأنه ليس من ذاته ، بل عرض فيه ؛
 
و الشيء الذي به الشيء هو ما هو ، هو صورة الشيء ، حسِّياً كان أو عقلياً ؛ و الجوهر ماهو بالنفس ؛ فالنفس إذَنْ صورة الحي العقلية ، فهي نوعه ؛ فالحيُّ جوهرٌ ، و نوع الجوهرِ جوهرٌ ؛
 
فإذاً النفس جوهرُ ، و إذ هي جوهرٌ ، و هي جوهر النوع ، فهي لا جسم ، لأن النوع لا جسم ، بل العامُّ الذي يَعمُّ أشخاصه التي هي أجسام ؛ إذ كانت أشخاص الحي أجساماً .
 
فإذاً قد تبيَّن أنَّ النفسَ لا جسم ، و هي جوهر ؛ فإذن قد تبين أن من الجوهر أجساماً ، و منها لا أجساماً ،
 
و أيضاً فإنه إذا كان النوع يعطي أشخاصه اسمَه و حدّه ، فهو في طبيعة شخصه ؛ و شخصه إنْ كان جوهراً، فهو جوهر ؛ وإن كان عرضاً فهو عرض ؛
 
و الحي المحسوس جوهر ، و أنواعه جواهر ، إذِ النوع يعطي الجوهرَ اسمَه و حدَّه ؛
 
و النوع إما أنْ يكون جسماً ، و إما أن يكون لا جسماً ؛ فإن كان النوع جسماً ، و الشخص جسم و النوع واحد باضطرار أو كثير ، و الشخص كثير باضطرار ؛ فإنْ كان النوع واحداً يعمّ الكثيرً ، و كان جسماً ؛ فهو في كل واحد من أشخاصه إمَّا بكليَّته و إما بجزئه ؛
 
و النوع مركبٌ من أشياء مختلفة ، كالإنسان الذي هو مركَّب من حي و ناطق و مائت ؛ و كل واحد من جنسه و فصوله مركَّب أيضاً مما يحدُّه ، أعني مما يجتمع حدُّه منه ؛
 
فإذنْ هو مختلف الأجزاء التي رُكِّبَ منها ، فإذاً النوع ليس من المشتبهة الأجزاء ، فإن كان النوع في واحد من أشخاصه بكماله ، فكيف يمكن أن يكون في آخر بكماله ؟
 
و إن كانَ في كل واحد من أشخاصه جزءٌ ، و أشخاصه بلا نهاية بالقوة – فإن أجزاءَه بلا نهاية بالقوة ، فإذاً هو مركَّب مما لا نهاية له بالقوة ؛
 
و التركيب لا يمكن أن تكون فيه القوة ، لأن التركيب قد خرج إلى الفعل ؛
 
فإذاً ليس يمكن أن يكون لا نهاية لأجزائه بالقوة ، و أجزاؤه بلا نهاية بالقوة ، و هذا خُلف شنيع ؛ فكل شخص من أشخاصه – إذْ كان فيه جزءٌ غير جزء الآخر – ينفصل من جميع أشخاصه بجزء من أجزاء النوع ، و أشخاصه بلا نهاية بالقوة ،
 
و قد تقدَّمَ آنفاً أنه محالٌ أن يكون تركيبه من أجزاء بلا نهاية في القوة ؛ فإذاً في كل شخص من أشخاصه جزءٌ غير الجزء الذي في الآخر من نوعه ، و ليس يمكن أن يكون في كل شخص من أشخاصه جزءٌ من أجزاء نوعه
 
- فهو ممكن لا ممكن – و هذا خلفٌ قبيحٌ جدًّا ؛ فإذن ليس يمكن أن يكون في كل شخص من أشخاصه جزءٌ من نوعه غير الجزء الذي في الآخر ؛
 
و قد تبيَّن أنه ليس يمكن أن يكون بكلِّه في كل واحد من أشخاصه ، إذْ لا بكلِّه و لا بجزئه يمكن أن يكون في أشخاصه ، و هو جسم ، فإذاً نوع الجوهر لا جسمٌ ، و هو جوهر ، كما قدمنا ؛
 
فبالاضطرار أن جواهر كثيرةً و لا أجسام ؛ و هذا فيما سألت كافٍ ، كفاك الله جميع المهمات ؛ ووقاك جميع أذى المؤلمات ؛
 
تمَّت الرسالة ، و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على النبي محمد و آله و أجمعين .
 
[[تصنيف:رسائل الكندي الفلسفية]]