الفرق بين المراجعتين لصفحة: «سيرة ابن إسحاق/المجلد الثاني»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
لا ملخص تعديل
سطر 29:
نا أحمد: نا يونس عن بسر بن أبي حفص الكندي الدمشقي قال: نا مكحول أن رسول الله {{صل}} قال لبلال: ألا لا يغادرك صيام الإثنين، وأوحى إلى يوم الإثنين، وهاجرت يوم الإثنين ، وأموت يوم الإثنين.
 
نا أحمد بن عبد الجبار قال: نا محمد بن فضيل عن عاصم بن كليب عن أبيه عن عبد الله بن عباس قال: كنت عند عمر بن الخطاب رحمه الله وعنده أصحابه، فسألهم فقال: أرأيتم قول رسول الله {{صل}} في ليلة القدر: التمسوها في العشر الأواخر وتراً، أي ليلة ترونها?ترونها؟ فقال بعضهم: ليلة إحدى، وقال بعضهم: ليلة ثلاث، وقال بعضهم: ليلة خمس، وقال بعضهم: ليلة سبع، وأما ساكت، فقالك مالك لا تتكلم?تتكلم؟ فقلت: إنك أمرتني ألا أتكلم حتى يتكلموا، فقال: ما أرسلت إليك إلا لتكلم، فقالك إني سمعت الله يذكر السبع فذكر "سبع سموات ومن الأرض مثلهن"، وخلق الإنسان من سبع، ونبات الأرض من سبع، فقال عمر: هذا، أخبرتني ما أعلم، أرأيت ما لا أعلم قولك نبات الأرض سبع?سبع؟ قال: قلت: قال الله: "شققنا الأرض شقاً. فأنبتنا فيها حباً. وعنباً وقضباً. وزيتوناً ونخلاً. وحدائق غلباً" فالحدائق غلباً الحيطان من النخل والشجر، وفاكهة وأبا، قال: الأب ما أنبتت الأرض مما تأكل الدواب والأنعام ولا يأكله الناس، فقال عمر لأصحابه: أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الإلام الذي لم تجتمع له شؤون رأسه، والله إني لأرى القول كما قال.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: تتام الوحي إلى رسول الله {{صل}} وهو مؤمن بالله مصدق لما جاءه، قد تقبله بقول وتحمل منه ما حمله الله على رضا العباد وسخطهم، وللنبوة أثقالاً ومؤونة لا يحملها ولا يستطيعها إلا أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله وتوفيقه لما يلقون من الناس، وما يرد عليهم مما جاء به من عند الله تعالى.
سطر 39:
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني الزهري عن عروة عن عائشة قالت: أول ما ابتدئ به رسول الله {{صل}} من النبوة حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به لا يرى شيئاً إلا جاءت كفلق الصبح، يمكث على ذلك ما شاء الله أن يمكث، وحبب إليه الخلوة، فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده.
 
نا أحمد: نا يونس عن يونس بن عمرو عن أبي ميسرة عم ر بن شرحبيل أن رسول الله {{صل}} قال لخديجة: إني إذا خلوت وحدي أسمع نداء، وقد والله حشيت أن يكون هذا الأمر، فقالت: معاذ الله ما كان الله ليفعل بك ذلك فوالله إنك لتؤدي الأمانة، وتنصل الرحم وتصدق الحديث، فلما دخل أبو بكر رحمه الله. وليس رسول الله {{صل}}، ثم ذكرت خديجة حديثه له، فقالت: يا عتيق إذهب مع محمد إلى ورقة، فلما دخل رسول الله {{صل}} أخذ أبو بكر بيده: فقال: انطق بنا إلى ورقة، فقال: ومن أخبرك?أخبرك؟ قال: خديجة، فانطلقا إليه فقصا عليه، فقال: إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي: يا محمد، يا محمد، فانطلق هارباً في الأرض، فقال له: لا تفعل إذا أتاك فاثنت حتى تسمع ما يقول، ثم ائتني فأخبرني فلما خلا ناداه يا محمد قل: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين حتى بلغ "ولا الضالين" قل: لا إله إلا الله، فأتى ورقة فذكر ذلك له، فقال له ورقة: أبشر ثم أبشر، فأنا أشهد أنك الذي بشر بك ابن مريم، وأنك على مثل نا موسى موسى، وأنك نبي مرسل، وأنك ستؤمر بالجهاد بعد يومك هذا، ولئن أدركني ذلك لأجاهدن معك؛ فلما توفي ورقة قال رسول الله {{صل}}: لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب الحرير لأنه آمن بي وصدقني- يعني ورقة.
 
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ساب أخ لورقة، فتناول الرجل ورقة فسبه، فبلغ ذلك رسول الله {{صل}}، فقال لأخيه: ل علمت أني رأيت لورقة جنة أو جنتين، فنهى رسول الله {{صل}} عن سبه.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني إسماعيل بن أبي حكيم، مولى الزبير، انه حدث عن خديجة بنت خويلد أنها قالت لرسول الله {{صل}}، فيما تثبتته به، فيما أكرمه الله به من نبوته: يا ابن عم هل تستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك?جاءك؟ قال: نعم، فقالت: إذا جاءك فأخبرني، فبينا رسول الله {{صل}} عندها يوماً، إذ حاء جبريل، فرآه رسول الله {{صل}}، فقال: ي خديجة هذا جبريل قد جاءني، فقالت أتراه الآن?الآن؟ قال: نعم، قالت: فاجلس إلى شقي الأيسر فجلس، فقالت هل تراه الآن?الآن؟ قال: نعم، قالت: فاجلس إلى شقي الأيمن، فتحول فجلس، فقالت: هل تراه الآن?الآن؟ قال: نعم، قالت: فتحول فاجلس في حجري، فتحول رسول الله {{صل}} فجلس، فقالت: هل تراه الآن?الآن؟ قال: نعم، فتحسرت فألقت خمارها ورسول الله {{صل}} جالس في حجرها، فقالت: هل تراه الآن?الآن؟ قال: لا، قالت: ما هذا الشيطان، إن هذا لملك يا بن عم فاثبت، وأبشر، ثم آمنت به، وشهدت أن الذي جاء به الحق.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: فحدثت عبد الله بن الحسن هذا الحديث، فقال: قد سمعت فاطمة بنت الحسين تحدث بهذا الحديث عن خديجة، إلا أني سمعتها تقول: أدخلت رسول الله {{صل}} بينها وبين درعها، فذهب عند ذلك جبريل عليه السلام.
 
نا يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي قال: سئل رسول الله {{صل}} متى استنبئت?استنبئت؟ فقال: بين خلق آدم ونفخ الروح فيه.
 
نا يونس عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الأنصاري عن رجل عن سعيد ابن المسيب قال: نزل الوحي على رسول الله {{صل}} وهو ابن ثلاث وأربعين، فأقام بمكة عشراً، وبالمدينة عشراً.
سطر 61:
نا أحمد: نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن خديجة أنها قالت: لما أبطأ على رسول الله حروف الوحي جزع من ذلك جزعاً شديداً، فقلت له مما رأيت من جزعه: لقد قلاك ربك مما يرى من جزعك، فأنزل الله "ما ودعك ربك وما قلى".
 
نا يونس عن عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ان رسول الله {{صل}} قال لجبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا?تزورنا؟ فأنزل الله تعالى: "وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا" إلى قوله: "ما كان ربك نسيا".
 
نا أحمد نا يونس عن ابن اسحق قال: ثم إن جبريل أتى رسول الله {{صل}} حين افترضت عليه الصلاة، فهمز له بعقبة في ناحية الوادي فانفجرت منه عين ماء مزن، فوضأ وجهه ومضمض واستنشق ومسح برأسه وأذنيه ورجليه إلى الكعبين، ونضج فرجه، ثم قام فصلى ركعتين، وسجد أربع سجدات على وجهه، ثم رجع النبي {{صل}} قد أقر الله عينه وطابت نفسه، وجاءه ما يحب من الله، فأخذ بيد خديجة حتى أتى بها العين، فتوضأ كما توضأ جبريل، ثم ركع ركعتين وأربع سجدات هو وخديجة يصليان سراً.
سطر 73:
===اسلام علي بن أبي طالب===
 
نا أحمد: حدثني: حدثي يونس عن ابن اسحق قال: ثم إن علي بن أبي طالب جاء بعد ذلك بيومين فوجدهما يصليان، فقال علي: ما هذا يا محمد?محمد؟ فقال النبي {{صل}}: دين الله الذي اصطفى لنفسه وبعث به رسله، فأدعوك إلى الله وحده، وإلى عبادته، وكفر باللات والعزى، فقال له علي: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم فليت بقاض أمراً حتى أحدث أبا طالب، فكره رسول الله حروف أن يفشي عليه شره قبل أن يستعلن أمره، فقال له: يا علي إذا لم تسلم فاكتم، فمكث علي تلك الليلة، ثم إن الله أوقع في قلب علي الآسلام، فأصبح غادياً إلى رسول الله {{صل}} حتى جاءه فقال: ما عرضت علي يا محمد?محمد؟ فقال له رسول الله {{صل}}: تشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وتكفر باللات والعزى، وتبرأ من الأنداد، ففعل علي وأسلم، ومكث علي يأتيه على خوف من أبي طالب، وكتم علي إسلامه ولم يظهر به.
 
وأسلم زيد بن حارثة فمكث قريباً من شهر يختلف علي إلى رسول الله {{صل}}، وكان مما أنعم الله به على علي أنه كان في حجر رسول الله {{صل}} قبل الإسلام.
سطر 79:
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيع-قال: أراه عن مجاهد- قال: أسلم عبي بن أبي طالب وهو ابن عشر سنين.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني يحيى بن أبي الأشعث الكندي -من اهل الكوفة- قال: حدثني إسماعيل بن اياس بن عفيف عن أبيه عن جده عفيف أنه قال: كنت امرءاً تاجراً فقدمت أيام منى، أيام الحجن وكان العباس بن عبد المطلب امرءاً تاجراً، فأتيته أبتاع منه وأبيعه؛ قال فبينا نحن إذ خرج رجل من خباء يصلي فقام تجاه الكعبة، ثم خرجت امرأة، فقامت تصلي مع، وخرج إلام، فقام يصلي معه، فقلت: يا عباس ما هذا الدين، إن هذا الدين ما ندري ما هو?هو؟ فقال العباس: هذا محمد بن عبد الله يزعم أن الله أرسله وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه، وهذه امراته خديجة بنت خويلد آمنت به، وهذا الإلام تبن عمه علي بن أبي طالب آمن به؛ قال العفيف: فلينتني آمنت يومئذ وكنت أكون ثانياً.
 
نا يونس عن يوسف بن صهيب عن عبد الله بن بريدة قال: أول الرجال إسلاماً علي بن أبي طالب ثم الرهط الثلاثة: أبو ذر، وبريدة، وابن عم لأبي ذر.
سطر 85:
===اسلام أبي بكر الصديق===
 
نا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم إن أبا بكر لقي رسول الله {{صل}} فقال: أحق ما تقول قريش يا محمد من تركك آلهتنا، وتسفيهك عقولنا وتكفيرك آباءنا?آباءنا؟ فقال رسول الله {{صل}}: يا أبا بكر إني رسول الله ونبيه، بعثني لأبلغ رسالته وأدعوك إلى الله بالحق، فو الله إنه للحق أدعوك، إلى الله يا أبا بكر، وحده لا شريك له، ولا يبعد غيره، والمولاة على طاعته أهل طاعته، وقرأ عليه القرآن، فلم يفر، ولم ينكر، فأسلم وكفر بالأصنام، وخلع الأنداد، وأقر بحق الإسلام، ورجع أبو بكر وهو مؤمن مصدق.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي أن رسول الله {{صل}} قال: ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وتردد ونظر إلا أبا بكر ما عتم حين ذكرته له، وما تردد فيه.
سطر 101:
نا يونس عن جعفر بن حيان عن الحسن أن رسول الله {{صل}} قال: أنتم توفون بسبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني محمد بن ثابت بن شرحبيل عن أم الدرداء قالت: قلت لكعب الحبر: كيف تجدون صفة رسول الله {{صل}} في التوراة?التوراة؟ قال: نجده محمد رسول الله، اسمه المتوطل، ليس بفظ ولا غيظ، ولا سخاب في الأسواق، وأعطي المفاتيح ليبصر الله به أعيناً عوراً، ويسمع به آذناً وقرأ، ويقيم به ألسناً معوجة، حتى تشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعين المظلوم ويمنعه.
 
نا يونس عن عبد الرحمن بن عبد الله عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى قال سمى لنا رسول الله {{صل}} نفسه أسماء منها ما حفظنا، قال: أنا محمد، وأحمد والمقضي، والحاشر، ونبي التوبة والملحمة.
سطر 129:
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني من سمع عبد الله بن الحارث ابن نوفل واستكمني اسمه عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله {{صل}}: "وأنذر عشيرتك الأقربين. واخفض جناحك لمت اتبعك من المؤمنين "قال رسول الله {{صل}}: عرفت أني إن بدأت بها قومي رأيت منهم ما أكره، فصمت عليها، فجاءني جبريل فقال: يا محمد إنك إن لم تفعل ما أمرك ربك تعالى عذبك ربك، قال علي: فدعاني رسول الله {{صل}} فقال: يا علي إن الله قد أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فعرفت أني إن بادأتهم بذلك رأيت منهم ما أكره، فصمت عن ذلك حتى جاءني جبريل فقال: يا محمد إن لم تفعل ما أمرت به عذبك ربك، فاصنع لنا يا علي رجل شاة على صاع من طعام؛ وأعد لنا عسى لبن، ثم اجمع بنس عبد المطلب ففعلت، فاجتمعوا له وهم يومئذ أربعون رجلاً أم ينقصون؛ فيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب الكافر الخبيث، فقدمت إليهم تلك الجفنة فأخ منها رسول الله {{صل}} حذية فشقها بأسنانه، ثم رمى بها في نواحيها، ثم قال: كلوا باسم الله، فأكل مثلها، ثم قال رسول الله {{صل}}: اسقهم يا علي، فجئت بذلك القعب فشربوا حتى نهلوا جميعاً، وأيم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله {{صل}} أن يكلمهم بدوره أبو لهب إلى الكلام فقال: لهد، ما سحركم صاحبكم! فتفرقوا ولم يكلمهم رسول الله {{صل}}، فلما كان الغد قال رسول الله {{صل}} يا علي عد لنا بمثل الذي كنت صنعت لنا بالأمس من الطعام والشارب، فإن هذا الرجل قد بدرني إلى ما قد سمعت قبل أن أكلم القوم، ففعلت، ثم جمعهم له، فصنع رسول الله {{صل}} كما صنع بالأمس، فأكلوا حتى نهوا عنه، ثم سقيتهم فشربوا من ذلك القعب حتى نهلوا عنه، وايم الله إن الرجل منهم ليأكل مثلها، ويشرب مثله، ثم قال رسول الله {{صل}}: يا بني عبد المطلب، والله ما أعلم شاباً من العرب حاء قومه بأفضل مما جئتكم به قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة.
 
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل الحارث بن هشام رسول الله {{صل}} فقال: كيف ينزل عليك الوحي?الوحي؟ فقال رسول الله {{صل}}: كل ذلك يأتيني الملك أحياناً في مثل صلصة الجرس، وهو أشقه علي، فيفصم عني قد وعيته، ويتمثل لي الملك أحياناً في صورة رجل فيكلمني فأعي ما يقول.
 
نا يونس عن عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان إذا نزل علي رسول الله {{صل}} الوحي ثقل عليه، وتربد له جلده، وأمسك الناس عن كلامه.
سطر 201:
فوالـلـه لـــولا لا شـــيء غـــيره..........لأصبحتـم لا تـمـلـكـون لـنـا سـربـا
 
نا أحمد نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير، أو عكرمة عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش وكان ذا سن فيهم، وقد حضر الموسم، فقال: يا معشر إنه قد حضر الموسم، وإن وفود العرب ستقدم عليكم وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فاجتمعوا فيه رأياً واحداً، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً، ويرد قول بعضكم بعضا، فقالوا: فأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأياً نقوم به، فقال: بل أنتم؛ قولوا أسمع، فقالوا: نقول: كاهن، فقال: ما هو بكاهن، لقد رأيت الكهان فما هو بزمزمة الكاهن وسجعه فقالوا: مقول مجنون، فقال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو تخنقه، ولا تخالجه، ولا وسوسته، فقالوا: نقول: شاعر، فقال ما هو بشاعر قد عرفنا الشعر بزجره وقريضه، ومقبوضه، ومبسوطه، فما هو بالشعر، قالوا: فنقول: ساحر، قال: ما هو ساحر، قد رأينا السحار وسحرهم، ما هو بنفثه ولا عقده، قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس?شمس؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة، إن أصله لغدق، وإن فرعه لجناً، فما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول لأن تقولوا: ساحر: فقولوا ساحر يفرق بين المرء وبين أبيه، وبين المرء وبين أخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته، فتفرقوا عنه بذلك، فجعلوا يجلسون يسألون الناس حين قدموا الموسم لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا لهم أمره، فأنزل الله تعالى في الوليد بن المغيرة، وفي ذلك من قوله: "ذرني ومن خلقت وحيداً" إلى قوله: "سأصليه سقر"، وأنزل الله عز وجل في النفر الذين كانوا معه يصنفون له القول في رسول الله {{صل}} وفيما جاء به من عند الله تعالى: "الذين جعلوا القرآن عضين" أي أصنافاً "فو ربك لنسئلنهم أجمعين" أولئك النفر الذين يقولون ذلك لرسول الله {{صل}} لمن لقوا من الناس، وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله {{صل}}، وانتشر ذكره في بلاد العرب كلها.
 
نا يونس عن أبي معشر عن محمد بن قيس في قوله: "وقالوا قلوبنا في أكنة" قال: قالت قريش لرسول الله {{صل}}: إن ما تقول حق، فو الله إن قلوبنا لفي أكنة منه ما نعقله، وفي آذاننا وقر فما نسمعه، ومن بيننا وبينك حجاب فما ندري ما تقول.
سطر 235:
نا أحمد نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث أن قريشاً حين قالت لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله {{صل}} فقال له: يا بن أخي إن قومك قد جاءوني فقالوا: كذا وكذا، للذي قالوا له، وآذوني قبل، فأبق علي على نفسك، ولا تحملني من الأمر ما أطيق أنا ولا أنت، واكفف عن قومك نا يكرهون من قولك هذا الذي فرق بيننا وبينهم، فظن رسول الله {{صل}} أنه قد لعمه فيه بداء، وأنه خاذله ومسلمه؛ وضعف عن نصرته والقيام معه، فقال رسول الله {{صل}}: يا عم لو وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في بلغ الأمر برسول الله {{صل}} : أقبل يا ابن أخي، فأقبل عليه، فقال: امض على أمرك وافعل ما أحببت، فو الله لا نسلمك بشيء أبداً.
 
نا يونس عن طلحة بن يحيى بن طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن موسى بن طلحة قالك أخبرني عقيل بن أبي طالب قال: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: إن ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا، فانهه عنا، فقال يا عقيل انطلق فائتيني بمحمد- {{صل}}، فانطلقت إليه، فاستخرجته من خيس، يقول بيت صغير، فجاء به في الظهيرة في شدة الحر، فجعل يطلب الفئ يمشي فيه من شدة الحر الرحض، فلما أتاهم قال أبو طالب: إن ابني عمك هؤلاء قد زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم، فانته عن أذاهم، فحلق رسول الله {{صل}} ببصره إلى السماء فقال أترون هذه الشمس?الشمس؟ قالوا: نعم، قال: فما أنا بأقدر على أن أدع ذلك منكم على أن تستشعلوا منها شعلة فقال أبو طالب: والله ما كذبنا ابن أخي فارجعوا.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق: ثم قال أبو طالب من شعر قاله حين أجمع لذلك من نصرة رسول الله {{صل}}، والدفاع عنه على ما كان من عداوة قومه وفراقهم له:
سطر 343:
نا يونس عن عيسى بن عبد الله التميمي عن الربيع بن أنس قال: نزلت في الوليد بن المغيرة: عتل بعد ذلك زنيم قال: فاحش مع ذلك لئيم.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق في حديثه عن الوليد: فمن رأيتموه عند طعام يشتريه فزيدوا عليه، وحولوا بينهم وبينه ومن لم يكن عنده نقد فليشتر وعلي النقد، ففعلوا ذلك ثلاث سنين حتى بلغ القوم الجهد الشديد، وحتى سمعوا أصوات صبيانهم يتضاغون من وراء الشعب، وكان المشركون يكرهون ما فيه بنو هاشم من البلاء، حتى كره عامة قريش ما أصاب بني هاشم، وأظهروا لكراهيتهم لصحيفتهم القاطعة الظالمة الذي تعاهدوا فيها على محمد {{صل}} ورهطه، وحتى أراد رجال منهم أن يبرءوا منها، وكان أبو طالب يخاف أن يغتالوا رسول الله {{صل}} ليلاً أو سراً، فكان رسول الله {{صل}} إذ أخذ مضجعه أو رقد بعثه أبو طالب عن فراشه وجعله بينه وبين بنيه خشية أن يقتلوه، وتصبح قريش فيسمعوا من الليل أصوات صبيان بني هاشم الذين في في الشعب يتضاغون من الجوع، فإذا أصبحوا جلسوا عند الكعبة فيسأل بعضهم بعضاً، فيقول الرجل لصاحبه: كيف بات أهلك البارحة?البارحة؟ فيقول: بخير، فيقول: لكن اخوانكم هؤلاء الذين في الشعب بات صبيانهم يتضاغون من الجوع حتى أصبحوا، فمنهم من يعجبه ما يلقى محمد {{صل}} ورهطه، ومنهم من يكره ذلك، فقال أبو طالب، وهو يذكر ما طلبوا من محمد {{صل}}، وما حشدوهم في كل موسم يمنعونهم أن يبتاعوا بعض ما يصلحهم، وكر في الشعر:
 
ألا من لهم آخر الـلـيل مـعـتـم..........طواني وأخرى النجم لم يتقـحـم
سطر 375:
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: ثم إن الله عز وجل برحمته أرسل على صحيفة قريش التي كتبوا فيها تظاهرهم على بني هاشم، الأرضه، فلم تدع فيها اسم هو لله عز وجل إلا أكلته، وبقي فيها الظلم والقطيعة والبهتان، فأخبر الله عز وجل بذلك رسول الله {{صل}}، فأخبر أبا طالب، فقال أبو طالب: يا ابن أخي من حدثك هذا، وليس يدخل إلينا أحد ولا تخرج أنت إلى أحد، ولست في نفسي من أهل الكذب، فقال له رسول الله {{صل}} أخبرني ربي هذا، فقال له عمه: إن ربك لحق، وأنا أشهد أنك صادق، فجمع أبو طالب رهطه ولم يخبرهم بما أخبره به رسول الله {{صل}} كراهية أن يفشوا ذلك الخبر فيبلغ المشركين، فيحتالوا للصحيفة الخبث والمكر، فانطلق أبو طالب برهطه حتى دخلوا المسجد، والمشركون من قريش في ظل الكعبة، فلما أبصروه تباشروا به، وظنوا أن الحصر والبلاء حملهم على أن يدفعوا إليهم رسول الله {{صل}} فيقتلوه، فلما انتهى إليهم أبو طالب ورهطه رحبوا بهم وقالوا: قد آن لك أن تطيب نفسك عن قتل رجل في قتله صلاحكم وجماعتكم، وفي حياته فرقتكم وفسادكم!
 
فقال أبو طالب: قد جئتكم في أمر لعله يكون فيه صلاح وجماعة فاقبلوا ذلك منا، هلموا صحيفتكم التي فيها تظاهركم علينا، فجاءوا بها، ولا يشكون إلا أنهم سيدفعون رسول الله {{صل}} إليهم إذا نشروها، فلما جاءوا بصحيفتهم قال أبو طالب: صحيفتكم بيني وبينكم، وإن ابن أخي قد خبرني ولم يكذبني أن الله عز وجل قد بعث على صحيفتكم الأرضة، فلم تدع الله فيها إسماً إلا أكلته وبقي فيها الظلم والقطيعة والبهتان، فإن كان كاذبا فلكم علي أن أدفعه إليكم تقتلونه، وإن كان صادقاً فهل ذلك ناهيكم عن تظاهركم علينا?علينا؟ فأخذ عليهم المواثيق، وأخذوا عليه، فلما نشروها فإذا هي كما قال رسول الله {{صل}}، وكانوا هم بالغدر أولى منهم، واستبشر أبو طالب وأصحابه، وقالوا: أينا أولى بالسحر والقطيعة والبهتان?والبهتان؟ فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وهشام بن عمرو، أخو عامر بن لؤي بن حارثة، فقالوا: نحن براء من هذه الصحيفة القاطعة العادية الظالمة، ولن نمالئ أحداً في فساد أنفسنا وأشرافنا، وتتابع على ذلك ناس من أشراف قريش، فخرج أقوام من شعبهم وقد أصابهم الجهد الشديد، فقال أبو طالب في ذلك من أمر محمد {{صل}} وما أرادوا من قتله:
 
تطاول ليلـي بـهـم وصـب.......ودمع كسح السقاء السـرب
سطر 435:
ستمنـعـه مـنـا يد هـاشـمـية..........مركبها في الناس خير مـركـب
 
فلما باداهم أبو طالب بالعداوة، وباداهم بالحرب، عدت قريش على من أسلم منهم فأوثقوه وآذوه واشتد البلاء عليهم، وعظمت الفتنة فيهم، وزلزلوا زلزالاً شديداً. وعدت بنو جمح على عثمان بن مظعون، وفر أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم إلى أبي طالب ليمنعه، وكان خاله فجاءت بنو مخزوم ليأخذوه، فمنعهم، فقالوا: يا أبا طالب منعتنا ابن أخيك، أتمنع منا ابن أخينا?أخينا؟! فقال أبو طالب: أمنع ابن اختي مما أمنع ابن أخي، فقال أبو لهب - ولم يتكلم بكلام خير قط، ليس يومئذ -: صدق أبو طالب لا يسلمه إليكم، فطمع فيه أبو طالب حين سمع منه ما سمع، ورجا نصره والقيام معه، فقال شعراً استجلبه بذلك:
 
وإن امرءاً أبـو عـتـيبة عـمـه..........لفي روضة من أن يسام المظالمـا
سطر 449:
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: ثم إنه قلم في نقض الصحيفة التي تكاتبت قريش على بني هاشم، وبني المطلب، نفر من قريش، ولم يبل أحد فيها بلاء أحسن بلاء من هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن جريمة بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وذلك أنه كان ابن نضلة بن هاشم بن عبد مناف لأمه، وكان عمرو ونضلة أخوين لأم، وكان هشام لبني هاشم واصلاً، وكان ذا شرف في قومه، وكان فيما بلغني يأتي بني المغيرة وبني هاشم وبني المطلب في الشعب ليلاً، قد أوقر حملاً طعاماً، حتى إذا أقبله في الشعب حل حطامه من رأسه ثم ضرب جنبه، فدخل الشعب عليهم، ويأتي به قد أوقره براً أو بزا فيفعل به مثل ذلك.
 
ثم إنه مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب، فقال لزهير: قد رضيت أن تأكل الطعام وتلبس الثياب وتنكح النساء، واخوانك حيث قد علمت لا يباعون ولا يباع منهم، ولا ينكحون ولا ينكح إليهم، ولا يأمنون ولا يؤمن عليهم، أما إي أحلف بالله لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك إليه أبداً، قال: ويحك فما أصنع أنا رجل واحد?واحد؟! قال: فقال: قد وجدت ثانياً، قال: ومن هو?هو؟ قال: أنا أقوم معك فقال له زهير: أبغنا ثالثا؛ قال: وذهب إلى المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف فقال له يا مطعم قد رضيت أن تهلك بطن من بني عبد مناف وأنت شاهد على ذلك موافق عليه، أما والله لئن أمكنتموهم من هذه لتجدنهم إليها سراعا ًمنكم، فقال: ويحك فما أصنع إنما أنا رجل واحد?واحد؟! فقال: قد وجدت ثانياً، قال: فمن هو?هو؟ قال أنا، قال: فابغنا ثالثاً، قال: قد فعلت، قال: ومن هو?هو؟ قال: زهير بن أبي أمية، قال: فابغنا رابعاً يتكلم معنا، قال: فذهب إلى أبي البختري بن هشام فذكر قرابتهم وحقهم، فقال: هل من أحد يعين على هذا?هذا؟ قال: نعم، المطعم بن عدي، وزهير بن أبي أميه، فقال: ابغنا خامساً، فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد فكلمه، وذكر له قرابتهم وحقهم، فقال له زمعة: هل معك على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد?أحد؟ فقال: نعم ثم سمى له القوم، فتواعد عند خطم الجحون ليلاً بأعلى مكة، فاجتمعوا هناك وأجمعوا أمرهم، وتعاهدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها، فقال زهير: أنا أبدؤ فأكون أولكم.
 
فلما أصبحوا غدوا على أنديتهم، وغدا زهير بن أبي أمية في حلة له فطاف بالبيت سبعاً، ثم أقبل على الناس فقال: يا أهل مكة أنأكل الطعام ونشرب الشراب، ونلبس الثياب، وبنو هاشم بنوا المطلب هلكى لا يباعون ولا يباع منهم، ولا ينكحون ولا ينكح إليهم، والله لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى تشق هذه الصحيفة الظالمة القاطعة، فقال أبو جهل. كذبت والله - وهو في ناحية المسجد - لا تشق هذه الصحيفه، فقال زمعة ابن الأسود: بل أنت والله أكذب، ما رضينا كتابها حين كتبت، فقال أبو البختري: صدق زمعة بن الأسود، لا نرضى بما كتب فيها ولا نعرفه، فقال المطعم بن عدي صدقتما وكذب من قال غير ذلك، نبرأ إلى الله عز وجل منها ومما كتب فيها، وقال هشام بن عمرو مثل ما قالوا في نقضها وردها، فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل تشور فيه - يعني بغير هذا المكان - وأبو طالب جالس في ناحية المسجد يرى ما يصنع القوم، ثم إن المطعم بن عدي قام إلى الصحيفة فشقها فوجد الأرضة قد أكلها إلا بسمك اللهم وكان الذي كتب الصحيفة منصور بن عكرمة ابن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار فشلت يده فيما يزعمون، والله أعلم.
سطر 487:
===اسلام حمزة بن عبد المطلب===
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: فحدثني رجل من أسلم، وكان واعية أن أبا جهل اعترض رسول الله {{صل}} عند الصفا، فآذاه وشتمه ونال منه ما يكره من العيب لدينه، والتضعيف له، فلم يكلمه رسول الله {{صل}}، ومولاة لعبد الله بن جدعان التيمي في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك، ثم انصرف عنه فعمد إلى نادي لقريش عند الكعبة، فجلس معهم، ولم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحاً قوسه، راجعاً من قنص له، وكان إذا فعل ذلك لا يمر على نادي من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعز قريش وأشدها شكيمة، وكان يومئذ مشركاً على دين قومه، فلما مر بالمولاة وقد قام رسول الله {{صل}} فرجع إلى بيته، فقالت له:، أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك من أبي الحكم آنقاً قبيل، وجده ها هنا فآذاه وشتمه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد، فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله عز وجل به من كرامته، فخرج سريعاً لا يقف على أحد كما كان يصنع يريد الطواف بالبيت، معدا لأبي جهل أن يقع به، فلما دخل المسجد نظر اليه جالساً في القوم، فأقبل نحوه حتى قام من رأسه، رفع القوس وضربه بها ضربه شجه بها شجة منكرة، وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل منه، فقالوا: ما تراك يا حمزة إلا قد صبأت?صبأت؟! فقال حمزة: وما يمنعني منه وقد استبان لي منه ذلك، وأنا أشهد أنه رسول الله، وأن الذي يقول حق، فو الله لا أنزع فامنعوني إن كنتم صادقين، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة فإني والله لقد سببت ابن أخيه سباً قبيحا ًءوتم حمزة على إسلامه وعلى ما بايع عليه رسول الله {{صل}} من قوله، فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله {{صل}} قد عز وامتنع وأن حمزه سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه، فقال في ذلك شعراً ضرب أبا جهل وأسلم:
 
ذق يا أبا جهل بما عسـيت.........من أمرك الظالم إذ مشيت
سطر 501:
فحتى تذوق الخزي قد لقيت............فقد شفيت النفس وأشفـيت
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: ثم رجع حمزة إلى بيته فأتاه الشيطان فقال أنت سيد قريش اتبعت هذا الصابئ، وتركت دين آبائك، للموت كان خير لك مما صنعت فأقبل على حمزة بثه فقال: ما صنعت اللهم، إن كان رشداً فاجعل تصديقه في قلبي، وإلا فاجعل لي مما وقعت فيه مخرجاً، فبات بليلة لم يبت بمثلها من وسوسة الشيطان وتزيينه حتى أصبح، فغدا على رسول الله {{صل}} فقال: يا ابن أخي إني قد وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه وإقامة مثلى على ما لا أدري ما هو أرشداً هو أم غي شديدة?شديدة؟ فحدثني حديثاً فقد اشتهيت يا بن أخي أن تحدثني، فأقبل رسول الله {{صل}} فذكره ووعظه وخوفه وبشره، قال: فألقى الله عز وجل في نفسه الإيمان بما قال رسول الله {{صل}}، فقال أشهد أنك صادق، شهادة الصدق العارف، فأظهر يا بن أخي دينك، فو الله ما أحب أن لي ما أظلته السماء وأني على ديني الاول فكان حمزة ممن أعز الله به الدين.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: وقال حمزة بن عبد المطلب:
سطر 527:
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ومنع الله بأبي طالب رسوله {{صل}}، فلما رأى رسول الله {{صل}} أصحابه وما يصيبهم من البلاء والشدة، وأن الله تعالى قد أعفاه من ذلك، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم من قومهم، وأنه ليس في قومهم من يمنعهم كما منعه عمه أبو طالب، أمرهم بالهجرة إلى أرض الحبشة، وقال لهم: إن بها ملكاً لا يظلم الناس ببلاده في أرض صدق فتحرزوا عنده يأتيكم الله عز وجل بفرح منه، ويجعل لي ولكم مخرجاً، فهاجر رجال من أصحابه إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة، وفروا إلى الله عز وجل بدينهم، واستخفى آخرون بإسلامهم.
 
نا يونس عن عيسى بن عبد الله التميمي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله عز وجل: "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم" الآية، فمكث رسول الله {{صل}} بمكة عشر سنين بعدما أوحي إليه خائفاً هو وأصحابه يدعون الله عز وجل سراً وعلانية، ثم أمروا بالهجرة إلى المدينة، وكانوا بها خائفين يمسون ويصبحون في السلاح، فقال رجل من أصحاب رسول الله {{صل}}: يا رسول الله أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح?السلاح؟ فقال رسول الله {{صل}}: لن تعبروا إلا يسيراً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم ليس فيه حديد، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات" إلى آخر الآية، لقول الرجل ولقول رسول الله {{صل}}، وقوله: "فمن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون" قال: ومن كفر بهذه النعمة، ليس يقول: من كفر بالله، وكانوا كذلك حتى قبض الله عز وجل رسوله {{صل}}، ثم كانوا كذلك في إمرة أبي بكر، وعمر، وعثمان ثم غيروا فغير ما بهم، كفروا بهذه النعمة فأدخل الله عز وجل عليهم الخوف الذي كان قد وضعه عنهم.
 
نا يونس عن هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله {{صل}} على ثلاث فرق: فرقة بالمدينة، وفرقتين بمكة، فرقة كانوا يؤذون بمكة عشر سنين فيعفون عن المشركين، وفرقة كانوا إذا أوذوا انتصروا منهم، فأنزل الله عز وجل عليهم جميعاً، فقال: "الذين يجتنبون كبائر الاثم" وهو الشرك والفواحش وهو الزنا وإذا ما غضبوا هم يغفرون هؤلاء الذين كانوا لا ينتصرون من المشركين " والذين استجابوا لربهم وأقاموا لصلاة وأمرهم شورى بينهم" الذين كانوا بالمدينة لم يكن عليهم أمير، كان رسول الله {{صل}} بمكة وهم بالمدينة، يتشاورون في أمرهم "والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون" هؤلاء الذين انتصروا "وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله" الذين عفوا، ولمن انتصر بعد ظلمه، إلى قوله: "في الأرض بغير الحق" المشركين الذين كانوا يظلمون الناس المسلمين "لهم عذاب أليم".
سطر 565:
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: فلما بلغ من بالحبشة من المسلمين سجود أهل مكة مع رسول الله {{صل}} أقبلوا، أو من شاء الله عز وجل منهم، وهم يرون أنهم قد تابعوا رسول الله {{صل}} فلما دنوا من مكة بلغهم الأمر فثقل عليهم أن يرجعوا إلى أرض الحبشة، وتخوفوا أن يدخلوا مكة بغير جوار، فمكثوا على ذلك حتى دخل كل رجل منهم بجوار من بعض أهل مكة، وقدم عثمان بن مظعون بجوار من الوليد بن المغيرة، وأبو سلمة بن عبد الأسد بجوار من أبي طالب، وكان خاله، وأم أبي سلمة برة بنت عبد المطلب.
 
فأما عثمان بن مظعون فكان من خبره أن يونس بن بكير: نا عن محمد بن اسحق قال: فحدثني صالح عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عمن حدثه قال: لما رأى عثمان ما يلقى رسول الله {{صل}} وأصحابه من الأذى، وهو يغدو ويروح بأمان الوليد بن المغيرة قال عثمان: والله إن غدوي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل بيتي يلقون من البلاء والأذى في الله عز وجل ما لا يصيبني لنقص كثير في نفسي، فمشى إلى الوليد بن المغيرة وهو في المسجد، فقال: يا أبا عبد شمس وفت ذمتك، قد كنت في جوارك، وقد أحببت أن أخرج منه إلى رسول الله {{صل}}، ولي به وبأصحابه أسوة، قال الوليد: فلعلك يا لبن أخي أوذيت، أو انتهكت?انتهكت؟ فقال: لا ولكني أرضي بجوار الله تعالى ولا أريد أن أستجير بغيره، قال : فانطلق إلى المسجد، فاردد علي جواري علانية كما أجرتك علانية، فقال: انطلق قال: فخرجا حتى أتيا المسجد فقال الوليد: هذا عثمان بن مظعون قد جاء ليرد علي جواري، فقال عثمان: صدق، وقد وجدته وفياً كريم الجوار، وقد أحببت ألا أستجير بغير الله، وقد رددت عليه جواره، ثم انصرف عثمان بن مظعون ولبيد بن ربيعة ابن جعفر بن كلاب القيسي في مجلس قريش، فجلس معهم عثمان، فقال لبيد وهو ينشدهم: ألا كل شيء ما خلا الله باطل فقال عثمان: صدقت، فقال لبيد:
 
وكل نعيم لا محالة زائل
 
فقال عثمان: كذبت، فالتفت إليه القوم وقالوا للبيد: أعد علينا، فأعاد لبيد، وعادله عثمان بتصديقه مرة وتكذيبه مرة، وإنما يعني عثمان إذ قال: كذبت، يعني نعيم الجنة لا يزول، فقال لبيد: والله يا معشر قريش ما كانت مجالسكم هكذا! فقام سفيه منهم إلى عثمان ولطم عينه فاخضرت، فقال له من حوله: والله يا عثمان لقد كنت في ذمة منيعة، وكانت عينك غنية عما لقيت! فقال عثمان: جوار الله آمن وأعز، وعيني الصحيحة فقيرة إلى ما لقيت أختها ولي برسول الله {{صل}} أسوة، وبمن معه أسوة، فقال الوليد: هل لك في جواري?جواري؟ قال عثمان: لا إرب لي في جوار أحد إلا جوار الله، ثم قال عثمان في ذلك:
 
لا إرب لي يا ابن المغيرة في الذي......تقول ولكنـي بـأحـمـد واثـق
سطر 589:
نا أحمد: نا يونس عن محمد بن اسحق قال كان اسلام عمر بن الخطاب بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله {{صل}} إلى أرض الحبشة.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن عبد العزيز بن عبد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أمه ليلى قالت: كان عمر بن الخطاب من أشد الناس علينا في اسلامنا، فلما تهيأنا للخروج إلى أرض الحبشه، جاءني عمر بن الخطاب وأنا على بعيري نريد ان نتوجه، فقال: اين يا أم عبد الله?الله؟ فقلت له: آذيتمونا في ديننا فنذهب إلى أرض الله عز وجل حيث لا نؤذى في عبادة الله، فقال: صحبكم الله، فذهب، ثم جاءني زوجي عامر ابن ربيعة، فأخبرته بما رأيت من رقة عمر فقال: أترجين يسلم?يسلم؟ فقلت: نعم، فقال: والله لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: ثم إن قريشاً بعثت عمر بن الخطاب - وهو يومئذ مشرك - في طلب رسول الله {{صل}}، ورسول الله {{صل}} في دار في أصل الصفا، ولقيه النحام وهو نعيم بن عبد بن اسد، أخو بني عدي بن كعب، قد اسلم قبل ذلك، وعمر متقلد سيفه، فقال: يا عمر اين تراك تعمد?تعمد؟ فقال: اعمد إلى محمد هذا الذي سفه احلام قريش، وسفه آلهتها، وخالف جماعتها، فقال له النحام: والله لبئست الممشى مشيت يا عمر، ولقد فرطت، واردت هلكة بني عدي بن كعب، او تراك تنفلت من بني هاشم، وبني زهرة وقد قتلت محمداً {{صل}}?؟! فتحاورا حتى ارتفعت أصواتهما، فقال له عمر: إني لأظنك قد صبأت، ولو اعلم ذلك لبدأت بك، فلما رأى النحام انه غير منته قال: فإني اخبرك، إن اهلك واهل ختنك قد أسلموا وتركوك وما انت عليه من ضلالتك، فلما سمع عمر تلك المقالة يقولها قال: فأيهم?فأيهم؟ قال: خنتك وابن عمك واختك، فانطلق عمر حتى اتى اخته.
 
وكان رسول الله {{صل}} إذا اتته الطائفة من اصحابه من ذوي الحاجة نظر إلى اولى السعة فيقول: عندك فلان فليكن إليك، فوافق ذلك ابن عم عمر وختنه زوج اخته سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فدفع إليه رسول الله {{صل}} خباب بن الأرت، مولى ثابت بن ام انمار حليف بني زهرة، وقد انزل الله عز وجل "طه ما انزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى" وكان رسول الله {{صل}} دعا ليلة الخميس فقال: اللهم اعز الاسلام بعمر بن الخطاب او بأبي الحكم بن هشام، فقال ابن عم عمرو واخته: نرجو ان تكون دعوة رسول الله {{صل}} لعمر، فكانت.
 
فأقبل عمر حتى انتهى إلى باب اخته ليغير عليها ما بلغه من اسلامهما، فإذا خباب بن الآرت عند اخت عمر يدرس عليها طه، ويدرس عليها إذا الشمس كورت، وكان المشركون يدعون الدراسة الهينمة، فدخل عمر فلما ابصرته اخته عرفت الشر في وجهه فخبأت الصحيفة، وراغ خباب فدخل البيت، فقال عمر لأخته: ما هذه الهينمة في بيتك?بيتك؟ قالت: ما عدا حديثاً نتحدث به بيننا، فعذلها وحلف الا يخرج حتى تبين شأنها، فقال له زوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: إنك لا تستطيع ان تجمع الناس على هواك يا عمر وإن كان الحق سواه، فبطش به عمر فوطئه وطئاً شديداً وهو غضبان، فقامت إليه اخته تحجره عن زوجها فنفحها عمر بيده فشجها، فلما رأت الدم قالت: هل تسمع يا عمر، أرأيت كل شيء بلغك عني مما يذكر من تركي آلهتك وكفري باللات والعزى فهو حق، اشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله، فائتمر امرك، واقض ما انت قاض، فلما رأى ذلك عمر سقط في يديه، فقال عمر لأخته: أرأيت ما كنت تدرسين اعطيك موثقاً من الله لا امحوها حتى اردها إليك، ولا اريبك فيها، فلما رأت ذلك اخته، ورأت حرصه على الكتاب رجت ان تكون دعوة رسول الله {{صل}} له، فقالت: إنك نجس ولا يمسه إلا المطهرون، ولست آمنك على ذلك، فاغتسل غسلك من الجنابة، واعطني موثقاً تطمئن إليه نفسي ففعل عمر، فدفعت إليه الصحيفة، وكان عمر يقرأ الكتاب، فقرأ طه حتى إذا بلغ إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى إلى قوله فتردى وقرأ إذا الشمس كورت حتى بلغ علمت نفس ما أحضرت فأسلم عند ذلك عمر، فقال لأخته، وختنه: كيف الاسلام?الاسلام؟
 
قالا: تشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وتخلع الآنداد، وتكفر باللات والعزى، ففعل ذلك عمر، وخرج خباب، وكان في البيت داخلاً، فكبر خباب وقال: أبشر يا عمر بكرامة الله فإن رسول الله {{صل}} قد دعا لك أن يعز الله الاسلام بك، قال عمر: فدلوني على المنزل الذي فيه رسول الله {{صل}} فقال له خباب بن الأرت: أنا أخبرك، فأخبره أنه في الدار التي في أصل الصفا، فأقبل عمر، وهو حريص على أن يلقى رسول الله {{صل}}، وقد بلغ رسول الله {{صل}} أن عمر يطلبه ليقتله ولم يبلغه اسلامه، فلما انتهى عمر إلى الدار استفتح، فلما رأى أصحاب رسول الله {{صل}} عمر متقلدا بالسيف، أشفقوا منه، فلما رأى رسول الله {{صل}} وجل القوم قال: افتحوا له فإن كان الله عز وجل يريد بعمر خيراً اتبع الاسلام وصدق الرسول، وإن كان يريد غير ذلك لم يكن قتله علينا هينا، فابتدره رجال من أصحاب رسول الله {{صل}}، ورسول الله {{صل}} يوحى إليه، فخرج رسول الله {{صل}} حين سمع صوت عمر، وليس عليه رداء، حتى أخذ بمجمع قميص عمر، ورداءه فقال له رسول الله {{صل}}: ما أراك منتهياً يا عمر حتى ينزل الله بك من الرجز ما أنزل بالوليد بن المغيرة، ثم قال: اللهم اهد عمر، فضحك عمر، فقال: يا نبي الله أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فكبر أهل الإسلام تكبيرة واحدة سمعها من وراء الدار والمسلمون يومئذ بضعة وأربعون رجلاً واحدى عشرة امرأة.
سطر 619:
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحاق قال: قال عمر عند ذلك: والله لنحن بالاسلام أحق أن ننادي منا بالكفر، فليظهرن لمكة دين الله، فإن أراد قومنا بغياً علينا ناجزناهم، وإن قومنا أنصفونا قبلنا منهم، فخرج عمر وأصحابه، فجلسوا في المسجد، فلما رأت قريش إسلام عمر سقط في أيديهم.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني نافع عن ابن عمر قال: لما أسلم عمر بن الخطاب قال: أي أهل مكة أنقل للحديث?للحديث؟ قالوا: جميل بن معمر الجمحي، فخرج عمر، وخرجت وراء أبي وأنا اليم أعقل كلما رأيت، حتى أتاه، فقال: يا جميل هل علمت أني أسلمت?أسلمت؟ فو الله ما راجعه الكلام حتى قام يجر رداءه، وخرج عمر معه، وأنا مع أبي، حتى إذا قام على باب المسجد الكعبة صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش إن عمر قد صبا، فقال عمر: كذبت ولكني أسلمت، فبادروه فقاتلهم وقاتلوه حتى قامت الشمس على رؤوسهم وبلح، فجلس وعرشوا على رأسه قياماً وهو يقول: اصنعوا ما بدا لكم فأقسم بالله لو قد كنا ثلاثمائة رجل لقد تركتموها لنا أو تركناها لكم، فبينا هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة حبره وقميص قومسي، فقال: مه?مه؟ فقالوا: خيراً، عمر بن الخطاب صبا، فقال فمه?????فمه؟؟؟؟؟! رجل اختار لنفسه ديناً أترون بني عدي بن كعب يسلمون لكم صاحبهم هكذا?هكذا؟! عن الرجل فو الله لكأنما كان ثوب كشف عنه، فلما قدمنا المدينة قلت: يا أبه من الرجل صاحب الحلة الذي صرف القوم عنك?عنك؟ قال: ذاك العاص بن وائل السهمي.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني المنكدر أن أعرابياً من بني الدئل قال حيث بلغه أمر رسول الله {{صل}} وظهوره واختلاف الناس بها قال: فما فعل الأصلع الطوال الأعسر، مع أي الحزبين هو، فو الله ليملأنها غداً خيراً أو شراً، يعني عمر بن الخطاب.
سطر 629:
===ما جاء في أول من جهر بالقرآن بمكة===
 
نا يونس عن محمد بن اسحق قال: حدثني يحيى بن عروة بن الزبير بن العوام عن أبيه قال: كان أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول الله {{صل}} عبد الله بن مسعود، اجتمع يوماً أصحاب رسول الله {{صل}} فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهم?يسمعهم؟ فقال عبد الله بن مسعود: أنا، قالوا: إنا نخشاهم عليك إنما نريد رجلاً له عشيرة تمنعه من القوم إن آذوه، فقال: دعوني فإن الله عز وجل سيمنعني، فغدا عبد الله حتى أتى المقام في الضحى وقريش في انديتها حتى قام عند المقام فقال رافعاً صوته: بسم الله الرحمن الرحيم "الرحمن علم القرآن" فاستقبلها فقرأها، فتأملوا فجعلوا يقولون ما يقول ابن أم عبد، ثم قالوا: إنه يتلو بعض ما جاء به محمد {{صل}}، فقاموا فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا بوجهه، فقالوا: هذا الذي خشينا عليك، فقال: ما كان أعداء الله قط أهون علي منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا، قالوا: حسبك قد أسمعتهم ما يكرهون.
 
نا يونس عن عبد الرحمن بن عبد الله عن المطعم قال: كان أول من أفشى القرآن بمكة وعذب في رسول الله {{صل}} عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
سطر 641:
===من عذب في الله بمكة من المؤمنين===
 
أنا الشيخ أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور البزاز قراءة عليه وأنا أسمع قال : أنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص قال: قرئ على أبي الحسين رضوان بن أحمد وأنا أسمع قال: نا أبو عمر أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال: نا يونس بن بكير عن ابن اسحق قال: نا الزهري قال: حدثت أنا أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن الشريق خرجوا ليلة ليسمعوا من رسول الله {{صل}} وهو يصلي بالليل في بيته، وأخذ كل رجل منهم مجلساً ليستمع فيه، وكلا لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يسمعون له حتى إذا أصبحوا أو طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فتلاوموا وقال بعضهم لبعض لا تعودون لو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً، ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثلما قالوا أول مرة، ثم انصرفوا، فلما كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقالوا: لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود، فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا، فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصا ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته، فقال: حدثني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد?محمد؟ فقال: يا أبا ثعلبة، والله سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وأشياء ما أعرف معناها ولا ما يراد بها، فقال الأخنس: وأنا والذي حلفت له، ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته، فقال: يا أبا الحكم: ما رأيك فيما سمعت من محمد?محمد؟ فقال ماذا سمعت، تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى تدرك هذه?هذه؟! والله لا نؤمن به أبداً، ولا نصدقه؛ فقام عنه الأخنس بن شريق.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: ثم عدوا على من أسلم واتبع رسول الله {{صل}} من أصحابه، فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين فجعلوا يعذبونهم.
سطر 661:
لمن ظل يهوى الغي من آل غالـب...........على غير بركان مـنـه ولا عـدل
 
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر أعتق ممن كان يعذب في الله عز وجل سبعة، أعتق: بلالاً، وعامر بن فهيرة، والزنيرة، وجارية بني عمرو بن مؤمل، والنهدية وابنتها، وأم عبيس، وذكر أنه مر بالنهدية ومولاتها تعذبها، تقول والله لا أعتقك حتى تعتقك حياتك، فقال أبو بكر: أجل يا أم فلان، قالت: فاعتقها إذاً فإنها على دينك، قال أبو بكر فبكائن?فبكائن؟ قالت: بكذا وكذا، فقال: قد أخذتها وأعتقتها، ردي عليها طحينها، قالت: دعني أطحنه لها.
 
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ذهب بصر الزبيرة، وكانت ممن تعذب في الله عز وجل على الإسلام، فتأبى إلا الإسلام، فقال المشركون: ما أصاب بصرها إلا اللات والعزى، فقالت: كذا?كذا؟! والله ما هو كذلك، فرد الله علها بصرها.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني أبو عبد الله عن أبي عتيق عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: لما جعل أبو بكر يعتق أولئك الضعفاء بمكة قال له قحافة: أي بني لو أنك إذا أعتقت أعتقت رجالاً جلداً يمنعونك ويقومون معك، فقال له: يا أبه إنما أريد ما أريد لله عز وجل قال: فيحدث أن هذه الآيات نزلن في أبي بكر: فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى إلى آخر السورة.
سطر 673:
نا يونس عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين قال: مر رسول الله {{صل}} بعمار بن ياسر وهو يبكي بذلك عينيه فقال له رسول الله {{صل}}: مالك، أخذك الكفار، فغطوك في الماء، فقلت كذا، وكذا، فإن عادوا لك فقل كما قلت.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: يا أبا عباس أكان المشركون يبلغون من المسلمين في العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم?دينهم؟ فقال : نعم والله إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر على أن يستوي جالساً من شدة الضر الذي به حتى أنه ليعطيهم ما سألوه من الفتنة وحتى يقولوا: أاللات والعزى إلهك من دون الله?الله؟ فيقول: نعم، وحتى أن الجعل ليمر بهم فيقولون أهذا الجعل إلهك من دون الله?الله؟ فيقول: نعم، إفتداء منهم لما يبلغون من جهده.
 
نا يونس عن العيزار بن حريث قال: مر خالد بن الوليد على اللات والعزى فقال:
سطر 681:
ثم مضى.
 
نا يونس عن حبيب بن حسان الأسدي عن مسلم بن صبيح قال: قال أصحاب رسول الله {{صل}}: إنا قد كثرنا، فلو أمرت كل عشرة منا فأتوا رجلاً من صناديد قريش ليلاً وأخذوه فقتلوه، فتصبح البلاد لنا?لنا؟ فسر النبي {{صل}} بذلك حتى رؤي في وجهه، فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله أبناءنا، آباءنا، إخواننا، فما زال عثمان يردد ذلك حتى سلم رسول الله {{صل}} قولهم الأول ورؤي في وجهه، حتى رفض ذلك، وأخذنا المشركون حين أمسينا فما من أحد من أصحاب رسول الله {{صل}} الا قد أعطى الفتنة غير بلال فإنه قال: الأحد الأحد.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال حدثني صالح بن كيسان عن بعض آل سعد عن سعد بن أبي وقاص قال: كنا قوماً يصيبنا صلف العيش بمكة مع رسول الله {{صل}} وشدته، فلما أصابنا البلاء اعترافنا لذلك، وصبرنا له، وكان مصعب بن عمير أنعم إلام بمكة، وأجوده حلة مع أبويه، ثم لقد رأيته جهد في الإسلام جهداً شديدا حتى لقد رأيت جلده يتحشف تحشف جلد الحية عنها حتى أن كنا لنعرضه على قسينا فنحمله مما به من الجهد، وما يقصر عن شيء بلغناه، ثم أكرمه الله عز وجل بالشهادة يوم أحد.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: حدثني من سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: إنا لجلوس مع رسول الله {{صل}} في المسجد إذ طلع علينا مصعب بن عمير ما عليه إلا بردة له مرقوعة بفرو، قال: فلما رآه رسول الله {{صل}} بكى للذي كان فيه من النعمة وما لهو هو فيه اليوم، فقال رسول الله {{صل}}: كيف بك إذا غدا أحدكم في حلة وراح في حلة، ووضعت بين يديه صحفة ورفعت أخرى، وسترقم جدر بيوتكم كما تستر الكعبة، فقالوا: يا رسول الله نحن يومئذ خير منا اليوم نتفرغ للعبادة ونكفى المؤنة?المؤنة؟ فقال رسول الله {{صل}}: أنتم اليوم خير منكم يومئذ.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني صالح بن كيسان عن بعض آل سعد عن سعد بن أبي وقاص قال: لقد رأيتني مع رسول الله {{صل}} بمكة فخرجت من الليل أبول فإذا أنا أسمع قعقعة شيء تحت بولي فنظرت فإذا قطعه جلد بعير فأخذتها فغسلتها ثم أحرقتها فرضضتها بين حجرين ثم استففتها، فشربت عليها من الماء، فقويت عليها ثلاثاً.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: حدثني من سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: خرجت في يوم شاتي من بيت رسول الله {{صل}} ولقد أخذت إهاباً معطوفاً فخويت وسطه فأدخلته في عنقي، وشددت وسطي وحزمته بخوص النخل، وإني لشديد الجوع فلو كان في بيت رسول الله {{صل}} طعام لطعمت منه، فخرجب ألتمس شيئاً، فمررت بيهودي في مال له وهو يستقي ببكرة له، فاطلعت عليه من ثلمة في الحائط فقال: مالك يا عربي، هل لك في كل دلو بتمرة?بتمرة؟ فقلت: نعم، فافتح حتى أدخل، ففتح فدخلت فأعطاني دلوه فلما نزعت دلواً أعطاني تمرة، حتى إذا انتلت كفي أرسلت الدلو وقلت: حسبي، فأكلتها، ثم نزعت في الماء فشربت، ثم جئت المسجد فوجدت رسول الله {{صل}}.
 
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان ضجاع رسول الله {{صل}} أدماً حشوه ليف.
سطر 699:
نا يونس عن المسعودي عن عمرو بن مرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: اضطجع رسول الله {{صل}} ذات يوم على حصير فقام وقد أثر بجلده، فلا استيقظ جعلت أمسح عنه وأقول: ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئاً يقيك منه، فقال رسول الله {{صل}}: وما أنا والدنيا، ما أنا والدنيا، إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الملك بن أبي سفيان الثقفي قال: قدم رجل من إراش بإبل له مكة، فابتاعها منه أبو جهل بن هشام فمطله بأثمانها، وأقبل الإراشي حتى وقف على نادي قريش ورسول الله {{صل}} جالس في ناحية المسجد فقال: يا معشر قريش من رجل يؤديني على أبي الحكم بن هشام فإني غريب ابن سبيل، وقد غلبني على حقي، وأنا غريب ابن سبيل?سبيل؟ فقال أهل المجلس: ترى ذلك الرجل - وهم يهزؤون به، إلى رسول الله {{صل}}، لما يعلمون بينه وبين أبي جهل من العداوة - إذهب إليه فهو يؤديك عليه، فأقبل الإراشي حتى وقف على رسول الله {{صل}} فقال: يا عبد الله إن أبا الحكم بن هشام قد غلبني على حق لي قبله، وأنا غريب ابن سبيل، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤديني عليه، يأخذ لي حقي منه فأشاروا لي إليك، فخذ لي حقي منه، رحمك الله؛ فقال رسول الله {{صل}}: إنطلق إليه، وقام معه، فلما رأوه قام معه قالوا لرجل ممن معهم: إتبعه فانظر ماذا يصنع، فخرج رسول الله {{صل}} حتى جاءه، فضرب عليه بابه، فقال: من هذا?هذا؟ فقال: محمد فاخرج إلي، فخرج إليه وما في وجهه رائحة، قد امتقع لونه، فقال له: أعط هذا الرجل حقه، فقال: نعم، لا يبرح حتى أعطيه الذي له، فدخل، فخرج إليه بحقه فدفعه إليه، ثم انصرف رسول الله {{صل}} وقال للإراشي: الحق بشأنك فأقبل الإراشي حتى وقف على ذلك المجلس فقال: جزاه الله خيراً فقد أخذ الذي لي، وجاء الرجل الذي بعثوا معه، فقالوا له: ويحك ماذا رأيت?رأيت؟ فقال: عجباً من العجب، والله إلا أن ضرب عليه بابه فخرج وما معه روحه فقال: أعط هذا الرجل حقه، قال: نعم لا يبرح حتى أخرج إليه حقه، فدخل فأخرج إليه حقه فأعطاه إياه؛ ثم لم يلبث أن جاء أبو جهل فقالوا له: ويلك مالك فو الله ما رأينا مثل ما صنعت??صنعت؟؟ قال: ويحكم والله ما هو إلا أن ضرب على بابي وسمعت صوته فملئت رعباً ثم خرجت إليه وإن فوق رأسي لفحل من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيايه لفحل قط، والله لو أبيت لأكلني.
 
===حديث النبي حيث خاصمه المشركون===
سطر 709:
فقالوا فإن لم تفعل لنا هذا فخذ لنفسك، فسل ربك أن يبعث معك ملكاً يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك وسله فليجعل لك جنانا وكنوزاً وقصوراً من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه، وحتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولاً كما تزعم، فقال لهم رسول {{صل}}: ما أنا بفاعل، وما أنا بالذي يسل ربه هذا ولا بعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثني بشيراً ونذيراً، فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وببينكم.
 
قالوا: فأسقط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل فإنا لا نؤمن لك إلا أن تفعل، فقال رسول الله {{صل}}: ذلك إليه إن شاء فعل ذلك بكم؛ قالوا: يا محمد فاعلم ربك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألناك عنه ونطلب منك ما نطلب، فيتقدم إليك فيعلمك ما تراجعنا به ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منك ما جئتنا به، فقد بلغنا أنه إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن، وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبداً فقد أعذرنا إليك يا محمد، وإنا والله لا نتركك وما بلغت منا حتى تهلك أو تهلكنا، وقال قائلهم: نحن نعبد الملائكة وهن بنات الله، وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلاً، فلما قالوا له ذلك قام رسول الله {{صل}} عنهم، وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وهو ابن عمته، ابن عاتكة بنت عبد المطلب، فقال له: يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ثم سألوك لأنفسهم أموراً ليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل، ثم أن تعجل لهم بعض ما تخوفهم به من العذاب، فو الله لا أومن بك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلماً ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها، ثم تأتي معك بصك منشور ومعك أربعة من الملائكة يشهدون أنك كما تقول، وإيم الله أن أن لو فعلت ذلك ما ظننت أني أصدقك، ثم انصرف عن رسول الله {{صل}}، وانصرف رسول الله {{صل}} إلى أهله حزيناً آسفاً لما فاته مما كان فيه يطمع من قومه حين دعوه، ولما رأى من مباعدتهم إياه فلما قام عنهم رسول الله {{صل}} قال أبو جهل: يا معشر قريش إن محمداً قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا وشتم آبائنا وتسفيه أحلامنا، وسب آلهتنا، وإني أعاهد الله لأجلس له غدا بحجر ما أطيق حمله، فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه، فأسلموني عند ذلك وامنعوني فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم ثم جلس لرسول الله {{صل}} ينتظره، وغدا رسول الله {{صل}} كما كان يغدوا، وكان رسول الله {{صل}} بمكة وقبلته إلى الشام وكان إذا صلى صلى بين الركنين الأسود واليماني، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، فقام رسول الله {{صل}} يصلي وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل، فلما سجد رسول الله {{صل}} احتمل الحجر، ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع متهيباً منتفعاً قد تغير لونه مرعوباً قد يبست يده على حجره حتى قذف الحجر من يده، وقامت إليه رجال قريش فقالوا: ما لك يا أبا الحكم?الحكم؟ فقال: قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة، ولما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل والله ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط، فهم بأن يأكلني.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: فذكر لي أن رسول الله {{صل}} قال: ذلك جبريل لو دنا لأخذه.
سطر 727:
===باب أحاديث الأحباروأهل الكتاب بصفة النبي===
 
نا يونس عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الله قال كنت مع رسول الله {{صل}} فهو يمشي في حرث ومعه عسيب يتوكأ عليه فمر على ناس من اليهود فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، وقال بعضهم: لا يسلوه، فقام إليه بعضهم فقال: أخبرنا يا محمد عن الروح ما هو?هو؟ فقام رسول الله {{صل}} ساكتاً لا يتكلم، فعرفت أنه يوحى إليه، وكنت وراءه فتأخرت، ثم تكلم رسول الله فقال: ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي إلى قوله قليلاً فقالوا: أليس قد نهيناكم أن تسألوه?تسألوه؟!
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني رجل بمكة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن أحبار يهود قالوا لرسول الله {{صل}} بالمدينة: يا محمد أرأيت قولك وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً إيانا تريد أم قومك?قومك؟ فقال رسول الله {{صل}}: كلا، فقالوا: ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان كل شيء?شيء؟ فقال رسول الله {{صل}}: إنها في علم الله قليل وعندكم من ذلك ما يكفيكم لو أقمتموه، فأنزل الله عز وجل فيما سألوه عنه من ذلك: ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام إلى قوله: ما نفدت كلمات الله إني أرى التوراة في علم الله قليل.
 
نا يونس عن بسام مولى علي بن أبي الطفيل قال: قام علي بن أبي طالب على المنبر فقال: سلوني قبل ألا تسألوني ولن تسألوا بعدي مثلي؛ فقام ابن الكواء فقال: يا أمير المؤمنين ما ذو القرنين، أنبي أو ملك?ملك؟ فقال: ليس بملك ولا نبي ولكن كان عبداً صالحاً أحب الله فأحبه وناصح الله بنصحه فضرب على قرنه الأيمن فمات ثم بعثه، ثم ضرب على قرنه الأيسر فمات وفيكم مثله.
 
نا يونس عن عمرو بن ثابت عن سماك بن حرب عن رجل من بني أسد قال: سأل رجل علياً: أرأيت ذا القرنين كيف استطاع أن يبلغ المشرق والمغرب?والمغرب؟ فقال: سخر له السحاب ومد له في الأسباب وبسط له النور فكان الليل والنهار عليه سواء.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: فلما جاءهم رسول الله {{صل}} بما عرفوا من الحق وعرفوا صدقه فيما حدث وموقع نبوته فيما جاءهم به من علم الغيوب حين سألوه عما سألوه عنه، فحال الحسد منهم له بينهم وبين أتباعه وتصديقه، فعتوا على الله وتركوا أمره عياناً، ولجوا فيما هم عليه من الكفر فقال قائلهم: لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه لعلكم تغلبون، أي اجعلوه لعباً وباطلاً، واتخذوه هزواً، أي لعلكم تغلبون، تغلبوه بذلك، فإنكم إن وافقتموه وناصفتموه غلبكم، فلما ذلك بعضهم لبعض جعلوا إذا جهر رسول الله {{صل}} بالقرآن وهو يصلي يتفرقون عنه ويأبون أن يسمعوا له، وكان الرجل منهم إذا أراد أن يسمع من رسول الله {{صل}} بعض ما يتلو من القرآن وهو يصلي استتر واستمع دونهم، فرقاً منهم، فإن رأى أنهم عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم ولم يستمع، وإن خفض رسول الله {{صل}} صوته فظن الذين يستمعون أنهم لم يسمعوا من قراءته شيئاً وسمع هو دونهم أشاح له ليستمع منه.
سطر 745:
نا يونس عن يونس بن عمرو الهمداني عن أبيه عن سعد بن عياض اليماني قال، كان رسول الله {{صل}} من أقل الناس منطقا، فلما أمر بالقتال شمر، فكان من أشد الناس بأساً.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يزيد بن زياد مولى بني هاشم عن محمد بن كعب قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة كان سيداً حليماً قال ذات يوم وهو جالس في نادي قريش ورسول الله {{صل}} جالس وحده في المسجد: يا معشر قريش ألا أقوم إلى هذا فأكلمه أموراً لعله أن يقبل بعضها فنعطه أيها شاء ويكف عنا، وذلك حين أسلم حمزة بن عبد المطلب، ورأوا أصحاب رسول الله {{صل}} يزيدون ويكثرون?ويكثرون؟ فقالوا: بلى يا أبا الوليد فقم فكلمه، فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله {{صل}} فقال: يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك أن تقبل منها بعضها، فقال رسول الله {{صل}}: قل يا أبا الوليد أسمع، فقال يا بن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت من هذا القول مالاً جمعنا من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تريد شرفاً شرفناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه ولا تستطيع أن ترده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه، ولعل هذا الذي تأتي به شعر جاش به صدرك، فإنكم لعمري يا بني عبد المطلب تقدرون منه على ما لا يقدر عليه أحد، حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله {{صل}} يستمع منه قال رسول الله {{صل}}: أفرغت يا أبا الوليد?الوليد؟ قال: نعم، قال: فاستمع مني، قال: أفعل، فقال رسول الله {{صل}}: بسم الله الرحمن الرحيم حم. تنزيل من الرحمن الرحيم. كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً فمضى رسول الله {{صل}} يقرأها عليه، فلما سمعها عتبة أنصت له، وألقى بيده خلف ظهره معتمداً عليها يستمع منه حتى انتهى رسول الله {{صل}} إلى السجدة فسجد فيها، ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك، فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد?الوليد؟ فقال: ورائي، إني والله قد سمعت قولاً ما سمعت بمثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا الكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه، فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تصيبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، فقال: هذا رأي لكم فاصنعوا ما بدا لكم.
 
نا أحمد: نا يونس عن بن إسحق قال: ثم إن الإسلام جعل يفشو بمكة حتى كثر في الرجال والنساء، وقريش تحبس من قدرت على حبسه، وتفتن من استطاعت فتنته من الناس، فقال أبو طالب يمدح عتبة بن ربيعة حين رد على أبي جهل، فقال: ما تنكر أن يكون محمد نبياً?نبياً؟!
 
عجبت لـحـلـم يا ابـن شـيبة...........وأحلام أقوام لـديك سـخـاف
سطر 779:
نا يونس عن محمد بن أبي حميد المديني عن محمد بن المكندر قال: أتى رسول الله {{صل}} فقيل له: إن قريشاً يتواعدونك ليقتلوك، فخرج رسول الله {{صل}} من باب الصفا حتى وقف عندها فأتاه جبريل عليه السلام فقال له يا محمد إن الله قد أمر السماء أن تطيعك، والأرض أن تطيعك، وأمر الجبال أن تطيعك، فإن أحببت فمر السماء أن تنزل عليهم عذاباً منها، وإن أحببت فمر الأرض أن تخسف بهم، وإن أحببت فمر الجبال أن تنضم عليهم، فقال رسول الله {{صل}}: أوخر عن أمتي لعل الله أن يتوب عليهم.
 
نا أحمد بن عبد الجبار قال: نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي المنهال عن سعيد وعبد الله بن الحارث عن ابن عباس قال: لما أتى موسى قومه فأمرهم بالزكاة جمعهم قارون فقال: هذا جاءكم بالصوم والصلاة وأشياء تحملونها، أفتحتملون أن تعطوه أموالكم?أموالكم؟ قالوا: ما نحتمل أن نعطيه أموالنا فما ترى?ترى؟ قال: أرى أن ترسلوا إليه بغي بني إسرائيل فتأمروها أن ترميه بأنه أرادها على نفسها، فرمت موسى على رؤوس الناس بأنه قد أرادها على نفسها، فدعا الله عليهم، فأمر الله الأرض ان تطيعه، فقال للأرض: خذيهم فأخذتهم إلى أعقابهم فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى، فقال: خذيهم، فأخذتهم إلى ركبهم، فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى، فقال: خذيهم، فأخذتهم إلى حجزهم فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى، فقال: خذيهم، فأخذتهم فغيبتهم فيها، فأوحى الله إليه أن يا موسى سألك عبادي وتضرعوا إليك فلم تجبهم، لو إياي دعوا لأجبتهم.
 
نا يونس عن هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم عن المغيرة بن شعبة قال: إن أول يوم عرفت فيه رسول الله {{صل}}، إني أمشي أنا وأبو جهل بن هشام في بعض أزقة مكة إذ لقينا رسول الله {{صل}} فقال رسول الله {{صل}} وسلم لأبي جهل: يا أبا الحكم هلم إلى الله وإلى رسوله، إني أدعوك إلى الله، فقال أبو جهل: يا محمد هل أنت منته عن سب آلهتنا، هل تريد إلا أن تشهد أن قد بلغت، فنحن نشهد أن قد بلغت، فو الله لو أني أعلم أن ما تقول حقاً ما تبعتك، فانصرف رسول الله {{صل}} وأقبل علي فقال: والله إني لأعلم أن ما يقول حق ولكن بني قصي قالوا: فينا الحجابة، فقلنا: نعم؛ قالوا: فينا الندوة، قلنا: نعم؛ قالوا: فينا اللواء، قلنا: نعم؛ قالوا: فينا السقاية: قلنا: نعم؛ ثم أطعموا وأطعمنا حتى إذا تحاكت الركب قالوا: منا نبي فلا والله لا أفعل.
سطر 827:
فقدما عليه، فلم يبق بطريق من بطارقته إلا قدموا له هديته وكلموه وقالوا له: إنا قدمنا على هذا الملك في سفهاء من سفهائنا فارقوا أقوامهم في دينهم ولم يدخلوا في دينكم، فبعثنا قومهم فيهم ليردهم الملك عليهم، فإذا نحن كلمناه فأشيروا عليه بأن يفعل، فقالوا: نفعل، ثم قدما إلى النجاشي هداياه، وكان أحب ما يهدى إليه من مكة الأدم، فلما أدخلوا عليه هداياه قالوا له: أيها الملك إن فتية منا سفهاء فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه، وقد لجأوا إلى بلادك، فبعنا إليك فيهم عشائرهم: آباؤهم، وأعمامهم، وقومهم لتردهم عليهم، فهم أعلى بهم عيناً، فقالت بطارقته: صدقوا أيها الملك لو رددتهم عليهم كانوا هم أعلى بهم عيناً، فإنهم لم يدخلوا في دينك فتمنعهم بذلك، فغضب ثم قال: لا لعمر الله لا أردهم عليهم حتى أدعوهم وأكلمهم وأنظر ما أمرهم، قوم لجأوا إلى بلادي واختاروا جواري على جوار غيري، فإن كانوا كما يقولون رددتهم عليهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم ولم أخل بينهم وبينهم، ولم أنعمهم عيناً.
 
فأرسل إليهم النجاشي فجمعهم ولم يكن شيء أبغض إلى عمرو بن العاصي وعبد الله بن أبي ربيعة من أن يسمع كلامهم، فلما جاءهم رسول النجاشي اجتمع القوم فقالوا: ماذا تقولون?تقولون؟ فقالوا: وماذا نقول، نقول والله ما نعرف، وما نحن عليه من أمر ديننا، وما جاء به نبينا كائن في ذلك ما كان، فلما دخلوا عليه كان الذي يكلمه منهم جعفر بن أبي طالب، فقال له النجاشي: ما هذا الدين الذي أنتم عليه، فارقتم دين قومكم، ولا تدخلوا في يهودية ولا نصرانية، فما هذا الدين?الدين؟ فقال جعفر: أيها الملك كنا قوماً على الشرك: نعبد الأوثان، ونأكل الميتة، ونسيء الجوار، ونستحل المحارم بعضنا من بعض في سفك الدماء وغيرها، لا نحل شيئاً ولا نحرمه، فبعث الله إلينا نبياً من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته فدعانا إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له، ونصل الرحم، ونحسن الجوار، ونصلي ونصوم، ولا نعبد غيره، فقال: هل معك شيء مما جاء به - وقد دعا أساقفته فأمرهم فنشروا المصاحف حوله -?؟ فقال جعفر: نعم، قال: هلم فاتل علي ما جاء به، فقرأ عليه صدراً من كهيعص فبكا والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، ثم قال: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة الذي جاء بها موسى، انطلقوا راشدين، لا والله لا أردهم عليكم ولا أنعمكم عيناً، فخرجا من عنده، وكان أتقى الرجلين فينا عبد الله بن أبي ربيعة، فقال له عمرو بن العاصي: والله لآتينه غدا بما أستأصل به خضراءهم، لأخبرنه أنهم يزعمون أن إلهه الذي يعبد - عيسى بن مريم - عبد، فقال له عبد الله بن ربيعة: لا تفعل فإنهم وإن كانوا خالفونا فإن لهم رحماً ولهم حقاً، فقال: والله لأفعلن.
 
فلما كان الغد دخل عليه فقال: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى قولاً عظيماً، فأرسل إليهم فسلهم عنه، فبعث إليهم، ولم ينزل بنا مثلها، فقال بعضنا لبعض: ماذا تقولون له في عيسى إن هو سألكم عنه?عنه؟ فقالوا: نقول والله الذي قاله فيه، والذي أمرنا نبينا أن نقوله فيه، فدخلوا عليه، وعنده بطارقته، فقال: ما تقولون في عيسى بن مريم?مريم؟ فقال له جعفر: نقول: هو عبد الله ورسوله وكلمته وروحه ألقاها إلى مريم العذراء البتول، فدلى النجاشي يده إلى الأرض فأخذ عويداً بين أصبعيه فقال: ما عدا عيسى ابن مريم مما قلت هذا العود فتنا خرت بطارقته، فقال: وإن تناحرتم والله، إذهبوا فأنتم شيوم بأرضي، والشيوم: الآمنون، ومن سبكم غرم، ومن سبكم غرم، ومن سبكم غرم، ثلاثاً، ما أحب أن لي دبيراً، وأني آذيت رجلاً منكم، والدبير بلسانهم الذهب، فو الله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه، ولا أطاع الناس في فأطيع الناس فيه، ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لنا بها، واخرجا من بلادي، فخرجا مقبوحين مردود عليهما ما جاءا به.
 
فأقمنا مع خير جار في خير دار، فلم ينشب أن خرج عليه رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فو الله ما علمنا حزناً قط كان أشد منه، فرقاً أن يظهر ذلك الملك عليه فيأتي ملك لا يعرف من حقنا ما كان يعرف، فجعلنا ندعوا الله ونستنصره للنجاشي، فخرج إليه سائراً، فقال أصحاب رسول الله {{صل}} بعضهم لبعض: من رجل يخرج فيحضر الوقعة حتى ينظر على من تكون فقال الزبير - وكان من أحدثهم سناً -: أنا، فنفخوا له قربة، فجعلها في صدره ثم خرج يسبح عليها في النيل حتى خرج من شقه الآخر إلى حيث التقى الناس، فحضر الوقعة، فهزم الله ذلك الملك وقتله، وظهر النجاشي عليه، فجاءنا الزبير فجعل يليح إلينا بردائه ويقول: ألا أبشروا فقد أظهر الله النجاشي، فو الله ما علمنا فرحنا بشئ قط فرحنا بظهور النجاشي، ثم أقمنا عنده حتى خرج من خرج منا راجعاً إلى مكة، وأقام من أقام.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: قال الزهري: فحدثت بهذا الحديث عروة بن الزبير عن سلمة، فقال عروة: هل تدري ما قوله: ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيهن ولا أطاع الناس في فأطيع الناس فيه?فيه؟ فقال الزهري: لا، ما حدثني ذاك أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن أم سلمة، فقال عروة: فإن عائشة حدثتني أن أباه كان ملك قومه، وكان له أخ من صلبه اثنا عشر رجلاً، ولم يكن لأبي النجاشي ولد غير النجاشي، فأدارت الحبشة رأيها بينها فقالوا: لو إنا قتلنا أبا النجاشي وملكنا أخاه فإن له اثنى عشر رجلاً من صلبه فيتوارثوا الملك لبقيت الحبشة عليهم دهراً طويلاً لا يكون بينها اختلاف، فغدوا عليه فقتلوه وملكوا أخاه، فدخل النجاشي لعمه حتى غلب عليه فلا يدير أمره غيره، وكان لبيباً فلما رأت الحبشة مكانه من عمه قالوا: لقد غلب هذا الإلام على أمر عمه، فما نأمن أن يملكه علينا، وقد عرف أنا قتلنا أباه وجعلناه مكانه، وإنا لا نأمن أن يملكه علينا فيقتلنا، فإما أن نقتله وإما أن نخرجه من بلادنا، فقال: ويحكم قتلتم أباه بالأمس، وأقتله اليوم بل أخرجوه من بلادكم، فخرجوا به فوقفوه بالسوق فباعوه من تاجر من التجار، فقذفه في سفينته، بستمائة درهم أو سبعمائة درهم، فانطلق به، فلما كان العشي هاجت سحائب الخريف، فخرج عمه يتمطر تحتها فأصابته صاعقة فقتلته، ففزعوا إلى ولده فإذا هم محمقون ليس في أحد منهم خير، فمرج على الحبشة أمرهم، فقال بعضهم لبعض: تعلمن والله إن ملككم الذي لا يصلح أمركم غيره للذي بعتم الغداة، فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه قبل أن يذهب، فخرجوا في طلبه حتى أدركوه فردوه فعقدوا عليه تاجه وأجلسوه على سريره وملكوه، فقال التاجر ردوا علي مالي كما أخذتم مني إلامي، فقالوا: لا نعطيك، فقال: إذاً والله أكلمه، فقالوا: وإن؛ فمشى إليه فقال: أيها الملك إني ابتعت إلاماً فقبض مني الذين باعوه ثمنه، ثم عدوا على إلامي فنزعوه من يدي ولم يردوا علي مالي، فكان أول ما اختبر من صلابة حكمه وعدله أن قال: لتردن عليه ماله أو ليجعلن إلامه يده في يده فليذهبن به حيث شاء?شاء؟ فقالوا: بل نعطه ماله، فأعطوه إياه، فلذلك يقول: ما أخذ الله مني رشوة فآخذ الرشوة فيه حين رد إلى ملكي، ولا أطاع الناس في فأطيعهم فيه.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني يزيد بن رومان عن عروة ابن الزبير قال: إنما كان يكلم النجاشي عثمان بن عفان.
سطر 845:
نا يونس عن أسياط بن نصر الهمداني عن إسماعيل بن عبد الرحمن قال: بعث النجاشي إلى رسول الله {{صل}} اثني عشر رجلاً يسألونه ويأتونه بخبره، فقرأ عليهم رسول الله {{صل}} القرآن، فبكوا وكان فيهم سبعة رهبان وخمسة قسيسين، أو خمسة رهبان وسبعة قسيسين، ففيهم أنزل الله: وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع إلى آخر الآية.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: سألت الزهري عن الآيات: ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول إلى قوله: مع الشاهدين وقوله: وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما?سلاما؟ فقال: ما زلت أسمع علماءنا يقولون نزلت في النجاشي وأصحابه.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: خرج بنا رسول الله {{صل}} إلى المصلى، فصفنا خلفه، وكبر بنا أربعاً فلما انصرف قلنا: يا رسول الله على من صليت?صليت؟ فقال على أخيكم النجاشي، مات اليوم.
 
نا يونس عن عبد الله بن عمر عن شهاب قال: كبر رسول الله {{صل}} على النجاشي أربعاً.
سطر 859:
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: إذا تمنى أحدكم فليستكثر فإنما يسأل ربه عز وجل.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني والدي اسحق بن يسار قال: رأيت أبا نيزر ابن النجاشي فما رأيت رجلاً قط عربياً ولا عجميا أعظم ولا أطول ولا أوسم منه، وجده علي بن أبي طالب مع تاجر بمكة فابتاعه منه وأعتقه مكافأة للنجاشي لما كان ولي من أمر جعفر وأصحابه، فقلت لأبي: أكان أبا نيزر أسود كسواد الحبشة?الحبشة؟ فقال: لو رأيته لقلت رجل من العرب.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني عبد الله بن الحسن أن أمه فاطمة بنت الحسين حدثته قالت: قدم على أبي نيزر بن النجاشي- وكان علي أعتقه- ناس من الحبشة فأقاموا عنده شهراً ينحر لهم علي بن أبي طالب ويصنع لهم الطعام، فقالوا له: إن أمر الحبشة قد مرج عليهم، فانطلق معنا نملكك عليهم، وإنك ابن من قد علمت، فقال: أما إذ أكرمني الله بالإسلام ما كنت لأفعل، فلما أيسوا منه رجعوا وتركوه، وكان أيما رجل غير أنه كان رجلاً يتلمز ويصيب الخمر.
سطر 979:
===حديث ما لقي رسول الله من أذى قومه===
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن تاسحق قال: حدثني يحيى بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاصي: ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابت من رسول الله {{صل}} فيما كانت تظهر من عدوانه?عدوانه؟ فقال لقد رأيتهم وقد اجتمع أشرافهم يوماً في الحجر فقالوا فذكروا رسول الله {{صل}} فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط: سفه أحلامنا وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعاتنا، وسب آلهتنا، وصبرنا منه على أمر عظيم، أو كما قال؛ فبيناهم في ذلك طلع رسول الله {{صل}} فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفاً بالبيت، فغمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك في وجه رسول الله {{صل}}، فمضى فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفتها في وجهه، فمضى، ثم مر الثالثة فغمزوه بمثلها فوقف ثم قال: أتسمعون يا معشر قريش أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح، فأخذت القوم كلمته حتى ما من رجل إلا ولكأنما على رأسه طائر واقع، وحتى أنه ليقول: إنصرف يا أبا القاسم راشداً، فو الله ما أنتا بجهول، فانصرف رسول الله {{صل}} حتى إذا كان من الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه، فبينا هم على ذلك طلع رسول الله {{صل}}، فوثبوا إليه وثبة رجل، وأحاطوا به ويقولن أنت الذي يقول كذا وكذا، لما كان يبلغهم من عيب آلهتهم ودينهم، فيقول رسول الله {{صل}}: نعم أنا الذي أقول ذلك، لقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجامع ردائه، وقام أبو بكر الصديق دونه يبكي ويقول: ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله?الله؟! ثم انصرفوا عنه، فإن ذلك لأكثر ما رأيت قريشاً بلغت منه قط.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني بعض آل كلثوم بنت أبي بكر أنها كانت تقول: لقد رجع أبو بكر ذلك اليوم، ولقد صدعوا فرض رأسه بما جبذوه، وكان رجلاً كثير الشعر.
سطر 999:
ثم أتى حياً من كلب يقال لهم بنو عبد الله، فقال لهم: يا بني عبد الله إن الله قد أحسن اسم أبيكم، فلم يقبلوا، فأعرض عنه.
 
نا يونس عن يزيد بن زيادة عن أبي الجعدي عن جافع بن شداد عن طارق قال: رأيت رسول الله {{صل}} مرتين: رأيته بسوق ذي المجاز وأنا في بياعه لي، فمر وعليه حلة حمراء فسمعته يقول: أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، ورجل يتبعه يويمه بالحجارة وقد أدمى كعبه، وهو يقول: يا أيها الناس لا تطيعوا هذا فإنه كاذب، فقلت: من هذا?هذا؟ فقيل هذا إلام من بني عبد المطلب، فقلت من هذا الذي يوميه بالحجارة?بالحجارة؟ فقيل: عمه عبد العزى، أبو لهب، بن عبد المطلب، فلما أظهر الله الإسلام خرجنا من الربذة ومعنا ظعينة لنا حتى نزلنا قريباً من المدينة، فبينا نحن قعوداً إذا أنا برجل عليه ثوبان، فسلم علينا فقال: من أين أقبل القوم?القوم؟ فقلت: من الربدة، ومعنا جمل أخمر، فقال: تبيعون الجمل?الجمل؟ فقلنا: نعم، فقال: بكم?بكم؟ فقلنا: بكذا وكذا صاعاً من تمر، فقال: قد أخذنه وما استنقصنا، وأخذ بخطام الجمل فذهب به حتى توارى بحيطان المدينة، فقال: بعضنا لبعض: أتعرفون الرجل?الرجل؟ فلم يكن منا أحد منا يعرفه، فلام القوم بعضهم بعضاً وقالوا: تعطون جملكم من لا تعرفون! فقالت الظعينة: فلا تلاوموا فلقد رأيت وجه رجل لا يغدر بكم ما رأيت شيئاً أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه، فلما كان العشي أتانا رجل فقال: السلام عليكم ورحمة الله، أأنتم الذين جئتم من الربذة?الربذة؟ فقلنا: نعم، فقال: أنا رسول رسول الله- {{صل}}- إليكم وهو يأمركم أن تأكلو من هذا التمر حتى تشبعوا وتكتالوا حتى تستوفوا، فأكلنا من التمر حتى شبعنا، واكتلنا حتى استوفينا، ثم قدمنا المدينة من الغد، فإذا رسول الله {{صل}} فائم يخطب الناس على المنبر، فسمعته يقول: يد المعطي العليا، وأبداً بمن تعول أمك وأباك واختك وأخاك، وأدناك أدناك، وثم رجل من الأنصار، فقال يا رسول الله هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع الذين قتلوا فلانا في الجاهلية فخذلنا بثأرنا، فرفع رسول {{صل}} يده حتى رأيت بياض ابطيه، فقال: لا تجني أم على ولد، لا تجني أم على ولد.
 
يونس عن يونس بن عمرو عن أبي السفيان سعيد بن أحمد الثوري قال: بعث أبو طالب إلى رسول الله {{صل}} فقال: أطعمني من عنب جنتك، وابو بكر الصديق جالس عند الله {{صل}}، فقال أبو بكر: "إن الله حرمها على الكافرين".
سطر 1٬011:
نا يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي أنه سئل عن الزنيم، فقال هو الرجل تكون له الزنمة من الشر يعرف بها، وهو الأخنس بن شريق الثقفي نزلت فيه.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني والدي اسحق بن يسار عن رجال من بني سعد بن بكر قال: قدم الحارث بن عبد العزى، أبو رسول الله {{صل}} من الرضاعة، على رسول الله {{صل}} بمكة، فقالت له قريش حين أنزلت عليه: ألا تسمع يا حار ما يقول ابنك هذا! قال: وما يقول?يقول؟ قالوا: يزعم أن الله يبعث بعد الموت، وأن لله دارين يعذب فيهما من عصاه، ويكرم فيهما من أطاعه، وقد شتت أمرنا، وفرق جماعتنا، فأتاه فقال: أي بني مالك ولقمك يشكونك ويزعمون أنك تقوم أن الناس يبعثون بعد الموت، ثم يصيرون إلى جنة ونار?ونار؟! فقال رسول الله {{صل}}: نعم، أنا أزعم ذلك، ولو قد كان ذلك اليوم يا أبة لقد أخذت بيدك حتى أعرفك حديثك اليوم، فأسلم الحارث بعد ذلك، فحسن اسلامه، وكان يقول حين أسلم: لو قد أخذ ابني بيدي فعرفني ما قال لم يرسلني إن شاء الله حتى يدخلني الجنة.
 
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان لأبي بكر بفناء داره، فكان إذا صلى فيه وقرأ القرآن بكى بكاء كبيراً، فتجمع إليه النساء والصبيان والعبيد يعجبون مما يرون من رقته، وقد كان استأذن رسول الله {{صل}} في الهجرة حين أوذوا بمكة، فأذن به رسول الله {{صل}} فخرج حتى كان من مكة على يومين لقيه ابن الدغنة، رجل من بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وكان سيد الأحابيش، فقال له: أين يا أبا بكر?بكر؟ فقال: آذاني قومي وأخرجوني من بلادي، فأود أن أؤم بلداً أكون فيه، أستريح من أذاهم، وآمن منهم، فقال: ولم?ولم؟ فو الله إنك لتزين العشيرة، وتعين على النائبة، وتفعل المعروف، وتكسب المعدوم، ارجع فأنت في جواري، فرجع، فلما دخل مكة قام فصرخ بمكة: يا معشر قريش إني قد أجرت ابن أبي قحافة، فلا يؤذيه أحد، وكانوا إذا عقدوا فنخ، وكف عنه هذا الحي من قريش، وكان إذا صلى في مصلاة ذلك بمكة كان من أمره ما وصفت، فمشى إليه رجال من قريش، فقالوا: يا ابن الدغنة إن هذا الرجل الذي أجرت، رجل له حال ما هو لغيره، إنه إذا تلا ما جاء به محمد بكى بكاء لا يبكيه أحد، فيرق لذلك منه ضعفاؤنا ونساؤنا وخدمنا، فمره فليكف عنا، يتخذ مصلى غير هذا في بيته، فمشى إليه ابن الدغنة فقال: يا أبا بكر إني لم أجرك لتؤذي قومك، فاتخذ مصلى غير هذا، فقال أبو بكر: أو غير ذلك?ذلك؟ فقال: وما هو?هو؟ قال: أرد عليك جوارك، وأرضى بجوار الله فقال: نعم، فقال أبو بكر: لقد رددت عليك جوارك، فقال ابن الدغنة: يا معشر قريش إن أبا بكر قد رد علي جواري، فشأنكم بصاحبكم.
 
===وفاة أبي طالب وما جاء فيه===
سطر 1٬023:
نا أحمد: نا يونس عن محمد بن اسحق قال فلما رأى رسول الله {{صل}} تكذيبهم بالحق قال: لقد دعوت قومي إلى أمر ما اشتططت في القول، فقال عمه: أجل لم تشتط، فقال رسول الله {{صل}} عند ذلك- وأعجبه قول عمه-: يا عم بك علي كرامة ويدك عندي حسنة، ولست أجد اليوم ما أجزيك به، غير أني أسألك كلمة واحدة تحل لي بها الشفاعة عند ربي، أن تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تصيب بها الكرامة عند الممات، فقد حيل بينك وبين الدنيا، وتنزل بكلمتك هذه الشرف الأعلى في الآخرة، فقال له عمه: والله يا ابن أخي لولا رهبة أن ترى قريش إنما ذعرني الجزع، وتعهدك بعدي سبة تكون عليك وعلى بني أبيك غضاضة لفعلت الذي تقول، وأقررت بها عينك، لما أرى من شدة وجدك ونصحك لي.
 
ثم إن أبا طالب دعا بني عبد المطلب فقال: إنكم لن تزوالوا بخير ما سمعتم قول محمد واتبعتم أمره، فاتبعوه وصدقوه ترشدوا، فقال له رسول الله {{صل}} عند ذلك: نأمرهم بالنصحية وتدعها لنفسك?لنفسك؟! فقال له عمه: أجل لو سأتلني هذه الكلمة وأنا صحيح لها لا تبعتك على الذي تقول، ولكني أكره الجزع عند الموت ورى قريش أني أخذتها عند الموت، وتركتها وأنا صحيح، فأنزل الله تعالى: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين".
 
نا يونس عن محمد بن أبي أنيسة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله {{صل}} فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي امية، فقال رسول الله حروف لأبي طالب: يا عمارة، قل لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله: يا أبا طالب أترغب عن ملة المطلب، فلم يزل رسول الله {{صل}} يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة حتى قال له أبو طالب، آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، ويأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال رسول الله {{صل}}: أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فأنزل الله في ذلك: "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم"، وأنزل الله في أبي طالب: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين".
سطر 1٬031:
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عنابن اسحق قال: لما أتى رسول الله {{صل}} أبا طالب في مرضه فقال له: يا عم قل لا إله إلا الله أستحل بها لك الشفاعة يوم القيامة، قال: والله يا ابن أخي لو أن تكون سبة عليك وعلى أهل بيتك من بعدي، يرون أني قلتها جزعاً حين نزل بي الموت لقلتها، لا أقولها إلا لأسرتك بها، فلما نثقل أبو طالب رؤي يحرك شفتيه، فأصغى إليه العباس ليسمع قوله، فرفع العباس عنه فقال: يا رسول الله قد والله قال الكلمة التي سألته، فقال رسول الله {{صل}}: لم أسمع.
 
نا يونس عن سنان بن إسماعيل الحنفي عن يزيد الرقاشي قال: قيل لرسول الله {{صل}}: يا رسول الله، أبو طالب ونصرته لك وحيطته عليك أين منزلته?منزلته؟ فقال رسول الله {{صل}}: هو في ضحضاح من نار، فقيل: وإن فيها لضحضاحاً وغمراً?وغمراً؟ فقال رسول الله {{صل}}: نعم، وغن أدنى أهل النار منزلة لمن يحذى له نعلان من نار يغلي من وهجهما دماغه حتى يسيل على قوائمه، قال سنان: فبلغني أنه ينادي ترى ألا يعذب أحد عذابه من شدة ما هو فيه?فيه؟! نا يونس عن يونس بن عمرو عن أبيه عن ناجيه بن كعب عن علي بن أبي طالب قال: لما مات أبو طالب أتيت رسول الله {{صل}} فقلت: إن أبا طالب، عمك الكافر، قد مات، فقال رسول الله {{صل}} إذهب فواره، فقلت: والله لا أواريه، قال: فمن يواريه إن لم تواره، فانطلق فواره ثم لا تحدث شيئاً حتى تأتيني، فانطلقت فوراينه ثم رجعت إلى رسول الله {{صل}} فقال انطلق فاغتسل ثم ائتني، ففعلت ثم أتيته، فلما أن أتيته دعا لي بدعوات ما أحب أن لي بهن ما على الأرض من شيء.
 
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله حروف قال: ما زالت قريش كأعين عني حتى مات أبو طالب.
سطر 1٬063:
أغر كضوء الشمس صورة وجهه..........جلا الغيم عنه ضوءه فتـعـددا
 
أمين على ما استودع الله قلـبـه..............وإن قال قولاً كان فيه مـسـدداً
 
آخر الجزء الرابع بحمد الله وعونه يتلوه وفاة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.