الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مستخدم:Obayd/مسودة ه»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
Obayd (نقاش | مساهمات)
لا ملخص تعديل
Obayd (نقاش | مساهمات)
لا ملخص تعديل
سطر 1:
=الباب السابع=
 
في الأحكام الفقهية
 
اعلم أن المؤلف <ref> مؤلف أصل الكتاب عبد العزيز الدهلوي. </ref> قدم بعض بدعهم وأحكامهم الشنيعة قبل أن يشرع في أحكامهم الفقهية على قبح حالهم فقال:
 
أول أحكامهم إحداثهم عيد غدير خم في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة وتفضيله على عيدي الفطر والأضحى وتسميته بالعيد الأكبر، <ref> أخرج الطوسي عن محمد بن أحمد بن أبي بصير قال: « كنا عند الرضا {{عهس}} والمجلس غاص بأهله، فتذاكروا يوم الغدير فأنكره بعض الناس فقال الرضا:... يا ابن بصير أين ما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين {{عهس}} فإن الله يغفر لكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ذنوب ستين سنة ويعتق من النار ضعف ما أعتق في شهر رمضان وليلة القدر وليلة الفطر... ». تهذيب الأحكام: 6/24؛ ابن طاوس، الإقبال: ص 468؛ العاملي، وسائل الشيعة: 14/388. وينظر: الأميني، الغدير: 1/282. </ref> كل ذلك صريح المخالفة للشريعة. <ref> وهو من إحداث البويهيين، قال المقريزي: « عيد الغدير لم يكن عيدا مشروعا ولا عمله أحد من سلف الأمة المقتدى بهم، وأوّل ما عرف في الإسلام بالعراق أيام معز الدولة علي بن بويه، فإنه أحدثه سنة 352ه فاتخذه الشيعة من حينئذ عيدا ». الخطط المقريزية: 2/222؛ وانظر البداية والنهاية:11/243. </ref>
 
الثاني إحداثهم عيد أبيهم <ref> تسمية العامة من الإمامية كما في بحار الأنوار: 95/198. </ref> ( بابا شجاع الدين ) الذي لقبوا به ( أبا لؤلؤة المجوسي ) <ref> أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة. ينظر تاريخ الطبري: 2/559. </ref> القاتل لعمر بن الخطاب {{عنه}} في اليوم التاسع من ربيع الأول بزعمهم. <ref> الصحيح أن عمر بن الخطاب {{عنه}} طعن: « يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين ودفن يوم الأحد صباح هلال المحرم سنة أربع وعشرين ». تاريخ الطبري: 2/561. لكن عند الإمامية تأريخ آخر، قال المجلسي: « ما ذكر من أن مقتله كان في ذي الحجة هو المشهور بين فقهائنا الإمامية ». بحار الأنوار: 98/118. </ref> روى علي بن مظاهر الواسطي <ref> علي بن حسن بن أحمد بن مظاهر الحلي، زين الدين، من تلامذة فخر الدين بن الحلي، ومن شيوخ الحر العاملي، نسب له صاحب الذريعة ( مقتل عمر بن الخطاب )، مات في أواخر القرن الثامن الهجري. مستدرك أعيان الشيعة: 7/166؛ أمل الآمال: 2/178؛ الذريعة: 1/236، 7/102، 15/289، 22/34. </ref> عن أحمد بن إسحاق <ref> أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري، أبو علي القمي، كان الرسول بين القميين وأئمتهم فيأتي إليهم ويأخذ المسائل عنهم، ذكره الكليني فيمن رأى إمام الشيعة الغائب في كتاب الحجة من الكافي، وقال شيخ الطائفة: « وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة أصلا ومنهم أحمد بن إسحاق »!، له: ( كتاب علل الصوم ) و( مسائل الرجال ). رجال النجاشي: 1/234. الطوسي، الغيبة: ص 414. </ref> أنه قال: هذا اليوم يوم العيد الأكبر ويوم المفاخرة، ويوم التبجيل، ويوم الزكاة العظمى، ويوم البركة، ويوم التسلية. <ref> نقل المجلسي عن الواسطي بإسناد متصل عن محمد بن العلاء الهمداني ويحيى بن محمد بن جريج قالا: « تنازعنا في ابن الخطاب فاشتبه علينا أمره فقصدنا أحمد بن إسحاق القمي صاحب أبي الحسن العسكري {{عهس}} بمدينة قم وقرعنا عليه الباب، فخرجت إلينا صبية عراقية من داره، فسألناها عنه، فقالت: هو مشغول بعيده فإنه يوم عيد... فلما خرج وسألاه عنه هذا اليوم – وكان التاسع من شهر ربيع الأول – فقال دخلت في مثل هذا اليوم على سيدي أبي الحسن علي بن محمد العسكري، فقال: إني لأعرف لهذا اليوم اثنين وسبعين اسما، وكان يوم التاسع من شهر ربيع الأول قال أمير المؤمنين: هذا يوم الاستراحة... » الخ. بحار الأنوار: 31/125 – 128. </ref> وهذا أحمد <ref> أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد القمي الأحوص شيح الشيعة القميين ووافدهم زعموا أنه لقى من الأئمة أبا جعفر الثاني وأبا الحسن وكان خاصة أبي محمد، وزعموا أنه حصل على الشرف الأعظم برؤية صاحب الزمان الذي يدعون له بان يعجل الله فرجه. فهو موضع الثقة من الشيعة بل فوق ذلك. </ref> أول من أحدث في الإسلام هذا العيد وتبعه إخوانه، ثم نسبوا هذا العيد للأئمة كذبا وافتراء كما هو دأبهم في كل المذهب، مع أن هذا العيد في الأصل من اعيد المجوس، وهم فرحوا فيه حين استمعوا خبر شهادة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب {{عنه}} على يد أخيهم المجوسي المذكور. <ref> هذا العيد من اختراع أحمد الواسطي، فليس في كتب الإمامية المتقدمة رواية منسوبة إلى الأئمة تخص هذا العيد. </ref> مع أن شهادته كانت في اليوم الثامن والعشرين من ذي الحجة بلا اختلاف، ودفنه غرة المحرم، <ref> { ومن يضلل الله فلن تجد له وليا مرشدا }. </ref> فلو كان الأئمة يتعبدون بهذا العيد لم يبدلوا اليوم. والشيعة معترفون بأن هذا العيد لم يكن في زمن الأئمة وإنما أحدثه أحمد المذكور.
 
الثالث: تعظيمهم ( يوم النيروز ) الذي هو من أعياد المجوس. <ref> بوب العاملي بابا في كتابه الوسائل ( 8/172 ) بعنوان: ( استحباب صلاة يوم النيروز والغسل فيه والصوم ولبس أنظف الثياب والطيب وتعظيمه وصب الماء فيه ) وبوب له المجلسي أيضا في كتابه وأخرج عن المعلى بن خنيس عن الصادق أنه قال: « إذا كان النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك وتطيب بأطيب طيبك وتكون ذلك اليوم صائما ». بحار الأنوار: 59/101. ومع ذلك لديهم نهي الرسول عن أعياد المشركين فقد أخرج النوري عن النبي {{صل}} أنه قال: « إن الله تعالى أبدلكم بيومين يوم النيروز والمهرجان الفطر والأضحى ». مستدرك الوسائل: 6/32. </ref> قال ابن فهد في ( المهذب ) إنه أعظم الأيام، وقد صح عن أمير المؤمنين أن أحدا قد جاءه يوم النيروز بالحلوى والفالوذج فسأله: لم أتيت به؟ فقال: اليوم يوم النيروز، قال {{عنه}}: نيروزنا كل يوم ومهرجاتنا كل يوم. <ref> أخرجها البيهقي في السنن الكبرى: 9/235؛ البخاري في التاريخ الكبير: 4/200؛ الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: 13/326. ومن الإمامية ابن حيون في دعائم الإسلام: 2/328؛ النوري في مستدرك الوسائل: 6/353 </ref> وهذه إشارة إلى نكتة لطيفة أن حسن النيروز إنما هو الشمس تتوجه من معدل النهار بحركتها الخاصة على سكان العروض الشمالية وتقربهم، وبهذا تظهر الحرارة في الأبدان والأجسام وتثور النامية وتحصل للنفس النباتية نضارة. وهذا المعنى متحقق في طلوعها كل يوم لأن الشمس إذا تمر بالحركة الأولى – التي هي أسرع الحركات وأظهرها – من دائرة الأفق وتنفض على سكان الأرض نورها وتجلي قوة البصر وتجعل الروح منتعشا وتقع الارتفاقات الخاصة بالإنسان من الزراعة والتجارة والصناعة والحرفة بسببها أحسن وأكثر وتبدو الحياة بعد الموت كقوله تعالى { وجعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا } وقوله تعالى { وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا } فهذا الوقت أحق وأولى بالتعبد، بل إن تأمل العاقل يمكن أن يدري أن الفصول الأربعة تتحقق في مدة دورة ليلة ونهار، فمن وقت الصباح إلى نصف النهار فصل الربيع فحينئذ تكون الخضروات في الطراوة والأزهار وتكون الورود والأزهار منكشفة ناضرة ضاحكة ومزاج الحيوانات في النشاط، وإذا بلغت الشمس قريب دائرة نصف النهار فكأنما وصلت بالحركة الخاصة رأس السرطان فيبرز الصيف حيث يظهر اليبس والعطش في الأجسام ويذبلها حرها، وإذا قربت إلى الغروب صار حكمها كحكم الخريف، وإذا مضى نصف الليل وانتقلت الشمس من الانحطاط إلى الارتفاع فكأنما وصلت رأس الجدي فيبدو حكم الشتاء ويتقاطر الطل كالبرد.
 
الرابع: تجوز علمائهم السجود للسلاطين الظلمة، فإن باقرا المجلسي <ref> محمد باقر بن محمد تقي بن مقصود، من أشهر كتبه ( بحار الأنوار ) مات سنة 1111ه. روضات الجنات: ص 114؛ الذريعة: 2/237، 12/261. </ref> وعلماءهم الآخرين <ref> بحار الأنوار: 12/339. </ref> قرروها لهم، وهو صريح المخالفة للقواعد الشرعية، <ref> بدليل قول النبي {{صل}} « لو كنت آمرا أحدا بالسجود لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها »، وقد أجمع أعلام الملة الإسلامية على أن السجود لغير الله كفر يخرج فاعله من ملة الإسلام مع العلم بتحريمه. </ref> لأن السجدة لغير الله تعالى على وجه العبادة أو التعظيم كفر وشرك بدليل قوله تعالى { لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون } وقوله تعالى { ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون } وغيرها من الآيات الدالة على انحصار السجدة في حق الخالق العليم بالغيب والشهادة خصوصا في الشريعة المحمدية. والتمسك بسجدة الملائكة لآدم ههنا في غاية الفساد، إذ لا يمكن أن تقاس أحكام البشر على أحكام الملك، وبسجود إخوة يوسف فإنه لم يكن أولا سجودا مصطلحا، <ref> الجامع لأحكام القرآن: 1/289. </ref> وثانيا إنما يصلح التمسك بشرائع من قبلنا إذا لم يأت في شريعتنا نسخها وهذا الحكم منسوخ في شريعتنا قطعا. وإلا لكان الحق بذلك رسول الله {{صل}}.
 
ولنشرع الآن في المسائل الفقهية:
 
منها أنهم يقولون بطهارة الماء الذي استنجي به ولم يطهر المحل واختلطت أجزاء النجاسة بالماء حتى زاد وزن الماء بذلك، قال ابن المطهر الحلي في ( المنتهى ): إن طهارة ماء الاستنجاء وجواز استعماله مرة أخرى من إجماعيات الفرقة. <ref> هذا في كتبهم مثل شرائع الإسلام: 1/22؛ مختلف الشيعة: 1/236. </ref>
 
وهذا الحكم مخالف لقواعد الشريعة لقوله تعالى { ويحرم عليهم الخبائث } أي أكلها وأخذها واستعمالها. ولا شك في كون هذا الماء نخسا خبيثا؛ ولروايات الأئمة، فقد روى صاحب ( قرب الإسناد ) <ref> كتاب ( قرب الإسناد إلى صاحب الأمر ) لعبد الله بن جعفر بن الحسين بن مالك الحميري القمي قال عنه النجاشي: « شيخ القميين ووجههم »، مات نحو سنة 300ه. رجال النجاشي: 2/18. </ref> وصاحب كتاب ( المسائل ) <ref> مسائل علي بن جعفر. تقدم. </ref> عن علي بن جعفر أنه قال سألت أخي موسى بن جعفر عن جرة فيها ألف رطل من ماء وقع فيه أوقية بول هل يصح شربه أو الوضوء منه؟ قال: لا، النجس لا يجوز استعماله. <ref> مسائل جعفر بن علي: ص 198. وأخرجها الهمداني في مصباح الفقيه: 1/30 – 31؛ والعاملي في وسائل الشيعة: 1/156 </ref>
 
والعجب أن مذهب الاثني عشرية في الماء إذا كان أقل من كر ينجس بوقوع النجاسة فيه، <ref> روى الكليني عن أبي بصير قال: « سألت أبا عبد الله {{عهس}} عن الكر من الماء كم يكون مقداره؟ قال: إذا كان الماء ثلاثة أشبار في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض، فذلك الكر من الماء ». الكافي: 3/3؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/42. </ref> فتنجيس مثل هذا الماء القليل جدا بطريق الأولى.
 
ومنها حكمهم بطهارة الخمر <ref> نبه الشيخ محمد نصيف في هامش نسخته على أن القول بطهارة الخمر ذهب إليه الظاهرية وبعض الشافعية. انظر شرح المهذب. </ref> كما نص عليه ابن بابويه <ref> قال: « لا بأس بالصلاة في ثوب أصابه خمر لان الله تعالى حرم شربها ولم يحرم الصلاة في ثوب أصابته ». من لا يحضره الفقيه: 1/73. </ref> والجعفي <ref> الذريعة: 3/343. </ref> وابن عقيل. <ref> نقل الحلي اختلافهم في هذه المسألة فقال: « وقال أبو علي بن أبي عقيل: من أصاب ثوبه أو جسده خمر أو مسكر لم يكن عليه غسلهما؛ لأن الله تعالى إنما حرمهما تعبدا لا لأنهما نجسان... » الخ. مختلف الشيعة: 1/469. </ref>
 
وهذا الحكم مخالف لصريح الآية { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان } والرجس في اللغة أشد النجاسة وأغلظها، كما ورد في حق الخنزير فإنه رجس. ولروايات الأئمة الموجودة في كتب الشيعة. فقد روى صاحب ( قرب الإسناد ) وصاحب كتاب ( المسائل ) وأبو جعفر الطوسي عن أبي عبد الله {{عهس}} أنه قال: لا تصل في الثوب قد أصابه الخمر.
 
ومنها الحكم بطهارة المذي. <ref> تقدم. قال الطوسي: « المذي والودي لا ينقضان الوضوء ولا يغسل منهما ثوب ». الخلاف: 1/37. وقال الحلي: « اتفق أكثر علمائنا على أن المذي لا ينقض الوضوء ولا أعلم فيه مخالفا إلا ابن الجنيد فإنه قال: إن خرج عقيب شهوة ففيه الوضوء ». مختلف الشيعة: 1/260. </ref> وهو مخالف للحديث الصحيح المتفق عليه. <ref> متفق عليه بين أهل السنة والإمامية </ref> روى الراوندي عن موسى بن جعفر عن آبائه عن علي أنه قال: سألت النبي {{صل}} عن المذي فقال « يغسل طرف ذكره ». <ref> الراوندي، النوادر: ص 45؛ النوري، مستدرك الوسائل: 1/237. </ref> وفي الصحيحين روى عن علي قال: كنت رجلا مذاء فكنت أستحي أن أسأل النبي {{صل}} لمكان أبنته، فأمرت المقداد فسأله فقال « يغسل ذكره ويتوضأ » وكذا روى الترمذي عنه قال: سألت النبي {{صل}} - أي بواسطة المقداد – عن المذي فقال « من المذي الوضوء، ومن المني الغسل » <ref> صحيح الجامع: رقم 5910. </ref> وقد أورد أبو جعفر الطوسي أيضا روايات صريحة في نجاسة المذي، ولكن ليس له العمل والفتوى على ذلك.
 
ومنا القول بعدم انتقاض الوضوء بخروج المذي، <ref> قال الطوسي: « فأما المذي والودي فإنهما لا ينقضان الوضوء، والذي يدل على ذلك... ». وروى عن زيد الشحام قال: « قلت: لأبي عبد الله المذي ينقض الوضوء؟ قل: لا ولا يغسل منه الثوب ولا الجسد، إنما هو بمنزلة البزاق والمخاط ». تهذيب الأحكام: 1/17. </ref> مع أنهم يروون عن الأئمة خلاف ذلك. روى الطوسي عن [ علي ] <ref> في الأصل يعقوب بن يقطين، والتصحيح من كتاب الطوسي. </ref> بن يقطين عن أبي الحسن أنه قال: المذي منه الوضوء. <ref> أخرجها الطوسي في تهذيب الأحكام: 1/19. وعلق في كتابه الآخر: « ويمكن أن نحمله على ضرب من التقية؛ لأن ذلك مذهب أكثر العامة ». الاستبصار: 1/95. ويعني بالعامة أهل السنة. </ref> روى الراوندي عن علي قال لأبي ذر أسأل النبي {{صل}} عن المذي فسأل فقال: « يتوضأ وضوءه للصلاة» <ref> النوادر: ص 45؛ النوري، مستدرك الوسائل: 1/237. لكن السائل هو المقداد بن الأسود، </ref>
 
ومنها قولهم الودي، وهو بول غليظ جزما. والبول نجس بإجماع الشرائع. <ref> كما قال ابن إدريس في السرائر: 1/116. </ref>
 
ومنها حكمهم بعد انتقاض الوضوء من خروج الودي <ref> أخرج الطوسي عن الصادق قال: « الودي لا ينقض الوضوء إنما هو بمنزلة المخاط والبزاق ». تهذيب الأحكام: 1/21 </ref> مع أنه مخالف لرواية الأئمة روى الراوندي عن علي مرفوعا: الودي فيه الوضوء. <ref> النوادر: ص 45؛ النوري، مستدرك الوسائل: 1/327. </ref> روى غيره عن أبي عبد الله مثل ذلك. <ref> أخرج الطوسي عن ابن سنان عن أبي عبد الله قال: « ثلاث يخرجن من الإحليل وهن: المني فمنه الغسل، والودي فمنه الوضوء لأنه يخرج من دريدة البول » تهذيب الأحكام: 1/20؛ الاستبصار: 1/94. وترك الطوسي هذه الروايات الصحيحة وأخذ برواية حريز المقطوعة التي رويت ( عمن أخبره ) عن الصادق. </ref>
 
ومنها حكمهم بأن للذكر الاستبراء بعد ثلاث مرات بالتحريك، فما خرج بعد ذلك فطاهر وغير ناقض للوضوء أيضا. <ref> أخرج الكليني عن ابن مسلم قال: « قلت لأبي جعفر {{عهس}}: رجل بال ولم يكن معه ماء؟ قال: يعصر أصل ذكره إلى طرف ذكره ثلاث مرات وينتر طرفه، فإن خرج منه بعد ذلك شيء فليس من البول ولكنه من الحبائل ». الكافي: 3/19؛ والطوسي في تهذيب الأحكام: 1/356. </ref> وهذا الحكم مخالف لصريح الشرع إذ الخارج من السبيلين نجس وناقض للوضوء، والاستبراء لا دخل له في الطهارة اللاحقة وعدم انتقاض الوضوء ولا تأثير له في ذلك. وأيضا مخالف لروايات الأئمة. روى ابن عيسى عن أبي جعفر أنه كتب إليه: هل يجب الوضوء إذا خرج من ذكر بعد الاستبراء؟ قال: نعم. <ref> تهذيب الأحكام: 1/28؛ الاستبصار: 1/49. وعلق في الاستبصار قائلا: « يجوز أن يكون محمولا على ضرب من الاستحباب أو على التقية؛ لأن ذلك مذهب كثير من العامة ». </ref>
 
ومنها أن زرق الديك والدجاج طاهر عندهم، <ref> السرائر: 1/78؛ شرائع الإسلام: 1/69. </ref> مع أن نجاسته ثبتت بنصوص الأئمة في كتبهم المعتبرة. روى محمد بن الحسن الطوسي عن فارس أنه كتب رجل إلى صاحب العسكر يسأله عن زرق الدجاج يجوز الصلاة فيه؟ فكتب: لا. وأيضا مخالف لقاعدتهم الكلية أن زرق الحلال من الحيوان نجس، نص عليه الحلي في المنتهى. <ref> وأيضا في كتابه مختلف الشيعة: 1/455. </ref>
 
===صفة الوضوء والغسل والتيمم ===
 
ليس عندهم غسل كل الوجه فرضا، مع أن نص الكتاب يدل على غسله كله، قال تعالى { فاغسلوا وجوهكم } والوجه ما يواجه به، وهو من منبت قصاص الجبهة غالبا إلى آخر الذقن، ومن إحدى شحمتي الأذن إلى الأخرى. وقد قدروا حد الفرض في غسل الوجه ما يدخل بين الإبهام والوسطي إذا انجرت اليد من الجبهة إلى الأسفل، <ref> الحلبي، الكافي: ص 83؛ الهداية: ص 62؛ مختلف الشيعة: 1/287. </ref> وليس لهذا التقدير أصل في الشرع اصلا، ولم تجئ فيه رواية عن الأئمة. والدليل على بطلانه أن الإبهام والوسطى لو جررناهما ممتدتين من الأعلى إلى الأسفل فإذا اتصلتا إلى الذقن لابد أن تحيطا من الحلق ببعضه من الطرفين، فيلزم أن يكون غسل ذلك القدر من الحلق فرضا أيضا، مع أن الحلق لم يعده أحد داخلا في الوجه، ولو بسطنا الإصبعين المذكورتين بمحاذاة الجبهة وقبضناهما بالتدريج فحد القبض لا يعلم أصلا، والتقديرات الشرعية تكون لإعلام المكلفين لا لتجهيلهم.
 
وأيضا يقولون: إن الوضوء مع غسل الجنابة حرام! <ref> قال المفيد: « وليس على المجنب وضوء مع الغسل، ومتى اغتسل على ما وصفناه فقد طهر للصلاة، وإن لم يتوضأ قبل الغسل ولا بعده، وإن ارتمس في الماء للغسل من الجنابة أجزأه عن الوضوء للصلاة ». المقنعة: ص 61؛ النراقي، مستند الشيعة: 1/128. </ref> وهذا الحكم مخالف لصريح السنة النبوية فإنه {{صل}} كان يتوضأ في غسل الجنابة ابتداء دائما، ثم كان يصب الماء على البدن كما ثبت. <ref> في صحيح البخاري أن ميمونة {{عنها}} قالت: « وضع رسول الله {{صل}} وضوءا لجنابة، فأكفأ بيمينه على شماله مرتين أو ثلاثا، ثم غسل فرجه ثم ضرب يده بالأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثا، ثم مضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه، ثم أفاض على رأسه الماء ثم غسل جسده، ثم تنحى فغسل رجليه، قالت: فأتيته بخرقة فلم يردها فجعل ينفض بيده ». كتاب الغسل، باب من توضأ في الجنابة: 1/106، رقم 270. </ref> ولروايات الأئمة: روى الكليني عن محمد بن مبشر عن أبي عبد الله {{عهس}} والحسن بن سعيد <ref> في الأصل ابن سعد والتصحيح من كتب الإمامية. </ref> عن الخضرمي عن أبي جعفر أنهما قالا: توضأ ثم تغتسل، حين سئلا عن كيفية غسل الجنابة. <ref> أخرجه الطوسي في تهذيب الأحكام: 1/140؛ الاستبصار: 1/126. </ref>
 
وأيضا يقولون غسل النيروز سنة <ref> في الوسائل للعاملي ( 8/172 ) باب: ( استحباب صلاة يوم النيروز والغسل فيه والصوم ولبس أنظف الثياب والطيب وتعظيمه وصب الماء فيه ) وبوب له أيضا المجلسي وأخرج عن المعلى بن خنيس عن الصادق أنه قال في يوم النيروز: « إذا كان النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك وتطيب بأطيب طيبك وتكون ذلك اليوم صائما ». بحار الأنوار: 59/101. </ref> كما قاله ابن فهد. وهذا الحكم محض ابتداع في الدين، إذ لم ينقل في كتبهم أيضا عن النبي {{صل}} والأمير والأئمة أنهم اغتسلوا يوم النيروز، بل لم يكن العرب يعلمون يوم النيروز لأنه من الأعياد الخاصة بالمجوس.
 
وأيضا يقولون: يجزئ غسل الميت الذي كان واجب القتل حدا أو قصاصا إذا غسل نفسه قبل قتله ولا يعاد عليه الغسل بعد القتل <ref> قال ابن إدريس في حد تنفيذ القتل بالقاتل: « يجب أن يغتسل قبل موته ولا يجب غسله بعد موته وقتله، وهو المقتول قودا والمرجوم فإنهما يؤمران بالاغتسال فإذا اغتسلا قتلا ولا يجب غسلهما بعد قتلهما ويجب على من مسهما بعد القتل الغسل... »، السرائر، باب الحدود: 1/471؛ وكذلك الحلي في شرائع الإسلام: 1/82. </ref> كما نص عليه بهاء الدين العاملي <ref> بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد بن محمد الحارثي الهمذاني العاملي، قال عنه الحر العاملي: « كان ماهرا متبحرا جامعا شاعرا... »، مات سنة 1030ه. أمل الآمال: 1/155؛ أعيان الشيعة: 9/234. </ref> في جامعه. <ref> كتاب في الفقه اسمه الجامع العباسي. </ref> وأنت خبير بأن علة الحكم قبل القتل غير متحققة البتة فكيف يترتب الحكم؟ وإذا وجدت كيف لا يترتب؟ فحينئذ لزم الانفكاك بينهما. والحال أن العلل الشرعية كالعقلية في ترتب ما يتوقف عليها ويحتاج إليها وجودا وعدما.
 
وأيضا قرروا للتيمم ضربة واحدة، <ref> ينظر الناصريات للمرتضى ص 84، والغنية لابن زهرة ص 85، وشرائع الإسلام للحلي 1/71. </ref> وروايات الأئمة فيه ناطقة بخلافه. روى العلاء <ref> العلاء بن رزيق القلاء، يروي عند الإمامية عن الصادق، قال عنه النجاشي: « ثقة وجها ». رجال النجاشي: 2/153. </ref> عن محمد بن مسلم عن أحدهما <ref> الأصل (أحدهم) والتصحيح من كتب الإمامية. </ref> قال سألته عن التيمم فقال: « مرتين: مرة للوجه ومرة لليدين » <ref> الطوسي في تهذيب الأحكام: 1/ 210؛ والاستبصار: 1/172. </ref> وروى ليث المرادي عن أبي عبدالله نحوه، <ref> الطوسي في تهذيب الأحكام: 1/209؛ والحر العاملي في وسائل الشيعة: 3/361. </ref> وإسماعيل بن همام الكندي عن الرضا نحوه. <ref> الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/210؛ الاستبصار: 1/172. </ref> وزادوا في التيمم مسح الجبهة ولا أصل له في الشرع. <ref> قال الطوسي: « إن المسح يجب في التيمم ببعض الوجه وهو الجبهة والحاجبان ». تهذيب الأحكام: 1/61. </ref>
 
وأيضا يقولون: إن الخف والقلنسوة والجوارب والنطاق والعمامة والتكة <ref> التِّكَّة: واحدة التّكك وهي رباط السراويل. لسان العرب: تكك: 10/406. </ref> وكل ما يكون على بدن المصلي إن تلطخ بالنجاسة – سواء كانت مخففة أو مغلظة كبراز الإنسان – يجوز معها الصلاة ولا فساد لها. <ref> قال المفيد: « وإن أصابت تكته أو جوربه [ نجاسة ] لم يحرج بالصلاة فيها، وذلك مما لا تتم الصلاة بهما دون ما سواهما من اللباس ». المقنعة: ص 36. </ref> وهذا الحكم صريح المخالفة للكتاب: أعني قوله تعالى { وثيابك فطهر } ولا شك أن هذه الأشياء يطلق عليها لفظ الثياب شرعا وعرفا، ولهذا تدخل هي في يمين ينعقد بلفظ الثياب نفيا وإثباتا.
 
وأيضا يقولون: إن ثياب بدن المصلي كالإزار والقميص والسراويل إن تلطخت بدم الجرح والقروح يجوز بها الصلاة ولا ضير، <ref> عن ليث قال: « قلت لأبي عبد الله {{عهس}} الرجل تكون فيه الدماميل والقروح فجلده وثيابه مملوه دما وقيحا؟ فقال: يصلي في ثيابه ولا يغسلها ولا شيء عليه ». تهذيب التهذيب: 1/258. </ref> مع أن الدم والصديد ونحوهما سواء كانت من جرحه أو من جرح غيره نجس بلا شبهة. وأنت تعلم أن هذا في حق غير من أبتلي بهما، وأما في حقه فمعفو. وكل من الدم والصديد والقيح ونحوهما مما يتعسر الاحتراز عنه ويشق عليه معفو لعموم البلوى وعدم الحرج في الشرع.
 
وأيضاُ يقولون: يجوز في صلاة النافلة قائما كان المصلي أو قاعدا وكذا في سجدة التلاوة استقبال غير جهة القبلة، <ref> ابن بابويه، المقنع: ص 53؛ ابن إدريس، السرائر: 1/105. وقال العاملي في سجود التلاوة: « ولا يشترط الطهارة ولا استقبال القبلة على الأصح ». الدروس: ص 84. </ref> وهذا إحداث صريح في الدين وأمر لم يؤذن به. وأما حالة الركوب والسفر فمخصوصة <ref> أي مستثناة. </ref> البتة من عموم وجوب الاستقبال إلى القبلة بروايات الرسول {{صل}} والأئمة، <ref> واستقبال القبلة من شروط الصلاة عند الإمامية. وروى الطوسي عن بشر بن جعفر قال: « سمعت جعفر بن محمد يقول: البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة للناس جميعا ». تهذيب الأحكام: 2/44؛ وأخرج رواية شبيهة ابن بابويه، من لا يحضره الفقيه: 2/195. </ref> وبدون هذا العذر لم يثبت ترك الاستقبال قط، قال تعالى: { ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } وكل ما خصصه الشارع من هذا العموم فهو على الرأس والعين، وليس لغيره جواز التخصيص بأن يستثنى بعقله ما ورد في الشرع عاما. ولقد أنصف في هذه المسألة شيخهم المقداد في كنز العرفان وحكم بمخالفة هذا الحكم للقرآن واعترف به. <ref> قال ابن المطهر الحلي: « وأوجب ابن أبي عقيل الاستقبال في النافلة كالفريضة إلا في موضعين: حال الحرب والمسافر يصلي أينما توجهت به راحلته... » وروى آثارا عن الأئمة تؤيد ذلك، ولم يرد على المرويات وأدلة ابن أبي عقيل إلا بفلسفة حيث قال: « والجواب أن الاشتراك في المقتضي يستلزم الاشتراك في الاقتضاء، وقد بينا اشتراك العلة وهي الضرورة ». مختلف الشيعة: 2/74. </ref>
 
وأيضا يقولون: إن المصلي لو قام في مكان وكانت فيه نجاسة يابسة من براز الإنسان لا تلتصق ليبسها ببدنه وثوبه في السجود والقعود إن لاقته جازت الصلاة، <ref> قال الطوسي: « إذا كان موضع سجوده طاهرا صحت صلاته، وإن كان موضع قدميه وجميع مصلاه نجسا إذا كانت النجاسة يابسة لا تتعدى إلى ثيابه وبدنه ». الخلاف: 1/176. </ref> مع أن وجوب طهارة مكان الصلاة ضروري الثبوت في جميع الشرائع.
 
وأيضا يقولون: لو أن أحدا غمس قدميه إلى الركبة ويديه إلى المرفقين في صهاريج بيت الخلاء الممتلئة بعذرة الإنسان وبوله ثم أزال عين ما التصق عن بدنه المذكور بالفرك والدلك بعد اليبس بلا غسل وصلى تصح صلاته. وكذلك إن غمس جميع بدنه في بالوعة مملوءة بالبول والعذرة وليس على بدنه جرم النجاسة يجوز الصلاة بلا غسل، <ref> قال المرتضى: « ويجوز أن يصلي المصلي وعين النجاسة على بدنه ». الانتصار: ص </ref> مع أن التطهير في هذه الحالات من غير غسل وبزوال العين لا يتحقق به زوال الآثر.
 
وأيضا يقولون: لو وجد المصلي بعد الفراغ من الصلاة في ثوبه براز الإنسان أو الكلب أو الهرة اليابس أو المني أو الدم صحت صلاته ولا يجب عليه إعادتها كما ذكره الطوسي في
 
التهذيب وغيره، <ref> روى عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: « سألت أبا عبد الله {{عهس}} عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة إنسان أو سنور أو كلب أيعيد صلاته؟ قال: إن كان لم يعلم فلا يعيد ». تهذيب الأحكام: 2/359، وأخرجها الكليني، الكافي: 3/404؛ العاملي، وسائل الشيعة: 3/475. </ref> مع أن طهارة الثوب من شرائط الصلاة والجهل والنسيان في الحكم الوضعي ليس بعذر.
 
وأيضا يقولون: إن كان رجلا عاريا وطين ذكره وخصيتيه بطين قليل من غير ضرورة وصلى صحت صلاته، <ref> ابن إدريس، السرائر: 1/252. </ref> مع أن ستر العورة واجب على القادر شرعا ولا سيما في حال الصلاة. ولهذا خالف جماعة من الإمامية جمهورهم في هذه المسألة مستدلين بالآثار المروية عن أهل البيت على بطلانه. <ref> روي عن علي بن جعفر عن موسى الكاظم أنه قال: « سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله أيصلي عريانا؟ فقال: إن وجد ماء غسله وإن لم يجد ماء صلى فيه ولم يصلِ عريانا؛ ولأن طهارة الثوب شرط وستر العورة شرط أيضا فيتخير ». ابن بابويه، من لا يحضره الفقيه: 1/248؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/224. </ref>
 
وأيضا يقولون: إن لطخ رجل لحيته وشاربه وبدنه وثوبه بذرق الدجاج أو أصاب لحيته وشاربه أو وجهه أو خده قطرات من بوله بعد ما استبرأ ثلاث مرات تصح صلاته بلا غسل. <ref> يروي الإمامية أن الطهارة للصلاة غير مهمة عن أئمة أهل البيت الطاهرين، فقد أخرج الطوسي عن زرارة قال: « قلت لأبي عبد الله {{عهس}} إن قلنسوتي وقعت في البول فأخذتها فوضعتها على رأسي ثم صليت؟ فقال: لا بأس ». تهذيب الأحكام: 2/357. وقال ابن بابويه: « ومن أصاب قلنسوته أو عمامته أو تكته أو جوربه أو خفه مني أو بول أو دم أو غائط فلا بأس بالصلاة فيه، وذلك لأن الصلاة لا تتم في شيء من هذا وحده ». من لا يحضره الفقيه: 1/73. </ref>
 
===(مسائل تتعلق بالصلاة)===
 
يقولون يجوز للمصلي المشي في صلاته لوضع عجينه في محل لا يصل إليه كلب أو هرة ولو كان ذلك المحل بعيدا عن مصلاه مسافة عشرة أذرع شرعية، <ref> أخرج العاملي عن الحلبي أنه سأل « أبا عبد الله {{عهس}} عن الرجل يخطو أمامه في الصلاة خطوة أو خطوتين أو ثلاث، قال: نعم لا بأس ». وسائل الشيعة: 5/191؛ وفي رواية أخرى أن الحلبي سأل الصادق « عن الرجل يقرب نعله بيده أو رجله في الصلاة؟ قال: نعم ». وسائل الشيعة: 7/287. </ref> مع ان العمل الكثير ولا سيما إذا لم يكن مما لا يتعلق بالصلاة مبطل لها لقوله تعالى { وقوموا لله قانتين فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون }.
 
وأيضا يقولون: من قرأ في الصلاة « وتعالى جدك » <ref> عن أبي سعيد الخدري قال: « كان رسول الله {{صل}} إذا قام من الليل واستفتح صلاته وكبر قال: سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ثم يقول لا إله إلا الله ثلاثا، ثم يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان ». أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي. </ref> تفسد صلاته، <ref> روى ابن بابويه عن الصادق أنه قال: « أفسد ابن مسعود على الناس صلاتهم بشيئين، بقوله ( تبارك اسمك وتعالى جدك ) وهذا شيء قالته الجن بجهالة، فحكاه الله عنها، وبقوله ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) يعني في التشهد الأول، وأما الثاني بعد الشهادتين فلا بأس به... ». من لا يحضره الفقيه: 1/401. وأخرج الرواية العاملي في وسائل الشيعة: 6/406. </ref> مع أن قوله تعالى { وأنه تعالى جد ربنا } في [[سورة الجن]] تصح قراءتها في الصلاة.
 
وأيضا يقولون: تفسد الصلاة بقراءة بعض السور من القرآن كسورة حم تنزيل السجدة وثلاث سور أخرى، <ref> سور لقمان وحم السجدة والنجم وسورة العلق، روى ابن بابويه عن الصادق أنه قال: « ولا تقرأ في الفريضة بشيء من العزائم الأربع ». من لا يحضره الفقيه: 1/306. وفسر الإمامية هذه الرواية بقولهم: « لأن في هذه السور سجودا واجبا إن يفعله تبطل الفريضة بالزيادة فيها ». الطوسي، الاقتصاد: ص 180؛ الحلبي، الكافي: ص 18. </ref> مع أن قوله تعالى { فاقرأوا ما تيسر من القرآن } يدل بمنطوقه على العموم. وهؤلاء الفرقة هم يرروون عن الأئمة أن الصلاة تصح بقراءة كل سورة من القرآن. والعجب أنهم يحكمون بجواز الصلاة بقراءة ما يعلمه المصلي أنه ليس من القرآن المنزل، بل هو بزعمهم محرف عثمان وأصحابه، مثل { أن تكون أمة هي أربى من أمة }.
 
وأيضا يجوز بعضهم الأكل والشرب في عين الصلاة كما صرح به فقيههم المعتبر صاحب ( شرائع الأحكام ) في كتابه هذا، <ref> للمحقق الحلي ودليله: « لعدم وجود نص في إبطال الأكل والشرب للصلاة ». شرائع الإسلام: 1/101. </ref> مع أن الأخبار المتفق عليها مروية في المنع من الأكل والشرب في الصلاة، وهذا المقدر هو مجمع عليه بين هذه الفرقة أن شرب الماء في صلاة الوتر جائز لمن يريد أن يصوم غدا وعطش في تلك الصلاة. <ref> فقد روى ابن بابويه عن سعيد الأعرج أنه قال: « قلت لأبي عبد الله {{عهس}} جعلت فداك إني أكون في الوتر وأكون قد نويت الصوم وأكون في الدعاء وأخاف الفجر، وأكره أن أقطع على نفسي الدعاء وأشرب الماء وتكون القلة أمامي، قال: فقال لي: فاخطِ إليها الخطوة والخطوتين والثلاث واشرب وارجع إلى مكانك، ولا تقطع على نفسك الدعاء ». من لا يحضره الفقيه: 1/494؛ العاملي، الوسائل: 7/280. </ref>
 
وأيضا يقولون: لو باشر المصلي مباشرة فاحشة بامرأة حسناء وضمها إلى نفسه وألصق رأس ذكره بما يحاذى قبلها وسال المذي الكثير ولو إلى الساق جازت صلاته. وكذا ذكره الطوسي أبو جعفر وغيره من مجتهديهم. <ref> لأن رواياتهم تقول إن الحركة والمذي لا يبطلان الصلاة أو ينقضان الوضوء، فمثل هذه الحركة أيضا لا تبطلهما، روى الطوسي: « عن ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله {{عهس}} قال: ليس في المذي من الشهوة ولا من الانعاظ ولا من القبلة ولا من مس الفرج ولا من المضاجعة وضوء ولا يغسل منه الثوب ولا الجسد ». تهذيب الأحكام: 1/19؛ الاستبصار: 1/174. </ref> ولا يخفى أن هذه الحركات صريحة المخالفة لمقاصد الشرع ومنافية لحالة المناجاة بالبداهة.
 
وأيضا قالوا: إن لعب وعبث المصلي في عين الصلاة بذكره وأنثييه بحيث سال منه المذي فلا ضرر بذلك في الصلاة أصلا. <ref> روى الكليني عن محمد بن مسلم قال: « سألت أبا جعفر {{عهس}}: عن المذي يسيل حتى يصيب الفخذ؟ فقال: لا يقطع صلاته ولا يغسله من فخذه، إنه لم يخرج مخرج المذي إنما هو بمنزلة المخاط ». الكافي: 3/40. وروى الطوسي بإسناده عن معاوية بن عمار قال: « سألت أبا عبد الله {{عهس}}: عن الرجل يعبث بذكره في الصلاة؟ فقال: لا بأس به ». تهذيب الأحكام: 1/346. </ref>
 
وبعضهم جوزوا الصلاة إلى جهة قبور الأئمة بنية مزيد الثواب، <ref> بوب الطوسي بابا بعنوان: ( فضل الكوفة والمواضع التي يستحب فيها الصلاة منها، وموضع قبر أمير المؤمنين {{عهس}} والصلاة والدعاء عنده ). تهذيب الأحكام: 6/30، ثم أورد روايات عديدة في فضيلة الدعاء والصلاة عند هذا القبر. وأخرج العاملي عن شعيب العقرقوفي: « قلت لأبي عبد الله {{عهس}}: من أتى قبر الحسين {{عهس}} له من الأجر والثواب؟ قال: يا شعيب ما صلى عنده أحد ودعا إلا استجيب عاجله وآجله، قلت: زدني، قال: أيسر ما يقال لزائر الحسين {{عهس}}: قد غفر لك فاستأنف اليوم عملا جديدا ». وسائل الشيعة: 14/538. </ref> مع أن النبي {{صل}} قال « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ». <ref> متفق عليه. وعند الإمامية أخرج الطوسي عن الصادق أنه قال: « عشرة مواضع لا يصلى فيها: الطين والماء والحمام والقبور... ». تهذيب الأحكام: 2/219؛ وأخرجهً العاملي في وسائل الشيعة: 5/142. </ref>
 
وأيضا يجوزون الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير عذر وسفر، <ref> وهذا ما عليه معظم الفرقة، رغم وجود بضع روايات تنسب ذلك إلى الأئمة عندهم، منها ما رواه الكليني عن أحمد بن عباس الناقد قال: « تفرق ما في يدي وتفرق حرفائي فشكوت إلى أبي محمد {{عهس}} فقال لي: اجمع بين الصلاتين الظهر والعصر ترى ما تحب ». الكافي: 3/287؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/263. </ref> وذلك مخالف لقوله تعالى { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } وقوله تعالى { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا }.
 
وأيضا عندهم أداء الصلوات الأربع – يعني الظهر والعصر والمغرب والعشاء – متصلة بينها لانتظار خروج المهدي.
 
وأيضا يحكمون بعدم جواز قصر الصلاة في سفر التجارة دون إفطار الصوم، مع أنه ليس فرق بين الصلاة والصوم في الشرع، وقد نص على الفرق ابن ادريس <ref> السرائر: 1/234. </ref> وابن المعلم <ref> المفيد، وينظر كتابه المقنعة: ص 374. </ref> والطوسي <ref> الخلاف: 1/201. </ref> وغيرهم. <ref> الحلي في إرشاد الأذهان: 1/303؛ والعاملي في الدروس: 1/221. </ref> مع أن روايات عدم الفرق بين الأئمة موجودة في كتبهم الصحيحة. روى معاوية بن وهب <ref> معاوية بن وهب البجلي أبو الحسن، قال عنه النجاشي: « ثقة حسن الطريقة روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام ». رجال النجاشي: 1/348؛ فهرست الطوسي: ص 463. </ref> عن أبي عبد الله أنه قال « وإذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت ». <ref> ابن بابويه، من لا يحضره الفقيه: 1/437؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 3/220. </ref>
 
وأيضا يقولون: من كان سفره أكثر من الإقامة كالمكاري والملاح والتاجر الذي يتردد بفحص الأسواق فليقصروا صلاة النهار وليتموا صلاة الليل ولو أقام خمسة ايام في أثناء سفره أيضا، نص عليه القاضي ابن البراج <ref> عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز البراج الشامي، قال العاملي: « القاضي سعد الدين وجه الأصحاب وفقيههم »، مات سنة 481ه. أعيان الشيعة: 8/18؛ روضات الجنات: 354؛ معجم المؤلفين: 5/262. </ref> وابن زهرة <ref> حمزة بن علي بن زهرة بن الحسن بن زهرة الحسيني الحلبي، عز الدين أبو المكارم، قال عنه الحر العاملي: « فاضل عالم ثقة جليل القدر عظيم المنزلة، وله تصانيف تبلغ نحو العشرين »، مات سنة 585ه. أعيان الشيعة: 6/249؛ روضات الجنات: 202؛ معجم المؤلفين: 4/80. </ref> وأبو جعفر الطوسي في ( النهاية ) و( المبسوط ) <ref> ينظر الحلي في شرائع الإسلام: 1/101؛ وابن إدريس في السرائر: 1/246. </ref> مع أن روايات الأئمة وردت عندهم بخلاف هذا الحكم ولم تفرق بين الليل والنهار. روى محمد بن بابويه في الصحيح عن أحدهما أنه قال « المكاري والملاح إذا جد بهما سفر فليقصرا ». <ref> الطوسي، تهذيب الأحكام: 3/215؛ العاملي، وسائل الشيعة: 8/491. </ref> وروى محمد بن مسلم <ref> في المطبوع والسيوف المشرقة ( عبد الملك بن مسلم ) والتصحيح من كتب الإمامية. </ref> عن الصادق نحوه. <ref> الطوسي، تهذيب الأحكام: 3/215؛ العاملي، وسائل الشيعة: 8/491. </ref>
 
وأيضا يخصصون القصر في صلاة السفر بالأسفار الأربعة: السفر إلى المسجد الحرام، وإلى طيبة المنورة، وإلى الكوفة، <ref> أي إلى المشهد المنسوب إلى علي. وقد تقدم الكلام عن فضل الكوفة عند الإمامية. وينظر العاملي في وسائل الشيعة: 5/248 وما بعدها والنوري في المستدرك: 3/396. </ref> وإلى كربلاء. <ref> ويروون عن الأئمة الكثير في فضل كربلاء وزيارتها، وبوب الطوسي بابا بعنوان: ( باب حرم الحسين {{عهس}} وفضل كربلاء وفضل الصلاة عند قبره وفضل التربة وما يقال عند أخذها وفضل التسبيح منها وما يجب على زائريه أن يفعلوه ) ثم ساق روايات كثيرة منها ما رواه عن الباقر أنه قال: « خلق الله كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام وقدسها وبارك عليها، فما زالت قبل أن يخلق الله الخلق مقدسة مباركة ولا تزال كذلك وجعلها الله أفضل الأرض في الجنة ». تهذيب الأحكام: 6/72؛ وينظر ما كتبه ابن قولويه القمي في كامل الزيارات: ص 256. </ref> وهذا عند الجمهور. وأما المختار لجمع منهم المرتضى فهو أن جميع مشاهد الأئمة لها هذا الحكم، <ref> قال زين الدين العاملي: « فيتعين القصر إلا في أربعة مواطن: مسجدي مكة والمدينة المعهودين ومسجد الكوفة والحائر الحسين... ». ويعني بالأخير ( كربلاء ) ثم قال: « وألحق بعضهم به مشاهد الأئمة ». اللمعة الدمشقية: 2/333 - 334؛ والرأي نفسه للحلي في قواعد الأحكام: ص 83. </ref> مع أن نص الكتاب { وإذا ضربتم في الأرض } الآية وقع مطلقا، وكان الأمير أيضا يقصر صلاته في جميع أسفاره. والرواية المذكورة عن ابن بابويه دالة أيضا على الإطلاق.
 
وأيضا يحكمون بترك الجمعة في غيبة الإمام <ref> أي في السرداب، فليس عليهم جمعة من ألف سنة وإلى يوم القيامة. </ref> بل بزعمهم أهل أخبارهم أنها حرام <ref> قال الطباطبائي عن صلاة الجمعة: « وفي زمان الغيبة مستحبة جماعة وفرادى، ولا يشترط فيها شرائط الجمعة ». العروة الوثقى: 1/742؛ وينظر ما قاله زين الدين العاملي، اللمعة الدمشقية: 1/301. </ref> وقد قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } الآية من غير تقييد فيها بحضور الإمام.
 
وأيضا يجوزون للمرء أن يشق جيبه وثوبه في عزاء الأب والابن والأخ، <ref> أخرج العاملي تحت باب ( كراهة الصياح على الميت وشق الجيوب على غير الأب والأخ والقرابة ). ثم أورد روايات عن أكثر من إمام أنه قد شق ثوبه. وسائل الشيعة: 3/273 وما بعدها. </ref> وللمرأة مطلقا على كل ميت. <ref> وهذا من أكثر العادات انتشارا بين نسائهم اليوم، فاللطم وشق الجيوب وسيلة للتقرب إلى الله عندهم خاصة في يوم عاشوراء. </ref> مع أن الصبر في جميع الشرائع واجب في المصائب، والجزع حرام. <ref> رووا عن الصادق أنه قال: « لا ينبغي الصياح على الميت ولا تشق الثياب ». وسائل الشيعة: 3/273. </ref> وقد وقع في الأخبار الصحيحة « ليس منا من حلق وسلق وخرق » <ref> أخرجه مسلم أن رسول الله {{صل}} قال: « أنا بريء ممن حلق وسلق وخرق ». قال النووي: « الصلق والسلق: هي التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة هي التي تحلق شعرها والخرق هو شق الثوب عند المصيبة » </ref> وأيضا ورد « ليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود » <ref> متفق عليه. وأخرجه من الإمامية العاملي، مسكن الفؤاد: ص 180؛ النوري، مستدرك الوسائل: 2/452. </ref> وورد « من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا ». <ref> أخرجه أحمد وهو في صحيح الجامع برقم 567. قال المناوي: « أي قولوا له: اعضض بهن أبيك أو بذكره، ولا تكنوا عنه بالهنّ تنكيرا وزجرا ». فتح القدير: 1/357. وأخرجه من الإمامية المجلسي في بحار الأنوار: 32/91؛ وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 13/150. </ref>
 
===مسائل الصوم والاعتكاف===
 
يحكمون بفساد الصوم بانغماس الصائم في الماء، مع أن م <ref> وعليه إجماع الطائفة كما قرر الطوسي في النهاية: ص 131؛ والطباطبائي في العروة الوثقى: 2/200. </ref> فسداته إنما هي الأكل والشرب والجماع بالإجماع. ولهذا قد رجع عن هذه المسألة جمع منهم واختاروا عدم الفساد لصحة الأثار بخلافها. <ref> قال الطوسي بعد إيراده الأخبار المتناقضة عن الأئمة في كتب الطائفة: « يجوز الحمل على التقية، أو أنه يختص بإسقاط القضاء والكفارة، وإن كان الفعل محظورا... ولست أعرف حديثا في إيجاب القضاء والكفارة أو إيجاب أحدهما على من ارتمس في الماء ». الاستبصار: 2/85. قال الحلي: « واختاره ابن إدريس وهو مذهب ابن أبي عقيل... » ثم قال: « والأقرب عندي أنه حرام غير مفطر ولا يوجب شيئا ». مختلف الشيعة: 3/401. </ref>
 
والعجب أن الصوم لا بفسد عند هم بالإيلاج في دبر الغلام على مذهب اكثرهم، <ref> لأن الرجل إذا أولج في الدبر ثم أنزل فلا غسل عليه بإجماع الطائفة، وينسبون الروايات في ذلك إلى الأئمة، روى الطوسي بإسناده عن أبي عبد الله {{عهس}} قال: « في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة؟ قال: لا ينقض صومها وليس عليها غسل ». تهذيب الأحكام: 4/319؛ العاملي، وسائل الشيعة: 2/200. </ref> وقد روى عن الأئمة خلافه. <ref> روى الكليني عن أبي جعفر أنه قال: « في الرجل يعبث بأهله في نهار رمضان حتى يمني قال: إن عليه الكفارة مثل ما على الذي يجامع ». الكافي: 4/102؛ تهذيب الأحكام: 4/206. </ref> أجمع الأمة كلهم على أن كل ما يوجب الإنزال مفسد للصوم سوء كان الوطء في القبل أو الدبر.
 
وأيضا يجوز عند بعضهم أكل جلد الحيوان للصائم ولا ضرر لصومه، وقال بعضهم أكل أوراق الأشجار لا يفسد الصوم، وقال بعضهم لا يضر الصوم أكل ما لا يعتاد أكله، <ref> الطباطبائي، العروة الوثقى: 2/200؛ فقه الخوئي: 12/68. </ref> ومع هذا لو انغمس في الماء يجب عليه القضاء والكفارة معا وإن لم يدخل شيء من الماء في حلقه وأنفه. <ref> أخرج الحر العاملي عن إسماعيل بن عبد الخالق قال: « سألت أبا عبد الله {{عهس}} هل يدخل الصائم رأسه في الماء؟ قال: لا ولا المحرم ». الوسائل: 12/509. وينظر الطوسي، النهاية: ص 132؛ فقه الخوئي: 12/157. </ref> سبحان الله أى إفراط وتفريط هذا؟
 
وأيضا يقولون: يستحب صوم عاشوراء من الصبح إلى العصر دون الغروب. <ref> عندهم عن عبد الله بن سنان قال: « سألت أبا عبد الله عن صيام عاشوراء، فقلت: ما قولك في صومه؟ فقال لي: صمه من غير تبييت وأفطره من غير تشميت ولا تجعله يوم صوم كاملا، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة ماء... ». أخرجه العاملي، وسائل الشيعة: 10/459. </ref> مع أن الصوم ليس متجزئا في شريعة أصلا، بل يفسد جزء منه لقوله تعالى { ثم أتموا الصيام إلى الليل }.
 
وأيضا يقولون: صوم اليوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة مؤكدة، <ref> يسمونه عيد الغدير، روى العاملي تحت عنوان: ( استحباب صوم يوم الغدير وهو الثامن عشر من ذي الحجة )، وينسبون للصادق قوله: « صيام يوم غدير خم يعدل عند الله عز وجل في كل عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات وهو عيد الله الأكبر ». وسائل الشيعة: 10/442. والرواية عند الطوسي في تهذيب الأحكام: 3/143. </ref> مع أن كلا من النبي {{صل}} والأئمة لم يصوموا في هذا اليوم بالخصوص ولم يبينوا ثوابه. <ref> كيف يكون صومه سنة والسنة لا تكون إلا عن فعل النبي {{صل}}، والنبي لم يفعله ولا أحد من الأئمة الذين يزعم الشيعة أنهم شيعة لهم. </ref>
 
وأيضا يقولون: لا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد أقام الجمعة فيه النبي {{صل}} أو الوصي، <ref> قال ابن بابويه: « اعلم أنه لا يجوز الاعتكاف إلا في خمسة مساجد: في المسجد الحرام ومسجد الرسول {{صل}} ومسجد الكوفة ومسجد المدائن ومسجد البصرة، والعلة في ذلك أنه لا يعتكف إلا في مسجد جامع جمع فيه إمام عدل ». المقنع: ص 71؛ المرتضى، الانتصار: ص 96. </ref> وهذا مخالف لقوله تعالى { وأنتم عاكفون في المساجد }. ويحرمون استعمال الطيب للمعتكف، <ref> قال الطوسي: « وعلى المعتكف أن يتجنب ما يتجنبه المحرم من النساء والطيب والكلام الفاحش والمماراة والبيع والشراء ولا يفعل شيئا من ذلك ». النهاية: ص 167؛ الحلي، مختلف الشيعة: 3/589؛ العاملي، اللمعة الدمشقية: 2/157. </ref> مع أنه مسنون بالإجماع لمن يدخل المسجد.
 
=== مسائل الزكاة ===
 
يقولون: لا تجب الزكاة في التبر من الذهب والفضة. <ref> روى الكليني عن الصادق والكاظم أنهما قالا: « ليس على التبر زكاة، إنما هي على الدنانير والدراهم ». الكافي: 3/518؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 4/7. </ref>
 
وأيضا يقولون: لو كان عند رجل في ملكه نقود كثيرة مسكوكة واتخذ منها الحلي أو آلات اللهو سقط عنه زكاتها، <ref> قال العاملي: « أما النقدان فيشترط فيهما النصاب والسكة، وهي النقش الموضوع للدلالة على المعاملة الخاصة بكتابة وغيرها، وإن هجرت فلا زكاة في السبائك والممسوح، وإن تعومل به... ولو اتخذ المضروب بالسكة آلة للزينة وغيرها لم يتغير الحكم.. ». اللمعة الدمشقية: 2/30؛ وقريب منه ما قاله الطباطبائي، العروة الوثقى: 2/373. </ref> وإن احتال بهذا قبل يوم من حولان الحول. <ref> في ( صحيح ) علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى أنه قال: « لا تجب الزكاة فيما سبك فرارا به من الزكاة، ألا ترى أن المنفعة قد ذهبت فلذلك لا تجب الزكاة ». وسائل الشيعة: 9/160. وأخذ به معظم علمائهم، قال المفيد: « إذا صيغت الدنانير حليا أو سبكت سبيكة لم يجب فيها زكاة، ولو بلغت الوزن مائة وألفا وكذلك زكاة في التبر قبل أن تضرب دنانير ». المقنعة: ص 332. </ref>
 
وكذلك تسقط زكاة تلك النقود إذا كسد رواجها في هذه المدة وراجت نقود أخر مكانها <ref> تقدم قول العاملي «... وإن هجرت فلا زكاة... » ويعني إن لم تعد تلك الدنانير الذهبية متداولة بين الناس. اللمعة الدمشقية: 2/30. </ref>. فليتأمل في مخالفة هذه المسائل لقوله تعالى { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم } وحيثما ذكر وجوب الزكاة في كلام النبي {{صل}} والأئمة جاء بلفظ الدراهم والدنانير الرائجة في الوقت. <ref> قال الخوئي: « والخالص من تلك المواد [ أي الذهب والفضة ] لا زكاة فيهما ». فقه الخوئي: 28/239. </ref>
 
وأيضا يقولون لا تجب الزكاة في أموال التجارة مالم تصر نقدين بعد التبدل والتجول. <ref> العاملي، اللمعة الدمشقية: 2/37؛ الطباطبائي، العروة الوثقى: 2/304. </ref>
 
وأيضا يحكمون بعدم وجوب الزكاة في مال رجل أو امرأة ملكه وجعله اثاثا لنفسه أو اشترى به متاعا بنية الاكتساب أو الزينة وجعلها أثاثا أو بالعكس، <ref> لا يرون الزكاة في عروض التجارة. ينظر ابن المطهر الحلي، قواعد الأحكام: ص 91. </ref> وقد قال الشارع « أدوا زكاة أموالكم » <ref> أخرجه الترمذي وابن حبان والحاكم. وهو عند الإمامية حيث أورده العاملي عن أبي إمامة في وسائل الشيعة: 1/23. </ref> ولا شبهة في كون هذه الأشياء مالا.
 
وأيضا يحكمون باسترداد المزكي مال الزكاة من المستحق إذا زال فقره بعد ما تملكه وتصرف فيه، <ref> العروة الوثقى: 2/354. </ref> مع أن الصدقات لا تسترد ولا يصح الرجوع عنها بعد القبض، وأخذ مال الغير بدون إجازته لا يجوز في الشريعة اصلا، والاستحقاق لأخذ الزكاة شرط في وقت الأخذ لا في تمام عمره.
 
=== مسائل الحج ===
 
يقولون: لو ملك رجل مالا يحصل به الزاد والرحلة ونفقة العيال مدة الذهاب والإياب ولكن يظن أنه إذا رجع من الحج إلى البيت لا يكفيه نفقته أكثر من شهر واحد لا يحب عليه الحج، نص عليه أبو القاسم <ref> هو أبو طالب محمد بن الحسن بن يوسف بن علي ابن المطهر المعروف عند الإمامية بالمحقق الحلي. وقد ذكر في كتابه شروط الحج فقال: « أن يكون له ما يمول عياله حتى يرجع، فاضلا عما يحتاج إليه، ولو قصر ماله عن ذلك لم يجب عليه ». شرائع الإسلام: 1/361. ونقل المرتضى الإجماع عليه، الناصريات: ص 105، ابن زهرة، الغنية: ص 86. </ref> في ( الشرائع ) وغيره. وقد أوجب الشارع الحج على من يستطيع إليه سبيلا، وهو الاستطاعة بالزاد والراحلة ونفقة العيال في مدة الذهاب والرجوع وصحة البدن وأمن الطريق فقط، فانصرام النفقة بعد المجيء لا يوجب نقصا في معنى الاستطاعة إذ ظاهر أن كلا من العقلاء المستطيعين يقوم بوجه معاشه ولا يضيع عمره في البطالة، وعلى هذا يمكن أن يكتسب معاشه بعد قدومه إلى بيته ولا يكون متعطلا، والهدايا والتحف والإنعام والإحسان من الناس في حقه بعنوان كونه حاجا فتوح زائدة عليه. <ref> يظهر أنه كان من عادات ذلك العصر التقدم بالهدايا والتحف إلى من يعود من الحج، لبعد الشقة وصعوبة المواصلات يومئذ، ولا سيما في مثل الأقاليم الهندية التي منها المؤلف عبد العزيز الدهلوي رحمه الله. </ref>
 
وأيضا يقول بعضهم: لا يجب ستر العورة في الحج وقد قال الله تعالى { خذوا زينتكم عند كل مسجد } والروايات الصريحة عن الأئمة ناصة على خلاف ذلك، <ref> أخرج الإمام أحمد عن زيد بن أثيع قال: « سألنا عليا {{عنه}} بأي شيء بعثت؟ يعني يوم بعثه النبي {{صل}} مع أبي بكر {{عنه}} في الحجة، قال: بعثت بأربع لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان بينه وبين النبي {{صل}} عهد فعهده إلى مدته ولا يحج المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا ». الإمام أحمد، المسند: 1/79، رقم 594؛ الترمذي، السنن، كتاب الحج، باب كراهية الطواف عريانا: 3/222، رقم 871. وأخرجه الإمامية أيضا بلفظ قريب عن ابن عباس، العاملي، وسائل الشيعة: 13/44. </ref> ويجوزون الطواف عراة كرسم الجاهلية، ولكن يشترطون أن المرء يطين سوأتيه بطين بحيث يغطي لون البشرة ولو كانت تلك الأعضاء محكيه، ولا مناسبة لذلك بالملة الحنيفية أصلا. <ref> لأنه يمكن ستر العورة عندهم بطين كما سبق </ref>
 
والعجب أن الزنا عند طائفة منهم لو وقع بعد الإحرام في الحج لا يفسده. <ref> قال ابن زهرة: « ومن وطئ قبل الوقوف بعرفة، وإن وطئ بعد الوقوف بالمشعر الحرام لم يفسد حجه وكان عليه بدنة.. ». الغنية: ص 159. وينظر ما قاله الحر العاملي في اللمعة الدمشقية: 2/356. </ref> وهذا القبح ثمرة تجويزهم كشف العورة فيه، وكيف يكون ذلك والله تعالى يقول { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } ولا رفث فوق الزنا في العالم.
 
وأيضا يقولون: لو اصطاد في الإحرام متعمدا مرة يجب عليه الكفارة، ثم إذا فعل مرة أخرى فلا تجب. مع أن الجناية في المرة الأخرى تكون أزيد من المرة الأولى، ونص الكتاب قاض بالكفارة على العامد مطلقا؛ قال تعالى { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم }. <ref> وكذلك الروايات المنقولة عن الأئمة في كتبهم. منها ما رواه ابن أبي عمير في ( الصحيح ) قال: « قلت لأبي عبد الله {{عهس}}: محرم أصاب صيدا؟ قال: عليه كفارة، قلت: فإن عاد؟ قال: عليه كلما عاد ». الطوسي، تهذيب الأحكام: 5/372. </ref>
 
=== مسائل الجهاد===
 
يخصون الجهاد بمن كان في عهد النبي {{صل}} أو في زمن خلافة الأمير أو الإمام الحسن قبل صلحه مع معاوية أو مع الإمام الحسين أو من سيكون مع الإمام المهدي. <ref> قال المجلسي: « ولا جهاد إلا مع الإمام ». بحار الأنوار: 99/10. </ref> ولا يجوز الجهاد عندهم في غير هذه الأوقات الخمسة، مع أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة، والآيات النازلة في تأكيد الجهاد غير مقيدة بزمان، بل تدل على أن الجهاد في جميع الأوقات عبادة ومستوجب للأجر العظيم، مثل { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم }، فإنها نزلت في حق رفقاء الخليفة الأول، <ref> روى الطبري عن الضحاك في تفسير الآية قوله: « هو أبو بكر وأصحابه لما ارتد من ارتد من العرب عن الإسلام جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتى ردهم إلى الإسلام ». تفسير الطبري: 6/283؛ وينظر الدر المنثور للسيوطي: 3/102. </ref> و { قل للمخلفين من الأعراب ستدعو ن إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون } إذ هي نازلة في حق عساكر الخليفة الثاني، <ref> وفسر الطبري أولئك القوم بأنهم أهل فارس والروم، ومعلوم أن قتال هؤلاء كان في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب {{عنه}}. تفسير الطبري: 26/82.. لكن عسكر الخليفة الثاني لهم ذنب عظيم، وهو أنهم اطفأوا نار المجوسية وأدخلوا إيران في ملة الإسلام، وقد استحق الخليفة الثاني القتال على ذلك في حياته، والسب واللعن من ذلك اليوم إلى الآن. </ref> وما وقع من الجهاد في غير الأوقات المذكورة فهو فاسد عندهم، وليس تقسيم الغنائم في الجهاد الفاسد بوجه مشروع، فلا بد أن تكون الجواري المأسورة مملوكة لأحد ولا يصح التمتع بهن. <ref> ولكن « الحنفية » التي تسرى بها الإمام علي وولدت له [[محمد بن الحنفية]] رضوان الله عليه هي من بني حنيفة في اليمامة أسرت أيام خلافة رسول الله {{صل}} أبي بكر الصديق. انظر المناقشة في هذه المسألة بين السيد عبد الله السويدي وملا باشي كبير مجتهدي الشيعة في زمان نادرة شاه سنة 1156 في رسالة مؤتمر النجف ص 31. </ref> وقد استخرجوا فتوى عجيبة لتسهيل هذا العسير، ونسبها صاحب الرقاع المزورة <ref> ويسميها الإمامية ب ( التوقيعات المقدسة )، وهي كتب ادعوا أنها بخط الإمام المنتظر، وأول من أظهرها في مصنف مستقل عبد الله بن جعفر بن مالك القمي الذي يعده الإمامية من شيوخهم الوجهاء، ومات بعد 300ه. رجال النجاشي: 2/18؛ الذريعة: 4/501. </ref> ابن بابويه إلى صاحب الزمان أن تلك الجواري كلها مملوكة للإمام. <ref> قال المفيد: « الأنفال لرسول الله {{صل}} في حياته، وهي للإمام القائم بعده ». تهذيب الأحكام: 4/132. لأن الدنيا عند الإمامية للإمام يتصرف فيها كيف يشاء. روى ابن بابويه القمي عن أبي بصير عن الصادق أنه قال: « إن الدنيا للإمام يضعها حيث يشاء ويدفعها حيث يشاء... ». من لا يحضره الفقيه: 2/39. </ref> وقد حلل الأئمة جواريهم لشيعتهم، فبهذه الحيلة يجوز التسرى بالجوارى المأسورة في الجهاد الفاسد للشيعة.
 
سبحان الله، أية كلمات خبيثة ثقيلة في السوء يكتبونها في كتبهم الفقهية التي هي محل تنقيح الدين، وإذا قال أهل السنة بإزائهم: إن الأمير {{عنه}} تسرى خولة بنت جعفر اليمامية الحنفية <ref> هي خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن ثعلبة بن يربوع، كانت من سبي اليمامة فصارت إلى علي بن أبي طالب، وهبها له أبو بكر الصديق، قالت أسماء بنت أبي بكر: « رأيتها سندية سوداء وكانت أمة لبني حنيفة ». طبقات ابن سعد: 5/91؛ المنتظم: 6/228. </ref> التي جاء بها [[خالد بن الوليد]] مأسورة في عهد الخليفة الأول وولد للأمير منها [[محمد بن الحنفية]]، فلو كان جهاد ذلك الوقت فاسدا ولم يكن تقسيم غنائمه للخليفة صحيحا فلماذا تصرف الأمير بالتسري في الغنائم؟ يجيبون بأنه قد صح عندنا رواية أن الأمير أعتقها أولا ثم تزوجها. <ref> ويدعي الإمامية أن سبي خولة كان تعديا من خالد بن الوليد وأن عليا أبقاها عند أسماء بنت عميس إلى أن خطبها فيما بعد من أخيها كما أورد ذلك القطب الراوندي في قصة طويلة. الخرائج والجرائح: 2/81 – 82. وكل هذا من أجل حل السراري لهم، والقصة من اختراع القطب الراوندي، لأن عليا {{عنه}} لم يتزوج من إماء السبي خولة فقط بل تزوج سبية أخرى هي أم عمر، قال ابن أبي الحديد في بيان أولاد الأمير {{عنه}}: « أما محمد فأمه خوله بنت أياس بن جعفر من بني حنيفة... وأما عمر ورقية فأمهما سبية من بني تغلب يقال لها الصهباء سبيت في خلافة أبي بكر، وإمارة خالد بن الوليد بعين التمر ». وهناك الصهباء، فقد صرح أحد علمائهم بأنها سبية، ولم يشر إلى أن الأمير أعتقها. </ref> أولا يفقهون أن الإعتاق لا يتصور بدون الملك؟ فلزم أنه ملكها أولا ثم أعتقها، مع أن الإعتاق أيضا نوع من التصرف وبه يثبت المدعى.
 
=== مسائل النكاح والبيع ===
 
لا يجوزون النكاح والبيع إلا بلغة العرب، <ref> قال العاملي عن عقد الزواج: « ولا يجوز بغير العربية مع القدرة ». اللمعة الدمشقية: 5/20 ويشمل هذا البيع أيضا. </ref> مع أن اعتبار اللغات في المعاملات الدنيوية لم يأت في شريعة قط، ولا أن الأمير كلف أهل خراسان وفارس في عهد خلافته بأن يعقدوا معاملاتهم بلسان العرب، بل نفذ أنكحتهم وبيوعهم المنعقدة بلغتهم. وأي دخل للسان العرب في صحة العقود والمعاملات كالنكاح والبيع والإجازة والطلاق؟ إذ المقصود فيها إظهار ما في الضمير، وهو معين لكل قوم بلغتهم.
 
وأيضا يقولون: إن الجد مختار في بيع مال الصغير وله الولاية عليه مع وجود الأب. وقد تقرر في الشرع عدم دخول الولي الأبعد عند وجود الأقرب في كل باب، وسقوط المدلي عن المدلى به في الولاية والميراث.
 
=== مسائل التجارة ===
 
يقولون إن أخذ الربح من المؤمن في التجارة مكروه، <ref> قال ( المحقق ) الحلي: « ويكره مدح البائع... والربح على المؤمن إلا لضرورة... ». شرائع الإسلام: 2/27. </ref> وقد قال الله تعالى { وأحل الله البيع } وقال { إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } والمؤمن وغيره سيان في هذا الباب، إذ مبنى التجارة والبيع على تحصيل النفع، وما توارث جميع الأمة في كل الأعصار والأمصار على خلاف هذه المسألة، فلو اتجر مؤمن في دار الإسلام تجارة مع المؤمنين لا تجوز له عندهم فتصير ديار كثيرة كإيران وخراسان والعراق واليمن محرومة من هذه الفائدة، وقد أقر الأنبياء والأئمة المؤمنين على تجارتهم فيما بينهم مع أخذ الربح.
 
=== مسائل الرهن والدين ===
 
يقولون بجواز الرهن من غير قبض المرتهن المرهون، وقد جعل القبض في الشرع من لوازم الرهن، قال تعالى { فرهان مقبوضة } ولا تتحقق الفائدة المقصودة من الرهن بدون القبض لأن المرتهن لا حق له في رقبة المرهون ولا يجوز له الانتفاع بمنافعه بلا إذن الراهن وليس له إلا القبض حتى يحصل دينه من المرهون عند الحاجة فإذا لم يكن هذا أيضا فاية فائدة فيه للمرتهن، ومع هذا قد خالفوا في هذه المسألة الروايات الصحيحة عن الأئمة، روى محمد بن قيس عن الباقر والصادق أنهما قالا « لا رهن إلا مقبوض ». <ref> العاملي، وسائل الشيعة: 18/383. </ref>
 
وأيضا يقولون: يجوز للمرتهن الانتفاع بالمرهون. <ref> قال الطوسي: « وإن أقرض شيئا وارتهن على ذلك وسوغ له صاحب الرهن الانتفاع به جاز له ذلك سواء كان ذلك متاعا أو مملوكا أو جارية أو أي شيء كان... ». النهاية: ص 116. </ref> وهو ربا محض.
 
وأيضا يقولون: إن ارتهن أحد أمة آخر يجوز له وطؤها، وهو محض الزنا. وأيضا إن رهن أحد أم ولده جاز، ومع هذا إن أجاز للمرتهن الوطء منها قبلا أو دبرا جاز أيضا، <ref> توقف الطوسي في هذا لكن غيره من فقهاء الإمامية أباح ذلك، قال ابن إدريس: « والذي عندي أنه إذا أباح المالك له وطأها من غير اشتراط في القرض ذلك، فإنه جائز حلال ». السرائر: 2/65. </ref> ولا تخفى شناعة هذه المسألة ومخالفتها لقواعد الشرع.
 
وأيضا يقولون: لو أحال دينه على آخر وهو لا يقبل لزمت الحوالة، نص عليه أبو جعفر الطوسي وشيخه ابن النعمان. <ref> أي المفيد، نص عليه في المقنعة: ص 219؛ الطوسي، النهاية: ص 323. </ref> وفي هذا الحكم غاية الغرابة، ولم يأت في باب من أبواب الشريعة أن يلزم دين أحد أحدا بلا التزامه، ولو جرى العمل على هذه المسألة لترتب عليه فساد عجيب، إذ يمكن لكل فقير أن يحيل دينه على الأغنياء والتجار في كل بلدة ويبرئ ذمته ويكون من ذلك أمر عجاب.
 
=== مسائل الغصب والوديعة ===
 
يقولون: لو غصب رجل مال غيره أو أودعه عند احد يجب على المودع إنكار تلك الوديعة بعد موت المودع. مع أن الله تعالى شدد في إنكار الأمانة، وإن كان ذلك المودع غاصبا فعليه ذنب غصبه، ولكن كيف يجوز لهذا الأمين إنكار أمانته والحلف بالكذب؟
 
وأيضا يقولون: إن لم يظهر مالك ذلك المغصوب بعد التفحص سنة واحدة يتصدق به على الفقراء، مع أن التصدق من مال الغير بلا إذنه لا يجوز في الشرع. قال تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } وقال النبي {{صل}} « أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك » <ref> أحمد وأبو داود والترمذي؛ صحيح الجامع: رقم 240. </ref> وهو خبر صحيح نص عليه ابن المطهر الحلي. <ref> رواه الإمامية عن الأئمة في الكافي: 8/293؛ وتهذيب الأحكام: 6/348. </ref>
 
وأيضا يقولون: إن غصب أحد مال غيره وخلطه بماله بحيث لا يمكن التمييز بينهما كاللبن المخلوط باللبن والسمن بالسمن والبر بالبر ونحوها يرد الحاكم ذلك المال كله إلى المغصوب منه، وهذا ظلم صريح، لأن المغصوب منه لا حق له في مال الغاصب، ولا يعالج الظلم بالظلم.
 
وأيضا إن أودع رجل أمته عند آخر وأجاز له وطئها متى شاء جاز للأمين أن يطأها متى شاء.
 
=== مسائل العارية ===
 
لو قال رجل لآخر حللت لك جميع منافع هذه الأمة يكون وطئها له حلالا طيبا، وإعارة فروج النساء بالخصوص أو عموما في ضمن جميع المنافع جائزة عندهم. <ref> روى الكليني عن أبي العباس البقباق قال: سأل رجل أبا عبد الله {{عهس}} ونحن عنده عن عارية الفرج؟ فقال: حرام، ثم مكث قليلا وقال: ولكن لا بأس بأن يحل الرجل جاريته لأخيه. الكافي: 3/141. </ref>
 
وأيضا يجوز إعارة أم ولده للوطء. وهذه الأحكام كلها مخالفة لقوله تعالى { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون }.
 
===مسائل اللقيط ===
 
يقولون إن وجد رجل طفلا مميزا ضل عن ورثته لا يجوز له التقاطه ولا حفظه في بيته. <ref> نقل ذلك الكيدري في إصباح الشيعة: ص 333. </ref> ولا شبهة في أن ترك التقاطه موجب لهلاكه، لأنه لصغره عاجز عن دفع المؤذين عن نفسه، وغير قادر على كسب نفقته، فالتقاطه أوكد من التقاط الحيوانات.
 
=== مسائل الإجارة والهبة والصدقة والوقف ===
 
يقولون لا تنعقد الإجارة بغير لسان العرب. وأيضاُ يقولون من استؤجر لجهاد الكفار ولحراسة الطريق والشوارع من قطاع الطريق في زمن غيبة الإمام المهدي، لا يكون الأجير مستحقا للأجرة، لأن الجهاد في زمن غيبة الإمام فاسد فلا تصح إجارته.
 
وأيضا يقولون: إن جعل شيعي أم ولده أجيرا لخدمة رجل ولتدبير البيت وأحل فرجها لآخر، تكون خدمتها للأول ووطؤها للثاني.
 
وأيضا يقولون: لا تصح الهبة بغير لسان عربي، فلو قال رجل ألف مرة باللسان الفارسي مثلا « بخشيدم، بخشيدم » لا تكون هبة.
 
ويقولون: إن هبة وطء مملوكته فقط صحيحة ويكون الفرج عارية.
 
وأيضا يقول أكثرهم: يجوز الرجوع عن الصدقة. <ref> قال المرتضى: « ومما انفردت به الإمامية القول بأن من وهب شيئا غير قاصد به ثواب الله تعالى ووجهه جاز له الرجوع فيه ما لم يتعوض عنه، ولا فرق في ذلك بين الأجنبي وذي الرحم ». الانتصار: ص 267. </ref> وقد قال تعالى { لا تبطلوا صدقاتكم } وقال النبي {{صل}} « العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه ». <ref> متفق عليه. </ref>
 
وقالوا: وقف الهرة يجوز. <ref> نقل ذلك ( المحقق ) الحلي، شرائع الإسلام: 2/444؛ و( العلامة ) الحلي، قواعد الأحكام: ص 215. </ref> اللهم أية فائدة في وقفها، وأي انتفاع بها كي يجوز وقفها؟
 
وأيضا يقولون إجماعا: إن وقف فرج الأمة صحيح، فتلك الأمة تخرج إلى الناس ليستمتعوا بها، وأجرة هذه المتعة حلال طيب لمن وقفت له. <ref> قال ( المحقق ) الحلي: « يصح وقف المملوكة، ينتفع بها مع بقائها ويصح قبضها ». شرائع الإسلام: 2/444. </ref> فلم يبق فرق بين الشريعة وبين أسلوب الكفار الذين لا دين لهم.
 
=== مسائل النكاح ===
 
يقولون يستحب ترك النكاح مع التوقان وخوف الفتنة، مع انه خلاف سنة الأنبياء والأوصياء. نعم لم يكن الأنبياء والأوصياء يعلمون أن شبق الجماع يمكن أن يدفع بالمتعة، وبالفروج المعارة. <ref> رغم أنهم يروون عن النبي {{صل}} أنه قال: « من أحب أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليستعفف بزوجة ». أخرجه ابن بابويه، من لا يحضره الفقيه: 3/385. </ref>
 
وأيضا يقولون: النكاح مكروه إذا كان القمر في العقرب <ref> نسبوا إلى الصادق أنه قال: « من تزوج والقمر في العقرب لم يرَ الحسنى ». أخرجه الكليني، الكافي: 8/275؛ الطوسي، تهذيب التهذيب: 7/407. </ref> أو تحت الشعاع وفي المحلق <ref> رووا عن سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضا أنه قال: « من أتى أهله في محاق الشهر فليسلم لسقط الولد ». الكليني، الكافي: 5/499؛ ابن بابويه، من لا يحضره الفقيه: 3/402؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 7/411. وقرر ( المحقق ) الحلي بأن الجماع مكروه في ثمانية أوقات: « ليلة خسوف القمر وليلة كسوف الشمس وعند الزوال وعند غروب الشمس حتى يذهب الشفق الحمر وفي المحاق وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وفي أول ليلة من كل شهر إلا في شهر رمضان، وفي ليلة النصف وفي السفر إذا لم يكن معه ماء يغتسل به وعند هبوب الريح... ». شرائع الإسلام: 2/547؛ وينظر ما قاله العاملي، اللمعة الدمشقية: 5/93. </ref> وهذا مخالف لمقاصد الشرع الذي جاء لإبطال النجوم.
 
وأيضا يقولون: إن وطء جارية لم يكمل لها تسع سنين حرام، وإن كانت ضخمة تطيق الجماع. <ref> عن الصادق أنه قال: « لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين ». الكافي: 5/398؛ الطوسي، تهذيب التهذيب: 7/410. </ref> ولا أصل لهذا الحكم في الشرع.
 
وأيضا يقولون: يجوز في النكاح المباح أن يشترط الناكح مرات الجماع في زمان معين ويكون لكل منهما مطالبة الآخر على وفق الشروط، <ref> ينظر الينابيع الفقهية: 38/486. </ref> وقد قال تعالى { ولا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا }.
 
وأيضا يجوزون الوطء في دبر المنكوحة أو المملوكة أو الأمة المعارة أو الموقوفة أو المودعة أو المستمتع منها، <ref> أخرج الكليني عن صفوان بن يحيى قال: « قلت للرضا {{عهس}}: إن رجلا من مواليك أمرني أن أسائلك عن مسألة هابك واستحيى منك أن يسألك، قال: وما هي؟ قلت: الرجل يأتي امرأته في دبرها؟ قال: له ذلك ». الكافي: 5/54؛ وأخرجها أيضا الطوسي، تهذيب الأحكام: 7/415. </ref> وقد قال الله تعالى { قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض } وإذا حرم الله تعالى الفرج لنجاسة الحيض، فكيف لا يكون الدبر الذي هو معدن النجاسة حراما لتلك العلة؟ وقد قال {{صل}} « ملعون من أتى امرأة في دبرها » <ref> أحمد وأبو داود؛ صحيح الجامع: رقم 5889 </ref> وقال « اتقوا محاش النساء » <ref> عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: « إن رسول الله {{صل}} قال: استحيوا فإن الله لا يستحي من الحق، لا يحل إتيان النساء في حشوشهن ». سنن الدارقطني: 3/288، رقم 160؛ الطحاوي، شرح معاني الآثار: 3/45؛ قال المنذري: « ورواته ثقات ». الترغيب والترهيب: 3/199. وحسنه في صحيح الجامع برقم 934. </ref> أي ادبارهن، وهو خبر صحيح متفق عليه نص عليه المقداد.
 
وقد تعرض ههنا شبهة لبعض الجهلة بفن التشريح أن الفرج أيضا محل البول والنجاسة فلم أحل دون الدبر؟ وتدفع هذه الشبهة بأن المقرر في فن التشريح أن الفرج مشتمل على ثلاث تجويفات: تجويف فوق الكل يتصل بالمثانة وهو ميزاب البول، وتجويف دونه أضيق متصل بالأمعاء تخرج منه الريح أحيانا، وتجويف تحت الكل يدخل الذكر فيه وقت الجماع وهو متصل بفم الرحم يخرج منه الحيض والنفاس والولد، فلا تكون في هذا التجويف نجاسة أصلا إلا في أيام الحيض والنفاس، وحينئذ يكون الجماع حراما، بخلاف الدبر فإن له تجويفا واحدا متصلا ببعض الأمعاء التي هي معدن البراز والنجاسة الغليظة.
 
=== مسائل المتعة ===
 
إنهم يحسبون متعة النساء خير العبادات وأفضل القربات، <ref> روى المفيد عن الصادق أنه قال: « ما من رجل تمتع ثم اغتسل إلا خلق الله من كل قطرة تقطر منه سبعين ملكا يستغفرون له إلى يوم القيامة ويلعنون متجنبيها إلى أن تقوم الساعة ». المتعة: ص 9؛ خلاصة الإيجاز: ص 43؛ وأخرجها العاملي في ( باب استحباب المتعة ) وسائل الشيعة: 21/61. </ref> ويوردون في فضائلها أخبارا كثيرة موضوعة مفتراة. <ref> بل وينسبون إلى النبي {{صل}} أنه قال: « من الدين المتعة... ». الكليني، الكافي: 6/439. </ref> وعندهم متعة الخلية جائزة بالإجماع، ومتعة المشركة والمجوسية سواء كانت خلية أو محصنة جائزة إذا تحركت ألسنتهن بقول لا إله إلا الله وإن لم يكن في قلوبهن من معناها شيء <ref> قال العاملي: « المتعة لا تنحصر في عدد أو نصاب وإنها تصح بالكتابية ». اللمعة الدمشقية: 5/284 – 285. </ref>.
 
وكذلك يجوزون المتعة الدورية، وإن كان الاثنا عشرية ينكرون هذا التجويز، ولكن يقول محققوهم إنها ثابتة في كتبنا لا يجوز إنكارها، وصورتها أن يستمتع جماعة من امرأة واحدة ويقرروا الدور والنوبة لكل منهم، فيجامعها من له النوبة من تلك الجماعة في نوبته، مع أن خلط الماءين في الرحم لا يجوز في شريعة من الشرائع إذ لا يثبت حينئذ نسب العلوق إلى أحد منهم. والحال حفظ النسب مما به الامتياز بين الإنسان والحيوان.
 
وإذا تأمل العاقل في أصل المتعة يجد فيها مفاسد مكنونة كلها تعارض الشرع، منها تضييع الأولاد، فإن أولاد الرجل إذا كانوا منتشرين في كل بلدة ولا يكونون عنده فلا يمكنه أن يقوم بترتيبهم فينشأون من غير تربية كأولاد الزنا، ولو فرضنا أولئك الأولاد إناثا يكون الخزي أزيد، لأن نكاحهن [ أن يكون ] <ref> زيادة من السيوف المشرقة </ref> لا يمكن بالأكفاء أصلا.
 
ومنها احتمال وطء موطوءة الأب بالمتعة أو النكاح أو بالعكس بل وطء البنت وبنت البنت وبنت الابن والأخت وبنت الأخت وغيرهن من المحارم في بعض الصور خصوصا في مدة طويلة، وهو أشد المحظورات، لأن العلم بحبل امرأة المتعة في مدة شهر واحد أو أزيد لا يكون حاصلا لا سيما إن وقعت المتعة في السفر ويكون السفر أيضا طويلا ويتفق في كل منزل الشغل بالمتعة الجديدة ويتعلق الولد في كل منها وتولد جارية من بعد العلوقات ويرجع هذا الرجل إلى ذلك الطريق بعد خمسة عشر عاما مثلا أو يمر إخوته أو بنوه في تلك المنازل فيفعلون بتلك البنات متعة أو ينكحونهن.
 
ومنها عدم تقسيم ميراث مرتكب المتعة مرات كثيرة، إذ لا يكون ورثته معلومين ولا عددهم ولا أسماؤهم ولا أمكنتهم فلزم تعطيل أمر الميراث. وكذلك لزم تعطيل ميراث من ولد بالمتعة فإن آباءهم وإخوتهم مجهولون، ولا يمكن تقسيم الميراث ما لم يعلم حصر الورثة في العدد، ويمتنع تعيين سهم من الأسهم ما لم تعلم صفات الورثة من الذكورة والأنوثة والحجب والحرمان.
 
وبالجملة فالمفاسد المترتبة على المتعة مضرة جدا ولا سيما في الأمور الشرعية كالنكاح والميراث، فلهذا حصر الله سبحانه أسباب حل الوطء في شيئين: النكاح الصحيح وملك اليمين؛ لأن الاختصاص التام الحاصل بين المرء وزوجته بسبب هذين العقدين ليحفظ الولد ويعلم الإرث، قال تعالى { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } وعقب هذا في الموضعين بقوله { فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } وظاهر أن امرأة المتعة ليست بزوجة - وإلا تحققت لوازم الزوجية فيها من الإرث والعدة والطلاق والنفقة والكسوة وغيرها - وليست هي أيضا بملك يمين وإلا لجاز بيعها وهبتها وإعناقها. وقد اعترف فقهاء الشيعة بأن الزوجية بين المرء وامرأة المتعة لا تكون متحققة، وقال ابن بابويه في كتاب ( الاعتقادات ) <ref> قال ابن بابويه في مكان آخر: « اعلم أن وجوه النكاح الذي أمر بها الله عز وجل أربعة أوجه: نكاح الميراث... نكاح المتعة... ملك اليمين... نكاح التحليل ». فقه الرضا: ص 232 – 233. </ref> إن أسباب حل المرأة عندنا أربعة: النكاح وملك اليمين، والمتعة، والتحليل. <ref> نكاح التحليل عند الإمامية: « هو أن يحل الرجل أو المرأة فرج الجارية مدة معلومة، فإن كانت لرجل فعليه قبل تحليلها أن يستبرئها بعد أن تنقضي أيام التحليل، وإن كانت لامرأة استغنى عن ذلك ». فقه الرضا: ص 233. </ref> وقال تعالى { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله } فلو كانت المتعة والتحليل جائزين لم يأمر بالاستعفاف. وقال تعالى { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فما ملكت أيمانكم – إلى قوله – ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم } فلو جازت المتعة والتحليل لما كان خوف العنت <ref> أخرج الكليني عن أبي بصير قال: « سألت أبا جعفر {{عهس}} عن المتعة فقال: نزلت في القرآن ». الكافي: 5/448؛ وينظر أبواب المتعة في وسائل الشيعة: 21/5 وما بعدها. </ref> والحاجة إلى نكاح الإماء وإلى الصبر في ترك نكاحهن متحققا.
 
وما قالت الشيعة إن قوله تعالى { فما استمعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } نزل في حل المتعة <ref> روى ذلك الكليني، الكافي: 5/448؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 7/250؛ تفسير العياشي: 1/233. </ref> فغلط محض، ونسبة روايته إلى ابن مسعود وغيره من الصحابة محض افتراء، وإن نقل في تفاسير أهل السنة <ref> ينظر ما قاله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: 5/130؛ وابن كثير في التفسير: 1/475. </ref> غير المعتبرة أيضا فإنه خلاف نظم القرآن وكل تفسير كذلك ليس بمسموع ولا مقبول ولو كان من رواية صحابي، لأنه سبحانه بين أولا المحرمات بقوله تعالى { حرمت عليكم أمهاتكم – إلى قوله – والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } ثم قال { وأحل لكم ما وراء ذلكم } أى غير المحرمات المذكورة، ولكن بشرط أن تبتغوا بأموالكم من المهور والنفقات، فبطل بهذا الشرط تحليل الفروج وإعارتها، فإنها منفعة محضة بلا حرج، ثم قال { محصنين غير مسافحين } <ref> قال الزجاج: « المسافحة والسافح الزانيان اللذان لا يمتنعان من أحد ». روح المعاني: 5/4. </ref> يعني في حال كونكم مخصصين أزواجكم بأنفسكم ومحافظين لهن لكي لا يرتبطن بالأجانب ولا تقصدوا بهن محض قضاء شهوتكم وصب مائكم واستبراء أوعية المني. فبطلت المتعة بهذا القيد أصلا، لأن امرأة المتعة كل شهر تحت صاحب، بل كل يوم في حجر ملاعب.
 
ثم فرع على النكاح قوله { فما استمتعتم به منهن } الآية، يعني إذا قررتم الصداق في النكاح فإن تمتعتم به منهن بالدخول والوطء يلزمكم تمام المهر وإلا فنصفه، فقطع هذه الآية عما قبلها وحملها على الاستئناف باطل صريح باعتبار العربية، لأن الفاء تأبى القطع والابتداء، بل تجعل ما بعدها مربوطا بما قبلها. <ref> روح المعاني: 5/5. </ref>
 
وما يروون أن عبدالله بن مسعود كان يقرأ هذه الآية مع ضم « إلى أجل » بعد { منهن } فغير صحيح لأن هذه الرواية لم توجد في كتاب من كتب أهل السنة المعتبرة، <ref> قال الطبري: « وأما ما روي عن أُبي بن كعب وابن عباس من قراءتها: ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى )، فقراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين، وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله تعالى شيئا لم يأت الخبر القاطع ». تفسير الطبري: 5/13. </ref> ولو سلمنا ثبوتها في قراءة منسوخة فهي لا تستعمل في إثبات الأحكام مع كون القراءة المشهورة المتواترة تخالفها. <ref> وهو ما أقر به الخوئي حيث قال: « هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف ». البيان: ص 165. </ref> ولو سلمنا ذلك لا نسلم دلالتها على المتعة أيضا لأن لفظ { إلى أجل مسمى } متعلق بالاستمتاع لا بنفس العقد، والمدة المتعينة في المتعة إنما تكون متعلقة بنفس العقد لا بالاستمتاع، فصار معنى الآية هكذا: فإن تمتعتم بالمنكوحات إلى مدة معينة فأدوا مهورهن تماما. وفائدة زيادة هذه العبارة دفع ما عسى أن يتوهم أن وجوب تمام المهر معلق بمضي تمام مدة النكاح كما اشتهر في العرف أن ثلث المهر يعجل والثلثين يجعلان مؤجلين إلى بقاء النكاح، فهذا التأجيل يحصل بتصرف المرأة واختيارها، وإلا فلها المطالبة بعد الوطء مرة تمام المهر في الشرع. ولو كان { إلى أجل مسمى } قيد العقد لم تصح المتعة إلى مدة العمر وأبدا، مع أنها صحيحة كذلك بإجماع الشيعة، وسياق قوله تعالى { ومن لم يستطع منكم طولا } الآية أيضا في باب النكاح، يعني إن لم يستطع منكم أحد أن يؤدي مهر الحرائر ونفقتهن فلينكح الإماء المسلمات، فحمل العبارة المتوسطة على المتعة بقطع الكلام من السياق والسباق تحريف صريح لكلام الله تعالى. <ref> روح المعاني: 5/7 </ref>
 
بل إن تأمل عاقل في سياق هذه الآية يجد حرمة المتعة صريحة، لأن الله أمر فيها بالاكتفاء بنكاح الإماء في عدم الاستطاعة بطول الحرائر، فلو كان أحل المتعة في الكلام السابق لما قال بعده { ومن لم يستطع منكم طولا } لأن المتعة في صورة عدم الاستطاعة بنكاح الحرة ليست قاصرة على قضاء حاجة الجماع، بل كانت بحكم « لكل جديد لذة أطيب وأحسن ». وأية ضرورة كانت داعية إلى تحليل نكاح الإماء بهذا التقييد والتشديد وإلزام الشروط والقيود { انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون }. وبالجملة إن هذه الآيات صريحة الدلالة على تحريم المتعة، وقد تبين عدم دلالة الآية التي استدل بها الشيعة على مدعاهم بل على خلافه.
 
=== مسائل الرضاع والطلاق ===
 
يقولون إن شرب الطفل اللبن خمس عشرة مرة متوالية يشبع الطفل بكل منها يثبت الحرمة، <ref> روى الطوسي عن عمر بن يزيد قال: « سمعت أبا عبد الله {{عهس}} يقول: خمسة عشر رضعة لا تحرم ». تهذيب الأحكام: 7/314. </ref> وإن لم تكن متوالية لا يثبت الحرمة، وإن شبع الطفل بكل. <ref> نقل الطوسي عن المفيد قوله: « الذي يحرم من الرضاع عشر رضعات متواليات لا يفصل بينهن برضاع امرأة أخرى ». ثم روى عن الصادق أنه قال: « لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وشد العظم ». تهذيب الأحكام: 7/312. </ref> مع أن الحكم كان في الابتداء أن عشر رضعات يحرمن، ثم نسخ <ref> نسخ قراءة </ref> وثبت ذلك بإجماع الأمة. <ref> روى مسلم: « كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات » وللتفاصيل الفقهية ينظر ابن حزم، المحلى: 10/13؛ ابن قدامة، المغني: 8/138؛ الكاساني، بدائع الصنائع: 4/7. </ref> وأما قيد التوالي وزيادة الخمس على العشر فلم يكن في كلام الله تعالى أصلا، وإنما هذه الزيادة والقيد المذكور من مخترعاتهم، وإبقاء الحكم المنسوخ تشريع من عند أنفسهم ومخالفة لحكم الله تعالى. وهم يروون عن الأئمة أن شرب اللبن مطلقا سواء كان عشر رضعات أو أقل موجب للحرمة، <ref> في رواية أخرجها الكليني عن صفوان بن يحيى قال: « سألت أبا الحسن {{عهس}} عن الرضاع ما يحرم منه فقال: سأل رجل أبي {{عهس}} عنه فقال: واحدة ليس بها بأس وثنتان حتى بلغ خمس رضعات، قلت: متواليات أو مصة بعد مصة؟ فقال: هكذا قال له ». الكافي: 5/439؛ وسائل الشيعة: 20/381. </ref> لأن المقام مقام احتياط، فإنه باب حرمة النكاح حتى يثبت براءة الذمة يقينا. وصرح شيخهم المقداد في ( كنز العرفان ) في بحث كفارة اليمين بوجوب العمل بالأحوط في أمثال هذه المواضع. <ref> وحرموا ما لم يحرمه الله، فعندهم لا يحل للبالغ أن يتزوج من ( القابلة ) التي أشرفت على ولادته أو الزواج من ابنتها، حالها كحال الأم من الرضاعة، كما في رواية نسبها ابن بابويه إلى الصادق، من لا يحضره الفقيه: 3/410. </ref>
 
ويقولون أيضا: لا يقع الطلاق إلا بلسان عربي. <ref> قرر ذلك ابن إدريس في السرائر: 2/278؛ وقال ( المحقق ) الحلي: « ولا يقع الطلاق بالكناية ولا بغير العربية مع القدرة على التلفظ باللفظة المخصوصة ولا بالإشارة إلا مع العجز عن النطق ». شرائع الإسلام: 3/17. </ref> وبطلان هذا القول أظهر من الشمس. وإن الرجل إذا قال لامرأته « أنت طالق » أو « طلاق » ولو ألف مرة لا يقع الطلاق عندهم أبدا ما لم يقل « طلقتك ». وقد عد الشارع هاتين الصيغتين من الطلاق الصريح أيضا، وإن كان أصل وضعها للإخبار بالطلاق، كما أن « طلقتك » كذلك. وهذه الألفاظ كلها مستعارة من الإخبار للإنشاء مثل « أنت حر » أو « عتيق » مع أنهم قائلون بوقوع الطلاق فيما إذا سأل رجل آخر: هل طلقت فلانة؟ فقال: نعم. مع أن الصريح فيه كون معنى الإخبار مرادا به الإنشاء، <ref> وهو ما قرره الطوسي في النهاية، ص 512؛ وابن حمزة في الوسيلة، ص 325. </ref> وإلا فكيف يقع في جواب الاستفهام؟
 
ويقولون أيضا: لا يصح الطلاق إلا بحضور شاهدين كالنكاح، <ref> قال ابن بابويه: « باب الطلاق اعلم أن الطلاق لا يقع إلا على طهر من غير جماع بشاهدين عدلين في مجلس واحد بكلمة واحدة، ولا يجوز أن يشهد على الطلاق في مجلس رجل، ويشهد بعد ذلك الثاني ». المقنع: ص 113. </ref> مع ان المعلوم قطعا من الشرع أن الإشهاد في الرجعة والطلاق مستحب لمحض قطع النزاع المتوقع، لا أن حضور الشاهدين شرط في الطلاق أو الرجعة كما في النكاح. وكان توارث جميع الأمة في حضور النبي {{صل}} إلى زمان الأئمة على هذا، وهو أنهم لم يطلبوا حضور الشهود عند الطلاق قط. والفرق بين النكاح والطلاق بيّن، إذ الإعلان في النكاح ضروري حتى يميز عن الزنا ولا يتهم بها، فأقل حد الإعلان يثبت شاهدين كما تقرر في الشرع، بخلاف الطلاق إذ لا حاجة فيه إلى الإعلان لعدم التباسه بشيء حتى يميز، ولعدم التهمة في ترك الصحبة والجماع، فالطلاق كالبيع والإجارة وسائر العقود في إحضار الشهود لمخافة الإنكار.
 
ويقولون أيضا: لا يقع الطلاق بالكنايات إن كان الزوج حاضرا، مع أنه لا خلاف بين حضوره وغيبته، <ref> قال الطوسي: « إذا كتب بطلاق زوجته ولم يقصد بذلك الطلاق لا يقع بلا خلاف، وإن قصد به الطلاق عندنا أنه لا يقع به شيء ». الخلاف: 2/449 </ref> بل هو خلاف قاعدة الشرع، فإن الشارع لم يعتبر في إيقاع الطلاق حضور الزوج وغيبته قط، بل في كل باب. فالفرق تشريع جديد من قبلهم.
 
ويقولون أيضا: إذا نكح المجبوب – وهو مقطوع الذكر فقط – امرأة ثم طلقها بعد الخلوة الصحيحة لا تجب العدة عليها، مع أنهم قائلون بثبوت نسب الولد بهذا الرجل إن ولد منها. <ref> شرائع الإسلام 3/132. </ref> فاحتمال العلوق من هذا الرجل ثبت أيضا عندهم، فكيف لا تجب عليها العدة؟ فإن وجوبها إنما هو لمعرفة العلوق، ويمكن حصوله من هذا الرجل بناء على القواعد الطبية، لأن محل المني ووعاءه الأنثيان لا الذكر فيحتمل أن يخرج منيه من منفذ الذكر عند المساحقة ويدخل في الفرج فيجذبه الرحم بسرعة فيتعلق الولد منه، لأن الرحم أشد اشتياقا للمني لعدم النضج التام بسبب انتفاء المحل.
 
ويقولون أيضا: لا يقع الظهار إذا أراد الزوج بإيقاعه إضرار زوجته بترك الوطء، <ref> قال المرتضى: « ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الظهار لا يثبت حكمه إلا مع القصد والبينة ». الانتصار: ص 141؛ العاملي، اللمعة الدمشقية: 5/299. </ref> مع أن الشارع قصد سد باب الإضرار بإيجاب الكفارة على المظاهر، فلو لم يقع الظهار ولم يجب شيء في الإضرار لزم المناقضة في مقصود الشارع. ومع ذلك فقولهم مخالف لنص الكتاب والأحاديث وآثار الأئمة، فإنها واقعة بلا تقييد ومروية بروايات مصححة في كتبهم. <ref> روى العاملي عن الصادق أن رجلا سأله عن: « رجل قال لامرأته أنت علي كظهر أمي أو كيدها أو كبطنها أو كفرجها أو كنفسها أو ككعبها أيكون ذلك الظهار وهل يلزمه ما يلزم المظاهر؟ قال: المظاهر إذا ظاهر من امرأته فقال: هي علي كظهر أمه أو كيدها أو كرجلها أو كشعرها أو كشيء منها ينوي بذلك التحريم فقد لزمه في كل قليل منها ». وسائل الشيعة: 22/316. </ref>
 
ويقولون أيضا: إن عجز المظاهر عن أداء خصال الكفارة – من تحرير رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا – فليصم ثمانية عشر يوما، وهذا القدر من الصوم يكفيه. <ref> وهذا عندهم في كل كفارة فيها صيام شهرين متتالين أو إطعام ستين مسكينا، ككفارة الجماع في نهار رمضان وكفارة القتل الخطأ. أخرج الكليني في الكافي: 4/385؛ والطوسي في تهذيب الأحكام: 4/205؛ وابن بابويه، من لا يحضره الفقيه: 2/332. وقال ابن بابويه: « ومتى عجز عن إطعام ستين مسكينا صام ثمانية عشر يوما ». من لا يحضره الفقيه: 3/527. </ref> ولا يخفى أن هذا الحكم تشريع جديد من قبلهم بخلاف ما أنزل الله.
 
ويقولون أيضا: يشترط في اللعان كون المرأة مدخولا بها، <ref> قال الطوسي: « ولا يكون اللعان بين الرجل وامرأته إلا بعد الدخول بها، فإن قذفها قبل الدخول بها كان عليه الحد وهي امرأته لا يفرق بينهما ». النهاية: ص 251. </ref> مع أن لحوق العار بتهمة الزنا أكثر من غير الدخول بها، وقد تقرر أن اللعان لدفع عار التهمة، وأنه أيضا مخالف لقوله تعالى { والذين يرمون المحصنات ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } الآية فقد ورد بغير تقييد الدخول. <ref> ينظر الجصاص، أحكام القرآن: 3/46؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: 12/172 </ref>
 
=== مسائل الإعتاق والأيمان ===
 
يقولون لا يقع العتق بلفظ العتق. <ref> قال الطوسي: « العتق لا يقع إلا بقوله ( أنت حر ) مع القصد والنية، ولا يقع العتق بشيء من الكنايات.. ». الخلاف: 3/15. </ref> سبحان الله ما أغرب هذا الحكم حتى إنه ليضحك الثكلى ويسخر منه الصبيان.
 
ويقولون أيضا: لا يقع العتق بلفظ فك الرقبة أيضا، <ref> صرح به ( العلامة ) الحلي في ( إرشاد الأذهان )، الينابيع الفقهية: 32/388. </ref> مع أنه قد وقع في عدة مواضع من القرآن التعبير بهذا اللفظ عن العتق وصار حقيقة شرعية فيه كقوله تعالى { فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة } الآية.
 
ويقولون أيضا: لا يصح عتق عبد أو امة ذاهب بمذهب أهل الحق أو غيرهم مما هو مخالف لمذهب الاثني عشرية، <ref> قال (العلامة) الحلي في ( إرشاد الأذهان ): « ويكره عتق المخالف » أي الذي يخالف مذهب الإمامية. الينابيع الفقهية: 32/389. </ref> مع أنه لا دليل لهم على هذا لا من الكتاب ولا من السنة، وما ذاك إلا محض عناد وجهل بالمراد. ألا ترى أن عتق العبد الكافر صحيح فضلا عن أن يكون له مذهب، وقد ثبت إيمان أهل السنة في كتبهم. <ref> لكنهم إذا أرادوا أن يماروا في ذلك قالوا أثبتناه تقية. </ref>
 
ويقولون أيضا: لو صار العبد مجذوما أو أعمى أو زمنا يعتق بنفسه من غير إعتاق مالكه. <ref> أخرج الطوسي عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي {{عنه}} أنه قال: « العبد الأعمى والأجذم والمعتوه لا يجوز في الكفارات؛ لأن رسول الله {{صل}} أعتقهم ». تهذيب الأحكام: 8/324؛ العاملي، وسائل الشيعة: 22/397. </ref> وهذا العتق بخلاف قواعد الشرع، إذ لا يخرج مال أحد عن ملكه بنفسه بمعيوبيته، ولأن سبب تشريع العتق هو نفع العبد وقد صار ههنا لمحض ضرره وهلاكه؛ لأنه حينئذ لا اقتدار له على الكسب ولا نفقة له على سيده. فإن قالوا قد يحصل للعبد نفع بذلك بسبب استراحته عن الخدمة، قلنا لا يجوز على المالك تكليف مثل هؤلاء.
 
ويقولون أيضا: إن خرجت نطفة السيد من بطن الأمة صارت أم ولد، <ref> قال الراوندي: « أم الولد: هي التي تلد من مولاها سواء ما وضعته تاما أو غير تام وإن سقطت نطفة ». فقه القرآن: 2/213. </ref> فعلى هذا يلزم صيرورة كل جارية موطوءة أم ولد لأن عادة النساء ذلك. ومما علم بالتجربة أنه يبقى في الرحم من النطفة قدر الانعلاق ويخرج ما زاد عليه، فحينئذ لو كان خروج النطفة دليلا لكان على عدم الانعلاق، فكيف تصير الأمة أم ولد بخروجها؟
 
ويقولون أيضا: لو رهن رجل أمته ووطئها المرتهن مطلقا وجاءت بولد من المرتهن صارت أم ولد له. <ref> قرر ذلك الطوسي في ( المبسوط ). الينابيع الفقهية: 32/366. </ref> مع أن وطء المرتهن محض الزنا إذ لا ملك له ولا تحليل، مع أن التحليل أيضا لا يوجب كونها أم ولد عند الفرقة أيضا. <ref> الينابيع الفقهية: 37/61. </ref>
 
ويقولون أيضا: لا ينعقد يمين الولد بغير إذن الوالد في غير فعل الواجب وترك القبيح، وكذلك يمين المرأة بغير إذن الزوج فيهما. <ref> قال الحلي: « ولا تنعقد يمين ولد مع والده إلا مع إذنه ولا المرأة مع زوجها إلا بإذنه ولا المملوك مع مولاه إلا بإذنه وذلك فيما عدا الواجب وترك القبيح، أما فيما..... فينعقد دون إذنهم ». الينابيع الفقهية: 16/24. وينظر أيضا كلام قريب من هذا عند ابن بابويه، المقنع: ص 137؛ الكيدري، إصباح الشيعة: ص 482. </ref> مع أن ذلك مخالف لصريح قوله تعالى { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } وقوله سبحانه { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان }.
 
ويقولون أيضا: إن نذر أحد أن يمشى إلى الكعبة راجلا وحج يسقط عنه هذا النذر، نص عليه أبو جعفر الطوسي. <ref> صرح بذلك في كتابه الخلاف: 3/303، ونقله عنه منهم الكيدري في إصباح الشيعة: ص 484. </ref> مع أنه مخالف لقوله تعالى { وليوفوا نذورهم } وقوله تعالى { يوفون بالنذر }.
 
ويقولون أيضا: يلزم النذر بقصد القلب من غير ان يتلفظ بلفظ النذر سرا وجهرا، ويسمونه نذر الضمير. <ref> قال الحلي: « ولا ينقد النذر والعهد إلا باللفظ ». تبصرة المتعلمين: ص 278؛ وينظر أيضا العاملي، الدروس الشرعية: 2/167. </ref> مع أنه لا يلزم في الشرع شيء بقصد القلب من جنس ما لا بد فيه من القول كاليمين والنذر والنكاح والطلاق والعتاق والرجعة والبيع الإجارة والهبة والصداقة وغيرها.
 
===مسائل القضاء ===
 
يقولون لا ينفذ قضاء القاضي في الحدود، بل لابد فيها من الإمام المعصوم. <ref> العاملي، اللمعة الدمشقية: 3/62. </ref> فيلزم تعطيل الحدود في زمن غيبة الإمام أو عدم تسلط الائمة كما كانت في الأزمنة الماضية كذلك. ولو كان موجودا في محل فمن يقيم الحدود في محل آخر؟ مع أن جميع العبادات والمعاملات والكفارات ليست موقوفة على حضور الإمام، فلتكن إقامة الحدود أيضا من ذلك.
 
ويقولون أيضا: يشترط في القضاء علم الكتابة. <ref> كما في اللمعة الدمشقية: 2/417؛ الدروس الشرعية: 2/65. </ref> مع أنه لا دليل عليه، بل إن الدليل قائم على خلافه، فإن خاتم النبيين {{صل}} كان له منصب القضاء بلا ريب لقوله تعالى { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله } ولم يتصف بالكتابة لقوله تعالى { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك } مع أنه لم يلحقه قصور من ذلك.
 
=== مسائل الدعوى ===
 
يقولون تقبل دعوى امرأة ماتت ابنتها بانها تركت عند ابنتها المتوفاة متاعا أو خادما بالأمانة وذلك من غير بينة ولا شهود؛ نص عليه ابن بابويه. مع أنه مخالف لقوله تعالى { لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذا لم ياتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون } ولقوله {{صل}} « البينة على المدعي واليمين على من أنكر ». <ref> أخرجه البيهقي عن ابن عباس، سنن البيهقي: 10/252؛ وقال ابن حجر: « وأصله في الصحيحين بلفظ: اليمين على المدعى عليه ». الدراية: 2/175. </ref> وأيضا لو قبلت الدعاوى من غير بينة لفسد الدين واختل نظام المسلمين.
 
ويقولون أيضا: لو ادعى أحد على عدوه بالزنا وليس عنده شهود على إثبات هذه الدعوى يحلف ولا يحد بالقذف؛ نص عليه شيخهم المقتول في ( المبسوط ). <ref> هو عند الطوسي في كتابه المبسوط، نقلا عن الينابيع الفقهية: 33/212. </ref> مع أن الحلف لا اعتبار له في الحدود، ويجب حد القذف على مدعيه إذا عجز عن إقامة البينة، وكيف لا ينظر إلى العداوة التي هي سبب ظاهر للاتهام والكذب؟
 
===مسائل الشهادة والصيد والطعام ===
 
ويقولون: تقبل شهادة الصبي غير البالغ في القصاص. <ref> حكموا بجواز شهادة الغلام إذا بلغ العشر سنين، ينظر: الكافي: 7/377؛ تهذيب الأحكام: 6/251. </ref> مع أن الطفل ليس له أهلية الشهادة، لقوله تعالى { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } ولا سيما باب القصاص الذي فيه إتلاف النفس.
 
ويقولون أيضا: صيد أهل الكتاب حرام، <ref> أخرج الكليني عن إسماعيل بن جابر قال: « قلت لأبي عبد الله {{عهس}}: ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال: لا تأكله ». الكافي: 6/264. </ref> وذبيحة أهل السنة ميتة، <ref> قال المفيد: « ولا تأكل من ليس على دينك في الإسلام ». المقنعة: ص 571. ويعني بالدين من لا يعتقد مذهب الإمامية. وقال ابن حمزة: « وذبيحة الكافر والناصب حرام ». الوسيلة: ص 361. ويقصد بالناصب أهل السنة. </ref> وكذا ذبيحة من لم يستقبل القبلة عند الذبح. <ref> أخرج الكليني عن محمد بن مسلم قال: « سألت أبا جعفر {{عهس}} عن رجل ذبح ذبيحته فجهل أن يوجهها إلى القبلة؟ قال: كل منها، فقلت: فإنه لم يوجهها؟ قال: لا تأكل منها... وقال {{عهس}}: إذا أردت أن تذبح فاستقبل القبلة ». الكافي: 6/233؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 9/59. </ref> وكل ذلك مخالف لقوله تعالى { فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين }.
 
ويقولون أيضا: لو اصطاد أحد بغير المعتاد من الآلة لا يصير الصيد مملوكا. <ref> الكيدري، إصباح الشيعة: ص 378. </ref> مع أنه لا فرق بين الآلة المعتادة وغيرها.
 
ويقولون أيضا: إن لبن الميتة وما لا يؤكل من الحيوان حلال. <ref> أخرج ابن بابويه عن زرارة عن أبي عبد الله قال: « سألته عن الأنفحة تخرج من الجدي الميت؟ قال: لا بأس به، قلت: اللبن يكون في ضرع الشاه وقد ماتت، قال: لا بأس به، قلت: والصوف والشعر وعظام الفيل والبيض يخرج من الدجاجة؟ فقال: كل هذا لا بأس به ». من لا يحضره الفقيه: 3/342؛ الطوسي، تهذيب التهذيب: 9/76. مع أن الراويات عندهم عن الأئمة تعارض ذلك، حيث أخرج الطوسي عن علي {{عنه}} أنه: « سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن؟ فقال {{عهس}}: ذلك حرام ». تهذيب الأحكام: 9/76؛ الاستبصار: 4/89. لكن حملها الطوسي على التقية لأنها توافق مذاهب العامة! </ref>
 
ويقولون أيضا: إن الخبز الذي عجن دقيقه بماء نجس طاهر؛ كما ذكر الحلي في ( التذكرة). <ref> قال الطوسي في النهاية: « فإن استعمل شيء من هذه المياه النجسة في عجين يعجن به ويخبز لم يكن به بأس بأكل ذلك الخبز لأن النار قد طهرته ». الينابيع الفقهية: 1/197. </ref>
 
وأيضا يقولون: إن الطعام الذي وقع فيه زرق الدجاج واضمحل فيه طاهر جائز أكله، <ref> روى الطوسي عن الزبير قال: « سألت أبا عبد الله {{عهس}} عن البئر تقع فيه الفأرة أو غيرها من الدواب فتموت، فيعجن من مائها أيؤكل ذلك الخبز؟ قال: إذا أصابته النار فلا بأس به ». تهذيب الأحكام: 1/413؛ من لا يحضره الفقيه: 1/14. </ref> وكذا لو طبخ المرق أو نحوه بماء الاستنجاء أو وقع شيء من زرق الدجاج، وكذا ماء الغدير الذي استنجى فيه كثير من الناس ووقع فيه دم حيض أو نفاس أو مذي وودي وبال فيه الكلب فإنه طاهر يجوز استعماله للشرب وطبخ شيء به، <ref> لأن النار عندهم تطهر هذه النجاسات، قال الطوسي: « والنار تطهر كلما يكون في القدر من اللحم والتوابل والمرق إذا كانت تغلي، ووقع فيها مقدار أوقية دم أو أقل ». النهاية: ص 587. </ref> وكذا إذا طبخ شيء بماء وكان قدر نصفه دم مسفوح أو بول حمار أو فرس. مع أن كل ذلك مخالف لقوله تعالى { ويحرم عليهم الخبائث }.
 
ويقولون أيضا: إن من كان جائعا ولو غنيا فنهب طعاما من مالكه الذي يطلب عليه أزيد من الثمن المتعارف فأكله جائز. <ref> ( المحقق ) الحلي، شرائع الإسلام: 4/45. </ref>
 
=== مسائل الفرائض والوصايا===
 
يقولون: إن ابن الابن لا يرث مع وجود الأبوين، مع أن هذا مخالف <ref> اعترف الطوسي بأن هذا خلاف التنزيل فقال: « وذكر أصحابنا أن ولد الوالد مع الأبوين لا يأخذ شيئا، وذلك خطأ لأنه خلاف لظاهر التنزيل والمتواتر من الأخبار ». النهاية: ص 359؛ وينظر ما قاله العاملي في وسائل الشيعة: 26/111. </ref> لقوله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم } وولد الابن داخل في الأولاد بلا شبهة لقوله تعالى { أبناءنا وأبناؤكم } وقوله تعالى { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } وقوله تعالى { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة } الآية، ومخالف أيضا لما ثبت عندهم من الأخبار الصحيحة. <ref> روى ذلك الكليني وغيره بإسناد صحيح عندهم عن الصادق أنه قال: « ابن الابن يقوم مقام أبيه ». الكافي: 7/88؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 9/317؛ العاملي، وسائل الشيعة: 26/110. </ref>
 
ويقولون أيضا: لا يرث أولاد الأم من دية المقتول، <ref> قال المفيد: « ولا يعطى الإخوة والأخوات من قبل الأم شيئا، وكذلك الأخوال والخالات، ولا يورثون من الدية شيئا ». المقنعة: ص 701؛ وينظر العاملي، اللمعة الدمشقية: 8/37. </ref> وكذا لا ترث الزوجة من العقار. <ref> نسب الكليني وغيره إلى الباقر أنه قال: « لا ترث النساء من عقار الأرض شيئا ». الكافي: 7/128. وأخرج ابن بابويه رواية قريبة عن الصادق، من لا يحضره الفقيه: 4/347؛ والطوسي، تهذيب الأحكام: 9/299. </ref> مع أن النصوص عامة.
 
ويقولون أيضا: إن أكبر أولاد الميت <ref> للولد البكر ميزات عند اليهود. </ref> يخصص من تركة أبيه بالسيف والمصحف والخاتم ولباسه بدون عوض، <ref> أخرج الكليني وغيره عن حريز عن الصادق أنه قال: « إذا هلك الرجل فترك بنين فللأكبر السيف والدرع والخاتم والمصحف، فإن حدث به حدث فللأكبر منهم ». الكافي: 7/85؛ تهذيب الأحكام: 9/275؛ الاستبصار: 4/144. </ref> مع أن ذلك أيضا مخالف لنص الكتاب. وبعضهم يجعل الجدات والأعمام وأبناءهم محرومين من الأرث. <ref> ينظر ابن حمزة، الوسيلة: ص 392. </ref>
 
ويقولون في مسائل الوصايا: إن المظروف تابع للظرف، فلو أوصى لآخر بصندوق يدخل في الوصية ما فيه من النقود والمتاع. <ref> يشير الألوسي إلى ما نسبه الكليني إلى الرضا أن رجلا سأله: « عن رجل أوصى لرجل بصندوق، وكان فيه مال؟ فقال الورثة: إنما لك الصندوق وليس لك المال، فقال أبو الحسن {{عهس}}: الصندوق بما فيه ». الكافي: 7/44؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 9/211. قال: « ولو أوصى بصندوق أو سفينة أو جراب دخل في المظروف ». الينابيع الفقهية: 34/122. </ref>
 
ويقولون أيضا: تصح الوصية بتحليل فرج الأمة لرجل إلى سنة أو سنتين. <ref> قال الراوندي: « اعلم أن الإماء يستباح وطؤهن بإحدى ثلاثة أشياء: العقد عليهن بإذن أهلهن وبتحليل مالكهن الرجل من وطئهن وإباحة ذلك له، وإن لم يكن هناك عقد وبأن يملكهن فيستبيح وطأهن بملك الأيمان ». فقه القرآن: 2/126. </ref>
 
=== مسائل الحدود والجنابات ===
 
ويقولون في مسائل الحدود: يجب الحد على المجنون لو زنى بامرأة غافلة. <ref> روى الكليني عن أبان بن تغلب قال: « قال أبو عبد الله {{عهس}}: إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد، وإن كان محصنا رجم ». الكافي: 7/192؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 10/19. </ref> وهو مخالف لما ثبت عندهم من قوله {{صل}} « رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق... » الحديث. <ref> أخرجه أحمد والنسائي وابن خزيمة والحاكم. وهو في صحيح الجامع برقم 3512. وأخرجه الإمامية عن علي {{عنه}} في كتبهم المعتبرة، فأخرجه المفيد في الإرشاد: 1/194؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: 12/205؛ المجلسي، بحار الأنوار: 5/303؛ العاملي، وسائل الشيعة: 28/23. </ref>
 
ويقولون أيضا: يجب الرجم على امرأة جامعها زوجها ثم ساحقت تلك المرأة بكرا وحملت تلك البكر، تحد البكر مائة جلدة، مع أن السحاق لم يقل أحد إنه زنا. <ref> روى الطوسي أن الحسن بن علي بن أبي طالب سأل عن: « امرأة جامعها زوجها، فقامت بحرارة جماعه فساحقت جارية بكرا، فألقت عليها النطفة فحملت، فقال {{عهس}}: في العاجل تؤخذ هذه المرأة بصداق هذه البكر لأن الولد لا يخرج حتى يذهب بعذره، وينتظر حتى تلد ويقام عليها الحد ويلحق الولد بصاحب النطفة، وترجم المرأة صاحبة الزوج ». تهذيب الأحكام: 7/422. وينظر للتفصيل ابن فهد، المهذب: 5/61. </ref>
 
ويقولون أيضا: يجب حد القذف على مسلم قال لآخر با ابن الزانية وكانت أم المقذوف كافرة، <ref> قال الطوسي: « إن قال لمسلم: أمك زانية أو يا ابن الزانية، وكانت أمه كافرة أو أمة كان عليه الحد تاما ». النهاية: ص 784؛ العاملي، اللمعة الدمشقية: 9/167. </ref> مع أن نص القرآن يخصص حد القذف بالمحصنات والكافرة ليست بمحصنة، بل يجب تعزيره لحرمة ولدها المسلم.
 
ويقولون أيضا: لو قتل الأعمى مسلما معصوما لا يقتص منه، <ref> أخرجه الطوسي وغيره عن محمد الحلبي قال: « سألت أبا عبد الله {{عهس}} عن رجل ضرب رأس رجل بمعول فسالت عيناه على خديه، فوثب المضروب على ضاربه فقتله؟ فقال أبو عبد الله: هذان متعديان جميعا فلا أرى على الذي قتل الرجل قودا لأنه قتله وهو أعمى، والأعمى جنايته خطأ ». تهذيب الأحكام: 10/233؛ العاملي، وسائل الشيعة: 29/399. </ref> مع أن آية القصاص عامة للأعمى وغيره.
 
ويقولون أيضا: لو جاع شخص وعند آخر طعام لا يعطيه لجائع يجوز للجائع أن يقتله ويأخذ طعامه ولا يجب عليه شيء من القصاص والدية، مع أن عدم الإطعام للجائع ليس مجوزا للقتل في شريعة من الشرائع.
 
ويقولون أيضا: لو قتل ذمي مسلما يعطى ورثة المقتول مال القاتل كله، والورثة مخيرون في جعل الذمي عبدا لهم وفي قتله. وكذا إن كان للذمي أولاد صغار يجوز لورثة المقتول أن يتخذوهم عبيدا وإماء. <ref> قال ابن حمزة: « وإن قتل كافر حرا مسلما أو كفارا وأسلموا قبل الاقتصاص كان حكمهم حكم المسلمين، وإن لم يسلموا دفعوا برمتهم مع أولادهم وجميع ما يملكونه إلى ولي الدم إن شاء قتل واسترق الأولاد وتملك الأموال، وإن شاء استرق القاتل أيضا ». الوسيلة: ص 345. </ref> مع أن الآية تدل على القصاص فقط، ولا يجوز الجمع بين القصاص والدية فضلا عن أن يصير القاتل عبدا أو ورثته، وقد قال تعالى { ولا تزر وازرة وزر أخرى }.
 
ولنكتف بهذا المقدار لأن هذياناتهم في مسائل الدين لا تسع أسفار، فنسبتها إلى العترة المطهرة محض بهتان، لا يخفى على ذوي العرفان.
 
 
 
==الباب الثامن==
 
مطاعنهم في الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة المكرمين وحضرة الصديقة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم أجمعين
 
أعلم أولا أنه لم يسلم أحد من الكلام عليه وإلقاء التهمة بين يديه. ولله در من قال ممن وقف على حقيقة الحال:
 
قيل إن الإله ذو ولد ** قيل إن الرسول قد كهنا
 
ما نجا الله والرسول معا ** من لسان الورى فكيف أنا؟
 
ومع هذا لا يخفى على ذوي الألباب أن مطاعن هؤلاء لفرقة الضالة أشبه شيء ينبح الكلاب، بل لعمري إنه لصرير أو طنين ذباب.
 
وإذا أتتك نقيصتي <ref> في ديوان المتنبي، (مذمتي). </ref> من ناقص ** فهي الشهادة لي بأني كامل
 
فدونك فانظر فيها، وتأمل بظواهرها وخافيها.
 
===المطاعن الأولى في حق الصديق الأجل ===
 
فمنها أنه صعد يوما على منبر رسول الله {{صل}}، فقال له السبطان « انزل منبر جدنا » <ref> نسبه المجلسي إلى السمعاني في الأنساب والخطيب البغدادي في تاريخه، بحار الأنوار: 28/232. لكنه نقل جزءا وأهمل ما لا يتفق مع مذهبه. والرواية كاملة عند الخطيب البغدادي عن: « الحسين بن علي قال: أتيت على عمر بن الخطاب وهو على المنبر فصعدت إليه، فقلت: انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك. فقال عمر: لم يكن لأبي منبر وأخذني وأجلسني معه، فجعلت أقلب خنصر يدي، فلما نزل انطلق بي إلى منزله فقال لي من علمك فقلت: والله ما علمنيه أحد، قال: يا بني لو جعلت تغشانا؟ قال: فأتيته يوما وهو خال بمعاوية وابن عمر بالباب فرجع ابن عمر ورجعت معه فلقيني بعد فقال بم أرك فقلت: يا أمير المؤمنين إني جئت وأنت خال بمعاوية وابن عمر بالباب، فرجع ابن عمر ورجعت معه، فقال: أنت أحق بالأذن من بن عمر وإنما أنبت ما ترى في رؤوسنا الله ثم أنتم ». والرواية تذكر عمر وليس أبا بكر. ينظر: تاريخ بغداد: 1/141 </ref> فعلم أن ليس له لياقة الإمامة.
 
والجواب – على فرض التسليم – أن السبطين كانا إذ ذاك صغيرين، فإن الحسن ولد في الثالثة من الهجرة في رمضان والحسين في الرابعة منها في شعبان، والخلافة في أول الحادية عشرة، فأفعالهما إن اعتبرت بحيث تترتب عليها الأحكام لزم ترك التقية الواجبة، وإلا فلا نقص ولا عيب. فمن دأب الأطفال أنهم إذا رأوا أحدا في مقام محبوبهم ولو برضائه يزاحمونه ويقولون له قم عن هذا المقام، فلا يعتبر العقلاء هذا الكلام، وهم وإن ميزوا عن غيرهم لكن للصبي أحكاما، ولهذا اشترط في الاقتداء البلوغ إلى حد كمال العقل. ألا ترى أن الأنبياء لم يبعثوا إلا على رأس الأربعين إلا نادرا كعيسى، والنادر كالمعدوم.
 
ومنها أنه درأ الحد عن خالد بن الوليد أمير الأمراء عنده ولم يقتص منه أيضا، ولهذا أنكر عليه عمر لأنه قتل مالك بن نويرة مع إسلامه ونكح امرأته في تلك الليلة ولم تمض عدة الوفاة.
 
وجوابه أن في قتله شبهة، إذ قد شهد عنده أن مالكا وأهله أظهروا السرور فضربوا بالدفوف وشتموا أهل الإسلام <ref> وزاد مالك بن نويرة على ذلك انه التحق بسجاح المتنبئة. ويقول البلاذري في فتوح البلدان إن مالكا وقومه قاتلوا سرايا خالد في البطاح فنصر الله سرايا خالد عليهم وأسروا مالكا وأصحابه. </ref> عند وفاة النبي {{صل}}، <ref> ذكر الطبري أن سجاح بنت الحارث المتنبئة كانت قد راسلت مالك بن نويرة ودعته إلى الموادعة فأجابها. تاريخ الطبري: 2/269؛ ابن الجوزي، المنتظم: 4/22. </ref> بل وقد قال في حضور خالد في حق النبي {{صل}} قال « رجلكم أو صاحبكم كذا ». <ref> هذه اللفظة ثابتة حيث أوردها الفسوي في البدء والتاريخ: 5/160؛ وابن الجوزي، المنتظم: 4/78. </ref> وهذا التعبير إذ ذاك من شعار الكفار والمرتدين. وثبت أيضا أنه لما سمع بالوفاة رد صدقات قومه عليهم وقال: قد نجوت من مؤنة هذا الرجل، فلما حكى هذا للصديق لم يوجب على خالد القصاص ولا الحد إذ لا موجب لهما. <ref> وفي شرح الحماسة للخطيب التبريزي أن أبا بكر هو الذي امر خالدا بقتل مالك ولم يفعل هذا إلا بما عنده من العلم عن ردة مالك وفساد سريرته وما ترتب على ذلك من فساد علانيته. </ref> فتدبر. <ref> ينظر ما قاله ابن تيمية في منهاج السنة النبوية: 5/514. </ref> وعدم الاستبراء بحيضة لا يضر أبا بكر، وخالد غير معصوم، على أنه لم يثبت أنه جامعها في تلك الليلة في كتاب معتبر. <ref> بل المقرر في الروايات المعتبرة عند أبن جرير وفي البداية والنهاية لابن كثير أن خالدا لم يدخل بهذه السبية إلا بعد انقضاء عدتها. وللأستاذ الشيخ أحم شاكر تحقيق نفيس في امر مالك بجزء شعبان سنة 1364 من مجلة الهدي النبوي لسنتها التاسعة فارجع إليه. </ref> وقد أجيب عنه بأن مالكا كان قد طلقها وحبسها عن الزواج على عادة الجاهلية مدة مضي العدة، فالنكاح حلال. ثم إن الصديق قد حكم في درء القصاص حكم رسول الله {{صل}} إذ قد ثبت في التواريخ أن خالدا هذا أغار على قوم مسلمين <ref> هم بنو جذيمة </ref> فجرى على لسانهم « صبأنا صبأنا » أى صرنا بلا دين، وكان مرادهم أنا تبنا عن ديننا القديم ودخلنا الصراط المستقيم فقتلهم خالد، حتى غضب عبد الله بن عمر فأخبر النبي {{صل}} فآسف وقال: « اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد »، ولم يقتص منه، <ref> لأن خالدا كان معذورا فيما فعل بعد أن سمع ردتهم بقولهم « صبأنا صبأنا » أما براءته {{صل}} مما فعل خالد فلإعلان أنه لم يأمره بذلك. ولولا أنه {{صل}} رأى خالدا معذورا فيما فعل لعزله واقتص منه. </ref> [ ولم يؤدهم ] <ref> زيادة من السيوف المشرقة. </ref> فالفعل هو الفعل. على أن الصديق أداهم الدية. ويجاب أيضا أنه لو توقف الصديق في القصاص طعنا لكان توقف الأمير في قتلة عثمان أطعن. وليس، فليس. وأيضا استيفاء القصاص إنما يكون واجبا لو طلبه الورثة. وليس، فليس. بل ثبت أن أخاه متمم بن نويرة <ref> أسلم هو وأخوه وكان حسن الإسلام وله شعر في مراثي أخيه. الاستيعاب: 4/1455؛ الإصابة: 5/763. </ref> اعترف بارتداده في حضور عمر مع عشقه له ومحبته فيه محبة تضرب بها الأمثال، وفيه قال:
 
وكنا كندماني جذيمة حقبة ** من الدهر حتى قيل لن يتصعدها
 
فلما تفرقنا كأني ومالكا ** لطول اجتماع لم نبت ليلة معا <ref> الأغاني: 15/299. </ref>
 
ثم إن عمر ندم على ما كان من إنكاره زمن الصديق. <ref> لأن عمر تاثر أولا بمبالغات أبي قتادة ثم استوعب الحقيقة فندم على ما كان من تعجله. </ref> والله ولي التوفيق.
 
 
ومنها أنه تخلف عن جيش اسامة المجهز للروم مع أنه {{صل}} أكد غاية التأكيد عليه حتى قال: جهزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف. <ref> ليست العبارة الآخيرة في كتب أهل السنة رغم دعاوى الإمامية، ينظر ابن حيوان، دعائم الإسلام: 1/40؛ المجلسي، بحار الأنوار: 27/324. والحلي، نهج الحق: ص 263. </ref>
 
وجوابه: إن كان الطعن <ref> يتصور الشيعة أن الرسول {{صل}} الذي أمره ربه بقوله تعالى { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس } إنما بعث جيش أسامة ليهيء الأجواء لاستخلاف علي. </ref> من جهة عدم التجهيز فهذا افتراء صريح لأنه جهز وهيأ. وإن كان من جهة التخلف <ref> لو كان اللعن عاما على من تخلف فهو على علي والنساء والأطفال ولا يخفى فساد هذا. </ref> فله عدة أجوبة:
 
الأول أن الرئيس إذا ندب رجلا مع جيش ثم أمره بخدمة من خدمات حضوره فقد استثناه وعزله. <ref> لم يكن أبو بكر من الجيش بل أمره الرسول {{صل}} بالصلاة بالمسلمين، ولو فرض جدلا فهذا لن يمنع من الإمامة فقد كان الرسول {{صل}} يغزو ويترك المدينة وأصحابه. </ref> والصديق لأمره بالصلاة كذلك، فالذهاب إما ترك الأمر أو ترك الأهم وهو محافظة المدينة المنورة من الأعراب.
 
الثاني أن الصديق قد انقلب له المنصب بعد وفاة النبي {{صل}} لأنه كان من آحاد المؤمنين فصار خليفة النبي {{صل}} فانقلبت في حقه الأحكام، ألا ترى كيف انقلبت أحكام الصبي إذا بلغ والمجنون إذا افاق والمسافر إذا أقام والمقيم إذا سافر، إلى غير ذلك. والنبي {{صل}} لو عاش لما ذهب في جيش أسامة، فالخليفة لكونه قائما مقامه يكون كذلك.
 
الثالث أن الأمر عند الشيعة ليس مختصا بالوجوب كما نص عليه المرتضى في ( الدرر والغرر ) فلا ضرر في المخالفة. <ref> قال: « إن مجرد أمر الرسول {{صس}} لا يقتضي الوجوب ». الأمالي: 1/55 </ref> وجملة "لعن الله من تخلف" مكذوبة لم تثبت في كتب السنة. <ref> بل ليس لها أصل حتى في كتب الشيعة. </ref>
 
الرابع أن مخالفة آدم ويونس لحكم الله تعالى بلا واسطة قد ثبت عند الشيعة، فالإمام لو خالف أمرا واحدا لاضير، فتدبر.
 
ومنها أن النبي {{صل}} لم يأمر أبا بكر قط أمرا مما يتعلق بالدين فلم يكن حريا بالإمامة.
 
الجواب أن هذا كذب محض تشهد على ذلك السير والتورايخ. فقد ثبت تأميره لمقاتلة أبي سفيان بعد أحد، وتأميره أيضا في غزوة بني فزارة كما رواه الحاكم عن سلمة بن الأكوع، وتأميره في العام التاسع ليحج بالناس أيضا ويعلمهم الأحكام من الحلال والحرام، <ref> روى أبو هريرة: « أن أبا بكر الصديق {{عنه}} بعثه في الحجة التي أمره النبي {{صل}} عليها، قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس: أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان » متفق عليه. </ref> وتأميره أيضا بالصلاة قبيل الوفاة، <ref> عن إبراهيم عن الأسود قال: « كنا عند عائشة {{عنها}} فذكرنا المواظبة على الصلاة والتعظيم لها قالت: لما مرض رسول الله {{صل}} مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة، فأذن فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقيل له إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، وأعاد فأعادوا له فأعاد الثالثة فقال: إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس، فخرج أبو بكر فصلى فوجد النبي {{صل}} من نفسه خفة فخرج يهادى بين رجلين كأني أنظر رجليه تخطان من الوجع فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي {{صل}} أن مكانك ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه، قيل للأعمش وكان النبي {{صل}} يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر فقال برأسه نعم ». متفق عليه </ref> إلى غير ذلك من مما يطول.
 
ويجاب أيضا – على فرض التسليم – بأن عدم ذلك ليس لعدم اللياقة بل لكونه وزيرا ومشيرا على ما هي العادة. روى الحاكم عن حذيفة بن اليمان أنه قال سمعت رسول الله {{صل}} يقول: إني أريد أن أرسل الناس إلى الأقطار البعيدة لتعليم الدين والفرائض كما كان عيسى أرسل الحواريين. فقال بعض الحضار: يا رسول الله مثل هؤلاء الناس موجودون فينا كأبي بكر وعمر، قال: إنه لا غنى لي عنهما، إنهما من الدين كالسمع والبصر. <ref> الحاكم في المستدرك والطبراني في الأوسط؛ قال الهيثمي في مجمع الزوائد: « وفيه حماد بن عمر النصيبي وهو متروك »: 9/156. </ref> وأيضا قال {{صل}}: أعطاني الله أربعة وزراء وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض، فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل، وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر. <ref> الترمذي والحاكم؛ وضعفه في ضعيف الجامع: رقم 1972. </ref>
 
وأيضا لو كان عدم الإرسال موجبا لسلب اللياقة يلزم عدم لياقة الحسنين - معاذ الله تعالى من ذلك.
 
ومنها أن أبا بكر ولّى عمر أمور المسلمين، مع أن النبي {{صل}} ولاه على أخذ الصدقات سنة ثم عزله، فالتولية مخالفة.
 
ويجاب بأن محض الجهالة أن يقال لانقطاع العمل عزل. وعلى تقدير العزل فأين النهي عن توليته كي تلزم المخالفة بالتولية؟ فافهم.
 
ومنها أن النبي {{صل}} جعله وعمر وتابعين لعمر بن العاص وأسامة أيضا، ولو كانا لائقين لأمّرهما.
 
ويجاب بأن ذلك لا يدل على الأفضلية ونفي اللياقة، <ref> هذا لو فرض أن أبا بكر من الجيش، وقد تقدم نفيه. </ref> إذ المصلحة ربما اقتصت ذلك، فإن عَمرا كان ذا خديعة في الحرب ودهاء وحيلة عارفا بمكايد الأعداء، ولم يكن غيره فيها كذلك، كما يولى مثل هذا لقمع السارقين وعسس الليل ونحوهما من لا يولى لذلك من الأكابر. وأسامة استشهد أبوه على أيدي كفار الشام والروم فكان ذلك تسلية له وتشفية. وأيضا مقصود النبي {{صل}} من ذلك إطلاع أبي بكر وعمر على حال التابع والمتبوع كما هو شأن تربية الحكيم خادمه، فلا تغفل.
 
ومنها أن أبا بكر استخلف والنبي {{صل}} لم يستخلف، <ref> وهل يعترف الشيعة بأن النبي {{صل}} لم يستخلف؟ </ref> فقد خالف. <ref> ابن المطهر الحلي، نهج الحق: ص 354. </ref>
 
ويجاب بأن النبي {{صل}} أشار بالاستخلاف، والإشارة إذ ذاك كالعبارة. وفي زمن الصديق كثر المسلمون من العرب، وهم حديثو عهد بالإسلام وأهله فلا معرفة لهم بالرموز والإشارات، فلا بد من التنصيص والعبارات، حتى لا تقع المنازعات والمشاجرات. وفي كل زمان رجال، ولكل مقام مقال. وأيضا عدم استخلاف النبي {{صل}} إنما كان لعلمه بالوحي بخلافة الصديق كما ثبت في صحيح مسلم، ولا كذلك الصديق إذ لا يوحى إليه ولم تساعده قرائن فعمل بالأصلح للأمة، ونعم ما عمل، فقد فتح الفاروق البلاد، ورفع قدر ذوي الرشاد، وأباد الكفار <ref> { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما } </ref> وأعان الأبرار.
 
ومنها أن أبا بكر كان يقول « إن لي شيطانا يعتريني، فإن استقمت فأعينوني، وإن زغت فقوموني ». <ref> الطبقات الكبرى لابن سعد وتاريخ الطبري. ورواية ابن سعد عن الواقدي وهو ضعيف بإجماع المحدثين، أما الطبري فرواها عن شعيب بن إبراهيم كاتب سيف بن عمر قال الذهبي عنه: ( فيه جهالة ). ميزان الاعتدال: 3/377؛ أما سيف بن عمر فحاله ليس بأحسن من حال الواقدي. فهذه رواية لا تصلح للاحتجاج ضعيفة الإسناد. </ref> ومن هذا حاله لا يليق للإمامة. <ref> الحلي في نهج الحق: ص 264. </ref>
 
ويجاب بأن هذا غير ثابت عندنا، فلا إلزام. بل الثابت أنه أوصى عمر قبل الوفاة فقال: « والله ما نمت فحلمت، وما شبهت فتوهمت، وإني لعلى السبيل ما زغت، ولم آل جهدا. وإني أوصيك بتقوى الله تعالى » <ref> ابن عساكر في تاريخ دمشق: 30/415. </ref> الخ. نعم قال في أول خطبة خطبها على ما في مسند الإمام أحمد: « يا أصحاب الرسول أنا خليفة الرسول فلا تطلبوا مني الأمرين الخاصين بالنبي {{صل}}: الوحي والعصمة من الشيطان »... وفي آخرها: « إني لست معصوما فإطاعتي فرض عليكم فيما وافق الرسول وشريعة الله تعالى من أمور الدين، ولو أمرتكم بخلافها فلا تقبلوه مني ونبهوني عليه ». وهذا عين الإنصاف. ولما كان الناس معتادين عند المشكلات الرجوع إلى وحي إلهي وإطاعة النبي {{صل}} كان لازما على الخليفة التنبيه على الاختصاص بالجناب الكريم. وأيضا روي في الكافي للكليني في رواية صحيحة عن جعفر الصادق أن لكل مؤمن شيطانا يقصد إغواءه. <ref> ولفظه: « ما من مؤمن إلا وقد وكّل به أربعة شيطانا يغويه يريد أن يضله، وكافرا يغتاله، ومؤمنا يحسده وهو أشدهم عليه، ومنافقا يتتبع عثراته ». الكافي: 2/251. </ref> وفي الحديث المشهور ما يؤيد هذا أيضا فقد قال {{صل}} « ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن » فقالت الصحابة: حتى أنت يا رسول الله؟ قال « نعم، ولكن الله غلبني عليه لأسلم وآمن من شره ». <ref> صحيح مسلم. </ref> فأي طعن فيما ذكروه؟ والمؤمن يعتريه الشيطان بالوسوسة فينتبه، قال تعالى { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون }. نعم إن النقصان في اتباع الشيطان، وهو بمعزل عنه. <ref> قال ابن الجوزي: « إن الطائف ما يطوف حول الشيء والطيف اللمة والوسوسة وروي عن ابن عباس أنه قال الطائف اللمة من الشيطان والطيف الغضب ». زاد المسير: 3/310. </ref>
 
ومنها أنه روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: « ألا إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقي الله المؤمنين شرها، فمن عاد بمثلها فاقتلوه » <ref> ليس في الصحيح اقتلوه؛ فالحديث أخرجه البخاري عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب قال: «... ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول والله لو قد مات عمر بايعت فلانا فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي تابعه تغرة أن يقتلا... » </ref> قالوا: ويؤيد هذه الرواية رواية البخاري في صحيحه فقد دلت صراحة على بيعة أبي بكر قد وقعت بغتة بلا تأمل ولا مشورة، وإنها غير تمسك بدليل، فلم يكن إماما بحق.
 
والجواب أن هذا الكلام صدر من عمر في زجر رجل كان يقول إن مات عمر أبايع فلانا وحدي أو مع آخر كما كان في مبايعة أبي بكر ثم استقر الأمر عليها، فمعنى كلام الفاروق في رده لهذا القول أن بيعة رجل أو رجلين شخصيا من غير تأمل سابق ومراجعة أهل الحل والعقد ليست بصحيحة، وبيعة أبي بكر وإن كانت فجأة بسبب مناقشة الأنصار وعدم وجود فرصة للمشورة فقد حلت محلها وصادفت أهلها للدلائل على ذلك والقرائن على ما هنالك كإمامة الصلاة ونحوها. وهذا معنى « وقي الله المؤمنين شرها » فلا يقاس غيره به. <ref> قال الحافظ ابن حجر: « وقى الله شرها إيماء إلى التحذير من الوقوع في مثل ذلك، حيث لا يؤمن من وقوع الشر والاختلاف قوله: ولكن الله وقى شرها: أي وقاهم ما في العجلة غالبا من الشر؛ لأن من العادة أن من لم يطلع على الحكمة في الشيء الذي يفعل بغتة لا يرضاه، وقد بين عمر سبب إسراعهم ببيعة أبي بكر لما خشوا أن يبايع الأنصار سعد بن عبادة ». فتح الباري: 12/150. </ref> وفي آخر هذه الرواية التي رواها الشيعة « وأيكم مثل أبي بكر » أي في الأفضلية والخبرية وعدم الاحتياج إلى المشورة. على أنه قد ثبت عند أهل السنة وصح أن سعد بن عبادة وأمير المؤمنين عليا والزبير قد بايعوه بعد تلك المناقشة واعتذروا له عن التخلف أول الأمر.
 
ومنها أن أبا بكر كان يقول للصحابة: « إني لست بخير منكم وعلي فيكم ». <ref> ليست في كتب السنة بل من موضوعات الشيعة: أوردها ابن شاذان، الفضائل: ص 132؛ المفيد، الفصول المختارة: 1/246؛ ابن طاوس، الطرائف: 2/402؛ ابن مطهر الحلي، نهج الحق: ص 264. </ref> فإن كان صادقا في هذا القول لم يكن لائقا للإمامة البتة، إذ المفضول لا يليق مع وجود الفاضل. وإن كان كاذبا فكذلك إذ الكاذب فاسق والفاسق لا يصلح للإمامة.
 
والجواب على فرض التسليم بما يجاب من قبلهم عما يثبت في الصحيفة الكاملة <ref> الصحيفة السجادية </ref> وهي من الكتب الصحيحة عندهم من قول الإمام السجاد {{عنه}} « أنا الذي أفنت الذنوب عمره »... الخ. فإن كان صادقا بهذا الكلام لم يكن لائقا للإمامة أن الفاسق المرتكب للذنوب لا يصلح للإمامة، وكذا إن كان كاذبا لما مر. فما هو جوابهم فهو جوابنا.
 
وزاد بعض الشيعة على قول « إني لست بخير منكم » لفظ « أقيلوني أقيلوني » <ref> الرواية عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف قال: « لما بويع أبو بكر أغلق بابه ثلاثا يقول: أيها الناس أقيلوني بيعتكم، كل ذلك يقول له علي: لا نقيلك ولا نستقيلك، قدمك رسول الله {{صل}} ». فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: 1/151 ووردت في كتاب الإمامة والسياسية المنسوب لابن قتيبة، وهو ليس له كما أثبت المحققون، وفي سندها تليد بن سليمان، قال عنه ابن معين: ليس بشيء كذاب، وقال أبو داود: رافضي خبيث يشتم أبا بكر وعمر ( ميزان الاعتدال: 2/77 ). فالرواية من وضعه. أما زيادة: « وعلي فيكم » فليست في شيء من كتب أهل السنة </ref> فاعترض على هذا البهتان بأن أبا بكر قد استعفى عن الإمامة فلا يكون قابلا لها. <ref> الحلي، نهج الحق: ص 264. </ref>
 
والجواب – على فرض تسليمه – بما يجاب عما صح في كتب الشيعة من أن الأمير لم يكن يقبل الخلافة بعد شهادة عثمان إلا بعد أن كثر إلحاح المهاجرين والأنصار، <ref> يدل عليه أن عمرا وأبا عبيدة قالا له: « أنت خيرنا وأفضلنا »، فلم ينكر عليهما أحد من المهاجرين والأنصار. تاريخ الطبري: 2/134؛ البداية والنهاية: 5/246. </ref> على أنه لو صح ذلك عن أبي بكر لكان دليلا على عدم طمعه وحبه للرياسة والإمامة بل إن الناس قد أجبروه على قبولها. <ref> ورووا عن علي {{عنه}} أنه قال للناس بعد أن قتل عثمان {{عنه}}: « دعوني والتمسوا غيري فأنا لكم وزيرا خير مني لكم أميرا »، ثم قال: « اتركوني فأنا كأحدكم، بل أنا أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم فأبوا عليه وبايعوه ». نهج البلاغة ( بشرح ابن أبي الحديد ): 1/169 – 170. </ref>
 
ومنها أن أبا بكر لم يعط فاطمة رضي الله عنها من تركة أبيها {{صل}} حتى قالت: يا ابن قحافة أنت ترث أباك وأنا لا أرث أبي؟ <ref> الرواية من وضع الإمامية فليست في مصدر تاريخي ولا في أي من كتب أهل السنة. وأخرجها من الإمامية: ابن رستم الطبري، دلائل الإمامة: 34؛ المفيد رسالة حول حديث نحن معاشر الأنبياء لا نورث: ص 25؛ الطبرسي، الاحتجاج: 1/102 </ref> واحتج أبو بكر على عدم توريثها بما رواه هو فقط من قوله {{صل}} « نحن معاشر الأنبياء لا نورث » مع أن هذا الخبر مخالف لصريح قوله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } فإنه عام للنبي وغيره، ومخالف أيضا لقوله تعالى { وورث سليمان داود } وقوله تعالى { فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب } <ref> ابن المطهر الحلي في نهج الحق: ص 266. </ref>
 
وجوابه أن أبا بكر لم يمنع فاطمة من الإرث لعداوة وبغض، بدليل عدم توريثه الأزواج المطهرات حتى ابنته الصديقة، بل السبب في ذلك سماعه للحديث بأذنه منه {{صل}}، وقد روى علماء السنة هذا الحديث عن حذيفة بن اليمان والزبير بن العوام وأبي الدرداء وأبي هريرة والعباس وعلي وعثمان وعبد الرحمن ابن عوف وسعد بن أبي وقاص، فقولهم إن هذا الحديث رواه أبو بكر فقط غير مسلم عند أهل السنة. وروى الكليني في الكافي عن أبي البختري عن أبي عبد الله جعفر الصادق {{عهس}} قال « إن العلماء ورثة الأنبياء لم يرثوا ولم يورثوا درهما ولا دينارا، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ بحظ وافر » <ref> الكافي: 1/32؛ المفيد، الاختصاص: ص 5؛ العاملي، وسائل الشيعة: 27/78. </ref> وكلمة « إنما » تفيد الحصر لما هو مسلم عندهم، فثبت المدعى برواية المعصوم عندهم.
 
أما كون هذا الحديث مخالفا للآيات فجهل عظيم، لأن الخطاب في { يوصيكم } لما عدا النبي {{صل}}، فهذا الخبر مبين لتعيين الخطاب لا مخصص، بل لو كان مخصصا للآية فأي ضرر فيه، فقد خصص من الآية الولد الكافر والرقيق والقاتل. ومما يدل على صحة هذا الخبر لدى أهل البيت أن تركة النبي {{صل}} لما وقعت في أيديهم أخرجوا العباس وأولاده ولم يورثوهم مما ترك {{صل}}، وكذا لم يورثوا أمهات المؤمنين. <ref> فعندما تولى علي الخلافة ترك فدك على ما تركها عليه الصديق، ولم يقسم تركة النبي {{صل}} على العباس وأولاده أو على زوجات النبي {{صل}}. </ref>
 
وأما قوله تعالى { ورث سليمان داود } <ref> وهل يظن بالله أنه يخبرنا أن سليمان ورث حطام الدنيا عن أبيه! ومعلوم كثرة ولد داود لكن سليمان وحده ورث النبوة. </ref> فالمراد النبوة. فقد روى الكليني عن أبي عبدالله « أن سليمان ورث داود وأن محمدا ورث سليمان »، <ref> الكافي: 1/224؛ الصفار، بصائر الدرجات: ص 135. </ref> فقد علم أن هذه وراثة العلم والنبوة، وإلا فوراثة نبينا مال سليمان لا يتصور لا شرعا ولا عقلا، ولو كان المراد وراثة سليمان مال داود فما وجه تخصيصه بالذكر مع أنه كان لداود {{عهس}} تسعة عشر ابنا <ref> نقله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: 13/164. وروى الكليني وغيره عن الصادق أنه قال: «... وكان لداود أولاد عدة... ». الكافي: 1/278؛ الجزائري، قصص الأنبياء: ص 343. </ref> بإجماع المؤرخين، وعلى ما ذكرنا يحمل قوله تعالى { يرثني ويرث من آل يعقوب } إذ لا يتصور أن يكون يحيى وراثا لجميع بني إسرائيل بل هو وارث زكريا فقط فما فائدة ذكر { ويرث } الخ. <ref> قال ابن كثير: « يرثني على ميراث النبوة، ولهذا قال: ( ويرث من آل يعقوب ) كقوله: ( وورث سليمان داود ) أي في النبوة، إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك، ولما كان في الإخبار بذلك كبير فائدة إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه، فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها وكل هذا يقرره ويثبته ما صح في الحديث نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا فهو صدقة ». التفسير: 3/112. </ref>
 
هذا وأما إبقاء الحجرات في أيدي الأزواج المطهرات فلأجل كونها مملوكة لهن لا لكونها ميراثا، فإن النبي {{صل}} بنى كل حجرة لزوجة من أزواجه ووهبها لهن فتحققت الهبة بالقبض وهي موجبة للملك كحجرة فاطمة وأسامة، ولذا أضاف الله تعالى البيوت لهن في حياة النبي {{صل}} في قوله عز اسمه { وقرن في بيوتكن }.
 
ومنها قولهم أن أبا بكر لم يعط فاطمة رضي الله تعالى عنها فدكا <ref> قال ياقوت الحموي: « فدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة، أفاءها الله على رسوله {{صل}} في سنة سبع صلحا، وذلك أن النبي {{صل}} لما نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق إلا ثلث، واشتد بهم الحصار راسلوا رسول الله {{صل}} يسألونه أن ينزلهم على الجلاء وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إلى رسول الله {{صل}} أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم فأجابهم إلى ذلك، فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكانت خالصة لرسول الله {{صل}}، وفيها عين فوارة ونخيل كثيرة ». معجم البلدان: 4/238. </ref> وقد كان النبي {{صل}} وهبها لها ولم يسمع دعواها الهبة ولم يقبل شهادة علي <ref> ليس في شيء من كتب أهل السنة بل من اختراع الشيعة. </ref> وأم أيمن <ref> روى ابن سعد عن عمر قال: « لما كان اليوم الذي توفي فيه رسول الله، بويع لأبي بكر في ذلك اليوم، فلما كان من الغد جاءت فاطمة إلى أبي بكر معها علي، فقالت: ميراثي من رسول الله أبي، فقال أبو بكر: أمن الرثة أو من العقد، قالت: فدك وخيبر وصدقاته بالمدينة أرثها كما يرثك بناتك إذا مت، فقال أبو بكر: أبوك والله خير مني وأنت والله خير من بناتي، وقد قال رسول الله: لا نورث ما تركنا صدقة، يعني هذه الأموال القائمة فتعلمين أن أباك اعطاكها، فوالله لئن قلت نعم لأقبلن قولك ولأصدقنك، قالت: جاءتني أم أيمن فأخبرتني أنه أعطاني فدك، قال: فسمعته يقول: هي لك؟ فإذا قلت قد سمعته فهي لك فأنا أصدقك وأقبل قولك، قالت: قد أخبرتك ما عندي ». الطبقات: 2/315 – 316. فقد أخبرها الصديق حسب هذه الرواية بأنه يقبل شهادتها إن كانت قد سمعت ذلك بنفسها {{عنها}}، رغم أنه لم يقبل شهادة أم أيمن لوحدها. </ref> لها فغضبت فاطمة {{عنه}} وهجرته، وقد قال النبي {{صل}} في حقها: <ref> روى البخاري عن المسور بن مخرمة قال سمعت رسول الله {{صل}} يقول وهو على المنبر إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد بن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها </ref> من أغضبها أغضبني. <ref> ابن المطهر الحلي في نهج الحق: ص 263. </ref>
 
الجواب أن ليس له أصل عند أهل السنة، بل ذكر البخاري في رواية عروة بن الزبير <ref> في المطبوع (عروة عن ابن الزبير ) والتصحيح من البخاري. </ref> عن عائشة رضي الله عنها: طلبت فاطمة رضي الله عنها فدكا من أبي بكر لا بطريق دعوى الهبة بل بطريق الميراث، <ref> نقله الآلوسي بالمعنى وهو في صحيح البخاري، كتاب فرض الخمس: 2/1126. </ref> وعلى تقدير تسليم روايتهم فإن الهبة لا تتحقق إلا بالقبض، ولا يصح الرجوع عنها بعد تصرف المتهب في الموهوب، ولم تكن فدك في عهده {{صل}} في تصرف فاطمة رضي الله عنها، بل كانت في يده {{صل}} يتصرف فيها تصرف المالك فلم يكذبها أبو بكر في دعوى الهبة ولكن بين لها أن الهبة لا تكون سببا للملك ما لم يتحقق القبض فلا حاجة حينئذ إلى شهود، وما زعموا أنه صدر من علي كرم الله تعالى وجهه وأم أيمن محض إخبار، وأبو بكر لم يقض، لا أنه لم يقبل شهادتهما. على انه لو لم يقبلها وردها لكان له وجه، فإن نصاب الشهادة في غير الحدود والقصاص رجلان أو رجل وامرأتان. وأما إغضابه إياها فلم يتحقق منه، إذ الإغضاب إنما هو جعل أحد غضبانا بالفعل أو القول قصدا، وكيف يقصد الصديق إغضاب تلك البضعة الطاهرة وقد كان يقول لها مرارا « والله با ابنة رسول الله إن قرابة رسول الله أحب إلي أن أصل من قرابتي » وليس الوعيد على غضبها، كيف لا وقد غضبت على الأمير زوجها مرارا كغضبها يوم سمعت بخطبة الأمير بنت أبي جهل لنفسه حتى أتت أباها {{صل}} باكية فخطب إذ ذاك رسول الله {{صل}} وقال « ألا إن فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويربيني ما رأبها، فمن أغضبها أغضبني ». <ref> وهذه المناسبة التي قال بها النبي {{صل}} الحديث توضحه، أخرج البخاري عن المسور بن مخرمة قال: « إن عليا خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة فأتت رسول الله {{صل}} فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل، فقام رسول الله {{صل}}، فسمعته حين تشهد يقول: أما بعد أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني وإني أكره أن يسوءها، والله لا تجتمع بنت رسول الله {{صل}} وبنت عدو الله عند رجل واحد فترك علي الخطبة ». </ref> وكغضبها يوم ذهب الأمير إلى المسجد ونام على التراب ولذلك لقب بأبي تراب، فقد أتاها النبي {{صل}} وقال لها: أين ابن عمك؟ قالت: غاضبني فخرج ولم يقل عندي. <ref> وهو في صحيح البخاري عن سهل بن سعد قال: « جاء رسول الله {{صل}} بيت فاطمة، فلم يجد عليا في البيت فقال: أين بن عمك؟ قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل عندي، فقال رسول الله {{صل}} لإنسان: انظر أين هو؟ فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد فجاء رسول الله {{صل}} وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب فجعل رسول الله {{صل}} يمسحه عنه ويقول: قم أبا تراب قم أبا تراب ». </ref> ومع ذلك فقد ثبت عند الفريقين أن غضب فاطمة قد شق على الصديق حتى رضيت عنه، فقد روى صاحب ( محجاج السالكين ) وغيره من الإمامية أن أبا بكر لما رأى أن فاطمة انقبضت عنه وهجرته ولم يتكلم بعد ذلك في أمر فدك كبر ذلك عنده فأراد استرضاءها فأتاها فقال لها صدقت با ابنة رسول الله فيما ادعيت، ولكني رأيت رسول الله {{صل}} يقسمها فيعطي الفقراء والمساكين وابن السبيل بعد أن يؤتي منها قوتكم والصانعين بها. فقالت: افعل فيها كما كان أبي رسول الله {{صل}} يفعل فيها. فقال: ولك الله على أن افعل ما كان يفعل ابوك. فقالت: والله لتفعلن؟ فقال: والله لفعلن ذلك. فقال: اللهم اشهد. فرضيت بذلك وأخذت العهد عليه. وكان أبو بكر يعطيهم منها قوتهم ويقسم الباقي على من ذكر. انتهى والله الهادي للصواب. <ref> وذكر ابن المطهر الحلي في كتابه ( منهاج الكرامة ) أنه لما وعظت فاطمة أبا بكر في فدك ردها عليها، فسقط الطعن كله من كلامهم. منهاج السنة النبوية: 6/30 </ref>
 
ومنها أن أبا بكر ما كان يعلم بعض المسائل الشرعية، فقد أمر بقطع يد السارق اليسرى، وأحرق لوطيا، ولم يعلم مسألة الجدة والكلالة، فلا يكون لائقا للإمامة إذ العلم بالأحكام الشرعية من شروط الإمامة بإجماع الفريقين. <ref> هذه من مطاعن الإمامية في الصديق. ينظر: البياضي، الصراط المستقيم: 2/305؛ المجلسي، بحار الأنوار: 30/510. </ref>
 
الجواب عن الأمر الأول أن قطع يد السارق اليسرى في السرقة الثالثة موافق للحكم الشرعي. فقد روى الإمام محيي السنة البغوي في ( شرح السنة ) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله {{صل}} في حق السارق « إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله، ثم إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله ». <ref> روي عن الحارث بن حاطب قال: « إن رسول الله {{صل}} أتي بلص، فقال اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق، فقال: اقتلوه، قالوا: يا رسول الله إنما سرق، قال: اقطعوا يده، قال: ثم سرق فقطعت رجله، ثم سرق على عهد أبي بكر {{عنه}} حتى قطعت قوائمه كلها ثم سرق أيضا الخامسة فقال أبو بكر {{عنه}}: كان رسول الله {{صل}} أعلم بهذا حين قال اقتلوه ثم دفعه إلى فتية من قريش ليقتلوه منهم عبد الله بن الزبير وكان يحب الإمارة فقال: أمروني عليكم فأمروه عليهم فكان إذا ضرب ضربوه حتى قتلوه ». أخرجه النسائي في السنن، كتاب قطع السارق والطبراني في الكبير والحاكم. </ref> قال البغوي: اتفق أهل العلم على أن السارق أول مرة تقطع يده اليمنى، ثم إذا سرق ثانيا تقطع رجله اليسرى، ثم إذا سرق ثالثا تقطع يده اليسرى بناء على قول الأكثر، ثم إذا سرق رابعا تقطع رجله اليمنى ثم إذا سرق بعده يعزر ويحبس. والذى قطع أبو بكر يده اليسرى كان في المرة الثالثة فحكمه موافق لحكمة {{صل}}. <ref> والحكم نفسه ثبت عن علي {{عنه}} في كتب الإمامية، فقد روى ابن بابويه وغيره عن الباقر قال: « كان أمير المؤمنين {{عهس}} إذا سرق الرجل أولا قطع يمينه، فإن سرق ثانيا قطع رجله اليسرى، فإن سرق الثالثة خلده في السجن، فإن سرق في السجن قتله ». من لا يحضره الفقيه: 4/64؛ ابن حيوان، دعائم الإسلام: 2/470؛ النوري، مستدرك وسائل الشيعة: 18/126. </ref>
 
والجواب عن الثاني أن الصديق لم يحرق أحدا في حال الحياة، لأن الرواية الصحيحة إنما جاءت عن سويد عن أبي ذر أنه أمر بلوطي فضربت عنقه ثم أمر به فأحرق، <ref> واتفقت روايات أهل السنة والشيعة الإمامية بأن من أشار على الصديق {{عنه}} بحرق اللوطي هو علي {{عنه}}، فعن صفوان بن سليم: « أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر الصديق {{عنهما}} في خلافته له أنه وجد رجلا في بعض نواحي العرب ينكح كما تنكح المرأة، وأن أبا بكر {{عنه}} جمع الناس من أصحاب رسول الله {{صل}} فسألهم عن ذلك، فكان من أشدهم يومئذ قولا علي بن أبي طالب {{عنه}}، قال: إن هذا ذنب لم تعص به أمة من الأمم إلا أمة واحدة صنع الله بها ما قد علمتم، نرى أن نحرقه بالنار فاجتمع رأي أصحاب رسول الله {{صل}} على أن يحرقه بالنار فكتب أبو بكر {{عنه}} إلى خالد بن الوليد يأمره أن يحرقه بالنار ». سنن البيهقي: 8/232. وأخرج النوري من الإمامية بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده: « أن أبا بكر أوتي برجل ينكح في دبره، فقال: يا علي ما الحكم فيه؟ فقال: أحرقه بالنار، فإن العرب تأنف من المثلة، فأحرقه أبو بكر بقوله {{عهس}} ». مستدرك الوسائل: 18/79. </ref> وإحراق الميت لعبرة الناس جائز كالصلب، ولذلك فإن الميت لا تعذيب له بمثل هذه الأمور لعدم الحياة. وعلى فرض تسليم روايتهم فالذى يجيبون به عن إحراق علي بعض الزنادقة فهو جوابنا، وقد ثبت ذلك في كتبهم، فقد روى المرتضى الملقب عندهم بعلم الهدى في كتاب ( تنزيه الأنبياء والأئمة ) أن عليا أحرق رجلا أتى غلاما في دبره. <ref> تنزيه الأنبياء: ص 159. </ref>
 
والجواب عن الثالث أن هذا الطعن لا يوجب إلزام أهل السنة، إذ العلم بجميع الأحكام بالفعل ليس شرطا في الإمامة عندهم، بل الاجتهاد. ولما لم تكن النصوص مدونة في زمنه ولا روايات الأحاديث مشهورة في أيام خلافته استفسر من الصحابة. قال في ( شرح التجريد ) أما مسألة الجدة والكلالة فليست بدعا من المجتهدين، <ref> ابن المطهر الحلي، شرح التجريد: ص 402. </ref> إذ يبحثون عن مدارك الأحكام ويسألون من أحاط بها علما، ولهذا رجع علي في بيع أمهات الأولاد إلى قول عمر، <ref> روى الشافعي عن عبيدة قال: « قال علي {{عنه ى}}: استشارني عمر في بيع أمهات الأولاد فرأيت أنا وهو أنها عتيقة فقضى به عمر حياته وعثمان بعده فلما وليت رأيت أنها رقيق ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول بقول عمر لا تباع ». الأم: 7/175؛ ابن أبي شيبة، المصنف: 4/88. </ref> وذلك لا يدل على عدم علمه، بل هذا التفحص والتحقيق يدل على أن أبا بكر الصديق كان يراعي في أحكام الدين كمال الاحتياط ويعمل في قواعد الشريعة بشرائط الاهتمام التام. ولهذا لما أظهر المغيرة مسألة الجدة سأله: هل معك غيرك؟ <ref> عن قبيصة بن ذؤيب قال: « جاءت الجدة إلى أبي بكر تسأله ميراثها، قال فقال لها: ما لك في كتاب الله شيء وما لك في سنة رسول الله {{صل}} شيء فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس فقال: المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله {{صل}} فأعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة فأنفذه لها ». أحمد و[[أبو داود]] والترمذي وابن ماجه. قال ابن حجر: ( وإسناده صحيح ). تلخيص الحبير: 3/82 </ref> وإلا فليس التعدد شرطا في الرواية، فهذا الأمر في الحقيقة منقبه عظمى له. وقد روى عبدالله بن بشر أن عليا سئل عن مسألة فقال « لا علم لي بها ». <ref> روى عبد الله بن بشر أن علي بن أبي طالب سئل عن مسألة فقال: « لا علم لي بها، ثم قال: وأبردها على كبدي إن سئلت عما لا أعلم فأقول: لا علم لي بها ». عزاها المناوي إلى ( [[مسند الدارمي]] ). فيض القدير: 4/278 </ref> جازى الله تعالى هذه الفرقة الضالة بعدله حيث يجعلون المنقبة منقصة.
 
فرصاص من أحببته ذهب كما ** ذهب الذي لم ترض عنه رصاص
 
===المطاعن الثانية في حق الفاروق رضي الله عنه===
 
فمنها وهو عمدة مطاعنهم ما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس أنه {{صل}} قال في مرض موته يوم الخميس قبل الوفاة بأربعة أيام للصحابة الحاضرين في حجرته المباركة: « ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا » فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع. فقالوا: ما له أهجر؟ استفهموه. فقال: « ذروني، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه » فأمرهم بثلاث قال: « أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ». والثالثة إما أن سكت عنها، وإما أن قالها فنسيتها. <ref> قال [[سفيان بن عيينة]]: هذا ( أي قوله فنسيتها ) من قول سليمان ( أي الأحوال، هو راوي الحديث عن [[سعيد بن جبير]] عن [[ابن عباس]] ). </ref>
 
وهذه رواية أهل السنة الصحيحة وزعموا أنه يستفاد منها الطعن على عمر بوجوه:
 
الأول أنه رد قول النبي {{صل}} وأقواله كلها وحي لقوله تعالى { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } ورد الوحي كفر لقوله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } <ref> هذه من أهم المطاعن التي ذكرها الحلي في نهج الحق </ref>
 
والجواب على فرض تسليم أن هذا القول صدر من الفاروق فقط أنه لم يرد قوله {{صل}} بل قصد راحته ورفع الحرج عنه {{صل}} في حال شدة المرض، إذ كل محب لا يرضى أن يتعب محبوبه ولا سيما في المرض، مع عدم كون ذلك الأمر ضروريا، ولم يخاطب بذلك الرسول {{صل}} بل خاطب الحاضرين تأدبا. وأثبت الاستغناء عن ذلك بقوله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } وقد نزلت الآية قبل هذه الواقعة بثلاثة أشهر، وقد انسد باب النسخ والتبديل والزيادة والنقصان في الدين، فيتمنع إحداث شيء. وتأكيد المتقدم مستغني عنه لا سيما في تلك الحالة. ولو كان بيان المصلحة رد الوحي وقول الرسول للزم ذلك على الأمير أيضا، فقد روى البخاري الذي هو أصح الكتب عند أهل السنة بعد القرآن بطرق متعددة أن الرسول {{صل}} ذهب إلى بيت الأمير والبتول ليلة وأيقظها من مضجعها وأمرهما بصلاة التهجد مؤكدا، فقال الأمير: والله ما نصلي إلا ما كتب الله علينا أي الصلاة المفروضة، وإنما أنفسنا بيد الله، يعني لو وفقنا الله لصلاة التهجد لصلينا. فرجع النبي {{صل}} وهو يضرب على فخذيه ويقول { وكان الإنسان أكثر شيء جدلا } فقد رد الأمير قول الرسول، ولكن لما كانت القرائن الحالية دالة على صدق الأمير واستقامته لم يلمه النبي {{صل}}. وروى البخاري أيضا أن النبي {{صل}} لما تصالح مع قريش في الحديبية كتب الأمير كتاب الصلح وزاد لفظ « رسول الله » فامتنع الكفار عن قبوله وقالوا: لو سلمنا بهذا اللقب لما حاربناه وصددناه عن طواف البيت، فأمر النبي {{صل}} عليا أن يمحو هذا اللفظ وأكد ذلك، فلم يمحه الأمير لكمال الإيمان وخالف الرسول في ذلك حتى محاه النبي {{صل}} بيده الشريفة. وقد ثبتت مخالفة الأمير أيضا في كتبهم، فقد روى محمد بن بابويه في ( الأمالي ) والديلمي <ref> هو أبو محمد الحسن بن أبي الحسن محمد الديلمي، قال عنه الحر العاملي: « كان فاضلا محدثا صالحا » </ref> في ( إرشاد القلوب ) أن رسول الله {{صل}} أعطى فاطمة سبعة دراهم وقال: أعطيها عليا ومريه أن يشتري لأهل بيته طعاما فقد غلب عليهم الجوع، فأعطتها عليا وقالت: إن رسول الله {{صل}} أمرك أن تبتاع لنا طعاما. فأخذها علي وخرج من بيته ليبتاع طعاما لأهل بيته فسمع رجلا يقول: من يقرض الملي الوفي؟ فأعطاه درهم. <ref> الأمالي: ص 470؛ إرشاد القلوب: 2/221؛ الفتال، روضة الواعظين: 1/126. </ref> فقد خالف قول الرسول، وتصرف في مال الغير.
 
ومع ذلك فأهل السنة لا يطعنون على الأمير بمثل هذه المخالفات، بل لا يعدون ذلك مخالفة. فكيف يطعنون على عمر بما هو أخف منها. <ref> وهو التخفيف عن النبي {{صل}} في شدة مرضه </ref>
 
وأما قولهم إن أقوال الرسول كلها وحي فمردود، لأن أقواله {{صل}} لو كانت كلها وحيا فلم قال الله تعالى { عفا الله عنك لم أذنت لهم } وقال تعالى { ولا تكن للخائنين خصيما } وقال تعالى { ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } وقال تعالى في المعاتبة عن أخذ الفدية من أسارى بدر <ref> أخرج مسلم في قصة أسارى بدر عن عمر بن الخطاب قال: « رسول الله {{صل}} لأبي بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله {{صل}}: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلت: لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكني من فلان - نسيبا لعمر - فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوى رسول الله {{صل}} ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله {{صل}} وأبو بكر قاعدين يبكيان قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله {{صل}}: أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة شجرة قريبة من نبي الله {{صل}} وأنزل الله عز وجل { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } إلى قوله: { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } فأحل الله الغنيمة لهم ». [[صحيح مسلم]]: 3/1385، رقم 1762. </ref> { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } وأيضا يلزمهم أن الأمير أيضا قد رد الوحي حين أمره النبي {{صل}} بالتهجد ومحو اللفظ وابتياع الطعام مع أنهم لا يقولون بذلك.
 
الثاني من وجوه الطعن أنه قال « أهجر » مع أن الأنبياء معصومون من هذه الأمور فأقوالهم وأفعالهم في جميع الأحوال والأوقات كلها معتبرة وحقيقة بالاتباع.
 
والجواب عن هذا أنه من أين يثبت أن قائل هذا القول عمر؟ مع أنه قد وقع في أكثر الروايات « قالوا » بصيغة الجمع « استفهموه » على طريق الإنكار، فإن النبي لا يتكلم بالهذيان البتة وكانوا يعلمون أنه {{صل}} ما خط قط بل كان يمتنع صدور هذه الصنعة منه {{صل}} لقوله تعالى { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخط بيمينك } ولذا قالوا فاسئلوه. وتحقيق ذلك أن الهجر في اللغة هو اختلاط الكلام بوجه غير مفهم، وهو على قسمين: قسم لا نزاع لأحد في عروضه للأنبياء عليهم السلام وهو عدم تبيين الكلام لبحة الصوت وغلبة اليبس بالحرارة على اللسان كما في الحميات الحارة، وقد ثبت بإجماع أهل السير أن نبينا {{صل}} كانت بحة الصوت عارضة له في مرض موته {{صل}}. والقسم الآخر جريان الكلام غير المنتظم أو المخالف للمقصود على اللسان بسبب الغشي العارض بسبب الحميات المحرقة في الأكثر. وهذا القسم وإن كان ناشئا من العوارض البدنية ولكن قد اختلف العلماء في جواز عروضه للأنبياء، فجوزه بعضهم قياسا على النوم، ومنعه آخرون، فلعل القائل بذلك القول أراد القسم الأول؛ يعني أن هذا الكلام خلاف عادته {{صل}} فلعلنا لم نفهم كلامه بسبب وجود الضعف في ناطقته، فلا إشكال. <ref> قال [[ابن حجر]]:« قال ذلك لإرادة سكوت الذين لغطوا ورفعوا أصواتهم عنده , فكأنه قال: إن ذلك يؤذيه ويفضي في العادة إلى ما ذكر , ويحتمل أن يكون قوله أهجر فعلا ماضيا من الهجر بفتح الهاء وسكون الجيم والمفعول محذوف أي الحياة , وذكره بلفظ الماضي مبالغة لما رأى من علامات الموت ». فتح الباري: 8/133. </ref>
 
الثالث من وجوه الطعن أنه رفع الصوت وتنازع في حضرة النبي {{صل}} وقد قال تعالى { يأيها الذين أمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي }. <ref> نهج الحق: ص 333؛ اليقين: ص 522. </ref>
 
والجواب أنه من أين يثبت أن عمر أول من رفع الصوت؟ وعلى تقديره فرفع صوته إنما كان على صوت غيره من الحاضرين لا على صوت النبي {{صل}} المنهي عنه في الآية، والأول جائز والآية تدل عليه حيث قال { كجهر بعضكم لبعض }، وقوله {{صل}} في إحدى الروايات « قوموا عني » من قبيل قلة الصبر العارضة للمريض، فإنه يضيق صدره إذا وقعت منازعة في حضوره، وما يصدر من المريض في حق أحد لا يكون محلا للطعن عليه، مع أن الخطاب كان لجميع الحاضرين المجوزين والمانعين.
 
الرابع من أوجه الطعن أنه أتلف حق الأمة، إذ لو كتب الكتاب المذكور لحفظت الأمة من الضلالة ولم ترهم في كل واد يهيمون، ووبال جميع ذلك على عمر. <ref> نهج الحق: ص 332. </ref>
 
والجواب أنه إنما يتحقق الإتلاف لو حدث حكم من الله تعالى نافع للأمة ومنعه عمر. وقوله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم } الاية تدل على عدم الحدوث، بل لم يكن الكتاب إلا لمصالح الملك وتأكيد ما بلغه، وإلا فلا يتصور منه {{صل}} أن يقول أو يكتب في هذا الوقت الضيق ما لم يكن قاله قط مع أن زمن نبوته امتد ثلاثا وعشرين سنة. وكيف يمتنع عن ذلك بمجرد منع عمر، ولم يقله لأحد بعد ذلك مع عدم وجود عمر. فإنه {{صل}} قد عاش بعد ذلك خمسة أيام باتفاق الفريقين. <ref> قال [[الخطابي]]: « لم يتوهم عمر الغلط فيما كان النبي {{صل}} يريد كتابته، بل امتناعه محمول على أنه لما رأى ما هو فيه من الكرب وحضور الموت خشي أن يجد المنافقون سبيلا إلى الطعن فيما يكتبه، وإلى حمله على تلك الحالة التي جرت العادة فيها بوقوع بعض ما يخالف الاتفاق، فكان ذلك سبب توقف عمر لا أنه تعمد مخالفة قول النبي {{صل}} ولا جواز وقوع الغلط عليه حاشا وكلا ». [[فتح الباري]]: 8/134 </ref>
 
فإن قيل: لو لم يكن ما يكتب أمرا دينيا فلم قال « لن تضلوا بعدي »؟ قلنا: للضلال معان، والمراد ههنا عدم الخطأ في تدبير الملك وهو إخراج المشركين من جزيرة العرب، وإجازة الوفد بنحو ما كان يجيزهم، وتجهيز جيش أسامة منه، لا الضلالة والغواية عن الدين. فقد تبين لك بطلان ما طعنوا به، وأظهر لك فساده وقبيح كذبه. والحمد لله رب العالمين. <ref> وقد نبه السيد الحاج عمر نائب القضاء للدولة العثمانية في مدينة بغداد عند طبع هذا المختصر في الهند سنة 1315 على أن جميع روايات هذا الحديث مروية عن ابن عباس، وأنه كان عند وفاة النبي {{صل}} صغير السن، ولذلك نقلت عنه الواقعة بألفاظ مختلفة. </ref>
 
ومنها أن عمر قصد إحراق بيت سيدة النساء، وضربها على جنبها الشريف بقبضة سيفه حتى وضعت حملها بسبب ذلك. <ref> هذه القصة ثابتة عند الإمامية وتقول بأن عمر بن الخطاب أراد أن يحرق بيت فاطمة {{عنها}}، وكان في البيت علي والحسن والحسين {{عنهم}}، ولم يحرك علي {{عنه}} ساكنا بل أخذ مربوطا من رقبته – وفق رواية الإمامية – بحبل أسود كي يبايع أبا بكر الصديق، والذي اشترك في هذه العملية ضده هم خيار الصحابة وكان يترأسهم بزعمهم عمر بن الخطاب، والرواية طويلة ينظر تفاصيها عند المفيد، الاختصاص: ص 185؛ الطبرسي، الاحتجاج: ص 83؛ ابن أبي الحديد في شرحه: 2/19؛ العياشي في تفسيره: 2/307؛ المجلسي، بحار الأنوار: 53/18. وغيرهم. </ref>
 
والجواب أن هذه القصة محض هذيان وزور من القول وبهتان. ولذا قد أنكر صحتها أكثر الإمامية وأن روايتها عندهم غير صحيحة ولا مرضية. <ref> لأن الرواية تطعن بالأمير بأنه جبان تخاذل في الدفاع عن حرمة أهله – حاشاه من ذلك – فهي لا تطعن بعمر فقط بل بعلي أيضا. </ref> مع أن فعل عمر هذا لو فرض وقوعه فهو أقل مما فعله الأمير كرم الله تعالى وجهه مع أم المؤمنين [[عائشة]] الصديقة، مع أنه لم يلحقه طعن من ذلك عند الفريقين بناء على حفظ الانتظام في أمور الدنيا والدين:
 
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ** ولكن عين السخط تبدي المساويا <ref> [[ديوان الشافعي]] </ref>
 
ومنها أن عمر أنكر موت الرسول {{صل}} وحلف أنه لم يمت، حتى قرأ أبو بكر قوله تعالى { إنك ميت وإنهم ميتون }. <ref> شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 12/197. </ref>
 
والجواب أن ذلك من شدة دهشته بموت الرسول وكمال محبته له {{صل}} حتى لم يبق له في ذلك الحين شعور بشيء، وكثيرا ما يحصل الذهول بسبب تفاقم المصائب وتراكم الشدائد، لأن النسيان والذهول من اللوازم البشرية. ألا ترى أن يوشع – مع كونه نبيا معصوما – نسي أن يخبر موسى بفقد الحوت مع المكتل. بل إن موسى {{عهس}} - مع كونه من أولي العزم – قد نسي معاهدته مع الخضر على عدم السؤال ثلاث مرات. وقال تعالى في حق آدم { فنسي ولم نجد له عزما }
 
وقد روى أبو جعفر الطوسي عن عبيد الله الحلبي <ref> في الأصل عبد الله </ref> أن الإمام أبا عبد الله {{عهس}} كان يسهو في صلاته ويقول في سجدتي السهو « بسم الله وبالله، وصلى الله على محمد وآله وسلم » <ref> الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/196؛ الكليني، الكافي: 3/356 </ref> فأي ذنب لابن الخطاب بدهشته من هذا الأمر العظيم وأي طعن عليه بسبب ما حصل له من فقد محبوبه {{صل}}؟ فتبا لكم أيها الفرقة الضالة فقد نال الشيطان من عقولكم حتى صرتم شياطين أمثاله.
 
ومنها أن عمر كان لا يعلم بعض المسائل الشرعية التي هي شرط في الإمامة والخلافة؛ كأمره برجم الحامل من الزنا، فرده الأمير وقال له: إن كان لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها، فندم حينئذ وقال: « لولا علي لهلك عمر. » <ref> لا يصح فليس له سند في كتب أهل السنة: أخرجه ابن قتيبة وابن عبد البر بلا سند، ومع ذلك ذكرها الإمامية كثيرا. </ref> وكما أراد رجم أمرأة مجنونة فرده الأمير بقوله {{صل}} « رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق »، وكإتمامه عدد الضربات في حد ابنه أبي شحمة بعد أن مات في أثناء الحد، مع أن الميت غير معقول، وكعدم علمه بحد شرب الخمر حتى قرره بمشورة الصحابة ورأيهم.
 
والجواب عن الأول أن عمر {{عنه}} لم يكن على علم بحمل المرأة لأن هذا أمر لا يدرك بالبصر إلا بعد تمام مدة الحمل وما يقاربه، والأمير كان مطلعا على ذلك وأخبر بحملها فنبه عمر إلى ذلك فشكره، والقضاء على ظاهر الحال لا يوجب النقص في الإمامة، بل ولا في النبوة. ألا ترى أن موسى {{عهس}} أخذ برأس أخيه الكبير ولحيته مع أنه نبي وأهانه حين لم يطلع على حقيقة الآمر، وقال النبي {{صل}} « إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، وإن بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من نار »، <ref> متفق عليه </ref> وقد روي عند الفريقين أن النبي {{صل}} أمر عليا بإقامة الحد على امرأة حديثة بنفاس فلم يقم عليها الحد خشية أن تموت، فذكر ذلك للنبي {{صل}} فقال: « أحسنت، دعها حتى ينقطع دمها » <ref> أخرج أحمد عن علي {{عنه}}: « إن خادما للنبي {{صل}} أحدثت فأمرني النبي {{صل}} أن أقيم عليها الحد، فأتيتها فوجدتها لم تجف من دمها فأتيته فأخبرته، فقال: إذا جفت من دمها فأقم عليها الحد أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم » ورواه أبو داود والنسائي؛ ومن الإمامية ابن حيوان، دعائم الإسلام: 2/453؛ النوري، مستدرك وسائل الشيعة: 18/17. </ref> فقد تبين أن عدم الاطلاع على حقيقة الحال غير الجهل بالمسائل الشرعية. وعن الثاني أن عمر {{عنه}} لم يكن واقفا على جنونها أيضا، فقد روى الإمام أحمد عن عطاء بن السايب عن أبي ظبيان الحصين بن جندب الجنبي أن امرأة أتوا بها مأخوذة إلى عمر بجريمة الزنا فحكم برجمها بعدما ثبت، فقادوها للرجم، فإذا علي لاقاهم في الطريق فسألهم: أين تذهبون بهذه المرأة؟ فقالوا: إن الخليفة أمر برجمها لثبوت الزنا عنده، فأخذها الأمير من أيديهم وجاء بها إلى عمر وقال: هذه المرأة مجنونة من بني فلان أنا أعلمها كما هي، وقال « رفع القلم عن المجنون حتى يفيق » فمنع عمر من رجمها. <ref> المسند: 1/140، رقم 1183؛ الحاكم، المستدرك: 4/430. </ref> فقد علم أن عمر كان يعلم أن المجنونة لا ترجم، ولكن لم يكن له علم بجنونها.
 
وعن الثالث: بأنه كذب وبهتان ولم يصح عند الفريقين، بل الثابت في الروايات الصحية أن المحدود بقى حيا بعد الحد، نعم قد غشي عليه أثناء الحد، ولذا توهم الناس موته. <ref> فالرواية الصحيحة عن [[ابن عمر]] أنه قال: « شرب أخي عبد الرحمن بن عمر وشرب معه أبو سروعة عقبة ابن الحارث وهما بمصر في خلافة عمر، فسكرا فلما أصبحا انطلقا إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر فقالا: طهرنا فإنا قد سكرنا من شراب شربناه، فقال عبد الله فذكر لي أخي أنه سكر فقلت: ادخل الدار أطهرك ولم أشعر أنهما أتيا عمروا فأخبرني أخي أنه قد أخبر الأمير بذلك، فقال عبد الله: لا يحلق القوم على رؤوس الناس ادخل الدار أحلقك، وكانوا إذ ذاك يحلقون مع الحدود فدخل الدار، فقال عبد الله: فحلقت أخي بيدي، ثم جلدهم عمرو، فسمع بذلك عمر فكتب إلى عمرو: أن أبعث إلي بعبد الرحمن على قتب ففعل ذلك، فلما قدم على عمر جلده وعاقبه لمكانه منه، ثم أرسله فلبث شهرا صحيحا، ثم أصابه قدره فمات فيحسب عامة الناس إنما مات من جلد عمر، ولم يمت من جلد. ». أخرجها [[عبد الرزاق]]، المصنف: 9/232 – 233. </ref>
 
وعن الرابع أن عدم العلم بشيء لم يحدث من قبل ولم يعين في الشرع حكمه ليس محلا للطعن، لأن العلم تابع المعلوم، وحد شارب الخمر لم يكن في عهده {{صل}} معينا ومقررا، بل كانوا يضربون الشارب بالنعال والجرائد والأسواط، وقد خمن الصحابة ذلك من زمن أبي بكر بأربعين ضربة، <ref> روى البخاري عن [[أنس]]: « أن النبي {{صل}} ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين ». كتاب الحدود، باب ضرب شارب الخمر </ref> وقد تعدد شرب الخمر في خلافة عمر فجمع الصحابة كلهم وشاورهم في ذلك فقال الأمير وعبد الرحمن بن عوف ينبغي أن يكون كحد القذف ثمانين جلدة، لأن السكران يزول عقله بالسكر فربما يسب أحدا ويشتمه، فارتضى جميع الصحابة ذلك الاستنباط وأجمعوا عليه، وقد ذكر هذه القصة ابن المطهر الحلي أيضا في ( منهاج الكرامة ) <ref> ونقله عنه ابنه المعروف عندهم بفخر المحققين فقال في حد شارب الخمر: « هو ثمانون جلدة، رجلا كان أو امرأة حرا كان أو عبدا ». شرائع الإسلام: 4/319. </ref> وبما ذكرنا من أن عمر زاد حد الخمر بقول الأمير اندفع الخامس.
 
هذا مع أن معرفة جميع الأحكام الشرعية بالفعل ليست شرطا للإمامة، بل ولا النبوة، فقد كانت توحى إلى النبي {{صلى}} الأحكام الشرعية على حسب الوقائع، والإمام يعلم بعض الأحكام بالاجتهاد، وربما يخطئ فيه، كما روى الترمذي عن عكرمة أن عليا أحرق قوما ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: « لو كنت أنا لقتلتهم »، فبلغ ذلك عليا فقال: « صدق ابن عباس »، <ref> [[سنن الترمذي]] كتاب الحدود، باب المرتد: 4/59 رقم 1458. </ref> والله تعالى الهادي.
 
ومنها أن عمر درأ حد الزنا عن المغيرة بن شعبة مع ثبوته بالبينة وهي أربعة رجال، ولقن الرابع كلمة تدرأ الحد فقد قال له لما جاء للشهادة: أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلا من المسلمين. <ref> المجلسي، بحار الأنوار: 30/651؛ المشهدي، الصوارم المهرقة: ص 136. </ref>
 
والجواب أن درء الحد إنما يكون بعد ثبوته، ولم يثبت لعدم شهادة الرابع كما ينبغي، وتلقينه الشاهد كذب وبهتان من أهل العدوان، إذ قد يثبت في التواريخ المعتبرة كتاريخ البخاري وابن الأثير وغيرهما أنه لما جاء الرابع وهو زياد ابن ابيه قالوا له: أتشهد كأصحابك؟ قال: أعلم هذا القدر، إني رأيت مجلسا ونفسا حثيثا وانتهازا ورأيته مستبطنها - أى مخفيها تحت بطنه – ورجلين كأنهما أذنا حمار، فقال عمر: هل رأيت كالميل في المكحلة؟ قال: لا. <ref> [[تاريخ الطبري]]: 2/494؛ تاريخ اليعقوبي: 2/146؛ [[ابن الجوزي]]، المنتظم: 4/232؛ [[البداية والنهاية]]: 7/82. </ref> وقد وقع ذلك بمحضر الأمير وغيره من الصحابة. فأين التلقين يا أرباب الزور المفترين؟ ولفظ « أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلا من المسلمين » <ref> ليس في كتب أهل السنة بل في كتب الإمامية: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: 12/227؛ المجلسي، بحار الأنوار: 30/648. </ref> إنما قاله المغيرة في ذلك الحين كما هو حال الخصم مع الشهود، ولا سيما إذا كان يترتب عليه حكم موجب لهلاكه.
 
على أن عمر لو درأ الحد لكان فعله لفعل المعصوم، <ref> أي في ادعاء الخصوم. </ref> فقد روى ابن بابويه في ( الفقيه ) أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين {{عهس}} وأقر بالسرقة إقرارا موجبا للقطع، فلم يقطع يده، <ref> من لا يحضره الفقيه: 4/62؛ وأخرجه أيضا الطوسي، تهذيب الأحكام: 10/127. </ref> والله تعالى الهادي.
 
ومنها أن عمر لم يعط أهل البيت سهمهم من الخمس الثابت بقوله تعالى { واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } فقد خالف حكم الله تعالى. <ref> من المطاعن التي ألفها الحلي في نهج الحق: ص 279. </ref>
 
والجواب أن فعل عمر موافق لفعل النبي {{صل}}. وتحقيقه أن أبا بكر وعمر كانا يخرجان سهم ذوي القربى من الخمس ويعطيانه لفقرائهم ومساكينهم <ref> يدل على ذلك ما أخرجه أبو داود عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: « سمعت عليا يقول: ولاني رسول الله {{صل}} خمس الخمس، فوضعته مواضعه حياة رسول الله {{صل}} وحياة أبي بكر وحياة عمر، فأتي بمال فدعاني [ أي عمر بن الخطاب ] فقال: خذه، فقلت لا أريده: قال: خذه فأنتم أحق به، قلت: قد استغنينا عنه، فجعله في بيت المال ». السنن، كتاب الخراج والإمارة، باب قسم الخمس، فكان عليا من يوزع الخمس في عهد الشيخين {{عنهم}}. </ref> كما كان ذلك في زمن النبي {{صل}}. وعليه الحنفية <ref> ينظر السرخسي، المبسوط: 10/8؛ شرح فتح القدير: 5/504. </ref> وجمع كثير من الإمامية. <ref> الكيدري، إصباح الشيعة: ص 127؛ العاملي، اللمعة الدمشقية: 2/79. </ref> وذهب الشافعية إلى أن لهم خمس الخمس يستوى فيه غنيهم وفقيرهم، ويقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ويكون بين بني هاشم والمطلب دون غيرهم. <ref> النووي، روضة الطالبين: 2/322؛ الشربيني، مغني المحتاج: 3/94 </ref> والأمير أيضا عمل كعمل عمر فقد روى الطحاوي والدارقطني عن محمد بن إسحق أنه قال: سألت أبا جعفر محمد [ بن علي ] بن الحسين [ بن علي بن أبي طالب ] <ref> ما بين المعقوفتين زيادة من السيوف المشرقة </ref>: إن أمير المؤمنين على بن أبي طالب لما ولى أمر الناس كيف كان يصنع في سهم ذوي القربى؟ فقال: سلك به والله مسلك أبي بكر وعمر. <ref> شرح معاني الآثار: 3/234؛ [[البيهقي]]، السنن الكبرى: 6/343. </ref> إلى غير ذلك من رواياتهم، فإذا كان فعل عمر موافقا لفعل النبي {{صل}} والأمير كيف يكون محلا للطعن؟ ومن يضلل الله فلا هادي له، نسأله تعالى السلامة من الغباوة والوله.
 
ومنها أن عمر أحدث في الدين ما لم يكن منه كصلاة التراويح وإقامتها بالجماعة، فإنها بدعة كما اعترف هو بذلك، وكل بدعة ضلالة. وقد روى عن النبي {{صل}} « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد عليه ». <ref> الحديث متفق عليه </ref>
 
والجواب أنه قد ثبت عند أهل السنة بأحاديث مشهورة متواترة أنه {{صل}} صلة التراويح بالجماعة مع الصحابة ثلاث ليالي من رمضان جماعة ولم يخرج في الليلة الرابعة وقال « إني خشيت أن تفرض عليكم » <ref> أحمد والترمذي وابن ماجه </ref> فلما زال هذا المحذور بعد وفاته {{صل}} أحيى عمر هذه السنة السنية. <ref> فهي ليست بدعة لأن الرسول {{صل}} فعلها. </ref> وقد ثبت في أصول الفريقين أن « الحكم إذا كان معللا بعلة نص الشارع يرتفع ذلك الحكم إذا زالت العلة » <ref> الآمدي، الإحكام: 3/256؛ الرازي، المحصول: 3/538. ومن كتب الإمامية: أوثق المسائل: ص 148؛ مفاتيح الأصول: ص 314. </ref> وأعترف عمر بكونها بدعة حيث قال « نعمت البدعة هي » فمراده أن المواظبة عليها بالجماعة شيء حديث لم يكن في عهد النبي {{صل}}، وما ثبت في زمن الخلفاء الراشدين والأئمة المطهرين مما لم يكن في زمنه {{صل}} لا يسمى بدعة، ولو سميت بدعة فهي حسنة، والحديث مخصوص بإحداث ما لم يكن له أصل في الشرع. <ref> ينظر ما قاله [[ابن تيمية]] في [[اقتضاء الصراط المستقيم]] </ref>
 
ومعلوم أن الشيعة لم يعتقدوا بدعية صلاة الشكر يوم قتل عمر {{عنه}}، وهو اليوم التاسع من ربيع الأول، وتعظيم النيروز، <ref> عيد مجوسي ليس في شيء من دين الإسلام </ref> وتحليل فروج الجواري، وحرمان بعض الأولاد من بعض التركة، <ref> تقدم تقرير هذه المسائل </ref> إلى غير ذلك من الأمور التي لم تكن في زمنه {{صل}} بناء على زعمهم أن الأئمة أحدثوها. أما أن لا يعتقد أهل السنة بدعية ما أحدثه عمر فلأنه عندهم كالأئمة عند الشيعة لقوله {{صل}} « ومن يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليك بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ » والله سبحانه الهادي.
 
ومنها أن عمر منع من متعة النساء ومتعة الحج، مع أن كلتا المتعتين كانتا في زمنه {{صل}}، فنسخ حكم الله تعالى وحرم ما أحله سبحانه، بدليل ما ثبت عند أهل السنة من قوله « متعتان كانتا على عهد رسول الله {{صل}} وانا أنهى عنهما ». <ref> الحديث أخرجه أحمد عن جابر قال: « متعتان ينفذ على عهد النبي {{صل}} فنهانا عنهما عمر {{عنه}} فانتهينا ». المسند: 3/325، رقم 14519؛ [[الطحاوي]]، شرح معاني الآثار: 2/146. </ref>
 
والجواب أن أصح الكتب عند أهل السنة الصحاح الست، وأصحها البخاري ومسلم، وقد روى [[مسلم في صحيحه]] عن سلمة بن الأكوع وسبرة بن معبد الجهني أنه {{صل}} قد حرم هو المتعة بعد ما كان أحلها ورخصها لهم ثلاثة أيام، <ref> الحديثان عند مسلم، الأول حديث سلمة بن الأكوع: « رخص رسول الله {{صلى}} المتعة يوم أوطاس ثلاثا ثم نهى عنها به ». [[صحيح مسلم]]، كتاب النكاح، باب نكاح المتع؛ والثاني حديث سبرة قال: « أذن لنا رسول الله {{صل}} بالمتعة، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر كأنها بكرة عيطاء فعرضنا عليها أنفسنا، فقالت: ما تعطي فقلت: ردائي، وقال: صاحبي ردائي، وكان رداء صاحبي أجود من ردائي، وكنت أشب منه، فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها، وإذا نظرت إلي أعجبتها، ثم قالت: أنت ورداؤك يكفيني فمكثت معها ثلاثا، ثم إن رسول الله {{صل}} قال: من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع فليخل سبيلها ». صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ </ref> وجعل تحريمها إذ حرمها مؤبدا إلى يوم القيامة. ومثل هذه الرواية في الصحاح الأخر، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من كتب أهل السنة رواية الأئمة عن الأمير بتحريمها. <ref> عن علي بن أبي طالب {{عنه}}: « أن رسول الله {{صل}} نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية ». متفق عليه. </ref> فإن ادعت الشيعة أن ذلك كان في غزوة خيبر ثم أحلت في غزوة الأوطاس <ref> قال ياقوت الحموي: « أوطاس: وادٍ في ديار هوزان فيه كانت وقعة حنين للنبي {{صل}} ببني هوزان ». [[معجم البلدان]]: 1/281؛ والغزوة في السنة الثامنة للهجرة. </ref> فمردود، لأن غزوة جيبر كانت مبدأ تحريم لحوم الحمر الأهلية لا متعة النساء، فقد روى جمع من أهل السنة عن عبد الله والحسن ابني [[محمد بن الحنفية]] عن أبيهما عن الأمير كرم الله تعالى وجهه أنه قال: « أمرني رسول الله {{صل}} أن أنادي بتحريم المتعة » <ref> متفق عليه، وهو في [[الموطأ]] والترمذي. </ref> فقد علم أن تحريم المتعة كان في عهد رسول الله {{صل}} مرة أو مرتين، فالذى بلغه النهي امتنع عنها ومن لا فلا، ولما شاع في عهد عمر ارتكابها أظهر حرمتها وأشاعها وهدد من كان يرتكبها. وآيات الكتاب شاهدة على حرمتها وقد سبق ذلك في المسائل الفقهية فتذكر فما في العهد من قدم.
 
والجواب عن متعة الحج – أعنى تأدية أركان العمرة مع الحج في سفر واحد في أشهر الحج قبل الرجوع إلى بيته – أن عمر لم يمنعها قط، ورواية التحريم عنه افتراء صريح. نعم إنه كان برى إفراد الحج والعمرة أولى من جمعها في إحرام واحد وهو القران، أو في سفر واحد وهو التمتع، وعليه الإمام [[الشافعي]] و[[سفيان الثوري]] وإسحاق بن راهويه وغيرهم لقوله تعالى { وأتموا الحج والعمرة لله – إلى قوله – فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } الآية، فأوجب سبحانه الهدى على المتمتع لا على المفرد جبرا لما فيه من النقصان، كما أوجبه تعالى في الحج إذا حصل فيه قصور ونقص، لأنه {{صل}} حج في حجة الوداع مفردا واعتمر في عمرة القضاء <ref> في العام السابع للهجرة بعد عام من الحديبية. </ref> وعمرة جعرانة <ref> الجعرانة: عين ماء بين الطائف ومكة، وهي إلى مكة أقرب، نزلها النبي {{صل}} عند عودته من حنين وأحرم منها {{صل}} بعمرة. ابن هشام، السيرة النبوية: 5/162؛ ياقوت الحموي، معجم البلدان: 2/142. </ref> كذلك ولم يحج فيها بل رجع إلى المدينة مع وجود المهلة.
 
وأما ما رووا من قول عمر « وأنا أنهى عنهما » فمعناه أن الفسقة وعوام الناس لا يبالون بنهي الكتاب وهو قوله تعالى { فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } وقوله تعالى { وأتموا الحج والعمرة لله } إلا أن يحكم عليهم الحاكم والسلطان ويجبرهم على مراعاة ما أمروا به وما نهوا عنه فلذلك أضاف النهي إلى نفسه، فقد تبين لك ولله تعالى الحمد زيف أقوالهم وظهر لك مزيد ضلالهم، والحق يعلو وكلمة الصدق تسمو.
 
===المطاعن الثالثة في حق ذى النورين وثالث العمرين {{عنه}} ===
 
فمنها أن عثمان ولى وأمر من صدر منه الظلم والخيانة وارتكاب الأمور الشنيعة كالوليد ابن عقبة <ref> الوليد بن عقبة أخو أمير المؤمنين عثمان لأمه، أمهما أروى بنت كريز، وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم، عمة النبي {{صل}} وتوأمة أبيه. أدرك خلافة الصديق الأكبر في أول شبابه وكان محل ثقته، وموضع السر في الرسائل الحربية التي دارت بين الخليفة وقائده خالد بن الوليد في وقعة المذار مع الفرس سنة 12. ثم وجهه مددا إلى قائده عياض بن غنم الفهري ( الطبري 4: 22 ). وفي سنة 13 كان الوليد بلي لأبي بكر صدقات قضاعة، ثم لما عزم الصديق على فتح الشام كان الوليد عنده بمنزلة عمرو بن العاص في الحرمة والثقة والكرامة فكتب إليه وإلى عمرو يدعوهما لقيادة فيالق الجهاد فسار عمرو بلواء الإسلام نحو فلسطين وسار الوليد إلى شرق الأردن ( الطبري 4: 29 – 30 ). ثم رأينا الوليد سنة 15 أميرا لعمر بن الخطاب على بلاد بني تغلب وعرب الجزيرة يحمى ظهور المجاهدين في شمال الشام لئلا يؤتوا من خلفهم. وكان الوليد أول ناشر لدعوة الإسلام بين نصارى تغلب وبقايا إياد بحماسة وغيرة لا مثيل لها. وبهذه الثقة الكبرى التي نالها الوليد من أبي بكر وعمر ولاه عثمان ولاية الكوفة، وكان من خير ولاتها عدلا ورفقا وإحسانا، وكانت جيوشه مدة ولايته على الكوفة تسير في آفاق الشرق فاتحة ظافرة موفقة. وانظر في[[تاريخ الطبري]] ( 5: 60 ) شهادة الإمام [[الشعبي]] له في إمارته وفي جهاده وجزيل إحسانه إلى الناس. وقد عزله عثمان {{عنه}} بعد أن حده في شرب الخمر سنة 29ه، ويقال إن بعض أهل الكوفة تعصبوا عليه فشهدوا عليه بغير الحق، ولما قتل عثمان اعتزل الوليد الفتنة، وكان قد غزا في سنة ثمان وعشرين أذربيجان وهو أمير القوم، مات في خلافة معاوية. الاستيعاب: 4/1552؛ الإصابة: 6/614. </ref> الذي شرب الخمر وأم الناس في الصلاة وهو سكران وصلى الصبح أربع ركعات ثم قال: هل أزيدكم؟ وولى معاوية الشام التي هي عبارة عن أربع ممالك فتقوى حتى أنه نازع الأمير وبغى عليه في أيام خلافته. <ref> قال ابن تيمية في [[منهاج السنة]] ( 2: 219 ) لم يكن معاوية ممن يختار الحرب ابتداء. </ref> وولى عبد الله بن سعد مصر فظلم أهلها ظلما شديدا حتى اضطرهم إلى الهجرة إلى المدينة وخرجوا عليه. وجعل مروان وزيره وكاتبه فمكر في حق محمد بن أبي بكر وكتب مكان اقبلوه اقتلوه. <ref> الخبر ليس في كتب التاريخ المعتبرة، ويظهر أنه من وضع الشيعة. </ref> ولم يعزلهم بعد الاطلاع على أحوالهم حتى تضجرت الناس منه فآل أمره إلى أن قتل، ومن كان في هذا حاله فهو غير لائق بالإمامة. <ref> هذه المطاعن من كتاب الحلي منهاج الكرامة، وانظر رد [[ابن تيمية]] في منهاج السنة النبوية </ref>
 
والجواب أن الإمام لابد له أن يفوض بعض الأمور إلى من يراه لائقا لما هنالك بحسب الظاهر، إذ ليس له علم الغيب، فإنه ليس بشرط في الإمامة عند أهل الحق. وقد كان عماله ظاهرا مطيعين له منقادين لأوامره. <ref> وما يقال عن عمال عثمان {{عنه}} يقال عن عمال علي {{عنه}}، فقد ظهر الخيانة والفساد من بعض من ولاه، مثل قوله لبعض بني عمه: « فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كَلَبَ والعدوَّ قد حَرِبَ، وأمانة الناس قد خُزِيَت، وهذه الأمة قد فَنَكَتْ ( أي بعدت ) وشغرت ( اشتدت ) قلبت لابن عمك ظهر المجن، ففارقته مع المفارقين، وخلته مع الخاذلين، وخُنْتَه مع الخائنين فلا ابن عمك آسيت، ولا الأمانة أدِّيْتَ ». نهج البلاغة ( بشرح ابن أبي الحديد ): 16/167. </ref> وقد ثبت في التاريخ أنهم خدموا الإسلام وشيدوا الدين، فقد فتحوا بلادا كثيرة حتى وصلوا غربا إلى الأندلس وشرقا إلى بلخ <ref> بلخ من أشهر مدن خراسان، افتتحها الأحنف بن قيس في أيام عثمان {{عنه}}. معجم البلدان: 1/479. </ref> وكابل، <ref> عاصمة أفغانستان اليوم، افتتحت في زمن بني مروان وأهلها مسلمون منذ ذلك الوقت. معجم ما استعجم: 4/1108؛ معجم البلدان: 4/426. </ref> وقاتلوا برا وبحرا، واستأصلوا أرباب الفتن والفساد من عراق العجم وخراسان. وقد عزل بعض من تحقق لديه بعد ذلك سوء حاله كما عزل الوليد. <ref> ذكر الطبري وغيره من المؤرخين بأن عثمان عزل الوليد بن عقبة بعد هذه الحادثة سنة 30ه وولى مكانه سعيد بن العاص. [[تاريخ الطبري]]: 4/271. قال الطبري في حق الوليد: « وكان أحب الناس في الناس وأرفقهم بهم، فكان كذلك خمس سنين وليس على داره باب ». تاريخ الطبري: 4/252. قال ابن تيمية: « وعثمان {{عنه}} لما علم أن الوليد بن عقبة شرب الخمر طلبه وأقام عليه الحد، وكان يعزل من يراه مستحقا للعزل ». [[منهاج السنة النبوية]]: 6/241. </ref> ومعاوية لم يبلغ في زمنه حتى يستحق العزل، بل قد أجرى خدمات كثيرة، كما غزا الروم وفتح منها بلادا متعددة. <ref> لم يكن هناك من سبب لعزل معاوية، وإنما سار عثمان {{عنه}} على سيرة عمر {{عنه}} في ذلك، وقد قدم معاوية خدمات جليلة للإسلام في عهد عثمان {{عنه}} تمثلت ببناء أول أسطول بحري إسلامي، والمساهمة في كسر الأسطول الرومي في البحر المتوسط. ينظر تاريخ الطبري ( حوادث سنة 31ه ). </ref>
 
وأما الشكايات التي وقعت على عبدالله بن سعد فمن تزوير عبدالله ابن سبأ وتسويلاته. وبالجملة لم يكن لعثمان قصور مما هنالك، وحاله مع عماله كحال الأمير مع عمله، إلا أن عمال عثمان كانوا منقادين لأوامره ومطيعين له بخلاف عمال الأمير. ومن راجع ما سلف منا من خطب الأمير في حق أتباعه وجنده وأشياعه تبين له صدق هذا الكلام، وأن لا عتب على ذى النورين في ذلك ولا ملام. وقد كتب الأمير كرم الله تعالى وجهه إلى المنذر بن الجارود العبدي « أما بعد فصلاح أبيك غرني وظننت أنك تتبع هداه وتسلك سبيله، فإذا أنت – فيما نما إلي عنك – لا تدع لهواك انقيادا، ولا تبقى لآخرتك عتادا. تغمر دنياك بخراب آخرتك، وتصل عشيرتك بقطيعة دينك » إلى آخر ما قال. <ref> نهج البلاغة ( بشرح ابن أبي الحديد ): 18/54. </ref> ومثل هذا كثير في ذلك الكتاب. فكما أن الأمير لا يلحقه طعن بسبب ما وقع من عماله، كذلك عثمان. وإلا فما الفرق؟ والله سبحانه الموفق للهداية وبه نستعيذ من الضلالة والغواية.
 
ومنها أن عثمان أدخل الحكم ( أبا مروان ) بن العاص <ref> الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي، عم عثمان بن عفان، أسلم يوم الفتح، مات سنة 32ه. [[الإصابة]]: 2/104. وقال ابن تيمية: « قصة نفي النبي {{صل}} للحكم ليست من الصحاح، ولا لها إسناد يعرف به أمرها... ولم تكن الطلقاء تسكن بالمدينة، فإن كان {{صل}} طرده فإنما طرده من مكة لا من المدينة، ولو طرده من المدينة لكان يرسله إلى مكة، وقد طعن كثير من أهل العلم في نفيه وقالوا: ذهب باختياره، وإذا كان النبي {{صل}} عزر رجلا بالنفي لم يلزم أن يبقى منفيا طول الزمان، فإن هذا لا يعرف بشيء من الذنوب، ولم تأت الشريعة بذنب يبقى صاحبه منفيا دائما ». منهاج السنة النبوية: 6/226. </ref> المدينة وقد أخرجه رسول الله {{صل}}.
 
والجواب أن الرسول {{صل}} إنما أخرجه لحبه المنافقين وتهيجه الفتن بين المسلمين ومعاونته الكفار، <ref> أي قبل الهجرة والفتح – إن صحت القصة. </ref> ولما زال الكفر والنفاق بعد وفاته {{صل}} وقوي الإسلام في خلافة الشيخين لم يبق محذور من إرجاعه إليها. وقد سبق مما هو مقرر عند الفريقين أن الحكم إذا علل بعلة ثم زالت زال. وعدم إرجاع الشيخين إياه لما حصل عندهما من ظن بقائه على ما كان عليه في زمن الرسول {{صل}}، وقد ارتفع ذلك عن عثمان زمن خلافته لأن الحكم كان ابن أخيه. على أن عثمان قال اعترضوا عليه بذلك: إني كنت أخذت الإذن من رسول الله {{صل}} في مرض موته على دخول الحكم المدينة وعدم قبول أبي بكر ذلك مني لطلبه شاهدا آخر على إذنه {{صل}} له بالدخول المدينة، وكذلك عمر، ولما أدت النوبة إلى عملت بما علمت. <ref> لم يعرف مصدر الرواية. </ref> وأيضا قد ثبت أن الحكم قد تاب في آخر عمره من النفاق ومما كان يفعله من التزوير والاختلاق، والله تعالى الهادي إلى طريق السداد، ومنه التوفيق والرشاد.
 
ومنها أن عثمان وهب لأهل بيته وأقاربه كثيرا من المال، وصرف من بيت المال مصارف كثيرة في غير محلها مما يدل على إسرافه، كما اعطى الحكم مائة ألف درهم <ref> نقله المجلسي عن الواقدي في بحار الأنوار: 31/300. </ref> وأعطى مروان خمس إفريقية <ref> ذكرها الإمامية في كتبهم نقلا عن الواقدي. المجلسي، بحار الأنوار: 31/221. ولا تصح تاريخيا لأن الطبري روى في قصة الخمس هذه أن عمرو بن العاص عندما كان واليا على مصر، وكان عبد الله بن سعد على جندها وأراد أن يغزو أفريقية قال له عمرو بن العاص: « إن فتح الله عليك غدا أفريقية فلك مما أفاء الله على المسلمين خمس الخمس من الغنيمة نفلا »، ولم يكن عثمان {{عنه}} يعلم بهذا، فلما علم رد المال وعزل عمرو بن العاص لذلك. تاريخ الطبري: 2/597. </ref> [ وسعيد بن ] العاص <ref> في المطبوع خالد بن أسيد بن العاص والصحيح سعيد بن العاص. </ref> ثلاث مائة ألف درهم وذلك لما جاء من مكة، <ref> رواية شيعية لا أصل تاريخي لها، أخرجها الطوسي في أماليه: ص 711؛ وعنه المجلسي في بحار الأنوار: 31/451 </ref> إلى غير ذلك من الإسراف الوافر والبذل المتكاثر، ومن كان بهذه الأحوال كيف يستحق الإمامة من بين الرجال. <ref> الحلي، نهج الحق: ص 293. </ref>
 
والجواب – على فرض التسليم – أن عثمان {{عنه}} بذل ذلك من كيسه لا من بيت المال، فإنه كان من المتمولين قبل أن يكون خليفة، ومن راجع كتب السير أقر بهذا الأمر، فقد كان {{عنه}} يعتق في كل جمعة رقبة، ويضيف المهاجرين والأنصار، ويطعمهم في كل يوم. وقد روي عن الإمام الحسن البصري أنه قال: إنى شهدت منادي عثمان ينادي « يا أيها الناس اغدوا على أعطياتكم، فيغدون فيأخذونها وافرة، يا أيها الناس اغدوا على أرزاقكم، فيغدون فيأخذونها وافية حتى والله لقد سمعته أذناي يقول: اغدوا على كسوتكم، فيأخذون الحلل » <ref> تاريخ دمشق لابن عساكر: 39/227. </ref> ومن راجع كتب التواريخ علم درجة سخائه رضي الله تعالى عنه، ولم ينقل عن أحد الإنفاق في سبيل الله تعالى موجب للطعن، <ref> قال الطبري في تاريخه ( 5: 103 ): كان عثمان قد قسم ماله وأرضه في بني أمية، وجعل ولده كبعض من يعطي، فبدأ ببني أبى العاص فاعطي آل الحكم رجالهم عشرة آلاف عشرة آلاف، فأخذوا مائة ألف، وأعطى بني عثمان مثل ذلك، وقسم في بني العاص وبني العيص وفي بني حرب. وقد أشار عثمان إلى ذلك في خطبته المشهورة على منبر رسول الله {{صل}} ردا على زعماء الفتنة والبغاة عليه فقال: « وقالوا إني أحب أهل بيتي وأعطيهم، فأما حبي لهم فإنه لم يمل معهم على جور، بل أحمل الحقوق عليهم. وأما إعطاؤهم فإني إنما أعطيهم من مالي، ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد من الناس. وقد كنت اعطي العطية الكبيرة الرغيبة من صلب مالي أزمان رسول الله {{صل}} وأبي بكر وعمر، وأنا يومئذ شحيح حريص، أفحين أتت على اسنان أهل بيتي وفنى عمرى وودعت الذي لى في أهلي قال الملحدون ما قالوا؟ ». نعم إن عثمان يود ذوي قرابته، ومودته لهم من فضائله، وهم لذلك أهل ورسول الله {{صل}} ما أستعان برجال من عشيرة ولا ولى عددا من فريق بقدر ما استعان برجال بني أمية وولى أموره لرجالهم. وحتى بلدة مكة ولاها لفتى من فتيانهم، وكان هو وكان بقية هؤلاء الرجال الأماجد عند حسن ظنه بهم، وكذلك كانوا مدة ابي بكر وعمر وعثمان وفي كل زمان ومكان إلا النادر منهم، وما هم بمعصومين. وهذا الخلق الكريم في مودة عثمان لذوى رحمه أثني عليه به علي فقال « إن عثمان أوصل الصحابة للرحم » وعلي أعرف الناس بابن عمه عثمان وكان عثمان وعلي في زمن النبي {{صل}} شديدي الصلة والمحبة فيما بينهما، وكان الناس يحملون ذلك على أنهما من بني عبد مناف. </ref> والله تعالى الهادي. <ref> أخرج الترمذي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: « لما حصر عثمان أشرف عليهم فوق داره ثم قال: أذكركم بالله هل تعلمون أن حراء حين انتفض قال رسول الله {{صل}} اثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد؟ قالوا: نعم قال: أذكركم بالله هل تعلمون أن رسول الله {{صل}} قال في جيش العسرة: من ينفق نفقة متقبلة والناس مجهدون معسرون فجهزت ذلك الجيش؟ قالوا: نعم، ثم قال: أذكركم بالله هل تعلمون أن بئر رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بثمن فابتعتها فجعلتها للغني والفقير وابن السبيل؟ قالوا: اللهم نعم وأشياء عددها » كتاب المناقب. وأخرج أحمد عن عبد الرحمن بن سمرة قال: « جاء عثمان بن عفان إلى النبي {{صل}} بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي {{صل}} جيش العسرة، قال: فصبها في حجر النبي {{صل}}، فجعل النبي {{صل}} يقلبها بيده ويقول: ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم، يرددها مرارا ». </ref>
 
ومنها أن عثمان قد عزل في خلافته جمعا من الصحابة عن مناصبهم كما عزل أبا موسى الأشعري عن البصرة <ref> والسبب شكاية أهل البصرة من أبي موسى، فذهبوا إلى عثمان {{عنه}} وطلبوا أن يعزله. [[تاريخ الطبري]]: 2/604. </ref> ونصب مكانه عبدالله بن عامر، <ref> هو عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة القرشي، قال ابن حجر: وكان جودا شجاعا ولاه عثمان البصرة بعد أبي موسى الأشعري سنة 9ه، فافتتح في إمارته خراسان كلها وسجستان وكرمان، وفي إمارته قتل يزدجرد آخر ملوك الفرس، توفي سنة 75ه. [[تهذيب التهذيب]]: 5/239. </ref> وعزل [[عمرو بن العاص]] <ref> الآن صار الشيعة ينتصرون لعمر بن العاص ويتوجهون له! </ref> عن مصر ونصب مكانه عبدالله بن سعد <ref> قال الطبري في حوادث سنة 27ه: « لما ولي عثمان أقر عمرو بن العاص على عمله وكان لا يعزل أحدا إلا عن شكاة أو استعفاء شكاة »، ثم جاء أهل مصر يشكون عمرو بن العاص لعثمان، فعزله وولى مكانه سعد بن عبد الله. تاريخ الطبري: 2/597. </ref> مع أنه قد ارتد في عهد الرسول {{صل}} ولحق بمشركي مكة وأباح {{صل}} دمه يوم الفتح حتى تكفله عثمان فأسلم. <ref> والإسلام يجب ما قبله. وصار مجاهدا فاتحا وله مثل ثواب كل من أسلم على يده من سكان شمال إفريقية. </ref> وعزل [[عمار بن ياسر]] <ref> عزل عمار بن ياسر كان في خلافة عمر بن الخطاب {{عنه}} سنة 22ه كما ذكر الطبري وغيره.. ولما ولي علي {{عنه}} لم يولِ عمارا الكوفة بل أقر أبا موسى عليها، مما يدل على صحة العزل، وقد ذكر أنه غير عالم بالسياسة. تاريخ الطبري 2/544. </ref> عن الكوفة و[[عبد الله بن مسعود]] عن قضائها. <ref> ذكر [[ابن حجر]] عن زيد بن وهب قال: « لما بعث عثمان إلى ابن مسعود يأمره بالقدوم إلى المدينة اجتمع الناس فقالوا أقم ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه، فقال: إن له علي حق الطاعة ولا أحب أن، أكون أول من فتح باب الفتن ». الإصابة: 4/235. </ref>
 
والجواب أن عزل العمال ونصبهم من وظيفة الخلفاء والأئمة، ولا يلزمهم إبقاء العمال السابقين على حالهم. نعم لا ينبغي العزل من غير سبب وعزل هؤلاء كان لسبب، وقد فصل ذلك في كتب التواريخ فراجعها.
 
ومنها أن عثمان درأ القصاص <ref> قال القاضي [[أبو بكر بن العربي]] في ( [[العواصم من القواصم]] ) ص 107: كان ذلك والصحابة متوافرون والأمر في أوله وقد قيل: إن الهرمزان سعى في قتل عمر وحمل الخنجر وظهر تحت ثيابه. وفي تاريخ الطبري ( 5: 42 ) شهادة عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق على الهرمزان مروية عن سعيد بن المسيب. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في [[منهاج السنة]] ( 3: 200 ): وقد قال عبدالله بن عباس لما طعن عمر – وقال له عمر: كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة – فقال [[ابن عباس]]: إن شيء ت نقتلهم. قال ابن تيمية: فهذا ابن عباس وهو أفقه من عبيد الله بن عمر وأدين وأفضل بكثير يستأذن عمر في قتل علوج الفرس مطلقا الذين كانوا في المدينة. لما اتهموهم بالفساد، اعتقدوا جواز مثل هذا. وإذا كان الهرمزان ممن أعان على قتل عمر كان من المفسدين في الأرض المحاربين فيجب أنه يقتل يعمر بن الخطاب، فإنهم يعيدون لمقتل عمر ويسمون قاتله وهو أبو لؤلؤة ( بابا شجاع الدين ) </ref> عن عبيد الله بن عمر وقد قتل الهرمزان ملك الأهواز الذي أسلم في زمن عمر بعد ان اتهمه في مشاركة من قتل عمر، <ref> وقد غضب عثمان {{عنه}} لتصرف عبيد الله، وعزم على معاقبته إلا إن بعض الصحابة منهم عبد الرحمن بن عوف وعمرو بن العاص رأوا أن مصلحة المسلمين الاكتفاء بالدية لعظم المصاب ولتجنب الفتنة، كما روى ابن عساكر: « عن نافع قال: رأى عبد الرحمن بن عوف السكين التي قتل بها عمر فقال: رأيت هذه أمس مع الهرمزان وجفينه، فقلت: ما تصنعان بهذه السكين؟، فقالا: نقطع بها اللحم فإنا لا نمس اللحم، فقال له عبيد الله بن عمر: أنت رأيتها معهما قال: نعم فأخذ سيفه ثم أتاهما فقتلهما، فأرسل إليه عثمان فأتاه فقال: ما حملك على قتل هذين الرجلين وهما في ذمتنا، فأخذ عبيد الله عثمان فصرعه حتى قام الناس إليه فحجزوه عنه قال وقد كان حين بعث إليه عثمان تقلد السيف فعزم عليه عبد الرحمن أن يضعه فوضعه ». تاريخ دمشق: 38/61. </ref> مع أن القاتل كان أبا لؤلؤة فقط وقد قتل أيضا جنيفة النصراني لاتهامه بذلك. وقد اجتمع الصحابة عليه ليقتص من عبيد فلم يوافقوهم وأدى ديتهم عنه فخالف حكم الله فليس يليق للإمامة.
 
والجواب أن القصاص لم يثبت في تلك الصور، لأن ورثة الهرمزان لم يكونوا في المدينة بل كانوا في فارس، ولما أرسل عليهم عثمان لم يحضروا المدينة خوفا كما ذكر المرتضى في بعض كتبه. <ref> ذكره صاحب نهج الحق: 298. لكن في رواية للطبري في تاريخه ( 5: 43 – 44 ) عن سيف بن عمر عن أشياخه أن القماذ بن الهرمزان دعاه عثمان وامكنه من عبيد الله فقال القماذ باذ « تركته لله ولكم ». وانظر تفاصيل ذلك في التعليقات على ( العواصم من القواصم ) ص 106 – 108. </ref> وشرط حضور جميع ورثة المقتول كما ذهبت إليه الحنفية، فلم يبق إلا الدية، وقد أعطاها من بيت المال لا من القاتل، ولأن بنت أبي لؤلؤة كانت مجوسية وجفنة كان نصرانيا وقد قال {{صل}} « لا يقتل مسلم بكافر » <ref> البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه. </ref> وهذا ثابت عندهم. <ref> رواه الطوسي في الاستبصار: 4/170؛ ابن البطريق، العمدة: ص 314. </ref> على أنه لو اقتص عثمان من عبيد الله لوقعت فتنة عظيمة لأن بني تيم وبني عدي كانوا مانعين من القتل، وكانوا يقولون لو اقتص عثمان من عبيد الله لحاربناه، ونادى عمرو بن العاص وهو رئيس بني سهم فقال: أيقتل أمير المؤمنين أمس ويقتل ابنه اليوم؟ لا والله لا يكون هذا أبدا. <ref> وردت في تاريخ الطبري دون التصريح باسم عمرو بن العاص. </ref> وهذا كما ثبت عندهم من أن الأمير لم يقتص من قتله عثمان خوفا من الفتنة. <ref> قاله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 9/293. </ref>
 
ومنها أن عثمان غير سنة رسول الله {{صل}} لأنه صلى اربع ركعات في منى مع أنه {{صل}} كان يقصر الصلاة الرباعية في سفره دائما. وقد أنكر عليه الجماعة من الصحابة ذلك الفعل. <ref> قال الحلي في نهج الحق: ص 301. </ref>
 
والجواب أن عثمان ما كان إذ ذك مسافرا لأنه تزوج في مكة وتبوأ منزلا فيها وأقام في تلك البقعة المباركة، ولما طلع الأصحاب على حقيقة الحال زال عنهم الإنكار والإشكال. <ref> أخرج أحمد في مسنده من رواية عبد الرحمن بن أبي ذباب أن عثمان قال: « يا أيها الناس إني تأهلت بمكة منذ قدمت، وإني سمعت رسول الله {{صل}} يقول: من تأهل ببلد فليصلِّ صلاة المقيم ». </ref>
 
ومنها أن عثمان قد وهب لصحابه ورفقائه كثيرا من أراضى بين المال وأتلف حقوق المسلمين.
 
والجواب أنه كان يأذن لهم بإحياء أراضي الموات، ومن يحيى الموات فهي له لقوله عليه الصلاة والسلام: « موتان الأرض لله ولرسوله فمن أحيا منها شيئا فهو له » <ref> البيهقي في السنن الكبرى: 6/143، رقم 11564. </ref> ولم يهب لأحد أرضا معمورة مزروعة كا يعلم ذلك من التاريخ. <ref> قال الإمام أبو يوسف صاحب أبي حنيفة في متاب ( الخراج ) ص 61 صبع المطبعة السلفية: وقد اقطع رسول الله {{صل}} وتألف على الإسلام أقواما وأقطع الخلفاء من بعده من رأوا أن في إقطاعه صلاحا ( وضرب أبو يوسف الأمثلة على ذلك ). وانظر باب القطائع ص 77 – 78 من كتاب ( الخراج ) ليحيى بن آدم القرشي طبع السلفية أيضا. وذكر الإمام [[الشعبي]] بعض الذين اقطعهم عثمان فقال: « واقطع الزبير، و خبابا، وعبد الله اب نمسعود، وعمار بن ياسر، ابن هبار. فإن يكن عثمان أخطأ، فالذين قبلوا منه الخطأ أخطأوا، وهم الذين أخذنا عنهم ديننا » ( انظر الطبري 4: 148 ). وأقطع علي بن ابي طالب كردوس بن هاني ( الكردوسية )، وأقطع سويدا بن غفلة أرضا لدا ذويه. فكيف ينكرون على عثمان ويسكتون عن عمر وعلي؟ وللقاضي أبي يوسف كلام سديد في هذا الموضوع في كتاب ( الخراج ) ص 60 – 62. </ref>
 
ومنها أن الصحابة كلهم كانوا راضين بقتله ويتبرأون منه حتى تركوه بعد قتله ثلاثة أيام بلا دفن. <ref> الحلي في نهج الحق: ص 299. </ref>
 
والجواب أن هذا كله كذب صريح وبهتان فضيح على الصبيان فضلا عن ذوي العرفان، <ref> ذكر قصة التأخر القرطبي في التذكرة: ص 617. لكن الثابت أنه دفن في الليلة نفسها التي قتل فيها كما نقل الطبري في التاريخ: 2/689. </ref> ألا ترى أن [[طلحة]] و[[الزبير]] و[[عائشة]] الصديقة ومعاوية و[[عمرو بن العاص]] رضي الله عنهم قد قاتلوا لأجل طلب القصاص لعثمان، وقد ثبت في التواريخ عند الفريقين أن الصحابة كلهم لم يألوا جهدا في دفع البلوى عنه حتى استأذنوا منه في قتال المحاصرين فلم يجوز لهم، <ref> نقل البلاذري في أنساب الأشراف ( 5: 73 ) من حديث الإمام [[محمد بن سبرين]] أن زيد بن ثابت {{عنه}} دخل على عثمان وقال له: إن هؤلاء الأنصار بالباب يقولون « إن شيء ت كنا أنصار الله مرتين » فقال عثمان « لا حاجة لي بذلك كفوا ». قال القاضي أبو بكر بن العربي في ( [[العواصم من القواصم]] ) ص 136: « إن أحدا من الصحابة لم يسع عليه ولا قعد عنه. ولو استنصر ما غلب ألف أو أربعة آلاف غرباء عشرين ألفا بلديين أو أكثر من ذلك، ولكنه ألقى بيده إلى المصيبة ». </ref> وكانوا مهما تمكنوا يوصلون إليه الماء ويفرجون عنه. وجاء [[زيد بن ثابت]] الأنصار وقال شبابهم له: إن شيء ت كنا أنصار الله مرتين. <ref> عن يحيى بن زيد بن ثابت قال: « لما حصر عثمان أتاه زيد بن ثابت فدخل عليه الدار، فقال له عثمان: أنت خارج الدار أنفع لي منك ههنا، فذب عني، فخرج فكان يذب الناس ويقول لهم فيه، حتى رجع لقوله أناس من الأنصار وجعل يقول: يا للأنصار كونوا أنصار الله مرتين انصروه، والله إن دمه ». تاريخ ابن دمشق: 19/320؛ ابن الأثير، [[الكامل في التاريخ]]: 3/82. </ref> وجاء [[عبد الله بن عمر]] مع المهاجرين وقال: إن الذين خرجوا عليك قد أمنوا سيوفنا، واستأذنه لقتالهم فلم يؤذن له. <ref> أخرج رواية قريبة ابن عساكر في تاريخ دمشق: 39/395. </ref> وكان السبطان <ref> عن عبد الله بن رباح أنه قال: « انطلقت أنا وأبو قتادة إلى عثمان حين حصره القوم فلما خرجنا من عنده استقبلت الحسن بن علي بن أبي طالب داخلا عليه فرجعنا معه لننظر ما يقول له الحسن فقال يا أمير المؤمنين مرني بأمرك فإني طوع يديك فمرني بما شيء ت فقال له عثمان ابن أخ ارجع فاجلس في بيتك حتى يأتي الله بأمره فلا حاجة لنا في إهراق الدماء ». تاريخ دمشق: 39/ 390 – 391. وفي رواية أخرى: « الحسن بن علي كان آخر من خرج من عند عثمان ». </ref> وعبد الله بن عمر <ref> عن [[نافع]] عن [[ابن عمر]]: « أنه لبس الدرع يوم الدار مرتين وقال: والله لنقاتلن عن عثمان ». تاريخ دمشق: 39/394 </ref> و[[عبد الله بن الزبير]] وعبد الله بن عامر بن ربيعة <ref> عن يحيى بن سعيد قال سمعت: « عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول: كنت مع عثمان في الدار، فقال: أعزم على كل من رأى أن لنا عليه طاعة إلا كف يده وسلاحه، فإن أفضلكم عندي غناء من كف يده وسلاحه ». تاريخ دمشق: 39/398. </ref> و[[أبو هريرة]] <ref> عن أبي هريرة قال قلت لعثمان اليوم طاب الضرب معك قال أعزم عليك لتخرجن. تاريخ دمشق: 39/396 </ref> وغيرهم من الصحابة معه في دار وكانوا يدافعون عنه كلما هجم عليه أهل البغي والعدوان ولم يأذن لهم ولا لأحد بقتالهم.
 
وقد ثبت في نهج البلاغة من كلام الأمير أنه قال « والله قد دفعت عنه » <ref> شرح نهج البلاغة: 13/296 </ref> إلى غير ذلك. <ref> أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله الأنصاري: « أن عليا أرسل إليه، يعني إلى عثمان، إن معي خمسمائة دارع، فأذن لي فأمنعك من القوم فإنك لم تحدث شيئا يستحل به دمك، قال: جزيت خيرا ما أحب أن يهراق دم في سببي ». تاريخ دمشق: 39/398. </ref> وقد شيع جنازته جماعة من الصحابة والتابعين ودفنوه بثيابه الملطخة بالدم ليلا ولم يؤخروه. وقد حضرت الملائكة جنازته لما روى الحافظ الدمشقي مرفوعا عن النبي {{صل}} أنه قال « يوم موت عثمان تصلي عليه ملائكة السماء » قال الراوي: قلت يا رسول الله عثمان خاصة أو الناس عامة؟ قال: عثمان خاصة. <ref> أخرجه: الطبراني، المعجم الأوسط: 3/287، رقم 3172؛ الديلمي، مسند الفردوس: 5/533، رقم 8999؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق: 18/393. </ref>
 
ونسبة هجوه وبغضه إلى الصحابة كذب وزور، وذلك في غاية الظهور. فقد روى الديلمي وهو من المعتبرين عند الشيعة في ( المنتقى ) عن الحسن بن علي قال « ما كنت لأقاتل بعد رؤيا رأيتها: رأيت رسول الله {{صل}} واضعا يده على العرش، ورأيت أبا بكر واضعا يده على منكب رسول الله {{صل}}، ورأيت عمر واضعا يده على منكب أبي بكر، ورأيت عثمان واضعا يده على منكب عمر، ورأيت دما دونه، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: دم عثمان يطلبه الله تعالى به ». <ref> أخرجه أبو يعلى في مسنده: 12/138؛ ابن عدي، الكامل في ضعفاء الرجال: 2/167 </ref>
 
وروى ابن السمان عن قيس بن عباد قال سمعت عليا يوم الجمل يقول « اللهم إنى أبرأ إليك من دم عثمان، ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي، وجاءوني للبيعة فقلت: ألا أستحي من الله أن أبايع قوما قتلوا رجلا قال له رسول الله {{صل}}: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة، إني لأستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل في الأرض لم يدفن بعد، فانصرفوا. فلما دفن رجع الناس يسألون البيعة فقلت: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه. ثم جاءت عزيمة فبايعت. قال: فقالوا « يا أمير المؤمنين » فكأنما صدع قلبي » <ref> أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/101. </ref>
 
وروى ابن السمان أيضا عن محمد بن الحنفية أن عليا قال يوم الجمل « لعن الله قتلة عثمان في السهل والجبل » وعنه أن عليا بلغه أن عائشة تلعن قتلة عثمان فرفع يديه حتى بلغ بهما وجهه فقال « وأنا ألعن قتلة عثمان، لعنهم الله في السهل والجبل » مرتين أو ثلاثا. <ref> أخرج الرواية أبي شيبة في مصنفه: 7/539؛ نعيم بن حماد، الفتن: 1/171؛ الإمام أحمد، فضائل الصحابة: 1/455؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق: 39/455. </ref> إلى غير ذلك من أقوال أهل البيت وسائر الصحابة مما يدل على مزيد حبهم له وتأسفهم على مصيبته.
 
وهذا الكتاب لا يحتمل ذكر ذلك على سبيل التفصيل، وتأخير دفنه إلى ثلاثة ايام زور وبهتان كما يعلم مما ذكرنا من البيان. كيف وقد أجمع المؤرخون على أن شهادته {{عنه}} بعد العصر يوم الجمعة لعشر خلون من ذي الحجة، ودفن في البقيع ليلة السبت {{عنه}} وأرضاه، وجعل الغرف العالية مستقرة ومثواه، ونسأله تعالى أن يحشرنا في زمرتهم، ويميتنا على محبتهم.
 
===المطاعن الرابعة===
 
في حق أم المؤمنين وحبيبة حبيب رب العالمين [[عائشة]] الصديقة وزوج مفخر العوالم على الحقيقة
 
منها أنها خرجت من المدينة إلى مكة <ref> لقد خرجت {{عنها}} من المدينة إلى مكة حاجة بيت الله الحرام عند اشتداد فتنة البغاة على أمير المؤمنين وقبيل شهادته. </ref> ومنها إلى البصرة ومعها ما يزيد عل ستة عشر ألف رجل من العسكر. وقد قال تعالى في الأزواج المطهرات { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } فأمرهن بالسكون في البيوت، ونهاهن عن الخروج من بيوتهن. <ref> ابن طاوس، الطرائف: 1/291. </ref>
 
والجواب أن الأمر باستقرارهن في البيوت والنهي عن الخروج منها ليس بمطلق، ولو كان مطلقا لما أخرجهن رسول الله {{صل}} بعد نزول الآية إلى الحج والعمرة والغزوات ولا رخص لهن بزيارة الوالدين وعيادة المريض وتعزية أقاربهن. واللازم باطل فكذا الملزوم. والمراد من هذا الأمر والنهي تأكيد التستر والحجاب بأن لا يدرن ولا يتسكعن في الطرق والأسواق كنساء العوام، ولا منافاة بين السفر وبين التستر والحجاب، ألا ترى أن المخدرات من نساء الأمراء والملوك يخرجن من بلد إلى بلد ومعهن جمع من الخدم والأتباع. ولا سيما إذا كان السفر متضمنا لمصلحة دينية ودنيوية كالجهاد والحج والعمرة. وسفر أم المؤمنين كان من هذا القبيل، لأنها خرجت لإصلاح ذات البين وأخذ القصاص من قتلة عثمان {{عنه}} المقتول ظلما وعدوانا، وذلك لا يعد تبرجا.
 
ويجاب أيضا بأن ما طعنوا به أم المؤمنين وجد في فاطمة {{عنه}} أيضا لما ثبت في كتبهم بطريق التواتر أن الأمير قد أركب فاطمة على مطية وطاف بها <ref> ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه! أهكذا يصل حب الدنيا بأمير المؤمنين أن يستخدم ابنة رسول الله عليها السلام ويطوف بها على الناس من أجل حطام ومتاع قليل؟ </ref> في محلات المدينة ومساكن الأنصار طالبا منهم الإعانة على ما غصب من حقها زمن خلافة الصديق {{عنه}}. <ref> الرواية عن سليم بن قيس الهلالي، وهو من أوثق أصولهم، عن سلمان الفارسي قال « فلما كان الليل [ في اليوم الذي توفي فيه رسول الله {{صل}} ] حمل عليٌّ فاطمة على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين، فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتى منزله وذكر حقه إلى نصرته... ». كتاب سليم بن قيس: ص 580؛ الطبرسي، الاحتجاج: 1/82. </ref>
 
ويجاب أيضا بأن جميع رجال المؤمنين أبناء لأزواج النبي {{صل}} بالاتفاق، <ref> هذا خاص بالمؤمنين، قال تعالى: { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } </ref> وجميع من كان مع الصديقة في سفرها فهم أبناؤه. ولذا طلبت القصاص من القتلة، فلا إشكال ولا قيل ولا قال. وسيأتي قريبا بيان هذه القصة مفصلا إن شاء الله تعالى.
 
ومنها أن عسكر عائشة لما أتوا البصرة نهبوا بيت المال وأخرجوا عامل الأمير عثمان بن حنيف الأنصاري مهانا، مع أنه من صحابة رسول الله {{صل}}.
 
والجواب أن هذه الأمور لم تقع برضاء عائشة ولا علمت بذلك، حتى أنها لما علمت ما جرى في حق عثمان بن حنيف اعتذرت له واسترضته. <ref> روى الطبري ما يدل على هذا من طريق سيف بن عمر، وأن من فعله واجترأ على عثمان بن حنيف كان بعض الغلمان من عسكر أم المؤمنين، ولم تكن تعلم بذلك فلما سمعت أمرتهم أن يطلقوا سراحه. تاريخ الطبري: 3/17. ومعروف كثرة الأعراب بين الفريقين. لكن الرواية التي احتج بها الشيعة واهية جدا لأنها رواية أبي مخنف المؤرخ الشيعي الواهي جدا، وسيف بن عمر أفضل منه بدرجات. </ref> ومثل هذا وقع لعسكر الأمير مع أبي موسى الأشعري فقد أحرقوا بيته ونهبوا متاعه لما دخلوا الكوفة <ref> ذكر الطبري في حوادث سنة 36ه قال: كان علي {{عنه}} قد خرج إلى البصرة، فوردت إليه الأنباء من الكوفة بأن أبا موسى الأشعري عامله عليها لا يوافقه الرأي في القتال، فأرسل إليه عمار بن ياسر ليستفهم الأمر، ولما كان مالك الأشتر من طلاب الفتنة فقد ألحَّ على الأمير في الذهاب إلى الكوفة، فأذن له وهنا استغل مالك الأشتر الفرصة لإثارة أهل الكوفة على أبي موسى الأشعري، قال الطبري: « فأقبل الأشتر حتى دخل الكوفة، وقد اجتمع الناس في المسجد الأعظم، فجعل لا يمر بقبيلة يرى فيها جماعة في مجلس أو مسجد إلا دعاهم، ويقول: اتبعوني إلى القصر، فانتهى إلى القصر في جماعة من الناس، فاقتحم القصر فدخله وأبو موسى قائم في المسجد يخطب الناس... فخرج عليه غلمان لأبي موسى يشتدون ينادون: يا أبا موسى هذا الأشتر قد دخل القصر، فضربنا وأخرجنا، فنزل أبو موسى فدخل القصر فصاح به الأشتر: اخرج من قصرنا لا أم لك، أخرج الله نفسك فوالله إنك لمن المنافقين قديما، قال: أجلني هذه العشية، فقال هي لك ولا تبيتن في القصر الليلة ودخل الناس ينتهبون متاع أبي موسى فمنعهم الأشتر، وأخرجهم من القصر وقال إني قد أخرجته فكف الناس عنه... ». تاريخ الطبري: 3/25 – 82. فما فعل طلاب الفتنة بعثمان بن حنيف حدث أيضا لأبي موسى الأشعري، فلم التعصب؟ </ref> ومنهم مالك الأشتر. <ref> هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث المذحجي، من أصحاب علي {{عنه}}، شهد مشاهده كلها، وولاه مصر، فلما كان بالعريش مات هناك، قال [[الذهبي]]: « وقد كان علي يتبرم به لأنه صعب المراس ». طبقات ابن سعد: 6/213؛ [[سير أعلام النبلاء]]: 4/34. </ref>
 
ومنها أن عائشة أفشت سر النبي {{صل}}، قال تعالى { وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير }. <ref> نهج الحق للحلي ص 370. </ref>
 
والجواب أن إفشاء السر وقع من حفصة لا غير بإجماع المفسرين، وذلك أنها رأت النبي {{صل}} مع مارية في فراشها من ثقب الباب، وقال لها إني حرمت مارية على نفسي فاكتميه ولا تفشيه، فذهبت حفصة وبشرت عائشة بذلك. <ref> أخرج الطبري في تفسيره عن زيد بن أسلم: « أن رسول الله {{صل}} أصاب أم إبراهيم في بيت بعض نسائه قال: فقالت: أي رسول الله في بيتي وعلى فراشي، فجعلها عليه حراما فقالت يا رسول الله كيف تحرم عليك الحلال فحلف لها بالله لا يصيبها فأنزل الله عز وجل يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك ». التفسير: 28/155؛ وأخرجه بلفظ آخر البيهقي، السنن الكبرى: 7/352؛، وأخرج النسائي رواية أخرى عن أنس: « أن النبي {{صل}} كانت له أمة يطؤها فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها فأنزل الله تعالى هذه الآية... ». سنن النسائي: 7/71، رقم 3959. قال الحافظ [[ابن حجر]]: « وسنده صحيح... وله شاهد مرسل أخرجه الطبري بسند صحيح عن زيد بن أسلم... ». [[فتح الباري]]: 9/376. </ref> ومن مزيد فرحها اشتبه عليها الأمر فظنت أن الذي أمرت بكتمانه هو ما رأته من الشق لا التحريم. وقد عد ذلك الإفشاء من حفصة معصية وقد تابت عنها، وقد ثبت ذلك في تفاسير الشيعة كمجمع البيان للطبرسي. <ref> الطبرسي، مجمع البيان: 5/314. </ref>
 
ومنها أن عائشة قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي {{صل}} ما غرت على خديجة <ref> من مطاعن الحلي في نهج الحق: 398. </ref> وما رأيتها قط ولكن كان رسول الله {{صل}} يكثر ذكرها. <ref> متفق عليه </ref>
 
والجواب أن الغيرة محبوبة في النساء، ولا مؤاخذة على الأمور الجبلية. نعم لو صدر قول أو فعل مخالف للشرع للغيرة تتوجه الملامة. وفي الحديث الصحيح إن بعض أمهات المؤمنين غارت على الأخرى حين أرسلت إلى رسول الله {{صل}} طعاما لذيذا وكان النبي {{صل}} إذ ذاك في بيت من تغار وأخذت الطبق من يد خادمها فضربت به على الأرض حتى انكسر [ الإناء ] <ref> زيادة من كتب الحديث </ref> وانصب الطعام فقام رسول الله {{صل}} إلى ذلك الطعام بنفسه فاجتناه وجمعه من الأرض وقال « قد غارت أمكم » <ref> [[صحيح البخاري]] كتاب النكاح باب الغيرة </ref> ولم يعاتبها ولم يوبخها، فكيف يسوغ لأفراد الأمة أن يجعلوا أمهات المؤمنين هدفا لسهام مطاعنهم؟ والله الموفق.
 
ومنها أن عائشة كانت تقول في آخر الحال: قاتلت عليا ووددت أني كنت نسيا منسيا. <ref> البيهقي، الاعتقاد: ص 373؛ ابن الجوزي، المنتظم: 5/95 </ref>
 
والجواب أن هذه الرواية ما صحت بهذا اللفظ، والذى صح أنها تذكر يوم الجمل وتبكي بكاءا شديدا حتى يبتل محجرها <ref> في المطبوع ( معجرها ). قال ابن منظور: « محجر العين: ما دار بها وبدا من البرقع من جميع العين، وقيل هو ما يظهر من نقاب المرأة ». [[لسان العرب]] </ref> المبارك بالدموع لاستعجالها وترك التأمل ولم تحقق من قبل أن ماء الحوأب <ref> قال ياقوت الحموي: « هو ماء قريب من البصرة في الطريق من مكة إليها ». معجم البلدان: 2/314 </ref> واقع في أثناء السبيل أم لا. وعلى تقدير صدور ذلك منها فلا ضير، إذ قد صح عند أهل السنة صدور مثل هذا اللفظ عن الأمير كرم الله تعالى وجهه لما طاف على القتلى من الطرفين فقال « يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا » وهو يضرب فخذيه.
 
ومنها أنها زينت يوما جارية كانت عندها وقالت: لعلنا نصطاد بها شابا من شباب قريش بأن يكون مشغوفا بها. <ref> أخرجه ابن أبي شيبة، المصنف: 4/49. </ref>
 
والجواب أن هذه الرواية وردت عن وكيع بن الجراح [ عن العلاء بن عبد الكريم ] <ref> زيادة من السيوف المشرقة </ref> عن عمار بن عمران عن امرأة من غنم عن عائشة رضي الله عنها، وعمار بن عمران والامرأة مجهولان فلا تقبل هذه الرواية. <ref> أثر ضعيف لا يصلح للاحتجاح. </ref> والحاصل أن هذا الخبر لا صحة له عند أهل السنة بل لا ورود له. وعلى تقدير وروده عند الشيعة فبمقتضى قواعد الأصول عند الفريقين أنه غير مقبول لما ذكرنا. ولا يخفى على من يعرف ما لهم في هذا الباب من المصنفات أن جميع مطاعنهم واعتراضاتهم من قبيل هذه الهذيانات. نسأل الله تعالى التوفيق والهداية، والعصمة من الضلالة والغواية.
 
===مطاعنهم في الصحابة رضي الله تعالى عنهم على سبيل العموم===
 
منها أن أكثر الصحابة انفضوا عن رسول الله {{صل}} إلى العير التي جاءت من الشام وتركوه وحده في خطبة الجمعة وتوجهوا إلى اللهو واشتغلوا بالتجارة، وذلك دليل على عدم الديانة. <ref> نهج الحق: ص 317. </ref>
 
والجواب أن هذه القصة إنما وقعت في بدء زمن الهجرة، ولم يكونوا إذ ذاك واقفين على الآداب الشريعة كما ينبغي، وكان للناس مزيد رغبة في الغلة، وظنوا أن لو ذهبت الإبل يزيد الغلاء ويعم البلاء، ولم يخرجوا جميعهم بل كبار الصحابة كأبي بكر وعمر كانوا قائمين عنده {{صل}} كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، ولذا لم يشنع عليهم ولم يوعهم سبحانه بعذاب ولم يعاتبهم الرسول {{صل}} أيضا. <ref> أخرج مسلم عن جابر بن عبد الله قال: « بينا النبي {{صل}} قائم يوم الجمعة إذ قدمت عير إلى المدينة، فابتدرها أصحاب رسول الله {{صل}} حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا، فيهم أبو بكر وعمر قال: ونزلت هذه الآية: { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها } ». </ref>
 
ومنها أن أهل السنة رووا في صحاحهم عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله {{صل}} « سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد. فيقال: إنهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ». <ref> متفق عليه، وفتح الباب لطعن الشيعة بالصحابة بهذا الحديث يفتح الباب للخوارج بالطعن به بالأمير، فتأمل. </ref>
 
والجواب أنا لا نسلم أن المراد بالأصحاب ما هو المعلوم في عرفنا، بل المراد بهم مطلق المؤمنين به {{صل}} المتبعين له، وهذا كما يقال لمقلدي أبي حنيفة أصحاب أبي حنيفة ولمقلدي الشافعي أصحاب الشافعي وهكذا وإن لم يكن هناك رؤية واجتماع. وكذا يقول الرجل للماضين الموافقين له في مذهب أصحابنا، مع أن بينه وبينهم عدة من السنين. ومعرفته {{صل}} لهم مع عدم رؤيتهم في الدنيا بسبب أمارات تلوح عليهم، فقد جاء في الخبر أن عصاة هذه الأمة يمتازون يوم القيامة من عصاة غيرهم كما أن طائعيهم يمتازون عن طائعي غيرهم، وجذبهم إلى ذات الشمال كان تأديبا لهم وعقابا على معاصيهم. ولو سلمنا أن المراد بهم ما هو معلوم في العرف فهم الذين ارتدوا من الأعراب على عهد الصديق {{عنه}}. <ref> قال [[الخطابي]]: « لم يرتد من الصحابة أحد وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب ممن لا نصرة له في الدين، وذلك لا يوجب قدحا في الصحابة المشهورين ». [[فتح الباري]]: 11/285. </ref> وقوله {{صل}} « أصحابي أصحابي » لظن أنهم لم يرتدوا كما يؤذن به ما قيل في جوابه من أنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. <ref> قال [[النووي]]: « إن المراد به المنافقون والمرتدون فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل فيناديهم النبي {{صل}} للسيما التي عليهم، فيقال: ليس هؤلاء مما وعدت بهم أن هؤلاء بدلوا بعدك أي لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم والثاني أن المراد من كان في زمن النبي {{صل}} ثم ارتد بعده فيناديهم النبي {{صل}} وان لم يكن عليهم سيما الوضوء لما كان يعرفه {{صل}} في حياته من إسلامهم فيقال: ارتدوا بعدك... ». شرح النووي على [[صحيح مسلم]]: 3/136 </ref>
 
فإن قلت: إن « رجالا » في الحديث كما يحتمل أن يراد منه من ذكرت من مرتدي الأعراب يحتمل أن يراد ما زعمته الشيعة.
 
أجيب: إن ما ورد في حقهم من الآيات والأحاديث وأقوال الأئمة مانع من إرادة ما زعمته الشيعة. أما الآيات فكقوله تعالى { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم } وقوله تعالى { الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم } وقوله تعالى { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه } وقال تعالى { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } إلى غير ذلك من الآيات التي لا تحصى. وأما الأحاديث فقوله {{صل}} « أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم » <ref> وضعه في السلسلة الضعيفة رقم 58 </ref> وقوله {{صل}} « الله الله في أصحابي » <ref> أحمد والترمذي؛ ضعيف الجامع: 1160 </ref> الحديث، إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عنها المقام، وأما أقوال الأئمة فقد مر لك شيء منها، ولا مساغ للتخصيص الذي يزعمه الشيعة بوجه من الوجوه.
 
ومنها أن كثيرا من الصحابة فر من الزحف في غزوتي أحد وحنين، والفرار من الزحف من أكبر الكبائر. <ref> نهج الحق: ص 317. </ref>
 
والجواب أن الفرار يوم أحد كان قبل النهي، ولئن قلنا كان بعده فهو معفو عنه بدليل قوله تعالى { ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم } <ref> ينظر [[تفسير ابن كثير]]: 1/419. </ref> وأما الفرار يوم حنين فبعد تسليم أنه كان فرارا في الحقيقة معاتبا عليه، لم يصرّ عليه أولئك المخلصون بل انقلبوا وظفروا بدليل قوله تعالى { ثم أنزل الله سكينته على رسول الله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين }. <ref> وقد ثبت كبار الصحابة مع رسول الله {{صل}}، قال ابن إسحاق: « وفيمن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر ومن أهل بيته علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث وابنه والفضل بن العباس وربيعة بن الحارث وأسامة بن زيد وأيمن بن عبيد قتل يومئذ ». السيرة النبوية: 5/111. أما الحلي فما ادعاه [ نهج الحق: ص 317 ] من أن أهل بيت الرسول {{صل}} فقط ثبتوا معه فمن كذبه العاري عن السند. </ref>
 
ومنها ما رواه [[مسلم في صحيحه]] عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله {{صل}} قال: « إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم أي قوم أنتم؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: كما أمرنا الله تعالى. فقال رسول الله {{صل}}: كلا بل تتنافسون ثم تتدابرون ثم تتباغضون ثم تنطلقون إلى مساكن المهاجرين فتحملون بعضهم على رقاب بعض » <ref> [[صحيح مسلم]] </ref> فإن هذا صريح في وقوع التنافس والتدابر والتباغض فيما بين الصحابة.
 
والجواب أن الخطاب وإن كان للصحابة لكن باعتبار وقوع ذلك فيما بينهم وهو لا يستدعي أن يكون منهم. ويدل على ذلك أن الصحابة إما مهاجرون أو أنصار، والحديث صريح في أن أولئك الفرقة ليسوا مهاجرين، والواقع ينفي كونهم من الأنصار لأنهم ما حملوا المهاجرين على التحارب. فتعين أنهم من التابعين، وقد وقع ذلك منهم، فإنهم حملوا المهاجرين على التحارب بينهم كمالك الأشتر وأضرابه، ولا كلام لنا فيهم.
 
ومنها أن الصحابة قد آذوا عليا وحاربوه، وقد قال {{صل}} « من آذى عليا فقد آذاني ». <ref> أحمد وابن حبان، وفي سنده محمد بن إسحاق وهو مدلس قد عنعن هنا. </ref>
 
والجواب أن تلك المحاربات كانت لأمور اجتهادية فلا يلحقهم طعن من ذلك. ولا بد ههنا من التفصيل، ليتبين من هو على الحق ممن سلك التضليل فأقول: اعلم أن أعظم ما تداولت الألسن من الاختلاف الواقع بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم ما وقع في زمن الأمير كرم الله تعالى وجهه، فنشأ منه وقعتان عظيمتان: وقعة الجمل، ووقعة صفين. والأصل الأصيل لذلك قتل عثمان. {{عنه}}، وأنكر الهشامية <ref> ليست من فرق الشيعة بل من فرق المعتزلة تنسب إلى هشام بن عمرو الفوطي الشيباني ( توفي في حدود 220ه )، قال عنه الذهبي: « صاحب ذكاء وجدال وبدعة ووبال »، وكان من أشد الناس قولا بالقدر. [[الفرق بين الفرق]]: ص 159؛ [[سير أعلام النبلاء]]: 10/547. </ref> تلك الوقعتين، وإنكار ذلك مكابرة لا يلقى لها سمع، لأن الخبر متواتر في جميع مراتبه.
 
====[وقعة الجمل]====
 
وتلخيص الأولى أنه لما قتل عثمان {{عنه}} عنه صبرا توجع المسلمون، فسار طلحة والزبير وعائشة – وكان قد لقيها الخبر وهي مقبلة من عمرتها – نحو البصرة، <ref> قال الآلوسي: « كانت جماعة من كبار الصحابة كطلحة و[[الزبير بن العوام]] ونعمان بن بشير ومحمود بن مسلمة وكعب بن عجرة وغيرهم يتلّهفون على عثمان، ويقولون أنه كان على الحق، ومقاتلوه على الباطل وأنه قتل مظلوما، وسمع ذلك قتلة عثمان فغاضبوا وأرادوا بهم كيدا، فلما أحسوا بذلك هرب كل منهم إلى ناحية، فهرب طلحة والزبير إلى مكة، فلما قدما إليها وجدا فيها أم المؤمنين، وكانت حاجة في السنة التي قتل فيها عثمان، فقالت: ما ورائكما؟ فقالا: إنا تحملّنا هربا من المدينة من غوغاء الأعراب، ثم قالا مع جمع آخر لها عسى أن تخرجي رجاء أن يرجع الناس إلى أمّهم وهي تمتنع عليهم ويحتجون عليها بقوله تعالى: ] لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [ [ النساء: 114 ]، فأجابتهم عائشة ». السيوف المشرقة: 114/ب. وينظر تاريخ الطبري: 3/7؛ المنتظم لابن الجوزي: 5/80؛ الكامل لابن الأثير: 3/101. </ref> فلما علم علي كرم الله وجهه بمخرجهم اعترضهم من المدينة لئلا يحدث ما يشق عصا الإسلام، ففاتوه، وأرسل ابنه الحسن وعمارا يستنفران أهل المدينة وأهل الكوفة، ولما قدموا البصرة استعانوا باهلها وبيت مالها، حتى إذا جاءهم الإمام كرم الله تعالى وجهه حاول الصلح واجتماع الكلمة وسعى الساعون بذلك، فثار قتلة عثمان وكان ما كان. <ref> ثبت تاريخيا أن الصلح قد حصل بين الفريقين، فقد أرسل علي {{عنه}} القعقاع بن عمرو إلى معسكر عائشة ونجح القعقاع في إقناع طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة y بأن الاقتصاص من قتلة عثمان لا يكون إلا بعد أن تستتب الأمور وتسكن الفتنة، فقالوا له: أصبت وأحسنت، واصطلح الفريقان على ذلك، ولكن قتلة عثمان وعلى رأسهم عبد الله بن سبأ اليهودي لم يرق لهم هذا الأمر وخشوا أن يفضحوا فأحدثوا فتنة عظيمة بين الفريقين، كانت النتيجة حصول المعركة والقتال بين الطرفين، ومع ذلك لم يكن أيٌّ من الطرفين راغبا في القتال، ولكن بسبب أهل البغي والفتنة حدث هذا القتال الذي لم يستمر طويلا، رغم المبالغات التاريخية التي وردت في وصفه. ينظر: تاريخ الطبري: 3/29؛ المنتظم لابن الجوزي: 5/85.
 
</ref> وانتصر علي كرم الله تعالى وجهه، وكان قتالهم من ارتفاع النهار يوم الخميس إلى صلاة العصر لعشر خلون من جمادى الآخرة. <ref> تاريخ الطبري: 3/39؛ ابن الأثير، الكامل: 3/130. </ref> ولما ظهر علي {{عنه}} جاء إلى أم المؤمنين {{عنه}} فقال « غفر الله لك » قالت « ولك. وما أردت إلا الإصلاح » <ref> ذكر الرواية الطبري 3/55 دون قولها: ما أردت إلا الإصلاح. </ref> ثم أنزلها دار عبدالله بن خلف وهي أعظم دار في البصرة على صفية <ref> في المطبوع سنية </ref> بنت الحارث أم طلحة الطلحات. <ref> تاريخ الطبري: 3/55؛ الكامل في التاريخ: 3/141؛ [[البداية والنهاية]]: 7/245. </ref> وزارها بعد ثلاث ورحبت به وبايعته وجلس عندها فقال رجل: يا أمير المؤمنين إن بالباب رجلين ينالان من عائشة فأمر القعقاع بن عمر أن يجلد كل واحد منهما مائة جلدة وأن يجردهما من ثيابهما ففعل. <ref> تاريخ الطبري: 3/53؛ الكامل في التاريخ: 3/144. </ref> ولما أرادت الخروج من البصرة بعث إليها بكل ما ينبغى من مركب وزاد ومتاع وأذن لمن نجا من الجيش أن يرجع إلا أن يحب المقام، وأرسل معها أربعين امرأة وسير معها أخاها محمدا. ولما كان اليوم الذي ارتحلت فيه جاء علي كرم الله تعالى وجهه فوقف على الباب في الهودج فودعت الناس ودعت لهم وقالت: « يا بني لا يغتب <ref> في تاريخ الطبري: ( يعتَّب ) </ref> بعضكم بعضا، إنه ما كان بيني وبين علي بن أبي طالب {{عنه}} في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه لمن الأخيار » فقال علي كرم الله تعالى وجهه « صدقت، والله ما كان بيني وبينها إلا ذلك، وإنها زوجة نبيكم {{صل}} في الدنيا والآخرة » <ref> تاريخ الطبري: 3/61؛ المنتظم: 5/94. </ref> وسار معها مودعا أميالا، وسرح بنيه معها بقية ذلك اليوم. <ref> تاريخ الطبري: 3/61؛ المنتظم: 5/94. </ref> وكانت رضي الله تعالى عنها بعد ذلك إذا ذكرت ما وقع تبكي حتى تبل خمارها. <ref> ابن الجوزي، المنتظم: 5/95. </ref>
 
ففي هذه المعاملة من الأمير كرم الله تعالى وجهه دليل على خلاف ما تزعمه الشيعة من كفرها <ref> قال المجلسي: « وبالجملة بغضها لأمير المؤمنين {{عهس}} أولا وآخرا هو أشهر من كفر إبليس، وكفى حجة قاطعة عليه قتالها وخروجها عليه كما أنه كاف في الدلالة على كفرها ونفاقها ». بحار الأنوار: 28/146. </ref> – وحاشاها رضي الله عنها – وفي ندمها وبكائها على ما كان دليل على أنها لم تذهب إلى ربها إلا وهي نقية من غبار المعركة، على أن في كلامها ما يدل على أنها كانت حسنة النية في ذلك. وقال غير واحد إنها اجتهدت ولكنها أخطات في الاجتهاد ولا إثم على المجتهد المخطئ بل أجر على اجتهاده وكونها رضي الله تعالى عنها من أهل الاجتهاد مما لا ريب فيه. <ref> ينظر [[منهاج السنة النبوية]]: 4/316. </ref> نعم قالت الشيعة إنه يبطل اجتهادها أنه {{صل}} قال يوما لأزواجه كأني بإحداكن تنبحها كلاب الحوأب، <ref> أخرج الإمام أحمد عن قيس بن أبي حازم قال: « لما أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلا نبحت الكلاب قالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا أني راجعة، فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله عز وجل ذات بينهم، قالت: إن رسول الله {{صل}} قال لنا ذات يوم كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب ». السلسلة الصحيحة ( رقم 475 ) </ref> فإياك أن تكوني أنت يا حميراء. <ref> قال [[ابن القيم]] ( رحمه الله ): « وكل حديث فيه يا حميراء أو ذكر الحميراء فهو كذب مختلق ». [[المنار المنيف]]: ص 60. </ref> والحوأب كجعفر منزل بين البصرة ومكة قيل نزلته عائشة ونبحتها كلابه فتذكرت الحديث وهو صريح في النهي ولم ترجع.
 
والجواب عن ذلك أن الثابت عندنا أنها لما سمعت ذلك وتحقيقه من محمد بن طلحة همت بالرجوع إلا أنها لم توافق عليه ومع هذا شهد لها مروان بن الحكم مع ثمانين رجلا من دهاقين تلك الناحية أن هذا المكان مكان آخر وليس الحوأب، <ref> لم يثبت </ref> على أن « إياك أن تكوني يا حميراء » ليس موجودا في الكتب المعول عليها عند أهل السنة. <ref> ورد في كتاب ( الإمامة والسياسية ) المنسوب خطأ إلى ابن قتيبة </ref> فليس في الخبر نهي صريح ينافي الاجتهاد، على أنه لو كان فلا يرد محذورا أيضا لأنها اجتهدت فسارت حين لم تعلم أن في طريقها هذا المكان، ولو أنها علمت لم يمكنها الرجوع لعدم الموافقة عليه. وليس في الحديث بعد هذا النهي أمر بشيء لتفعله، فلا جرم مرت على ما قصدته من إصلاح ذات البين المأمورة به بلا شبهة.
 
وأما [[طلحة]] والزبير رضي الله عنهما فلم يموتا إلا على بيعة الإمام كرم الله تعالى وجهه. أما طلحة فقد روى الحاكم <ref> في المطبوع الحكم </ref> عن ثور بن مجزأة أنه قال: مررت بطلحة يوم الجمل في آخر رمق فقال لي: من أنت؟ قلت: من أصحاب أمير المؤمنين علي {{عنه}}، فقال: ابسط يدك أبايعك، فبسطت يدي فبايعني وقال: هذه بيعة علي، وفاضت نفسه. فأتيت عليا {{عنه}} فأخبرته فقال: الله أكبر صدق الله تعالى ورسوله {{صل}} أبى الله سبحانه أن يدخل طلحة الجنة إلا وبيعتي في عنقه. <ref> الحاكم، المستدرك: 2/421؛ البيهقي، الاعتقاد: 1/373. </ref> وأما الزبير {{عنه}} فقد ناداه علي كرم الله تعالى وجهه وخلا به وذكره قول النبي {{صل}} له: لتقاتلن عليا وأنت له ظالم، فقال: لقد أذكرتني شيئا أنسانيه الدهر، لا جرم، لا أقاتلك أبدا، <ref> [[ابن حجر]]، [[الإصابة]]: 2/557. </ref> فخرج من العسكرين نادما وقتل بوادي السباع مظلوما قتله همرو بن جرموز. <ref> قتل الزبير غدرا بوادي السباع. الإصابة: 2/557. </ref> وقد ثبت عند الفريقين أنه <ref> لما انتهى على من حرب الجمل وسار من البصرة إلى الكوفة فدخلها يوم الاثنين 12 من رجب، وأرسل جرير بن عبدالله البجلي إلى معاوية في دمشق يدعوه إلى طاعته، فجمع معاوية رءوس الصحابة وقادة الجيوش وأعيان أهل الشام واستشارهم فيما يطلب علي. فقالوا: لا نبايعه حتى يقتل قتلة عثمان، أو يسلمهم إلينا. فرجع جرير إلى علي بذلك. فأستخلف علي على الكوفة أبا مسعود عقبة بن عامر وخرج منها فعسكر بالنخيلة أول طريق الشام م العراق. وبلغ معاوية أن عليا تجهز وخرج بنفسه لقتاله فخرج هو أيضا قاصدا صفين. </ref> جاء بسيفه واستاذن على الأمير كرم الله تعالى وجهه فلم يأذن له، فقال: أنا قاتل الزبير، فقال: أبقتل ابن صفية تفتخر؟ سمعت رسول الله {{صل}} يقول « بشر قاتل ابن صفية بالنار ». <ref> أخرجه أحمد عن زر بن حبيش قال: « استأذن ابن جرموز على علي {{عنه}} وأنا عنده فقال علي {{عنه}}: بشر قاتل ابن صفية بالنار، ثم قال علي {{عنه}} سمعت رسول الله {{صل}} يقول: إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير ». المسند: 1/89 الحاكم، المستدرك: 3/414. ومن الإمامية: المفيد، الاختصاص: ص 95؛ ابن شعبة الحراني، تحف العقول: ص477. </ref>
 
وأما عدم قتله فلقيام الشبهة على ما قيل، ونظيره ما أخرجه [[ابن أبي حاتم]] والبيهقي عن الحسن أن أناسا من الصحابة {{عنه}} ذهبوا يتطرقون، <ref> الطارق: كل آتٍ بليل. النهاية: 3/121. </ref> فقتل واحد منهم رجلا قد فر وهو يقول: إني مسلم، فغضب رسول الله {{صل}} غضبا شديدا ولم يقتل القاتل. <ref> سنن البيهقي: 9/116؛ ابن كثير، التفسير: 1/540. </ref> وكذا قتل أسامة {{عنه}} فيما أخرجه السدي رجلا يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلامه رسول الله {{صل}} جدا ولم يقبل عذره وقال له: كيف أنت ولا إله إلا الله؟ ونزل قوله تعالى { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا } الآية. <ref> ضعف هذه الرواية [[ابن كثير]] في تفسيره: 1/439. </ref>
 
وأجاب آخرون بأن العلماء اختلفوا في أنه هل يجب على الحاكم القصاص إذا لم يطلبه الولي أم لا؟ ولعل الأمير كرم الله تعالى وجهه ممن لا يرى الوجوب بدون طلب ولم يقع. وروي أيضا أن الأمير {{عنه}} قال لما جاءه عمر بن طلحة بعد موت أبيه « مرحبا بابن أخي، إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم: { ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين } » <ref> ابن أبي شيبة، المصنف: 7/544؛ نعيم بن حماد، الفتن: 1/88؛ البيهقي، الاعتقاد: ص 373. </ref> وهذا ونحوه يدل على أنهما رضي الله تعالى عنهما لم يذهبا إلا طاهرين متطهرين.
 
====[وقعة صفين]====
 
وأما تلخيص الواقعة الثانية فقد ذكر المؤرخون أن معاوية {{عنه}} كان قد استنصره ابنا عثمان {{عنه}} ووكلاه في طلب حقهما من قتلة أبيهما، فلما بلغه فراغ علي كرم الله تعالى وجهه من وقعة الجمل ومسيره إلى الشام خرج عن دمشق حتى ورد صفين في نصف المحرم فسبق إلى سهولة المنزل وقرب من الفرات، فلما ورد الأمير {{عنه}} دعاهم إلى البيعة فلم يفعلوا، وطلبوا منه قتلة عثمان – وكانوا قد انحازوا إلى عسكره، ولهم عشائر وقبائل ومع هذا لم يمتازوا بأعيانهم – فمال {{عنه}} إلى التأخير حتى يمتازوا ويتحقق القاتل من غيره، فأبى معاوية إلا تسليم من يزعمونه قاتلا. <ref> ينظر [[تاريخ الطبري]]: 3/71 وما بعدها. </ref> وكثر القيل والقال حتى اتهم بنو أمية الأمير كرم الله تعالى وجهه بأنه الذي دلس على قتلة عثمان {{عنه}}، وكان كرم الله تعالى وجهه قد تصرف بسلاح عثمان فقال لذلك قائلهم: <ref> ذكر الأصبهاني أن القائل هو الوليد بن عقبة </ref>
 
ألا ما لليلى لا تغور كواكبه ** إذا غار نجم لاح نجم يراقبه
 
بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم <ref> لأن عثمان كانت جدته لأمه البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم، أم حكيم. طبقات ابن سعد: 3/45. </ref> ** ولا تنهبوه لا تحل مناهبه
 
بني هاشم لا تعجلونا فإنه ** سواء علينا قاتلوه وسالبه
 
وإنا وإياكم وما كان منكم ** كصدع الصفا لا يرأب الصدع شاعبه <ref> في الأصل ساعبه </ref>
 
بني هاشم كيف التقاعد بيننا ** وعند علي سيفه وحرائبه
 
لعمرك لا أنسى ابن أروى <ref> هي أروى بنت كريز بن ربيعة، والدة عثمان بن عفان، أسلمت وهاجرت بعد ابنتها أم كلثوم وبايعت رسول الله {{صل}} ولم تزل بالمدينة حتى ماتت في خلافة عثمان. الإصابة: 7/482. </ref> وقتله ** وهل ينسين الماء ما عاش شاربه
 
هم قتلوه كي يكونوا مكانه ** كما فعلت يوما بكسرى مرازبه
 
وكان الأمير كرم الله تعالى وجهه يلعن القتلة ويقول « يا معاوية، لو نظرت بعين عقلك دون عين هواك لرأيتني أبرأ الناس من قتلة عثمان ». <ref> روى ابن عساكر عن سالم بن أبي الجعد قال: « كنا مع ابن الحنفية في الشعب فسمع رجلا ينتقص عثمان وعنده ابن عباس، فقال: يا أبا عباس هل سمعت أو سمعت أمير المؤمنين عشية سمع الضجة من قبل المربد فبعث؟ فقال: نعم عشية بعث فلان بن فلان، فقال: اذهب فانظر ما هذا الصوت، فجاء فقال هذه عائشة تلعن قتلة عثمان والناس يؤمنون، فقال علي: وأنا ألعن قتلة عثمان في السهل والجبل اللهم العن قتلة عثمان اللهم العن قتلة عثمان في السهل والجبل، ثم أقبل ابن الحنفية عليه وعلينا فقال: أما وفي ابن عباس شاهدا عدل؟ قال: قلنا بلى قال قد كان هذا ». تاريخ دمشق: 39/459. </ref> وتصرفه {{عنه}} بسلاحه لأنه كان من الأشياء الراجعة إلى بيت المال، وحكمه إذ ذاك كحكم المدافع في زماننا في أن حق التصرف في ذلك للإمام. ثم إنه قد وقع الحرب بينهم مرارا وبقى كرم الله تعالى وجهه بصفين ثلاثة أشهر وقيل سبعة وقيل تسعة، وجرى ما تشيب منه الرءوس وتهون معه حرب البسوس، <ref> من حروب الجاهلية بين بكر وتغلب، يقال استمرت أربعين عاما. الكامل في التاريخ: 1/410. </ref> وليلة الهرير أمرها شهير، <ref> من الليالي شديدة البرودة من صفين. ينظر: تاريخ الطبري: 3/94. </ref> وآل الأمر إلى التحكيم، وحدث من ذلك ما أوجب ترك القتال مع معاوية والاشتغال بأمر الخوارج، وذلك تقدير العزيز العليم. <ref> ينظر [[العواصم من القواصم]] لابن العربي </ref>
 
وأهل السنة إلا من شذ يقولون: إن عليا كرم الله تعالى وجهه في كل ذلك على الحق لم يفترق عنه قيد شبر، وإن مقاتليه في الوقعتين مخطئون باغون وليسوا بكافرين خلافا للشيعة، ولا فاسقين خلافا للعمرية أصحاب عمر بن عبيد من المعتزلة.
 
وأما أن الحق مع علي كرم الله تعالى وجهه فغني عن البيان، وأما كون المقاتل باغيا فلأن الخروج على الإمام الحق بغي، وقد صح عنه {{صل}} أنه قال: ويح عمار تقتله الفئة الباغية. <ref> متفق عليه </ref> وقد قتله عسكر معاوية. وقوله حين أخبر بذلك « قتله من أخرجه » <ref> [[البداية والنهاية]]: 7/269. </ref> مما لا يلتفت إليه، وإلا لصح أن يقال إن رسول الله {{صل}} قاتل حمزة وأضرابه ممن قاتل معه {{صل}}. وكذا قول من قال: المراد من الفئة الباغية الفئة الطالبة أي لدم عثمان، فلا يدل الخبر على البغي بالمعنى المذموم. <ref> قال [[ابن حجر]]: « إنهم [ أي الفئة الباغية ] كانوا ظانين أنهم يدعون إلى الجنة وهم مجتهدون لا لوم عليهم في اتباع ظنونهم فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها وهو طاعة الإمام، وكذلك كان عمار يدعوهم إلى طاعة على وهو الإمام الواجب الطاعة، إذ ذاك وكانوا هم يدعون إلى خلاف ذلك لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم ». [[فتح الباري]]: 1/542. </ref>
 
وأما كونه ليس بكافر فلما في نهج البلاغة أن عليا كرم الله تعالى وجهه خطب يوما فقال: « أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والإعوجاج والشبهة » <ref> تقدم التخريج </ref>، وقوله تعالى { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يجب المقسطين } فسمى الله تعالى الطائفتين المقتتلين ( مؤمنين ) وأمر بالإصلاح بينهما.
 
وأجاب بعض الشيعة عن الآية بأنها في قتال المؤمنين بعضهم مع بعض دون القتال مع الإمام والنعي عليه، والخطاب فيها للأئمة أمروا أن يصلحوا بين طائفتين من المؤمنين اقتتلوا فيما بينهم، وأن يقاتلوا إذا بلغت إحداهما حتى تفيء. <ref> القطب الراوندي في فقه القرآن: 1/371. </ref>
 
ولا يخفى ما في هذا الجواب من الوهن وعدم نفعه للمجيب أصلا، لأن الأمر الثاني يستدعي أن يكون القتال مع الإمام ضرورة فافهم. ومما يدل على أن المحارب غير كافر صلح الحسن {{عنه}} مع معاوية، وهو مما لا مجال لإنكاره. <ref> والحسن {{عهس}} معتبر في دين الشيعة معصوما، وكل ما يصدر عن المعصوم يجب عليهم أن يؤمنوا بأنه الحق، فبيعة الحسن لمعاوية من عمل المعصوم في مذهبهم ومعاوية هو الإمام الحق ببيعت المعصوم له. وانظر التعليق على العواصم ص 197 – 198. </ref>
 
وقد روى المرتضى وصاحب ( الفصول المهمة ) من الإمامية أنه لما أبرم الصلح بينه {{عنه}} وبين معاوية خطب <ref> أي [[الحسن بن علي]] {{عنهما}} </ref> فقال: « إن معاوية نازعني حقا لي دونه، فنظرت الصلاح للأمة وقطع الفتنة، وقد كتنم بايعتموني على أن تسالموا من سالمني وتحاربوا من حاربني، ورأيت أن حقن دماء المسلمين خير من سفكها ولم أرد بذلك إلا صلاحكم » <ref> تقدم التخريج </ref> انتهى.
 
وفي هذا دلالة ظاهرة على إسلام الفريق المصالح وأن المصالحة لم تقع إلا اختيارا، ولو كان المصالح كافرا لما جاز ذلك ولما صح أن يقال « فنظرت الصلاح للأمة وقطع الفتنة » أه. فقد قال سبحانه وتعالى { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله }.
 
ويدل على وقوع ذلك أختيارا أيضا ما رواه صاحب ( الفصول ) عن أبي مخنف <ref> هو مؤرخ الشيعة، وصفه ابن عديس بأنه « شيعي محترق ». </ref> من أن الحسين {{عنه}} كان يبدي كراهة الصلح ويقول لو جز أنفي كان أحب إلى مما فعله أخي. <ref> تقدم التخريج </ref> فإنه لا معنى لهذا الكلام لو لم يكن وقوع الصلح من أخيه رضي الله عنهما اختيارا فإن الضرورات تبيح المحظورات وهو ظاهر.
 
وبعد هذا كله قد ثبت عند جمع أن معاوية {{عنه}} ندم على ما كان منه في المقاتلة والبغي على الأمير كرم الله تعالى وجهه واتفق أن بكى عليه كرم الله تعالى وجهه. فقد أخرج [[ابن الجوزي]] عن أبي صالح قال: قال معاوية لضرار: صف لي عليا. فقال: أوتعفيني. قال: بل تصفه. فقال: أوتعفيني. قال: لا أعفيك. قال: أما ولابد فإنه كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته. كان والله غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلب كفه ويخاطب نفسه. يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما خشن. كان والله كأحدنا يجيبنا إذا سألناه، ويبتدئنا إذا أتيناه، ويأتينا إذا دعوناه - إلى أن قال - لا يطمع القوى في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سجوفه، وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه يقول: يا دنيا يا دنيا ألي تعرضت أم بي تشوقت؟ هيهات هيهات، غري غيري قد بتتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطوك كبير، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. قال: فذرفت دموع معاوية، فما يملكها وهو ينشفها بكمه، وقد اختنق القوم بالبكاء. ثم قال معاوية: رحم الله تعالى أبا الحسن، كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ فقال: حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقأ عبرتها ولا يسكن حزنها. <ref> تاريخ دمشق: 24/401. </ref> انتهى.
 
وما يذكره المؤرخون من أن معاوية {{عنه}} كان يقع في الأمير كرم الله تعالى وجهه بعد وفاته ويظهر ما يظهر في حقه ويتكلم بما يتكلم في شأنه مما لا ينبغي أن يعول عليه أو يلتفت إليه، لأن المؤرخين ينقلون ما خبث وطاب، ولا يميزون بين الصحيح والموضوع والضعيف، وأكثرهم حاطب ليل لا يدرى ما يجمع. <ref> بل فيهم صاحب الهوى الذي يكذب تزلفا لحاكم منحرف، أو متعصبا لمذهب يبيح الكذب نكاية بالخصم ومن يخالف المذهب. </ref> فالاعتماد على ذلك في مثل هذا المقام الخطر والطريق الوعر والمهمة القفر الذي تضل فيه القطا وتقصر دونه الخطا مما لا يليق بشان عاقل فضلا عن فاضل، وما جاء من ذلك في بعض روايات صحيحة وكتب معتبرة رجيحة فينبغي أيضا التوقف عن قبوله والعمل بموجبه، لأن له معارضات مسلمة في الصحة والثبوت. على أن من سلم من داء التعصب بما يندفع به الطعن عن أولئك السادة الأماثل، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
 
 
==الباب التاسع==
 
في ذكر ما اختص بهم ولم يوجد في غيرهم من فرق الإسلام
 
===(في ذكر بعض خرافاتهم)===
 
فمن ذلك إنكارهم كرامات الأولياء، وإقامتهم حفلات العزاء والنياحة والجزع، وتصوير الصور، وضرب الصدور وما أشبه ذلك مما يصدر في العشرة الأولى من المحرم. ويعتقدون أن ذلك مما يقرب به إلى الله تعالى وتكفر به سيئاتهم وما يصدر عنهم من الذنوب في السنة كلها، وما دروا أن ذلك موجب لطردهم من رحمة الله تعالى، كيف لا وفيه هتك لبيت النبوة واستهزاء بهم، ولله تعالى در من قال: <ref> من ديوان عبد الغفار الأخرس </ref>
 
هتكوا الحسين بكل عام مرة ** وتمثلوا بعداوة وتصوروا
 
ويلاه من تلك الفضيحة إنها ** تطوى وفي أيدي الروافض تنشر
 
 
ومن ذلك أنهم يجعلون من الدقيق شبح إنسان، ويملآون جوفه دبسا أو عسلا، ويسمونه باسم عمر، ثم يمثلون حادث قتله ويشربون ما فيه من عسل بزعم أنه دم عمر. ويتشاءمون من يوم الاثنين، <ref> لأنه يذكرهم بقول الله عز وجل ( ثاني اثنين ). </ref> وكذا من عدد الأربعة لئلا يذهب الوهم إلى أن الخلفاء أربعة. ويتفاءلون بعدد الاثني عشر. ولكن خواصهم يظهرون عدم الاستحسان لمثل هذه الأمور فلا حاجة بنا إلى صرف المداد في ردها.
 
ومن ذلك مزيد أوهامهم وكثرة خطإهم باعتقاد أن كل مخالف عدو مع أن المخالف أعم من العدو مطلقا. فإنه إذا قصد شخصان مقصدا واحدا واختلفا في الطريق إليه كيف يحكم بكون أحدهما عدوا للآخر. وأيضا قد ثبت في كتب الشيعة أن أبا مخنف يروي عن الإمام الحسين في باب صلح الإمام الحسن مع معاوية أنه كان ينكر على هذا الصلح، وكان يقول لو جدع أنفي كان أحب إلي مما فعله أخي. فلو كانت المخالفة موجبة للعداوة يلزم أن يكون الإمام الحسين عدوا للإمام [[الحسن]]، معاذ الله من ذلك الاعتقاد الفاسد والكفر الصريح.
 
وكاعتقادهم عدم وجود المتنافيين في شيء في وقتين، ولذا قالوا إن الخلفاء الثلاثة ليسوا بمؤمنين، بناء على أنهم كانوا كافرين فلا يليقون للإمامة. <ref> روى ابن بابويه عن المفضل ابن عمر عن أبي عبد الله قال: « إن الله تبارك وتعالى جعل عليا علما بينه وبين خلقه ليس بينهم وبينه علم غيره، فمن تبعه كان مؤمنا، ومن جحده كان كافرا ومن شك فيه كان مشركا ». ثواب الأعمال: ص 209؛ علل الشرائع: 1/89. وزاد الطوسي في روايته: « ومن جاء بولايته دخل الجنة ومن أنكرها دخل النار ». الأمالي: ص 410؛ المجلسي، بحار الأنوار: 69/133. </ref> وهذا غلط ظاهر، إذ عدم اجتماع المتنافيين مشروط باتحاد الزمان وغير ذلك من الوحدات الثماني المذكورة في المنطق. وكاعتقادهم أن الفرع مشارك للأصل في الأحكام، ولذا اعتقدوا العصمة في الأئمة بناء على أنهم خلفاء المعصوم، واعتقدوا أن الأئمة أفضل من الأنبياء بناء على أنهم نواب أفضل الأنبياء، مع أن النبي مبلغ بالذات، والعصمة من خواص المبلغ، ولا يلزم أن يكون نائب شخص مثله في جميع صفاته، وإلا لزم مساواة التابع للمتبوع.
 
وكاعتقادهم أن من سمي بغيره فله مثله في الحكم، ولذا تراهم يسمون شخصا بيزيد أو شمر فيهينونه ويظهرون له العداوة، قال تعالى { إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان } والنار حارة وليس لفظها كذلك، وهو يتحاشون من التسمية بعبد الله وعبد الرحمن، ويستحسنون التسمية بكلب علي وكلب حسين وما أشبه ذلك. وقد قال النبي {{صل}} إن أحسن الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن. <ref> أخرجه مسلم من حديث [[ابن عمر]] بلفظ: « إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن» الصحيح، كتاب الآداب. </ref>
 
وكتوهم بطلان ما لا دليل عليه، كما أنكروا فضائل الصحابة بناء على عدم ثبوتها في كتبهم. <ref> المعيار الوحيد للإمامية في الصحابة هو متابعتهم لعلي {{عنه}} في حروبه، فمن حارب معه عظموه ومن لم يتابعه أو اعتزل الفتنة فهو من أعدائه، وصار عندهم كافرا مرتدا كما قال حسين كاشف الغطاء في أصل الشيعة: ص 142. </ref> مع أن نفس الأمر غير تابع للعلم والجهل، ولو تليت عليهم آيات الله لولوا { وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون }
 
ومن ذلك مزيد تعصبهم كترجيحهم الرواية لضعيفة على القوية التي توافق مخالفهم. <ref> فمعيارهم ما وافق هواهم وليس الأسانيد وعلم الرجال. وفي كتبهم الكثير من الروايات التي تؤيد أهل السنة، فمن ذلك رد الطوسي الأخبار الواردة عن أهل البيت الموافقة لأهل السنة وفسرها بالتقية! وبذلك رد أكثر من خمس رواياتهم الفقهية. كما في كتابيه تهذيب الأحكام والاستبصار. </ref>
 
وكزعمهم أن من في قلبه حب علي يدخل الجنة ولو كان يهوديا أو نصرانيا أو مشركا، وأن من يحب الصحابة يدخل النار ولو كان صالحا وفي قلبه محبة أهل البيت. ولذا حكم رضي الدين اللغوي <ref> فقيه متكلم على مذهب الإمامية من شيوخ ابن العلقمي، مات سنة 610ه. أعيان الشيعة: 10/262 </ref> أحد كبار الشيعة بكون زنينا بن إسحاق النصراني من أهل الجنة بسبب مدحه الأمير وأهل البيت بقوله:
 
عدي وتيم لا أحاول ذكرهم ** بسوء ولكني محب لهاشم
 
وما تعتريني في علي وأهله ** إذا ذكروا في الله لومة لائم
 
يقولون ما بال النصارى تحبهم ** وأهل النهي من عربهم الأعاجم
 
فقلت لهم إنى لأحسب حبهم ** سرى في قلوب الخلق حتى البهائم <ref> نسبه الفتال إلى نصراني لم يصرح باسمه في روضة الواعظين: 1/167؛ وتبعه ابن شهرآشوب في المناقب: 4/132 </ref>
 
 
وجميع فرق الشيعة يترضون على ابن فضلون اليهودي <ref> وابن فضلون اليهودي يعلم أن شيخه الأول ابن سبأ الذي اخترع عقيدة « لكل نبي وصي، وإن عليا وصي محمد {{صل}} »، ليبتدع في الإسلام ما ليس منه توطئة لإدخال الفساد على هذا الدين ومحاولة تغييره. ولو صدق ابن فضلون في دعواه حب علي كرم الله وجهه لدخل في الإسلام ولما بقى يهوديا، أما أن يمدح عليا ويبقى يهوديا فذلك لأنه تلميذ ابن سبأ وحامل رسالته. </ref> لقوله:
 
رب هب لي من المعيشة سؤلي ** واعف عني بحق آل الرسول
 
واسقني شربة بكف علي ** سيد ( الأوصياء ) بعل البتول
 
مع أن حب آل البيت غاية الأمر أنه عبادة، وقد اشترط لقبولها الإيمان لقوله تعالى { ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له لكاتبون } وأيضا إن نجاة الكفار ودخولهم الجنة عند الشيعة محال كما سبق في العقائد، وقوله تعالى { ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره }.
 
وكتعصبهم في تسمية أمة محمد {{صل}} « الأمة الملعونة » <ref> أخرج الكليني وغيره عن سدير الصيرفي قال سمعت أبا عبد الله يقول: « ما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يفعل الله عز وجل بحجته في وقت من الأوقات كما فعل بيوسف... ». الكافي: 7/1؛ ابن بابويه، علل الشرائع: 1/244. </ref> ولم يلتفتوا إلى قوله تعالى { كنتم خير أمة أخرجت للناس } ويلزمهم من ذلك أنهم ليسوا من أمة محمد، وإلا يلزمهم لعن أنفسهم وإخراج أهل البيت من الأمة.
 
وكترجيحهم لعن عمر وسائر الصحابة والعياذ بالله على ذكر الله وسائر العبادات، <ref> ألف علي بن عبد العال الكركي – من مشاهير علمائهم مات سنة 940ه - كتابا في لعن الشيخين خاصة والصحابة عامة سماه ( نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت ) </ref> وقد ثبت في كتبهم أن لعن الشيخين – في كل صباح ومساء – موجب لسبعين حسنة. <ref> أخرج العياشي عن زرارة عن أبي عبد الله أنه قال: « في تفسير قوله تعالى { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } قال من ذكرهما فلعنهما كل غداة كتب له سبعين حسنة ومحا عنه عشر سيئات ورفع عشر درجات ». تفسير العياشي: 1/387. وقد صرح المجلسي بأنها الشيخين كما في بحار الأنوار: 30/223. </ref> وقد قال تعالى { ولذكر الله أكبر }.
 
وكإنكارهم كون رقية وأم كلثوم زوجتي عثمان بنتي النبي {{صل}} وأن خديجة أمهما. <ref> لكن ذكر الإمامية أن رقية وزينب لم تكونا بنات النبي {{صل}} وإنما هما بنات لأخت خديجة، وأنه {{صل}} تزوج خديجة وهي عذراء، ذكره ابن شهر آشوب المازندراني، وعزاه إلى الطوسي والمرتضى، فقال: « إن النبي {{صل}} تزوج بها [ خديجة ] وكانت عذراء وإن رقية وزينب كانتا ابنتي هالة بنت أخت خديجة ». مناقب آل أبي طالب: 1/159. </ref> مع أنه مخالف لقوله تعالى { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك } ولما ذكر في ( نهج البلاغة ) من معاتبة الأمير لعثمان على تغييره سيرة الشيخين بقوله « قد بلغت من صهره ما لم ينالا » <ref> نهج البلاغة ( بشرح ابن أبي الحديد ): 9/261. </ref> أي الشيخين. وروى أبو جعفر الطوسي في ( التهذيب ) عن الإمام جعفر الصادق أنه كان يقول في دعائه « اللهم صل على رقية بنت نبيك، اللهم صل على أم كلثوم بنت نبيك ». <ref> تهذيب الأحكام: 3/120؛ المفيد، المقنعة: ص 239؛ الفتال، روضة الواعظين: 2/324. </ref> وروى الكليني أيضا أن رسول الله {{صل}} تزوج خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة فولد منها قبل مبعثه {{صل}} « القاسم ورقية وزينب وأم كلثوم، وبعد المبعث الطيب والطاهر وفاطمة ». <ref> الكافي: 1/439. </ref> وأورد في رواية أخرى أنه لم يولد له بعد المبعث إلا فاطمة وأن الطيب والطاهر ولدا قبل المبعث.
 
وكقولهم إن أبا بكر وعمر وعثمان منافقون، مع أن الأمير اقتدى بهم في الأوقات الخمسة زمن خلافتهم، وقال تعالى { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب }.
 
وكقولهم إن الآيات المشعرة بمدح الصحابة من المهاجرين والأنصار وأم المؤمنين كلها متشابهات لا يعلم تأويلها إلا الله. <ref> بل خصوا آيات مدح الصحابة بعلي {{عنه}}، وعموا عن سياقها. فمثلا أورد قيس بن سليم في كتابه عن علي {{عنه}} أنه قال في تفسير قوله تعالى { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان {{عنهم}} ورضوا عنه } سئل عنها رسول الله {{صل}} فقال: « أنزلها الله - تعالى ذكره - في الأنبياء وأوصيائهم، فأنا أفضل أنبياء الله ورسله وعلي بن أبي طالب أفضل الأوصياء ». كتاب قيس بن سليم: ص 643؛ ابن طاوس، التحصين: ص 632؛ المجلسي، بحار الأنوار: 31/410. والآية بلفظ الجمع تمدح المهاجرين والأنصار، ولم يدع أحد أن عليا كان من الأنصار. </ref>
 
وكقولهم إن أهل السنة شر من اليهود والنصارى، ذكر ذلك ابن المعلم وغيره. <ref> روى حسين الأهوازي عن حمران بن أعين قال: « قلت: لأبي عبد الله {{عهس}} إنهم يقولون: لا تعجبون من قوم يزعمون أن الله يخرج قوما من النار فيجعلهم من أصحاب الجنة مع أوليائه، فقال: أما يقرؤن قول الله تبارك { وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } إنها جنة دون جنة ونار دون نار إنهم لا يساكنون أولياء الله، وقال: بينهما والله منزلة ولكن لا أستطيع أن أتكلم، إن أمرهم لأضيق من الحلقة، إن القائم لو قام لبدأ بهؤلاء ». الزهد: ص 95. وعلق المجلسي على الرواية موضحا: « بيان قوله {{عهس}}: ( إن أمرهم ) أي: المخالفين، ( لأضيق من الحلقة ) أي: الأمر في الآخرة مضيق عليهم لا يعفى عنهم كما يعفى عن مذنبي الشيعة، ولو قام القائم لبدأ بقتل هؤلاء قبل الكفار، فقوله لا أستطيع أن أتكلم في تكفيرهم تقية، والحاصل أن المخالفين ليسوا من أهل الجنان ولا من أهل المنزلة بين الجنة والنار وهي الأعراف، بل هم مخلدون في النار ». بحار الأنوار: 8/360. </ref> { إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } فيا ليت شعري أين ذهب إيمان أهل السنة بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر، ومحبتهم لأهل البيت الطاهرين والأئمة الزاكين وصلاتهم وزكاتهم حجهم وجهادهم، وكيف يكون من أشرك بالله تعالى وكفر برسوله {{صل}} أرجح من هؤلاء؟ وما أشبه قولهم بقول اليهود في عهد النبي {{صل}} إن الكافرين أهدى من المؤمنين؛ قال تعالى { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا }.
 
ومن تعصباتهم أن أهل السنة عندهم أنجس من اليهود والنصارى، حتى لو أصاب البدن شيء منهم غسلوه، مع أن المتلطخ بالغائط والعذرة عندهم ليس بنجس.
 
ومن تعصباتهم أنهم يرون أن الإبتداء بلعن أبي بكر وعمر بدل التسمية في كل أمر ذي بال أحب وأولى. ويقولون: كل طعام لعن عليه الشيخان سبعين مرة كان فيه زيادة البركة. <ref> قال الكركي: « في نبذة يسيرة مما ورد من طرق أصحابنا الإمامية {{عنهم}} مما هو صريح في لعن هؤلاء وإثبات كفرهم في شدة الظهور والوضوح كما يصرح وهو كثير جدا والغرض ههنا التعرض إليه لنستدل باليسير على الكثير ».. نفحات اللاهوت. </ref> ولا يخفى على من له بصيرة أن هؤلاء لا إيمان لهم ولا دين، بل هم من زمرة الشياطين، { وكذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار }
 
===(القول بالتقية)===
 
ومن خصائصهم القول بالتقية بالمعنى الذي لا يريده أهل السنة من قوله تعالى { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة } <ref> قال المفيد « والتقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم {{عهس}}، فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله تعالى وعن دين الإمامية، وخالف الله ورسوله والأئمة عليهم السلام ». الاعتقادات: ص 81 ( الهامش ). </ref>
 
وتحقيق ذلك على وجه البسط أن التقية محافظة النفس أو العرض أو المال من شر الأعداء. <ref> قال [[ابن القيم]]: « التقية أن يقول العبد خلاف ما يعتقده لاتقاء مكروه يقع به لو لم يتكلم بالتقية ». أحكام أهل الذمة: ص 1038. وينظر تعريف ابن حجر في الفتح: 12/314؛ والسرخسي في المبسوط: 24/45. </ref> والعدو قسمان: الأول من كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية كالمال والمتاع والملك والإمارة، ومن هنا صارت ( التقية ) قسمين: أما القسم الأول في العداوة المبنية على اختلاف الدين فالحكم الشرعي فيه أن كل مؤمن وقع في محل لا يمكن له أن يظهر دينه لتعرض المخالفين وجب عليه الهجرة إلى محل يقدر فيه على إظهار دينه، ولا يجوز له أصلا أن يبقى هناك ويخفي دينه ويتشبث بعذر الاستضعاف، فإن أرض الله واسعة. نعم إن كان ممن له عذر شرعي في ترك الهجرة كالصبيان والنساء والعميان والمحبوسين والذين يخوفهم المخالفون بالقتل أو قتل الأولاد أو الآباء أو الأمهات تخويفا يظن معه إيقاع ما خوفوا غالبا، سواء كان هذا القتل بضرب العنق أو بحبس القوت أو بنحو ذلك، فإنه يجوز له المكث مع المخالف والموافقة بقدر الضرورة، ويجب عليه أن يسعى في الحيلة للخروج والفرار بدينه. وإن كان التخويف بفوات المنفعة أو بلحوق المشقة التي يمكنه تحملها كالحبس مع القوت والضرب غير المهلك فإنه لا يجوز له موافقتهم، وفي صورة الجواز أيضا فإن موافقتهم رخصة، وإظهار مذهبه عزيمة، فلو تلفت نفسه بذلك فإنه شهيد قطعا. ومما يدل على أنها رخصة ما روي عن الحسن أن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب رسول الله {{صل}} فقال لأحدهما: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، فقال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: نعم. ثم دعا الآخر فقال له أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم. قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: إنى أصم، قالها ثلاثا وفي كل يجيبه بأني أصم، فضرب عنقه. فبلغ ذلك رسول الله {{صل}} فقال: أما هذا المقتول فقد مضى على صدقه ويقينه وأخذ بفضله، فهنيئا له، وأما الآخر فقد رحمه الله تعالى فلا تبعة عليه. <ref> مصنف ابن أبي شيبة: 6/476. </ref>
 
وأما القسم الثاني في العداوة المبينة على الأغراض الدنيوية فقد اختلف العلماء في وجوب الهجرة وعدمه، فقال بعضهم: تجب لقوله تعالى { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } وبدليل النهي عن إضاعة المال. وقال قوم: لا تجب إذ الهجرة عن ذلك المقام مصلحة من المصالح الدنيوية. ولا يعود من تركها نقصان في الدين لاتحاد الملة، وعدوه القوي المؤمن لا يتعرض له بالسوء من حيث هو مؤمن. وقال بعضهم: الحق أن الهجرة هنا قد تجب أيضا إذا خاف هلاك نفسه أو أقاربه أو هتك حرمته بالإفراط، ولكن ليست عبادة وقربة حتى يترتب عليها الثواب، فإن وجوبها محض مصلحة دنيوية لذلك المهاجر لا لإصلاح الدين فيترتب عليها الثواب، وليس كل واجب يثاب عليه لأن التحقيق أن كل واجب لا يكون عبادة، بل كثير من الواجبات لا يترتب عليه ثواب كالأكل عند شدة الجوع والاحتراز عن المضرات المعلومة أو المظنونة في المرض، فهذه الهجرة في مصالح الدنيا ليست كالهجرة إلى الله تعالى ورسوله {{صل}} فتكون مستوجبة لفضل الله تعالى وثواب الآخرة. وعدّ قوم من باب التقية مداره الكفار والفسقة والظلمة وإلانة الكلام والتبسم في وجوههم والانبساط معهم وإعطائهم لكف أذاهم وقطع لسانهم وصيانة العرض منهم، ولا يعد ذل من باب الموالاة المنهي عنها، بل هي سنة وأمر مشروع، فقد روى الديلمي عن النبي {{صل}} أنه قال « إن الله أمرني بمداراة الناس، كما أمرني بإقامة الفرائض » <ref> ضعيف الجامع: رقم 1567. </ref> وفي رواية « بعثت بالمداراة » <ref> وضعه في ضعيف الجامع: رقم 2337. </ref> وفي الجامع « سيأتيكم ركب مبغضون، فإذا جاءوكم فرحبوا بهم » <ref> ضعيف الجامع: رقم 3297. </ref> وروى [[ابن أبي الدنيا]] <ref> الحافظ صاحب التصانيف المشهورة، توفي سنة 281ه. [[تذكرة الحفاظ]]: 2/677؛ [[طبقات الحفاظ]]: 1/298. </ref> « رأس العقل بعد الإيمان بالله تعالى مداراة الناس » <ref> ضعيف الجامع: رقم 3075. </ref> وفي رواية البيهقي « رأس العقل المداراة » <ref> ضعيف الجامع: رقم 3069. </ref> وأخرج الطبراني « مداراة الناس صدقة » <ref> ضعيف الجامع: رقم 5255. </ref> وفي رواية له « ما وقى به المؤمن عرضه فهو صدقة » <ref> ضعيف الجامع: رقم 4254. </ref> وأخرج ابن عدي وابن عساكر « من عاش مداريا مات شهيدا، قوا بأموالكم أعراضكم، وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه » <ref> وضعه في ضعيف الجامع: رقم 4115. </ref> وعن [[عائشة]] رضي الله تعالى عنها قالت: استأذن رجل على رسول الله {{صل}} وأنا عنده، فقال رسول الله {{صل}} « بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة » ثم أذن له فألان له القول، فلما خرج قلت: يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال: « يا عائشة إن من شر الناس من يتركه الناس – أو يدعه الناس – اتقاء فحشه » <ref> متفق عليه </ref> وفي البخاري عن أبي الدرداء « إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم » وفي رواية الكشميهني « وإن قلوبنا لتقليهم » وفي رواية ابن أبي الدنيا وإبراهيم الحرمي بزيادة « ونضحك إليهم » إلى غير ذلك من الأحاديث.
 
ولكن لا ينبغي المداراة إلى حيث يخدش الدين ويرتكب المنكر ويسيء الظنون. هذا كله على مذهب أهل السنة، وبقي قولان لفئتين متباينتين من الناس وهم الخوارج والشيعة:
 
أما الخوارج فذهبوا إلى أنه لا تجوز التقية بحال، ولا يراعى المال وحفظ النفس والعرض في مقابلة الدين أصلا. ولهم تشديدات في هذا الباب عجيبة، منها أن احدا لو كان يصلي وجاء سارق أو غاصب ليسرق أو يغصب ماله الخطير لا يقطع الصلاة بل يحرم عليه قطعها، وطعنوا على بريدة الأسلمي صاحب رسول الله {{صل}} أنه كان يحافظ على فرسه في صلاته كيلا يهرب. <ref> أخرج البخاري عن الأزرق بن قيس قال: « كنا على شاطئ نهر بالأهواز قد نضب عنه الماء، فجاء أبو برزة الأسلمي على فرس فصلى وخلى فرسه، فانطلقت الفرس فترك صلاته وتبعها حتى أدركها، فأخذها ثم جاء فقضى صلاته، وفينا رجل له رأي فأقبل يقول: انظروا إلى هذا الشيخ ترك صلاته من أجل فرس! فأقبل فقال: ما عنفني أحد منذ فارقت رسول الله {{صل}} وقال: إن منزلي متراخ فلو صليت وتركت لم آتِ أهلي إلى الليل، وذكر أنه صحب النبي {{صل}} فرأى من تيسيره ». [[صحيح البخاري]]، كتاب الأدب </ref> ولا يخفى أن هذا المذهب من التفريط بمكان.
 
وأما الشيعة فكلامهم مضطرب في هذا المقام، فقال بعضهم إنها جائزة في الأقوال كلها عند الضرورة، وربما وجبت فيها لضرب من اللطف والاستصلاح، ولا تجوز في الأفعال كقتل المؤمن ولا يكون فيما يعلم أو يغلب على الظن أنه فساد في الدين. وقال المفيد: إنها قد تجب أحيانا، وقد يكون فعلها في وقت افضل من تركها، وقد يكون تركها افضل من فعلها. وقال أبو جعفر الطوسي: إن ظاهر الروايات يدل على أنها واجبة عند الخوف على النفس. <ref> مجمع البيان: 1/430. </ref> وقال غيره: إنها واجبة عند الخوف على المال أيضا، <ref> ينظر الكاظمي، الأصول الأصلية: ص 329. </ref> ومستحبة لصيانة العرض حتى يسن لمن اجتمع مع أهل السنة أن يوافقهم في صلاتهم وصيامهم وسائر ما يدينون به. ورووا عن بعض ائمة أهل البيت « من صلى وراء سني تقية فكأنما صلى وراء نبي ». <ref> روى الكليني وغيره عن الحلبي عن أبي عبد الله قال: « من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول الله {{صل}} في الصف الأول ». الكافي: 3/380؛ ابن بابويه، الأمالي: ص 336؛ العاملي، وسائل الشيعة: 8/299. </ref> وفي وجوب قضاء تلك الصلاة عندهم خلاف. وكذا في وجوب قضاء الصوم على من أفطر تقية حيث لا يحل الإفطار قولان أيضا. <ref> قال مكرم الشيرازي: « وظاهر هذه الأحاديث رجحان الصلاة معهم مع نية الاقتداء بهم كما أن ظاهرها جواز الاكتفاء بها وعدم وجوب إعادتها ». القواعد الفقهية: 1/452. وينظر منتهى الدراية: 2/61. </ref> وفي أفضلية التقية من سني واحد صيانة لمذهب الشيعة عن الطعن خلاف أيضا. وأفتى كثير منهم بالأفضلية، ومنهم من ذهب إلى جواز – بل وجوب – إظهار الكفر لأدنى مخافة أو طمع، ولا يخفى أنه من الإفراط بمكان. وحملوا أكثر أفعال الأئمة – مما يوافق مذهب أهل السنة ويقوم به الدليل على رد مذهب الشيعة – على التقية، وجعلوا هذا أصلا أصيلا واستوى عليه دينهم وهو الشائع الآن فيما بينهم. <ref> وعدوا التقية ركنا من أركان الدين من تركه كان كتارك الصلاة، روى ابن بابويه وغيره عن علي بن محمد الهادي ( الإمام العاشر عندهم ) أنه قال: « لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا ». من لا يحضره الفقيه: 2/127؛ الحراني، تحف العقول: ص 483؛ العاملي، وسائل الشيعة: 10/131. </ref> حتى نسبوا ذلك للأنبياء عليهم السلام، <ref> فمن مسلمات المذهب أن التقية جائزة على الأنبياء. روى الكليني وغيره عن أبي بصير قال: « قال أبو عبد الله {{عهس}}: التقية من دين الله، قلت: من دين الله؟! قال: أي والله من دين الله، قال يوسف { أيتها العير إنكم لسارقون } والله ما كانوا سارقين شيئا، وقال إبراهيم: { إني سقيم } والله ما كان سقيما وما كان يكذب ». الكافي: 2/217؛ رجال النجاشي: ص 237؛ البرقي، المحاسن: 1/258. </ref> وجل غرضهم من ذلك إبطال خلافة الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم، ويأبى الله تعالى ذلك، ففى كتبهم ما يبطل كون أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه ونبيه {{عنه}} ذوى تقية، بل ويبطل أيضا فضلها الذي زعموه.
 
ففي كتاب ( نهج البلاغة ) الذي هو في زعمهم أصح الكتب بعد كتاب الله أن الأمير كرم الله تعالى وجهه قال: « علامة الإيمان إيثارك الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك » <ref> نهج البلاغة ( بشرح ابن أبي الحديد ): 20/175. </ref> وأين هذا من تفسيرهم قوله تعالى { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } بأكثركم تقية؟ <ref> حيث روى الإمامية في تفسير الآية عن أبي عبد الله أنه قال: « أعلمكم بالتقية ». الطوسي، الأمالي: ص 661؛ الطبرسي، أعلام الورى: ص 434؛ النوري، مستدرك الوسائل: 12/253. </ref> وفيه أيضا أنه كرم الله تعالى وجهه قال « إني والله لو لقيتهم واحدا وهم طلاع الأرض <ref> طلاع الأرض: ملؤها. شرح نهج البلاغة </ref> كلها ما بليت ولا استوحشت، وإني من ضلالتهم التي هم فيها والهدى الذي أنا عليه لعلى بصيرة من نفسي ويقين من ربي، وإلى لقاء الله وحسن ثوابه لمنتظر راج » <ref> نهج البلاغة ( بشرح ابن أبي الحديد ): 17/225. </ref> وفي هذا دلالة على أن الأمير لم يخف وهو منفرد من حرب الأعداء وهم جموع، ومثله لا يتصور أن يتأتى منه ما فيه هدم الدين. وروى العياشي عن زرارة بن أعين عن أبي بكر بن حزم أنه قال توضأ رجل ومسح على خفيه فدخل المسجد [ فصلى ] <ref> زيادة من السيوف المشرقة وكتب الإمامية </ref> فجاء علي كرم الله تعالى وجهه فوجأه على رقبته فقال: ويلك تصلى وأنت على غير وضوء؟ فقال: أمرني عمر، فأخذ بيده فانتهى إليه ثم قال: انظر ما يقول هذا عنك – ورفع صوته على عمر – فقال عمر: أنا أمرته بذلك. <ref> أخرج الرواية العياشي في تفسيره: 1/297؛ الراوندي، فقه القرآن: 1/35؛ العاملي، وسائل الشيعة: 27/60. </ref> فانظر كيف رفع الصوت ولم يتاقه.
 
وروى الراوندي شارح نهج البلاغة ومعتقد الشيعة في كتاب الخرائج والجرائح <ref> في الأصل خرائج الجرائح </ref> عن سلمان الفارسي أن عليا بلغه عن عمر أنه ذكر شيعته فاستقبله في بعض طرق بساتين المدينة وفي يد علي قوس فقال يا عمر بلغني عنك ذكرك لشيعتي، فقال: أربع على صلعتك. فقال علي: إنك ههنا؟ ثم رمى بالقوس على الأرض فإذا هي ثعبان كالبعير فاغرا فاه وقد أقبل نحو عمر ليبتلعه، فقال عمر: الله الله يا أبا الحسن، لا عدت بعدها في شيء، فجعل يتضرع، فضرب بيده على الثعبان فعادت القوس كما كانت، فمضى عمر إلى بيته. قال سلمان: فلما كان الليل دعاني علي فقال: سر إلى عمر، فإنه حمل إليه مال من ناحية المشرق، وقد عزم أن يخبئه فقل له: يقول لك علي: أخرج ما حمل إليك من المشرق ففرقه على من هو لهم ولا تخبئه فأفضحك. قال سلمان: فمضيت إليه وأديت الرسالة، فقال: أخبرني عن أمر صاحبك من أين علم به؟ فقلت: وهل يخفى عليه مثل هذا؟ فقال: يا سليمان اقبل عني ما أقول لك، ما علي إلا ساحر، والصواب أن تفارقه وتصير من جملتنا. قلت: ليس كما قلت، لكنه ورث من أسرار النبوة ما قد رأيت منه، وعنده أكثر من هذا. قال: ارجع إليه فقل: السمع والطاعة لأمرك. فرجعت إلى علي، فقال: أحدثك عما جرى بينكما؟ فقلت: أنت أعلم مني. فتكلم بما جرى بيننا ثم قال: إن رعب الثعبان في قلبه إلى أن يموت. <ref> الخرائج والجرائح: 1/232؛ البحراني، مدينة المعاجز: 1/446؛ المجلسي، بحار الأنوار: 41/256 </ref>
 
وفي هذه الرواية ضرب عنق التقية أيضا، إذ صاحب هذه القوس تغنيه قوسه عنها ولا تحوجه أن يزوج ابنته أم كلثوم <ref> هي أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، ولدت قبل وفاة النبي {{صل}}، وتزوجها عمر بن الخطاب في خلافته فولدت له زيدا ورقية. [[الاستيعاب]]: 4/1954؛ [[الإصابة]]: 8/293. روى الحاكم عن علي بن الحسين: « إن عمر بن الخطاب {{عنه}} خطب إلى علي {{عنه}} أم كلثوم، فقال: أنكحنيها فقال علي: إني أرصدها لابن أخي عبد الله بن جعفر، فقال: عمر أنكحنيها فوالله ما من الناس أحد يرصد من أمرها ما أرصده، فأنكحه علي، فأتى عمر المهاجرين، فقال: ألا تهنوني؟ فقالوا: بمن يا أمير المؤمنين؟ فقال: بأم كلثوم بنت علي وابنة فاطمة بنت رسول الله {{صل}}، إني سمعت رسول الله {{صل}} يقول: كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا ما كان من سببي ونسبي، فأحببت أن يكون بيني وبين رسول الله {{صل}} نسب وسبب ». المستدرك: 3/153، رقم 4684؛ وبلفظ قريب أخرجه البيهقي في الكبرى: 7/64، رقم 13172 وهو في صحيح الجامع، برقم 4527. وأخرج الإمامية الرواية بلفظ قريب، فقد أوردها ابن البطريق، العمدة: ص 286؛ المجلسي، بحار الأنوار: 25/247. </ref> من عمر خوفا منه وتقية. <ref> ورغم اتفاق الطرفين على ثبوت هذا الزواج، إلا أن كتب الإمامية افترت لسبب لا يخفى على اللبيب القول بأن عمر تزوج من جنية تمثلت بصورة أم كلثوم أرسلها له علي {{عنه}}؛ أورد ذلك القطب الراوندي، والرواية عن عمر بن أذينة قال: « قيل لأبي عبد الله {{عهس}}: إن الناس يحتجون علينا ويقولون إن أمير المؤمنين {{عهس}} زوج فلانا [ أي عمر بن الخطاب {{عنه}} ] ابنته أم كلثوم، وكان متكئا فجلس وقال: أيقولون ذلك، إن قوما يزعمون ذلك لا يهتدون إلى سواء السبيل، سبحان الله ما كان يقدر أمير المؤمنين {{عهس}} أن يحول بينه وبينها فينقذها، كذبوا لم يكن ما قالوا: إن فلانا [ عمر {{عنه}} ] خطب إلى علي ابنته أم كلثوم، فأبى علي {{عهس}}، فقال للعباس: والله لئن لم تزوجني لأنتزعن منك السقاية وزمزم، فأتى العباس عليا فكلمه، فأبى، فألح العباس، فلما رأى أمير المؤمنين {{عهس}} مشقة كلام الرجل على العباس، وأنه سيفعل بالسقاية ما قال، أرسل أمير المؤمنين {{عهس}} إلى جنيّة من أهل نجران يهودية يقال لها ( سحيفة بنت جريرية )، فأمرها فتمثلت في مثال أم كلثوم وحجبت الأبصار عن أم كلثوم، وبعث بها إلى الرجل فلم تزل عنده حتى أنه استراب بها يوما فقال: ما في الأرض أهل بيت أسحر من بني هاشم، ثم أراد أن يظهر ذلك للناس فلما قتل حوت الميراث وانصرفت إلى نجران، وأظهر أمير المؤمنين أم كلثوم ». الخرائج والجرائح: 2/825؛ المجلسي، بحار الأنوار: 42/88. ففي هذه الرواية طعن بعلي {{عنه}} واتهامه بالسحر والخداع وتسخير الجن ومخالفة قوله تعالى: { وأنه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رهقا }. </ref>
 
وروى الكليني عن معاذ بن كثير <ref> معاذ بن كثير الكسائي، روايته عندهم عن الصادق، وثقه المفيد. رجال البرقي: ص 46؛ رجال الطوسي: ص 306؛ معجم رجال الحديث: 18/186. </ref> عن أبي عبد الله أنه قال: إن الله عز وجل أنزل على نبيه {{صل}} كتابا، فقال جبريل: يا محمد هذه وصيتك إلى النجباء فقال: ومن النجباء يا جبريل؟ فقال: علي بن أبي طالب وولده. وكان على الكتاب خواتم من ذهب، فدفعه رسول الله {{صل}} إلى علي وأمره أن يفك خاتما منه فيعمل بما فيه، ثم دفعه إلى الحسن ففك منه خاتما فعمل بما فيه، ثم دفعه إلى الحسين ففك خاتما فوجد فيه أن أخرج قومك إلى الشهادة فلا شهادة لهم إلا معك واشتر نفسك من الله تعالى، ففعل. ثم دفعه إلى علي بن الحسين ففك خاتما فوجد فيه أن اطرق واصمت والزم منزلك واعبد ربك حتى يأتيك اليقين، ففعل. ثم دفعه إلى ابنه محمد بن علي ففك خاتما فوجد فيه: حدث الناس وأفتهم وانشر علوم أهل بيتك وصدق آباءك الصالحين ولا تخافن أحدا إلا الله تعالى فإنه لا سبيل لأحد عليك. ثم دفعه إلى جعفر الصادق ففك خاتما فوجد فيه: حدث الناس وأفتهم ولا تخافن إلا الله تعالى وانشر علوم أهل بيتك وصدق آباءك الصالحين فإنك في حرز وأمان، ففعل. ثم دفعه إلى موسى وهكذا إلى المهدي. <ref> الكافي: 1/279؛ ابن بابويه، الإمامة والتبصرة: 38 – 39؛ ابن بابويه ( الصدوق )، كمال الدين: ص 232. </ref> رواه من طريق آخر عن معاذ أيضا عن أبي عبدالله وفي الخاتم الخامس: وقل الحق في الأمن والخوف، ولا تخش إلا الله تعالى. <ref> الكافي: 1/280؛ ابن بابويه، الإمامة والتبصرة: ص 39. </ref> وهذه الرواية أيضا صريحة بأن أولئك ليس دينهم كما تزعمه الشيعة.
 
وروى سليم بن قيس الهلالي الشيعي من خبر طويل أن أمير المؤمنين قال: « لما قبض رسول الله {{صل}} ومال الناس إلى أبي بكر فبايعوه حملت فاطمة وأخذت بيد الحسن والحسين ولم تدع أحدا من أهل بدر وأهل السابقة من المهاجرين والأنصار إلا ناشدتهم الله تعالى حقي ودعوتهم إلى نصرتي، فلم يستجب لي من جميع الناس إلا أربعة: الزبير وسلمان وأبو ذر والمقداد. » <ref> تقدم التخريج </ref> وهذه تدل على أن التقية لم تكن واجبة على الإمام، لأن هذا الفعل عند من بايع أبا بكر {{عنه}} فيه ما فيه.
 
وفي كتاب أبان بن عياش أن أبا بكر بعث قنفدا <ref> هو قنفذ بن سعيد بن جدعان التميمي، قال ابن عبد البر: ولاه عمر {{عنه}} مكة ثم صرفه. الاستيعاب: 3/1307؛ الإصابة: 5/445. </ref> إلى علي حين بايعه الناس ولم يبايعه علي وقال: انطلق إلى علي وقل له أجب خليفة رسول الله {{صل}}. فانطلق فبلغه، فقال له: ما أسرع ما كذبتم على رسول الله {{صل}} وارتددتم والله ما استخلف رسول الله {{صل}} غيري. <ref> كتاب قيس بن سليم: ص 862؛ المجلسي، بحار الأنوار: 28/297؛ وأوردها الطبرسي، الاحتجاج: ص 82. </ref>
 
وفيه أيضا: « أنه لما لم يجب علي غضب عمر وأضرب النار بباب علي وأحرقه ودخل فاستقبلته فاطمة وصاحت: يا أبتاه، يا رسول الله. فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها المبارك ورفع السوط فضرب به درعها فصاحت: يا أبتاه. فأخذ علي بتلابيب عمر وهزه ووجأ أنفه ورقبته ». <ref> كتاب قيس بن سليم: ص 585؛ المجلسي، بحار الأنوار: 28/268. </ref>
 
وفيه أيضا أن عمر قال لعلي: بايع أبا بكر، قال: إن لم أفعل ذلك؟ قال: إذا لأضربن عنقك. قال: كذبت والله يا ابن صهاك <ref> صهك الجواري السود. [[لسان العرب]] </ref> لا تقدر على ذلك، أنت ألأم وأضعف من ذلك. <ref> كتاب قيس بن سليم: ص 593؛ الطبرسي، الاحتجاج: 1/93؛ المجلسي، بحار الأنوار: 28/300. </ref>
 
فهذه الروايات تدل صريحا أن التقية بمراحل من ذلك الإمام، إذ لا معنى لهذه المناقشة والمسابة مع وجوب التقية.
 
وروى محمد بن سنان <ref> ذكره الخوئي، معجم رجال الحديث: 16/138. </ref> أن أمير المؤمنين قال لعمر: يا مغرور، إنى أراك في الدنيا قتيلا بجراحة عبد أم معمر، <ref> يقصدون أبا لؤلؤة المجوسي غلام [[المغيرة بن شعبة]]. </ref> تحكم عليه جورا فيقتلك، ويدخل بذلك الجنان على رغم منك » <ref> أبو الحسن الديلمي، إرشاد القلوب: 2/285؛ المجلسي بحار الأنوار: 30/276. </ref>
 
ورورى أيضا أنه قال مرة لعمر: « إن لك ولصاحبك الذي قمت مقامه هتكا وصلبا، وتخرجان من جوار رسول الله {{صل}} فتصلبان على شجرة يابسة فتورق فيفتتن بذلك من ولاكما، ثم يؤتى بالنار التي أضرمت لإبراهيم ويأتي جرجيس <ref> قال الطبري: « كان جرجيس فيما ذكر عبدا صالحا من أهل فلسطين ممن أدرك بقايا من حواريي عيسى {{عهس}}، وكان يأكل من تجارته ). ينظر [[تاريخ الطبري]]: 1/382. </ref> ودانيال <ref> من الأنبياء عند أهل الكتاب. تاريخ الطبري: 1/316؛ [[تفسير ابن كثير]]: 4/496. </ref> وكل نبي وصديق فتصلبان فيها فتحرقان وتصيران رمادا، ثم تأتى ريح فتنسفكما في اليم نسفا ». <ref> المجلسي، بحار الأنوار: 30/276. </ref>
 
فانظر بالله عليك من يروي هذه الأكاذيب <ref> ولوضوح كذبها لم يناقشها المؤلف </ref> عن الإمام كرم الله تعالى وجهه، هل ينبغي له أن يقول بنسبة التقية إليه؟ سبحان الله! إن هذا لهو العجب العجاب والداء العضال.
 
ومما يرد قولهم أن زكريا ويحيى والحسين ليس لهم عند الله كرامة وفضل لأنهم لم يفعلوا التقية، ويلزم أن يكون جميع المنافقين في عهده {{صل}} في أعلى المراتب من الكرامة. سبحانك هذا بهتان عظيم. { ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون }
 
وأيضا أن التقية لا تكون إلا لخوف، والخوف قسمان:
 
الأول الخوف على النفس وهو منتف في حضرات الأئمة بوجهين: أحدهما أن موتهم الطبيعي باختيارهم كما أثبت هذه المسألة الكليني في ( الكافي ) وعقد لها بابا وأجمع عليها سائر الإمامية. <ref> بوب الكليني: ( باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون إلا باختيار منهم. الكافي: 1/258؛ وللصفار: ( باب في الأئمة أنهم يعرفون متى يموتون ويعلمون ذلك قبل أن يأتيهم الموت عليهم السلام ). بصائر الدراجات: ص 480؛ والباب نفسه عند المجلسي في بحار الأنوار: 27/285. </ref> وثانيهما أن الأئمة يكون لهم علم بما كان ويكون، <ref> بوب الكليني لذلك: ( باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون علم ما كان ويكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء ). الكافي: 1/260؛ وقلده المجلسي فكتب: ( باب أنهم لا يحجب عنهم علم السماء والأرض والجنة والنار وأنه عرض عليهم ملكوت السماوات والأرض ويعلمون علم ما كان ويكون إلى يوم القيامة ). بحار الأنوار: 26/109. </ref> فهم يعلمون آجالهم وكيفيات موتهم وأوقاته بالتفصيل والتخصيص، فقبل وقته لا يخافون على أنفسهم، ولا حاجة بهو إلى أن ينافقوا في دينهم ويغروا عوام المؤمنين.
 
القسم الثاني خوف المشقة والإيذاء البدني والسب والشتم وهتك الحرمة، ولا شك أن تحمل هذه الأمور والصبر عليها وظيفة الصلحاء، فقد كانوا يتحملون البلاء دائما في امتثال أوامر الله تعالى، وربما قابلوا السلاطين الجبابرة. وأهل البيت النبوي أولى بتحمل الشدائد في نصرة دين جدهم {{صل}}. <ref> والروايات كثيرة في ذلك منها ما رواه الكليني عن أبي حمزة الثمالي قال: « قال لي أبو عبد الله {{عهس}} من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل أجر ألف شهيد ». الكافي: 2/92؛ العاملي، مسكن الفؤاد: ص 47. ويمكن الاطلاع على روايات أكثر في ( باب الصبر على البلاء ) من كتاب العاملي، وسائل الشيعة: 3/225 وما بعدها. </ref> وأيضا لو كانت التقية واجبة فلم توقف إمام الأئمة كرم الله تعالى وجهه عن بيعة خليفة رسول الله {{صل}} ستة اشهر؟ وماذا منعه من أداء الواجب أول وهلة؟ <ref> هذا من باب مجاراة الخصم، فالثابت أن عليا بايع الصديق كما بايعه الصحابة الآخرون ولم يتأخر. </ref>
 
ومما يرد قولهم في نسبة التقية إلى الأنبياء عليهم السلام بالمعنى الذي أرادوه قوله تعالى في حقهم { الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا } وقوله سبحانه لنبيه {{صل}} { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس } وقوله تعالى { وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يجب الصابرين } إلى غير ذلك من الآيات.
 
نعم لو أرادوا بالتقية المداراة التي أشرنا إليها لكان لنسبتها إلى الأنبياء والأئمة وجه، وهذا أحد محملين لما أخرجه عند بن حميد عن الحسن أنه قال: التقية جائزة إلى يوم القيامة. <ref> ابن أبي شيبة، المصنف: 6/474، قال ابن حجر ورواه عبد بن حميد في تفسيره. تغليق التعليق: 5/261. </ref> والثاني حمل التقية على ظاهرها وكونها جائزة إنما هو على التفصيل الذي ذكرناه. وإنما ذكرت لك ما ذكرت، وحررت في هذا المقام ما حررت، من الدلائل القطعية والبراهين الجلية، لينقطع عرق التقية التي هي أساس مذهب الشيعة وعماد كل قبيحة وشنيعة.
 
===(الأنبياء وولاية علي)===
 
ومن تعصباتهم انهم يقولون إن الله تعالى أرسل جميع الأنبياء والرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام لولاية علي. <ref> أخرج الصفار في باب ( ما خص به الأئمة من آل محمد {{صل}} من ولاية الأنبياء لهم في الميثاق وغيره وما علموا من ذلك ) عن محمد بن الفضل عن أبي الحسن قال: « ولاية علي مكتوب في جميع صحف الأنبياء ولن يبعث نبيا إلا بنبوة محمد وولاية وصيه علي {{عهس}} ». بصائر الدرجات: ص 72. </ref> وكان علي من جميع الأنبياء سرا، ومع نبينا {{صل}} جهرا، كما رواه ابن طاوس وغيره. <ref> روى البرسي قال: « إن فرعون لعنه الله لما لحق هارون بأخيه موسى دخلا عليه يوما وأوجسا خيفة منه، فإذا فارس يقدمهما ولباسه من ذهب وبيده سيف من ذهب، وكان فرعون يحب الذهب، فقال لفرعون: أجب هذين الرجلين وإلا قتلتك، فأنزعج فرعون لذلك وقال: هذا إلى غد، فلما خرجا دعا البوابين وعاقبهم، وقال: كيف دخل عليّ هذا الفارس بغير إذن؟ فحلفوا بعزة فرعون أنه ما دخل إلا هذان الرجلان، وكان الفارس مثال علي {{عهس}} هذا الذي أيد الله به النبيين سرا وأيد به محمد {{صل}} جهرا، ألا أنه كلمة الله الكبرى التي أظهرها لأوليائه فيما يشاء من الصور، فينصرهم بها وبتلك الكلمة يدعون الله فيجيبهم وينجيهم، وإليه الإشارة بقوله: { ويجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا }، قال ابن عباس: كانت الآية الكبرى لهما هذا الفارس ». تفسير البرهان: 4/227؛ المشهدي، كنز الدقائق: 10/69. </ref> وانه لولا علي لم تخلق الأنبياء كما رواه ابن المعلم عن [[محمد بن الحنفية]]. <ref> الروايات كثيرة منها ما رووا عن [[محمد بن الحنفية]] قال: « قال أمير المؤمنين {{عهس}} سمعت رسول الله {{صل}}:... أنا سيد الأنبياء وأنت سيد الأوصياء وأنا أنت من شجرة واحدة، لولانا لم يخلق الجنة ولا النار ولا الأنبياء ولا الملائكة... ». القمي، كفاية الأثر: ص 156؛ المجلسي، بحار الأنوار: 36/337. </ref> وأن درجة علي فوق درجة الأنبياء والرسل يوم القيامة، <ref> الروايات كثيرة منها ما روى ابن شاذان عن أبي ذر قال: « نظر النبي {{صل}} إلى علي بن أبي طالب {{عهس}} فقال: هذا خير الأولين وخير الآخرين من أهل السماوات وأهل الأرضين، هذا سيد الصديقين وزين الوصيين وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين إذا كان يوم القيامة جاء على ناقة من نوق الجنة قد أضاءت القيامة من ضوئها على رأسه تاج مرصع بالزبرجد والياقوت، فتقول الملائكة هذا ملك مقرب ويقول النبيون هذا نبي مرسل، فينادي منادٍ من بطنان العرش هذا الصديق الأكبر وصي حبيب الله، هذا علي بن أبي طالب {{عهس}} فيقف على ظهر جهنم فينجي منها من يحب ويدخل فيها من لا يحب ويأتي أبواب الجنة فيدخل فيها أولياءه وشيعته من أي باب أرادوا بغير حساب ». مائة منقبة: ص 88 – 89. </ref> وأنهم يحشرون مع شيعته، <ref> ويزورون قبره ويوالونه؛ روى ابن قولويه القمي عن إسحاق بن عمار قال: « سمعت أبا عبد الله يقول: ليس نبي في السماوات والأرض إلا يسألون الله تعالى في زيارة الحسين {{عهس}} ففوج ينزل وفوج يصعد ». كامل الزيارات: ص 111. </ref> وأنهم متدينون بمحبته كما رواه ابن طاوس أيضا. <ref> روى الطوسي وغيره أن رسول الله {{صل}} قال: « جاءني جبريل من عند الله بورقة آس خضراء مكتوب فيها ببياض: إني افترضت محبة علي على خلقي، فبلغهم ذلك عني ». الأمالي: ص 619؛ البياضي، الصراط المستقيم: 2/50؛ الأربلي، كشف الغمة: 1/99. </ref> ومن اعتقد خلاف ذلك فهو كافر بزعمهم. وأنت تعلم أن هذا مخالف لجميع الشرائع، وبداهة العقل، وآيات الكتاب. <ref> ولهذا قالوا بتحريف القرآن الذي نسي الإمامة والولاية كأهم ما في الدين وذكر بدلهما التوحيد { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } </ref> نسأل الله تعالى السلامة من مثل هذه العقائد الباطلة لدى أولي الألباب.
 
ومن تعصباتهم أنهم يقولون: إن الله تعالى قد أمر الكرام الكاتبين يوم قتل عمر أن يرفعوا الأقلام ثلاثة أيام عن جميع الخلائق فلا يكتبون ذنبا على أحد، كما رواه علي ابن مظاهر الواسطي عن أحمد بن إسحاق القمي عن العسكري عن النبي {{صل}} فيما حكاه عن ربه جل جلاله. <ref> تقدم قسم منها في المسائل الفقهية، وفيها أيضا: «... وأمرت الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن الخلق كلهم ثلاثة أيام من ذلك اليوم ولا أكتب عليهم شيئا من خطاياهم كرامة لك ولوصيك... ». بحار الأنوار: 31/125. </ref> ولا يخفى كذب هذه الرواية وبطلانها، إذ يلزم أن من زنى بأمه أو سب الأمير أو عبد الأوثان في تلك الأيام ومات فيها دخل الجنة بلا حساب وفاز بالنعيم من غير عقاب وقد قال تعالى { ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } وكثير من روايات الأئمة توافق هذه الآية، ولكن من أضله الله تعالى لا تنفعه الهداية.
 
ومن تعصباتهم أنهم يقولون: إنما أخذ النبي {{صل}} أبا بكر معه حين هاجر من مكة لئلا يعلم كفار قريش بخروجه وطريق ذهابه. <ref> روى القمي ونقله عنه معظم مفسريهم عن أبي عبد الله: « قال لما كان رسول الله {{صل}} في الغار قال لفلان [ لأبي بكر ]: كأني أنظر إلى سفينة جعفر في أصحابه يقوم في البحر وأنظر إلى الأنصار محتسبين في أفنيتهم، فقال فلان [ أبو بكر ]: وتراهم يا رسول الله؟ قال نعم، قال: فأرينهم فمسح على عينيه فرآهم فقال في نفسه: الآن صدقت أنك ساحر، فقال له رسول الله: أنت الصديق ». تفسير القمي: 1/290 </ref> ويرده قوله تعالى { إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا } فقد حكى الله تعالى حزنه على الرسول وتسلية الرسول {{صل}} له. وقال عبد الله المشهدي أحد روساء الشيعة: الحق أن هذا الاحتمال، أي إخراج الرسول له لئلا يعلم كفار قريش بخروج النبي {{صل}} بعيد جدا ولعل النبي ألف صحبته لسبقه في الإسلام وملازمته للرسول {{صل}}. وقال المفسر النيسابوري: <ref> محمود بن أبي الحسن النيسابوري، عالم له تفسير ( إيجاز البيان في معاني القرآن ) ثم شرحه، توفي سنة 550ه. معجم الأدباء: 7/145؛ طبقات المفسرين: ص 424. </ref> ثم إننا لا ننسى أن اضطجاع علي على فراشه {{صل}} طاعة وفضيلة، إلا أن صحبة أبي بكر أعظم، لأن الحاضر أعلى من الغائب، ولأن عليا ما تحمل المحنة إلا ليلة واحدة وأبو بكر مكث في الغار أياما، وإنما اختار عليا للنوم في فراشه لأنه كان صغيرا لم تظهر منه دعوة بالدليل والحجة وجهاد بالسيف والسنان، بخلاف أبي بكر فإنه دعا في جماعة إلى الدين، وقد ذب عن الرسول {{صل}} بالنفس والمال، وكان غضب الكفار على أبي بكر أشد من غضبهم على علي، ولهذا لم يقصدوا عليا بضرب وألم لما عرفوا أنه مضطجع. انتهى.
 
ومن هذيانتهم أنهم يقولون: المراد من دابة الأرض في القرآن أمير المؤمنين، وقد فسر الكليني بذلك قوله تعالى { وإذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون }. ويزعم أنه روى ذلك عن أبي جعفر عن أمير المؤمنين أنه قال « أنا الدابة التي تكلم الناس » <ref> الكافي: 1/197؛ تفسير القمي: 2/130؛ الصفار، بصائر الدرجات: ص 199. </ref> مع أن الدابة حسبما تدل عليه الآية ستخرج قبل قيام الساعة، <ref> أخرج مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: « حفظت من رسول الله {{صل}} حديثا لم أنسه بعد سمعت رسول الله {{صل}} يقول: إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبا » </ref> ورجعة الأمير التي يزعمونها في عهد الإمام المهدي، وبينه وبين قيام الساعة أمد بعيد وزمان مديد، <ref> أي وفق قول الإمامية فيلزم التناقض </ref> وبالله تعالى العجب، وما أجرأ هؤلاء الكفرة على سوء الأدب! <ref> سوء الأدب مع أئمتهم ومع غيرهم. </ref>
 
===(في مشابهتهم لليهود والنصارى)===
 
ولنذكر لك ههنا فائدة تتعلق بحالهم وتزيد بصيرة في ضلالهم.
 
إن مذهب الشيعة له مشابهة تامة ومناسبة عامة مع فرق الكفرة والفسقة الفجرة؛ أعني اليهود والنصارى والصابئين والمجوس والمشركين.
 
====(مشابهتهم لليهود)====
 
أما مشابهتهم لليهود فلأن اليهود قالت: لا تصلح الإمامة إلا لرجل من آل داود عليه السلام، وقالت الرافضة: لا تصلح الإمامة إلا لردل من ولد علي بن أبي طالب {{عنه}}. <ref> الأخبار عندهم كثيرة منها ما رواه ابن بابويه في باب ( أن الله عز وجل خص آل محمد بالإمامة دون غيرهم ) عن الصادق عن أبيه قال: « قال رسول الله {{صل}}: من أراد أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي ويدخل جنة عدن غرسها بيد ربي، فليتول عليا {{عهس}} وليعاد عدوه، وليأتم بالأوصياء من بعده، أعطاهم الله علمي وفهمي، وهم عترتي من لحمي ودمي... ». الإمامة والتبصرة: ص 43؛ ورواه أيضا الكليني، الكافي: 1/209؛ المجلسي، بحار الأنوار: 23/138. </ref> وقالت اليهود: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال وينزل بسبب من السماء، وقالت الرافضة: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينادي مناد من السماء. <ref> تقدم </ref> واليهود تؤخر صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم، وكذلك الرافضة يؤخرونها. <ref> وردت روايات عندهم بالنهي عن الصلاة عند تشابك النجوم، وورد عكسها، وحسب قاعدة مخالفة أهل السنة ردوا روايات صحيحة، وأخذوا بروايات تشابك النجوم. روى الطوسي عن جارود قال: « قال لي أبو عبدالله ( {{عهس}} ): يا جارود، يُنصحون فلا يقبلون، وإذا سمعوا بشيء نادوا به، أو حُدّثوا بشيء أذاعوه، قلت لهم: مسّوا بالمغرب قليلا فتركوها حتى اشتبكت النجوم، فأنا الآن أصلّيها إذا سقط القرص ». تهذيب الأحكام: 2/32؛ وسائل الشيعة: 4/177. وفي رواية أخرى يشير الصادق إلى أن الإمامية قلدوا الخطابية في تأخير المغرب؛ روى الطوسي عن أبي أسامة الشحام قال: « قال رجل لأبي عبد الله {{عهس}} أؤخر المغرب حتى تستبين النجوم؟ قال: فقال: أخطابيةٌ؟ إن جبرائيل {{عهس}} نزل بها على محمد حين سقط القرص ». تهذيب الأحكام: 2/28؛ رجال الكشي: ص 290؛ ابن بابويه، علل الشرائع: 2/350؛ وسائل الشيعة: 4/191. وروايات تشابك النجوم في: تهذيب الأحكام: 2/30؛ العاملي، وسائل الشيعة: 4/196. </ref> واليهود تنود في الصلاة، وكذلك الرافضة. <ref> خاصة عند التسليم، حيث يرفعون اليدين ثلاث مرات وينزلونها قبل التسليم. </ref> واليهود لا ترى على النساء عدة، وكذلك الرافضة. <ref> فالمرأة التي لم تبلغ التسع سنوات لا عدة لها إن طلقها زوجها ولو دخل بها على مذهب الإمامية. إصباح الشيعة: ص 452. </ref> واليهود حرفوا التوراة، وكذلك الرافضة حرفوا القرآن. <ref> تقدم </ref> واليهود يبغضون جبريل {{عهس}} ويقولون هو عدونا من الملائكة، وكذلك صنف من الروافضة يقولون: غلط جبريل {{عهس}} بالوحي إلى محمد {{صل}}، وإنما بعث علي كرم الله تعالى وجهه. <ref> هذا قول الغرابية من الرافضة </ref> واليهود كانوا يبغضون الصحابة، وكذلك الرافضة. <ref> فهم يحكمون عليهم بالردة إلا ستة منهم </ref> إلى غير ذلك.
 
====(مشابهتهم للنصارى)====
 
وأما مشابهتهم للنصارى فلأن النصارى أحدثوا كثيرا من الأعياد، وكذلك الرافضة. كيوم مقتل عمر وعثمان وما أشبه ذلك. <ref> حيث أحدثوا وابتدعوا عيد الغدير وعيد النيروز ويوم التسلية وهو يوم مقتل عمر بن الخطاب {{عنه}}. </ref> والنصارى يصورون صورة عيسى ومريم ويضعون ذلك في كنائسهم ويعظمونها ويسجدون لها، فكذلك الرافضة فإنهم يصورون صور الأئمة ويعظمونها بل يسجدون لها ولقبورهم وما جرى مجرى ذلك. <ref> وصور يظنون أنها لأئمتهم – حيث لم يصورها أحد في حياتهم بل اخترعوها في عصور بعد موتهم – وصور علمائهم عامة في بيوتهم </ref>
 
====(مشابهتهم للصابئين)====
 
وأما مشابهتهم للصابئين فلن الصابئين كانوا يحترزون عن أيام يكون القمر بها في العقرب أو الطرف أو المحاق، وكذلك الرافضة. <ref> فهم يتشاءمون من الزواج إذا كان القمر في العقرب أو غيره كما تقدم. وهذا مثل قول الصابئة الذين اعتقدوا بوجود الخالق ولكنهم اعتقدوا بتأثير الكواكب والنجوم، وهذا ضد عقيدة التوحيد. </ref> وكانت الصابئة يعتقدون أن جميع الكواكب فاعلة مختارة، وأنها هي المدبرة للعالم السفلي، وكذلك الرافضة. <ref> حيث قالوا بأن الحيوانات خالقة لأفعالها وأن الله تعالى لا يخلق فعل الحيوان لأنه يتنزه عن ذلك، كما تقدم. </ref>
 
====(مشابهتهم للمشركين)====
 
وأما مشابهتهم للمشركين فلأنهم يعظمون قبور الأئمة ويطوفون حولها، بل ويصلون إليها مستدبرين القبلة، إلى غير ذلك من الأمور التي يستقل لديها فعل المشركين مع أصنامهم. <ref> هذا مشهور </ref> وإن حصل لك ريب من ذلك فاذهب يوم السبت <ref> هذا مشهور عندهم اليوم. خاصة زيارة الإمام يوم السبت، اليوم الذي تعظمه اليهود! </ref> إلى مرقدي موسى الكاظم ومحمد الجواد {{عنه}} فانظر ماذا ترى، ومع ذلك فهذا معشار ما يصنعون عند قبر الأمير كرم الله تعالى وجهه ومرقد الإمام الحسين {{عنه}}، ومما لا يشك ذو عقل في إشراكهم والعياذ بالله تعالى.
 
====(مشابهتهم للمجوس)====
 
وأما متشابهتهم للمجوس فلأن المجوس يزعمون أن خالق الخير يزدان وخالق الشر أهرمن وكذلك الروافض يزعمون [ أن ] الله تعالى خالق الخير فقط، والإنسان والشيطان خالقان الشر. ولهذا قال الأئمة في حقهم « إنهم مجوس هذه الأمة » كما مر في الإلهيات. وكذلك تعظيمهم للنيروز <ref> والنيروز هو عيد المجوس </ref> وغير ذلك، أعاذنا الله تعالى من سلوك هاتيك المسالك.
 
===(خاتمة)===
 
ومن استكشف عن عقائدهم الخبيثة وما انطووا عليه، علم أن ليس لهم في الإسلام نصيب، وتحقق كفرهم لديه ورأى منهم كل أمر عجيب، واطلع على كل أمر غريب، وتيقن أنهم قد أنكروا الحسي، وخالفوا البديهي الأوّلي. ولا يخطر بالهم عتاب ولا يمر على أذهانهم عذاب أو عقاب. فإن جاءهم الباطل أحبوه ورضوه، وإذا جاءهم الحق كذبوه وردوه: { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون } ولقد غشى على قلوبهم الران فلا يعون ولا يسمعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
 
ولقد تعنتوا بالفسق والعصيان في فروع الدين وأصوله، فصدق ظن إبليس فاتبعوه من دون الله ورسوله. فيا ويلهم من تضييعهم الإسلام ويا خسارتهم مما وقعوا فيه من حيرة الشبه والأوهام. فلو التفت إلى ما هم عليه في هذا الزمان، لوجدتهم في صريح من الضلال والخسران، لأنهم إلى الحق لا يلتفتون، ولا بمثل ذلك يعبأون، بل هم بالدين يستهزئون.
 
ولو أنك ذكرت لهم شيئا من مثالبهم، وصرحت بشيء من عيوبهم، أخذتهم العزة بالإثم، وصار ذلك عندهم من أنكر المناكر، حيث إنهم قد فرحوا بما عندهم من الجهل، وما انطووا عليه من خبث السرائر، حتى كأنهم للدنيا خلقوا، فهم لها في جميع أحوالهم يعملون، وعلى دقائق شيء ونها بأفكارهم يغوصون، وبالمتاعب وتحمل المشاق فيها إلى الموت يترددون، لبئس ما كانوا يصنعون.
 
فالاشتغال بعلومهم، ورد ما ادعوه في كتبهم من أصولهم وفروعهم، أولى ممن خالف أهل الحق بإعداد العدد، وأحق من هؤلاء بما نستمده من كل برهان وسند. كيف لا وهم قد وافقونا في لباسنا، وزاحمونا في أملاكنا، ونفثوا بسحرهم في أسلاكنا، بحيث ما ألقوه من الدسائس في عباراتهم، ويذهب على كثير من الناس ما يصدر عنهم من لحن القول في محاوراتهم، حتى أن كثيرا منهم يبرأ من بدعته، ويلتزم ما التزمه أهل السنة في طريقته، بحيث تخفى حاله على كل أحد، ولا يتبين أمره إلا لمن عرف ونفذ، فيتوصل بذلك إلى شبه ودسائس يلقيها في كلامه لجل إضلال مخاطبه من حيث لا يشعر بمقصوده ولا يدرى بمرامه.
 
فمنهم من ألف كتابا في مناقب الإمام [[الشافعي]] وأودع فيه من الدسائس الرافضية ما يخفى إلا على المتبحر. ومنهم من ألف في مذاهب المجتهدين وذكر فيا ما يخالف مذهبهم قصدا إلى ترويج مذهبه وإبطال مذهب أئمة الدين. فهم أعداء أنبياء الله تعالى ورسله، والمحرفون لكلام الشريعة عن موضعه ومحله. ولعمر الله إن هؤلاء الطغام الحيارى أضر على عوام المسلمين من اليهود والنصارى. فالحذر الحذر منهم، والفرار الفرار منهم.
 
والزم أيها الأخ الطالب للنجاة من الارتباك في ورطة الشبه والتمويه، وعليك بالسلوك في طريق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلال وشبه المبتدعين ولا تغتر بتوافر الملحدين، وكثرة الهالكين. وكن حريصا على التفتيش عما كان عليه الصحابة من الأحوال متبعا ما كانوا يتحرونه من الأعمال، فهم السواد الأعظم، الواقفون من الهداية المحمدية على ما لم نعلم. ومنهم يعرف الحسن من القبيح، والمرجوح من الرجيح. فمن اتبع غير سبيل المؤمنين <ref> والصحابة وصفهم الله تعالى بأنهم مؤمنون حيث قال عز من قائل: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } </ref>، فهو الحقيق بوعيد رب العالمين. قال تعالى تعليما لعباده وتذكيرا { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا }.
 
ومن نظر بعين بصيرته، وأمعن الفكر في طريق الاتباع وحقيقته، فحاد وابتدع، وللهوى والأطماع اتبع، كان كحاطب ليل أو متحير يدعو على نفسه بالثبور والويل، وقال تعالى في بيان طريق الهدى وتفضيله { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } فحث سبحانه على اتباع سبيله الذي هو الكتاب والسنة، ونهى جل شانه عن اتباع السبل مبينا بأن ذلك سبب للتفرق والمحنة.
 
ولذلك ترى أهل السنة قد لزموا سبيلا واحدا، ولم تر منهم زائغا عما به وحائدا. وأما أهل البدع والأهواء وذوو الضلال والافتراء فقد افترقوا في سبلهم على حسب معتقداتهم الفاسدة، وتشتتوا على مقتضى آرائهم الكاسدة، فهم على ما زعموه مصرون، وكل حزب بما لديهم فرحون.
 
فإذا الواجب علينا معاشر أهل السنة اتباعه {{صل}} في جميع اقواله، والتأسي به في سائر أفعاله وأحواله، والاقتداء بما كان عليه أصحابه، فإنهم المبلغون عنه {{صل}} وأحبابه، لأن من اقتدى بأولئك الأعلام، فقد اقتدى به {{صل}}. وما أخبث رجلا ترك سبيل السنة الشارحة للكتاب، واستبدل بالنعيم المقيم العذاب { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة في الدنيا أو يصيبهم عذاب أليم }.
 
روى [[البخاري في صحيحه]] عن [[حذيفة بن اليمان]] {{عنه}} أنه قال: « كان الناس يسألون رسول الله {{صل}} عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال {{صل}}: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، وتعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ».
 
فيا له من حديث اشتمل على علوم أخبر بها الصادق الأمين، وأبان عن فوائد جليلة تفيد العلم اليقين: منها حرص الصحابة {{عنه}} على علم ما يستقيم به دينهم المتين، ومنها أن أول خير يقع في أمته فيه كدورة تذهب بصفائه، وفيه تغيير يغاير ما أمروا باقتفائه. ومنها أن يكون بعد ذلك دعاة من الأشرار، من أجابهم قذفوه والعياذ بالله تعالى في النار، فهم كذابون دجالون، ضالون مضلون.
 
روى أبو هريرة {{عنه}} عن النبي {{صل}} أنه قال « يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتوكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم لا يضلونكم » أخرجه الإمام مسلم وغيره. ولقد صدق عليهم قوله تعالى { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون }
 
ومنها أن النبي {{صل}} أمر من أدرك الزمان أن يلزم جماعة المسلمين وإمامهم، وهم الذين اتبعوا سنته ولازموا طريقته، فإن لم يكن لهم جماعة وكانوا غرباء فالواجب عليهم العزلة عن تلك الفرق كلها. ثم حرض {{صل}} على هذا الاعتزال الذي فيه سلامة الدين بقوله على سبيل المبالغة « ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يأتيك الموت » وأنت على هذا العمل، معرض عن كل ما يفسد عليك دينك الذي هو رأس مالك، صابر على تلك المعاطب والمهالك.
 
وروى [[أبو داود]] والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن العرباض بن سارية {{عنه}} قال: وعظنا رسول الله {{صل}} موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون. فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع، فأوصنا. قال « أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة »
 
فقد أوصانا {{صل}} بلزوم سنته وسنة الخلفاء الراشدين الذين هم على طريقته. إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة والأخبار الرجيحة التي تحث على اتباع الكتاب وسنة الرسول {{صل}}، فإنهما إلى سبيل العليم العلام.
 
{ ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطانا، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين }
 
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد النبي الأمي وآله وصحبه أجمعين
 
تم بحمد الله هذا المختصر
 
وقد سماه علامة العراق السيد محمود شكري الألوسي رحمه الله
 
المنحة الإلهية
 
تلخيص ترجمة التحفة الاثني عشرية
 
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
 
 
==خاتمة==
 
حملة رسالة الإسلام الأولون وما كانوا عليه من المحبة والتعاون على الحق والخير وكيف شوه المغرضون جمال سيرتهم
 
روى الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه ( ك 62 ب 1 ) عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن رسول الله {{صل}} قال: « خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ( قال عمران بن حصين: فلا أدرى أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثا، <ref> وتحديد ذلك إلى نهاية الدولة الأموية. وقد يلتحق به زمن الخلفاء الأولين من بني العباس. قال الحافظ [[ابن حجر]] في تفسير هذا الحديث من ( [[فتح الباري]] ) ج 7 ص 4: « اتفقوا أن آخر من كان من اتباع التابعين – من يقبل قوله – من عاش إلى حدود سنة 220. وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورا فاشيا، وأطلقت المعتزلة ألسنتها، ورفعت الفلاسفة رءوسها، وأمتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن. وتغيرت الأحوال تغيرا شديدا، ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن ( أي إلى زمن الحافظ ابن حجر 773 – 852 ) وظهر قوله {{صل}} « ثم يفشو الكذب » ظهورا بينا حتى يشمل الأقوال والأفعال والمعتقدات. </ref> ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن ».
 
وروى البخاري مثله بعده عن عبدالله بن مسعود عن النبي {{صل}}. وحديث هذا عند الإمام أحمد أيضا في مسنده، وفي صحيح مسلم، وفي سنن الترمذي. وروى مسلم مثله في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.
 
فالهدى كل الهدى، مما لم تر الإنسانية مثله – قبله ولا بعده – هو الذي تلقاه الصحابة عن معلم الناس الخير. وكان الصحابة به خير أمة محمد {{صل}} بشهادته هو لهم وصدق رسول الله. أما الذين يدعون خلاف ذلك فهم الكاذبون.
 
إن الخير كل الخير فيما كان عليه أصحاب رسول الله، وإن الدين كل الدين ما اتبعهم عليه صالحو التابعين، ثم مشى على آثارهم فيه التابعون لهم بإحسان.
 
ومن أحط أكاذيب التاريخ زعم الزاعمين أن أصحاب رسول الله {{صل}} كان يضمر العداوة بعضهم لبعض. بل هم كما قال الله سبحانه في [[سورة الفتح]] – 29: { أشداء على الكفار رحماء بينهم }. وكما خاطبهم ربنا في [[سورة الحديد]] 10: { ولله ميراث السماوات والأرض * لا يستوى منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل، أولئك أعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا، وكلا وعد الله الحسنى } ولا يخلف الله وعده. وهل بعد قول الله عز وجل في [[سورة آل عمران]] 110: { كنتم خير أمة أخرجت للناس } يبقى مسلما من يكذب ربه في هذا، ثم يكذب رسوله في قوله: « خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم …… »؟!. في صدر هذه الأمة حفظ الله كتابه بحفظته أمينا عن امين، حتى أدوا أمانة ربهم بعناية لم يسبق لها نظير في أمة من الأمم، فلم يفرطوا في شيء من ألفاظ الكتاب على اختلاف الألسنة العربية في تلاوتها ونبرات حروفها، تنوع مدودها وإمالاتها، إلى أدق ما يمكن أن يتصوره المتصور. فتم بذلك وعد الله عز وجل في [[سورة الحجر]] 9: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }.
 
ومن صدر هذه الأمة تفرغ فريق من الصحابة فالتابعين وتلاميذهم لحمل أمانة السنة فكانوا يمحصون أحاديث رسول الله {{صل}}، ويذرعون أقطار الأرض ليدركوا الذين سمعوها من فم النبي {{صل}} فيتلقوها عنهم كما يتلقون أثمن كنوز الدنيا. بل كانت دار الإمارة في المدينة المنورة منتدى الفقهاء الأولين في صدر الإسلام يجتمعون إلى أميرهم مروان ابن الحكم، فإذا عزيت إلى رسول الله {{صل}} سنة غير الذي كان معروفا عندهم أرسل مروان في تحقيق ذلك إلى من نسبت تلك السنة إليه من أصحاب النبي {{صل}} أو أزواجه، حتى يرد الحق إلى نصابه ( انظر [[مسند الإمام أحمد]]: الطبعة الأولى 6: 299 و 306 ).
 
وبينما كان حفظه [[القرآن]] وحملة السنة المحمدية يجاهدون في حفظ أصول الشريعة الكاملة، كان آخرون من أبناء الصحابة وأبطال التابعين يحملون أمانة الإمامة والرعاية والجهاد والفتوح، ويعملون على نقل الأمم إلى الإسلام: يعربون ألسنتها، ويطهرون نفوسها، ويسلكونها في سلك الأخوة الإسلامية لتتعاون معهم على توحيد الإنسانية تحت راية الهدى وتوجيهها إلى أهداف السعادة.
 
وقد بارك الله لهؤلاء وأولئك في أوقاتهم، وأتم على أيديهم في مائة سنة ما يستحيل على غيرهم – من أهل الطرائق والأساليب الأخرى – أن يعملوه في آلاف السنين.
 
هؤلاء هم الذين أخبر عنهم رسول الله {{صل}} بأنهم خير أمته، وقد صح ما أخبر به قبل الإسلام إنما رأى الخير على أيديهم، فبهم حفظ الله أصوله، وبهم هدى الله الأمم. والبلاد التي دخلت في الإسلام على أيديهم نبغ منها في ظل طريقتهم وعلى أساليبهم كبار الأئمة كالإمام [[البخاري]] والإمام أبي حنيفة والليث بن سعد وعبد الله بن المبارك، فكانت الأمم تقبل على هذه الهداية بشغف وتقدير وإخلاص – لما ترى من إخلاص دعاتها وصدقهم وإيثار الآجلة على العاجلة – والأمة التي تولت الدعاية لهذه الهداية تستقبل نوابغ المهتدين بصدر رحب، وتبوى المستأهلين منهم المكانة التي هم أهل لها.
 
هكذا كانت الحال في البطون الثلاثة الأولى التي امتدحها رسول الله {{صل}} ووصفها بأنها خير أمته. أما العصور التي أتت بعدهم فإن المسلمين يتميزون فيها بمقدار اتباعهم للصدر الأول فيما كان عليه من حق وخير. وهم كما قال رسول الله {{صل}} فيهم: « مثل أمتي مثل المطر: لا يدرى أوله خير أم آخره » رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه عن أنس، ورواه ابن حبان والإمام أحمد في مسنده أيضا من حديث عمار، ورواه أبو ليلى في مسنده عن علي بن أبي طالب، ورواه الطبراني في معجمه الكبير عن [[عبد الله بن عمر]] بن الخطاب و[[عبد الله بن عمرو]] بن العاص، كل هؤلاء الصحابة رووه عن النبي {{صل}}. فأمة محمد إلى خير في كل زمان ومكان ما تحرت الطريق الذي مشى فيه هداة القرون الثلاثة الأولى وتابعوهم فيه. بل يرجى لمن يقيم الحق في أزماننا كما أقامه الصحابة والتابعون في أزمنتهم أن يبلغوا منزلتهم عند الله ويعدوا في طبقتهم، ولعلهم المعنيون بقول النبي {{صل}} فيما رواه الإمام أحمد والدارمي والطبراني من حديث أبي جمعة قال: قال [[أبو عبيدة]] « يا رسول الله أأحد خير منا؟ أسلمنا معك، وجاهدنا معك » فقال {{صل}}: « قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني » وإسناده حسن، وصححه الحاكم. واحتج الحافظ الأندلسي [[أبو عمر بن عبد البر]] بأن السبب في كون القرن الأول خير القرون أنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار في الأرض وصبرهم على الهدى وتمسكهم به، إلى أن عم بهم في أرجائها. قال ابن عبد البر: فكذلك أواخرهم إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على الطاعة حين ظهور المعاصي والفتن، كانوا أيضا عند ذلك غرباء، وزكت أعمالهم في ذلك الزمان كما زكت أعمال أولئك. ويشهد له ما رواه مسلم عن أبي هريرة أن النبي {{صل}} قال: « بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء ».
 
ومن غرابة الإسلام بعد البطون الثلاثة الأولى مؤلفين شوهوا التاريخ تقربا للشيطان أو الحكام، فزعموا أن أصحاب رسول الله {{صل}} لم يكونوا إخوانا في الله، ولم يكونوا رحماء بينهم، وإنما كانوا أعداء يلعن بعضهم بعضا، ويمكر بعضهم ببعض، وينافق بعضهم لبعض، يتآمر بعضهم على بعض، بغيا وعدوانا.
 
لقد كذبوا. وكان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أسمى من ذلك وأنبل، وكانت بنو هاشم وبنو أمية أوفى من ذلك لإسلامها ورحمها وقرابتها وأوثق صلة وأعظم تعاونا على الحق والخير.
 
حدثني بعض الذين لقيتهم في ثغر البصرة لما كنت معتقلا في سجن الإنجليز سنة 1332ه أن رجلا من العرب كان ينتقل بين بعض قرى إيران فقتله القرويون لما علموا اسمه ( عمر ). قلت: وأي باس يرونه باسم ( عمر )؟ قالوا: حبا بأمير المؤمنين علي. قلت: وكيف يكونون من شيعة علي وهم يجهلون أن عليا سمى أبناءه – بعد [[الحسن]] والحسين و[[محمد بن الحنفية]] – بأسماء أصدقائه وإخوانه في الله ( أبي بكر ) و ( عمر ) و ( عثمان ) رضوان الله عليهم أجمعين، وأم كلثوم الكبرى بنت علي بن أبي طالب كانت زوجة لعمر ابن الخطاب ولدت له زيدا ورقية، وبعد مقتل عمر تزوجها ابن عمها محمد بن جعفر ابن أبي طالب ومات عنها فتزوجها بعده أخوه عون بن جعفر فماتت عنده. وعبد الله بن جعفر ذي الجناحين ابن أبي طالب سمى أحد بنيه باسم ( أبي بكر ) وسمى ابنا آخر له باسم ( معاوية )، ومعاوية هذا - أي بن أبي طالب - كان من نسله عيسى بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي أبن أبي طالب اشتهر بالمبارك العلوي وكان يكنى ( أبا بكر ). والحسن السبط بن علي أبن أبي طالب سمى أحد بنيه ( أبا بكر ) وآخر باسم ( عمر ) وثالثا باسم ( طلحة ). وزين العابدين علي بن الحسين سمى أحد أولاده أمير المؤمنين ( عمر ) تيمنا وتبركا. ولعمر هذا ذرية مباركة منهم العلماء والشعراء والشرفاء. والحسن السبط كان مصاهرا لطلحة بن عبيد الله. وإن أم إسحاق بنت طلحة هي أم فاطمة بنت الحسين بن علي. وسكينة بنت الحسين السبط كانت زوجا لزيد بن عمر بن عثمان بن عفان الأموي. وأختها فاطمة بنت الحسين السبط بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي. وأختها فاطمة بنت الحسين السبط بن علي بن أبي طالب كات زوجة عبد الله الأكبر بن عمرو بن عثمان بن عفان. وكانت قبل ذلك زوجة الحسن المثنى، وله منها جدنا عبدالله المحض. وأم أبيها بنت عبد الله بن جعفر ذي الجناحين بن أبي طالب كانت زوجة لأمير المؤمنين عبد الملك بن مروان ثم تزوجها علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. وأم كلثوم بنت جعفر ذي الجناحين كانت زوجة الحجاج بن يوسف وتزوجها بعد ذلك أبان بن عثمان بن عفان. والسيدة نفيسة المدفونة في مصر ( وهي بنت حسن الأنوار زيد بن الحسن السبط ) كانت زوجة لأمير المؤمنين [[الوليد بن عبد الملك]] وولدت له. وعلي الأكبر ابن الحسين السبط ابن علي بن أبي طالب أمه ليلى بنت مرة بن مسعود الثقفي وأمها ميمونة بنت أبي سفيان ابن حرب الأموي. والحسن المثنى ابن الحسن السبط أمه خولة بنت منظور الفزارية وكانت زوجة لمحمد بن طلحة بن عبيد الله، فلما قتل عنها يوم الجمل ولها منه أولاد تزوجها الحسن السبط فولدت له الحسن المثنى. وميمونة بنت أبي سفيان بن حرب جدة علي الأكبر ابن الحسين بن علي لأمه. ولما توفيت فاطمة بنت النبي {{صل}} تزوج علي بعدها أماة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن أمية.
 
فهل يعقل أن هؤلاء الأقارب المتلاحمين المتراحمين الذين يتخيرون مثل هذه الأمهات لأنسالهم، ومثل هذه الأسماء لفلذات أكبادهم، كانوا على غير ما أراده الله لهم من الأخوة في الإسلام، والمحبة في الله، والتعاون على البر والتقوى؟!.
 
لقد تواتر عن أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه أنه كان يقول على منبر الكوفة « خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر » روي هذا عنه من أكثر من ثمانين وجها، ورواه البخاري وغيره، ولا يوجد تاريخ في الدنيا، لا تاريخ الإسكندر المقدوني، لا تاريخ نابليون، صحت أخباره كصحة هذا القول – من الوجهة العلمية التاريخية - عن علي بن أبي طالب. وكان كرم الله وجهه يقول: « لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا ضربته حد المفتري » أي أن هذه الفرية توجب على صاحبها الحد الشرعي، ولهذا كان الشيعة المتقدمون متفقين على تفضيل أبي بكر وعمر. نقل عبد الجبار الهمداني في كتاب ( تثبيت النبوة ) أن أبا القاسم نصر بن الصباح البلخي قال في ( كتاب النقض على ابن الراوندي ): سأل سائل شريك بن عبد الله فقال له: أيهما أفضل: أبو بكر أو علي؟ فقال له: أبو بكر. فقال السائل: تقول هذا وأنت شيعي؟ فقال له: نعم: من لم يقل هذا فليس شيعيا. والله لقد رقى هذه الأعواد علي فقال: « ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر » فكيف نرد قوله وكيف نكذبه؟ والله ما كان كذابا. وفي ترجمة يحيى بن يعمر العدواني من ( وفيات الأعيان ) للقاضي ابن خلكان أن يحيى ابن يعمر كان عداده في بني ليث لأنه حليف لهم، وكان شيعيا من الشيعة الأولى القائلين بتفضيل أهل البيت من غير تنقيص لذي فضل من غيرهم. ثم ذكر قصة له في الحجاج وإقامته الحجة على أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله بآية { ووهبنا له – أي لإبراهيم – إسحاق ويعقوب } إلى قوله: { وزكريا ويحيى وعيسى }. قال يحيى بن يعمر: وما بين عيسى وإبراهيم أكثر مما بين الحسن والحسين ومحمد {{صل}}، فأقره الحجاج على ذلك وكبر في نظره وولاه القضاء على خراسان مع علمه بتشيعه. وأنت تعلم أن الحجاج هو ما هو، ومع ذلك فقد كان – مع فاضل متجاهر بشيعيته المعتدلة محتج للحق بالحق – أكثر إنصافا من هؤلاء الكذبة الفجرة الذين جاءوا في زمن السوء فصاروا كلما تعرضوا لأهل السابقة والخير في الإسلام، ومن فتحت اقطار الأرض على أيديهم، ودخلت الأمم في الإسلام بسعيهم ودعوتهم وبركتهم وكلهم من أهل خير القرون بشهادة رسول الله {{صل}} لهم، وما منهم إلا من يتصل ببني هاشم وال البيت بالخؤولة أو الرحم أو المصاهرة، وبالرغم من كل ذلك يتعرضون لسيرتهم بالمساءة كذبا وعدوانا، ويرضون لأنفسهم بأن يكونوا أقل إنصافا وإذعانا للحق حتى من الحجاج بن يوسف. وإني أخشى عليهم لو أنهم كانوا في مثل مركز الحجاج بن يوسف لكانت فيهم كل مآخذ الصالحين عليه، مع التجرد من كل مزاياه وفضائله وفتوحه التي بلغت تحت رايات كبار قواده وضغائر إلى أقصى أقطار السند، وغشيت جبال الهند وما صاقبها.
 
وإن خطبة الأمير علي بن أبي طالب في نعت صديقه وإمامه خليفة رسول الله {{صل}} أبي بكر يوم وفاته من بليغ ما كان يستظهره الناس في الأجيال الماضية. وفي خلافة عمر دخل علي في بيعته أيضا وكان من أعظم أعوانه على الحق، وكان يذكره بالخير ويثني عليه في كل مناسبة، وقد علمت أنه بعد أخيه وصهره عمر سمى ولدين من أولاده باسميهما ثم سميى ثالثا باسم عثمان لعظيم مكانته عنده، ولأنه كان إمامه ما عاش، ولولا أن عثمان – بعد أن قام الحجة على الذين ثاروا عليه بتحريض أعداء الله رجال عبد الله بن سبأ اليهودي – منع الصحابة من الدفاع عنه حقنا لدماء المسلمين، وتضييقا لدائرة الفتنة، ولما يعلمه من بشارة رسول الله {{صل}} له بالشهادة والجنة، لولا كان ذلك لكان علي في مقدمة من في المدينة من المهاجرين والأنصار الذين كانوا عل استعداد للدفاع عنه ولو ماتوا في سبيل ذلك جميعا. ومع ذلك فإن عليا جعل ولديه الحسن والحسين على باب عثمان، وأمرهما بأن يكونا كوع إشارته في كل ما يأمرهما به ولو أدى إلى سفك دمهما، وأوعز إليهما يخبرا أباهما بكل ما يحب عثمان أن يقوم له به. وكذب على الله وعلى التاريخ كل ما اخترعه الكاذبون مما يخالف ذلك ويناقض وقوف الحسن والحسين في بابه واستعدادهما لطاعته في كل ما يامر. وقد كان من عادة سلفنا أن يدونوا أخبار تلك الأزمان منسوبة إلى رواتها، ومن أراد معرفة قيمة كل خبر على طريقة ( أنى لك هذا؟ ) فرجع إلى ترجمة كل راو في كل سند لتمحصت له الأخبار، وعلم أن الأخبار الصحيحة التي يرويها أهل الصدق والعدالة هي التي تثبت أن أصحاب رسول الله كانوا كلهم من خيرة من عرفت الإنسانية من صفوة أهلها، وأن الأخبار التي تشوه سيرة الصحابة وتوهم انهم كانوا صغار النفوس هي التي رواها الكذبة من المجوس الذين تسموا بأسماء المسلمين.
 
ولعلك تسألني: إذن ما هو اصل التشيع، وهل لم يكن لعلي شيعة في الصدر الأول؟ وما هي قصة وقعة الجمل، وما الباعث على وقوعها؟ وما هي حقيقة التحكيم؟.
 
إن الجواب على هذه الأسئلة بالأسانيد إلى ترتاح إليها قلوب المنصفين مهما اختلفت مشاربهم ومذاهبهم، يحتاج إلى كتابة تاريخ المسلمين من جديد، وإلى أخذه – عند كتابته – من ينابيعه الصافية، ولا سيما في المواطن التي شوهها أهل الذمم الخربة من ملفقي الأخبار. وأعيد هنا ما قلته غير مرة، وهو أن الأمة الإسلامية أغنى أمم الأرض بالمادة السليمة التي تستطيع أن تبني كيان تاريخها، إلا أنها لا تزال أقل أمم الأرض عناية ببناء تاريخها من تلك المواد السليمة، والناس الآن بين قارئ لكتب قديمة أراد مؤلفوها أن يتداركوا الأخبار قبل ضياعها فيها كل ما وصلت إليه أيديهم من عث وسمين، ومنبهين على مصادر هذه الأخبار وأسماء رواتها ليكون القارئ على بينة من صحيحها وسقيها، ولكن لبعد الزمن وجهل أكثر القراء بمراتب هؤلاء الرواة ودرجاتهم في الصدق والكذب، وفي الوفاء للحق أو الميل مع الهوى، تراهم لا يستفيدون من هذه المصادر ولا من الكتب التي اعتمدت عليها بلا تمحيص وتحقيق. <ref> ومن أهم هذه المصادر تاريخ ابن جرير الطبري، وقد كتبت في وصفه وتحليله مقاله في المجلد 24 من ( مجلة الأزهر ) ص 210 – 215 فارجع إليها لتستفيد من هذه المصادر ولتعرف ما تأخذ منها وما تدع. </ref> وهنالك كتب قديمة أيضا ولكنها دون هذه الكتب، لأن أصحابها من أهل الهوى، وممن لهم صبغات حزبية يصبغون أخبارهم بألوانها، فهي أعظم ضررا، ولعلها أوسع من تلك انتشارا. أما الكتب الحديثة كمؤلفات جرجي زيدان، والبحوث التي يستقيها حملة الأقلام من مؤلفات المستشرقين على غير بصيرة بدسائسهم، فإنها ثالثة الأثافي والعظائم، ولذلك باتت هذه الأمة محرومة أغزر ينابيع قوتها وهو الإيمان بعظمة ماضيها، في حين أنها سليلة سلف لم ير التاريخ سيرة أطهر ولا أبهر ولا أزهر من سيرته.
 
إلا أن من نعم الله علينا عناية علماء الحديث بتحقيق أحوال رواة الأخبار ومبلغ أمانتهم في حملها وقد صنفوا في ذلك كتبا ومعاجم عظيمة النفع لمن يراجعها عند التأليف، ولهم تحقيقات جليلة في جميع المسائل التي يترتب عليها اتجاه الحق في الحكم على الأحداث الكبرى في تاريخ الإسلام.
 
ومع أن كثيرا من أمهات الكتب النفيسة فقدت في كارثة هولاكو، <ref> الذي كان ابن أبي الحديد من أعوان الخائن ابن العلقمي على تمهيد السبيل بين يديه لتقويض دولة الإسلام. </ref> ثم في الحروب الصليبية واكتساح الأندلس، وما تلا ذلك كله من انحطاط المستوى العلمي في القرون الأخيرة، إلا أن كثيرا من تحقيقات المحققين لا تزال منبثة في مطاوي الكتب الإسلامية. والأمل عظيم في قيام نهضة جديدة لبعث ماضي هذه الأمة المجيد على ضوء ما تركه علماؤها من نصوص وتوجيهات. وأعود بعد هذه الأسئلة التي تقدمت آنفا عن أصل الفتن والتشيع، فقد زعم الزاعمون لعلي – كرم الله وجهه – ما لم يكن له علم به: زعموا أن النبي {{صل}} عينه للخلافة بعده يوم استخلفه على المدينة وهو متجه إلى الشام في غزوة تبوك، وقال له يومئذ « أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي ». ورجال الحديث مختلفون في درجة هذا الخبر من الصحة، فبعضهم يراه صحيحا، وبعضهم يراه ضعيفا، وذهب الإمام [[أبو الفرج بن الجوزي]] إلى أنه موضوع مكذوب، ونحن إذا رجعنا إلى الظروف التي قالوا إنها لابست هذا الحديث نرى أن النبي {{صل}} - لما أراد الله له أن يتوجه نحو تبوك – أمر عليا بأن يتخلف في المدينة، وكان رجالها والقادرون عل الحرب من الصحابة قد خرجوا مع النبي {{صل}}، فوجد علي في نفسه وقال للنبي {{صل}}: « أتجعلني مع النساء والأطفال والضعفة! » فقال له النبي {{صل}} تطيبا لنفسه: « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ » أي في استخلاف موسى أخاه هارون لما ذهب إلى الجبل ليعود بالألواح فهذا استخلاف لم يكن له في نظر سيدنا علي كرم الله تعالى وجهه هذا المعنى الوهمي الذي اخترعه المتحزبون فيما بعد، بل هو على عكس ذلك كان يراه حرمانا له من مكانة أعلى وهي مشاركة إخوانه الصحابة في ثوب الجهاد لتكوين الكيان الإسلامي المنشود. زد على ذلك أن هذا النوع من الاستخلاف لم ينفرد به علي كرم الله وجهه، بل تكرر من النبي {{صل}} استخلاف ابن أم مكتوم على المدينة نفسها، وكان ابن أم مكتوم يتولى الإمامة بالناس في المدينة مدة خلافته عليها، وقد ناظر كبار الشيعة في هذا الحديث علامة العراق السيد عبد الله السويدي عندما جمعه بهم نادر شاه في النجف سنة 1156ه فأفحمهم السويدي وخذل باطلهم كما ترى ذلك فيما دونه رحمه الله بقلمه عن هذه الواقعة وأثبتناه في رسالة طبعناها بعنوان ( [[مؤتمر النجف]] ).
 
فالإمام علي كرم الله تعالى وجهه كان يعلم أن الخلافة الحقة هي التي انضوى فيها إلى جماع إخوانه أصحاب رسول الله {{صل}} يوم قدر الله لها بحكمته ما شاء، وقضى فيها بعدله ما أراد وما كان لمسلم من عامة المسلمين – فضلا عن مثل علي في تعظيم مكانته في الأولين والآخرين – أن يسخط قدر الله، أو يتمرد على قضائه، أو يرضى غير الذي ارتضاه إخوانه من الصحابة، أو يداجي معهم على ما فيه صلاح المسلمين. ومن الافتئات عليه والانتقاص من قدره والتشويه لجمال الإسلام وتاريخه الشك في إخلاص علي أو في اغتباطه بما بايع عليه خليفة رسول الله {{صل}} أبا بكر الصديق وصاحبيه بعده عمر وعثمان رضوان الله عليهم أجمعين.
 
ومن المزايا التي تنفرد بها على وطبقته ممن ولي الخلافة أو دخل في بيعتها في الصدر الأول أنهم كانوا يرون ولاية هذا الأمر ( واجبا ) يقوم به الواحد إذا وجب عليه كما يقوم بسائر واجباته، ولا يرونها ( حقا ) لأحدهم يعادي عليه المسلمين، ويعرض دماءهم للخطر والشر، ليستأثر بها على غيره.
 
وجميع الوقائع – إذا جردت من زيادات أهل الأهواء – تدل على هذه المكانة السامية لعلي وإخوانه، فلما شوهت الوقائع وأخبارها بما دسه فيها المتزايدون من أكاذيب لا مصلحة فيها لعلي وآله وبنيه صورة قبيحة لا تنطبق على الحقيقة والواقع وظن المخدوعون بها أن تلك الطبقة – الممتازة على جميع أمم الأرض بعفتها وطهارة نفوسها وترفعها عن الصغائر – إنما كانت على عكس ذلك: تنازع كالأطفال والرعاع على توافه الدنيا وسفاف العاجلة. فالخلافة كانت في نظر الراشدين ( عبئا ) يتولى الواحد منهم حمله بتكليف من المسلمين أداء الواجب، ولم تكن عند أحد منهم ( متاعا ) ولا ( مأكله ) حتى ينازع غيره عليها. ولما تآمرت المجوسية واليهودية على سفك دم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، أبقى الله من حياته بقية يدبر فيها للمسلمين أمرهم بعده، جعل الأمر شورى، واقترح عليه بعض لصحابة أن يريح المسلمين من ذلك فيعهد إلى ابنه [[عبد الله بن عمر]] – ولم يكن عبد الله بن عمر دون أبيه في علم أو حزم أو بعد نظر أو إخلاص لله ورسوله والمؤمنين – رفض عمر ذلك وقال: « بحسب آل الخطاب أن يليها واحد منهم، فإن كان خيرا قد أصبنا منه وإن كان زرءا فقد قمنا بنصيبنا فيه ». وعبد الله بن عمر نفسه عرضت عليه الإمامة فيمن عرضت عليهم عند مقتل عثمان في ذي الحجة سنة 35 فهرب منها كما كان يهرب منها [[طلحة]] والزبير وعلي، ولم يتولها علي إلا قياما بواجب، ولم يستمدها من خرافات المنحرفين وسخافاتهم، بل من إرادة الأمة في ذينك اليومين ( الخميس 24 ذي الحجة، والجمعة 25 منه ) كما أعلن ذلك على رءوس الأشهاد وهو واقف على أعواد منبر رسول الله {{صل}}. فعلي إلى تلك الساعة لم تكن له شيعة خاصة به يعرفها وتتصل به، ولم يخطر قط على باله أن يجعل أحدا من الناس شيعة له، لأنه هو نفسه وسائر إخوانه من الصحابة كانوا شيعة الإسلام الملتفة حول خلفاء نبيها {{صل}} أبي بكر ثم عمر ثم عثمان. ولو حدثته نفسه باتخاذ شيعة خاصة به عند جمهور الأمة الذي يتشيع للبيعة العامة لكان ذلك نقصا منه لما عقد عليه صفقة يمينه لإمامه، وما طوق به من بيعة الإسلام لأصحابها، ولا شك أنه استمر على ذلك إلى عشية الخميس 24 من ذي الحجة سنة 35 للهجرة، كان أهلا لأن يستمر علي ذلك بأمانة وإخلاص. ولو لم يكن علي كذلك لما كان في هذه المنزلة السامية عند الله والناس. ومن الثابت عنه في عشية ذلك اليوم أنه كان يدافع الخلافة عن نفسه، ويحاول أن يقنع أخاه طلحة بن عبيد الله – أحد العشرة المبشرين بالجنة – بأن يتولى هو هذا الأمر عن المسلمين، بينما طلحة أيضا كان يدافعها عن نفسه ويحاول إقناع علي بان يكون هو حامل هذا العبء، القائم عن المسلمين بهذا الواجب. وانظر الحوار بينهما في ذلك كما رواه عالم من كبار علماء التابعين وهو الإمام محمد بن سيرين على ما أورده أبو جعفر الطبري في تاريخه ( 6: 156 طبعة مصر و 1: 3075 طبعة هولندا ) فيقول علي لطلحة « ابسط يدك يا طلحة لأبايعك » فيقول له طلحة « أنت أحق، فأنت امير المؤمنين، فابسط يدك ». وكاد الثائرون من جماعة الفسطاط والكوفة والبصرة يثبون بعلي وطلحة والزبير فيقتلونهم لهربهم من ولاية الأمر وتعففهم جميعا عن قبول الخلافة، فانتهى الأمر بقبول علي، وارتقى منبر رسول الله {{صل}} في اليوم التالي ( الجمعة 25 من ذي الحجة سنة 35 ) فخطب خطبة حفظ لنا الطبري نصها ( 6: 157 و 1: 3077 ) فقال: « أيها الناس عن ملأ وأذن إن هذا أمركم، وليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم. وقد افترقنا بالأمس على أمر ( أي على البيعة له ) فإن شيء تم قعدت لكم، وإلا فلا أجد على أحد » وبذلك أعلن أنه لا يستمد الخلافة من شيء سبق، بل يستمدها من البيعة إذا ارتضتها الأمة.
 
ومن مزايا الطبقة الاولى التي صحبت النبي {{صل}} وتأدبت بأدبه وتشبعت بسنته أنها كانت ترى ( الاعتدال ) ميزان الدين، ( والرفق ) جمال الإسلام، لأن نبيها {{صل}} كان يقول لها: « إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه » وكان يقول لها: « من يحرم الرفق يحرم الخير كله » ويقول: « إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق » ويقول: « إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو فيه ». فلما نشأت الطبقة الثانية في حياة الطبقة الأولى أدب الأباء بينهم بهذا الأدب. ولكن أكثر ما كانت هذه الطريقة ناجحة في الحجاز ونجد والشام. وكان في ناشيء ة الكوفة والبصرة والفسطاط من أخذ بهذه الطريقة، كما أن فيهم من شب على العفو في الدين. ومن أكبر المصائب في الإسلام في ذلك الحين تسلط إبليس من أبالسة اليهود على الطبقة الثانية من المسلمين فتظاهر لها بالإسلام وادعى الغيرة على الدين والمحبة لأهله، وبدأ برمي شبكته في الحجاز والشام فلم تعلق بشيء بسبب تشيعهم بفطرة الإسلام في أعتداله ورفقه، وحذرهم من طرفي الإفراط والتفريط. فذهب الملعون يتنقل بين الكوفة والبصرة والفسطاط ويقول لحديثي السن وقليلى التجربة من شبابها: عجبا لمن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمدا يرجع. وقد قال عز وجل { إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } فمحمد أحق بالرجوع من عيسى. وكان يقول لهؤلاء الشبان « كان فيما مضى ألف نبي، ولكل نبي وصي، وإن عليا وصي محمد » ويقول لهم: « محمد خاتم الأنيباء، وعلى خاتم الأوصياء » <ref> ورواية هذه الحقائق عن الملعون ابن سبأ اتفق عليها أهل السنة والشيعة، وقد نقلنا مثل هذا في هامش ص 299 عن تنقيح المقال للمامقاني كما نقلها المامقاني عن الكشي من كبار أئمتهم. وقد اعترفوا بذلك أن وصف علي بانه « وصي » من اختراع ابن سبا ولا علم للنبي {{صل}} بهذا الوصف لعلى لأنه اختراع في خلافة عثمان. </ref> ثم يقول لهم محرضا على عثمان، وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان سنة 30: « ومن أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله، وممن يثب على علي وصي رسول الله وينزع منه أمر الأمة » ويقول لهم « إن عثمان أخذ الخلافة بغير حق، وهنالك علي وصي رسول الله فانهضوا فحركوه وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس » …..
 
إن هذا الشيطان هو عبد الله بن سبأ من يهود صنعاء، وكان يسمى ابن السوداء وكان يبث دعوته بخبث وتدرج ودهاء. واستجاب له ناس من مختلف الطبقات، فاتخذ بعضهم دعاة فهموا أغراضه وعولوا على تحقيقها. واستنكر أتباعه بآخرين من البلهاء الصالحين المتشددين في الدين المتنطعين في العبادة ممن يظنون الغلو فضيلة والاعتدال تقصيرا. فلما انتهى ابن سبأ من تربية نفر من الدعاة الذين يحسنون الخداع ويتقنون تزوير الرسائل واختراع الأكاذيب ومخاطبة الناس من ناحية أهوائهم، بث هؤلاء الدعاة في الأمصار – ولا سيما الفسطاط والكوفة والبصرة – وعنى بالتأثير على أبناء الزعماء من قادة القبائل وأعيان المدن الذين اشترك آباؤهم في الجهاد والفتح، فاستجاب له من بلهاء الصالحين وأهل الغلو من المتنطعين جماعات كان على رأسهم في الفسطاط الغافقي بن حرب العكي وعبد الرحمن بن عديس البلوي التجيبي الشاعر وكنانة بن بشر بن عتاب التجيبي وسودان ابن حمران السكوني وعبد الله بن زيد بن ورقاء الخزاعي وعمرو بن الحمق الخزاعي وعروة بن النباع الليثى وقتيرة السكوني. وكان على رأس من استغواهم ابن سبأ في الكوفة عمرو أبن الأصم وزيد بن صوحان العبدي والأشتر مالك بن الحارث النخعي وزياد بن النضر الحارثي وعبد الله بن الأصم. ومن البصرة حرقوص بن زهير السعدي وحكيم بن جبلة العبدي وذريح بن عباد العبدي وبشر بن شريح الحطم بن ضبيعة القيسي وابن المحرش ابن عبد عمرو الحنفي. أما المدينة فلم يندفع في هذا الآمر من أهلها إلا ثلاثة نفر وهم: محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وعمار بن ياسر. ومن دهاء ابن سبأ ومكره أنه كان يبث في جماعة الفسطاط الدعوة لعلي ( وعلي لا يعلم ذلك )، وفي جماعة الكوفة الدعوة لطلحة، وفي جماعة البصرة الدعوة للزبير. وليس هنا موضع تحليل نفسيات المخدوعين بدعوة هذا الشيطان، ولا نريد أن ننقل ذم علي وطلحة والزبير لهم وما قالوه فيهم يوم نزل الثائرون في ذي خشب والأعوص وذي المروة، وكيف زور ابن سبأ وشياطينه رسالة على لسان علي بدعوة جماعة الفسطاط إلى الثورة في المدينة، فلما واجهوا عليا بذلك قالوا له: أنت الذي كتبت إلينا تدعونا، فأنكر عليهم أنه كتب لهم، وكان ينبغي أن يكون ذلك سببا ليقظتهم ويقظة علي أيضا إلى أن بين المسلمين شيطانا يزور عليهم الفساد لخطة مرسومة تنطوي على الشر الدائم والشر المستطير، وكان ذلك كافيا لإيقاظهم إلى أن هذه اليد الشريرة هي التي زورت الكتاب على عثمان إلى عامله بمصر بدليل أن حامله كان يتراءى لهم متعمدا ثم يتظاهر بأنه يتكتم عنهم ليثير ريبتهم فيه، فراح المسلمون إلى يومنا هذا ضحية سلامة قلوبهم في ذلك الحين. إن دراسة هذا الموضوع الآن على ضوء القرائن القليلة التي بقيت لنا بعد مضي ثلاثة عشر قرنا تحتاج إلى من يتفرغ لها من شباب المسلمين، وسيجدون مستندات الحق في تاريخهم كافية لوضع كل شيء في موضعه إن شاء الله.
 
فأول فتنة وقعت في الإسلام هي فتنة المسلمين بمقتل خليفتهم وصهر نبيهم الإمام العادل الكريم الشهيد ذي النورين عثمان بن عفان رضوان الله عليه. وقد علمت أن الذين قاموا بها وجنوا جنايتها فريقان: خادعون ومخدوعون. وقد وقعت هذه الكارثة في شهر الحج، وكانت عائشة أم المؤمنين قد خرجت إلى مكة مع حجاج بيت الله ذلك العام، فلما علمت بما حدث في مدينة الرسول أحزنها بغي البغاة على خليفة نبيهم. وعلمت أن عثمان كان حريصا على تضييق دائرة الفتنة، فمنع الصحابة من الدفاع عنه، بعد أن أقام الحجة على الثائرين في كل ما دعوه عليه وعلى عماله، وكان الحق معه في كل ذلك وهم على الباطل، وكان هو المثل الإنساني الأعلى في العدل وكرم النفس والنزول على قواعد الإسلام واتباع سننه وكان في مدة خلافته أكرم وأصلح وأكثر إنصافا وقياما بالحق واتباعا للخير مما كان هو عليه في زمن رسول الله {{صل}}. واجتمعت عائشة بكبار الصحابة، وتداولت الرأي معهم فيما ينبغي عمله – وقد عرف القراء ما كانوا عليه من نزاهة، وفرار من الولاية، وترفع عن شهوات النفس – فرأوا أن يسيروا مع عائشة إلى العراق ليتفقوا مع أمير المؤمنين علي على الاقتصاص من السبإيين الذين اشتركوا في دم عثمان وأوجب الإسلام عليهم الحد فيه، ولم يكن يخطر على بال عائشة وكل الذين كانوا معها – وفي مقدمتهم طلحة والزبير المشهود لهما من النبي {{صل}} بالجنة – أنهم سائرون ليحاربوا عليا، ولم يكن يخطر ببال علي أن هؤلاء أعداء له وأنهم حرب عليه. وكل ما في الأمر أن أولئك المتنطعين الغلاة لاذين انخدعوا بدعوة عبد الله بن سبا واشتركوا في قتل عثمان انغمروا في جماعة علي، وكان فيهم الذين تلقنوا الدعوة له وتتلمذوا على ذلك الشيطان اليهودي في دسيسة أوصياء الأنبياء ودعوى خاتم الأوصياء، فجاءت عائشة ومن معها للمطالبة بإقامة الحد على الذين اشتركوا في جناية قتل عثمان، وما كان علي – وهو ما هو في دينه وخلقه – ليتأخر عن ذلك، إلا أنه كان ينتظر أن يتحاكم إليه أولياء عثمان. وقبل أن يتفق الفريقان على ذلك شعر قتلة عثمان بأن الدائرة ستدور عليهم، وهم على يقين بأن عليا لن يحميهم من الحق عند ظهوره، فأنشب هؤلاء حرب الجمل، فكانت الفتنة الثانية بعد الفتنة الأولى. قال الحافظ [[ابن حجر]] في [[فتح الباري]] ( 13: 41 – 42 و 44 ) معتمدا على كتاب ( أخبار البصرة ) لعمر بن شبة، وعلى غيره من الوثائق القديمة التي جاء فيها عن ابن بطال قول الملهب: « ….. إن أحدا لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا عليا في الخلافة، ولا دعوا إلى أحد منهم ليولوه الخلافة وإنما أنكرت هي ومن معها على علي منعه من قتل قتلة عثمان وترك الاقتصاص منهم. وكان علي ينتظر من أولياء عثمان أن يتحاكموا إليه، فإذا ثبت على أحد بعينه أنه ممن قتل عثمان اقتص منه. فاختلفوا بحسب ذلك وخشي من نسب إليهم القتل أن يصطلحوا على قتلهم، فأنشبوا الحرب بينهم ( أى بين فريقي عائشة وعلي ) إلى أن كان ما كان ».
 
ونجح قتلة عثمان في إثارة الفتنة بوقعة الجمل، فترتب عليها نجاتهم وسفك دماء المسلمين من الفريقين، وإنك لتجد الأسماء التي سجلها التاريخ في فتنة عثمان بقي يتردد كثير منها في وقعة الجمل، فيما بين الجمل وصفين، ثم في وقعة صفين وحادثة التحكيم، وفي هذه الحادثة الأخيرة اتسعت دائرة الغلو في الدين، فكثر المصابون بوبائه، وتفتننوا في مذهبه، إلى أن انتهى أمرهم بانشقاق ( الخوارج ) عن علي، وتميز فريق من المتخلفين مع علي باسم ( الشيعة )، ولم يقع نظري على اسم للشيعة في حياة علي كلها إلا في هذا الوقت سنة 37ه. ومن الظواهر التي تسترعي الأنظار في تاريخ هذه الفترة أن الغلاة من الفريقين – فريق الشيعة وفريق الخوارج – كانوا سواء في الحرمة للشيخين أبي بكر وعمر {{عنه}}، تبعا لما كان عليه أمير المؤمنين علي نفسه، وما كان يعلنه على منبر الكوفة من الثناء عليهما والتنويه بفضلهما. أما الخوارج فإنهم والإباضية ظلوا على ذلك لم يتغيروا أبدا، فأبو بكر وعمر كانا عندهم أفضل الأمة بعد نبيها، استرسالا منهم فيما كانوا عليه مع علي قبل أن يفارقوه. وأما الشيعة فإنهم عند ما جددوا بيعتهم لعلي بعد خروج الخوارج إلى حروراء والنهروان قالوا له أولا: « نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت ». فشرط لهم كرم الله تعالى وجهه سنة رسول الله {{صل}}: أى أن بوالوا من والى على سنة رسول الله ويعادوا من عادى على سنته {{صل}}. فجاءه ربيعة بن أبي شداد الخثعمي – وكان صاحب راية خثعم في جيش علي أيام الجمل وصفين – فقال له علي: « بايع على كتاب الله وسنة رسوله {{صل}} » فقال ربيعة: « وعلى سنة أبي بكر وعمر » فقال علي: « ولو أن أبا بكر وعمر عملا بغير كتاب الله وسنة رسول الله {{صل}} لم يكونا على شيء من الحق » أي أن سنة أبي بكر وعمر إنما كانت محمودة ومرغوبا فيها لأنها قائمة على العمل بكتاب الله وسنة رسوله، فبيعتكم الآن على كتاب الله وسنة رسوله تدخل فيها سنة أبي بكر وعمر.
 
هكذا كان أمير المؤمنين علي من أخويه وحبيبه خليفتي رسول الله أبي بكر وعمر في حياته كلها، وهكذا كانت شيعته الأولى: من خرج منهم عليه، ومن جدد البيعة له بعد التحكيم.
 
وحكاية التحكيم هذه كانت مادة دسمة للمغرضين من مجوس هذه الأمة أتاحت لهم دس السموم في تاريخنا على اختلاف العصور، وأول من شمر عن ساعديه للعبث بها وتشويه وقائعها أبو مخنف لوط بن يحيى، ثم خلف خلف بعد أبي مخنف بلغوا من الكذب ما جعل أبا مخنف في منزلة الملائكة بالنسبة إلى هؤلاء الأبالسة، وأبو مخنف معروف عند ممحصي الأخبار وصيارفة الرجال بانه أخباري تالف لا يوثق به. نقل الحافظ [[الذهبي]] في ( [[ميزان الاعتدال]] ) عن حافظ إيران ورأس المحققين من رجالها أبي حاتم الرازي رحمه الله أنه تركه وحذر الأمة من أخباره، وأن الدارقطني أعلن ضعفه، وأن ابن معين حكم عليه بأنه ليس بثقة، وان ابن عدي وصفه بأنه « شيعي محترق ».
 
ومن براعة هؤلاء المغرضين في تحريف الوقائع ودس أغراضهم فيها، وتوجيهها بحسب أهؤائهم، لا كما وقعت بالفعل، أنهم كانوا يعمدون إلى حادثة وقعت بالفعل فيرددون منها ما كان يعرفه الناس، ثم يلصقون بها لصيقا من الكذب والإفك يوهمون أنه من أصل الخبر ومن جملة عناصره، فيأتي الذين بعدهم فيجدون الخبر القديم مختصرا فيحكمون عليه أنه ناقص، ويقولون « من حفظ حجة على من لم يحفظ » ويتناولون الخبر ما لصق به من لصيق مفترى، حتى تكون الرواية الجديدة وما في بطنها من جنين الإثم هي المتداولة بين الناس. وقد يعمد هؤلاء المغرضون إلى موهبة من مواهب النبوغ عرف بها أحد أبطال التاريخ الإسلامي وعظماء الدعاة الفاتحين، لم يعرف عنه استعمالها إلا في سبيل الحق والخير، فيطلعون على الناس بأكاذيب يرتبونها على تلك الوهبة، ويوهمون أن رجل الحق والخير الذي حلاه الله بتلك الموهبة ولم يستعملها إلا في نشر دين الله وتوسيع نطاق الوطن الإسلامي، وقد انقلب بزعمهم مع الزمن، وسخر نبوغه للباطل والشر، فإذا أخذ المحققون في تمحيص ذلك وتحري مصادر هذه التهم التي لا تلتئم مع ما تقدمها من سيرة ذلك البطل المجاهد، وجدوها من بضاعة الكذابين ومفترياتهم، ولكن قلما يجدى ذلك بعد أن يكون « قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا ».
 
هذا أبو عبد الله عمرو بن العاص بن وائل السهمي بطل أجنادين، وفاتح مصر، وأول حاكم ألغى نظام الطبقات فيها، وكان السبب الأول في عروبتها وإسلام أهلها وشريك مسلميها في حسناتهم من زمنه إلى الآن لأنه الساعي في دخولهم في الإسلام – هذا الرجل العظيم عرفه التاريخ بالدهاء ونضوج العقل وسرعة البادرة، وكان نضوج عقله سبب انصرافه عن الشرك ترجيحا لجانب الحق واختيارا لما دله عليه دهاؤه من سبيل الخير، فجاء مزيفو الأخبار من مجوس هذه الأمة وضحاياهم من البلهاء فاستغلوا ما اشتهر به عمرو من الدهاء استغلالا تقر به عين عبد الله بن سبأ في طبقات الجحيم.
 
يقول قاضي قضاه إشبيلية بالأندلس الإمام أبو بكر محمد بن عبدالله بن العربي المعافري ( المولود في أشبيلية سنة 468 والمتوفى بالمغرب سنة 543 ) في كتابه ( [[العواصم من القواصم]] ) ص 177 بعد أن ذكر ما شاع بين الناس في مسألة تحكيم عمرو وأبي موسى، وما زعموه من أن أبا موسى كان أبله وأن عمرا كان محتالا: « هذا كله كذب صراح، ما جرى منه حرف قط، وإنما هو شيء أخبر عنه المبتدعة، ووضعته التاريخية للملوك، فتوارثه أهل المجانة والجهارة بمعاص الله والبدع، وإنما الذي روى الأئمة الثقات الأثبات أنهما – يعني عمرا وأبا موسى – لما اجتمعوا للنظر في الأمر، في عصبة كريمة من الناس منهم ابن عمر، عزل عمرو معاوية. ذكر الدارقطني بسنده عن حضين بن المنذر أنه لما عزل عمرو معاوية جاء ( أي حضين ) فضرب فسطاطه قريبا من فسطاط معاوية، فبلغ نبأه معاوية فأرسل إليه فقال: إنه بلغني عن هذا ( يعني [[عمرو بن العاص]] ) كذا وكذا ( يعني اتفاقه مع أبي موسى على عزل الأميرين المتنازعين حقنا لدماء المسلمين وردا للأمر إليهم يختارون من يكون به صلاح أمرهم ). فاذهب فانظر ما هذا الذي بلغني عنه – فقال حضين -: فأتيته فقلت: أخبرني عن الأمر الذي وليت أنت وأبو موسى كيف صنعتما فيه؟ قال: قد قال الناس في ذلك ما قالوا، والله ما كان الأمر على ما قالوا، ولقد قلت لأبي موسى: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى أنه في النفر الذي توفى رسول الله {{صل}} وهو عنهم راض. قلت: فأين تجعلني أنا ومعاوية؟ فقال: إن يستعن بكما ففيكما معونة، وإن يستعن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما. قالت: فكانت هي التي قتل معاوية منها نفسه. فأتيته ( أي أن حضينا أتى معاوية ) فأخبرته أن الذي بلغه عنه كما بلغه. أي أن الذي بلغ معاوية من أن عمرا وأبا موسى عزلاه هو كما بلغه، وأنهما رأيا أن يرجع في الاختيار من جديد إلى النفر الذي توفي رسول الله {{صل}} وهو عنهم راض. ثم ذكر القاضي [[أبو بكر بن العربي]] بقية خبر الدارقطني عن إرسال معاوية رسولا – وهو أبو الأعور الذاكواني – إلى عمرو بن العاص يعاتبه، وأن عمرا أتى معاوية وجرى بينهما حوار وعتاب، فقال عمرو لمعاوية: « عن الضجور قد تحليت العلبة » وهو مثل معناه أن الناقة الضجور التي لا تسكن للحالب قد ينال الحالب من لبنها ما يملأ العلبة. فقال له معاوية « ونربذ الحالب فتدق أنفه وتكفأ إناءه ».
 
فرواية الدارقطني هذه – وهو من أعلام الحديث – عن رجال عدول معروفين بالتثبت ويقدرون مسئولية النقل، هي التي تتناسب مع ماضي عمرو وأبي موسى وأيامهما في الإسلام ومكانتهما من النبي {{صل}} وموضوعهما من ثقة الفريقين بهما واختيارهما من بين السادة القادة المجربين. وأما الافتئات على أبي موسى والإيهام بأنه كان أبله فهو أشبه بالرقعة الغربية في ردائه السابغ الجميل. يقول القاضى أبو بكر بن العربي ( ص 174 ): « وكان أبو موسى رجلا تقيا ثقفا فقيها عالما أرسله النبي {{صل}} إلى اليمن مع معاذ، وقدمه عمر ابن الخطاب وأثنى عليه بالفهم. <ref> واختصه بكتابه الشهير في القضاء وآدابه وقواعده. </ref> وزعمت الطائفة التاريخية أنه كان أبله ضعيف الرأي مخدوعا في القول » ثم رد هذه الأكاذيب وأحال في تفصيل الرد على كتاب له اسمه ( سراج الدين ).
 
وبعد فإن صحائف أصحاب رسول الله {{صل}} كانت كقلوبهم نقاء وسلامة وطهرا. وما نتمناه من تمحيص التاريخ أول ما يشترط له فيمن يتولاه أن يكون سليم الطوية لأهل الحق والخير، عارفا بهم كما لو كان معاصرا لهم، بارعا في التمييز بين حملة الأخبار: من عاش منهم بالكذب والدس والهوى، ومن كان منهم يدين لله بالصدق والأمانة والتحرز عن تشويه صحائف المجاهدين الفاتحين الذين لولاهم لكنا نحن وأهل أوطاننا جميعا لا نزال كفرة ضالين. <ref> وقد اقترح كاتب هذه الخاتمة على مشيخة الأزهر إعادة النظر في دراسة التاريخ الإسلامي. ولعل الله بوفق إلى ذلك فتعود الأمة إلى مواطن الأسوة الصالحة من ماضيها النقى الطاهر، والله المستعان. </ref>
 
{{هامش}}