خذ فرصة اللذات قبل فواتها

خذْ فرصة َ اللذاتِ قبلَ فواتِها

​خذْ فرصة َ اللذاتِ قبلَ فواتِها​ المؤلف صفي الدين الحلي



خذْ فرصة َ اللذاتِ قبلَ فواتِها،
 
وإذا دعتكَ إلى المدامِ، فواتهَا
وإذا ذكَرتَ التّائبينَ عنِ الطِّلا
 
لا تَنسَ حَسرَتَهم على أوقاتِها
يَرنُونَ بالألحاظِ شَزراً كُلّما
 
صبغتْ أشعتُها أكفَّ سقاتِها
كأسٌ كَساها النّورُ لمّا أن بدا
 
مِصباحُ جِرمِ الرّاحِ في مِشكاتِها
صفْها إذا جليتْ بأحسنِ وصفِها
 
كيْ نُشرِكَ الأسماعَ في لَذّاتِها
لولا التذاذُ السامعينَ بذكرِها
 
لَغَنيتَ عن أسمائِها بسِماتِها
وإذا سَمِعتَ بأنَّ، قِدماً، مُظهِراً
 
عنها النِّفارَ، فتلكَ من آياتِها
ذَنبٌ، إذا عُدّ الذّنوبُ رأيتَهُ
 
من حُسنِهِ كالخالِ في وَجَناتِها
راحٌ حكَتْ ثَغَر الحَبيبِ وخَدَّه
 
بحَبابِها، وصَفائِها، وصِفاتِها
فكأنّما في الكاسِ قابَلَ صفوُها
 
ثغرَ الحبيبِ، ولاحَ في مرآتِها
ولئن نهَى عنها المشيبُ، فطالما
 
نشأتْ ليَ الأفراحُ من نشواتها
والقُضبُ دانيَة ٌ عليّ ظِلالُها،
 
والزهرُ تاجاتٌ على هاماتِها
والماءُ يخفي في التدفقِ صوتهُ،
 
والورقُ تسجعُ باختلافِ لغاتِها
ولقد ترَكتُ وِصالَها عن قُدرَة ٍ،
 
وزجرتُ داعي النّفس عن شُبُهاتِها
لم أشكُ جَورَ الحادِثاتِ، ولم أقلْ:
 
حالتْ بيَ الأيامُ عن حالاتِها
ما لي أعدُّ لها مساوىء َ جمّة ً،
 
والصالحُ السلطانُ من حسناتِها
رَبُّ العَفافِ المَحضِ والنّفسِ التي
 
غَلبتْ مروءتُهَا على شَهَواتِها
مَلَكيّة ٌ فلَكيّة ٌ يَسمُو بهَا
 
كَرَمٌ ترَنّحَ كُنهُهُ في ذاتِها
تحتالُ في العُذرِ الجَميلِ لوَفدِها
 
كرَماً، ولكن بعدَ بَذلِ هِباتِها
سبقتْ مواهبهُ السؤالَ، فما له
 
عدة ٌ مؤجلة ٌ إلى ميقاتِها
مَلِكٌ تُقِرُّ لهُ المُلوكُ بأنّهُ
 
إنسانُ أعيُنِها وعينُ حيَاتِها
لو لم يَنُطْ بالبِشرِ هَيبَة َ وجهِهِ
 
ذهلتْ بنور الآمالِ عن حاجاتِها
يعطي الألوفَ لوافديهِ براحة ٍ
 
تَثني يَدَ الأيّامِ عن سطَواتِها
فكأنّما قتلَ الحَوادثَ دونَها
 
وغدا يؤدّي للعفاة ِ دياتِها
من فتية ٍ راضَ الوقارُ نفوسَها،
 
فبدا سكونُ الحلمِ في حركاتِها
لو أَمَّها يومَ القِيامة ِ طالِبٌ
 
نقَلَتْ إلى ميزانِهِ حَسنَاتِها
في كفّهِ القلمُ الذي خضعتْ له
 
بيضُ الصفاحِ وفلّ حدُّ شباتَها
وسطا على الأرماحِ، وهوَ ربيبُها
 
وأليفُها في الغابِ عندَ نباتِها
قلمٌ فرَى كبدَ الأسودِ، وما رَعى
 
حقَّ الجِوارِ لهنّ في أجّماتِها
ما شاهدَ الأملاكُ مجة َ ريقهِ،
 
إلاّ وجفّ الريقُ في لهواتِها
يا أيّها الملكُ الذي سطواتُهُ
 
حَلَمَتْ بها الأعداءُ في يَقظاتِها
إن كنتَ من بعضِ الأنامِ فإنّما
 
غررُ الجيادِ تعدُّ بعضُ شياتِها
شهِدَتْ لراحتِكَ السّحائبُ أنّها
 
ريُّ البسيطة ِ، وهيَ من ضراتِها
فالنّاسُ تَدعوها مَفاتحَ رزِقها،
 
وتعدُّها الأموالُ من آفاتِها
شتتَّ شملَ المالِ بعدَ وفورهِ،
 
وجمعتَ شملَ الناسِ بعدَ شتاتِها
فظهرتَ بالعدلِ الذي أمسَى بهِ
 
في البيدِ يخشَى ذيبُها من شاتِها
تُبدي ابتِساماً للعُداة ِ، وراءَهُ
 
رأيٌ ينكسُ في الوغى راياتها
كالسُّمرِ تُبدي للنّواظرِ مَنظَراً
 
متألقاً، والموتُ في شفراتِها
وكتيبَة ٍ تَختالُ في أجَمِ القَنا
 
كالأُسدِ تَسري، وهيَ في غاباتِها
سِيّانِ ما تحوي السّروجُ وما حوَتْ
 
أيدي الفَوارسِ من سَرِ يحيّاتِها
أرسلتَ فيها للرماحِ أراقِماً
 
لسَبَتْ قلوبَ حُماتِها بحُماتِها
جشّمتَها جُرداً، إذا رُمتَ العُلى
 
أرسلتَها، فجرَتْ إلى غاياتِها
ما بينَ عَينَيها الأسِنّة ُ طُلّعٌ،
 
فكأنّها غررٌ على جبهاتِها
سدتْ حوافرُها الفضاءَ بعثيرٍ،
 
غنيتْ بهِ العقبانُ عن وكناتِها
صافَحتَ هاماتِ العِدى بصَفائحٍ
 
دَبّتْ نِمالُ المَوتِ في صَفَحاتِها
حتى أعَدتَ بها الجيادَ وشُهبُها
 
حمرٌ لوخزِ السمرِ في لباتِها
وجعلتَ أشلاءَ الكماة ِ كأنّما
 
ذخرَتْ لقُوتِ الوحشِ في فلَواتِها
ضمنتْ بها قوتَ الوحوشِ فأصبحتْ
 
عند العريكة ِ، وهيَ من أقواتِها
يا حاملَ الأثقالِ، وهيَ شَدائِدٌ،
 
والخائضَ الأهوالِ من غمَراتِها
ومفرجَ الكربِ التي لو صافحتْ
 
شُمَّ الجِبالِ لزَلزَلَتْ هَضباتِها
قد كادَ يُغرِقُ بحرُ نائلكَ الوَرى،
 
فجعَلتَ سرّ الجُودِ سُفنَ نَجاتِها
فاسعَدْ بعيدٍ أنتُمُ عيدٌ لهُ،
 
ومواسمٍ بكمُ هنا ميقاتِها
فِطرٌ فطَرْتَ بيُمنِهِ كَبِدَ العِدى،
 
فشغلتَ أنفُسَها بها عن ذاتِها
ووصلتَ فيه العاكفينِ على التّقى،
 
فشَرِكتَها في صَومِها وصَلاتِها
فاستَجلِها من حُورِ حِلّة ِ بابِلٍ،
 
فلذاكَ تبدي السحرَ من نفثاتِها
ظَمآنَة ٌ للقاكَ، وهيَ رويَّة ٌ،
 
ببَدائعٍ تَروي غليلَ رُواتِها
 
من قربش حضرتكم على عادتِها
تَستَنجزُ الوعدَ الشّريفَ لرَيّها
 
لتروعَ قلبَ عداتِها بعداتِها
هذي كنوزُ الشكرِ وافرة ٌ لكُم،
 
فاجعلْ نجازَ الوعدِ بعضَ زكاتِها