ديوان الخنساء (مطبعة التقدم، 1930)/قافية الباء

ملاحظات: مطبعة التقدم (1930)، الصفحات ٥–١٠
 


( قافية الباء )



( قالت الخنساء من البسيط )


يا عَينِ ما لَكِ لا تَبكينَ تَسكابا
إِذ رابَ دَهرٌ وَكانَ الدَهرُ رَيّابا
فَاِبكي أَخاكِ لِأَيتامٍ وَأَرمَلَةٍ
وَاِبكي أَخاكِ إِذا جاوَرتِ أَجنابا
وَاِبكي أَخاكِ لِخَيلٍ كَالقَطا عُصَباً
فَقَدنَ لَمّا ثَوى سَيباً وَأَنهابا
يَعدو بِهِ سابِحٌ نَهدٌ مَراكِلُهُ
مُجَلبَبٌ بِسَوادِ اللَيلِ جِلبابا
حَتّى يُصَبِّحَ أَقواماً يُحارِبُهُم
أَو يُسلَبوا دونَ صَفِّ القَومِ أَسلابا
هُوَ الفَتى الكامِلُ الحامي حَقيقَتَهُ
مَأوى الضَريكِ إِذا ما جاءَ مُنتابا
يَهدي الرَعيلَ إِذا ضاقَ السَبيلُ بِهِم
نَهدَ التَليلِ لِصَعبِ الأَمرِ رَكّابا
فالمَجدُ حُلَّتُهُ وَالجودُ عِلَّتُهُ
وَالصِدقُ حَوزَتُهُ إِن قِرنُهُ هابا
خَطّابُ مَحفِلَةٍ فَرّاجُ مَظلَمَةٍ
إِن هابَ مُعضِلَةً سَنّى لَها بابا
حَمّالُ أَلوِيَةٍ قَطّاعُ أَودِيَةٍ
شَهّادُ أَنجِيَةٍ لِلوِترِ طَلّابا
سُمُّ العُداةِ وَفَكّاكُ العُناةِ إِذا
لاقى الوَغى لَم يَكُن لِلمَوتِ هَيّابا


(وقالت من الطويل)


وداوية قفر يخاف بها الردي
مخفقة إما ان ينام بها الصحب
1
قَطَعتَ بِمِجذامِ الرَواحِ كَأَنَّها
إِذا حُطَّ عَنها كورُها جَمَلٌ صَعبُ
يُعاتِبُها في بَعضِ ما أَذنَبَت لَهُ
فَيَضرِبُها حيناً وَلَيسَ لَها ذَنبُ
وَقَد جَعَلَت في نَفسِها أَن تَخافَهُ
وَلَيسَ لَها مِنهُ سَلامٌ وَلا حَربُ
فَطِرتَ بِها حَتّى إِذا اِشتَدَّ ظِمؤُها
وَحُبَّ إِلى القَومِ الإِناخَةُ وَالشُربُ
أَنَختَ إِلى مَظلومَةٍ غَيرِ مَسكِنٍ
حَوامِلُها عوجٌ وَأَفنانُها رَطبُ
فَناطَ إِلَيها سَيفَهُ وَرِدائَهُ
وَجاءَ إِلى أَفياءِ ما عَلَّقَ الرَكبُ
فَأَغفى قَليلاً ثُمَّ طارَ بِرَحلِها
لِيَكسَبَ مَجداً أَو يَحورَ لَها نَهبُ
فَراحت تُباري أَعوَجِيّاً مُصَدَّراً
طَويلَ عِذارِ الخَدِّ جُؤجُؤُهُ رَحبُ


(وقالت من الطويل )


تَقولُ نِساءٌ شِبتِ مِن غَيرِ كَبرَةٍ
وَأَيسَرُ مِمّا قَد لَقيتُ يُشيبُ
أَقولُ أَبا حَسّانَ لا العَيشُ طَيِّبٌ
وَكَيفَ وَقَد أُفرِدتُ مِنكَ يَطيبُ
فَتى السِنِّ كَهلُ الحِلمِ لا مُتَسَرِّعٌ
وَلا جامِدٌ جَعدُ اليَدَينِ جَديبُ
أَبو الفَضلِ لا باغٍ عَلَيهِ لِفَضلِهِ
وَلا هُوَ خَرقٌ في الوُجوهِ قَطوبُ
إِذا ذَكَرَ الناسُ السَماحَ مِنِ اِمرِئٍ
وَأَكرَمَ أَو قالَ الصَوابَ خَطيبُ
ذَكَرتُكَ فَاِستَعبَرتُ وَالصَدرُ كاظِمٌ
عَلى غُصَّةٍ مِنها الفُؤادُ يَذوبُ
لَعَمري لَقَد أَوهَيتَ قَلبي عَنِ العَزا
وَطَأطَأتَ رَأسي وَالفُؤادُ كَئيبُ
لَقَد قُصِمَت مِنّي قَناةٌ صَليبَةٌ
وَيُقصَمُ عودُ النَبعِ وَهُوَ صَليبُ

( وقالت من الطويل)

تطير حوالى البلاد براقشا
بأروع طلاب الترات مطلب

وقالت من البسيط )

ما بالُ عَينَيكِ مِنها دَمعُها سَرَبُ
أَراعَها حَزَنٌ أَم عادَها طَرَبُ
أَم ذِكرُ صَخرٍ بُعَيدَ النَومِ هَيَّجَها
فَالدَمعُ مِنها عَلَيهِ الدَهرَ يَنسَكِبُ
يالَهفَ نَفسي عَلى صَخرٍ إِذا رَكِبَت
خَيلٌ لِخَيلٍ تُنادي ثُمَّ تَضطَرِبُ
قَد كانَ حِصناً شَديدَ الرُكنِ مُمتَنِعاً
لَيثاً إِذا نَزَلَ الفِتيانُ أَو رَكِبوا
أَغَرُّ أَزهَرُ مِثلُ البَدرِ صورَتُهُ
صافٍ عَتيقٌ فَما في وَجهِهِ نَدَبُ
يافارِسَ الخَيلِ إِذ شُدَّت رَحائِلُها
وَمُطعِمَ الجُوَّعِ الهَلكى إِذا سَغَبوا
كَم مِن ضِرائِكَ هُلّاكٍ وَأَرمَلَةٍ
حَلّوا لَدَيكَ فَزالَت عَنهُمُ الكُرَبُ
سَقياً لِقَبرِكَ مِن قَبرٍ وَلا بَرِحَت
جَودُ الرَواعِدِ تَسقيهِ وَتَحتَلِبُ
ماذا تَضَمَّنَ مِن جودٍ وَمِن كَرَمٍ
وَمِن خَلائِقَ ما فيهِنَّ مُقتَضَبُ


(وقالت من البسيط )


ياعَينِ جودي بِدَمعٍ مِنكِ مَسكوبِ
كَلُؤلُؤٍ جالَ في الأَسماطِ مَثقوبِ
إِنّي تَذَكَّرتُهُ وَاللَيلُ مُعتَكِرٌ
فَفي فُؤادِيَ صَدعٌ غَيرُ مَشعوبِ
نِعمَ الفَتى كانَ لِلأَضيافِ إِذ نَزَلوا
وَسائِلٍ حَلَّ بَعدَ النَومِ مَحروبِ
كَم مِن مُنادٍ دَعا وَاللَيلُ مُكتَنِعٌ
نَفَّستَ عَنهُ حِبالَ المَوتِ مَكروبِ
وَمِن أَسيرٍ بِلا شُكرٍ جَزاكَ بِهِ
بِساعِدَيهِ كُلومٌ غَيرُ تَجليبِ
فَكَكتَهُ وَمَقالٍ قُلتَهُ حَسَنٍ
بَعدَ المَقالَةِ لَم يُؤبَن بِتَكذيبِ


(وقالت من الكامل)


يا اِبنَ الشَريدِ عَلى تَنائي بَينِنا
حُيِّيتَ غَيرَ مُقَبَّحٍ مِكبابِ
فَكِهٌ عَلى خَيرِ الغِذاءِ إِذا غَدَت
شَهباءُ تَقطَعُ بالِيَ الأَطنابِ
أَرِجُ العِطافِ مُهَفهَفٌ نِعمَ الفَتى
مُتَسَهِّلٌ في الأَهلِ وَالأَجنابِ
حامي الحَقيقِ تَخالُهُ عِندَ الوَغى
أَسَداً بِبيشَةَ كاشِرَ الأَنيابِ
أَسَداً تَناذَرَهُ الرِفاقُ ضُبارِماً
شَثنَ البَراثِنِ لاحِقَ الأَقرابِ
فَلَئِن هَلَكتَ لَقَد غَنيتَ سَمَيذَعاً
مَحضَ الضَريبَةِ طَيِّبَ الأَثوابِ
ضَخمَ الدَسيعَةِ بِالنَدى مُتَدَفِّقاً
مَأوى اليَتيمِ وَغايَةَ المُنتابِ
وأبو اليتامى ينبتون فناءه
نبت الفراخ بملىء معشاب


(وقالت من الوافر)


أَرِقتُ وَنامَ عَن سَهَري صِحابي
كَأَنَّ النارَ مُشعِلَةٌ ثِيابي
إِذا نَجمٌ تَغَوَّرَ كَلَّفَتني
خَوالِدَ ما تَؤوبُ إِلى مَآبِ
فَقَد خَلّى أَبو أَوفى خِلالاً
عَلَيَّ فَكُلُّها دَخَلَت شِعابي


  1. خَرقٍ كَأَنضاءِ القَميصِ دَوِيَّةٍ
    مَخوفٍ رَداهُ ما يُقيمُ بِهِ رَكبُ