ذلك كالرزء في الصديق الكريم

ذلك كالرزء في الصديق الكريم

​ذلك كالرزء في الصديق الكريم​ المؤلف جبران خليل جبران


ذلك كالرزء في الصديق الكريم
كان سهما اصابني في الصميم
كان يوم انتويت في مصر والشام
ولبنان يوم حزن عميم
ما دهى الضاد في ابر بنيها
ما دهى الشرق في فتاه العظيم
في الأديب الديب والشاعر الشاعر
والمدره الأريب الحكيم
في الصحافي لم يكن بدعي
والروائي لم يكن بزنيم
علم لم يضر تعدده في
كل وصف بوحدة الأقوم
يا نجي الجمال في مقدس الفن
ومحرابه كنجوى الكليم
أين كاسي البيان من كل ثوب
عبقري وكل لون وسيم
من لذاك النثير في وشيه الرائع
حسنا ومن لذاك النظيم
من لصوغ المبنى البديع وإخراج
المعاني في ذلك التقويم
إن من ذلك القريض لسحرا
ليس بالمفتري ولا الموهوم
هو في كل موطن عربي
طوق ورقائه وقيد الريم
ريض شيطانه فلم يرجم الناس
بسوء ولم يكن برجيم
قل شرواك في الذين عرفنا
من رفيق بالناس أو من رحيم
حظه من سرور من سر فيهم
حظه من سقام كل سقيم
إن أجفت مداده حرقة في النفس
أجرته دمعة من يتيم
خلق نفحة كما نفح الروض
ولطف مروره كالنسيم
فيقل أبلغ المقالة في الدهر
وفي صرفه الأيم الليم
قام عذر الموتور فانهض خطيب الشرق
وازأر زأر الهصور الشتيم
واثر غيهب المداد وارسل
صعقات لها انقضاض الرجوم
هات آياتك الكبار وفيها
للنهي كل مقعد ومقيم
غير أني أراك تأبى على الشدة
بثا لحزنك المكتوم
لا لعي وإنما القول في رزء
كهذا لصامتات الكلوم
نوب الدهر لا ترفه بالبث تاريخها
ولا بالوجوم
وسواء في العجز لولا المداجاة
شكاة الشاكي وكظم الكظيم
لهف نفسي على الشهاب الذي غيب
في الرمس والصديق الحميم
يا جليسي وكنت أي جليس
يا نديمي وكنت أي نديم
من يعاطي السمار بعدك ما كنت
تعاطي من سر بنت الكروم
حرك الشجو في فؤادي شجوا
للأحباء في الزمان القديم
كيف كنا ونحن في ريق العمر
شداد القوى ضآل الجسوم
عصبة من خلاصة النشء لم تفسح
مكانا لغادر أو لئيم
جعلت في اليسير من رزقها حقا
عليها للسائل المحروم
وبلت جور دهرها فرأته
سببا في انتصافها للهضيم
جمعتنا في خدمة الحق ما استطعنا
وأجلل بالحق من مخدوم
نمل الصحف بالثمار الدواني
من مجاني قرائح وعلوم
وتسيل النهار فيها بعذب
من لطاف النطاف أو بحميم
بين جد وبين هزل وفي الحالين
قصد التسديد والتقويم
في سبيل البلاد ننصر من ناصرها
او نرد كيد الخصوم
شد ما سامنا الهوى كل يوم
من دفاع وسامنا من هجوم
نتفانى وما بنا ما نعاني
من شقاء دون النجاح المروم
ونرى في الشباب فضلا به نمزج
بين التحليل والتحريم
بارك الله في الشباب وما في
ذخره من صلابة وعزيم
إن وردنا الحومات تشتعل الأفكار
فينارها الشتعال الهشيم
عرفتنا معاهد اللهو من روادها
الهازئين بالتأثيم
والتقى اليوم صوتنا بصداه
أمس بين التوديع والتسليم
إعذروا فتية الحمى إن يحيدو
حيدة عن صراطه المستقيم
ضلة للذين يبغون منهم
قبل ميعاده كمال الحلوم
فرص العيش للجنود نهاب
قبل يوم معجل محتوم
عصر ساقنا إلى عصر خلف
للذكريات أشجى الرسوم
عاد قرب التخوم بينهما بعدا
وشط المزار بين التخوم
ونزعنا عن الغواية في الغاية
من ظرفها إلى التحليم
فبلغنا مع الكهولة شأنا
لم يكن في حدس ولا تنجيم
صار إلاس قاضيا يرجع القوم
إليه في الحكم والتحكيم
فوزيرا به الوزارة تزهى
فوليا للعلم والتعليم
فلسانا تنضو به ندوة النواب
عضبا في وجه كل غشوم
منصب بعد منصب فاز من طيب
أرزاقه بدر جميم
كيف قصد الجواد والجود طبع
كيف إثراء ذي الضمير القويم
ليس أنكى حالا وأتعب بالا
في اعتقادي من الغنى العديم
أنضب البؤس ذهنه فعراه
شبه عقم ولم يكن بعقيم
أيها العاذلوه شوقا إلى إنشاده
قد يلام غير مليم
لصغار الهموم تقتل في أنفس
أهل النهى كبار الهموم
وإذا عز ما ابتغيت على الأرض
فكيف ابتغاء ما في النجوم
غيه إلياس بعض شأنك مما
ضل فيه السبيل علم العليم
تبلغ الموضع الذي لك فيه
كل غنم وأنت جد غريم
تحمل الضيم غير شاك وإن كان
الأسى منك ماليء الحيزوم
هادئا وادعا كأن جسيم الأمر
إذ تلتقيه غير جسيم
وأبيت التسليم أو يقع الحتف
فذا منك موعق التسليم
يا صفيا رعى ذمام محبيه
وما كان عهده بذميم
إن تفارق فأي ذخر لقوم
صار بعد الحياة بعض الرميم
لم يدع نأيك الوشيك سرورا
ببقاء لألمعي مقيم
قدمتك الدنيا وفي غير هذا الشوط
كنت الجدير بالتقديم
فتبدل من شقوة قد تقضت
ما سيبقى من نضرة ونعيم