ذيول العبر/الذيل الثاني

  ► الذيل الأول الذيل الثاني: من سنة 741 - 764 ◄  
بسم الله الرحمن الرحيم

سنة إحدى وأربعين وسبعمائة

في المحرم منها أو في أواخر العام الماضي قبض على الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام، وأخذ إلى القاهرة فاعتقل بالإسكندرية أياما ثم قتل ودفن هناك. ولي نيابة دمشق في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وسار في سنة خمس عشرة فافتتح ملطية وسبى وقتل، وكان رجلا عبوسا، شديد الهيبة، وافر الحرمة، لا يجترئ أحد من الأمراء أن يكلم أحدا بحضرته، وكان مع جبروته له من يضاحكه ومن يغنيه، وقد زار مرة شيخنا ابن تمام. وسمع من أبي بكر، ابن عبد الدايم، وعيسى، وابن الشحنة، وما علمته حدث. وله آثار حسنة في أماكن من البلاد الإسلامية رحمه الله تعالى. وولي بعده نيابة دمشق الأمير علاء الدين ألطنبغا نائب حلب. وفي هذا العام جددت خطبة بالمدرسة البدرية جوار الشبلية باعتناء القاضي شهاب الدين بن فضل الله كاتب السر.

ومات الزاهد العابد القدوة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن تمام التلي ثم الصالحي الخياط، في ربيع الأول عن إحدى وتسعين سنة. حدثنا عن ابن عوة، وابن السروري، وابن عبد الدايم وطائفة. استوعب الذهبي شيوخه في جزء، وزاره تنكز نائب الشام، وحدث عنه البرزالي والذهبي والعلائي، وخلق. وكان أحد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر رحمه الله. حدث بصحيح مسلم عن الرضي بن البرهان.

ومات بمصر العلامة شمس الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن حيدرة القرشي الشافعي المعروف بابن القماح في ربيع الآخر عن بضع وثمانين سنة.

ومات بدمشق المحدث الإمام بدر الدين محمد بن علي بن محمد بن غانم الشافعي. سمع التقي بن الواسطي وطائفة. وعني بالحديث، وحدث، وأفتى، ودرس، وأفاد.

ومات الشيخ الزاهد خالد المجاور لدار الطعم، ودفن بداريا. صحب الشيخ تقي الدين بن تيمية. وله حال، وكشف، وكلمة نافذة. رحمه الله.

ومات بدمشق أيضا الإمام العلامة ذو الفنون برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن هلال الزرعي ثم الدمشقي الحنبلي، عن بضع وخمسين سنة. أفتى قديما، ودرس، وناظر، وناب في الحكم عن القاضي عز الدين بن التقي سليمان، ثم عن القاضي علاء الدين بن المنجا. وكان إليه المنتهى في التحري، والتفنيد، وجودة الخط، وحسن الخلق. حدث عن عمر ابن القواس، والشرف بن عساكر، وغيرهما، وكان يصبغ بالوسمة.

وفي ذي القعدة مات شيخنا المعمر بهاء الدين علي بن عيسى بن المظفر بن الياس بن الشيرجي الدمشقي، عن ثمان وثمانين سنة. حدث عن ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وطائفة. توفي في ذي القعدة.

ومات ببغداد المعمر أبو عبد الله محمد بن علي بن محمود بن الدقوقي عن خمس وسبعين سنة. سمع من ابن أبي الدينة مسند الإمام أحمد، وحدث عن أبي محمد بن ورخز. وكانت سيرته غير مرضية.

ومات بها أيضا الشيخ وجيه الدين محمد الباذبيني، حدث عن ابن الطبال وغيره.

ومات بدمشق المعمر بهاء الدين عيسى بن عبد الكريم بن عساكر بن مكتوم القيسي الدمشقي الشاهد عن ثلاث وثمانين سنة. حدث عن ابن الأوحد وابن أبي اليسر وطائفة. وكان يرتزق من الشهادة، ثم انقطع بآخره. وضعفت حركته وأضر. ولد في شعبان سنة ثمان وخمسين، وتوفي في ذي القعدة.

وماتت المعمرة الصالحة، الخيرة، أم محمد صفية بنت أحمد بن أحمد المقدسية، زوجة شيخنا بهاء الدين ابن العز عمر، عن سن عالية. حدثت بصحيح مسلم عن ابن عبد الدايم. توفيت في ذي الحجة.

وفي يوم الأربعاء عشرينه، مات بالقاهرة السلطان الملك الناصر، أبو الفتح محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي عن بضع وخمسين سنة. ودفن على والده بالمنصورية. ولد في المحرم سنة أربع وثمانين وستمائة. وسمع من قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، وابن الشحنة، وست الوزراء. وأجاز له من دمشق عام ثلاث وسبعمائة أبو جعفر بن الموازيني وإسحاق النحاس والقاضي تقي الدين سليمان وطائفة. وكان ابتداء ملكه في المحرم سنة ثلاث وتسعين بعد قتل أخيه الملك الأشرف، فأقام سنة، ثم خلع بالملك العادل زين الدين كتبغا فأقام سنتين، ثم خلع بالملك المنصور، حسام الدين لاجين أستاذ تنكز المذكور، فأقام المنصور حتى قتل في ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين، فأحضر الملك الناصر من الكرك وسلطنوه، وهي المرة الثانية، فأقام إلى سنة ثمان وسبعمائة، ثم أظهر أنه يريد الحج، فخرج وعرج إلى الكرك، فأقام به ولوح بعزل نفسه. فتولى الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير. فأقام بقية سنة ثمان وسبعمائة إلى رمضان من العام القابل، فخرج طائفة من كبار الأمراء وكرهوا ولاية المظفر، وساقوا على حمية إلى الكرك، فاستنهضوا الملك الناصر فخرج معهم وسار إلى دمشق، فبايعه أمراء الشام، وتوجه إلى القاهرة، فلما تحقق بيبرس قدوم السلطان خرج هاربا نحو الصعيد، فدخل السلطان إلى قلعة الجبل يوم عيد الفطر سنة تسع وسبعمائة واتفقت عليه كلمة المسلمين، فأقام ملكا مطاعا وأذعنت له الملوك ودانت له الأمم وخافته الأكاسرة، حتى مات في هذا العام، وعهد إلى ابنه الملك المنصور أبي بكر، فولي بعد أبيه وهو ابن عشرين سنة.

وفي أيام الملك الناصر كانت وقعة غازان بوادي الخزندار ووقعة شقحب وفتح ملطية وآياس ووقعة عرض. وفي أيامه أسقط مكس الأقوات والله يرحمه.

سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة

في المحرم منها بويع الخليفة الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن المستكفي بالله سليمان ابن الحاكم العباسي وكان ولي عهد أبيه.

وقبض السلطان الملك المنصور على الأمير سيف الدين بشتك الناصري وأخذ من حواصله ما يزيد على ألف ألف وسبعمائة ألف دينار، وقبض على غيره من الأمراء، فاتفق الأمراء على خلعه، فخلعوه في سابع عشر صفر، وحبس بقوص ثم قتل في جمادى الآخرة، وكانت دولته نحوا من سبعين يوما. وأقاموا أخاه الملك الأشرف كجك وهو متميز، فسلطنوه، وخطب له بدمشق وغيرها، في ربيع الأول، وكان أخوه الملك الناصر أحمد بالكرك، فلما بلغه ولاية أخيه الأشرف الذي هو أصغر إخوته، تحركت همته، فسار في شهر رمضان من الكرك إلى القاهرة، وقد كان الأمير قطلوبغا الفخري اتفق مع الأمراء على الشخوص إلى القاهرة، وولاية أحمد صاحب الكرك، وتنازل الفخري وألطنبغا نائب دمشق وتراسلوا، فذهب ألطنبغا على حمية إلى مصر منهزما، واستقر الفخري بدمشق إلى رمضان، فتوجه هو ونائب حلب طشتمر المعروف بحمص أخضر فدخلا القاهرة، وتوجه قضاة الشام فاجتمعوا كلهم وخلعوا الملك الأشرف كجك. خلعه الخليفة الحاكم بحضور قضاة مصر والشام، وذلك لصغر سنه وعجزه عن القيام بمصالح الرعية. فكانت دولته نحو سبعة أشهر، وبايعوا السلطان الملك الناصر أحمد بيعة لم يتفق لغيره مثلها، وذلك يوم الاثنين عاشر شوال بحضور أمراء مصر والشام وقضاة القضاء بمصر والشام، فأقام كذلك إلى ثاني الحجة منها، فسار إلى الكرك بأمواله وخيله ورجاله، ومعه كاتب السر، وناظر الجيش، وطشتمر المذكور محتفظا عليه، وقد كان ولى الفخري نيابة دمشق فجهز إليه، فقبض عليه بالطريق فضربت عنقه، وعنق طشتمر خارج الكرك في العشر الأخر من ذي الحجة، ثم قتل ألطنبغا نائب الشام وجماعة من الأمراء المصريين.

ومات بدمشق خطيبها المفتي الإمام بدر الدين محمد بن قاضي القضاة جلال الدين القزويني الشافعي، وقد ناب في الحكم عن والده في الكرة الأخيرة.

ومات ببلبيس المعمر أبو الفتوح عبد الله النصير بن محمد الأنصاري عن ثمان وتسعين سنة. حدث عن الفضل بن رواحة وغيره.

ومات بدمشق مقرئها العلامة شمس الدين محمد بن أحمد بن علي الرقي ثم الدمشقي الحنفي الأعرج، عن أربع وسبعين سنة. حدث عن الفخر وطائفة. وقرأ على الفاروثي، والفاضلي. وأقرأ بالأشرفية. توفي في سلخ صفر.

ومات الحافظ العلامة إمام المحدثين جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف القضاعي ثم الكلبي الحلبي، ثم الدمشقي المزي الشافعي، صاحب تهذيب الكمال وكتاب الأطراف. ولد في العاشر من ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة بحلب. وسمع بدمشق في سنة خمس وسبعين من ابن أبي الخير وابن علان والإربلي والشيخ شمس الدين وابن البخاري وخلق من هذه الطبقة، وغيرهم، وهلم جرا. وحدث بالكثير من مسموعاته، وحمل عنه طوائف من الفقهاء والحفاظ وغيرهم. وبه ختم شيخنا الذهبي طبقات الحفاظ له. توفي في يوم السبت ثاني عشر صفر ودفن بالصوفية رحمه الله. وكان مع تبحره في علم الحديث رأسا في اللغة العربية والتصريف، له مشاركة جيدة في الفقه وغيره، ذا حظ من زهد وتعفف، ويقنع باليسير. وقد شهد له بالإمامة جميع الطوائف، وأثنى عليه الموافق والمخالف.

ومات ببغداد المحدث المسند محب الدين أبو الربيع علي بن عبد الصمد ابن أحمد بن عبد القادر البغدادي عن ست وثمانين سنة. حدث عن ابن أبي الدينة وطائفة.

ومات في جمادى الأولى ملك العرب مظفر الدين موسى بن مهنا ودفن بتدمر.

ومات بعده بثمانية أيام نائب طرابلس أرنبغا الناصري.

وفي آخر هذا العام قتل قوصون الناصري، ونهبت أمواله بالقاهرة.

سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة

في المحرم أرسل أمراء الدولة إلى الملك الناصر أحمد بالكرك ليعود إلى القاهرة مستقر ملكه وملك أبيه، فأجابهم: إن كنت أنا السلطان فلا يأتمر علي أحد، الشام لي ومصر لي، أيهما شئت أقمت به، وقد أقمت نائبا لقضاء حوائج الرعية. فلم يعجبهم هذا الجواب واضطربت آراؤهم ثم اتفقوا على خلعه، فخلعوه في ربيع الأول وعقدوا الملك لأخيه الملك المظفر عماد الدين إسماعيل وهو ابن نحو من سبع عشرة سنة. وكانت دولة الناصر أحمد نحو خمسة أشهر وأياما. وتوجه أمراء دمشق بالمجانيق لحصار الكرك.

وولي نيابة دمشق الأمير علاء الدين أيدغمش الناصري فأقام نحو ثلاثة أشهر، ومات فجأة في رابع جمادى الآخرة وولى بعده نيابة دمشق الأمير سيف الدين طقزتمر الناصري فدخلها في نصف رجب.

وفيها ولد لرجل من أهل الجبل ولد برأسين وأربع أيد، فحكى لي شيخنا عماد الدين بن كثير قال: ذهبت إليه ونظرت إليه فإذا هما ولدان قد اشتبكت أفخاذهما بعضها في بعض وركب كل واحد منهما ودخل في الآخر والتحمت فصارت جثة واحدة وهما ميتان.

ومات مسند الشام المقرئ الصالح العابد أبو العباس أحمد بن علي بن حسن بن داوود الجزري ثم الصالحي الحنبلي عن ثلاث وتسعين سنة وسبعة أشهر، حضر على ابني عبد الهادي واليلداني والبكري وخطيب مردا وإبراهيم بن خليل وابن عبد الدايم وغيرهم، وأجاز له ابن الزعبي والصرصري، وفضل الله الجيلي وعبد القادر القزويني وخلق. خرجت له من عواليه، وتوفي في خامس شعبان، وسمعت شيخنا الحافظ تقي الدين السبكي يقول: لم أر أجلد منه على التلاوة والصلاة.

ومات ببعلبك مسندها وخطيبها المعمر محيي الدين محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب بن علي بن أحمد بن عقيل السلمي الشافعي، نزيل بلد بعلبك وشيخ الكتابة، ولد سنة ثمان وخمسين وستمائة، وسمع من ابن عبد الدايم والقاسم الإربلي والرشيد العامري وابن هامل وطائفة. استوعبهم شمس الدين بن سعد في جزء خرجه له، وحدث عنه الذهبي في معجمه. وكان مجيدا للخطابة، مليح الشكل، كبير القدر، عاقلا، متصونا. وهو والد شيخنا المجود بهاء الدين محمود، توفي في تاسع رمضان.

ومات بالقاهرة القاضي الإمام الأوحد تاج الدين أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الهادي المعروف بابن الأطرياني، كاتب الإنشاء عن نحو ثمانين سنة. حدث عن العز بن الصيقل وغيره.

ومات بها الأديب الإمام البارع العلامة تاج الدين عبد الباقي بن عبد المجيد المخزومي المكي، قدم مصر والشام، وتقدم عند صاحب اليمن، وباشر فنون الإنشاء باليمن، ثم تفرقت الدولة فصرف عن ذلك وأوذي، فعاد إلى الحجاز وأقام بالمدينة وخطب بها نيابة، ثم عاد إلى القاهرة ودرس بها، ثم استوطن القدس. وحضر إلى دمشق وحلب. كتب عنه شيخنا أبو حيان من نظمه، وصنف تصانيف مفيدة، منها كتاب مطرب السمع في شرح حديث أم زرع.

ومات بظاهر دمشق الإمام الزاهد المفتي عبد الله بن محمد بن أحمد ابن أبي الوليد المالكي، إمام محراب المالكية بالجامع الأموي. حدث عن ابن البخاري.

ومات الخطيب البليغ شمس الدين محمد بن عبد الأحد بن الوزير الحنبلي خطيب الجامع الكريمي.

ومات شيخ القراء الإمام بدر الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن بصخان الشافعي، ودفن بباب الفراديس، وله خمس وسبعون سنة. حدث عن ابن إسماعيل ابن الفرا وطبقته، وتلا بالسبع على الدمياطي.

سنة أربع وأربعين وسبعمائة

وفي رجب جيء بتنكز مصبرا في تابوت من الإسكندرية، فدفن بتربة جوار جامعه بدمشق.

وفي منتصف شعبان كانت الزلزلة العظمى العامة، فهدمت مدينة منبج، وتهدمت منها أماكن بحلب، وغيرها، واستمرت تتعاهدهم بحلب إلى بعد عيد الفطر.

وفيها قدم الصاحب مكين الدين إبراهيم بن قروينة من القاهرة على نظر الدواوين بالشام في رمضان، وصرف عنها الصاحب تاج الدين بن أمين الملك إلى طرابلس.

وفي شوال قدم الصاحب شمس الدين موسى بن التاج عبد الوهاب من مصر إلى حلب على نظر الدواوين بها.

وفي مستهل ربيع الآخر احترق سوق الصالحية من أوله إلى آخره. وولي قضاء الشافعية بحلب شيخنا الزاهد قاضي القضاة نور الدين محمد بن محمد بن الصايغ، ودرس بعده بالدماغية بدمشق القاضي الإمام جمال الدين أبو الطيب الحسين ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي وأخذ في قول الله تعالى: {وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه}.

ومات المعمر الصالح كمال الدين محمد بن القاضي محيي الدين بن الزكي القرشي الشافعي مدرس العزيزية والتقوية عن سن عالية. سمع من ابن البخاري، وغيره. ودرس بعده بالتقوية القاضي الإمام تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب السبكي وأخذ في قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}.

ومات الإمام العلامة قاضي القضاة برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن يوسف، الحنفي، سبط ابن عبد الحق. سمع جده أبو العباس وابن البخاري، وغيرهما. وولي قضاء الحنفية بالقاهرة، ثم صرف عنه في سنة ثمان وثلاثين، فقدم دمشق. وإليه انتهت رياسة المذهب.، توفي في ذي الحجة.

ومات بحلب الحافظ الإمام شمس الدين محمد بن علي بن أيبك السروجي. ولد سنة خمس عشرة، عام مولدي. وسمع بالقاهرة من مشيخة الوقت، وقدم دمشق غير مرة، واعتنى بالرجال، وبرع، وكتب، وتعب. وكان فيه شهامة ورقة نفس، توفي في ربيع الأول.

وفيه مات بالقدس القاضي الإمام النبيل شرف الدين أبو بكر ابن محمد بن العلامة شهاب الدين محمود الحلبي، وكيل بيت المال بدمشق، توفي فجأة، وولي بعده القاضي أمين الدين بن القلانسي.

ومات بظاهر دمشق الحافظ الإمام العلامة ذو الفنون، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي الصالحي الحنبلي، ولد سنة خمس وسبعمائة. وسمع أبويه والقاضي تقي الدين سليمان وأبا بكر بن عبد الدايم، وهذه الطبقة، ولازم الحافظ المزي فأكثر عنه وتخرج به.، واعتنى بالرجال والعلل وبرع وجمع وصنف.، وتفقه بشيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية، وكان من جلة أصحابه.، ودرس بالمدرسة الصدرية. وولي مشيخة الضيائية والصبابية. وتصدر للاشتغال والإفادة. وكان رأسا في القراءات والحديث والفقه والتفسير والأصلين واللغة والعربية. تخرج به خلق.، وروى الذهبي عن المزي عن السروجي عنه. توفي يوم الأربعاء عاشر جمادى الأولى. وسمعت شيخنا الذهبي يقول يومئذ بعد دفنه: والله ما اجتمعت به قط إلا استفدت منه. رحمهما الله.

ومات بحلب المفتي الإمام شمس الدين محمد بن محمد بن إبراهيم السفاقسي المالكي في رمضان.

ومات بدمشق المعمر الصالح الخير زين الدين عبد الرحيم بن إبراهيم ابن كاميار، القزويني الأصل، الدمشقي، عن ثلاث وتسعين سنة. حدث بالإجازة عن عثمان ابن خطيب القرافة والبكري، وخلق.

ومات المسند شهاب الدين أبو القاسم عبد الله بن علي بن محمد بن عمر ابن هلال الأزدي الدمشقي. ولد سنة إحدى وسبعين.، وحضر ابن أبي اليسر ويحيى بن الحنبلي. وسمع ابن علان وطائفة. توفي في منتصف رجب.

ومات بالكرك الشرف محمد بن عبيد الله بن أحمد بن عمر بن أبي عمر المقدسي الصالحي، ثم الكركي.، حدثنا عن ابن البخاري، انتهت إليه رياسة عمل المنجنيق، وبه قتل في جمادى الأولى.

ومات بالقاهرة العلامة تاج الدين أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن التركماني الشافعي أحد أركان المذهب.

ومات بالقريتين ملك العرب شرف الدين عيسى بن فضل ابن أخي الملك مهنا، ونقل فدفن بحمص.

ومات بدمشق الحافظ الإمام العلامة ذو الفنون أقضى القضاة، تقي الدين أبو الفتح محمد بن عبد اللطيف بن يحيى بن علي بن تمام السبكي الشافعي، ولد بالمحلة في ربيع الآخر سنة خمس وسبعمائة، وأحضر على أبوي الحسن علي بن عيسى بن القاسم وعلي بن محمد بن هارون التغلبي وغيرهما. وسمع من الحسن الكردي وعلي بن عمر الواني ويونس الدبوسي وست الوزراء، وخلق. وأجاز له عام مولده الحافظ شرف الدين الدمياطي وغيره. وحدث.، وكتب بخطه المليح المتقن شيئا كثيرا.، وانتقى على جماعة من شيوخه.، وكتب العالي والنازل.، وبرع في الفقه والأصلين والحديث واللغة. وأفتى ودرس وأفاد.، وتلا بالسبع على الأستاذ أبي حيان، وأخذ عنه علم العربية. وتفقه بجده وأبي عبد الله السنباطي وشيخ الإسلام السبكي.، وناب في الحكم.، وتوفي في ثاني عشر ذي القعدة رحمه الله.

ومات بحلب في ذي الحجة العلامة كمال الدين عمر بن محمد بن عثمان بن العجمي في حدود الأربعين. سمع بدمشق من جماعة. وأفتى ودرس وناظر.

سنة خمس وأربعين وسبعمائة

في صفر فتحت الكرك وقبض على السلطان الملك الناصر أحمد.، ثم قتل ودفن هناك، واحتمل رأسه إلى القاهرة وزين البلد.

وفي ذي الحجة قدوم شيخنا الصاحب تقي الدين بن مراجل من القاهرة على نظر الدواوين بالشام.

وفي سادس رمضان أثلجت السماء ثلجا عاما بحيث أنه أصبح على الأسطحة نحو الذراعين، وفي بعض الأماكن طول الرمح، وتقطعت السبل، وهلك الدواب والمواشي، ومات خلق من السفارة بالطرق، واستمر على ذلك خمسة أيام تباعا ولم يزل يتعاهدنا الثلج إلى ثاني شوال.

ومات بظاهر دمشق المعمر الصالح شمس الدين محمد بن علي بن هكام القيسي المعروف بابن البلوط، حدث عن ابن عبد الدايم.

ومات بالقاهرة شيخ النحاة العلامة أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان النفزي الجياني ثم المصري الظاهري، عن تسعين نسة وأشهر، حدث عن محدثي الأندلس والقاهرة وغيرهم. وعني بالحديث والفقه والتفسير واللغة، وأما العربية فهو حامل لوائها. وقد سارت بذكره وتصانيفه. ونظمه ونثره الركبان في أقطار البلدان. تخرج به أئمة، ودرس بالقبة المنصورية وغيرها، وتوفي في ثامن عشرين صفر، أضر في آخر أيامه.

ومات بدمشق العلامة قاضي القضاة جلال الدين أبو المفاخر أحمد بن قاضي القضاة حسام الدين الحسن بن أنو شروان الرازي ثم الدمشقي الحنفي، عن ثلاث وتسعين سنة ونصف. حدث عن ابن البخاري وغيره، وناب في الحكم بدمشق عن والده ثم ولي استقلالا. ثم عرض له صمم فصرف بالقاضي شمس الدين بن الحريري. ودرس بالخاتونية والريحانية والقصاعين، وإليه المنتهى في مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، توفي في رجب، ودفن بمدرسته التي أنشأها بدمشق المعروفة بالجلالية وكانت سكنه رحمه الله.

ومات بأطرابلس شيخنا مجد الدين محمد بن عيسى بن يحيى بن أحمد أبو الخطاب السبتي المصري ثم الدمشقي، الصوفي، عن اثنتين وسبعين سنة. حدث بجامع الترمذي عن ابن ترجم، وولي مشيخة دويرة حمد بباب البريد.

ومات بدمشق شيخ الأدب الإمام ذو الفنون نجم الدين علي بن داوود بن يحيى بن كامل القرشي القحفازي الحنفي، خطيب جامع تنكز، ومدرس الحنفية بالظاهرية. سمع من البرهان بن الدرجي وغيره. ولد سنة ثمان وستين، وولي بعده الخطابة القاضي عماد الدين بن العز.

ومات بالصالحية المعمر الصالح الرئيس الكامل زين الدين عبد الرحمن بن علي بن حسين بن مناع التكريتي ثم الدمشقي. ولد في رمضان سنة اثنتين وستين وستمائة، وحدث بالصحيح وغيره عن ابن عبد الدايم، وتوفي في خامس شعبان، وكان رجلا مهيبا، نبيلا، منور الشيبة، كريم الأخلاق، محتشما. أقعد في أواخر عمره.

ومات المسند المقرئ المعمر أبو عمر عثمان بن سالم بن خلف البذي، المقدسي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي، حدث بصحيح مسلم عن ابن عبد الدايم. توفي في شعبان وقد جاوز المائة.

ومات الإمام المفتي الكبير الزاهد أبو عمرو أحمد بن أبي الوليد محمد بن أبي جعفر أحمد ابن قاضي الجماعة أبي الوليد محمد الإشبيلي ثم الدمشقي المالكي، ولد بغرناطة سنة اثنتين وسبعين، ثم قدم دمشق فسمع من ابن البخاري وابن مؤمن والفاروثي وغيرهم. حدث عنه الذهبي. وأم بمحراب المالكية بالجامع، توفي في ثاني رمضان، وكان يخضب.

ومات بالقاهرة الأمير العالم الكبير علم الدين أبو سعيد سنجر الجاولي المنصوري. سمع من قاضي الشوبك دانيال مسند الشافعي في سنة ثمان وثمانين، وشرحه بإعانة غيره في عدة أسفار. وله آثار حسنة بالبلاد الشامية وغيرها. توفي في رمضان.

ومات ببرزة خطيبها المعمر الصدر سليمان بن أحمد البانياسي، ثم الدمشقي الشافعي، عن إحدى وثمانين سنة. سمع من ابن البخاري وهو خطيب، وحدث عنه وهو خطيب. توفي في شوال.

وماتت بالصالحية الشيخة الصالحة الخيرة المعمرة أم عبد الله حبيبة بنت الخطيب عز الدين إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسية عن إحدى وتسعين سنة. حدثت عن ابن عبد الدايم وغيره. وأجاز لها في سنة أربع وخمسين وستمائة محمد بن عبد الهادي وابن السروري وابن عوه وطائفة. وكانت سوداء. ماتت في ذي القعدة. ولم تتزوج.

وفي ليلة الجمعة ثاني عشر ذي القعدة مات شيخنا الإمام العلامة بقية السلف قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن إبراهيم ابن النقيب الشافعي عن بضع وثمانين سنة. حدث عن ابن البخاري وغيره. وجالس شيخ الإسلام محيي الدين النووي، وولي قضاء حمص، ثم أطرابلس، ثم حلب، ثم صرف. ودرس بالشامية الكبرى عوضا عن ابن جملة. وكان أحد أوعية العلم. ودرس بعده بالشامية شيخ الإسلام السبكي.

سنة ست وأربعين وسبعمائة

وفي ليلة الخميس رابع ربيع الآخر مات المولى السلطان الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحي، واستقر أخوه الملك الكامل شعبان فكانت أيام الصالح ثلاث سنين وثلاثة أشهر. ولما ملك الملك الكامل شرع في تفريق كبار الأمراء، فجهز الأمير سيف الدين آل ملك إلى صفد، بعد نيابة مصر. وسيف الدين قماري إلى طرابلس. وسيف الدين طقزتمر إلى مصر، بعد نيابة دمشق والحاج أرقطاي إلى حلب. وسيف الدين يلبغا اليحياوي إلى دمشق، بعد نيابة حلب. وسيف الدين آق سنقر إلى مصر، بعد نيابة طرابلس. وسنجر الأمير حسام الدين طرنطاي البجمقدار إلى دمشق، بعد حجوبية مصر. وسيف الدين طقتمر الخليلي إلى نيابة حمص، بعد حجوبية دمشق. وسيف الدين أياز إلى غزة، بعد نيابة جعبر. فقدم الأمير سيف الدين يلبغا إلى دمشق على نيابتها بكرة يوم السبت ثالث عشر جمادى الأولى. وفيه عزل الصاحب تقي الدين بن مراجيل عن نظر الدواوين بدمشق. وولي الصاحب بهاء الدين بن سكرة الحلبي.

وفي منتصف الشهر مات شيخنا الرئيس الإمام عز الدين محمد بن أحمد بن المنجا التنوخي الحنبلي محتسب دمشق، وناظر الجامع. حضر زينب بنت مكي. وكان رجلا خيرا دمث الأخلاق، ذا شارة وبزة حسنة، وسيما، مجتهدا في لف العمامة. ودرس بعده بالحنبلية عز الدين حمزة ابن شيخ السلامية.

وولي الحسبة عماد الدين بن الشيرازي.

ومات بأطرابلس قاضيها، كان، العلامة حسام الدين حسن بن رمضان القرمي مدرس الناصرية بالجبل. تفقه للشافعي، وبرع في علم الحديث، وصنف وأفاد. وكان أحد الأئمة. ودرس بعده بالناصرية شيخنا نجم الدين بن قوام.

وفي غرة جمادى الآخرة مات بالقاهرة الأمير سيف الدين طقزتمر. نائب الشام كان.

وفي ثاني عشره، مات القاضي الإمام علاء الدين علي بن محمد بن محمد بن أبي العز الحنفي خطيب جامع الأفرم، ونائب الحكم عن القاضي عماد الدين الطرسوسي. وولي بعده نيابة الحكم شيخنا الإمام شرف الدين الكفري.

وفيه مات بحمص نائبها الأمير سيف الدين طقتمر الخليلي صاحب المدرسة الخليلية بدمشق. ونقل إلى دمشق في تابوت، ودفن بالقبيبات.

ومات الأمير سيف الدين أياز الساقي نائب غزة بها.

وفي رجب مات شيخنا الإمام القدوة الزاهد نجم الدين أبو بكر بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن قوام البالسي ثم الدمشقي الشافعي، ودفن بزاوية جده بقاسيون. درس بالناصرية بالجبل، وثنا عن عمر بن القواس وغيره.

ومات بطيبة المشرفة المحدث المفيد الزاهد، نور الدين علي بن محمد بن أبي القاسم فرحون بن محمد بن فرحون في رجب.

وفي سابع عشر منه مات بدمشق القاضي الرئيس النبيل، بدر الدين محمد بن القاضي محيي الدين يحيى بن فضل الله العمري العدوي صاحب ديوان الإنشاء بدمشق. وولي بعده القاضي تاج الدين بن الزين خضر.

وفي عاشر شعبان مات الصاحب بهاء الدين أبو بكر بن موسى بن سكرة الحلبي ناظر الدواوين بالشام. وولي بعده الصاحب علاء الدين بن الحراني.

وفي ذي القعدة مات بدمشق الأمير علاء الدين علي بن معبد البعلبكي، ودفن إلى جانب والده داخل دمشق بتربة أنشأها له وجعلها دار قرآن.

وفي ذي الحجة مات الأمير الكبير جنكلي بن محمد بن البابا بمصر.

والأمير سيف الدين قماري نائب طرابلس بها.

والأمير سيف الدين آل ملك نائب صفد بها.

والأمير سيف الدين ألمش الحاجب كان بدمشق، توفي ببانياس، ونقل في محفة فدفن بالقبيبات.

سنة سبع وأربعين وسبعمائة

في جمادى الأولى منها خرج نائب دمشق الأمير سيف الدين يلبغا ومعه الأمراء فنزلوا بميدان الحصا، وكتب إلى النواب بحلب وحماة وحمص وطرابلس، وغيرها بما فعله، فأجابوه إلى ذلك، سوى نائب حلب، وقدموا عليه في جملة من عساكرهم فحلفوا له مع أمراء دمشق وأقاموا معه. فلما بلغ أهل مصر ما فعله أهل الشام انتحوا لأنفسهم، وانعزلوا عن السلطان الملك الكامل ولاموه فيما فعله بكبار الأمراء، فحلف ألا يعود، فلم يطمئنوا إليه واجتمعوا بالخليفة الحاكم والقضاة، وأبدوا لهم ما فعله السلطان بالأمراء من سفك دمائهم وتشتيتهم عن أوطانهم، فاتفقوا على خلعه، فخلعوه واعتقلوه هو وجماعة من بطانته، فكانت دولته أربعة عشر شهرا. وتملك بعده أخوه الملك المظفر حاجي ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون في مستهل جمادى الآخرة.

وقدم الأمير بيغرا إلى دمشق بالبشارة بذلك فرجعت العساكر، ودخل نائب الشام في عسكر عظيم، حوله نواب السلطنة بحماة، وحمص، وأطرابلس، وصفد، وعسكر دمشق. واستقبلهم الناس بالشمع، وامتدحهم الشعراء، وبين أيديهم الأسد، وكان يوما مشهودا، ثم خنق الكامل في اليوم الثالث من خلعه.

وفي هذا العام أنشئ الجامع السيفي يلبغا بدمشق.

وفي ربيع الآخر مات القاضي تاج الدين محمد بن الزين خضر المصري صاحب ديوان الإنشاء بالشام. وولي بعده القاضي الإمام ناصر الدين محمد بن الصاحب شرف الدين يعقوب الحلبي فقدم إلى دمشق من حلب في ثاني عشر جمادى الأولى.

وفي هذا الشهر مات ببعلبك شيخنا الإمام القدوة محيي الدين عبد القادر ابن الإمام الحافظ شرف الدين أبي الحسين علي بن محمد بن اليونيني شيخ بلد بعلبك. حدث عن الفخر وطائفة.

وفي رجب مات بأطرابلس قاضيها الإمام شهاب الدين أحمد بن شرف بن منصور الزرعي الشافعي. وكان عمل نيابة الحكم بدمشق.

وفي شعبان مات بدمشق شيخنا القاضي الإمام العالم الرئيس الكامل تقي الدين أبو محمد عبد الكريم ابن قاضي القضاة محيي الدين أبي الفضل يحيى ابن قاضي القضاة محيي الدين أبي المعالي محمد ابن قاضي القضاة زكي الدين أبي الحسن علي ابن قاضي القضاة منتخب الدين أبي المعالي محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز القرشي الأموي العثماني المصري، ثم الدمشقي الشافعي. ولد ليلة عرفة سنة أربع وستين وستمائة بالقاهرة، ثم قدم فتفقه بها، وسمع من ابن البخاري وغيره. وولي مشيخة الشيوخ، ودرس بأماكن، وكان رجلا ساكنا، عاقلا، مهيبا، وقورا، ذا غور ودهاء. وفيه مكارم وإفضال، رحمه الله.

ومات السيد الشريف النقيب علاء الدين علي ابن السيد النقيب زين الدين الحسين بن محمد بن عدنان الحسيني نقيب العلويين بدمشق. ولد في مستهل سنة خمس وثمانين. وسمع من ابن البخاري. وباشر المواريث، ثم نقابة السادة. وتوفي في شعبان. وولي بعده السيد زين الدين الحسين ابن عمه.

ومات الشيخ الصالح الزاهد أبو عبد الله محمد بن موسى بن محمد بن حسين القرشي الصوفي الصالحي، أحد مشايخها الزهاد. ولد سنة ست وستين. وسمع الشيخ شمس الدين، وابن البخاري وغيرهما. وتوفي في رمضان ودفن بزاوية جده بقاسيون.

ومات شيخنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن غنايم ابن المهندس الحنفي. سمع الفخر وابن شيبان وخلقا، باعتناء أخيه المحدث شمس الدين. وولي مشيخة الكاملية بالجبل بعد أخيه. توفي في شوال.

وفيه ماتت المعمرة الصالحة العابدة أم إبراهيم فاطمة بنت الخطيب عز الدين إبراهيم بن عبد الله ابن أبي عمر المقدسية الصالحية، خاتمة أصحاب إبراهيم بن خليل، وآخر من حدث بالإجازة عن محمد بن عبد القادر وابن السروري وابن عوة وخطيب مردا. توفيت في شوال عن أزيد من ثلاث وتسعين سنة.

ومات شيخنا المعمر الثقة زين الدين أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الحليم ابن عبد السلام بن تيمية الحراني، ثم الدمشقي الحنبلي، أخو شيخ الإسلام تقي الدين. ولد بحران سنة ثلاث وستين، وسمع من ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر، وابن عبد، والشيخ شمس الدين، وخلقا. توفي في ذي القعدة.

ومات بقطنا الزاهد القدوة الشيخ علي بن عبد الله القطناني. وكان له أحوال وكشف وكرم.

وفي شوال صرف الصاحب علاء الدين الحراني ناظر الدواوين بالشام، وولي الصاحب تقي الدين بن هلال.

سنة ثمان وأربعين وسبعمائة

وفي جمادى الأولى جاء الخبر إلى دمشق بمسك جماعة من كبار أمراء مصر، منهم آق سنقر والحجازي وبيدمر البدري، وغيرهم تتمة ستة. فجمع نائب الشام الأمير سيف الدين يلبغا الأمراء بعد الموكب واستشارهم فيما يصنع، فاختلفوا عليه. فكاتب إلى النواب في البلاد الشامية، فأجابه بالطاعة نائب حلب أرغون شاه، فتحول نائب دمشق بأهله وخزانته إلى القصر الظاهري، فأقام به أياما، فقدم عليه أمر السلطان يعلمه أنه قد كتب تقليد أرغون شاه نائب حلب بنيابة دمشق، ويأمره بالشخوص إلى القاهرة، فانتهر الرسول ورده بغير جواب. فلما كان من الغد وهو يوم الخميس منتصف الشهر خرج بجميع أهله وغلمانه ودوابه وحواصله إلى خارج البلد عند قبته المعروفة به اليوم، وخرج معه أبوه وإخوته وجماعة من الأمراء، منهم: قلاوون، وسيفاه فيمن أطاعهم، فباتوا ليلتئذ بأرض القبيبات، فلما كان من الغد يوم الجمعة نودي في البلد؛ من تأخر من الأمراء والجند عن الوطاق شنق على باب داره، فتأهب الناس للخروج، وطلع الأمراء فاجتمعوا إلى السنجق السلطاني تحت القلعة، فلما تكاملوا ساروا نحوه بعد صلاة الجمعة ليمسكوه، فجهز ثقله وزاده، وما خف عليه من أمواله، ثم ركب بمن أطاعه، ووافاه الجيش عند ركوبه وهابوا أن يبدأوه بالشر فتقدمهم وساقوا وراءه. وأما أهل القبيبات وعوام الناس والأجناد البطالة فنهبوا خامه، وكانت قيمته ما يزيد على مائة درهم، فقطعوه ونهبوا مطبخه وما قدروا عليه من الشعير، والجمال، والمتاع. وأما العسكر فساقوا خلفه وتتابعت عليه الجيوش وأحاطت به العرب من كل جانب فألجئوه إلى واد بين حماة وحمص. فدخل إلى نائب حماة بعد أن قاسى من الشدائد ما قاسى، فاستجار به فأجاره وأنزله وأكرمه، وكتب إلى السلطان الملك المظفر يعلمه بذلك، فجاءه الجواب بمسكه فقبض عليه نائب حماة، وقيده وأرسل به محتفظا عليه، فلما وصل إلى قاقون جاءه أمر الله فخنق هناك، واحتزوا رأسه ومضوا به إلى القاهرة. ثم قدم إلى دمشق شيخنا الأمير نجم الدين بن الزيبق، صحبة الصاحب علاء الدين الحراني للحوطة على أموال يلبغا ومن تبعه من الأمراء.

ومات الأمير سيف الدين قلاوون الناصري في هذه الأيام بحمص.

وفي جمادى الأولى عزل الصاحب تقي الدين بن هلال من نظر الدواوين في الشام، ثم مات في رجب. وولي بعده الصاحب شمس الدين موسى بن عبد الوهاب القبطي، ثم عزل في ذي الحجة منها بالصاحب جلال الدين بن الأجل، ثم أعيد في صفر من العام الآتي.

وفي ثامن عشر جمادى الآخرة قدم الأمير سيف الدين أرغون شاه من حلب على نيابة دمشق.

ومات قاضي القضاة وشيخ الشيوخ شرف الدين أبو عبد الله محمد ابن قاضي القضاة معين الدين أبي بكر بن ظافر الهمذاني النويري المالكي في ثاني المحرم عن بضع وثمانين سنة. وولي بعده قضاء المالكية نائبه الإمام جمال الدين محمد بن عبد الرحيم المسلاتي.

ومشيخة الشيوخ شيخنا علاء الدين علي بن محمود القونوي الحنفي الصوفي.

ومات المعمر الصالح أبو محمد عبد الرحمن بن الفقيه أحمد بن محمد بن محمود المرداوي ثم الدمشقي الصالحي ابن قيم الصاحبة. ولد سنة ستين وستمائة. حدث عن ابن عبد الدايم، وعبد الوهاب المقدسي، توفي في المحرم.

ومات شيخنا تقي الدين أحمد بن الصلاح محمد بن أحمد بن بدر بن تبع البعلي ثم الدمشقي الشافعي. ولد في المحرم سنة أربع وثمانين. وسمع من ابن البخاري وطائفة. وأسره التتار عام غازان، ثم خلصه الله من أيديهم. وكان رجلا صالحا لطيفا خفيف الروح، صاحب ملح ونوادر. وكان يتكلم بعدة ألسنة.

ومات بالقدس شيخنا الإمام علاء الدين أبو الحسن علي بن أيوب بن منصور أحد فقهاء الشافعية، ومدرس الصلاحية عن بضع وثمانين سنة. حدث عن البخاري وغيره. وبرع في الفقه واللغة والعربية، وعني بالحديث. وتفقه بالشيخ تاج الدين. ودرس، وأفتى، وناظر، وأفاد، وسمع الكتب الكبار المطولة. وكان يكتب اسمه في الطباق عليان. اختلط قبل موته بمدة. توفي في منتصف رمضان.

ومات بدمشق شيخنا الأمير نجم الدين داوود بن أبي بكر بن محمد البعلي، ثم الدمشقي المعروف بابن الزيبق.

حدث عن ابن جوشكين، والتاج عبد الخالق، وبنت كندي. وكان رجلا شجاعا، حازما، عاقلا، سئوسا، مهيبا. تنقل في المباشرات بدمشق وغيرها. توفي في رجب.

وفيه مات الشيخ نجم الدين أبو الفتح أحمد ابن العلامة شمس الدين محمد ابن أبي الفتح البعلي ثم الدمشقي. حدث عن ابن البخاري وطائفة، وكان مغفلا.

ومات بدمشق في شعبان الأمير الكبير حسام الدين طرنطاي بن عبد الله البجمقدار الناصري، أحد أمراء الألوف بدمشق عن سن عالية. حدث عن عيسى المطعم، وأبي بكر بن عبد الدايم، وابن الشحنة. وولي حجوبية مصر والشام. وكان ذا حزم وخبرة، رحمه الله.

ومات بالصالحية الشيخ الإمام العالم الزاهد الورع الناسك، عز الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي الصالحي الحنبلي، عن خمس وثمانين سنة. حدث بصحيح مسلم عن ابن عبد الدايم حضورا، وسمع من الشيخ شمس الدين وطائفة. وخطب بالجامع المظفري. ودرس بأماكن. وكان رحمه الله على سمت السلف هديا ودلا، مواظبا على تشييع الجنائز وتلقين الموتى، طلق الوجه، حسن البشر، مهيبا، وقورا، أمارا بالمعروف، توفي في رمضان.

وفي رمضان قتل السلطان الملك المظفر حاجي بن محمد بن قلاوون الناصري. وولي بعده أخوه الملك الناصر حسن بن محمد، وكانت دولة المظفر خمسة عشر شهرا.

وفي ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة مات شيخنا الحافظ الإمام العلامة مؤرخ الشام ومحدثه ومفيده، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني الفارقي الأصل، الدمشقي المعروف بالذهبي الشافعي، مصنف كتاب الأصل، وصاحب كتاب تاريخ الإسلام، وسير النبلاء، والميزان، وغير ذلك. ولد سنة ثلاث وسبعين، وسمع الحديث في سنة اثنتين وتسعين وهلم جرا. فحدث عن عمر بن القواس والشرف بن عساكر والأبرقوهي وخلق. وشيوخه في معجمه الكبير نحو ألف وثلاثمائة بالسماع والإجازة. وأجاز له خلق من أصحاب ابن طبرزد وحنبل والكندي وابن الحرستاني. وخرج لجماعة من شيوخه. وجرح وعدل، وفرع وأصل، وصحح وعلل، واستدرك وأفاد، وانتقى واختصر كثيرا من تواليف المتقدمين والمتأخرين، وصنف الكتب المفيدة السائرة في الآفاق، وخطب بكفر بطنا مدة. ثم ولي مشيخة الحديث بأماكن، ولم يزل يكتب ويدأب حتى أضر في سنة إحدى وأربعين. توفي في هذا العام رحمه الله.

ومات في ذي الحجة بالمزة الإمام العلامة قاضي القضاة عماد الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المنعم الطرسوسي الحنفي. حدث عن ابن البخاري وغيره. وولى قضاء الحنفية بدمشق في سنة سبع وعشرين بعد القاضي صدر الدين البصراوي، فشكرت سيرته وأحكامه. وكان رجلا جليلا، مهيبا، وقورا، كثير التلاوة، متعبدا. وولي بعده ابنه نجم الدين إبراهيم.

سنة تسع وأربعين وسبعمائة

وفي أولها اشتهر أن السلطان الشيخ حسن الكبير حاكم بغداد وَجد دفينا في بعض خرائب دور الخلافة ببغداد مقدار عشرة قناطير ذهب في خوابي نحاس مسلسلة، وأنه أبطل بسبب ذلك مظالم ومكوس.

وفي أواخر صفر من هذا العام، كان الطاعون العام بأقطار البلدان، وامتد إلى أواخر المحرم من العام المقبل، فقيل: مات بالقاهرة ومصر في اليوم الواحد نحو أحد عشر ألف نفس. وأما دمشق فأكثر ما ضبط في اليوم أربعمائة نفس.

فممن مات من المشهورين بالقاهرة ومصر

العلامة شمس الدين محمد ابن أحمد بن لاحق المعروف بابن عدلان، عن بضع وثمانين سنة. درس بأماكن، وناب في الحكم عن الإمام تقي الدين بن دقيق العيد قبل السبعمائة، وتخرج به أئمة.

والإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد المؤمن بن اللبان الإسعردي مدرس قبة الإمام الشافعي.

والإمام الأصولي شمس الدين محمود بن عبد الرحمن بن أحمد الأصبهاني الحافظ.

والحافظ شهاب الدين أحمد بن أيبك بن عبد الله الدمياطي.

والمحدث المفيد شرف الدين صالح بن عبد الله القيمري.

وقاضي الإسكندرية الإمام جمال الدين محمد بن محمد بن سبط القيسي. وابنه القاضي جمال الدين.

وبحلب شيخنا الفقيه العلامة جمال الدين يوسف بن مظفر بن عمر بن الوردي.

وزاهدها الشيخ علي بن محمد بن نبهان. الرقي الأصل الجبريني.

وقاضيها شيخنا الإمام نور الدين محمد بن محمد بن محمد بن عبد القادر، ابن الصايغ الشافعي.

وبدمشق القاضي الإمام عز الدين محمد بن عيسى ابن الأقصرائي الحنفي نائب الحكم.

وشيخنا شمس الدين محمد بن الصلاح الشهرزوري مدرس القيمرية.

وخطيب دمشق البليغ تاج الدين عبد الرحيم ابن القاضي جلال الدين محمد القزويني. وولي بعده الخطيب جمال الدين محمود بن جملة.

والحاكم العادل زين الدين عمر بن سعد الله بن النجيح الحراني ثم الدمشقي الحنبلي. حدث عن التقي بن الواسطي، وابن البخاري وطائفة.

وأخوه السيف أبو بكر. حدث عن الفخر وجماعة.

وشمس الدين محمد بن عبد الهادي المقدسي محدث الصالحية. حدث عن الفخر وغيره.

والمعمر بهاء الدين علي بن العز عمر بن أحمد بن عمر الشروطي عن تسع وثمانين سنة. حدث بصحيح مسلم عن ابن عبد الدايم. وخرجت له عوالي، توفي في المحرم.

وفخر الدين عثمان بن عمر بن عثمان بن الحرستاني المؤذن، عن اثنتين وثمانين سنة. حدث عن ابن البخاري، وابن المجاور. توفي في ربيع الأول.

والعدل بهاء الدين محمد بن الإمام شمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلي ثم الدمشقي الحنبلي. حضر عمر بن القواس، وسمع من طائفة. وولي العقود، ومشيخة الأسدية.

وأمه سكينة بنت الحافظ شرف الدين اليونيني. حدثت عن أبيها، والقاضي تاج الدين عبد الخالق، والثقة شهاب الدين محمد بن أحمد بن هارون الساوجي الصوفي، عن نحو سبعين سنة. حدث بالترمذي عن ابن البخاري. وولي مشيخة خانقاه القصاعين.

والرئيس النبيل، عماد الدين محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن هبة الله بن محمد بن يحيى أبو المعالي ابن الشيرازي الدمشقي، عن بضع وستين سنة. حدث عن ابن البخاري حضورا، وعن الأبرقوهي. وولي نظر الجامع والحسبة مرات. وكان فيه شهامة توفي في شعبان.

وشيخ الشيوخ علاء الدين أبو الحسن علي بن محمود بن حميد بن مؤمن القونوي ثم الدمشقي الحنفي مدرس القليجية.

والقاضي الإمام العلامة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن فضل الله العمري، صاحب ديوان الإنشاء بالشام كان. وصاحب كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، في عدة أسفار. ولد في شوال سنة سبعمائة، وتوفي يوم عرفة، أجاز له الأبرقوهي.

وشيخنا زين الدين عبد الرحمن بن حافظ الآفاق جمال الدين أبي الحجاج يوسف بن الزكي المزي، عن إحدى وستين سنة. حدث عن ابن البخاري وخلق. وتوفي في جمادى الأولى.

والإمام صدر الدين سليمان بن عبد الحكيم المالكي شيخهم، ومدرس الشرابيشية، وشيخ التنكزية بعد الذهبي.

والإمام العلامة نور الدين فرج الأردبيلي الشافعي، مدرس الناصرية والجاروخية، وشارح منهاجي البيضاوي والنووي.

والصدر النبيل شمس الدين محمد بن أحمد بن محمد بن أبي العز الحراني ثم الدمشقي المعروف بابن الصباب. ولد سنة أربع وسبعين وستمائة، وسمع من الشيخ شمس الدين وابن البخاري. وهو واقف المدرسة الصبابية بدمشق.

والتاجر الكبير شمس الدين أفريدون العجمي واقف المدرسة المليحة الأفريدونية خارج باب الجابية.

والحافظ المفيد شرف الدين عبد الله بن محمد بن إبراهيم الواني الحنفي مدرس العلمية.

والحافظ نجم الدين سعيد بن عبد الله الدهلي البغدادي.

وشهاب الدين أحمد بن علي بن سعيد السيواني الصوفي.

وأحمد بن عيسى الكركي.

وشمس الدين محمد بن حسن ابن النقيب الحربي التميمي.

والحافظ شهاب الدين أبو الفتح أحمد بن شيخنا المحب عبد الله بن أحمد ابن المحب المقدسي. حدث عن عيسى المطعم وغيره.

وعمه الصالح أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن المحب.

وناصر الدين محمد بن طولبغا السيفي.

ومحمد بن عبيد البالسي المحدث. وأمم لا يحصيهم إلا الله تعالى.

سنة خمسين وسبعمائة

وفي ربيع الأول قدم الأمير سيف الدين ألجي بغا المظفري نائب طرابلس إلى دمشق مختفيا في جماعة من أصحابه، فنزل ليلا على الأمير فخر الدين إياس الذي كان نائب حلب، وكان نائب دمشق الأمير سيف الدين أرغون شاه تلك الليلة بالقصر الظاهري، فتلطف ألجي بغا وإياس بالبوابين ففتحوا ودخلوا إلى باب القصر فطرقوه بزعجة، فخرج أرغون شاه مسرعا، فقبضوه وسحبوه إلى خارج القصر عند المنيبع، فذبحوه وأمسكوا السكين بيده، وأحضروا من ليلتهم القاضي جمال الدين إبراهيم الحسباني والشهود وسألوهم هل تعرفون هذا؟ فأنكره القاضي والشهود، فعرفوهم به وراودوهم أن يعملوا محضرا أنهم وجدوه مذبوحا وبيده السكين، يعنون أنه ذبح نفسه، فامتنع القاضي والشهود وأدركهم الصبح، فظهر ألجي بغا وإياس، ونصبوا الخيام بالميدان الكبير، وأخرجوا كتابا مفتعلا على السلطان أنه أمرهم بما فعلوا، وجلس ألجي بغا والموقعون في الميدان فحكم ذلك اليوم، وعلم على المراسيم كعادة النواب، فلما كان في اليوم الثاني، أراد الخروج والعود إلى طرابلس، فخرج ذوو الرأي من الأمراء مثل ألجي بغا العادلي، وبدر الدين بن خطير في آخرين وهم ملبسون، وأرادوا منعه من الخروج من دمشق حتى يكاتبوا إلى مصر ويستصحوا الخبر، فانتدب لهم ألجي بغا الخارجي بمن معه بالسيوف، فتأخر عنه الأمراء وخافوا الفتنة، لكن قطعت يد ألجي بغا العادلي، وخرج ألجي بغا المظفري على حمية حتى قدم طرابلس، وبلغ ذلك السلطان فأنكر على أمراء الشام بسبب ذلك، وأرسل يطلب ألجي بغا المظفري، فخرج من طرابلس وشق العصا، فركب العسكر في طلبه، وتوجه إليه جماعة من عسكر دمشق وضايقوه في البرية حتى قبضوه وحضروا به إلى دمشق، وحبسوه وإياس بالقلعة، فورد المرسوم بقتلهما وإشهارهما، فقتلا في حادي عشرين ربيع الآخر، وعلقا تحت القلعة نصفين.

وولي نيابة دمشق الأمير سيف الدين أيتمش الناصري فقدمها في جمادى الآخرة، وكان لين الجانب.

وفيها مات المعمر الصالح الزاهد شمس الدين محمد بن عبد الحليم الرقي الحنفي النقيب عن نحو تسعين سنة. حدث عن أبي بكر بن البشتي وغيره. وكان من عباد الله الخاشعين.

وماتت المعمرة أمة العزيز زينب بنت المحدث نجم الدين إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز في المحرم أو في آخر ذي الحجة من العام الماضي. حدثت عن ابن عبد الدايم وخلق. جاوزت التسعين.

ومات قاضي القضاة علاء الدين أبو الحسن علي بن العلامة زين الدين المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الدمشقي الحنبلي. ولد سنة سبع وسبعين وسمع أباه، وابن البخاري، وابن شيبان وطائفة استوعبهم ابن سعد في معجم خرجه له. وتفقه بأبيه وغيره، وأفتى ودرس. وولي قضاء الحنابلة بعد ابن الحافظ فشكرت سيرته. وكان رجلا وافر العقل، حسن الخلق، كثير التودد. توفي في ثامن شعبان. وولي بعده القاضي جمال الدين المرداوي.

سنة إحدى وخمسين وسبعمائة

فيها مات الشيخ الإمام العلامة ذو الفنون شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي الحنبلي المشهور بابن قيم الجوزية. تفقه بشيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية، وكان من عيون أصحابه. وأفتى ودرس وناظر وصنف وأفاد. وحدث عن شيخه التعبير وغيره. ومصنفاته سائرة مشهورة. توفي في رجب.

ومات شيخنا العلم المسند سليمان بن عسكر الخواصي ثم الدمشقي المؤذن. حدث عن عمر بن القواس، والشرف بن عساكر، وجماعة. وحج كثيرا بوظيفة أذان الركب. وكان ينشد في التهاني والتعازي بما يناسب ذلك. وقد رأيت النبي في المنام سنة خمس وخمسين وشيخنا هذا واقف بين يديه يقرأ: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} الآية.

ومات القاضي تقي الدين عبد الله ابن العلامة أقضى القضاة زين الدين ابن المرحل الشافعي. درس بالعذراوية بعد أبيه وخطب بالشامية. توفي بحلب.

ومات بأطرابلس الرئيس الكبير النبيل فخر الدين بن الحريري ناظر الجيش بها.

ومات بدمشق في شعبان شيخنا الإمام الثقة الكبير المعمر شمس الدين أبو المظفر يوسف بن يحيى بن عبد الرحمن بن نجم بن الحنبلي الشيرازي الأصل الصالحي الحنبلي. حدث عن أبيه، والشيخ شمس الدين وطائفة. ودرس بمدرسة الصاحبة بالجبل، ولد سنة خمس وستين. وكان عبدا صالحا.

ومات بدمشق الإمام العلامة مفتي الشام فخر الدين محمد بن علي المصري الأصل الدمشقي الشافعي، كهلا، حدث عن ابن الجرائدي، وبنت شكر وجماعة. وناب في الحكم عن القاضي جلال الدين القزويني. وأفتى ودرس بالرواحية والدولعية وغيرهما. وكان يلقي دروسا حافلة، ويورد في دروسه من الأحاديث الطوال حفظا سردا من غير توقف. وكان كثير التلاوة، مغترا بالتجارة رحمه الله.

سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة

اتفق المصريون على خلع السلطان الملك الناصر حسن، فخلعوه في رجب. وأقاموا أخاه الملك الصالح صالح. وكان الناصر حسن قد أقام الأمير سيف الدين منجك وزيرا، وبيبغاروس نائبا بالقاهرة، ومغلطاي البوري رأس نوبة. وكان إليهم الحل والعقد، فلما حج بيبغا في العام الماضي توهم الأمراء أنه حج لأمر يريده، فأردفوه بالأمير طاز، فلما قضوا أمر الحج قبض طاز على بيبغا واحتفظ عليه، فقدم به، وبالملك المجاهد صاحب اليمن، وبرميثة صاحب مكة، وبطفيل صاحب المدينة، فهؤلاء أربعة ملوك قدم بهم طاز حتى وطئوا بساط السلطان الملك الناصر، فأنعم على صاحب اليمن ومن معه، وعظم أمر طاز عند الأمراء، فأرادوا إنشاء دولة من جهتهم، فخلعوا الناصر واعتقلوه فكانت دولته نحوا من ثلاث سنين وتسعة أشهر، وسلطنوا الملك الصالح، وقام بتدبير الملك: شيخو، وطاز، وصرغتمش، ولم يكن بهم بأس، فاعتقلوا الوزير منجك، ومغلطاي رأس نوبة، وعزلوا أيتمش من نيابة دمشق في آخر رجب وأحضروه إلى مصر، وأخرجوا بيبغاروس من القاهرة على نيابة حلب في أوائل شعبان.

وولي أرغون الكاملي نيابة دمشق فدخلها من حلب في حادي عشر شعبان.

وفيها مات شيخنا الزاهد عماد الدين أحمد بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي والد الحافظ شمس الدين. حدثنا عن الشيخ، والفخر.

ومات المولى الصاحب الأثير علاء الدين علي بن الحراني بالقدس في رمضان، ولي نظر الشام مرات، وكان عفيفا، دينا، متصونا، مطرح التكلف. انقطع بآخره بالقدس والرملة حتى مات، رحمه الله.

ومات شيخنا الإمام العلامة قاضي القضاة، ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة كمال الدين عمر بن قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز العقيلي الحلبي الحنفي المعروف بابن العديم. ولد سنة تسع وثمانين. وحدث عن الأبرقوهي. وولي قضاء حلب بعد أبيه. توفي بحلب في شعبان.

وفي غرة ذي الحجة مات شيخنا الأمير السيد الشريف علاء الدين علي بن الخطيب شرف الدين أحمد بن محمد بن علي العباسي، أحد أمراء العشرات بدمشق. ولد بشيزر إذ كان أبوه خطيبها، في سنة إحدى وثمانين، وأحضر على شامية بنت البكري، ثم قدم دمشق، وولي القدس، ثم استادارية تنكز نائب الشام. ثم ولي شاد الأوقاف وكان شكلا حسنا، مهيبا، خليقا للإمارة. حدثنا عن شامية.

وماتت أخته الشريفة ست الفقهاء بعده بثمانية أيام. روت عن شامية أيضا.

ومات المقرئ المجيد شمس الدين محمد بن شيخنا سعيد بن فلاح بن أبي الوحش النابلسي الأصل، الدمشقي، رئيس المؤذنين بالجامع الأموي. توفي بدرب الحجاج، وصار قبره منزلة للحاج معروفة.

ومات شيخنا المعمر الثقة أبو سليمان داوود ابن إبراهيم بن داوود بن العطار الدمشقي الشافعي. ولد في شوال سنة خمس وستين، وتفقه، وجود الخط، وحدث عن الشيخ شمس الدين، وابن أبي الخير، وابن علان وطائفة. وأجاز له شيخ الإسلام محيي الدين النووي، وابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر، وآخرون. ولي مشيخة القليجية بعد أخيه الشيخ علاء الدين، توفي في جمادى الآخرة.

سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة

وفي رجب خرج بيبغاروس من حلب إلى دمشق ومعه نائب طرابلس، ونائب حماة، ونائب الرحبة، واجتمع معهم طوائف التركمان، وغيرهم، فنزلوا ظاهر دمشق بميدان الحصا، ومعهم نائب صفد الأمير أحمد مشد الشربخاناه، فغلقت أبواب البلد دونهم. وكان نائب الشام أرغون الكاملي، لما بلغه أن بيبغا نائب حلب قد حشد وجمع وعزم على القدوم إلى دمشق، نادى في الناس بالاحتراز على أنفسهم وأموالهم، وحصن أهله وأمواله بالقلعة، وخرج بالعسكر حتى نزلوا بالرملة، وغالبهم ليس معه زاد. فلما قدم بيبغا دمشق بمن معه فتح حواصل نائب الشام أرغون من الغلال وغيرها واستخدم في الجهات السلطانية، وعاث من معه في أرض الغوطة بالنهب والفسق، فلما تحققوا خروج السلطان بالعساكر من أجلهم كروا راجعين إلى جهة حلب، وقدم السلطان الملك الصالح، والخليفة المعتضد، والوزير العلم بن زنبور، وعسكر مصر والشام من الرملة إلى دمشق، فدخلوها في أواخر شعبان، ومضى الأمير سيف الدين شيخو وجماعة من الأمراء إلى حلب، فأحضروا النواب الذين كانوا مع بيبغا إلى دمشق، فقتلوا صبرا، وتغيب بيبغا فلم يقدر عليه، واستكمل المصريون صيام شهر رمضان بدمشق، وخرجوا في ثالث شوال إلى القاهرة.

وفي هذا العام مات الخليفة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن أبي علي بن علي بن المسترشد بالله العباسي. توفي بالقاهرة، وبويع لأخيه المعتضد بالله أبي الفتح أبي بكر بعهد من أخيه.

وفيه مات جماعة بالطاعون بالشام وغيرها.

ومات الشيخ الزاهد أبو سلطان بالمزة. كان فقيرا حسنا، صاحب حال وكشف، وله أتباع ومريدون.

ومات بدمشق القاضي الرئيس النبيل شهاب الدين يحيى بن إسماعيل بن القيسراني الخالدي المخزومي، من بيت الحديث والرواية. ولي كتابة السر بدمشق في الدولة الناصرية.

ومات الإمام العالم بهاء الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن سعيد الأنصاري الدمشقي الشافعي المعروف بابن إمام المشهد. تفقه، وبرع، وطلب الحديث بنفسه، وأسمع أولاده. وحدث عن السخاوي وغيره. ودرس بالأمينية قديما، وبغيرها. وأفتى وناظر، وولي حسبة دمشق، وخطب بجامع التوبة. وتوفي بدمشق في رمضان كهلا.

ومات في شوال القاضي شمس الدين محمد بن سليمان بن أحمد القفصي نائب الحكم المالكي. وولي بعده شهاب الدين أحمد بن البيع الإسكندري.

وفي ذي الحجة مات شيخنا المعمر شهاب الدين أحمد بن المحدث عماد الدين إبراهيم بن الكيال الحنفي الكاتب، عن سن عالية. حدث عن الشيخ، والفخر.

وفي هذا الشهر قدم الأمير علاء الدين المارداني من القاهرة إلى دمشق على نيابتها عوضا عن أرغون الكاملي، فدخلها في حاشية. واستقر أرغون على نيابة حلب.

سنة أربع وخمسين وسبعمائة

في المحرم توجه الأمير عز الدين طقطاي الدوادار إلى حلب، فأخذ أرغون نائبها وساروا نحو بيبغاروس إلى أرض الروم فأمكنهم الله منه، فأمسكوه ورجعوا به إلى حلب فقتلوه، واحتمل رأسه إلى القاهرة، وأراح الله العباد منه.

ومات في ربيع الآخر الأمير الكبير المعمر سيف الدين ألجي بغا العادلي، توفي بدمشق.

ومات الأمير الكبير أتابك الجيوش بدر الدين مسعود بن الأمير أوحد ابن مسعود بن خطير، أحد أمراء الألوف بدمشق. ولد سنة ثلاث وثمانين. وحدث عن الحافظ تقي الدين بن دقيق العيد بأربعينه، وولي حجوبية مصر، ثم نقل إلى دمشق، وولي نيابة طرابلس غير مرة. توفي بدمشق في سابع شوال، وخلف عدة أولاد أمراء.

ومات الشيخ المسند المعمر مسند الدنيا، صدر الدين أبو الفتح محمد ابن محمد بن إبراهيم بن أبي القاسم الميدومي المصري، خاتمة أصحاب النجيب عبد اللطيف توفي بالقاهرة عن تسعين سنة. خرجت له جزءا من عواليه، حدث به غير مرة.

ومات الوزير الصاحب الأمير علم الدين عبد الله بن زنبور القبطي. وكان قبض عليه في ذي القعدة من العام الماضي عند وصول السلطان إلى القاهرة، فصودر حتى هلك في هذا العام، واستصفيت حواصله. ووزر بعده الصاحب موفق الدين عبد الله القبطي وكان خيرا ممن تقدمه.

سنة خمس وخمسين وسبعمائة

وفي شهر رجب ألزمت الذمية بالعهد العمري، وأن تلبس نساؤهم الأزر الملونة، وأن لا يستخدموا. فأسلم منهم طائفة طوعا وكرها. وممن أسلم من المعروفين؛ علم الدين داوود الإسرائيلي كاتب الجيش، والرشيد بن حباشة الكركي المستوفي، والمعلم رزق الله صاحب الديوان.

وفي شوال خلع السلطان الملك الصالح، فكانت دولته نحو ثلاث سنين، وثلاثة أشهر. وأعيد الملك الناصر حسن؛ وذلك أن الصالح كان يحب الأمير طاز ويقدمه في المشورة، فلما طلع طاز إلى الصيد اغتنموا غيبته ووثبوا على الصالح فأخذوا سيفه وأخرجوا الناصر فأجلسوه على الكرسي، وحلفوا له. واعتقلوا الصالح مكانه فلما بلغ طاز الخبر حضر إلى القاهرة فرأى الأمور قد تغيرت فرسم له الناصر بنيابة حلب، فخرج بأهله وحواصله بعد فتنة جرت بينهم، فقدم إلى دمشق مجتازا إلى حلب في شوال، وطلب الأمير سيف الدين أرغون الكاملي نائب حلب إلى القاهرة، فاجتاز بدمشق في غرة ذي القعدة ومضى فاعتقل بالإسكندرية.

وولي الوزير منجك نيابة طرابلس فدخلها في شوال. وكان قدم من طرابلس إلى دمشق الأمير علاء الدين مغلطاي النوري، رأس نوبة فمات في اليوم الثالث.

ومات بعده بثمانية أيام بأطرابلس نائبها الذي كان نائب دمشق الأمير سيف الدين أيتمش الناصري.

وفي جمادى الأولى ضربت عنق الشيخ الضال حسين بن عبد الله الحلي بدمشق، وأحرق لسبه الصحابة وإعلانه بلعن الشيخين، وشهادته أنهما ظلما أهل البيت حقهم.

وفي شعبان، وسط بأطرابلس ناظر الجيش بها كريم الدين عبد الله القبطي، لما تكرر منه من الألفاظ المؤدية إلى الانحلال والتلاعب بدين الإسلام. ثم أحرق.

وفي ربيع الآخر مات الوزير موفق الدين عبد الله بن سعيد الدولة القبطي بالقاهرة.

ومات بطيبة المشرفة القاضي شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن فرحون.

وفي ثاني رمضان مات بدمشق القاضي الإمام جمال الدين أبو الطيب الحسين بن شيخ الإسلام قاضي القضاة تقي الدين أبي الحسن علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي، ولد سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة بالقاهرة، وسمع من يونس الدبابيسي وجماعة. وقدم دمشق مع والده، فناب عنه في الحكم، ودرس، وأفتى، وناظر، وكان من قضاة العدل رحمه الله.

ومات في ذي القعدة القاضي جمال الدين إبراهيم بن محمد بن يوسف الحسباني الشافعي، نائب الحكم، عن نيف وثمانين سنة. وأم بالناس عليه نائب دمشق الأمير علاء الدين المارداني.

ومات الصدر شرف الدين سليمان بن حسن بن أحمد بن عمرون البعلي ثم الدمشقي، عن نحو ثمانين سنة. ولد بحماة وسمع أبا الحسين اليونيني وغيره. وولي نظر طرابلس وغيره، وبعلبك وعدة قلاع، ثم انقطع إلى الشهادة، ثم اختلط في أوائل سنة أربع وخمسين. ومات في آخر جمادى الآخرة من هذا العام.

وفي هذا الشهر وقع شيخنا غازي بن عثمان بن غازي المادح من طاقة فمات. له نظم حسن، وحدث عن الشهاب القرافي.

ومات بعده بيوم شيخنا سابق الدين عثمان بن علي بن بشارة الشبلي الحنفي عن ثلاث وثمانين سنة. حدث عن ابن البخاري وغيره، وولي نظر خانقاه الشبلية. توفي في ثامن عشرين جمادى الآخرة.

ومات بالصالحية خطيبها البليغ نجم الدين أبو العباس أحمد بن قاضي القضاة عز الدين محمد بن قاضي القضاة تقي الدين سليمان بن حمزة المقدسي. سمع جده وكان من فرسان المنابر. توفي في رجب عن بضع وأربعين سنة. وقل من رأينا مثله في سمته.

ومات القاضي الإمام العالم المعمر شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الظاهري الدمشقي الشافعي في عشر الثمانين. تفقه، وأفتى، ودرس، وحكم بالركب غير مرة. وحدث عن الشرف بن عساكر، وجماعة. وحج بضعا وثلاثين حجة. وشد الرحل إلى المسجد الأقصى نحو ستين كرة. حدث عنه البرزالي والذهبي. وتوفي في شعبان.

ومات الإمام العلامة ذو الفنون فخر الدين أبو طالب أحمد بن علي ابن أحمد الهمداني الكوفي، ثم الدمشقي الحنفي، المعروف بابن الفصيح. ولد بالكوفة سنة ثمانين وستمائة. وسمع من الدواليبي وغيره. وتفقه وبرع. ثم قدم دمشق ودرس بالريحانية، وأفتى وناظر، وظهرت فضائله، وله النظم والنثر والمصنفات المفيدة. وكان رفيقي بالحج عام خمسين. وتوفي في شعبان من ذا العام. رحمه الله.

ومات بمصر المعمر تاج الدين فخر الذوات محمد ابن الزكي أبي بكر بن أبي البركات النعماني عن بضع وثمانين سنة. حدث عن العز الحراني وشامية وجماعة. وأجاز له يحيى بن الصيرفي، والشيخ محيي الدين النووي وطائفة. توفي في رمضان.

ومات المعمر مسعود بن عبد الرحمن بن صالح الجعبري عن نحو تسعين سنة. لبس الخرقة من الشيخ قطب الدين بن القسطلاني. وتوفي ببئر طي من الجيزة.

ومات بمكة عالمها الإمام شهاب الدين أحمد بن قاسم الحرازي. ولد سنة خمس وسبعين وسمع من الرضي الطبري، والتوزري، وجماعة باعتنائه. توفي في شوال.

ومات بالقاهرة الإمام قطب الدين أبو بكر بن عامر بن شيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد. حدث عن جده، وابن الصواف، وجماعة. وولي قضاء المحلة. ودرس بالمسرورية. وتوفي في صفر.

ومات بدمشق القاضي الرئيس الصدر النبيل شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن المسلم بن البارزي الحموي الشافعي، ناظر الأوقاف بدمشق، ولد في شوال سنة أربع وسبعين وستمائة، وتوفي في شوال من ذا العام. حدث بالغيلانيات عن غازي الحلاوي. وكان فيه تودد، وسكون، وديانة متينة، رحمه الله.

ومات بالصالحية الشيخ الصالح المعمر القدوة علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم الأرموي. حدث عن الفخر بن البخاري. وتوفي في شوال، ودفن بزاوية جده.

ومات بصفد المقرئ الصالح الخير شمس الدين محمد بن عمر بن أبي بكر المجدلي الخابوري الأصل الدمشقي، الصالحي، الكاتب. ولد بدمشق في سنة خمس وسبعين، وسمع ابن البخاري، وابن الواسطي، وجماعة. ونسخ عدة كتب ووقفها، ثم نزل صفد ومات بها رحمه الله.

وفي شوال صرف المولى الصاحب تاج الدين أحمد بن عبد الله أبو الفضائل ابن المولى الصاحب الوزير أمين الملك أبي سعيد القبطي من نظر الجيوش بالقاهرة، وصودر وضرب حتى هلك، وكان ولي نظر الشام. وعنده عقل، وسكون، وعفة.

وفي هذا العام قصد عرب البحرين التغلب على البصرة، فالتقاهم عسكرها المغل فعجزوا عنهم، فأمدهم صاحب بغداد الشيخ حسن الكبير بالأمير فواز بن مهنا، فالتقاهم وهزمهم وأسر منهم طائفة من الرجال والنساء، بعد أن قتل من الفريقين عدد كثير ثم من عليهم فواز وأطلق النساء.

سنة ست وخمسين وسبعمائة

استهلت وسلطان الإسلام الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون. وخليفة الوقت المعتضد بالله بن المستكفي العباسي.

وفي هذا العام أخذ الفرنج أطرابلس المغرب يوم الجمعة غدرا، وهو أنهم دخلوا البلد قبل ذلك بهيئة التجار، فلما اطمأن بهم الوقت خرجوا على الناس يوم الجمعة وبذلوا السيف فقتلوا وأسروا، ثم استنقذها المسلمون بعد ذلك ولله الحمد.

وفي ربيع الآخر أمطرت السماء بردا شظايا بأرض الروم، أهلكت نحو مائة وخمسين قرية، فجعلتها حصيدا. وكان وزن الواحدة من ذلك نحو رطل وثلث بالحلبي، وذلك في نيسان.

وفيها جاء الجراد إلى الشام فأهلك جملة من الأشجار وغيرها.

وفي صفر ولي الإمام العلامة نور الدين علي بن عبد البصير بن علي السخاوي قضاء المالكية بالقاهرة. ومات في جمادى الأولى، فكانت ولايته ثلاثة أشهر.

وفي أواخر شهر ربيع الأول ولي قضاء الشافعية بدمشق الإمام العلامة قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب السبكي، عوضا عن والده شيخ الإسلام تقي الدين أبي الحسن علي.

ثم توجه شيخنا قاضي القضاة تقي الدين علي بن عبد الكافي بن علي المذكور إلى القاهرة بعد أيام، ومات بها في ثالث جمادى الآخرة، ودفن هناك عن ثلاث وسبعين سنة. وقد حدث عن الحافظ شرف الدين الدمياطي، ويحيى بن الصواف، وابن الموازيني، وابن المشرف، وخلق، وعني بالحديث أتم عناية، وكتب بخطه المليح الصحيح شيئا كثيرا في سائر علوم الإسلام، وهو ممن طبق الممالك ذكره، وسارت بتصانيفه وفتاويه الركبان في أقطار البلدان، وكان ممن جمع فنون العلم من الفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والزهد، والورع، والعبادة، وكثرة التلاوة، والشجاعة، والشدة في بدنه واطراح التكلف. وكان رأسا في كل علم. ولي قضاء الشام في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة. وخطب بالجامع الأموي في سنة اثنتين وأربعين. وتخرج به أئمة، وحمل عنه أمم، ولم يخلف بعده مثله رحمه الله.

ومات ببعلبك المعمر شجاع الدين عبد الرحمن بن علي بن إبراهيم خادم الشيخ الفقيه اليونيني. حدث عن ابن البخاري، وابن علان وطائفة. ولد سنة ست وستين، ومات في سادس عشر ربيع الآخر.

ومات بدمشق العدل بدر الدين محمد بن محمد بن عبد الغني ابن قاضي حران الحنبلي المعروف بابن البطايني، عن ثمان وسبعين سنة. حدث عن ابن شيبان، وغيره. وولي قضاء الركب، والعقود، توفي في رجب.

ومات بالقدس الشيخ الصالح العارف شرف الدين محمد بن حجاج الكاشغري المعروف بالجيتي حدث عن شيخ الشيوخ صدر الدين بن حمويه، وغيره.

ومات مسند الشام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز. خاتمة أصحاب ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر، وابن عبد، وغيرهم. وهو ابن سبعين سنة.

ومات بحلب قاضي المالكية بها، زين الدين أبو حفص عمر بن سعيد ابن يحيى التلمساني المالكي. وكان جهولا.

ومات الشاعر المفلق شمس الدين محمد بن يوسف الخياط المعروف بالضفدع، عن ثلاث وستين سنة. حج هذا العام وهجا الحجاج بعد عوده كعوايده، فحلقوا لحيته وعزروه، فتعلل أياما. ومات بمعان في أوائل المحرم. أخذ صناعة الأديب عن الشهاب محمود.

ومات بالقدس الإمام الموقع تاج الدين محمد بن محمد بن عبد المنعم بن البرنباري.

ومات يوم عرفة شيخنا التاجر الصالح عبد المؤمن ابن الوزير. حدثنا عن ست الوزراء. وحج ثلاثا وثلاثين حجة رحمه الله.

ومات في هذا العام خلق من الأمراء، منهم: المعمر نغيه الجمدار الناصري، وقردم، وملك آص، وسيفاه، وابن طبال، وقجا البريدي، ووالي الولاة ناصر الدين محمد بن داوود ابن الزيبق.

ومات بالقاهرة الصدر زين الدين الخضر بن محمد بن الخضر الشافعي الموقع، كهلا، حدث عن الشريف عز الدين وغيره.

ومات بمصر المعمر صدر الدين محمد بن أحمد بن أبي الربيع سليمان الدلاصي. حدث عن ابن خطيب المزة، وجاوز الثمانين.

ومات بدمشق القاضي شهاب الدين أحمد بن سيدهم بن البيع المالكي. سمع بالإسكندرية من محيي الدين بن جماعة، وناب في الحكم بدمشق عن قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي، وحكم بعده نيابة الإمام فخر الدين الزواوي شيخنا.

ومات بالقاهرة المسند ناصر الدين محمد بن إسماعيل بن عبد العزيز بن عيسى بن أبي بكر بن أيوب الصوفي المعروف بابن ملوك، عن نحو ثمانين سنة. حدث عن العز الحراني، وابن الأنماطي، وابن خطيب المزة، وغازي وطائفة، وتفرد.

ومات العلامة شهاب الدين أحمد بن يوسف بن عبد الدايم الحلبي، عرف بابن السمين. سمع بآخره من يونس الدبوسي، وقرأ على ابن الصايغ. وعمل تفسير القرآن في عشرين سفرا، والإعراب وله شروح على كتب أخر، توفي بالقاهرة في شعبان.

سنة سبع وخمسين وسبعمائة

وفي رابع ربيع الآخر هبت ريح من جهة الغرب، وامتدت من مصر إلى الشام في يوم وليلة، فغرق ببولاق نحو ثلاثمائة مركب واقتلعت من النخيل والجميز ببلاد مصر وبلبيس وغيرها شيئا كثيرا، فكانت آية.

وفيها أفرج عن الأمير سيف الدين أرغون الكاملي من الإسكندرية، وأقام بالقدس.

وفيها احترقت القيسارية خارج باب الفرج وما حولها من الحوانيت فكانت جملة الحوانيت المحترقة نحو سبعمائة حانوت سوى البيوت، وعدم الناس فيها ما لا يحصى.

وفيها احترق سوق الصالحية عن آخره.

وفيها غارت الفرنج ومن تبعهم من المسلمين العجز المتحربين في السواحل، واستباحوا بلد صيدا، وآياس، وغير ذلك من البلاد الساحلية.

ومات بدمشق في شوال المعمر ناصر الدين محمد بن محمد بن أبي القاسم شاهد القيمة المعروف بابن الدجاجية حدثنا عن الأبرقوهي.

ومات بحلب قاضيها الفقيه نجم الدين محمد بن عثمان بن أحمد بن عمرو الزرعي الشافعي ابن شمرنوح.

ومات بالقاهرة العدل الكبير شهاب الدين أحمد بن الحسن بن الفرات الشروطي. حدث عن الدمياطي، والرضي الطبري وطائفة.

ومات الإمام كمال الدين أحمد ابن العلامة عز الدين عمر بن أحمد بن مهدي النشائي خطيب الجامع الخطيري ومدرسه. حدث عن الدمياطي وغيره. وطلب الحديث بنفسه، وكتب الطباق، وصنف، وأفاد.

ومات بدمشق صفي الدين أحمد بن قاضي القضاة شمس الدين محمد بن عثمان ابن الحريري الحنفي مدرس الصادرية. وكان مغفلا يحكى عنه نوادر رحمه الله.

ومات ببغداد حاكمها وسلطانها الشيخ حسن بن آقبغا الكبير ابن القان أبي سعيد بن خربندا بن أرغون بن آبغا بن هولاكو المغلي. وكانت دولته نحوا من عشرين سنة كأبيه. وكان أحد أئمة العدل. وولي بعده ابنه أويس.

ومات الأمير فواز بن الملك مهنا الطائي أحد الشجعان.

ومات بدمشق الأمير الكبير بدر الدين بكتاش المنكورسي الظاهري نائب بعلبك، كان، عن سن عالية.

ومات بالقاهرة شيخنا السيد الشريف شرف الدين أبو الحسن علي بن الحسن بن علي بن الحسين الحسيني الأرموي ثم المصري الشافعي، نقيب العلويين، ووكيل بيت المال، وقاضي العساكر. حدث عن ست الوزراء، ودرس بمشهد الحسين، وكان من سروات الناس، رحمه الله.

ومات بدمشق المعمر الصالح الثقة عز الدين أبو الفضل محمد بن إسماعيل بن عمر بن الحموي الدمشقي، عن سبع وسبعين سنة. حدث بالمسند، والصحيحين، والسنن الكبير للبيهقي، مسند الطيالسي، ومسند الحميدي. وشيئا كثيرا، وتفرد. توفي في جمادى الآخرة.

ومات في رجب الشيخ الرئيس يوسف بن الديان عبد السيد بن المهذب الإسرائيلي المتطبب. سمع في يهوديته من الشمس بن مؤمن، وحدثنا عنه في الإسلام.

ومات الإمام العالم أقضى القضاة فخر الدين محمد بن مسعود بن سليمان بن سومر الزواوي المالكي. حدث عن ست الوزراء، وكان من قضاة العدل. توفي في ذي الحجة، وناب بعده صاحبنا القاضي أمين الدين أبو حيان.

ومات في شهريذ المعمر سيف الدين أبو بكر بن رمضان الشروطي عن سن عالية. حدث عن ابن النشبي وابن علان، وهو خاتمة أصحاب الخشوعي، يعنى بالسماع.

ومات المعمر الفاضل محيي الدين يحيى بن علي بن مجلى الحنفي، المعروف بابن الحداد، خاتمة أصحاب الشيخ محيي الدين النووي. حدثنا عن ابن البخاري.

ومات بالصالحية شيخنا التقي عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن ابن الناصح الحنبلي، والد المفتي شمس الدين بن الناصح. حدثنا عن الفخر أيضا.

سنة ثمان وخمسين وسبعمائة

وفي شعبان وثب بعض الجند على الأمير سيف الدين شيخون الناصري فضربه بوجهه بحضرة السلطان والأمراء بالقصر، وحصل بذلك خبطة، وكادت تثور فتن، فحمل إلى منزله مجروحا فخاطوه وتعلل منها أياما، ومات في العشر الآخر من ذي القعدة. وكان ذا حزم، وعزم، وعقل، ومهابة، وسياسة، وآثار حسنة، وكان فيه صدقة، وبر، وسكون، وقضاء حوائج الناس.

ومات بالقاهرة شيخنا الرئيس النبيل علاء الدين علي بن أحمد بن أسد الحنفي ابن الأطروش محتسب القاهرة. حدث عن الأبرقوهي. وولي حسبة دمشق أيضا. وكانت فيه شهامة، وقوة نفس، وإقدام، وبعض علم.

ومات الحافظ المفيد شهاب الدين أبو العباس أحمد بن المظفر بن أبي محمد بن المظفر بن النابلسي سبط الزين خالد، ولد سنة خمس وسبعين في رمضان، وسمع زينب بنت مكي، وابن الواسطي، وخلق، ورحل، وقرأ، وكتب، وعني بهذا الشأن. وولي مشيخة العزية وغيرها. توفي في ربيع الأول بدمشق، وكان من أئمة هذا الشأن.

ومات الإمام العلامة قاضي القضاة نجم الدين إبراهيم بن قاضي القضاة عماد الدين علي بن الطرسوسي الحنفي. ولد بالمزة، وتفقه بوالده وغيره، وبرع في الفقه والأصول، ودرس، وأفتى، وناظر، وأفاد، مع الديانة، والصيانة، والتعفف، والمهابة. ناب في الحكم عن والده ثم ولي استقلالا بعده. وحدث عن ابن الشيرازي، وغيره. توفي في شعبان، وولي بعده نائبه القاضي شرف الدين الكفري.

ومات بظاهر دمشق الشيخ الصالح المعمر أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله المرداوي ثم الصالحي، المعروف بالحريري، عن نحو ست وتسعين سنة. حدث عن الكرماني، والشيخ، والفخر وطائفة. وهو آخر من حدث عن ابن عبد الدايم، والنجيب عبد اللطيف، وابن علان، وابن أبي اليسر، وهذه الطبقة بالإجازة في الدنيا. وتوفي في شعبان.

ومات بالقدس الأمير الكبير العادل سيف الدين أرغون الكاملي نائب دمشق وحلب، وكان رجلا حازما عادلا، له فهم ومعرفة على صغر سنه. توفي في شوال، ودفن بتربته بالقدس رحمه الله.

ومات بالقاهرة الشيخ قوام الدين لطف الله الحنفي، أحد الدهاة. وقد ولي مشيخة الظاهرية بدمشق أياما.

ومات المعمر الصالح أبو عبد الله محمد بن أحمد بن رمضان الجزري الأصل الدمشقي الحنبلي إمام مسجد الجزيرة. ولد سنة تسع وستين وستمائة. وحضر الشيخ شمس الدين ابن أبي عمر، وسمع من غيره. وتوفي بدمشق في ثاني ذي الحجة.

سنة تسع وخمسين وسبعمائة

فيها عاثت الفرنج بأطراف السواحل، وقصدتهم العساكر، وثارت العربان، وقطعوا السبل، وقام العشير في النواحي، واشتد وتفاقم أمره ببلاد حوران، وتزايد واستمر أياما، فجهزت إليهم العساكر فخمدوا، بعد أن أفنى بعضهم بعضا واغتيل مقدمهم، الشهاب أحمد بن البسرية بزرع.

ولما مات الأمير شيخون في العام الماضي استقل السلطان الملك الناصر بالأمور، وقام بسياسة الملك وتدبير الممالك الأمير سيف الدين صرغتمش، وخلا له الجو وترحل عنه فيالة الأمير شيخون، فقبض على الأمير تقطاي الدوادار وجماعة من بطانة الأمير شيخون، وأرسل إلى نائب دمشق الأمير علاء الدين المارداني خلعة وتقليدا بالاستمرار، وإلى غيره من النواب، واستدعى الأمير سيف الدين طاز نائب حلب إلى مصر، فخرج من حلب وتوجهت إليه العساكر، ثم خرج إليه نائب دمشق فعسكر بخان لاجين، وآخر الأمر أن الأمير طاز استسلم وسلم نفسه فقبض عليه نائب الشام وأرسل به فاعتقل بالكرك، ونقل سيف الدين منجك من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب، وقبض على حاجب دمشق الإسماعيلي، واعتقل بقلعة صرخد ثم أفرج عنه، وقدم دمشق متوجها إلى القاهرة فاعتقل بقلعة دمشق أياما ثم أفرج عنه بعد كشف وتعنت، ومضى إلى القاهرة ثم رجع على حجوبيته وعادته فبقي إلى ذي الحجة ثم أخرج إلى حماة فاعتقل بها.

وفي يوم السبت خامس عشرين جمادى الأولى. صرف الأمير علاء الدين المارديني عن نيابة دمشق إلى نيابة حلب، وقدم الأمير سيف الدين منجك من حلب على نيابة دمشق، فدخلها يوم الخميس رابع عشر جمادى الآخرة، وباشر نظر ديوانه شيخنا الصاحب تقي الدين بن مراجل.

وفي العشر الآخر من رجب توجه شيخنا الإمام صلاح الدين الصفدي إلى حلب على كتابة السر بها.

وفيه صرف شيخنا قاضي القضاة عز الدين بن جماعة عن قضاء الشافعية بمصر، ثم أعيد بعد شهرين.

وفي العشر الآخر من شعبان صرف قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي، وقاضي القضاة شرف الدين الكفري الحنفي، وقاضي القضاة جمال الدين المسلاتي المالكي عن القضاء بدمشق.

وولي قضاء الشافعية، قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء. وقضاء الحنفية، قاضي القضاة جمال الدين محمود بن السراج، فحكما نحوا من ثلاثين يوما، ثم صرفا في أول شوال، وأعيد قاضي القضاة تاج الدين السبكي، وقاضي القضاة شرف الدين الكفري وخلع عليهما يوم الاثنين خامس شوال.

وفي يوم الأربعاء ثاني رمضان قدم شيخنا قاضي القضاة شرف الدين أحمد بن الحسين العراقي من القاهرة على قضاء المالكية بدمشق، عوضا عن القاضي جمال الدين المسلاتي، ثم من الغد قدم القاضي أمين الدين بن عبد الحق على حسبة دمشق عوضا عن علاء الدين الأنصاري، وكانت هذه التنقلات بأسرها صادرة عن رأي صرغتمش.

وفي رمضان قبض على الأمير سيف الدين صرغتمش الناصري، وعلى القاضي ضياء الدين محمد بن خطيب بيت الآبار، فصودر الضياء، وأهين، واعتقل بقوص، وخفي أمر صرغتمش وزالت نعمته، وخمدت كلمته بحول الله وقوته.

وفي ذي القعدة قبض إلى الأمير ناصر الدين محمد بن الأقوش نائب حمص وعلى أخويه سيف الدين كجك الحاجب، وأمير حاج، فأدوا في المصادرة نحو ثلاثمائة ألف درهم، ثم أفرج عنهم وفرقوا في البلاد.

وفي ذي الحجة صرف ابن عبد الحق من حسبة دمشق، ووليها شيخنا عماد الدين بن الشيرجي.

وفي سادسه قبض على أسندمر العمري نائب حماة كان، واعتقل بقلعة دمشق.

وفي صبيحة يوم عرفة صرف الأمير سيف الدين منجك من نيابة دمشق إلى نيابة صفد.

وقدم الأمير شهاب الدين أحمد بن صالح حاجبا إلى دمشق عوضا عن الإسماعيلي.

ومات القاضي الكبير الصدر الرئيس النبيل شرف الدين خالد بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله القيسراني أحد الموقعين. حدثنا عن القاسم ابن عساكر، وغيره. وقد كان ولي وكالة بيت المال بدمشق في أيام الفخري. توفي في ثاني جمادى الآخرة.

وفيها مات صاحب بلاد المغرب السلطان أبو عنان ابن السلطان أبي الحسن المريني.

ومات بدمشق الحافظ شمس الدين محمد بن يحيى بن محمد بن سعد المقدسي ثم الصالحي الحنبلي. ولد سنة ثلاث وسبعمائة، وسمع أباه، والقاضي، وعيسى، وخلقا كثيرا وجما غفيرا، وجمع فأوعى، وكتب ما لا يحصى، وخرج لخلق من شيوخه وأقرانه. توفي في ثالث ذي القعدة.

ومات الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن داوود الكردي الشافعي إمام مشهد علي. حدث عن التقي بن الواسطي، وغيره. وتوفي في تاسع ذي القعدة.

ومات في سادس عشرينه شيخنا الزاهد بهاء الدين محمد بن أحمد بن المرجاني صاحب جامع المزة وغيره من المآثر الحسنة. حدث عن ابن مؤمن وغيره.

ومات المقرئ المعمر أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الصالحي المعروف بالحفيفة عن سن عالية. حدث بمشيخة الفخر عنه، وأقرأ خلقا بالجامع المظفري رحمه الله.

سنة ستين وسبعمائة

في يوم الأربعاء ثاني المحرم دخل الأمير علاء الدين المارداني إلى دمشق على نيابتها، قدمها من حلب فأقام إلى ثاني عشرين رجب. فقبض عليه وتوجهوا به إلى القاهرة، فأعيد من الطريق إلى نيابة صفد. وولي بعده نيابة دمشق الأمير سيف الدين أسندمر الزيني أخو يلبغا اليحياوي فدخلها يوم الاثنين حادي عشر شعبان.

وفي سادس صفر قدم الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمي من مصر إلى دمشق، يتقدمه ألف فارس وولده بطبلخاناه، وأضيف إليه عدة جهات، وحجوبية الحجاب.

ثم في جمادى الأولى، رسم بتحويله من الوقوف بسوق الخيل تجاه النائب، فركب إلى جانبه فوق الأمراء، وورمت لذلك أنوف.

وفي ليلة سادس صفر قبض على الأمير شهاب الدين بن صبح الحاجب، واعتقل هو وأولاده بقلعة دمشق، ثم نقل هو إلى القاهرة فاعتقل بالإسكندرية.

وفي العشر الأول من صفر صرف الأمير سيف الدين منجك من نيابة صفد، وأخذ إلى القاهرة فانفلت منهم بقرب غزة ومضى لسبيله، فلم يوقع له على خبر، وأوذي بسببه خلق وجرى لأهل القدس أمور.

وفي ثالث عشر صفر قدم الأمير سيف الدين آقطمر بن عبد الله بن عبد الغني نائب طرابلس إلى دمشق واعتقل بالقلعة مقيدا ثم أخذ إلى القاهرة فاعتقل بالإسكندرية.

وفيه حضر الإسماعيلي من حماة واعتقل بقلعة دمشق، ثم أخذ فأودع الإسكندرية.

وفي يوم الأحد رابع ربيع الأول، صرف قاضي القضاة شرف الدين بن العراقي عن قضاء المالكية بدمشق، وأعيد قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي.

وفيه صرف القاضي ناصر الدين محمد بن الشرف يعقوب الحلبي من كتابة السر بدمشق، ومشيخة الشيوخ إلى كتابة سر حلب.

وولي بعده السر بدمشق شيخنا وكيل بيت المال القاضي أمين الدينمحمد بن أحمد بن القلانسي مع تدريس الناصرية، والشامية الجوانية، ومشيخة الشيوخ.

وفيه قدم المعين ابن الكريدي المستوفي من القاهرة بتذكرة سلطانية بإهدار المتأخرات الديوانية جميعها إلى آخر العام الماضي، واستقرار الرواتب الدرهم ثلث، والجوامك الدرهم ثلثا درهم.

وفي مستهل ربيع الآخر، قدم القاضي صلاح الدين الصفدي من كتابة سر حلب على وكالة بيت المال بدمشق وتوقيع الدست، عوضا عن القاضي أمين الدين بن القلانسي.

وفيه قدم قاضي القضاة تاج الدين السبكي من القاهرة، وكان توجه إليها في الشهر الماضي ومعه ابن عمه القاضي بدر الدين محمد أبي الفتح، فأكرمه السلطان ورتب له معلوما على الإفتاء بمدرسته التي أنشأها بالقاهرة.

وفي رجب قبض على الأمير قطليجا الدوادار، وطيبغا حاجي، وأيدغمش، واعتقلوا بقلعة دمشق ثم فرقوهم في البلاد وأخرج ألدمر السليماني الذي كان حاجبا إلى طرابلس.

وفي ليلة نصف شعبان أخرج قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء محمد بن عبد البر السبكي إلى طرابلس.

وفي ليلة حادي عشرينه، قدم الأمير شهاب الدين أحمد بن القيمري من حلب إلى دمشق أمير حاجب عوضا عن الأمير سيف الدين بيدمر، ونقل بيدمر إلى حلب لنيابتها.

وفي ليلة الجمعة عاشر ربيع الأول، مات شيخنا الإمام شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علي بن أبي بكر بن بحتر بن خولان الصالحي الحنفي مدرس الميطورية، وخطيب القلعة، ولد سنة أربع وثمانين وستمائة. حضر ابن البخاري، وزينب بنت العلم. وولي العقود، وتوفي في عشر ربيع الأول.

ومات القاضي الرئيس الصدر الكبير علم الدين محمد بن القطب أحمد بن مفضل بن فضل الله المستوفي، ناظر الجيش بدمشق. وكان وجيه الشام في وقته. ولي كتابة السر بدمشق في الدولة الناصرية، ثم نظر الدواوين ثم نظر الجيوش. وسمع من القاضي تقي الدين سليمان، وعيسى المطعم وطائفة. توفي في ثاني جمادى الأولى. وولي بعده نظر الجيش نائبه القاضي علم الدين داوود الإسرائيلي فلبس يوم الاثنين سادس جمادى الآخرة.

ومات شيخنا الزاهد أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي الزهر الغسولي ثم الصالحي. جاوز الثمانين، وحدث بمشيخة الفخر عنه. توفي في جمادى الأولى.

ومات بمكة قاضيها الإمام شهاب الدين أحمد ابن القاضي الإمام الأريب نجم الدين محمد بن جمال الدين محمد بن الحافظ محب الدين الطبري الآملي. توفي في العشر الآخر من شعبان.

ومات بدمشق المعمر الصالح أحد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر الفقيه عمر بن عثمان بن سالم بن خلف بن فضل الله المقدسي، ثم الصالحي الحنبلي. حدث عن ابن البخاري، وابن الواسطي، وجماعة. وولد في شعبان سنة ثلاث وسبعين، وتوفي في ذي القعدة.

ومات في ذي الحجة الأمير صفي الدين البصراوي بالقدس ناظر الحرم.

ومات بحلب شيخنا جمال الدين إبراهيم بن القاضي الإمام شهاب الدين محمود بن سليمان بن فهد الحلبي. حدثنا عن الأبرقوهي وغيره.

ومات بدمشق المعمر صلاح الدين محمد بن أحمد بن أفتكين كبير شهود القيمة.

سنة إحدى وستين وسبعمائة

في سادس عشرين المحرم ظهر الأمير سيف الدين منجك الذي كان تسحب في صفر من العام الماضي وأخذ من الشرف الأعلى ظاهر دمشق ونفذ إلى القاهرة، فعاتبه السلطان على فعله ثم من عليه وأطلقه، وكتب له طرخانا يقيم حيث شاء وأقطعه إقطاعا وأقام بالقدس.

وفي صفر صرف الأمير علاء الدين المارداني من نيابة صفد واستقر على نيابة حماة.

وفي ربيع الأول قبض على شيخنا المعلم سنجر الهلالي وأخذ منه أزيد من ألف ألف درهم؛ بسبب ما نقل عنه من عدم أداء الزكاة والتكسب الفاحش على الأمراء، ثم احتيط على حججه وأملاكه وحواصله، فكانت أزيد من ثلاثة آلاف ألف درهم، ثم سلموها إليه بعد مدة. وأخذ من ابنه شمس الدين محمد بن الصايغ تربته التي كان أنشأها بباب الجامع.

وفي ربيع الآخر قبض على الصاحب شمس الدين موسى ناظر الدواوين بالشام، وعلى المستوفي، وخلق من الدواوين، وأخذ منهم أزيد من ستمائة ألف درهم، بعد الضرب والإهانة، وجرت أمور، وهج خلق على وجوههم خوف المصادرة.

وفي جمادى الأولى طلب من التجار أموال بسبب القنود، فشق ذلك على الناس، وهمّ أكثر التجار وأصحاب الأموال بالجلاء عن دمشق. واستمر الخوف بسبب ذلك نحو خمسة عشر يوما، ثم أفرج عنهم إلا قليلا من أصحاب المعاملات فإنهم وزنوا من ذلك جملة.

وفي العشر الأوسط من جمادى الأولى، قدم الوزير فخر الدين فخر الدولة بن قروينة على نظر الدواوين بالشام عوضا عن الصاحب شمس الدين.

وفي جمادى الآخرة توجهت العساكر الحلبية مع نائبهم الأمير سيف الدين بيدمر إلى جهة سيس، فافتتحوا عدة قلاع وحصون.

وفي صفر قدم قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء السبكي من طرابلس إلى دمشق على جهاته.

وفي ثاني عشرينه ولي القاضي جمال الدين أحمد بن الرهاوي نظر الجامع الأموي عوضا عن الصاحب تقي الدين ابن مراجل بحكم إقامته على نظر الإسكندرية، ثم قدم في العشر الأخر من ربيع الأول على وظيفة نظر الجامع على عادته، وصرف ابن الرهاوي.

وفي يوم الأربعاء رابع عشرين رجب، قبض على الأمير سيف الدين أسندمر نائب دمشق وأقام بطرابلس، وولي بعده نيابة دمشق الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمي فدخلها من حلب يوم السبت تاسع عشر شعبان.

وفي رمضان توجه الأمير شهاب الدين أحمد بن القيمري، حاجب دمشق إلى حلب على نيابتها، واستقر عوضه حاجبا اليوسفي.

وفي رمضان قتل مرزوق الصفدي النصيري على الزندقة والتعرض إلى النبي .

وفي ذي الحجة موافقة لتشرين الأول، أرسل بعامة بلاد الشام رعد عظيم وبرق وصواعق، وأمطرت السماء مطرا عظيما، وسقط برد في بعض الأماكن نحو البيض وما دونه، وهلك من ذلك خلق من السيول، وأبيدت كروم كثيرة، واستمرت المياه متغيرة نحو شهر.

وفي ثالث المحرم مات شيخنا الإمام العلامة بقية الحفاظ صلاح الدين أبو سعيد خليل ابن كيكلدي العلائي الدمشقي ثم المقدسي الشافعي، مدرس المدرسة الصلاحية وغيرها بالقدس عن سبع وستين سنة. حدث عن القاضي تقي الدين سليمان الحنبلي وطبقته فأكثر. وكان إماما في الفقه، والنحو، والأصول، مفتنا في علوم الحديث ومعرفة الرجال، علامة في معرفة المتون والأسانيد، فمصنفاته تنبئ عن إمامته في كل فن. توفي ببيت المقدس. وولي بعده تدريس الصلاحية الخطيب برهان الدين إبراهيم بن جماعة. ومشيخة التنكرية شهاب الدين أبو محمود.

ومات الشيخ المعمر الصالح أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم الصالحي المعروف بابن قيم الضيائية عن نحو تسعين سنة. حدث عن الشيخ شمس الدين، وابن البخاري، وجماعة. وتفرد. توفي في المحرم.

ومات الشيخ الصالح الزاهد أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يونس القواس الدمشقي. صحب ابن هود في وقت ثم هاجر، ولازم شيخ الإسلام ابن تيمية. وحدث عن ابن البخاري وغيره. ونعم الرجل كان.

ومات بالقاهرة الإمام العلامة شيخ الأدب جمال الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن هشام النحوي الحنبلي، صاحب كتاب المغني في النحو، عن بضع وخمسين سنة. توفي في ذي القعدة.

ومات المعمر مظفر الدين محمد بن محمد بن يحيى بن عبد الكريم العسقلاني، خاتمة أصحاب العز الحراني، حضر عليه في الرابعة سنة أربع وثمانين. توفي بالقاهرة.

ومات في شعبان القاضي الإمام فخر الدين محمد بن محمد بن محمد ابن محمد بن الحارث بن مسكين القرشي الزهري، نائب الحكم بمصر والقاهرة، عن ثلاث وتسعين سنة. حدث عن الشهاب القرافي ببعض تصانيفه، وعن عبد الرحيم الدميري وغيرهما. وأجاز له الشيخ شمس الدين، وابن البخاري، والعز الحراني، وخلق نحو الألف.

ومات الشيخ رضي الدين الحسين بن عبد المؤمن بن علي بن معاذ الموحدي، سبط المجد الطبري. حدث عن الأبرقوهي، والدمياطي وعدة. وتفرد عن جده. توفي في صفر.

ومات الإمام نجم الدين أيوب بن موسى بن عباس الراشدي الشافعي مدرس القوصية بالقاهرة. حدث عن الشريف عز الدين وغيره. توفي في ربيع الأول وقد جاوز الثمانين.

ومات بمكة الإمام جمال الدين يوسف بن الحسن بن علي الحنفي. حدث عن الفخر التوزري وغيره. مات في صفر.

وفي هذا العام أنشئت الخانقاه الكججانية بالشرف الأعلى جوار الطواويس ظاهر دمشق.

سنة اثنتين وستين وسبعمائة

لما تمهد للسلطان الملك الناصر أمره ولم يبق في مملكته من يخشى شره، وغرته الآمال بجمع الأموال نادى عليه لسان الحال، وعند التناهي يقصر المتطاول. فتخلى حينئذ عن أمر مملكته، وشغلته دنياه عن القيام بمصالح رعيته، فمقتته القلوب، وتوجهت عليه إلى علام الغيوب، وفوقوا نحوه سهام الليالي، ومرغوا بخالص التأله غرر الجباه في ظلم الدياجي، فنفذت فيه سهام الأقدار، لما صاح عليه مؤذن غروره بانصرام أيامه، وخلوه بما أوعاه من جرائمه وآثامه، وقبض عليه كبير بطانته، وضرغام دولته، ونظام مملكته، الأمير سيف الدين يلبغا الناصري ضاعف الله أجوره، وأقام ابن أخيه السلطان الملك المنصور صلاح الدين محمد بن الملك المظفر حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون الصالحي، وحلفت له الأمراء، وجلس على كرسي الملك يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى، وأخذ الناصر فعذب حتى هلك بعد أيام، وكانت دولته في الكرة الثانية ست سنين وسبعة أشهر. ولما وصل الخبر إلى دمشق بذلك، وحلفت الأمراء ونودي في دمشق بالعدل وإزالة المظالم، تنمر لذلك نائب الشام الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمي، وكان في أنفس المصريين منه بعض ما فيها لتوجهه عند الناصر. وأخرج من القاهرة إلى الشام على نيابة طرابلس الأمير سيف الدين تومان تمر، الذي كان ثالث الأمراء في المشورة، ونقل تمر المهمندار من نيابة غزة إلى دمشق حاجبا، ثم مات في شوال عن سن عالية، وأفرج عمن كان اعتقلهم الناصر بالإسكندرية من الأمراء وهم: الأمير شهاب الدين بن صبح نائب صفد، وسيف الدين طنيرق في نيابة حماة، وآقطمر عبد الغني نائب طرابلس، وطيدمر الإسماعيلي حاجب دمشق في آخرين. وأخرج الأمير سيف الدين طاز إلى القدس، وقد كان اعتقله الناصر بالكرك ثم أكحله، ثم قدم دمشق في ذي الحجة.

وفي العشر الأوسط من ذي الحجة، تغلب الأمير سيف الدين بيدمر نائب دمشق عليها، وأنفق على رجال القلعة بعد موت نائبها برتاق وحلفهم على السمع والطاعة والقيام معه في مصالح المسلمين، ثم حلف أمراء دمشق على نحو ذلك، وقد كان حضر من طرابلس إلى دمشق الأمير سيف الدين أسندمر - الذي كان نائبا في العام الماضي - فحلف مع الأمراء ثم راسلوا النواب بذلك، فكتب إليهم منجك من القدس بموافقتهم والقيام معهم، وأنهم ليسوا براضين بالطاعة ليلبغا الناصري لأنه قتل الناصر ظلما بزعمهم فجعلوها عثمانية وعملوا بذلك محاضر وشقوا العصا ونصبوا راية الخلاف، ثم حضر إلى دمشق الأمير سيف الدين تومان تمر نائب طرابلس في عاشر رمضان ونزل القصر الظاهري، وقد كان نائب الشام في الشهر الماضي أخرج رجال القلعة المستقرين، وأقام بها جماعة من ذويه، وكان بها لبيت المال نحو أربعمائة ألف درهم، فحازها واستخرج الأموال الديوانية، وتعجل من الذمة جزية العام الآتي، ونقل إلى القلعة من الغلال، والطعم، والقديد، والعدد، والآلات ما لا يوصف كثرة، ونصب عليها المجانيق ثم حلف الأمراء ثانيا وأعطاهم ووعدهم ومناهم.

ولما قدم عليه نائب طرابلس وجاءته مكاتبة منجك وانضم إليه أمراء الشام وتوثق لنفسه، جهز العساكر الشامية فخرجوا أرسالا إلى جهة غزة ليحفظوا له ذلك الثغر من جهة المصريين، ثم خرج هو بمن بقي من الأمراء بعد صلاة الجمعة ثاني عشر رمضان، وخرج معه بالقضاة والموقعين، فوصلوا إلى قريب الصنمين. فلما كان الليل جاءهم الخبر أن بعض الأمراء خالفهم وأنهم اقتتلوا ونهبتهم العرب بقرب غزة، فكر راجعا بمن معه ولحقهم منجك في أواخر النهار، فباتوا ليلتئذ، وأصبح نائب طرابلس وخلق من أمراء دمشق لا حس لهم ولا خبر، فخارت قوى نائب الشام وسقط في يده، وشرع أصحابه في التفرق عنه، فلما لاحت أمارات الكسرة وإشارات الخذلان، ولم يبق ممن كان معه ممن العمدة عليه سوى منجك وأسندمر وجبرائيل حاجبه، ومعهم دون المائتي نفس، وخرج المصريون في خدمة السلطان والخليفة المعتضد والعساكر فوصلوا إلى منزلة الكسوة في رابع عشرين رمضان، فتحصن إذ ذاك نائب دمشق ومن معه بالقلعة وغلقت أبواب البلد، وأشرف الناس على خطة صعبة وتأهبوا للحصار، وأصبح الأمراء يوم الخميس بدمشق لابسين آله الحرب، فقطعوا الأنهر الداخلة إلى القلعة، فقلق الناس لذلك وخافوا الهلكة، فلما كان من الغد وقت صلاة الجمعة فتحت أبواب البلد واستبشر الناس بذلك، وأصبح السلطان نزل المخيم ظاهر دمشق ومعه العساكر والأمير علاء الدين المارداني - الذي كان نائب حماة - بخلعة نيابة دمشق وهذه النيابة الثالثة، وشرعوا في مراسلة الأمير سيف الدين بيدمر نائب دمشق ومن معه فأجابوا إلى الصلح بعد محاورة طويلة، ودخل قضاة الشام بينهم في ذلك، فنزلوا من القلعة بالأمان ليلة الاثنين تاسع عشرين رمضان، وكان عند الناس من السرور بذلك أعظم من سرورهم بهلال العيد، وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قويا عزيزا، فلما نزل نائب دمشق، وأسندمر، ومنجك، وجبرائيل، إلى وطاق الأمير سيف الدين يلبغا أمر بتقييدهم فقيدوا وأخذوا إلى القصر الظاهري محتفظا عليهم، ودخلت العساكر المصرية والشامية وعيدوا بدمشق آمنين. ودخل السلطان القلعة فأقاموا إلى عاشر شوال ثم ترحلوا، وقد كان في خلال هذه الأيام قصد جماعة من الخدام بالقاهرة إقامة الأمير حسين بن الملك الناصر محمد في الملك، فتفطن لهم بعض الأمراء هناك فعاجلوهم ولم يتم أمرهم، ولما حل الركاب السلطاني الملكي المنصوري بدمشق أمر بقبض جماعة من الأمراء الشاميين فقبض عليهم وأودعوا القلعة، ثم خرجوا ببعضهم معهم إلى القاهرة، واستقر على نيابة الشام الأمير علاء الدين المارداني عوضا عن بيدمر، وطيزق على نيابة حماة، وسيف الدين الأحمدي على نيابة حلب عوضا عن ابن القيمري، وتومان تمر على نيابة حمص، وملكتمر المحمدي على طرابلس، وزين الدين زبالة الفرقاني على نيابة القلعة، واستقر في كتابة السر بدمشق. ومشيخة الشيوخ بها القاضي ناصر الدين محمد بن شرف الدين يعقوب الحلبي عوضا عن القاضي أمين الدين ابن القلانسي، وقبض على ابن القلانسي، وصودر فأدى في المصادرة نحو المائتي ألف درهم.

واستقر علاء الدين الأنصاري على حسبة دمشق عوضا عن عماد الدين بن الشيرجي، وعلى نظر الدواوين بالشام الصاحب تاج الدين موسى بن شاكر المصري عوضا عن الصاحب فخر الدين ناظر قطيا، وقد كان الوزير فخر الدين ابن قروينة القبطي نقل من وزارة الشام في ربيع الأول إلى القاهرة وزيرا، وولي عوضه نظر الشام الصاحب فخر الدين ناظر قطيا المذكور.

وفي شوال درس القاضي ولي الدين عبد الله بن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء السبكي بالأتابكية والرواحية والقيمرية عوضا عن والده المذكور.

وفي ذي القعدة ولي القاضي الإمام بدر الدين محمد بن أبي الفتح السبكي قضاء العساكر بدمشق.

وفي هذا العام توجه العسكر الشامي إلى ملطية فتسلموها، وأقيم بها نائب لصاحب مصر.

ومات في المحرم الشيخ الزاهد المعمر أبو العباس أحمد بن موسى الزرعي الحنبلي. أحد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، صحب الشيخ تقي الدين بن تيمية، قدس الله روحه، دهرا، وتفقه به. وكان فيه إقدام على الملوك، وأبطل مظالم.

ومات بالقاهرة الحجيج المعمار الصالحي.

ومات بحلب السيد الشريف النبيل علاء الدين محمد بن علي بن حمزة بن زهرة نقيب العلويين بحلب، وكان فيه تشيع ظاهر.

ومات بالصالحية المعمر أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن خليل، الأعزازي عن سن عالية. حدث عن ابن البخاري.

ومات بالمارستان المنصوري بالقاهرة المحتسب علاء الدين علي بن شعيا السيف أبي بكر ابن السيف الحراني. ولي حسبة دمشق مرتين ثم عزل. ومات غريبا.

ومات ببلبيس السيد الشريف كمال الدين محمد بن شرف الدين أحمد بن يعقوب بن فضل بن طرخان الجعفري الزينبي. حدث ببعض الصحيح عن ست الوزراء، وطلب وسمع، وكتب الطباق، وباشر المدارس، ثم تخلى ولزم كتابة التوقيع بدمشق. ونقل إلى غزة وخطب بها ثم عزل، ودخل القاهرة فتعلل بها. ومات في ربيع الأول عن بضع وخمسين سنة.

ومات بدمشق الكاتب المجود شمس الدين محمد بن الوزان. حدث عن القاسم بن عساكر. وكتب بخطه المنسوب عدة مصاحف وغيرهما.

ومات الصدر الكبير عماد الدين محمد بن محمد بن أحمد بن الزملكاني الدمشقي ناظر السبع الكبير وجامعه عن نحو سبعين سنة. حدثنا عن الأبرقوهي وعدة. وانتقى عليه البرزالي جزءا من عواليه.

سنة ثلاث وستين وسبعمائة

استهلت وسلطان الإسلام الملك المنصور صلاح الدين محمد بن المظفر حاجي ابن محمد بن قلاوون، ونائبه بدمشق الأمير علاء الدين المارداني.

وفي صفر منها قدم الإمام قاضي القضاة صدر الدين سليمان بن محمد الدميري على قضاء المالكية بحلب عوضا عن ابن الرياحي.

وفيه ولي القاضي أمين الدين بن وهبان قضاء الحنفية بحماة.

وفيه توفي بدمشق الإمام علاء الدين علي بن محمد بن أحمد بن سعيد الأنصاري محتسب دمشق، ومدرس الأمنية. توفي عن بضع وأربعين سنة. ودرس بعده بالأمينية سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي أيده الله. وأعيدت الحسبة إلى شيخنا عماد الدين بن الشيرجي.

ومات بالقاهرة قاضي القضاة تاج الدين محمد بن محمد بن أبي بكر بن الإخنائي المالكي قاضي المالكية. وولي عوضه أخوه القاضي برهان الدين.

وفي شهر ربيع الأول صرف الصاحب تاج الدين عن نظر الدواوين بالشام. وولي الصاحب بدر الدين حسن بن النابلسي فدخل دمشق في ثاني عشرينه.

وفيه توفي بالقاهرة المحدث الإمام شمس الدين محمد بن علي بن عبد الواحد النقاش.

ومات بدمشق القاضي الرئيس النبيل أمين الدين أبو عبد الله محمد بن القاضي جمال الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن نصر الله التميمي الدمشقي بن القلانسي. ولد سنة إحدى وسبعمائة. وأجاز له الحافظ شرف الدين الدمياطي وعدة. وحدث عن إسماعيل بن مكتوم، وعيسى المطعم، وست الوزراء وغيرهم. وولي قضاء العساكر بدمشق، ووكالة بيت المال مرات، ودرس بالعصرونية. ثم ولي كتابة السر عوضا عن القاضي ناصر الدين بن شرف الدين يعقوب الحلبي، ومشيخة الشيوخ، وتدريس الناصرية والشامية والجوانية. ثم عزل في العام الماضي وأوذي وأدى في المصادرة جملة. وتوفي في ربيع الآخر.

ومات الشيخ الصالح الزاهد العابد الناسك فتح الدين يحيى بن الإمام زين الدين عبد الله بن مروان الفارقي الأصل، الدمشقي الشافعي، خازن الأثر الشريف، وإمام الدار الأشرفية. ولد سنة اثنتين وسبعين. وسمع الشيخ شمس الدين ابن أبي عمر، وكان آخر أصحابه. وسمع الفخر، وابن شيبان، وخلقا. وحدث باليسير من مسموعاته تورعا. وكان ذا زهد وورع ثخين، ويقنع باليسير. لم يقيض لي السماع منه. توفي في سادس عشرين ربيع الآخر.

ومات بالقاهرة خليفة الوقت الإمام أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح أبو بكر المستكفي ابن الحاكم العباسي. وكانت خلافته نحوا من عشر سنين. توفي في جمادى الأولى. وبويع لابنه المتوكل على الله حمزة بعهد من أبيه.

ومات بدمشق الزاهد عبد النور بن علي المغربي المكناسي المالكي المقرئ الصوفي. حدث ببعض الصحيح عن ست الوزراء، وخطب بالشامية أياما، وكان عبدا صالحا زاهدا متعبدا. توفي في جمادى الأولى.

وفي تاسع جمادى الأولى ولي قاضي القضاة جمال الدين أبو المحاسن يوسف ابن شيخنا قاضي القضاة شرف الدين أحمد بن الحسين الكفري قضاء الحنفية عوضا عن والده، واستناب القاضي بدر الدين الجواشني، والقاضي شمس الدين بن منصور.

وفي رجب أفرج عن الأمراء المعتقلين بالإسكندرية فأخرج الأمير سيف الدين بيدمر إلى صفد، وسيف الدين أسندمر إلى طرابلس، ومنجك إلى أرض الحجاز، وجبريل إلى حماة، وكذلك أفرج عن الأمراء المعتقلين بقلعة دمشق.

وفيه مات بالصالحية القاضي الإمام العالم العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح المقدسي ثم الصالحي الحنبلي عن إحدى وخمسين سنة. أفتى، ودرس، وناظر، وصنف، وأفاد، وناب في الحكم عن حموه قاضي القضاة جمال الدين المرداوي، فشكرت سيرته وأحكامه. وكان ذا حظ من زهد، وتعفف، وصيانة، وورع ثخين، ودين متين. حدث عن عيسى المطعم وغيره.

وفي يوم الاثنين خامس شعبان، عزل عن نيابة دمشق المقر العالي أمير علي المارديني، وعزل عن قضائها سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي كلاهما في مجلس واحد.

وولي نيابة الشام الأمير سيف الدين قشتمر نائب السلطنة بمصر، كان، فدخل دمشق يوم السبت مستهل رمضان، وأحضر سيدنا الشيخ الإمام العلامة بهاء الدين السبكي وألزم بقضاء الشام عوضا عن أخيه، وطلب سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي أيده الله تعالى إلى الأبواب الشريفة على البريد على وظائف أخيه الشيخ بهاء الدين، وهي تدريس الشافعي والخطابة والميعاد بالجامع الطولوني، وتدريس الشيخونية، وفتيا دار العدل، مضافا إلى ما بيده بدمشق من التداريس التي لا تتعلق بالقضاء وهي، تدريس الشامية البرانية، والعذراوية، والأمينية، ومشيخة دار الحديث الأشرفية، فأقام بمصر على هذا الحكم، واستناب بمدارسه التي في دمشق بإذن السلطان له في ذلك. وقدم أخوه سيدنا الشيخ بهاء الدين المذكور إلى دمشق فدخلها آخر نهار الثلاثاء رابع شهر رمضان ونزل بالمدرسة الركنية، واستمر على القضاء وتدريس الغزالية، والعادلية، ونظر الأوقاف.

وفي رمضان توفي الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن القماح الشافعي شابا لم يبلغ الأربعين. كان متضلعا بالعلوم، من دينة الفقهاء.

وفي ذي القعدة تعرضت الفرنج المتحرمون إلى بعض السواحل، فقبض على كبارهم بدمشق، واعتقلوا، وختم على حواصلهم.

وفيه ثارت العربان بالأطراف وقطعوا السبل، فقدم الأمير صولة ابن ملك العرب جبار بن مهنا بالقود من جهة أبيه على العادة، فاعتقل بقلعة دمشق، فزاد الشر وكثر الفساد، وأخذت التجار والبريدية نهارا، فجهزت إليهم العساكر الشامية فخرجوا في رابع ذي الحجة مع النائب الأمير سيف الدين قشتمر فتسحب بعدهم بليلتين صولة المذكور من برج الطارمة بمن معه من جماعته، فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم، فأرسل في أثرهم فلم يوقع لهم خبر، ورجع العسكر إلى دمشق ولم يكن بينهم وبين العرب قتال.

ولما بلغ الأمير سيف الدين يلبغا ذلك، تنمر على نائب القلعة الأمير زين الدين فعزله وأمر بضربه فضرب بدار السعادة، واستقر على نيابة القلعة الأمير سيف الدين بهادر العلائي، وسمر من كان مترسما على صولة من القلعية وأشهروا على جمال.

ومات القاضي الإمام العالم الصدر الرئيس الكامل قاضي العساكر الحلبية ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن الصاحب شرف الدين يعقوب الحلبي ثم الدمشقي الشافعي. ولد بحلب، وسمع ابن النصيبي وغيره، ودرس وولي كتابة السر بحلب، ثم نقل إلى دمشق، فولي كتابة السر بها، ومشيخة الشيوخ، ودرس بالناصرية والشامية الجوانية، ثم صرف عن ذلك بشيخنا القاضي أمين الدين بن القلانسي، وأعيد إلى حلب على كتابة السر بها، ثم عاد في العام الماضي إلى دمشق على جهاته، وكان دينا، فاضلا، عفيفا، نزها، عديم الشر، تام العقل. توفي في ذي القعدة. وتولى بعده تدريس الناصرية سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام بهاء الدين أبو حامد السبكي، وتدريس الشامية الجوانية قاضي القضاة بدر الدين السبكي.

ومات الأمير الكبير أتابك الجيوش الإسلامية سيف الدين طاز بن عبد الله الناصري أحد الشجعان والأبطال وأكبر أمراء الدولة في سنة خمسين وما بعدها، ولما حج بيبغاروس نائب مصر في أيام الناصر حسن سنة إحدى وخمسين، أردفوه بالأمير سيف الدين طاز، فساس الأمر وتلطف بالأمير يلبغا غاية التلطف، ولما وقعت الفتنة بمنى ذلك العام، قبض على الملك المجاهد صاحب اليمن، وعلى رميثة صاحب مكة، وعلى طفيل صاحب المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فقدم بالجميع إلى مصر من غير تكلف حتى وطئوا بساط السلطان.

ثم ولي نيابة حلب في سنة خمس وخمسين كما تقدم، ثم عزل واعتقل بالكرك، ثم أحضره السلطان إلى القاهرة فكحله واعتقله بالإسكندرية، ثم أخرج إلى القدس الشريف فأقام أياما ثم حضر إلى دمشق فمات بها في العشرين من ذي الحجة.

وفي هذا العام نقض أهل ملطية وثاروا على نائبهم فخرج إلى حلب وجهز إليهم عسكرا.

سنة أربع وستين وسبعمائة

وفي صفر منها، طلب سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام بهاء الدين السبكي إلى مصر على البريد، وأعيد إلى وظائف الشيخونية، والشافعي، والجامع الطولوني، وفتيا دار العدل. وسئل سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي - فسح الله في مدته - في العود إلى قضاء الشام على عادته فلم يجب، حتى روجع في ذلك مرات فعاد بحمد الله تعالى إلى دمشق قاضيا على عادته، ودخلها بكرة يوم الثلاثاء رابع عشر ربيع الآخر، فقرت برؤية وجهه العيون، وسر بقدومه الناس أجمعون. وكان يوم دخوله إلى دمشق كالعيد لأهلها، وقد كان أيده الله تعالى في مدة إقامته بمصر على حال شهيرة من التعظيم والتبجيل، يعتقده الخاص والعام، ويتبرك بمجالسته ذوو السيوف والأقلام، ويزدحم طلبة فنون العلم على أبوابه، وتمسح العامة وجوهها بأهداب أثوابه، ويقتدي المتنسكون بما يرونه من آدابه. فالله يمتع ببقائه أهل المصرين، ويجمع له ولمواليه خير الدارين بمحمد وآله.

وفي خامس عشر شعبان، خلع السلطان الملك المنصور محمد بن الملك المظفر حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون فكانت مدة سلطنته ثلاث سنين وثلاثة أشهر، وولي عوضه الملك الأشرف شعبان ابن الأمير حسين بن الناصر محمد بن قلاوون.

وفي شهر ربيع الأول توفي الأمير حسين ولد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وهو آخر من بقي من أولاده الذكور لصلبه.

وفي يوم الخميس سلخ شهر ربيع الآخر توفي بدمشق بالعادلية الكبرى القاضي قطب الدين محمد بن عبد المحسن بن حمدان السبكي الشافعي قاضي حمص. مولده سنة ست وثمانين وستمائة. وسمع الحديث في سنة أربع وسبعمائة. وبعدها سمع بالقاهرة من الشيخ علي بن محمد بن هارون التغلبي، وأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن محمد الحبوبي وغيرهما. وسمع بمكة من الشيخ عز الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن الشيخ أبي عمر، وشهاب الدين أحمد بن الشجاع عبد الرحمن الصرخدي. وحدث فسمع منه سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي وروى عنه وهو حي. وسمع منه جماعة آخرون. وكان قد حضر إلى الشام في سنة سبع وأربعين وسبعمائة، فولاه الشيخ الإمام قضاء حمص، وتدريس النورية، والمجاهدية، والخطابة بها، فاستمر بها نائبا عن الشيخ الإمام، ثم عن ولده سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين أيده الله، وهكذا إلى سنة اثنتين وستين وسبعمائة، فنقله سيدنا قاضي القضاة تاج الدين باختياره إلى قضاء بعلبك، وتدريس النورية بها، فأقام بها على ذلك نحو شهرين، ثم أعاده إلى حمص على عادته المتقدمة فأقام بها إلى صفر من هذه السنة، ثم خرج منها ودخل دمشق لتلقي سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي فسح الله في مدته، فعرض له مرض وعزل نفسه عن القضاء، واستمر على تدريس النورية وحدها. وأقام مريضا إلى أن توفي في التاريخ المذكور رحمه الله. وكان رجلا صالحا، كثير التلاوة للقرآن، حسن الحفظ له، يختم في اليوم والليلة، وكان ينقل مذهب الشافعي جيدا، وكان معروفا باستحضار الحاوي الكبير للماوردي، ولا يدري من العلوم شيئا سوى الفقه. تفقه على الشيخ صدر الدين السبكي، ولازم حلقة الشيخ الإمام بعد العشر وسبعمائة.

وتوفي بدمشق شيخنا بدر الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد ابن محمود بن أبي القاسم ابن الزقاق المغربي الأصل، الدمشقي المولد، والمنشأ، والدار والمعهد. الكاتب، الرئيس، المسند، المكثر، الشهير بابن الجوخي، وكانت وفاته في الحادي عشر من رمضان عن بضع وثمانين سنة. ونعم الرجل كان.

وفي شوال، صرف الأمير سيف الدين قشتمر الناصري عن نيابة الشام وأقر على نيابة صفد. وولي عوضه نيابة دمشق الأمير سيف الدين منكلي بغا الناصري، فتوجه من حلب إليها، ودخلها يوم الخميس السابع والعشرين من ذي القعدة.

وفيه صرف القاضي جمال الدين بن الأثير عن كتابة السر بدمشق وعن مشيخة الشيوخ بها، وتوجه القاضي فتح الدين محمد بن إبراهيم بن الشهيد إلى القاهرة وتولى الوظيفتين المذكورتين عوضا عن المذكور. وعاد إلى دمشق وكان دخوله إليها في يوم الثلاثاء الثاني من ذي الحجة.

وفي هذا العام وقع الطاعون العام وكان ابتداء وقوعه بدمشق في شعبان.

وتوفي بالقاهرة القاضي شهاب الدين أحمد بن يس بن محمد الرباحي المالكي قاضي حلب.

وبالقدس شيخنا الزاهد القدوة المعمر أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الشافعي، ابن أخي قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة. وكان ذا حظ من الخير جاور بالمساجد الثلاثة المشرفة مدة. وكانت وفاته في ذي الحجة بعد أن ثقل سمعه.

وبدمشق الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد بن بلبان بن عبد الله البعلبكي الشافعي، المقرئ المجود، النحوي المتقن شيخ وظيفة الإقراء بتربة أم الصالح وبالأشرفية، ومدرس القليجية والعادلية الصغرى. وولي بعده التدريس بالعادلية الشيخ جمال الدين محمد بن الحسن الحارثي ابن قاضي الزبداني. وولي تدريس القليجية الشيخ شهاب الدين أحمد بن الزهري. وولي أم الصالح الشيخ شمس الدين محمد بن اللبان المقرئ، وولي التربة الأشرفية الشيخ أمين الدين عبد الوهاب بن السلار. وكان مولد المذكور ببعلبك في سنة ثمان وتسعين وستمائة. وانتقل إلى دمشق، فاشتغل بالعلم وتلا بالسبع على الشيخ شهاب الدين الحسين بن سليمان الكفري الحنفي، وأخذ عن الشيخ مجد الدين التونسي. وناب في الحكم لقاضي القضاة شهاب الدين بن المجد. وسمع من الشيخ شهاب الدين محمود بن سليمان الحلبي، وعلاء الدين علي بن إبراهيم بن داوود بن العطار وغيرهما. وباشر وظيفة إفتاء دار العدل بدمشق مدة، وخلفه فيها صهره شهاب الدين أحمد بن الزهري المتقدم ذكره، وكان موته في رمضان.

وشيخنا القاضي الأديب صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي الألبكي الشافعي. كاتب السر بمدينة حلب، ثم وكيل بيت المال بدمشق. سمع من يونس الدبابيسي وجماعة. وروى بدمشق وحلب، وألف كتبا كثيرة في عدة فنون. وكان من بقايا الرؤساء الأخيار. وولي الوكالة بعده الشيخ جمال الدين أحمد بن الرهاوي الشافعي، وكانت وفاته ليلة العاشر من شوال. ومولده تقريبا في سنة ست وتسعين وستمائة.

والأمير صلاح الدين خليل بن خاص ترك الناصري أحد أمراء الحلقة الشامية بدمشق، وكانت وفاته يوم الاثنين سلخ ذي الحجة. وكان راغبا في أهل العلم، محبا لكتبه، جامعا لها.

والصاحب تقي الدين سليمان بن علي بن عبد الرحيم بن مراجل الدمشقي، الرئيس الأمين، ناظر الجامع الأموي. وكان مولده سنة ثلاث وثمانين وستمائة. وباشر كثيرا من الجهات الديوانية. وحدث عن أقش الشبلي وولي نظر الجامع بعده القاضي علاء الدين علي بن عثمان بن شمر نوح الشافعي. وكانت وفاته ظاهر دمشق.

وشيخنا الإمام العلامة الزاهد القدوة بهاء الدين أبو الأزر هارون، الشهير بعبد الوهاب بن عبد الرحمن بن عبد المولى الإخميمي المراغي المصري، ثم الدمشقي الشافعي. وكان بارعا في المعقولات، تخرج بالشيخ علاء الدين القونوي، وروى لنا عن يونس بن إبراهيم الدبابيسي. وألف أشياء منها الكتاب المنقذ من الزلل في القول والعمل، وكان يؤم بمسجد درب الحجر، ودفن بزاوية ابن السراج، بالصاغة العتيقة داخل دمشق بالقرب من سكنه، رحمه الله.

وشيخنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن صالح بن العرضي الدمشقي التاجر المسند الخير. روى لنا عن ابن البخاري، وابن الزين، وابن المجاور، وزينب بنت مكي، وغيرهم. وحدث بجميع المسند للإمام أحمد بن حنبل. وكانت وفاته في شوال بالإسكندرية عن خمس وثمانين سنة.

والقاضي أمين الدين محمد، بن عبد العزيز بن عبد الرحيم بن علي السلمي المسلاتي المالكي المكنى أبا حيان. وكان في أول أمره شافعي المذهب ثم صار مالكيا. وناب في الحكم عن عمه سيدنا قاضي القضاة جمال الدين محمد بن عبد الرحيم المسلاتي. وسمع معنا بدمشق ومصر من جماعة كثيرين. وكان من القضاة المشكورين، كثير التواضع، حسن السيرة. وكانت وفاته بجديا من غوطة دمشق. وحمل منها ودفن بخارج باب الصغير بدمشق رحمه الله. وذلك يوم الجمعة الثاني والعشرين من شوال. وباشر نيابة الحكم بعده القاضي أمين الدين محمد بن علي الأنفي المالكي.

والأمير ناصر الدين محمد بن صلاح الدين عبد الله بن عبد الوهاب بن فضل الله العمري. أحد الجلة من أمراء دمشق. باشر شد الأوقاف بها مدة. وروى عن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدايم وجماعة. وخرجت له مشيخة وقرأها عليه مخرجها فلم يقدر لي السماع منه. وكان مشكورا، موصوفا بالخير. وكانت وفاته بأدنة من أعمال أنطرسوس في ذي القعدة.

والخطيب الإمام العلامة القدوة جمال الدين محمود بن محمد بن إبراهيم ابن جملة المحجي الأصل الدمشقي الشافعي أحد الأعيان. تفقه بعمه قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن إبراهيم بن جملة. وروى عن جماعة. ومن شيوخه القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة الحنبلي. وناب عنه في الحكم يوما واحدا. ودرس بالظاهرية البرانية، وأعاد بعدة مدارس، وأفتى وشغل وألف كتبا كثيرة. وكان ملازما لبيته، مشتغلا بما يعنيه، محبا للفقراء، دينا، صينا. وباشر خطابة الجامع الأموي بعد الشيخ تاج الدين عبد الرحيم بن القاضي جلال الدين القزويني. وكانت وفاته في العشرين من رمضان. وولي الخطابة بعده سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن السبكي أمتع الله به. وكان مولد الخطيب جمال الدين في سنة سبع وسبعمائة. وكانت جنازته مشهودة.

والأصولي الإمام عماد الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن الإسنائي الشافعي، أخو شيخنا العلامة جمال الدين عبد الرحيم الإسنائي. وكان ينوب في الحكم بالصالحية من القاهرة، وكانت وفاته في شهر رجب.

وصلاح الدين محمد بن شاكر بن أحمد الداراني الأصل، الدمشقي، الكتبي، الصوفي، الخازن، المؤرخ. روى عن الحجار وغيره. وجمع تواريخ وغيرها. وخلف جملة كثيرة. وكان في أول أمره فقيرا مدقعا. وكانت وفاته في رمضان، ودفن خارج باب الصغير ظاهر دمشق.

والصاحب جلال الدين أبو القاسم ابن الأجل الحلبي الأصل. وكان قد باشر عدة من الوظائف الديوانية. وكان عنده تواضع ومحبة لأهل الخير. توفي بالقاهرة.

والشيخ ناصر الدين محمد بن أحمد بن عبد العزيز الحنفي الشهير بابن الربوة، مدرس المقدمية بدمشق، وخطيب جامع يلبغا ظاهر دمشق. وكان فقيها، مفتيا، ذا مروءة. وولي خطابة الجامع المذكور بعد سيدنا قاضي القضاة جمال الدين يوسف ابن شيخنا قاضي القضاة شرف الدين أحمد الكفري الحنفي.

والصدر الرئيس علاء الدين علي بن أبي بكر بن محمد بن الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. أحد الموقعين بدمشق. وكان شابا، ساكنا، متواضعا.

والصدر شمس الدين عبد الرحمن بن عز الدين محمد بن أحمد بن المنجا التنوخي الحنبلي. روى لنا عن القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة وعيسى المطعم وأبي بكر بن أحمد بن عبد الدايم، وغيرهم.


*
*


العبر في خبر من غبر
الجزء الأول | الجزء الثاني | الجزء الثالث | الذيل الأول | الذيل الثاني