رسالة سليم الأول إلى قانصوه الغوري بناءً على طلبه بتزويده بكمية من الخشب وبعدد من معلمي صناعة السفن

​رسالة سليم الأول إلى قانصوه الغوري بناءً على طلبه بتزويده بكمية من الخشب وبعدد من معلمي صناعة السفن​ المؤلف سليم الأول
ملاحظات: وردت هذه الرسالة بِاللُغة العربيَّة في المُجلَّد الأوَّل من كتاب «مجموعة مُنشآت السلاطين» لأحمد فريدون بك، الصادر سنة 1275هـ في دار الطباعة العامرة بإستانبول. صحيفة 422 - 423. رابط تحميل نسخة من الكتاب. النسخة الواردة أدناه من تصحيح وتعليق أ.د. فاضل بيات، في المُجلَّد الأوَّل من موسوعة «البلاد العربيَّة في الوثائق العُثمانيَّة».


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله الذي سدَّ ثغر الإسلام بِسطوتنا السديدة، وشدَّ أزر الأنام بِقُوَّتنا الشديدة، فتوجَّه وُفُود الاقتراح نحو مقامنا الكريم لِفوز النجاح من كُلِّ فجٍّ عميق، وجعلنا خلف الماضين وشرف الباقين، ومنحنا قُدرةً وافية بِإنجاح مناجح المُؤمنين وإصلاح مصالح المُسلمين، ووفَّقنا بِهذه الكرامة الكافية، إنَّهُ وليُّ التوفيق، والصلوٰة على رسُوله الأُميّ والنبيّ الهاشمي مُحمَّد، مثل شرعه القويم مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلَّف عنها غرق، وهو الأمين الصدِّيق الشفيع المُشفِّع الشفيق، وعلى آله وأصحابه الذين أجرين سفاين نُفُوسهم الطاهرة بِرخاء هدايته الباهرة من سواحل التقليد إلى لُجَّة التحقيق، وبعد؛

فإنَّا أصدرنا هذه المُفاوضة اللطيفة إلى الحضرة العليَّة الأعلميَّة الأعمليَّة الأكليَّة الأعدليَّة الأورعيَّة الأكرميَّة الأفخميَّة الأعظميَّة العونيَّة الغوثيَّة، وهو الذي جمع المحاسن كُلُّها، وجرت عليها المفاخر ذيلها، وألقت لديه المعالي مقاليدها، وأرجعت إليه إخبار المكارم أسانيدها، حامي الحرمين المُكرَّمين المُبجلين المُعظمين نصير الإسلام والمُسلمين ظهير أمير المُؤمنين أبويمُلاحظة 1 السُلطان الغوري، أعزَّ الله تعالىٰ أنصاره، وضاعف اقتداره، ولا زالت الأيَّام مُطابقة لهواه، والأقدار مُوافقة لِرضاه، وساعاته مقرونة بِالسُرُور، وأوقاته مضمونة بِالحُبُور، وأحواله تُرابط بِالحُسنى، وأفعاله تُقارن بِاليُمنى، وما برح وليُّه في ظُهُورٍ وغلب، وعدُّوِّه في ثُبُورٍ وعطب، ما كرَّ الأجدان، واتَّفق الفرقدان، وضاء القمران، ولاح الدبران، وقرَّت الأرض قرارها، وألفت الأفلاك مدارها، نهدي إليه سلامًا يتموَّج قُمقام الأُلفة الأزليَّة بِنسماته، وتُقرا غُربة الأفئدة في مرسى الخُلُوص بِمُرساته، وثنائ لو ورد البحر الأُجاج لِأصبح عذبًا فُراتًا، وصادف العظام البالية لأحياها بعد أن كانت رُفاتًا، ونُبدي لِعلمه الوريف أنَّ كتابه الشريف كان صفحته سفينة الدُّرر، وسُطُوره حبائل الطُّرر على الغُرر، على يد الصدر الأجلّ المُحترم المُقرَّب المُؤتمن المُكرَّم جمال الدين يُوسُف القُبطان، رُزقت سلامته، وصل إلينا وفتح لدينا وتلا ما تضمَّنه بين يدينا، فاطلعنا على ما فيه من سُؤال المطالب، وطلب المباغي والمآرب، فبادرنا قُبُولها وسارعنا حُصُولها على قدرٍ ما تابع لِلتقدير، ومفاتح إغلاقها رهينةً بِيد التيسير، وكيف لا نهتم بها فإنَّ المُضاعفة في إتمام المهام من محاسن الشيم، والمُسارعة إلى قضاء الوطر من مواجب الكرم، ومن شيمنا المشهورة وخصايصنا المأثورة إفاضة ما يؤمل، وإجازة ما يُسأل، فصدرت أوامرنا العالية لِلخشب الباقية من السنة الماضية التي لم يسع جملها جفانكم أن يقبض كُلُّها قُبطانكم.

وأمَّا خُصُوص صنعة الخشب، فاحتُجب هذا المطلب، لِسبب شيءٍ مُبهم المباني والأُصُول وعُذرٌ قويّ، والعُذرُ عند كرام الناس مقبول، وهو أنَّ آراءنا الصائبة اقتضت قبل هذا أن نُعمِّر مائة مركب كبيرة لا صغيرة، تذب سواريها وتُناطح مناكب الجوزاء منَّا كُبها، فأمرنا أن نُكمل عددًا وعُددًا لِتخريب بُيُوت من قال ﴿ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدًا ۗ، وإبراز التوحيد على التثليث، وإنهاض الطيِّب بِإدحاض الخبيث، ونرجوا من الله تعالىٰ أن يُتمَّ بِالخير تجهيزها بِرجالٍ أكُفُهم في قوابض القرضاب، وتجعلها مضابًا مُمتثلةً بِذبابِ شغاب، وأُسُودٍ غضاب، وترفض بِحجارةٍ مُسوَّمةٍ سُبحها، وتنقض على شياطين الكُفر شُهبُها، وكان أهل المواضع التي يُقطع منها الأخشاب، وخلق الأراضي التي تُؤخذ منها الجُذُوع لِتهيئة الأسباب، موسومين بإحضار حوايج الفُلك المأمور، فلا يستطيعون مُباشرة غير تلك الأُمُور، فالمقام العالي ينبغي أن لا يحمل ذلك على التقصير والفُتُور، وغور ماء الحُب الموفور، وخُمُود جمر الود المبرور، إذ ليس بِغائبٍ عن عُلُومه الكريمة والأغارب أنَّ المرحوم المغفور حامد كما جاء العتبة العليَّة العُثمانيَّة في أيَّام دولة السُلطان الأعظم السعيد الماجد، أنار الله بُرهانه، راغبًا في بُغيته، وطالبًا نيل حاجته، عاد يُلجج طلبه، وبُلُوغ همَّته، ولقاء أُمنيته، وحُصُول مُنيته، بناءً على المحبَّة المُتشعبة من تعارف الأرواح والمودَّة المُنبعثة من الأُلفة الثابتة قبل تشاهد الأشباح، ونحنُ نُريد أن يزيد لِهذه المحبَّة الموروثة والمودَّة المبثوثة، انتشار جناح وامتداد غُرر وأوضاح، وليس في خواطرنا الشريفة إلَّا الاستمرار على جادتها، والاستكثار من مادتها، فلا يُهمل فيما تيسَّر، ولا يُمهل إلَّا فيما تعذَّر، والطلبات الباقيات اقترنت بِالنجاح، والإسعاف في كُلِّها ترتب على الاقتراح، وأحكامنا النافذة وردت على الحُكَّام ومُباشري الأعمال لِفرط الاهتمام بِحولها على أتمِّ وجه وأحسن حال، وأمَّا ما أشرتم إليه إنَّ صاحب البلاد الهنديَّة أرسل إلى جنابكم العالي على طريقة الهديَّة أربعة أفيالٍ ذوي جُثثٍ ضخم، فما وصل منها إلَّا الاثنان إلى أبوابكم العليَّة، فقسَّمتم كما يُقسِّم الإخوان المُتحابان وجهَّزتم واحدًا منهما نحو سُدَّتنا السُنيَّة، فصادف محل الارتضاء والقُبُول، تُرهب النواظر في خلفتها العجيبة عند الوُصُول، فكبَّرنا الخلَّاق ذا القُوَّة المتين كيف ذرأه وبرَّأه وفطره وقدَّره وخلقه وعدله وسوَّاه وأنشأه وصوَّره وأحياه، ﴿فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَٰلِقِينَ.

والآن أعدنا القُبطان المومى إليه مصحوبًا بالسلامة، محفوفًا بِالكرامة، وآتينا هذا الكتاب بِيمينه مسرورًا، وأفضنا عليه خُلع الإحسان والإنعام، فكان سعيُه مشكورًا وحمَّلناه لِمكانكم العالي من السلامة ما هو أزكى من عُرف الورد ونشر الخُزام، والله تعالىٰ يخُصُّكم من نُعمائه الجليلة وآلائه الجزيلة بِالقسم الأجزل الأوفى، والسهم الأكمل الأكفى، بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلى، ويمُد ظلالكم ويُؤيِّد إقبالكم، ويُمهِّد جلالكم، ويُؤتي سُؤالكم، ويزيد فضلكم بِمنِّه وكرمه إن شاء الله تعالىٰ.

تحريرًا في أوائل جُمادى الآخرة [921هـ] بِيورت قونية.مُلاحظة 2

هوامش عدل

  1. أي أبي.
  2. المُوافق فيه 13 تمُّوز (يوليو) 1515م. و«بيورت» يُقصد بها «ببلاد».