زمان عيشنا فيه اضطرار

زمانٌ عيشُنا فيه اضطرارُ

​زمانٌ عيشُنا فيه اضطرارُ​ المؤلف مصطفى صادق الرافعي


زمانٌ عيشُنا فيه اضطرارُ
كما تحتَ الثرى دُفن النضارُ
نحاذرهُ ومن يخشَ الرزايا
فاصعبُ من رزاياهُ الحذارُ
ويلهو بعضُنا كالشاةِ ترعى
وقدْ حدت بجانبها الشفارُ
وإطراقُ الزمانِ يغرُّ قوماً
وما إطراقهُ إلا افتكارُ
يظنُ المرءُ أن قد فرَّ منهُ
ولكن كانَ منهُ لهُ الفرارُ
إذا وسعتْ في قفصٍ لطيرٍ
فكيفَ يفرُّ والقفصُ المطارُ
أرىما تمنحُ الدنيا هموماً
فأهنى العيشِ أمنٌ وافتقارُ
وكيفَ يُسرُّ ذو دينٍ تراهُ
يزيدُ ديونهُ هذا اليسارُ
لعمركَ إنما الأموالُ حزنٌ
فإن العمرَ ثوب مستعارُ
وما ماتَ الغنيُّ بغيرِ همٍّ
وأيةُ حسرةٍ هذا الخسارُ
كأن المالَ أقلامٌ فمنها
بسفرِ العمرِ حذف واختصارُ
كأنَّ خزانةَ الأموالِ قبرٌ
ففي نفسِ الغنيِّ بها انكسارُ
ويا عجباً من الأقدارِ تجري
وبعدَ وقوعِ ما تجري تدارُ
رأيتُ الفقرَ للفقراءِ حظاً
وفي أهلِ الغنى لهم اعتبارُ
وإن نالَ الفقيرَ الهمُّ يوماً
فأهونُ من لظى النارِ الشرارُ
يذلُ لهُ الزمانُ فلا يبالي
بما يأتي المساءُ ولا النهارُ
فيا كوخَ الفقيرِ غدوتَ دنيا
وكلُّ الأرضِ للفقراءِ دارُ
على تلكَ القصورِ أرى دخاناً
أخفَ عليكَ منهُ ذا الغبارُ
وفيكَ سلامةٌ من كلِّ همٍّ
وفيها من همومِ الدهرِ نارُ
عليكَ الشمسُ تاجٌ لم ينلهُ
سواكَ ومن حلى الظلِّ السوارُ
وإن يكن الزمانُ لهُ أميرٌ
فمن فيهِ لذا الدهرِ احتقارُ
كأن الدهرَ أليسَ جلدَ هرٍّ
وكلُّ مملكٍ في الناسِ فارُ
وما يغني كبارَ الإسمِ شيءٌ
وأنفسهم وإن كبروا صغارُ
فيا كوخَ الفقيرِ إذاً سلاماً
فأنتَ لبهجةِ الدنيا وقارُ
وما تلكَ القصور سوى ذنوبٌ
وأنتَ لها من الدهرِ اعتذارُ