شرح العقيدة الطحاوية/قوله: ( ونؤمن باللوح والقلم، وبجميع ما فيه قد رقم )
ونؤمن باللوح 1 والقلم 2، وبجميع ما فيه قد رقم
شرح: قال تعالى: { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } 3.
وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني بسنده إلى النبي ﷺ أنه قال: إن الله خلق لوحاً محفوظاً، من درة بيضاء، صفحاتها ياقوتة حمراء، قلمه نور وكتابه نور، لله فيه كل يوم ستون وثلاثمئة لحظة، وعرضه ما بين السماء والأرض، ينظر فيه كل يوم ستين وثلاثمائة نظرة، يخلق ويرزق ويميت ويحيي، ويعز ويذل، ويفعل ما يشاؤه.
اللوح المذكور هو الذي كتب الله مقادير الخلائق فيه، والقلم المذكور هو الذي خلقه الله وكتب به في اللوح المذكور المقادير، 4، عن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: يا رب، وماذا أكتب ؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة.
واختلف العلماء: هل القلم أول المخلوقات، أو العرش ؟ على قولين، ذكرهما الحافظ أبو العلاء الهمداني، أصحهما: أن العرش قبل القلم، لما ثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله ﷺ: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء. فهذا صريح أن التقدير وقع بعد خلق العرش، والتقدير وقع عند أول خلق القلم، بحديث عبادة هذا. ولا يخلو قوله: أول ما خلق الله القلم، إلخ - إما أن يكون جملة أو جملتين.
فإن كان جملة، وهو الصحيح، كان معناه: أنه عند أول خلقه قال له: اكتب، كما في اللفظ: أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب بنصب أول و القلم، وإن كان جملتين، وهو مروي برفع أول و القلم، فيتعين حمله على أنه أول المخلوقات من هذا العالم، فيتفق الحديثان، إذ حديث عبد الله بن عمرو صريح في أن العرش سابق على التقدير، والتقدير مقارن لخلق القلم. وفي اللفظ الآخر: لما خلق الله القلم قال له: اكتب، فهذا القلم أول الأقلام وأفضلها وأجلها.
وقد قال غير واحد من أهل التفسير: إنه القلم الذي أقسم الله به في قوله تعالى: { ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } 5.
والقلم الثاني: قلم الوحي: وهو الذي يكتب به وحي الله إلى أنبيائه ورسله، وأصحاب هذا القلم هم: الحكام على العالم. والأقلام كلها خدم لأقلامهم.
وقد رفع النبي ﷺ لله ليلة أسري به إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام، فهذه الأقلام هي التي تكتب ما يوحيه الله تبارك وتعالى من الأمور التي يدبرها، أمر العالم العلوي والسفلي.
هامش
- ↑ [قال الألباني: وهو المذكور في قوله تعالى: ( بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ) البروج: 22 وهو من الغيب الذي يجب الإيمان به ولا يعرف حقيقته إلا الله واعتقاد أن بعض الصالحين يطلعون على ما فيه كفر بالآيات والأحاديث المصرحة بأنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى]
- ↑ [قال الألباني: ذكر الشارح هنا أن العلماء اختلفوا هل القلم أول المخلوقات أو العرش ؟ على قولين لا ثالث لهما وأنا وإن كان الراجح عندي الأول كما كنت صرحت به في تعليقي عليه ( ص 295 ) 264 - 265 فإني أقول الآن: سواء كان الراجح هذا أم ذاك فالاختلاف المذكور يدل بمفهومه على أن العلماء اتفقوا على أن هناك أول مخلوق والقائلون بحوادث لا أول لها مخالفون لهذا الاتفاق لأنهم يصرحون بأن ما من مخلوق إلا وقبله مخلوق وهكذا إلى ما لا أول له كما صرح بذلك ابن تيمية في بعض كتبه فإن قالوا: العرش أول مخلوق كما هو ظاهر كلام الشارح نقضوا قولهم بحوادث لا أول لها. وإن لم يقولوا بذلك خالفوا الاتفاق فتأمل هذا فإنه مهم. والله الموفق]
- ↑ [البروج: 22]
- ↑ [كما في سنن أبي داود]
- ↑ [القلم: 1]