صبوح دم يساجله غبوق

صبوح دمٍ يساجله غبوق

​صبوح دمٍ يساجله غبوق​ المؤلف أحمد محرم


صبوح دمٍ يساجله غبوق
وليل ردىً يواصله شروق
لقد طالت معاقرة المنايا
فما تصحو السيوف وما تفيق
إذا وصفوا حمياها لقومٍ
تخاذلت المفاصل والعروق
وما تدري السقاة بأي كأسٍ
تطوف وأي ذي طربٍ تشوق
ترى شرابها صرعى إذا ما
تحستها الحلاقم والحلوق
كأن الأرض والهةً توالت
فجائعها وأعوزها الشفيق
تتابع ما يحل بساكنيها
من النوب الثقال وما يحيق
كأن جميع أهليها تجارٌ
وكل بلادها للموت سوق
لقد هد الممالك ما تعاني
من القدر المتاح وما تذوق
حروب يستغيث البغي منها
وينبو الإثم عنها والفسوق
تداس بها الشرائع والوصايا
وتنتهك المحارم والحقوق
تفنن في المهالك موقدوها
وبعض تفنن الحذاق موق
تردى البر والإيمان فيها
وضج الكفر منها والعقوق
فما يرضى إله الناس عنها
ولا يرضى يغوث ولا يعوق
إذا ابتدرت أجادلها مطاراً
أسف النسر وانحط الأنوق
إذا دانت مكان النجم هاجت
وساوسه ولج به الخفوق
تبيت له الفراقد جازعاتٍ
إذا هتك الظلام لها بريق
يهيج خبالها تأويب طيفٍ
يخال له لمامٌ أو طروق
إذا ابتدر السرى منها فريقٌ
تعثر في مساريه فريق
غمائم لحن من بيضٍ وسودٍ
تريق من المنايا ما تريق
تصب الموت أحمر لا قضاءٌ
يدافعه ولا قدرٌ يعوق
سهام وغىً تسددها عقولٌ
لها في كل غامضةٍ مروق
تباري الجن في الإبداع آناً
تحاكيها وآونةً تفوق
إذا الأسباب كانت واهياتٍ
دعت فأجابها السبب الوثيق
جرت طلقاً فجاءت سابقاتٍ
وجاء وراءها الأمد السحيق
وأخرى تنفث الأهوال يجري
بمقذوفاتها القدر الطليق
ترد حقائق الزلزال وهماً
وتبطل ما ادعاه المنجنيق
لقد حمل الردى المجتاح منها
ومن أهوالها ما لا يطيق
إذا قذفت فملء الجو رعبٌ
وملء الأرض موتٌ أو حريق
تتابع لجتين دماً وناراً
سلام الناس بينهما غريق
يهم إليه ويلسن حين يدعى
وقد سد الطريق فلا طريق
حماه من القياصر كل غازٍ
يسوق من الفيالق ما يسوق
يعبئها وينفذها سراعاً
تراع لها العواصف والبروق
إذا ضاقت فجاج الأرض عنها
سمت في الجو فانفرج المضيق
وفي الدأماء داءٌ مستكن
وجرحٌ في جوانحها عميق
إذا الأسطول أحدث فيه رتقاً
توالت في جوانبه الفتوق
تطير مدائن النيران منه
وتهوي الفلك فيه والوسوق
يخيب الحول المرجو فيه
ويهلك عنده الآسى اللبيق
أصاب بشره الدنيا جميعاً
فما تصفو الحياة وما تروق
تفاقمت الخطوب فلا رجاءٌ
وأخلفت الظنون فلا وثوق
تطالعنا السنون مروعاتٍ
ونحن إلى أهلتها نتوق
يمر العهد بعد العهد شراً
فأين الخير والعهد الأنيق
نوائب روع التنزيل منها
وضج القبر والبيت العتيق
أيقدر للممالك ما تمنى
وقد علقت بني الدنيا علوق
أمض قلوبنا داءٌ دخيلٌ
وهم في جوانحنا لصيق
وبرح بالترائب مستطيرٌ
يعاوده التميز والشهيق
وجف الريق حتى ود قومٌ
لو أن السم في اللهوات ريق
بنا من ضارب الحدثان مالا
يطيق مضاءه العضب الذليق
كأن جراحه في كل قلبٍ
شفاهٌ للمنية أو شدوق
رويد البوم والغربان فينا
أما يفنى النعيب ولا النعيق
أكل غديةٍ بالسوء داعٍ
وكل عشيةٍ للشر بوق
وددنا للنواعب لو عمينا
وسدت من مسامعنا الخروق
يكذب ما نخاف من البلايا
رجاء الله والأمل الصدوق
ويعلو الحق بين مهولاتٍ
من الأنباء باطلها زهوق
أقول لجازع الأقوام صبراً
فإن الصبر بالعاني خليق
إذا فدحت خطوب الدهر يوماً
فنعم العون فيها والرفيق
رويدك إن ريب الدهر حتمٌ
وإن الشر في الدنيا عريق
لعل الله يدركنا بغوثٍ
يبدل ما يروع بما يروق
له الآلاء سابغةً ومنه
خفي اللطف والصنع الرقيق
يريد فترعوي النكبات عنا
وتزدجر الخطوب وتستفيق
نؤمل ما يليق به ونشكو
إليه من الأذى ما لا يليق