صفا لي من ورد الشبيبة ما صفا

صفا ليَ من وردِ الشبيبة ما صفا

​صفا ليَ من وردِ الشبيبة ما صفا​ المؤلف عبد الجبار بن حمديس


صفا ليَ من وردِ الشبيبة ما صفا
وجادَ زماني بالأماني فانصفا
وشنّفتُ أذني بالهوى حُسنُ منطقٍ
بنجواه غازلتُ الغزال المشنّفا
لياليَ كانتْ بالسرورِ منيرةٍ
وكان قناعي حالكاً لا مفوّفا
وشربي من نسلِ الغمام سلالةً
تعودُ من العنقود في الدنّ قرقفا
معتّقةً حمراءَ ينساغ صِرفها
إذا الماء فيها بالمزاج تصرّفا
كماءِ عقيقٍ في الزّجاجِ مُنَظّمٍ
عليه من الإزباد دّراً مجوفا
توقّدَ في كفِّ المنادم نورها
ولكنه بالشرب في فمه انطفا
تطوفُ بها ممشوقةُ القدّ زرفنتْ
من المسك في الكافور صُدغاً مُعطفا
إذا أعرضتْ في الدلّ ذلّ أخو الهوى
وصاغَ لها لفظَ الخضوع المُلطّفا
هنالك خفّتْ بي إلى اللهو صبوةٌ
وثقّلتِ الكاساتُ كفّي بما كفى
كأنِّيَ لم أقنصْ نَوَارا من المها
ولم أجنِ عذبَ الرشفِ من مُرّة الجفا
ذكرتُ الحمى والساكنيه ودونه
خِضَمّ عليه تنبري الرّيحُ حرجفا
ولما أقلوا يوم بينهمُ على
هلال السُّرى للشمس خدراً مسجفا
وألْقَتْ حُلاها من يديها وعَطّلَت
من الحلي فيد جيدَ رئم تشوّفا
سقى الأقحوان الطلُّ.... عفّة
وعضّتْ من الحُزْنِ البنانَ المُطَرّفا
ولما جرى الدرّ الرطيبُ بخدها
وسال إلى الدر النظيم توقّفا
وأين تراهُ ذاهبا عن جنى فمٍ
كأنَّ رضابَ الكأس منــــ ترشّفا
أما وشبابٍ بالمشيب أعتبرتُهُ
فأشرقتُ عيني بالدموع تأسفا
لقد سرتُ في سهب المديح هدايةً
ومثلي فيه لا يسيرُ تعسفا
ولو كنتُ من دُرّ الدّراري نظمته
لكانَ عليّ منه أعلى وأشرفا
همامٌ من الأملاك هزّ لواءَه
وأوضحَ حوليه الجيادَ وأوجفا
شجىً ذكره للروم كالموت إن جرى
أخافَ، وإن أوفى على النفس أتلفا
ذَبوبٌ عن الإسلام مَدّ لجيشِهِ
جناجاً عليه بالأسِنَّةِ رفرفا
يردّ عن الضرب الحديد مثلَّماً
ويثني عن الطعن الوشيجَ مقصَّفا
إذا ظَلَلّتْهُ الطيرُ كانت أجورها
جسوماً ثَنى عن طَعنها الزُّرْقَ رُعّفَا
نسورٌ وعقبانٌ إذا هي أقبلتْ
محلقةً سَدّتْ من الجوِّ نَفْنَفَا
وتحسبها في نقعهِ رقمَ بُرقعٍ
يجولُ على وجهٍ من الشمس مُسدفا
حمى ما حمى من بيضةِ الدّين سيفهُ
وأشفق في ذات الإله وعنّفا
ومن عَدَمٍ أغنى، ومن حيرةٍ هدَى
ومن ظمإٍ أروى، ومن مرض شفى
كريمُ السجايا لوذعيّ زمانه
تَهَذّبَ من أخلاقه وتظرّفا
إذا عنَّ رأيٌ كالسُّها في ضيائه
ولم يكف أذكى رأيه الشمس فاكتفى
سما في العلا قدرا فأدرك ما سما
إليه، وأصمى سَهْمُهُ ما تهدفا
سكوبُ حيا الكفين لا ناضبُ النّدى
ولا مخلفٌ وعداً إذا الغيث أخلفا
تريه خفيّات الأمور بصيرةٌ
كأن حجابَ الغيب عنها تكشّفا
بذكْرِ ابن يحيَى عَطّرَ الدهرَ مَدْحُنَا
وخَلّدَ فيه ذكرنا وتشرّفا
جوادُ بنانِ البذل منه غمائمٌ
تصوبُ على أيدي بني الدهر وُكفّا
عليم بسرّ الحرب من قبل جهرها
وقرع الصفا بين الفريقين بالصفا
يقارع منهم حاسرا كل مُعْلَمٍ
أفاضَ عليه الفارسيَّ المضعفا
عصاهُ لتأدِيب العُصاةِ إذا بَغَوْا
غِرارُ حسامٍ يقرعُ الهامَ مرهفا
على أنّه راسي الأناة مخدَّعٌ
إذا زاغَ حلم عن ذوي الحزم أو هفا
بنو الحرب أنتم أرضعتكم ثديّها
فمفترق الأقدام فيكم تألّفا
لكم قُلُبٌ بالذابلات وبالظبا
أخاديد في............
إذا ما بدا طعنُ الكماة وضربهم
كنقطٍ وشكلٍ منه أعجمت أحرفا
فدع عنك ما حظته........
........................
لك الخيلُ تسري الليلَ من كل سلهبٍ
ترى بطنه من شدة الركض مُخْطَفا
إذا وطئت شمَّ الجبال نَسَفْنَها
بنصرك للتوقيع في الجيش حُرِّفا
إذا وطئت شمَّ الجبال نسفتها
وغادرْنها قاعاً لعينيك صفصفا
فيه ملكَ العصر الذي ظلّ عدله
على الدين والدنيا صفا منه ما صفا
نداك بطبعٍ للعفاة ارتجلتهُ
وغيرك رَوّى في نداه تَكَلُّفَا
وكم من فقير بائس قد وصلته
فأضحى غنياً يسحب الذيل مترفا
لمدحك أضحت كلّ فكرةِ شاعرٍ
مصنفةً منه غريباً مصنفا
وإنَّ كنتُ عن حَفْلِ العُلى غائباً فلي
ثناءٌ كعرفِ المسك بالفضل عرّفا