صفحة:آثار البلاد وأخبار العباد.pdf/11

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
(١٢)

الميعان والسمايم تنشف المياه في الأسقية فلا يبقى الماء معهم إلّا أيّاما قلائل.

فيحتالون بأن يستصحبوا معهم جمالاً فارغة من الأحمال ويعطشونها قبل ورودهم الماء الذي يدخلون منه في تلك البراري ثمّ أوردوها على الماء نهلاً وعللاً حتى تمتلي أجوافها ويشدون أفواهها كي لا تجتر فتبقى الرطوبة في أجوافها فإذا نشف ما في أسقيتهم واحتاجوا إلى الماء نحروا جملاً جملاً وترمّقوا بما في بطونها وأسرعوا بالسير حتى يردوا مياها أخرى وحملوا منها في أسقيتهم.

وهكذا ساروا بعناء شديد حتى قدموا الموضع الذي يحجز بينهم وبين أصحاب التبر فعند ذلك ضربوا طبولًا ليعلم القوم وصول القفل. يقال: انّهم في مكان وأسراب من الحرّ وعراة كالبهائم لا يعرفون الستر. وقيل: يلبسون شيئا من جلود الحيوان فإذا علم التجار أنّهم سمعوا صوت الطبل أخرجوا ما معهم من البضائع المذكورة فوضع كلّ تاجر بضاعته في جهة منفردة عن الأخرى وذهبوا وعادوا مرحلة فيأتي السودان بالتبر ووضعوا بجنب كلّ متاع شيئا من التبر وانصرفوا.

ثمّ يأتي التجار بعدهم فيأخذ كلّ واحد ما وجد بجنب بضاعته من التبر ويترك البضاعة وضربوا بالطبول وانصرفوا ولا يذكر أحد من هؤلاء التجّار أنّه رأى أحدا منهم.


بلاد الحبشة


هي أرض واسعة شمالها الخليج البربري وجنوبها البرّ وشرقها الزنج وغربها البجة الحرّ بها شديد جدّا وسواد لونهم لشدّة الاحتراق وأكثر أهلها نصاري يعاقبة والمسلمون بها قليل. وهم من أكثر الناس عددا وأطولهم أرضا لكن بلادهم قليلة وأكثر أرضهم صحارى لعدم الماء وقلّة الأمطار وطعامهم الحنطة والدخن وعندهم الموز والعنب والرمان ولباسهم الجلود والقطن.

ومن الحيوانات العجيبة عندهم: الفيل والزرافة. ومركوبهم البقر يركبونها بالسرج واللجام مقام الخيل وعندهم من الفيلة الوحشيّة كثير وهم يصطادونها.

فأمّا الزرافة فإنّها تتولّد عندهم من الناقة الحبشيّة والضبعان وبقر الوحش يقال لها بالفارسيّة «اشتركاوپلنك» رأسها كرأس الإبل وقرنها كقرن البقر وأسنانها كأسنانه وجلدها كجلد النمر وقوائمها كقوائم البعير وأظلافها كأظلاف البقر وذنبها كذنب الظباء ورقبتها طويلة جدّا ويداها طويلتان ورجلاها قصيرتان.

وحكى طيماث الحكيم أنّه بجانب الجنوب قرب خطّ الاستواء في الصيف تجتمع حيوانات مختلفة الأنواع على مصانع الماء من شدّة العطش والحرّ فيسفد نوع غير نوعه فتولد حيوانات غريبة مثل الزرافة فإنّها من الناقة