فاعتمد في تلك الحالة على نابيه، وأصلهما مجوّف، فانقلعا من أصلهما وأدبر الفيل وبقي النابان في يد هارون، وكان ذلك سبب هزيمة الهند، وغنم المسلمون، فقال هارون في ذلك :
ناحية واسعة بأرض الهند تشتمل على مدن كثيرة، بها شجرة الفلفل وهي شجرة عالية لا يزول الماء من تحتها، وثمرتها عناقيد إذا ارتفعت الشمس واشتدّ حرّها تنضمّ على عناقيدها أوراقها، وإلّا أحرقتها الشمس قبل إدراكها، وشجر الفلفل مباح إذا هبّت الريح سقطت عناقيدها على وجه الماء، فيجمعها الناس، وكذلك تشنّجها، ويحمل الفلفل من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب، وأكثر الناس انتفاعا به الفرنج يحملونه في بحر الشام إلى أقصى المغرب.
بلدة على فرسخ من مكّة طولها ميلان، وهي بين جبلين مطلّين عليها، بها مصانع وآبار وخانات وحوانيت تعمر أيّام الموسم، وتخلو بقيّة السنة إلّا ممّن يحفظها.
من عجائبها أن الجمار التي ترمى منذ حجّ الناس إلى زماننا هذا لا يظهر بها من غير أن تكسحها السيول أو يأخذها الناس، ولولا الآية الأعجوبة التي فيها لكان ذلك الموضع كالجبال الشاهقة.
وبها مسجد الخيف ومسجد الكبش، وقلّ أن يكون في الإسلام بلد إلّا ولأهله مضرب.
مدينة بأرض الهند ؛ قال مسعر بن مهلهل : بها غياض هي منابت القنا، ومنها يحمل الطباشير، والطباشير رماد هذا القنا، وذلك انّها إذا جفّت وهبّت بها الرياح احتكّ بعضها ببعض واشتدّت فيها الحرارة، فانقدحت فيها نار ربّما أحرقت مسافة خمسين فرسخا، فرماد هذا القنا هو الطباشير يحمل إلى سائر البلاد.
مدينة بأرض الهند يكثر بها العود حتى يقال للعود المندل، وليس هي منبته، فإن منابته لا يصل إليها أحد، قالوا : ان منابت العود جزائر وراء خطّ الاستواء ويأتي به الماء إلى جانب الشمال، فما انقلع رطبا فإذا أصابته ريح