ولما أدى فريضة الحج عاد إلى الحيرة في أوائل فصل
الربيع فكانت غيبته على الجند يسيرة ، فما وصلت إلى
الحيرة مؤخرة الجيش حتى وافاهم خالد مع صاحب الساقة
فقدما معا، وخالد وأصحابه محلقون ، وقد كان تكتمه
شديداً حتى إنهم ظنوا أنه كان في هذه المدة بالفراض ولم
يعلم أبو بكر بحج خالد مع أنه كان في الحج أيضاً ، غير
أنه بعد قليل بلغه الخبر فاستاء جدًا وعتب عليه ، وكانت
عقوبته أن صرفه إلى الشام ليمد جموع المسلمين باليرموك
فأرسل إليه كتاباً هذا نصه :
« سر حتى تأتي جموع المسلمين باليرموك فإنهم قد
شجو(۱) وأشجوا وإياك أن تعود لمثل ما فعلت ، فإنه لم
يُشجِ الجموعَ من الناس بعون الله شجاك ، ولم ينزعِ
الشجى من الناس نزعك ، فليهنئك أبا سليمان النية
والحُظوة ، فأتمم يتمم الله لك ، ولا يدخلنك عُجبٌ
فتخسر و تخذل ، وإياك أن تدلّ بعمل فإن الله له المن وهو
وليّ الجزاء » .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شجي الرجل يشجي : حزن . وشجاه الهم يشجوه شجواً من باب قتل اذا احزنه.