وتأسف حيث لم ير فيه أحد يستخبر منه عن تلك البركة والسمك والجبال والقصر ثم جلس بين الابواب يتفكر واذا هو بأنين من كبد حزين فسمعه يترنم بهذا الشعر
فلما سمع السلطان ذلك الانين نهض قائما وقصد جهته فوجده سترا مسبولا على باب مجلس فرفعه فرأى خلف الستر شابا جالسا على سرير مرتفع عن الارض مقدر ارذراع وهو شاب مليح بقد رجيح ولسان فصيح وجبين أزهر وخد أحمر وشامة على كرسى خده كترس من عنبر كما قال الشاعر
ففرح به الملك وسلم عليه والصبي جالس وعليه قباء حرير بطراز من ذهب لكن عليه أثر الحزن فرد السلام على الملك وقال له ياسيدي اعذرنى فى عدم القيام فقال الملك أيها الشاب اخبرني عن هذه البركة وعن سمكها الملون وعن هذا القصر وسبب وحدتك فيه وما سبب بكائك فلما سمع الشاب هذا الكلام نزلت دموعه على خده وبكى بكاء شديدا فتعجب الملك وقال ما يبكيك أيها الشاب فقال كيف لا أبكى وهذه حالتى ومد يده الى أذياله فرفعها فاذا نصفه التحتانى الى قدميه حجر ومن سرته الى شعر راسه بشر ثم قال الشاب اعلم أيها الملك ان لهذا السمك أمرا عجيبا لو كتب بالابر على آماق البصر لكان عبرت لمن اعتبر وذلك يا سيدى أنه كان والدى مالك هذه المدينة وكان اسمه محمود صاحب الجزائر السود وصاحب هذه الجبال الاربعة أقام فى الملك سبعين عاما ثم توفي والدى وتسلطنت بعده وتزوجث بابنة عمى وكانت تحبنى محبة عظيمة بحيث اذا غبت عنها لا تأكل ولا تشرب حتى ترانى فمكثت فى عصمتى خمس سنين الى أن ذهبت يوما من الايام الى الحمام فامرت الطباخ ان يجهز لنا طعاما لاجل العشاء ثم دخلت هذا القصر ونمت فى الموضع الذى أنا فيه وأمرت جاريتين أن يروحا على وجهى فجلست واحدة عند راسى والاخرى عند رجلى وقد قلقت لغيابها ولم يأخذنى نوم غير أن عينى مغمضة ونفسى يقظانه فسمعت التى عند رأسى تقول للتى عند رجلى يا مسعودة أن سيدنا مسكين شبابه ويا خسارته مع سيدتنا الخبيثة الخاطئة فقالت الاخرى لعن الله النساء الزانيات ولكن مثل سيدنا واخلاقه لايصلح لهذه الزانية التى كل ليلة تبيت فى غير فراشه فقالت التى عند رأسى أن سيدنا مغفل حيث لم يسأل عنها فقالت الاخرى ويلك وهل عند سيدنا علم بحالها أوهى تخليه باختياره بل تعمل له عملا فى قدح الشراب الذى يشربه كل ليلة قبل المنام فتضع فيه البنج فينام ولم يشعر بما يجرى ولم يعلم أين تذهب ولا بما تصنع لانها بعدما تسقيه الشراب تلبس ثيابها وتخرج من عنده